رسالة من المفتش «سامي»

عندما عاد المغامرون الخمسة من إجازة الصيف التي قضَوها معًا في بورسعيد … كانت في انتظارهم مفاجأة؛ رسالة من المفتش «سامي» أحضرها أحد الضبَّاط إلى منزل «تختخ» قبل حضورهم ببضعة أيام … وأمسك كل واحدٍ من المغامرين بالرسالة لحظاتٍ يُحاول معرفة ما بها … فقد اتفقوا على أن يستنتجوا ما أرسله المفتش «سامي» لهم قبل أن يفتحوا المظروف … وكانت هناك عدة استنتاجات … وكان استنتاج «لوزة» كالعادة أنه لغز يطلب منهم المفتش «سامي» … أن يشتركوا في حلِّه.

وقال «عاطف» معلِّقًا على استنتاج «لوزة»: أخشى أن يأتي اليوم الذي تتصوَّرين فيه أن كل شخص يمشي في الشارع عنده لغز يطلب حلًّا!

ردَّت «لوزة» غاضبة: إنني أعتقد ذلك … إن في حياة كل إنسان شيئًا غامضًا يُريد معرفته.

وحسم «تختخ» النقاش بأن فتح الرسالة … وجلس المغامرون في الحديقة يستمعون …

وكانت المفاجأة الثانية أن «لوزة» كسبت … وأخذت تنظر إلى «عاطف» الذي أحنى وجهه هربًا من نظراتها الساخرة.

كان الخطاب كما قرأه «تختخ»:

أعزائي المغامرين الخمسة …

تحياتي لكم جميعًا … سألتُ عنكم وعلمتُ أنكم سافرتم إلى بورسعيد لقضاء الإجازة … أرجو أن تكونوا قد قضيتُم إجازةً ممتعة … وأكتب لكم هذه الرسالة ليلًا لأني سأُسافر صباحًا في مهمَّة خارج البلاد … وقد وجدتُ أن في إمكانكم المشاركة في حل لغزٍ عجيب من الألغاز التي تستهويكم … وهو لغز جديد لم يسبق أن سمعتُ أو اشتركتُ في حل لغز مثله … وأعتقد أنكم ستجدون فيه ما يستحق التفكير والبحث.

لم تتمالك «لوزة» نفسها فصاحت: يا سلام! … شيء مثير … مدهش!

عاد «عاطف» يُعاكسها قائلًا: انتظري … ربما لا نستطيع حله!

قالت «لوزة» بمنتهى الثقة: إن المغامرين الخمسة لا يعجزون عن حلِّ لغز مهما كان غامضًا.

محب: أرجو أن تكُفَّا عن النقاش حتى نستمع إلى بقية الخطاب!

مضى «تختخ» يقرأ: لقد وقعَت سلسلةٌ من السرقات في ضاحيتكم الجميلة «المعادي» أثناء غيابكم … سرقات بعضها شديد البساطة … لا تزيد المسروقات فيها عن بضع مئات من الجنيهات … وإحداها سرقة لتحفة فنية غالية ربما لا مثيل لها في العالم كله … والمهم في الأمر أنها كلها تمَّت بأسلوبٍ واحدٍ وبطريقة مدهشة.

حبس المغامرون الخمسة أنفاسهم وهم يستمعون إلى السطور الأخيرة … ومضى «تختخ» يقرأ: كانت السرقات تتم في غياب أصحابها عن منازلهم … وأنتم تعرفون أن كثيرًا من العائلات تذهب إلى المصيف وتترك بيوتها دون أن تُخطر قسم الشرطة … وبرغم أننا نبَّهنا كثيرًا إلى ضرورة إخطار أقسام الشرطة في حالة غياب أهل المنزل، فإن أكثر الناس لا يعملون بهذه النصيحة.

تحدَّثت «نوسة» لأول مرة فقالت: حتى الآن ليس هناك شيء مثير.

محب: معك حق … ولكن نرى ماذا تحمل بقية السطور.

مضى «تختخ» يقرأ: حتى هذه السطور ليس هناك شيء مثير، أليس كذلك؟

قال «عاطف» معلِّقًا: إن المفتش «سامي» يقرأ أفكارنا!

عاد «تختخ» يقرأ: برغم أن سرقات المساكن الخالية ظاهرة عادية خاصةً في فصل الصيف … فإن هذه السرقات لها طابع خاص … فقد لاحظ عددٌ من بوَّابي العمارات التي وقعَت فيها السرقات ظهور رجل يبيع البالونات أمام كلِّ عمارةٍ من العمارات التي وقعَت فيها السرقة …

كان البائع يظهر في الصباح يُنادي على البالونات عند إحدى العمارات، وفي الليل تتم سرقة أحد المساكن بها.

صاحت «لوزة»: مدهش! … مثير!

وعاد «تختخ» يقرأ: وبالطبع عندما بدأنا التحقيق لفت أنظارنا هذه الظاهرة المدهشة … ظاهرة وجود «بائع البالونات» صباح كل سرقة … وبدأنا البحث عنه … وكانت مفاجأة … أن أحدًا لم يرَ وجه هذا البائع مطلقًا …

عادت «لوزة» لإبداء دهشتها قائلة: يا له من لص ماكر!

ولم يتوقَّف «تختخ» ومضى يقرأ: لقد كان البائع الخبيث يحرص على أن يضع البالونات المنفوخة أمام وجهه … بحيث لا يراه أحد … ومن الواضح أن اللص كان يحضر في الصباح متظاهرًا ببيع البالونات لمعاينة المكان الذي سيسرقه، ثم يأتي في الليل للسرقة.

توقَّف «تختخ» ليستردَّ أنفاسه لحظات، ثم مضى يقرأ: وقد قُمنا بجهودٍ هائلةٍ للعثور على هذا اللص «بائع البالونات»، ولكن لم نجِد له أثرًا … فلم يرَه أحد … ولم نستطِع متابعته في أي مكان …

أعزائي المغامرين …

لقد وقعَت خمس سرقات حتى الآن … ولا أدري هل ستزيد أو تتوقَّف عند هذا الحد؟ … وأنا مُضطر للسفر … ويمكنكم سؤال الشاويش «علي» عن التفاصيل … فعنده عناوين جميع المساكن التي سُرقت … وأسماء أصحابها … وبيان بالأشياء المسروقة … ولعل الشاويش «علي» بعد أن ساعدتم في عودته إلى عمله يتعاون معكم في كشف هذا اللغز … وأرجو أن أعود فأجدكم قد وُفِّقتم في حلِّه.

مع تمنياتي لكم بالتوفيق

صديقكم
«سامي»

لم يكد «تختخ» ينتهي من قراءة الخطاب حتى ارتفعَت أصوات المغامرين بالحديث حول هذا اللغز المثير … فقد كانت فكرة البحث عن هذا اللص الذكي الذي استطاع أن يُخفي وجهه عن الجميع فكرةً جديدةً لم يسبق لها مثيل … وفكَّر «تختخ» أن هذه أول مرة على ما يذكر يترك لهم المفتش «سامي» رسالةً عن لغز … وفكَّر في نفس الوقت أن المفتش «سامي» … وجد أنهم أنسب من يحل هذا اللغز … فَهُم أولاد وهناك بالونات … وبائع بالونات … وهل يعرف البالوناتِ وبائعَها أحدٌ أفضل من الأولاد؟!

وهدأَت الضجة بعد قليل … واتجهَت أنظار المغامرين تلقائيًّا إلى «تختخ» الذي لم يشترك في الزيطة التي أحدثوها … بل ظلَّ هادئ التفكير … سكت الجميع وبدا واضحًا أنهم في انتظار كلمة من «تختخ» الذي قال على الفور: كما سمعتُم هناك خمس سرقات … ونحن خمسة مغامرين … ومعنى ذلك أن كلًّا منَّا سيكون من نصيبه سرقة للتحقيق فيها!

صاحت «لوزة»: هذا اقتراح هام … وسنرى من الذي سيصل أولًا.

عاطف: يصل إلى ماذا يا «لوزة»؟ هل هو سباق في الجري؟!

لوزة: أقصد أن يصل إلى أدلة تقود إلى «بائع البالونات» اللص …

نوسة: بالمناسبة خطر ببالي شيء … إن اسم هذا اللص المجهول طويل نسبيًّا؛ فليس من المعقول أن نُناديه باسم «بائع البالونات» اللص، ما رأيكم في اختصار الكلمات الثلاث إلى رمز واحد؟ … نُسمِّيه «ب. ب. ص».

قال «عاطف» معلِّقًا وهو يضحك: تُشبه هذه الحروف شخصًا يُريد أن يقول «بص» … ولكنه يُتهته!

ضَحِك الجميع على هذا التعليق، فقالت «نوسة» ووجهها يحمرُّ خجلًا: إذن نختصر الاختصار ونُسمِّيه «ب. ص».

عاطف: وندمج الاختصار ونُسمِّيه «بص».

محب: إننا سنُحوِّل الاجتماع إلى درسٍ في اللغة العربية … فليكن اسمه «بص» ودعونا ننتقل إلى الخطوة التالية!

تختخ: إن الخطوة التالية محدَّدة في خطاب المفتش «سامي» … فعلينا أولًا الاتصال بالشاويش «علي» … وسؤاله عن الأسماء والعناوين … أسماء الضحايا … وعناوين المساكن التي تمَّ السطو عليها …

محب: وهل تتوقَّع أن يُساعدنا الشاويش «فرقع» في هذا؟

تختخ: المسألة بسيطة … سوف أُعطيه خطاب المفتش «سامي» ليقرأه، ومن المستبعد أن يُفكِّر الشاويش «فرقع» في …

ولم يُكمل «تختخ» جملته … ففي هذه اللحظة ظهر آخر من كانوا يتوقَّعونه … كان الشاويش «علي»، وكانت أول مرة يرونه فيها بعد أن قدَّموا المساعدة في إعادته إلى عمله كما جاء في لغز الشاويش «فرقع»، وبدا الشاويش مُتجهِّمًا كعادته … ولكن المغامرين استقبلوه برغم هذا بالترحاب؛ فقد كانوا يُريدونه أكثر من أي شخص آخر في هذه اللحظة.

مشى الشاويش في كبرياء حتى وصل إلى حيث يجلسون، ووقفوا جميعًا يُسلِّمون عليه … وقال «تختخ»: تفضَّل يا حضرة الشاويش … لقد كنَّا نتحدَّث عنك الآن، وإنها لمفاجأة أن نراك!

جلس الشاويش، وعاد «تختخ» يقول: هل تشرب كوبًا من الليمون، أو تُفضِّل كوبًا من الشاي كعادتك؟

ردَّ «الشاويش» بكلمةٍ واحدة: شاي!

وأسرع «تختخ» إلى الفيلا ليُحضر له الشاي … وظلَّ الشاويش صامتًا وهو يعبث بشاربه … ولم يكَد «تختخ» يعود حتى فتح الشاويش محفظة أوراقه وأخذ يعبث بها كأنما يبحث عن ورقة ما … ثم قال فجأة: هل شاهدتُم هذه الأيام «بائع بالونات» في هذه الأنحاء؟

ابتسم المغامرون، وانفجر «عاطف» ضاحكًا وهو يقول: لماذا يا شاويش؟ … هل تُريد شراء بالونة؟

وتكهرب الجو … فقد وقف الشاويش وقد احمرَّ وجهه غضبًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤