هل كان يسوع متزوجًا؟

إن مسألة ما إذا كان يسوع متزوجًا، ليست من الموضوعات التي تستحق أن يشغلَ أيُّ باحثٍ جادٍّ نفسَه بدراستها؛ لأنها تنتمي إلى مجال الأدب (= Fiction) أكثر من انتمائها إلى مجال البحث الأكاديمي الرصين. والمسألة برمَّتِها لا تمتلك الحد الأدنى من العناصر التي يمكن إخضاعها للتقصِّي التاريخي ولا لمناهج دراسة كتاب العهد الجديد.
على أن ما حفزني على طرح هذه المسألة هو صدور ترجمة رديئة عن دار نشر سوريا عام ٢٠٠٦م لكتاب صدرَت طبعتُه الأولى في بريطانيا عام ١٩٨١م تحت عنوان: The Holy Blood and the Holy Grail، أي الدم المقدس والكأس المقدسة.١ ثم أُعيد طبعه مرارًا ولقيَ رواجًا كبيرًا في أوساط عامة القرَّاء الغربيِّين الذين لم يقرءوا كتابهم المقدس، وبالتالي لم يكن لديهم معايير للتفريق بين البحث الجاد في الأناجيل والبحث الزائف الذي يستغل جهل القارئ العادي من أجل الانتشار السريع وتحقيق الشهرة والمكسب المادي. وبذلك فقد شَرِب القارئ من كأس مؤلفي الكتاب الثلاثة دون أن ينتبهَ إلى جرعة السم اليهودي المركَّز التي تناولها من قلمهم.

يدور الكتاب حول فكرة أساسية مَفادها أن الكنيسة الكاثوليكية قد حاولت عبر التاريخ إخفاءَ سرٍّ رهيبٍ مفَاده أن عملية الصلب لم تكن سوى تمثيليةٍ مدبرةٍ بعناية، انتهَت بإنزال يسوع عن الصليب قبل موته ثم إنعاشه واختفائه بعد ذلك في مكان سري، وأن يسوع قد عاش بعد ذلك لمدة طويلة، بعد أن أرسل زوجته مريم المجدلية مع أولاده منها إلى مرسيليا بجنوب فرنسا حيث أسسوا لسلالة ملوك حكمَت هناك، باعتبارهم الورثة الشرعيِّين للملك الذي لم يحكم: يسوع المسيح. فالكأس المقدسة التي كانت أشهرَ موضوع عالجَته الرومانسيات الأوروبية في أواخر العصور الوسطى، ليست في حقيقة الأمر إلا مريم المجدلية زوجة يسوع التي حملَت الدم الملكي إلى أوروبا.

قرأت الطبعة الإنكليزية من الكتاب بعد صدورها في لندن ببضع سنوات ولم أجد فيه سوى حبكة بوليسية بعيدة كلَّ البعد عن البحث الأكاديمي الرصين وقد التقط أحد مؤلفي روايات التشويق في أميركا هذه الحبكة، وجعل من الكتاب رواية تحت عنوان «شيفرة دافينشي»، لقيَت بدورها إقبالًا شديدًا، وجرى تحويلها بعد ذلك إلى فيلم سينمائي، كما صدرَت لها ترجمة رديئة في دمشق لقيَت رواجًا منقطعَ النظير. وبما أن القراء العرب قد اطلعوا على كتاب الدم المقدس والكأس المقدسة، وقرءوا رواية شيفرة دافنشي، وشاهدوا الفيلم المقتبس عنها، فقد رأيت من واجبي كباحثٍ في كتاب العهد الجديد أن أضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالأفكار التي قامت عليها هذه الأعمال الثلاثة.

فيما يلي من هذه الدراسة لن ألتفتَ إلى ما ورد في كتاب شيفرة دافنشي؛ لأن خيال المؤلف الروائي لا يشكِّل موضوعًا للمناقشة، ولكني سوف أركِّز على ما ورد في الكتاب الذي قامت عليه هذه الرواية وأناقشه، مستندًا إلى معطيات الأناجيل نفسها، ومبرهنًا على أن المؤلفين قد قرءوا هذه الأناجيل بعيون يهودية، وبإصرارٍ يهودي على النخر في أساسات الكنيسة المسيحية. وسيكون تركيزُنا بشكل خاص على بعض خلاصات المؤلفين الواردة في الفصل الثاني عشر لأنها تقدِّم نموذجًا عن الأسلوب الذي اتبعوه في تضليل القارئ العادي الذي لم يدرس الإنجيل ولم يطَّلع على تفاصيله ودقائقه.

(١) هل قدَّس يسوع الزواج

يقول المؤلفون: لا يوجد في الأناجيل دليلٌ واضح على أن يسوع لم يكن متزوجًا، وكان العديد من حواريِّيه متزوجين مثل بطرس الذي دخل يسوع بيتَه وشفا حماته، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أنه لم يأمر بالعزوبية، بل وأنه قد قدَّس الزواج وحضَّ عليه. فعندما جاء إليه قومٌ من الفريسيِّين ليجربوه وقالوا له: «هل يحلُّ للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم (في التوراة) أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمَّه ويلتصق بزوجته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا؟ (إشارة إلى ما ورد في سفر التكوين: ٢ عن خلق آدم وحواء) إذَن ليس بعدُ اثنين بل هم جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرِّقه إنسان» (متَّى، ١٩: ١–٧).

الرد

لم يكن معظمُ حواريِّي يسوع الاثنَي عشر متزوجين. ولا يوجد لدينا في الأناجيل الأربعة دليلٌ إلا على زواج بطرس، أما البقية فوضْعهم العائلي مجهول. وفيما يتعلق بالمقطع الذي استشهد به المؤلفون من إنجيل متَّى، فقد قدَّموا لنا نصفَه الأول وتركوا النصف الثاني الذي يحضُّ على العزوبية لمن شاء من الرجال وقدر عليها. فقد قال له سائلوه بعد أن سمعوا جوابه: «فلماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فتُطلَّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِن لكم أن تُطلقوا نساءَكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم: إن مَن طلَّق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني.» وهنا سأله تلاميذه عمَّا إذا كان من المستحسن والحالة هذه الامتناع عن الزواج: «إن كان هكذا أمر الرجل من المرأة، فلا يوافق أن يتزوج!» فقال لهم بأن الامتناع عن الزواج وقفٌ على الخاصة الذين نذروا أنفسهم لخدمة الرب: «ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم. لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت الله. مَن شاء أن يقبل فليقبل» (متَّى، ١٩: ٣–١٢). ويجب أن نلاحظ فيما يتعلق بجواب يسوع الأخير المتعلق بالاختيار الحر للعزوبية، أنه موجَّهٌ إلى التلاميذ لا إلى سائليه من اليهود. وهذا يعني أنه يُقرُّ هنا شريعة مسيحية لأتباعه. فإذا كان هذا ما شرعه يسوع لأتباعه، أفلا يكون المشرع نفسه أولى باتباع شرعته؟

(٢) دلائل على زواج يسوع

يقول المؤلفون: إذا كان يسوع لم يأمر بالعزوبية فليس لدينا مبررٌ للافتراض بأنه كان أعزبَ. وطبقًا للتقاليد اليهودية في ذلك الزمن لم يكن الزواج مستحبًّا فقط وإنما كان إلزاميًّا تقريبًا، وكان مفروضًا على الأب أن يجدَ زوجةً لابنه مثلما كان مفروضًا عليه أن يختنَه. وفي الحقيقة فإن عدم وجود إشارة واضحة في الأناجيل إلى عزوبية يسوع يدل بقوة على أنه كان متزوجًا، وأنه قد التزم بثقافة وأعراف زمانه. ولو أن يسوع بقيَ أعزبَ إلى ما بعد سنِّ الثلاثين لكان موضعَ نقدٍ واستهجانٍ ولأدَّى ذلك إلى عزلِه اجتماعيًّا باعتباره خارجًا على الأعراف الدينية والاجتماعية.

الرد

في الردِّ على الشقِّ الأول من هذا الطرح، أقول بأن يسوع قد حبَّب العزوبيةَ إلى المختارين من جماعته عندما قال في المقتبس الذي أوردناه عن متَّى: «يوجد خصيان خَصَوا أنفسهم لأجل ملكوت الله مَن شاء أن يقبل فليقبل (وورد في الترجمة الكاثوليكية: فمَن استطاع أن يفهم فليفهم)» (متَّى، ٩: ١٢). أما في الرد على الشق الثاني، فأقول: إنه في أيام يسوع كان خاصة اليهود موزَّعين في ثلاث طوائف رئيسية وصف لنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس بدقةٍ اختلافَها في المعتقدات والممارسات، وهم: الصدوقيون، والفريسيون، والأسينيون. وكانت الطهارة الجنسية والعزوف عن الزواج من القواعد الأساسية التي يتوجب على الأسينيين الالتزام بها. وهذا يعني أن قسمًا لا يُستهان به من اليهود كانوا عازفين عن الزواج والعلاقات الجنسية أيام يسوع، وأن العفة الجنسية كانت أمرًا عاديًّا وغيَر مستهجنٍ لدى قطاعات من المجتمع، فلماذا تكون حالة يسوع وحده استثناءً من القاعدة، ولماذا يجب أن يكون يسوع وحده مستهجنًا بسبب عزوبيته؟ يضاف إلى ذلك أن العديد من الباحثين في مخطوطات البحر الميت التي تركَتها لنا الطائفة الأسينية قد وجدوا الكثيرَ من أوجه الشبه بين تعاليم يسوع والتعاليم الأسينية، ووصل بعضهم حد القول بأن يسوع ربما كان أسينيًّا قبل أن يخرجَ عن الطائفة ويختطَّ لنفسه نهجًا خاصًّا.

(٣) عرس قانا باعتباره عرس يسوع

يقول المؤلفون: في الإنجيل الرابع هنالك قصةُ عُرسٍ تجري في بلدة قانا الجليل ربما كانت قصةَ عرسِ يسوع نفسه. فللوهلة الأولى يبدو أننا أمام حفلةِ عرسٍ محلية بسيطة يبقى فيها العريس والعروس مجهولين. ولكن بعض التفاصيل الصغيرة في هذه الحفلة تطرح أسئلة تستحق التوقُّف عندها. فلقد دُعي يسوع إلى الحفلة على الرغم من أنه لم يكن بعدُ قد باشر دعوتَه العلنية، وكانت أمه هناك دون أن يوضح لنا المؤلف السبب في ذلك. وعندما نفدت الخمر أمرَت مريم ابنها أن يتصرف كما لو أنها كانت هي المضيفة: «ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر! فأجابها: ما لي ولكِ يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد.» لكن مريم تتغاضى عن احتجاج ابنها برباطة جأش وتقول للخدم: «مهما قال لكم فافعلوه. فيمتثل الخدم لأوامرها كأنهم معتادون على ذلك منها ومن يسوع. وهكذا تُفلح مريم على الرغم من محاولة يسوع المزعومة لرفض سلطتها، وينجز يسوع أولى معجزاته وهي تحويل الماء إلى خمر، على الرغم من أنه لم يكن بعدُ قد أظهر قدراته الخارقة، ولم يكن لدى مريم سببٌ يدعوها للافتراض بامتلاك يسوع لمثل هذه القدرات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا كان على ضيفَين في زفاف أن يكونَا معنيَّين بمسألة نفاد الخمر على الرغم من أن تلك المسئولية تقع عادةً على عاتق صاحب الدعوة، ما لم يكن عرس قانا هو حفل زفاف يسوع نفسه؟ وفي هذه الحالة فقط يكون هو المسئول عن إعادة ملء أوعية الخمر التي نفدت. وهناك دليلٌ آخر على أن عرس قانا كان في واقع الأمر هو عرس يسوع نفسه. فبعد اجتراح معجزة تحويل الماء إلى خمر قال مشرف الحفلات الذي يدير شئون الضيافة في العرس للعريس: كل إنسان إنما يأتي بالخمر الجيدة أولًا، فإذا سكروا يأتي بالتي هي دونها في الجودة، أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن.» هذه الكلمات تبدو موجهةً بشكلٍ واضحٍ إلى يسوع باعتباره العريس.

الرد

إن في قول مؤلف إنجيل يوحنا: «وكانت أم يسوع هناك» دلالةً واضحة على أن مريم كانت من ذوي قربى العريس، ويبدو أنها كانت على درجة من القرابة تدعوها لأن تكون موجودةً قبل وقتٍ من ابتداء الحفل لكي تساعدَ في الترتيبات، على ما هو سائد في الحفلات الشرقية حتى يومنا هذا. أما يسوع فقد كان مدعوًّا مع تلامذته وجاء بهم مع بقيَّة المدعوين. وبسبب وضعها كقريبة وكمساهمة في ترتيبات الحفل، فقد حاولَت تفادي الموقف المحرج الناجم عن نفاد الخمر وطلبَت من ابنها أن يتصرَّف.

وفي الحقيقة، فإن مَن يعيد قراءة قصة عرس قانا مرارًا وتكرارًا، لن يجد فيها ما وجده المؤلفون الذين يبدون له وكأنهم يبنون استنتاجاتهم على قصة أخرى غير قصة عرس قانا.

(٤) المجدلية كمرشحة أولى

يقول المؤلفون: إذا كان يسوع متزوجًا فهل تسعفنا روايات الأناجيل بإشارات غامضة تدل على هوية زوجته؟ في المقام الأول يبدو لنا وجود مرشحتين لتكون إحداهما زوجة يسوع وكلتاهما كانتا من بطانته المقربين. أولى هاتين المرشحتين هي مريم المجدلية التي يدل اسمُها على أنها من بلدة مجدلة في الجليل (وهي اليوم بلدة المجدل على الشاطئ الغربي من بحر الجليل). إن دور هذه المرأة في الأناجيل الأربعة غامض إلى حدٍّ كبير، ويبدو أنها قد حُجبت عن عمد. ففي إنجيل لوقا تظهر في وقت مبكر من حياة يسوع التبشيرية في الجليل، عندما أخرج منها سبعة شياطين، ورافقَته بعد ذلك من الجليل إلى اليهودية حيث نراها في مشهد الصَّلب وما تلا ذلك من أحداث. أما في بقية الأناجيل فلا تظهر إلا في المراحل الأخيرة من حياة يسوع. وعلى عكس الموروثات السائدة التي تطابق بينها وبين المرأة الخاطئة (= المومس) التي دخلت على يسوع وراحَت تبكي وتقبِّل قدميه وتمسحهما بشعرها وتدهنهما بالطيب (لوقا، ٧: ٣٦–٥٠)، فإن صورتها في الأناجيل تدل على انتمائها إلى الطبقة الأرستقراطية، وكان من بين صديقاتها زوجةُ مسئولٍ كبير في إدارة الملك هيرود أنتيباس حاكم الجليل. ولا أدلَّ على مكانتها المميزة في بطانة يسوع من أن اسمها في الأناجيل الأربعة يتصدَّر قائمة أسماء النساء اللواتي تَبِعن يسوع من الجليل وخدمنَه من أموالهن. وقد تلقَّت المجدلية من يسوع معاملةً تفضيليَّةً، الأمر الذي أثار غيرةَ بقية التلاميذ وقاد في النهاية إلى محاولةِ تشويهِ صورتها. وبما أنها التحقَت بيسوع عندما كان في الجليل وتبعَته في جولاته التبشيرية وصولًا إلى أورشليم، فإن في ذلك دليلًا على أنها كانت متزوجة وتسير في صحبة زوجها؛ لأن النساء في أيام يسوع لم يكنَّ يسافرنَ إلا بصحبة أزواجهن. ويبدو هذا الشرط أكثر إلحاحًا إذا كانت المرأة تسافر في صحبة معلم روحي وتختلط مع بطانته من الذكور. وبما أنه من غير المتصوَّر أن تكون المجدلية متزوجة من أحد تلاميذ يسوع؛ لأن علاقتها المميزة مع المعلم ستجعلهما عرضةً للأقاويل ولتهمة الزنا، فإن المجدلية لا بد وأنها كانت زوجة يسوع نفسه.

الرد

لم تكن المجدلية وحدها هي التي ترتحل دون زوج في ركب يسوع، بل إن كلَّ مَن رافقنه من النساء كنَّ يرتحلن بلا أزواج. فمرقس يذكر جماعة من النساء كنَّ في بطانة يسوع منهن: المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وسالومة. ومتَّى يقول: إن كثيرًا من النساء تبعنَ يسوع من الجليل، ويذكر من أسمائهن، المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي. ولوقا يذكر من أسماء الكثيرات: المجدلية وحنة امرأة خوزي وكيل (أو خازن) الملك هيرودوس، وسوسنة. ويوحنا يذكر: المجدلية ومريم زوجة كلوبا. ونحن نعرف من أزواج هؤلاء النسوة زبدي الصياد أبا يعقوب ويوحنا، وخازن الملك هيرود أنتيباس، وكلوبا أخا يوسف النجار، وهؤلاء لم يكونوا في بطانة يسوع مع زوجاتهم، وكذلك بقية النسوة اللواتي ربما كنَّ عازبات وبلا أزواج. فلماذا يكون وجود المجدلية بلا زوج في صحبة يسوع أمرًا مستهجنًا؟ وبأيِّ شطحة خيال غير منضبط استنتج المؤلفون أنها لا بد وأن تكون زوجةً ليسوع؟

(٥) مريم بيت عنيا كمرشحة ثانية

يقول المؤلفون: هنالك امرأةٌ أخرى ذات دور بارز في الإنجيل الرابع مرشحة أيضًا لأن تكون زوجةَ يسوع. إنها مريم من بيت عنيا أخت مرتا ولعازر الذي أقامه يسوع من بين الأموات، وكان لهؤلاء الثلاثة بيتٌ كبير فارِهٌ في ضاحية عنيا على جبل الزيتون المشرف على مدينة أورشليم، كان من السعة بحيث يتسع لإقامة يسوع وتلاميذه المرتحلين في صحبته. وقد أحب يسوع هذه الأسرة وغالبًا ما كان يلجأ إلى بيتهم للراحة أو النوم. وفي إحدى المرات غادر يسوع بيتَ عنيا ونزل مع تلاميذه إلى عبر الأردن حيث أقام مدة. فأرسلت إليه الأختان مريم ومرتا تقولان إن أخاهما لعازر مريضٌ. ولكن يسوع تلكأ أربعة أيام قبل أن يتوجَّه إلى بيت عنيا، وعندما وصل خرجَت مرتا لاستقباله أما مريم فمكثت في البيت. فقالت له مرتا: «لو كنت هنا يا سيد لما مات أخي» وبعد حوار قصير بين الطرفين ترجع مرتا إلى البيت وتقول لأختها: «المعلم هنا وهو يدعوك». فقامت مريم وخفَّت إليه. وهنا يفسر المؤلفون عدمَ خروج مريم لملاقاة يسوع بأنها كانت في فترة الحداد السبعية التي تلتزم النساء خلالها بيوتهن ويمارسنَ طقوس الحداد على القريب الميت، ولا يخرجن من البيت إلا بأمر أزواجهن، وهذا ما حدث بين يسوع مريم، فلقد تصرفا وفق العائدة السائدة كزوج وزوجة يهوديَّين.

الرد

كما هو الحال في بقيَّة الشواهد التي يسوقها المؤلفون، فإنهم هنا يتوجهون بالخطاب إلى الشريحة الواسعة من المسيحيين التي لم تقرأ الإنجيل. إن نظرةً فاحصةً إلى قصة إحياء لعازر في إنجيل يوحنا كفيلة بالرد على هذا الاستنتاج الساذج. فقد بقيَت مريم في البيت ولم تخرج للقاء يسوع لأن البيت كان مليئًا بالمعزين الذي جاءوا لتعزية الأختين بأخيهما، وكان من عدم اللياقة الاجتماعية أن تترك الأختان معًا ضيوفَهما وتخرجَا للقاء يسوع. وهذا بالضبط ما ورد في إنجيل يوحنا؛ حيث نقرأ: «وكان كثير من اليهود قد جاءوا إلى مرتا ومريم يعزونهما عن أخيهما. فلما سمعت مرتا بمجيء يسوع خرجَت لاستقباله ولبثَت مريم قاعدةً في البيت» (يوحنا، ١١: ١٩–٢٠)، أما لماذا دعا يسوع بعد ذلك مريم فلكي يدلَّانه على الموضع الذي دُفن فيه لعازر ويتوجه معهما إلى المكان. وعندما خرجت مريم للقاء يسوع رافقها مَن كان حولها من المعزِّين: «فلما رأى اليهود الذين كانوا في البيت مع مريم يعزونها أنها قامت وخرجت على عجلٍ، لحقوا بها وهم يظنون أنها ذاهبة إلى القبر لتبكي … فلما رآها يسوع تبكي ويبكي معها اليهود الذين رافقوها ارتعشَت نفسه واضطرب، وقال: أين وضعتموه؟» (يوحنا، ١١: ٢٩–٣٣).

وهنالك سؤالٌ لم يكلف المؤلفون أنفسهم عناءَ الإجابة عليه، وهو: كيف يكون يسوع متزوجًا من مريم بيت عنيا، مع العلم بأنه كان مقيمًا في بلدة كفر ناحوم قرب بحيرة طبرية في الجليل (لوقا، ٤: ٣١؛ ويوحنا، ٢: ١٢)، ولم ينزل لزيارة أورشليم إلا مرةً واحدة وفق الأناجيل الإزائية، وثلاثًا أو أربعَ مرات وفق إنجيل يوحنا، أما مريم فقد كانت مقيمةً في قرية بيت عنيا على بُعد ثلاثة كيلومترات إلى الشرق من أورشليم مع أختها مرتا وأخيها لعازر. ولكي يقطعَ المسافر المسافة بين هذين الموقعين، عليه أن يرتحل بصورة متواصلة مدة ثلاثة أيام على الأقل ممتطيًا ظهرَ حمارٍ إذا كان موسرًا.

يقول المؤلفون: هناك دليل إضافي على زواج محتمل بين يسوع ومريم بيت عنيا يَرِد في إنجيل لوقا؛ حيث نقرأ: «وبينما هم سائرون دخل يسوع قريةً فرحَّبت به امرأةٌ اسمها مرتا في بيتها، وكان لها أختٌ اسمها مريم جلسَت عند قدمَي يسوع تستمع إلى كلامه، وأما مرتا فكانت منهمكة في شئون الضيافة. فجاءت وقالت: يا ربُّ أما تبالي أن تتركني أختي أخدم وحدي؟ قُل لها أن تساعدني. فأجاب يسوع وقال: مرتا، مرتا، أن تهتمين وتقلقين لأجل أمورٍ كثيرة، ولكن الحاجة إلى شيء واحد. ومريم اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها» (لوقا، ١٠: ٣٨–٤٢). من مناشدة مرتا ليسوع أن يطلب من مريم القيام بمساعدتها نستنتج أن يسوع كان يمارس نوعًا من السلطة على مريم حتى يأمرها أن تخف لمساعدة أختها. كما أن في جواب يسوع لمرتا بأن أختها قد اختارت النصيب الصالح إشارةً إلى خيارها الزواج منه. على أية حال من الواضح أن مريم بيت عنيا كانت تلميذةً شغوفة بيسوع شغف المجدلية نفسها.

الرد

لم يكن من اللائق بالنسبة لمرتا أن تتوجَّه بخطابها إلى أختها التي كانت تستمع إلى كلام الضيف وإنما إلى الضيف نفسه طالبةً تدخُّلَه، فكان سلوكها متفقًا تمامًا مع قواعد الضيافة والتهذيب الاجتماعي، ولا شيء هناك ينمُّ عن تمتُّع يسوع بنوع من السلطة على مريم. أما عن قول يسوع بأن مريم قد «اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها» فليس فيه إشارة إلى وضعية الزواج القائم بينهما، وإنما إشارة إلى قبولها لتعاليمه وإيمانها به، كما هو حال أي تلميذ آخر.

(٦) هل المريمتان واحدة؟

يقول المؤلفون: يذكر مرقس ومتَّى ويوحنا أنَّ مريم المجدلية كانت حاضرةً في وقت الصَّلب، ولكن لا أحدَ منهم يذكر أن مريم بيت عنيا كانت حاضرةً أيضًا. فإذا كانت مريم بيت عنيا مكرمةً كتلميذة بالقدر نفسه، وهو ما يبدو لنا من سياق الأحداث، فإن غيابها عن اللحظة الأخيرة من حياة يسوع أمرٌ غير مُفسَّرٍ ويستحق الشجب، هذا إلا إذا كانت موجودةً في شخص مريم المجدلية ذاتها، فإذا كانت المجدلية ومريم بيت عنيا هما شخصٌ واحد في الواقع، فليس هناك سؤال عن سبب تغيُّب الأخيرة عن الصلب. وفي الحقيقة فإنه إذا كان يسوع متزوجًا فليس هناك إلا مرشحة واحدة لتكون زوجته، وهي المرأة التي ذُكرت في الأناجيل تحت أسماء مختلفة وفي أدوار مختلفة.

الرد

لا ندري كيف تكون مريم المجدلية ومريم بيت عنيا شخصيةً واحدة مع العلم بأن المؤلفين قالوا لنا قبل بضع صفحات أن المجدلية جاءت من بلدة مجدلة قرب طبريا، وتَبِعت يسوع من الجليل بعد أن أخرج منها سبعة شياطين. ثم قالوا لنا في تعريف مريم بيت عنيا بأنها أورشليمية تسكن مع أختها مرتا وأخيهما في ضاحية على جبل الزيتون مشرفة على أورشليم، وأن بيتهم كان من السعة بحيث يتسع لاستضافة يسوع وتلاميذه بضعة أيام، وكان ملحقًا بالبيت قبرٌ فخم منحوتٌ من الصخر خاص بالأسرة، الأمر الذي يدل على ثرائها وانتمائها إلى الأستقراطية الأورشليمية.

هذه الأسئلة لم يكلِّف المؤلفون أنفسهم عناء الإجابة عليها، بل انتقلوا في آخر الفصل ١٢ الذي نعالجه هنا إلى القول بوجودِ ابنٍ ليسوع ورث عنه عرش داود (!) وقد وجدوا هذا الابن في براباس، السجين الذي أطلقه بيلاطس لليهود بدلًا عن يسوع.

(٧) ابن يسوع

يقول المؤلفون: هل يمكن أن نجد في الأناجيل ما يدل على وجودِ ابنٍ ليسوع؟ هنالك شاهدٌ غائم على ذلك ولكنه يتوضح أمام أعيننا إذا نحن أمعنَّا النظر في النص الذي يذكر شخصية براباس المحيرة. فالباحثون ما زالوا غير متأكدين من أصل الاسم واشتقاقه. فقد يكون تحريفًا لكلمة برابي/Berabbi التي تلحق بأسماء المعلِّمين اليهود البارزين دلالةً على التقدير. وقد يكون تحريفًا لكلمة Bar–Rabbi التي تعني ابنَ المعلم، أو لكلمة Bar Abba أي ابن الأب. وفي الحالتين الأخيرتَين هنالك إشارة إلى ابن يسوع. ونحن كلما تأملنا في هذه الشخصية تبيَّن لنا وجود محاولة لإخفاء أمرٍ ما بشأنها والإساءة إليها، وانتهى به الأمر في الموروثات المتداولة لأن يعتبر لصًّا. ولكن الأناجيل لم تصفْه باللص، فهو عند مرقس ولوقا متمردٌ متهمٌ بالقتل والعصيان المسلح، وهو عند متَّى أسيرٌ مشهور، وفي إنجيل يوحنا استعمل المؤلف في وصفه كلمة Lestia التي تعني في اليونانية إمَّا لص أو رجل عصابات. لذلك من المرجَّح أن يكون براباس هذا منتميًا إلى جماعة الزيلوت (أو الغلاة)، وهم متمردون على الحكم الروماني وغالبًا ما كانوا يقومون بأعمال شغب سياسي وعصيان مسلح. وهذا يتفق مع ما ورد في إنجيل لوقا من أن براباس قد سُجن لأجل فتنة وقتل (لوقا، ٢٣: ٢٥)، ولكننا لا نعرف عن حدوث فتنة سياسية في تلك السنة غير ما قام به يشوع وجماعته في الهيكل عندما قلب يسوع مناضد الصيارفة وطرد باعة حيوانات القرابين، وعلى حدِّ وصف يوحنا فقد جلدهم بالسوط. فهل كانت هذه هي الفتنة التي كان براباس متورطًا فيها؟ هذا يبدو محتملًا. وفي هذه الحال لا بد أن يكون براباس واحدًا من بطانة يسوع.

لقد اقترح أحد الباحثين المحدثين أن براباس كان ابن يسوع. وفي هذه الحالة فإن اختيار اليهود له يبدو منطقيًّا؛ لأن اليهود الواقعين تحت نير روما كان يرون أن مسيحهم الذي انتظروه طويلًا لكي يأتيَ ويحررَهم، هو الآن مهددٌ بالموت، وعليهم الاختيار بين إطلاق سراحه أو إطلاق سراح ابنه. في مثل هذه الظروف ألا تُعد السلالة أكثر أهمية من الفرد؟ ألن يكون للحفاظ على السلالة أولوية على أي شيءٍ آخر؟ ألن يفضِّل الشعب وهو يواجه هذا الاختيار الرهيب، أن يكون ملكُهم هو الضحية لكي تبقى سلالتُه من بعده؟ إن بقيَت السلالة فسيكون على الأقل هناك أمل للمستقبل.

الرد

لن أقومَ بالرد على القسم الأول من هذا الطرح، لأن النتيجة المستنبطة من مقدماته متهافتةٌ تهافُتَ تلك المقدمات التي تركز على مناقشة لغوية لاسم برباس. ربما كان علينا أن نرجع إلى أهل براباس ونسألهم لماذا أطلقوا مثل هذا الاسم عليه. أما عن القسم الثاني المتعلق بتفضيل الجموع اليهودية، التي احتشدَت تحت شرفة الوالي بيلاطس، إطلاق براباس على إطلاق يسوع من أجل الحفاظ على سلالة ملك اليهود، فأقول بأن هذه الجموع لم تكن تؤمن بأن يسوع هو المسيح اليهودي المنتظر، وكان الشعبُ كلُّه يطالب بصلبه صائحًا «دمه علينا وعلى أولادنا» (متَّى، ٢٧: ٢٥). أما تلاميذ يسوع فقد كانوا مختبئين طيلة أحداث المحاكمة والصَّلب خوفًا من الاعتقال. ولم يكن عددُ أتباع يسوع ممَّن آمن بأنه المسيح يزيد كثيرًا عن المائة شخص، على ما نفهم من سِفر أعمال الرسل ١: ١٥. ثم لماذا يجب التضحية بالأب من أجل استمرار السلالة؟ أوَلن تستمرَّ السلالة من خلال أولاد آخرين ليسوع يفترض المؤلفون وجودَهم على ما سنرى بعد قليل، أو من أولاد آخرين يُنجبهم يسوع من المجدلية إذا ما تم إنقاذه، لا سيما وأن الزوجين كانا في ريعان الشباب؟

(٨) يقول المؤلفون

وُلد يسوع وفق رواية متَّى نحو عام ٦ق.م. ونحو عام ٦م وفق رواية لوقا، وصُلب في زمنٍ لا يتعدَّى عام ٣٦م (وهو العام الأخير لولاية بيلاطس على اليهودية). وهذا يعني أنه مات في نحو الثانية والأربعين، أو في نحو الثلاثين من عمره. في الحالة الأولى من الممكن أن يكون له ولد تجاوز سنَّ العشرين، وفي الحالة الثانية من الممكن أن يكون له ولدٌ في سنِّ الثالثة أو الرابعة عشرة إذا أخذنا بعين الاعتبار عادة الزواج المبكِّر في تلك الأيام. وبناءً على ذلك ليس من المستبعد أن يكون براباس ابنه. ولربما كان له أطفال آخرون أنجبَتهم المجدلية في أيِّ وقت بعد بكْرها براباس.

الرد

ينسى المؤلفون هنا أنهم قد زوَّجوا يسوع من المجدلية في مطلع حياته التبشيرية واعتبروا أن عرس قانا الجليل كان عرس يسوع نفسه. ووفق تحقيب إنجيل يوحنا لأحداث الإنجيل، فقد صُلب يسوع بعد عامين من ظهوره العلني الذي أعقب عرس قانا مباشرة. وعليه فإذا كان له ولدٌ من المجدلية فإن عمره عند وفاة يسوع لم يكن يتجاوز العام.

(٩) المجدلية وسبط بنيامين

يقول المؤلفون: لقد كانت المجدلية من طبقة أرستقراطية على ما بيَّنَّا سابقًا، أما عن انتمائها العشائري فلا يوجد في كتاب العهد الجديد إشارةٌ إليه. على أن الموروثات اللاحقة تقول إنها كانت من نسبٍ ملكيٍّ، والبعض قال بأنها تنتمي إلى سبط بنيامين. وهذا ما أعطى يسوع سببًا وجيهًا للزواج منها، وكان هذا السبب سياسيًّا بالدرجة الأولى. فالمدينة المقدسة أورشليم كانت في الأصل مُلكًا لسبط بنيامين، وفق التوزيع الأصلي الذي قام به يشوع بن نون لأرض كنعان المكتسبة حربًا على الأسباط الاثني عشر. ومن سبط بنيامين هذا خرج أولُ ملك وحَّد الإسرائيليين في دولةٍ واحدة بسطَت سلطتها المركزية على كامل أراضي إسرائيل، وهو الملك شاؤل الذي مسحه النبي صموئيل ملكًا بأمر من الرب. ولكن داود الذي ينتمي إلى سبط يهوذا انتزع المُلك من شاؤل وحرم البنيامينيِّين من حقِّهم الشرعي بالحكم، وبعد أن جعل عاصمته في أورشليم حرمهم أيضًا من ميراثهم الشرعي.

وقد كان يسوع وفق نص الإنجيل من عشيرة داود وبالتالي من سبط يهوذا، وهذا ما يجعله مغتصبًا في عين البنيامينيِّين للمُلك الذي يطالب به. من هنا فإن زواجًا سياسيًّا من امرأة بنيامينية سوف يعطيه حقًّا شرعيًّا في الحكم ويخفف من معارضة البنيامينين المتوقعة له، ويعيد أورشليم إلى أصحابها الأصليين. وهذا ما حصل.

الرد

لقد كان التوزيع الذي قام به يشوع بن نون توزيعًا عن الورق فقط؛ فقد كان على كل سبط أن يحارب من أجل امتلاك حصَّته من الأرض الموزعة. وهذا ما نفهمه من سفر القضاة ٢: ٦ حيث نقرأ: «وصرف يشوع الشعب؛ فذهب بنو إسرائيل كل واحد إلى مُلكه لأجل امتلاك الأرض.» ولقد كانت أورشليم من ضمن حصة بنيامين، ولكن البنيامينيِّين لم يمتلكوها قط (راجع سفر القضاة، ١: ٢١). وعندما أسَّس شاؤل البنياميني المملكة الموحدة لكل إسرائيل لم تكن عاصمته في أورشليم وإنما في مدينة جبعة (راجع صموئيل الأول: ١/ ٢٦، و١١ /٤، و١٥/ ٣٤، و٦ /٢٢). أما عن قول المؤلفين بأن داود قد انتزع الملك من شاؤل فغير صحيح؛ لأن شاؤل قد قُتل مع أولاده السبعة في آخر معركة له مع الفلسطينيين (صموئيل الأول: ٣١)، فجاء بنو يهوذا إلى حبرون مقر إقامة داود ومسحوه ملكًا عليهم (صموئيل الثاني، ٢: ١–٤). وبعد نزاع طويل على السلطة بين قبيلة يهوذا والقبائل العشر الشمالية، جاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك في حبرون ومسحوا داود ملكًا على إسرائيل (صموئيل الثاني، ٥: ١–٢). وفي ذلك الوقت لم تكن أورشليم مُلكًا لبنيامين وإنما لسكانها اليبوسيِّين الكنعانيِّين، فأقام داود سبع سنين في حبرون وجعلها عاصمةً له، وبعد ذلك شنَّ حربًا على اليبوسيِّين وحاصر أورشليم ثم فتحها وجعل منها عاصمته الجديدة (صموئيل الثاني، ٥: ١–١٠). وبعد ذلك بقيَت سلالة الملك داود تحكم في أورشليم حتى دمارها على يد نبوخذ نصر الكلداني عام ٥٨٧ق.م. أي طيلة ما يزيد عن أربعمائة سنة، دون أن يعترضَ أحدٌ على شرعية ملوكها، ولم يضطرَّ واحد من هؤلاء الملوك إلى الزواج من امرأة بنيامينية لدعمِ حقِّه الشرعي في الحكم. ولا أدلَّ على العلاقات الطيبة التي جمعَت سبط يهوذا مع جاره سبط بنيامين، من أن سبط بنيامين كان السبطَ الوحيد الذي بقيَ مع يهوذا بعد انقسام المملكة عقب وفاة الملك سليمان، إلى مملكة إسرائيل في الشمال التي تبعها الأسباط العشرة، ومملكة يهوذا في الجنوب التي تبعها سبط يهوذا وكذلك سبط بنيامين. وبقيَت الأمور على هذه الحال حتى دمار مملكة إسرائيل عام ٧٢١ق.م. ثم دمار مملكة يهوذا عام ٥٨٧ق.م.

بهذه الطريقة البعيدة مناهج البحث في كتاب العهد الجديد، حاول المؤلفون إقناعنا بأن يسوع كان متزوجًا من مريم المجدلية، وأنه نجا من الصلب بمؤامرةٍ مدبرة، وأرسل بالمجدلية مع أولادها إلى شواطئ فرنسا حاملةً الدم الملكي اليهودي إلى أوروبا؛ حيث تأسست هناك ممالك يحكمها ملوك ينتمون إلى قبيلة يهوذا وقبيلة بنيامين، وإلى ملك اليهود الذي لم يقيض له أن يحكم.

١  Michael Baigent, Richard Leigh, and Henry Lincoln, The Holy Blood and the Holy Grail, Jonathan Cape, London, 1982.
ميشيل بياجنت، ريتشارد لي، هنري لنكولن: الدم المقدس–الكأس المقدسة، ترجمة محمد الواكد، دار الأوائل، دمشق ٢٠٠٦م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤