ليلة القبض على يسوع

بعد انتهاء يسوع من العشاء الأخير مع تلامذته، خرج بهم قاصدًا بيتَ عنيا كعادته. ولكنه كان يعرف في سريرته أنه ربما لن يصل إلى هناك؛ لأن يهوذا لا بد فاعل ما هو بصدده هذه الليلة بعد افتضاح أمره. وبعد أن قطع يسوع وادي قدرون الذي يفصل أورشليم عن جبل الزيتون شرقًا، توقَّف ودخل بستانًا تعوَّد ارتياده مع تلاميذه في ضيعة صغيرة تُدعى جتسماني. وهنا يقدم لنا إنجيل يوحنا الرواية الأكثر واقعية لما حدث:

«وخرج يسوع مع تلاميذه بعدما قال هذا الكلام، فعبَرَ وادي قدرون ودخل هو وتلاميذه بستانًا هناك. وكان يهوذا الذي أسلمه يعرف ذاك المكان لكثرة ما اجتمع فيه يسوع وتلاميذه. فجاء يهوذا بالجند والحرس الذين بعثهم الأحبار والفريسيون وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فتقدَّم يسوع وهو يعلم جميع ما سيحدث وقال لهم: مَن تطلبون؟ فأجابوه: يسوع الناصري. قال لهم: أنا هو، وكان يهوذا الذي أسلمه واقفًا معهم. فلما قال لهم أنا هو، رجعوا القهقرى ووقعوا على الأرض. فسألهم يسوع ثانية: مَن تطلبون؟ قالوا: يسوع الناصري. فأجاب يسوع: قلت لكم إني أنا هو، فإذا كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. فتم القول الذي قال سابقًا: لم أدَعْ أحدًا من الذين وهبتهم لي يهلك. وكان سمعان بطرس يتقلد سيفًا، فاستلَّه وضرب عبدَ رئيس الكهنة فقطع أُذُنَه اليمني، وكان اسم العبد مَلخُس. فقال يسوع لبطرس: أغمد السيف. أفلا أشرب الكأس التي جعلها لي أبي» (يوحنا، ١٨: ١–١١).

في هذا المقطع من إنجيل يوحنا نحن أمام رواية شاهد عيان يروي تفاصيل واقعية لم يلونها خيال المؤلف بعناصر أدبية. نستثني من ذلك تفصيلًا صغيرًا يتعلق بوجود مجموعة من الجنود الرومان جاءوا مع يهوذا وحرس الهيكل. وهذا العنصر غير موجود في روايات التقليد المرقسي الثلاث، كما أنه لا يتفق مع مجريات الأحداث اللاحقة التي تدل على أن الوالي بيلاطس لم يكن على علمٍ مسبق بمؤامرة القبض على يسوع. وحتى لو كان على علم مسبق ومقتنعًا من ناحيته بخطر يسوع وضرورة القبض عليه، لكان أرسل من قِبله مجموعة من الجنود لتنفيذ المهمة دون الاستعانة بحرس الهيكل، لأن مثل هذه المهمة كانت تتعلق بالأمن الروماني بالدرجة الأولى، لا بالقضايا الدينية اليهودية التي لم يكن يفقه منها شيئًا.

ولكن روايات التقليد لمرقس أدخلت على هذه الرواية الواقعية عددًا من عناصر التشويق الأدبي، وبينها قبلة يهوذا الذائعة الصيت والتي صارت رمزًا للخيانة في الخيال الإنساني. فهذه القبلة لم تَرِد في رواية يوحنا، ولم يكن لها ضرورة من حيث الأساس، لأن إشارة من إصبع يهوذا نحو يسوع كانت كافيةً للتعريف بهويته، هذا إذا افترضنا أن حرس الهيكل لم يكونوا يعرفون يسوع الذي بقيَ ثلاثة أشهر في الخريف الماضي يتردد على الهيكل يُعلِّم فيه ويجادل الشيوخ والكتبة والفريسيين وجواسيس رئيس الكهنة، ثم عاد في هذا الفصح فأحدث جلبةً في الهيكل عندما طهره من الصيارفة والتجار. نقرأ في إنجيل مرقس:

«ثم سبَّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون. ووصلوا إلى ضيعة يُقال لها جتسماني، فقال لتلاميذه: اقعدوا هنا ريثما أُصلِّي. ثم مضى ببطرس ويعقوب ويوحنا، وجعل يستشعر رهبةً وكآبةً. فقال لهم: نفسي حزينة حتى الموت، امكثوا هنا واسهروا. ثم ابتعد قليلًا وخرَّ على الأرض يُصلِّي لتعبر عنه الساعة إن أمكن. قال: يا أبتا، إنك على كل شيء قدير، فاصرف عني هذه الكأس. ولكن لا كما أنا أشاء بل كما أنت تشاء. ثم رجع فوجدهم نيامًا، فقال لبطرس: يا سمعان أما قدرتَ أن تسهر ساعةً واحدة؟ اسهروا وصلُّوا لئلا تدخلوا في تجربة. الروح نشيط أما الجسد فضعيف. ثم مضى أيضًا يصلِّي ويُردِّد الكلام عينه. ورجع أيضًا فوجدهم نيامًا والنعاس أثقلَ جفونَهم فلم يدروا بماذا يُجيبونه. ثم رجع ثالثةً وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا، قُضيَ الأمر وأتت الساعة. هوذا ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الخطاة. قوموا لنذهب، هوذا الذي يُسلِّمني قد اقترب.

وبينما هو يتكلم أقبل يهوذا أحد الاثنَي عشر على رأس عصابة كثيرة العدد تحمل السيوفَ والعصيَّ أرسلها الأحبار والكتبة والشيوخ. وكان الذي أسلمه قد جعل لهم علامة قائلًا: الذي أُقبِّله هو هو. فأَمْسكوه وسُوقوه محفوظًا. وما إن وصل حتى دنا منه قائلًا: يا سيدي، يا سيدي، وقبَّله. فألقَوا أيديَهم عليه وأمسكوه. فاستلَّ أحد الحاضرين سيفه وضرب عبدَ رئيس الكهنة فقطع أُذُنَه. فقال لهم يسوع: كأنه على لصٍّ خرجتم بسيوفٍ وعصيٍّ لتأخذوني. كنت كل يوم معكم في الهيكل أُعلِّم ولم تمسكوني، وإنما حدث هذا لكي تتمَّ الكتب. فتركه الجميع وهربوا. وتَبِعه شابٌّ لابسًا إزارًا على عريِّه فأمسكوه فتخلى عن الإزار وهرب عريانًا.» (مرقس، ١٤: ٣٢–٥٢)

على الرغم مما تعرفه عن أسلوب مرقس الجاف وخلوِّه من الخيال الأدبي، إلا أنه يقدم لنا هنا مشهدًا مشبعًا بالخيال الأدبي في غاية الجمال والروعة عن محنة يسوع في بستان جتسماني عندما راح يصلي منفردًا وتلاميذه نيام، ويناجي ربَّه بكلمات ما زالت تمسُّ شغاف قلوب قراء الإنجيل. وقد نسخ عنه كلٌّ من متَّى ولوقا هذا المشهد بعناصره الرئيسية. إلا أننا نرجح أن تكون محنة يسوع في جبل الزيتون قبل القبض عليه من ابتكار مرقس، لأن يسوع كان ينطق بكلماته والجميع نيام. فمَن الذي سمعه ينطق بها ثم نقلها إلى مؤلف الإنجيل؟ ومَن الذي رآه يصلي ثلاث مرات وفي كل مرة يعود إلى تلاميذه ليجدَهم نيامًا؟

يقتبس متَّى رواية مرقس بحذافيرها عما جرى في بستان جتسماني، ولكنه يضيف إليها ما ورد في إنجيل يوحنا من أمر يسوع لبطرس أن يغمد سيفه بعد أن استلَّه وضرب به عبد رئيس الكهنة، ثم يتوسَّع في خطاب يسوع: «وإذا واحد من أصحاب يسوع مدَّ يده واستلَّ سيفه وضرب عبدَ رئيس الكهنة فقطع أُذُنَه. فقال له يسوع: أغمد سيفك، لأن مَن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك. أتظن أني لا أستطيع الآن أن أسأل أبي فيمدني الساعة بأكثر من اثنَي عشر جيشًا من الملائكة؟ ولكن كيف تتم الكتب التي تقول إن هذا ما يجب أن يحدث؟» (متَّى، ٢٦: ٥١–٥٤).

أما لوقا الذي يتبنَّى الرواية نفسها، فيضيف إليها معجزة إبراء يسوع لأُذُن عبد رئيس الكهنة المقطوعة، ويحذف قول يسوع: «لأن مَن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك»: «فلما رأى أصحابه ما يوشك أن يحدث قالوا: يا رب أنضرب بالسيف؟ وضرب أحدُهم عبدَ رئيس الكهنة فقطع أُذُنَه اليمنى. فأجاب يسوع: قفوا عند هذا الحد، ولمس أُذُنَه فأبرأها» (لوقا، ٢٢: ٤٩–٥١).

وكما نلاحظ، فإن مرقس وحده قد تفرَّد بذكر شاب تَبِع يسوع عندما سِيق مخفورًا، وكان شبهَ عارٍ ليس عليه غير إزار، فلما أمسكوا به تخلَّى عن الإزار وهرب عريانًا (مرقس، ١٤: ٥١–٥٢). فمَن هو هذا الشاب؟ ولماذا كان شبهَ عارٍ؟ هل كان بصحبة يسوع عندما ابتعد عن جماعته وراح يصلي؟ هل هو التلميذ الحبيب الذي كان شاهدًا على محنة يسوع والبقية نيام؟ أسئلة ربما كانت الإجابة عليها كامنة في ثنايا إنجيل مرقس السري الذي لم تصلنا منه إلا نتفٌ قليلة، إضافة إلى هذه الشذرة المعلقة في الفراغ في إنجيل مرقس القانوني.

ولكن لماذا كان على يسوع أن يُعتقل بخيانة من أحد تلاميذه؟ ولماذا كان على عملية الاعتقال أن تجريَ سرًّا وفي الليل في هذا المكان المنعزل؟ ألم يكن من الممكن اعتقاله وهو يُعلِّم في الهيكل نهارًا ودون الحاجة إلى خائن من جماعته يدل عليه وعلى مكان تواجده ليلًا؟ إن الجواب التقليدي على هذه الأسئلة يذهب إلى أن سلطة الهيكل كانت تخشى من وضع يدها عليه نهارًا وعلى مرأى من الناس، منعًا لحدوث شغبٍ وتمرُّدٍ بين صفوف الشعب. وهذا التفسير يجد سندًا له فيما ورد في إنجيل مرقس: «وكان وقوع الفصح والفطير بعد يومين، وكان الأحبار يلتمسون حيلةً يُمسكونه بها فيقتلونه، لأنهم قالوا لا نفعل ذلك في العيد مخافة حدوثِ شغبٍ في الشعب» (مرقس، ١٤: ١–٢). وأيضًا: «فسمع الأحبار والكتبة فجعلوا يبحثون كيف يُهلكونه. وكانوا يخافون من ذلك لأن الجمع كان معجبًا بتعليمه» (مرقس، ١١: ١٨).

والحقيقة التي بينَّاها في أكثر من بحثٍ سابق هي أن يسوع خلال زياراته السابقة لأورشليم، وفي هذه الزيارة الأخيرة، لم يُفلح في استمالةِ عددٍ كبير من يهود أورشليم. وقد لخَّص إنجيل يوحنا موقف اليهود منه بالكلمات التالية: «أتاهم يسوع بجميع هذه الآيات فلم يؤمنوا به، ليتمَّ ما قال النبي إشعيا: رب، مَن الذي آمن بكلامنا، ولمَن ظهرَت يدُ الرب» (يوحنا، ١٢: ٣٧–٣٨). أما عن «الجمع الذي كان معجبًا بتعليم يسوع» وفقَ نصِّ مرقس، فقد وصفهم إنجيل يوحنا بالنفاق؛ حيث قال في سياق وصفه لزيارة سابقة ليسوع: «ولما كان في أورشليم مدة الفصح، آمن باسمه كثيرٌ من الناس لما رأوا من الآيات التي يأتي بها. على أن يسوع لم يطمئن إليهم لأنه كان يعرفهم كلهم ولا يحتاج إلى مَن يخبره عن أحد، فقد كان يعلم ما في الإنسان» (يوحنا، ٢: ٢٣–٢٥). يُضاف إلى ذلك أن الإعجاب بالتعليم شيء، ووصول هذا الإعجاب حدَّ التمرد والشغب والفتنة شيء آخر. ولو أن الشعب كان مستعدًّا للشغب من أجل اعتقال يسوع، لكان شغبه أشدَّ من أجل صلبه. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث بل على العكس، فقد كان حشد اليهود المجتمع أمام قصر بيلاطس يهتف: «اقتله، اقتله، اصلبه» (يوحنا، ١٩: ١٥). و: «اقتل هذا وأطلق لنا براباس» (لوقا، ٢٣: ١٨). و: «دمه علينا وعلى أولادنا» (متَّى، ٢٧: ٢٥).

بعد القبض على يسوع ساقوه إلى قيافا رئيس الكهنة، وكان الوقت بعد منتصف الليل وقد تفرَّق الرسل كلٌّ يطلب نجاته، عدا بطرس الذي تَبِع يسوع على ما يرويه مرقس:

«فذهبوا بيسوع إلى رئيس الكهنة، فاجتمع الأحبار والشيوخ والكتبة كلهم. وتَبِعه بطرس عن بُعد إلى دار رئيس الكهنة وقعد مع الحرس يستدفئ عند النار … وبينما بطرس في الساحة السفلي من الدار، جاءت جارية من جواري رئيس الكهنة فتفرَّست فيه وقالت: أنت كنت مع الناصري مع يسوع. فأنكر قائلًا: لا أدري ولا أفهم ما تقولين. ثم انسل خارجًا إلى الدهليز، فصاح الديك. فرأته الجارية وأخذت تقول للحاضرين: إن هذا منهم، فأنكر أيضًا. وبعد قليل قال الحاضرون لبطرس: حقًّا أنت منهم لأنك جليلي أيضًا ولغتك تُشبه لغتهم. فأخذ يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل الذي تقولون عنه. فصاح الديك مرةً ثانية. فتذكَّر بطرس قول يسوع: قبل أن يصيح الديك مرتين تُنكرني ثلاث مرات. وأخذ يبكي» (مرقس، ١٤: ٥٣–٧٢).

هذه القصة تتكرر بحذافيرها لدى كلٍّ من متَّى ولوقا، وهي تحتوي على مشكلتين؛ الأولى تتعلق بكيفية تعرُّف الجارية (أو الجاريتين على التوالي وفق رواية متَّى) على بطرس مع أنها لم ترَه من قبل ولم تكن مع الفريق الذي خرج للقبض على يسوع؟ والثانية تتعلق بكيفية دخول بطرس إلى بيت رئيس الكهنة، الذي يمثل السلطة المدنية العليا في أورشليم ومن المفترض ألَّا يدخل أحد بيته الذي هو مقرُّه الإداري إلا وفق إجراءاتٍ خاصة. هاتان المشكلتان تحلهما رواية إنجيل يوحنا التي تبدو أقرب إلى الواقع. فقد تعرَّف على بطرس شخصٌ كان من مجموعة القبض على يسوع. وبطرس دخل إلى بيت رئيس الكهنة بعد أن توسط له التلميذ المحبوب الذي كان مع الاثنَي عشر في بستان جتسماني، والذي تجاهل التقليد المرقسي على عادته وجوده. وقد كان هذا التلميذ الأورشليمي معروفًا لدى رئيس الكهنة وتربطه معه أواصرُ صداقة عائلية قديمة، على ما أوضحنا في بحثنا السابق عن مشكلة إنجيل يوحنا. نقرأ عند يوحنا:

«فقبض الجند والقائد وحرس اليهود على يسوع وأوثقوه، ومضَوا به إلى دار حنان وهو حمو قيافا رئيس الكهنة في تلك السنة … وتَبِع يسوع سمعان بطرس وتلميذ آخر كان معروفًا عند رئيس الكهنة، فدخل دار رئيس الكهنة مع يسوع، أما بطرس فوقف عند الباب خارجًا. فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفًا عند رئيس الكهنة وكلَّم البوابة فأدخل بطرس. فقالت البوابة لبطرس: ألست أنت أيضًا من تلاميذ هذا الرجل؟ فأجابها: لستُ منهم. فقال واحد من عبيد رئيس الكهنة وكان نسيبًا للرجل الذي قطع بطرس أُذُنَه: أما رأيتك معه في البستان؟ فأنكر بطرس أيضًا. وعندئذٍ صاح الديك» (يوحنا، ١٨: ١٢–٢٧).

يقدِّم يوحنا في هذه الرواية عنصرًا مفقودًا في بقية الروايات، وهو سوق يسوع أولًا إلى دار حنان حمي قيافا رئيس الكهنة في تلك السنة. وعلى ما سنرى بعد قليل فإن مؤلف الإنجيل يُطلق لقب رئيس الكهنة أيضًا على حنان ويجعله يقوم بالاستجواب الأوَّلي ليسوع قبل إرساله إلى قيافا. فمَن هو حنان هذا؟ وهل كان هنالك رئيسان للكهنة لا رئيس واحد؟

كان حنان ينتمي إلى أسرة كهنوتية هي الأكثر قوة وثروة في ذلك الوقت، وذلك من خلال سيطرتها على التجارة وعمليات الصرافة التي كانت تجري في فناء الهيكل. وقد شغل منصب رئيس الكهنة منذ عام ٦م إلى عام ١٥م عندما عزلَته السطلة الرومانية وعيَّنت بدلًا عنه زوجَ ابنته قيافا الذي استمر في منصبه حتى عام ٣٦م، ولكن تحت إشراف وتوجيه حنان الذي فقد سلطته الرسمية ولكن لم يفقد سلطته الفعلية التي كان يمارسها من خلال زوج ابنته الدمية قيافا، وظلَّ يحتفظ بلقب رئيس الكهنة ويمارس الاحتكار على التجارة المرتبطة بخدمات المعبد. ولذلك فقد قرنه مؤلف إنجيل لوقا بقيافا عندما وصفهما معًا برئيسَي الكهنة أيام يسوع؛ حيث قال في مطلع حديثه عن ظهور يوحنا المعمدان: «وفي الخامسة عشرة من مُلك القيصر طيباريوس؛ إذ كان بيلاطس البنطي واليًا على اليهودية، وهيرودس أمير الربع في الجليل … وحنان وقيافا رئيسَي الكهنة، كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية» (لوقا، ٣: ١–٢). وقد شغل خمسةٌ من أولاد حنان منصبَ رئيس الكهنة بعد قيافا، كان آخرهم حنان الثاني الذي يروي لنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه دعا لاجتماعٍ غير قانوني للسنهدرين عام ٦٢م مستغلًّا فرصة انتهاء ولاية الحاكم الروماني لليهودية الذي سافر قبل وصول الحاكم الجديد الذي كان عليه أن يُعطيَ الموافقة على مثل هذا الاجتماع، وجعل السنهدرين ينطق بحكم الإعدام بحق يعقوب أخي يسوع بتهمة تجاهل الشريعة اليهودية، الأمر الذي أدَّى إلى عزله من منصبه. وفي الحقيقة، فقد كان حنان على ما يبدو هو الداعي الأول لاعتقال يسوع والمستفيد الأساسي من موته، بسبب تهديد يسوع لمصالح أسرته عندما أظهر للناس عدمَ شرعية تجارة الهيكل التي تحتكرها هذه الأسرة. ووفق رواية يوحنا فإن حنان هو الذي قام بالاستجواب المبدئي ليسوع، ثم أرسل به إلى قيافا الذي اقتصرَت مهمتُه على رفع قضية يسوع رسميًّا إلى الوالي بيلاطس البنطي، على ما سنرى في البحث التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤