مشكلة الرسل الاثني عشر

كانت المهمة الأولى التي اضطلع بها يسوع بعد اعتماده على يد يوحنا المعمدان وسماعه للصوت الإلهي، هي دعوته التلاميذ للانضمام إليه. نقرأ في إنجيل مرقس: «وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله … وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان وأندراوس أخاه يُلقيان شباكًا في البحر لأنهما كانا صيَّادَين، فقال لهما يسوع: هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيَّادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وهما في السفينة يُصلحان الشباك، فدعاهما للوقت فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأُجراء وذهبا وراءه» (مرقس، ١: ١٤–٢٠). وللوقت شرع يسوع في مهامه التبشيرية وراح يجول في القرى والبلدات المجاورة ويشفي المرضى والمقعدين ومَن بهم مسٌّ. «ثم خرج إلى البحر فأتاه كلُّ الجمع فأخذ يُعلِّمهم. وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حَلفى جالسًا عند مكان الجباية (لأنه كان عشَّارًا، أي جابي ضريبة)، فقال له اتبعني، فقام وتَبِعه» (مرقس، ٢: ١٣–١٤). وبذلك يغدو عددُ التلاميذ المباشرين خمسة؛ أربعة صيادي سمك هم الأخوان سمعان (= بطرس) وأندراوس، والأخوان يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، والخامس عشَّار يُدعى لاوي بن حلفي.

أما عن الظروف التي أحاطت بدعوة بقية التلاميذ المباشرين الذين جعلهم يسوع رُسلًا فغير واضحة عند مرقس، ولكننا في الإصحاح الثالث نجد عددهم قد بلغ اثنَي عشر: «ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه، وأقام اثنَي عشر ليكونوا معه وليُرسلهم ليكرزوا ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض. وجعل لسمعان اسم بطرس، ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد، وأندراوس، وفيلبس، وبرثولماوس، ومتَّى، وتوما، ويعقوب بن حلفي، وتداوس، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي» (مرقس، ٣: ١٣–١٩). ونلاحظ في هذه القائمة أن مرقس لم يذكر اسم لاوي بن حلفي العشَّار الذي جعله في الإصحاح الأول خامس التلاميذ الذي تبعوا يسوع منذ البداية.

يسير متَّى على خُطَى مرقس في قصة دعوة التلاميذ الأربعة الأوائل: «ولما سمع يسوع أن يوحنا أُسلم انصرف إلى الجليل، وترك الناصرة وأتى فسكن في كفر ناحوم … وإذ كان يسوع ماشيًا عند بحر الجليل أبصر الأخوين: سمعان الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخاه، يُلقيان شباكًا في البحر لأنهما كانا صيادَين، فقال لهما هلمَّ ورائي فأجعلكما صيادي الناس، فللوقت تركا الشباك وتبعاه، ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين، يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يُصلحان شباكهما فدعاهما، فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه» (متَّى، ٤: ١٣–٢٢). أما عن دعوة التلميذ الخامس الذي أطلق عليه مرقس اسمَ لاوي بن حلفي، فلمتَّى فيه روايةٌ أخرى: «وفيما هو مجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متَّى، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه» (متَّى، ٩: ٩). وعلى هذا يكون التلميذ الخامس الذي يعمل عشَّارًا هو متَّى لا لاوي بن حلفي كما هو الحال عند مرقس. فيما يتعلق بهذه النقطة يقول المفسرون الكنسيون بأن متَّى هو اسم آخر للاوي بن حلفي. ولكن لو كان الأمر كذلك لكان من السهل على مؤلف إنجيل متَّى أن يقول: «وفيما هو مجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متَّى الذي هو لاوي بن حلفي» لا سيما إذا كان متَّى العشَّار هذا هو نفسه مؤلف إنجيل متَّى، وهو أدرى الناس باسمه وبلقبه الآخر إذا كان له مثل هذا اللقب أو الاسم البديل. وفي الحقيقة فقد كان مرقس واضحًا عندما دعا التلميذ الخامس لاوي ثم أضاف إليه اسم أبيه حلفي على سبيل توكيد هويته، وذلك على عكس معظم بقية أسماء قائمته؛ حيث اكتفى بالاسم الأول، فقال: فيلبس، برثلماوس، توما … إلخ. والتفسير الأقرب إلى المنطق هو أن كُلًّا من متَّى ومرقس قد تلقَّى خبرًا مخالفًا للخبر الذي تلقَّاه زميله، وأن الغموض يحيط بهوية رسل يسوع، وحتى بعددهم كما سنرى لاحقًا.

وكما هو الحال عند مرقس فإن الظروف المحيطة بدعوة بقية التلاميذ غيرُ واضحة أيضًا عند متَّى. وهو في الإصحاح العاشر يُعطينا قائمةً بأسمائهم بعد أن بلغ عددهم اثنَي عشر: «ثم دعا تلاميذه الاثنَي عشر وأعطاهم سلطانًا يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كلِّ مرضٍ وعلَّةٍ. وهذه أسماؤهم: أولهم سمعان الذي يقال له بطرس (= صخر)، وأندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثلماوس. توما ومتَّى العشَّار. يعقوب بن حلفي ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه. هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلًا: … اشفوا مرضى، طهروا برصًا، أقيموا موتى، أَخرِجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا. لا تقتنوا ذهبًا ولا نحاسًا في مناطقكم، ولا مزودًا للطريق، ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا، لأن العامل يستحق طعامه» (متَّى، ١٠: ١–١٠). وكما نلاحظ من قراءة هذه القائمة فإن متَّى قد أعطى للتلميذ العاشر اسمين عندما قال «لباوس الملقب تداوس». وهذا يعني أن متَّى قد تلقَّى خبرَين متناقضَين بخصوص هذا التلميذ؛ الأول تلقَّاه من مرقس الذي دعاه في قائمته تداوس، والثاني جاءه من مصدر آخر دعاه لباوس. هذا الغموض الذي يحيط بالتلميذ العاشر يزداد عندما نرى أن لوقا قد دعاه في قائمته باسم ثالث هو يهوذا بن يعقوب.

في رواية لوقا لدعوة التلاميذ هنالك بعض الاضطراب. فبعد الظهور العلني الأول ليسوع عندما دخل المجمع في الناصرة وما جرى هنالك من جدال بينه وبين اليهود، نجده دون مقدمات يأتي إلى بيت بطرس الذي لم يكن بعدُ تلميذًا: «ولما قام من المجمع دخل بيت سمعان (= بطرس)، وكانت حماة سمعان قد أخذَتها حمى شديدةٌ فسألوه من أجلها، فوقف عند رأسها وانتهر الحمَّى فتركتها، وفي الحال قامت وصارت تخدمهم» (لوقا، ٤: ٣٨–٣٩). في الإصحاح التالي ينتقل المؤلف إلى رواية دعوة التلاميذ. فقد خرج يسوع ووقف عند بحيرة جنيسارت (= طبريا) فازدحمَت حوله الجموع لتسمع منه. فدخل سفينةً راسيةً هناك كانت لبطرس وصار يُعلم الجموع من السفينة، ولما فرغ من الكلام قال لبطرس أن يُبعد سفينته إلى العمق ويُلقي مع النوتية شباكَهم للصيد، فأمسكوا سمكًا كثيرًا حتى صارت شباكهم تتمزَّق، فدعوا شركاءَهم في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم فملئوا السفينتَين. فلما رأى بطرس هذه المعجزة: «خرَّ عند ركبتي يسوع قائلًا: أخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ. إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه، وكذلك أيضًا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكَي سمعان (بطرس). فقال يسوع لسمعان: لا تخف، من الآن تكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتَين إلى البرِّ تركوا كلَّ شيء وتَبِعوه» (لوقا، ٥: ١–١١).

إلى جانب اختلاف تفاصيل رواية لوقا عن رواية متَّى ومرقس، والذي يُعزى إلى تفرُّدِ كلٍّ منهما بأسلوب أدبي خاص استعمله في صياغة الخبر، فإن ما يلفت نظرنا في هذه الرواية هو انفرادها بمعجزة تكثير السمك، إضافة إلى غياب اسم أندراوس أخي بطرس عن مسرح الحدث. ولولا الشهادة السابقة لمرقس ومتَّى لما كان باستطاعتنا أن نعرف بوجود صلة الأخوَّة بين بطرس وأندراوس الذي يَرِد اسمُه لاحقًا في قائمة الرسل.

وكما هو الحال عند مرقس ومتَّى فإن دعوة التلميذ الخامس تتأخر قليلًا عند لوقا، وهو يتَّبع مرقس في تسميته ولكنه يدعوه لاوي فقط بدلًا من لاوي بن حلفي: «وخرج بعد ذلك فأبصر عشَّارًا اسمه لاوي جالسًا في بيت الجباية، فقال له اتبعني، فترك كلَّ شيءٍ وقام فتبعه. وأقام له لاوي مأدبةً عظيمة في داره. وكان على المائدة معهم جماعةٌ كبيرة من العشَّارين وغيرهم، فقال الفريسيون وكتبتهم لتلاميذه متذمرين: لماذا تؤاكلون وتشاربون العشَّارين والخاطئين؟ فأجاب يسوع: ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب بل المرضى. ما جئت لأدعو الأبرار إلى التوبة بل الخاطئين» (لوقا، ٥: ٢٧–٣٢).

ثم إن المسألة تنعقد أكثر عندما يُورد لنا لوقا بعد ذلك قصةً مشابهة بطلها أيضًا عشَّار اختار يسوع أن يُضيف عنده عندما دخل أريحا في طريقه إلى أورشليم: «ودخل يسوع أريحا وراح يجتازها. فإذا رجلٌ من رؤساء العشَّارين غنيٌّ اسمه زكا قد جاء طالبًا أن يرى يسوع، فلم يستطع لكثرة الزحام لأنه كان قصيرًا. فأسرع إلى جميزة فصعدها ليراه. فلما وصل يسوع إلى ذلك المكان رفع بصره وقال له: يا زكا، انزل على عجل لأني سأقيم اليوم في بيتك. فنزل على عجلٍ وأضافه مسرورًا. فلما رأوا ذلك قالوا كلهم متذمرين: دخل بيتَ رجل خاطئ ليقيم عنده. فوقف زكا فقال: سيدي، سأتصدق على الفقراء بنصف أموالي، وإذا كنت قد ظلمت أحدًا شيئًا أردُّه عليه أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم نال الخلاص هذا البيت. لأن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلِّصه» (لوقا، ١٩: ١–١٠).

بعد دعوة لاوي نجد عدد التلاميذ قد تكاثر، فدعاهم يسوع واختار منهم اثنَي عشرَ سماهم رُسلًا، وهم: «سمعان ودعاه صخرًا (= أي بطرس باليونانية) وأندراوس أخوه، ويعقوب، ويوحنا، وفيلبس، وبرتلماوس، ومتَّى، وتوما، ويعقوب بن حلفي، وسمعان الملقَّب بالغيور، ويهوذا بن يعقوب، ويهوذا الإسخريوطي» (لوقا، ٦: ١٤–١٦). ونلاحظ في هذه القائمة أن لوقا قد دعا التلميذ المدعو تداوس (عند مرقس) ولباوس (عند متَّى) بالاسم يهوذا بن يعقوب. كما أنه سار على خطى مرقس عندما أسقط من قائمته اسمَ لاوي الذي جعله في الإصحاح السابق خامسَ التلاميذ.

ولننظر الآن إلى قوائم أسماء الرسل لدى الإزائيين الثلاثة في سياق مقارن:

قائمة مرقس ٣: ١٦–١٩ قائمة متَّى ١٠: ٢–٤ قائمة لوقا ٦: ١٣–١٦
(١) سمعان بطرس سمعان بطرس سمعان بطرس
(٢) أندراوس أندراوس أندراوس
(٣) يعقوب يعقوب يعقوب
(٤) يوحنا يوحنا يوحنا
(٥) متَّى (لاوي بن حلفي؟) متَّى متَّى (لاوي؟)
(٦) فيلبُس فيلبُس فيليبس
(٧) برتلماوس برتلماوس برتلماوس
(٨) توما توما توما
(٩) يعقوب بن حلفي يعقوب بن حلفي يعقوب بن حلفي
(١٠) تداوس لباوس الملقب تداوس يهوذا بن يعقوب
(١١) سمعان القانوي سمعان القانوي سمعان الغيور
(١٢) يهوذا الإسخريوطي يهوذا الإسخريوطي يهوذا الإسخريوطي
من تأمُّلِ هذه القوائم ومقارنتها بالروايات المتعلقة بدعوة التلاميذ الخمسة الأوائل لدى الإزائيين الثلاثة تُواجهنا ثلاثُ مشكلات، وهي:
  • (١)

    في رواية دعوة التلاميذ، دُعيَ التلميذ الخامس الذي يعمل عشَّارًا بالاسم لاوي بن حلفي عند مرقس، وبالاسم لاوي عند لوقا، وبالاسم متَّى عند متَّي. أما في قائمة أسماء الرسل فيُدعى متَّى لدى الإزائيين الثلاثة. وهذا يعني أن الإنجيليين قد تلقَّوا أخبارًا متناقضةً بخصوص اسم هذا العشَّار، أو أنه كان هناك عشَّاران دعاهما يسوع واستجابَا لدعوته، أحدهما يُدعى لاوي بن حلفي والثاني يُدعى متَّى، أو أن هذا العشَّار كان يحمل اسمين في الوقت نفسه. ولكني أميل إلى القول بوجود عشَّارَين اثنين أسقطَت القوائمُ اسمَ واحد منهما من أجل الحفاظ على الرقم ١٢. فهذا الرقم ذو طبيعة رمزية، ولا يعني بالضرورة وجود اثنَي عشر رسولًا؛ فهو أولًا رقم مقدس لدى جميع الثقافات لأنه يعكس حركةَ الشمس السنوية خلال مرورها بالأبراج السماوية الاثنَي عشر، وفيما يتعلق بالمسيحية فإن يسوع هو الشمس وتلاميذه هم الأبراج؛ وثانيًا فإن عدد التلاميذ يقابل عدد أسباط إسرائيل الاثنَي عشر، وهو بدوره كان رقمًا رمزيًّا لا يعكس في الواقع عددَ الأسباط. وقد ألمح يسوع نفسه إلى هذه المقابلة عندما قال: «متَّى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثنَي عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثنَي عشر» (متَّى، ١٩: ٢٨).

  • (٢)

    دُعي التلميذ العاشر بالاسم تداوس عند مرقس، ولباوس عند متَّى، ويهوذا بن يعقوب عند لوقا. ونحن هنا مرةً أخرى أمام ثلاثة تلاميذ لا تلميذ واحد يحمل ثلاثة أسماء. وقد اختار كلُّ إنجيلي واحدًا من هؤلاء التلاميذ وأسقط البقية، وذلك من أجل الحفاظ على الرقم ١٢.

  • (٣)

    فيما يتعلق بالتلميذ الحادي عشر الذي دُعي عند مرقس ومتَّى بسمعان القانوي وعند لوقا بسمعان الغيور، فإن كلمة القانوي هي كلمة آرامية وتعني الغيور، أي المنتمي إلى جماعة الغيورين على الدين، وهي جماعة دينية متطرفة كانت تسبِّب المتاعب للحكم الروماني في اليهودية. وعليه فإن الاسمَين هما لشخص واحد.

إن خلاصة ما تقودنا إليه هذه المقارنة، هو أن قائمة الرسل لدى الإزائيِّين يجب أن تحتويَ على ١٥ رسولًا بعد إضافةِ كلٍّ من لاوي بن حلفي، ولباوس، ويهوذا بن يعقوب. ولكن المفاجأة التي تنتظرنا في رواية يوحنا لدعوة التلاميذ، هي ظهور تلميذَين جديدَين لم يَرِد ذكرهما لدى الإزائيين. وهذا ما يرفع عدد الرسل إلى ١٧.

في إنجيل يوحنا لدينا مسرح مختلف وسيناريو مختلف لرواية دعوة التلاميذ. فهنا لا نرى التلاميذ الأوائل يصطادون السمك في بحيرة طبريا أو يُصلحون شباكهم، وإنما نراهم في عبر الأردن تجاه أريحا حيث كان يوحنا يُعمد بالماء لمغفرة الخطايا، وكان اثنان منهما قد تحوَّلا بعد العماد إلى تلميذَين ليوحنا، وهما أندراوس أخو بطرس وتلميذ آخر لم يُفصح المؤلف عن اسمه، ولكننا نفهم من السياق اللاحق لأحداث الإنجيل أنه «التلميذ الذي أحبَّه يسوع» مع بقاء اسمه مُغْفلًا.

نقرأ في الإصحاح الأول:

«وفي الغد أيضًا كان يوحنا واقفًا واثنان من تلاميذه، فنظر إلى يسوع ماشيًا، فقال: هو ذا حمل الله. فسمعه التلميذان يتكلم فتبعَا يسوع. فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما: ما تطلبان؟ فقالا: رابي، الذي تفسيره يا معلم، أين تقيم؟ فقال لهما تعالا وانظرا. فأتيا ونظرا أين كان يقيم، ومكثا عنده ذلك اليوم. وكانت الساعة نحو العاشرة (= الرابعة بعد الظهر). كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحدًا من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتَبِعاه. هذا وجد أخاه سمعان فقال له: قد وجدنا مَسِيَّا، الذي تفسيره المسيح. فجاء به إلى يسوع، فنظر إليه يسوع وقال: أنت سمعان بن يونا، أنت تُدعَى صفا الذي تفسيره بطرس.

«في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل، فوجد فيليبس فقال له اتبعني. وكان فيليبس من بيت صيدا مدينة أندراوس وبطرس. فيليبس وجد نثنائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء: يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيءٌ صالح؟ فقال له فيليبس: تعالَ وانظر. ورأى يسوع نثنائيل مقبلًا إليه، فقال عنه: هو ذا إسرائيلي لا غش فيه. فقال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيليبس وأنت تحت التينة رأيتك. أجاب نثنائيل وقال له: يا معلم أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل» (يوحنا، ١: ٣٥–٤٩).

نلاحظ من قراءة هذا النص أن عدد التلاميذ الأوائل الذين دعاهم يسوع هو خمسة تلاميذ، كما هو الحال لدى الإزائيين الثلاثة، ولكن مع اختلاف الأسماء.

فهُمْ عند الإزائيين:

بطرس – أندراوس – يعقوب – يوحنا – متَّى (أو لاوي بن حلفي).

وهم عند يوحنا:

بطرس – أندراوس – التلميذ المجهول – فيليبس – نثنائيل.

لم يورد لنا يوحنا بعد ذلك قائمةً كاملةً بأسماء الرسل، على الرغم من إشارته إلى الاثنَي عشر في موضع واحد فقط (يوحنا، ٢٠: ٢٤). ولكنه ذكر منهم في سياقات مختلفة إضافةً إلى أولئك الأربعة المدعوين أولًا، كلًّا من: توما ويهوذا بن يعقوب الذي دعاه يهوذا غير الإسخريوطي تمييزًا له عن الإسخريوطي، ثم يهوذا الإسخريوطي. كما ذكَر ابنَي زبدي (أي يعقوب ويوحنا) مرةً واحدةً فقط دون الإفصاح عن اسمَيهما. أي أن القائمة الكاملة تحتوي على عشرة رُسلٍ فقط، هم:

بطرس، أندراوس، فيليبس، توما، يهوذا غير الإسخريوطي، يهوذا الإسخريوطي، ابنا زبدي، التلميذ المجهول، نثنائيل.

بناءً على ما تقدَّم فإن قائمة الرسل الوارد ذكرهم في الأناجيل الأربعة، يجب أن تحتويَ في رأينا على ١٧ رسولًا بدلًا من ١٢ وفق ما يلي، بعد تغيير موضع اسم متَّى ليغدوَ التلميذ الخامس، وذلك وفق ترتيبِ دعوتِه الذي جاء بعد الأربعة الأوائل:

(١) بطرس (٢) أندراوس (٣) يعقوب (٤) يوحنا (٥) متَّى (٦) لاوي بن حلفي (٧) فيليبس (٨) برتلماوس (٩) توما (١٠) يعقوب بن حلفي (١١) تداوس (١٢) لباوس (١٣) يهوذا بن يعقوب (١٤) سمعان الغيور (١٥) يهوذا الإسخريوطي (١٦) نثنائيل (١٧) التلميذ المجهول.

إن خلاصة ما يمكن قوله بخصوص الرسل هو أن تعبير «الاثنا عشر» هو تعبيرٌ عامٌّ للدلالة على الحلقة الداخلية الضيقة من تلاميذ يسوع وهم الذين أرسلهم أمامه للتبشير. ويبدو أن عدد هؤلاء لم يكن معروفًا ولا ثابتًا، ولكنهم بالتأكيد لم يكونوا اثنَي عشر على وجه التحديد. ويزداد الأمر تعقيدًا عندما يقول لنا لوقا بأن يسوع أرسل سبعين آخرين للتبشير في المدن والقرى: «وبعد ذلك أقام الرب سبعين آخرين، ثم أرسلهم اثنين اثنين يتقدمونه إلى كل مدينة أو موضع كان مزمعًا أن يذهب إليه، وقال لهم: … اذهبوا. ها أنا ذا أُرسلكم كالحملان بين الذئاب، لا تحملوا صرةً ولا مزودًا ولا نعلَين، ولا تُسلِّموا على أحدٍ. وأي بيت دخلتم إليه فقولوا السلام على هذا البيت؛ فإن كان فيه ابن سلام فسلامكم يحلُّ به وإلا عاد إليكم … وأية مدينة دخلتم ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى ساحاتها وقولوا: حتى الغبار الذي عَلِق بأقدامنا من مدينتكم ننفضه لكم. ولكم اعلموا بأن ملكوت الله قد اقترب» (لوقا، ١٠: ١–١١). وهذه التعليمات التي يعطيها يسوع للسبعين كان قد أعطاها سابقًا للاثنَي عشر، الأمر الذي يدلُّ على أن لوقا اعتبر هؤلاء السبعين رُسلًا أيضًا وأن العدد عنده قد ارتفع إلى ٨٢ رسولًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤