الفأر ذو الباروكة

أحسَّت «لوزة» أن الرجل لا يُريد أن يتحدَّث، فقالت له: إن شقة السيدة «نعمات» كانت في حراستك ليلة أن سُرِقت …

صاح الرجل بخشونة: وما لكِ أنتِ وسرقة الشقة؟! … لقد سألني الشاويش وانتهى الأمر!

لوزة: إنه لم ينتهِ بعد … ولن ينتهي حتى نصل إلى اللص!

صاح الرجل بغضب: لن أقول لكِ شيئًا! … إنكِ طفلة صغيرة … وليس لكِ أن تتدخَّلي فيما لا يُهمُّك!

أحسَّت «لوزة» بغصَّة في حلقها لهذه المعاملة الخشنة … وحاولَت أن تتكلَّم فلم تستطع، فقفزَت إلى درَّاجتها وقد طفرَت الدموع من عينَيها، ثم أسرعَت عائدةً إلى منزلها وقد أصابها الأسى والحزن.

في نفس هذا الوقت كان «تختخ» قد وصل إلى صديقه السعودي «حسين»، الذي كان يقضي الصيف في فيلا بالمعادي مع أخوَيه «حسن» و«حسام» … ورحَّب «حسين» كثيرًا بصديقه «تختخ» وقال له: لعلَّكَ جئتَ من أجل السرقة التي وقعَت بجوارنا؟

تختخ: طبعًا … وقد كنتُ متأكِّدًا أنني سأجد عندكَ بعض المعلومات.

حسين: لقد سمعتُ أن حوادث السرقة تكرَّرت أخيرًا في نفس المنطقة.

تختخ: صحيح … تكرَّرت في خمس حالات … كلها تحمل طابعًا مميَّزًا!

حسين: إذا لم أضايقك … هل يمكن أن تُعطيني معلومات أكثر؟

روى «تختخ» ﻟ «حسين» كلَّ ما مرَّ بالمغامرين من أحداث خاصة بهذه السرقات الخمس …

خطاب المفتش «سامي» … مقابلة الشاويش «علي»، والاستنتاجات القليلة التي توصَّلوا إليها …

قال «حسين»: شيء مدهش! … هل تعرف أن «حسام» اشترى بالونةً من «بائع البالونات» هذا في نفس اليوم الذي وقعَت فيه السرقة؟!

تختخ: إنها مصادفة رائعة … وسيكون أول شاهدٍ في هذا اللغز! أين هو؟

حسين: إنه يلعب في الحديقة؛ فهو لا يكفُّ عن الجري!

وقام «حسين» فنادى «حسام» الذي دخل كالقنبلة وأخذ يدور في القاعة كالنحلة حتى صاح به «حسين»: «حسام» … لحظة واحدة من فضلك.

حسام: نعم … نعم … ماذا تُريد؟

حسين: هل تذكر «بائع البالونات» الذي اشتريتَ منه بالونةً منذ أيام؟

حسام: ماذا حدث له؟

حسين: من فضلكَ يا «حسام» … المسألة مهمَّة ونحن نُريدكَ أن تتذكَّر جيدًا.

حسام: ماذا تُريدون منه؟ عندي بالونات!

وقف «حسين» … وأمسك بذراع «حسام» وصاح به: قلتُ لكَ إن المسألة مهمَّة جدًّا فأنت الشاهد الوحيد على عملية سطو تكرَّرت خمس مرات!

بدا على «حسام» ذي العينَين الواسعتَين دهشة ممزوجة بالاستنكار وقال: أنا … شاهد!

حسين: من فضلك يا «حسام» هل تذكر «بائع البالونات» الذي اشتريتَ منه بالونةً منذ أيام؟

حسام: نعم … أذكره.

حسين: عظيم … لو استطعتَ الوصول إلى هذا البائع سنحل لغزًا من أعقد الألغاز!

حسام: لغز بوليسي؟

حسين: نعم … وهذا هو صديقي «توفيق» زعيم المغامرين الخمسة الذين قرأتَ عنهم كثيرًا … لقد جاء يطلب مساعدتك!

مدَّ «حسام» يده بالسلام على «تختخ»، ثم قال: سأُحاول أن أتذكَّر … ولكن من الأفضل أن أعرف ما هي الحكاية بالضبط؟

تختخ: باختصار … إن خمس حوادث سرقة قد وقعت في هذه المنطقة … وقد كان «بائع البالونات» هذا يظهر عند كلِّ منزل تقع به السرقة في نفس الليلة!

حسام: مدهش! … لقد اشتريتُ منه أكثر من مرة … وقد لاحظتُ أنه دائمًا يبيع بالوناتٍ مرسوم عليها وجوه … حتى إن وجهه يختلط مع هذه الوجوه فلا تكاد تتبيَّنه!

تختخ: تمامًا … إنه يُخفي وجهه مع هذه الوجوه حتى لا يتذكَّره أحد!

حسام: ولكني أتذكَّر وجهه … لأن آخر مرة اشتريتُ منه البالونة كان مصابًا بالبرد، وأخذ يعطس ويعطس حتى احمرَّت عيناه وسقطَت النقود من يده، فانحنى ليأخذها فتحرَّك شعره …

تختخ: ماذا تقصد بهذا؟

حسام: إنه يلبس باروكة!

تختخ: عظيم … هذا جزء من التنكُّر!

حسام: وعندما كادت الباروكة أن تسقط، مدَّ يده ليُثبتها على رأسه … ولاحظتُ أنه أصلع تمامًا، ومصاب بجرح قديم في رأسه يمتد من منتصف رأسه حتى قفاه!

تختخ: إنكَ شديد الملاحظة! … وماذا كان شكله؟

حسام: إنه يُشبه الفأر … نحيل وضئيل وأسمر … وفي كل مرة قابلتُه كان يلبس قميصًا أخضر به خطوط سوداء …

ولم ينتظر «حسام» أسئلةً أخرى … فقد اندفع مرةً أخرى خارجًا … وابتسم «حسين» و«تختخ»، وقال «حسين»: ما رأيك؟ … هل تكفي هذه المعلومات لمتابعة «بائع البالونات»؟

تختخ: لا بأس بها … وشكرًا لك.

حسين: هل تعقدون اجتماعًا للمغامرين الخمسة اليوم؟

تختخ: لا … غدًا صباحًا … لماذا لا تحضر معنا؟

حسين: كان هذا يُسعدني كثيرًا … ولكني مشغول غدًا.

وانصرف «تختخ» وأخذ يقطع شوارع المعادي على درَّاجته، وقد استغرق في التفكير … وفجأةً وجد الشاويش «فرقع» على درَّاجته … وتقابلا … وقرَّر «تختخ» أن يستعين بالشاويش، فقال له على الفور: اسمع يا شاويش «علي»، هل في إمكانك أن تُجيب على سؤالٍ واحدٍ من أجل خاطري؟

قال الشاويش وقد لعب بشاربه: اسأل أولًا وسأرى.

تختخ: هل قبضتَ في أي يوم من الأيام على لصٍّ يلبس باروكة؟

الشاويش: ماذا؟!

تختخ: باروكة … شعر مستعار على الرأس.

أخذ الشاويش يعبث بشاربه وقد بدت عليه علامات التفكير، ثم قال: نعم … منذ عامَين قبضتُ على لص من لصوص المساكن، وأثناء مطاردته سقط شعره المستعار.

بدا الاهتمام على وجه «تختخ» وقال: هل تذكر شكله؟

الشاويش: أنا لا أنسى شيئًا أبدًا … كان … كان اسمه «الفأر»، وهو يُشبه الفأر فعلًا!

دقَّ قلب «تختخ» سريعًا … وفكَّر كالبرق … هل يمكن أن يحل اللغز بهذه السرعة؟! إن الأوصاف التي قالها «حسام» … قد أنتجَت بسرعة … في دقائق … فيا له من حظٍّ حسن!

عاد «تختخ» يقول: هل عندكم في القسم بصمات هذا اللص؟ … وهل تعرف إذا كان في السجن أو خرج؟ وهل يمكن أن أعرف عنوانه؟ وهل …

صاح الشاويش: مهلًا! إنني سأبحث كلَّ هذا … بالطبع لا بد أن تكون له بصمات … ولكن لا أعرف الآن إذا كان في السجن أو خارجه … ولا أظن أنه ما زال يسكن في عنوانه القديم …

تختخ: متى يمكن أن أحصل على معلومات عنه؟

الشاويش: سأعود الآن إلى القسم … وسأمر عليكَ في المساء.

شكَر «تختخ» الشاويش بحرارة … فعلى أساس المعلومات التي سيحصل عليها، قد يُصبحون في أعقاب «بائع البالونات» … اللص …

أسرع «تختخ» إلى الفيلا … ولم يكد يصل حتى اتصل به «محب» … قائلًا: لقد ذهبتُ إلى العنوان … لم أحصل على معلومات ذات قيمة … إن «بائع البالونات» رجل شديد الذكاء … إنه لم يترك وراءه أثرًا.

تختخ: لقد حصلتُ على معلومات لا بأس بها … وقد نستطيع في القريب أن نكون في أعقاب «بائع البالونات».

محب: هل اتصل بكَ أحدٌ من المغامرين؟

تختخ: لا.

محب: من أين حصلتَ على المعلومات إذن؟

تختخ: من صديق سعودي.

محب: أظنه صديقكَ «حسين».

تختخ: نعم … ومن شقيقه الصغير «حسام» الذي أعطاني وصفًا شبه كاملٍ لبائع البالونات … وقد استطعتُ أن أُقنع الشاويش «فرقع» أن يبحث عن هذا الرجل الذي ظننتُ أنه لا بد أن يكون من ذوي السوابق … وقد اتضح هذا … وسوف نحصل على معلوماتٍ مؤكَّدة من الشاويش قريبًا.

محب: إنكَ مدهش! … من أين تتحدَّث؟

تختخ: من حديقة الفيلا … فالجو حار في الداخل.

ولم يكَد «تختخ» ينتهي من جملته حتى فوجئ ﺑ «لوزة» … تندفع بشدة داخل الحديقة، فقال ﻟ «محب»: «لوزة» حضرَت … سأرى ماذا حصلَت عليه … هل أراك غدًا؟

محب: بالطبع في موعدنا المعتاد.

قالت «لوزة»: لقد وجدتُ اللص … وجدتُ اللص!

ذُهل «تختخ» ووضع السمَّاعة مكانها والتفتَ إلى «لوزة» التي مضَت تقول: إذا لم يكن اللص فهو شريك له!

تختخ: من هو هذا اللص أو الشريك؟

لوزة: إنه بوَّاب العمارة التي بجوار منزل السيدة «نعمات» … وفي نفس الوقت أُريد أن أجمع من المغامرين مبلغ ستة عشر جنيهًا فورًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤