البائع المزيف

قال «تختخ»: على مهلكِ يا «لوزة» … ما هي حكاية بوَّاب العمارة … وحكاية الجنيهات الستة عشر؟!

لوزة: هذا البوَّاب … رجل شرس … فظيع …

تختخ: اهدئي قليلًا … ماذا حدث؟

لوزة: ذهبت إلى بوَّاب المنزل المجاور لمنزل السيدة «نعمات» … وحاولتُ أن أحصل منه على معلوماتٍ عن «بائع البالونات» … فعامَلني بخشونة، وكاد يضربني!

تختخ: ولكن هذا لا يضعه في موضع الاتهام!

لوزة: ولماذا إذن يُعاملني بهذه الطريقة؟!

تختخ: لا أدري … على كل حال سوف نبحث هذا الأمر … وما هي حكاية الجنيهات الستة عشر؟

لوزة: إن السيدة «نعمات» التي كانت ضمن ضحايا اللص، سوف تُطرد من مسكنها إذا لم تدفع الإيجار المتأخِّر، وهو نحو ستة عشر جنيهًا يجب أن نجمعها فورًا … إنها سيدة مسكينة بلا زوج أو ولد.

تختخ: سنفعل ذلك … هل هناك شيء آخر؟

لوزة: لا شيء … ولكن ماذا ستفعل مع البوَّاب؟

تختخ: سأُفكِّر في الأمر … وعندنا اجتماع غدًا في الصباح، وسوف يأتي الشاويش «علي»، وقد يحصل لنا على معلومات مفيدة بخصوص «بائع البالونات».

غادرَت «لوزة» حديقة الفيلا بعد أن ودَّعت «تختخ» الذي جلس وحيدًا يُحدِّق في الأشجار وفي العصافير الصغيرة التي كانت تختبئ في الظل تحت الأغصان المورقة … وكانت حاسة المغامِر قد استيقظَت، وفكَّر في خطة جديدة يعرضها على المغامرين غدًا … خطة من خطط «تختخ» القديمة التي طالما حلَّت الألغاز، وأوقعَت بالمتهمين.

وقد عرض «تختخ» خطته في الصباح على المغامرين قبل أن يصل الشاويش …

قال «تختخ» بمجرَّد أن وصل المغامرون إلى الحديقة: إن عندنا معلومات لا بأس بها عن «بائع البالونات» … فأحد أصدقائي له شقيق يُدعى «حسام» قد شاهد البائع ووصفه لي وصفًا دقيقًا … وعندي خطة …

بدا الانتباه على وجوه المغامرين الأربعة، ومضى «تختخ» يقول: لقد حاولَت «لوزة» أن تتحدَّث مع بوَّاب العمارة المجاورة لعمارة السيدة «نعمات»، وهي كما تعلمون إحدى ضحايا «بائع البالونات» … ولكنه عاملها بخشونة … ولستُ أستبعد أن يكون خائفًا من شيء ما …

أسرعَت «لوزة» تقول: نعم … إنه خائف فعلًا!

محب: وما هي خطتك؟

تختخ: حسب المعلومات التي قالها «حسام» … كان «بائع البالونات» رجلًا نحيفًا يُشبه الفأر … ويلبس باروكة … ويرتدي قميصًا أخضر به خطوط سوداء … ومن الممكن أن يقوم أحدنا بالتنكُّر ليُصبح مثله.

لوزة: الوحيد الذي يصلح هو «عاطف».

عاطف: هل أُشبه الفأر يا «لوزة»؟!

لوزة: لم أقصد السخرية منك … ولكن أنتَ أقرب المغامرين إلى شكل «بائع البالونات».

تختخ: «لوزة» معها حق … وسنستدعي «حسام» بعد ساعة … وفي خلال هذه الساعة سوف يأتي معي «عاطف» … لأضعه في ثياب التنكُّر … ثم نرى رأي «حسام» … فيه … ثم نشتري بعض البالونات ونرسم عليها بعض الوجوه، ونُرسله في الشوارع التي كان يمر بها «بائع البالونات» الأصلي … وسننتظر لعلَّ أحدًا يتصل به … ربما البوَّاب أو غيره … ومن هنا يمكن أن نبدأ …

وافق المغامرون على الخطة بحماسة … وقالت «نوسة»: سأذهب أنا و«لوزة» لشراء البالونات ورسمها.

تختخ: وسأقوم أنا بعمل التنكُّر.

محب: وسأنتظر أنا الشاويش.

تختخ: عظيم … موعدنا بعد ساعة.

ذهب «تختخ» و«عاطف» إلى غرفة التنكُّر في منزل «تختخ»، وبسرعة قام «تختخ» بعملية التنكُّر ﻟ «عاطف» … وأحضر أحد قمصانه الخضراء اللون، ثم وضع عليه خطوطًا سوداء … وبعد ساعة كان منظر «عاطف» … قد تغيَّر من ولدٍ وسيم رقيق الشكل، إلى «بائع بالونات» غريب الهيئة … وبعد ساعة كان المغامرون يجتمعون مرةً أخرى … كانت «لوزة» و«نوسة» قد أحضرتا البالونات واشترك معهما «محب» في رسم بعض الوجوه عليها … وعندما شاهدوا شكل «عاطف» انفجروا في الضحك … ولكن «عاطف» لم يشترك في حملة الضحك هذه، بل قام بتمثيل دوره خير قيام، وأخذ يصيح: بالونة بقرش … بالونة كبيرة بخمسة صاغ.

وقام «تختخ» بالاتصال بصديقه «حسين» الذي حضر مسرعًا ومعه شقيقه «حسام»، وعندما ظهرا على باب الحديقة كانت في انتظارهما مفاجأة … «بائع البالونات» الذي كان «عاطف» طبعًا.

ولم يكَد «حسام» يراه حتى صاح في دهشة: هذا هو «بائع البالونات»!

أمَّا «حسين» … فقد ابتسم؛ فهو يعرف أن «بائع البالونات» الذي يقف في الحديقة ليس إلا أحد المغامرين الخمسة.

قال «تختخ» ﻟ «حسام»: إنه ليس «بائع البالونات» الذي تعرفه … إنه أحد زملائنا المغامرين …

حسام: ولكنه يُشبه «بائع البالونات» بالضبط … خاصةً هذا القميص … وهذا الشعر … ولكن هناك شيء.

تختخ: ما هو؟

حسام: إن «بائع البالونات» أكثر سُمرةً من «عاطف».

تختخ: هذا ما أُريد أن أسمعه منك … ما هي ملاحظاتك الأخرى؟

حسام: إنه لم يكن يلبس مثل هذا الحذاء الأنيق … إنه يلبس «شبشب بلاستيك».

تختخ: عظيم … هل ثمَّة شيء آخر؟

حسام: هذا كل ما أذكره.

تختخ: شكرًا … لقد أدَّيت خدمةً لا تُنسى.

ثم التفتَ «تختخ» إلى «محب» وسأله: ألم يحضر الشاويش؟

محب: لا … لم يحضر.

تختخ: مدهش!

وغاب «تختخ» و«عاطف»، في حين جلس «حسين» و«حسام» مع بقية المغامرين يتحدَّثون … وحكَت «لوزة» للجميع حكاية السيدة «نعمات» التي لا تجد ما تدفعه أجرًا لشقتها … تحمَّس «حسين» … للمساهمة في هذا التبرُّع بأكبر نصيب.

بعد فترة عاد «تختخ» وحده، وقال: لقد طلبتُ من «عاطف» أن يطوف بنفس الشوارع التي طاف بها «بائع البالونات» من قبل … وسوف نعرف إذا كان هذا البائع اللص له صِلات ببعض الناس أو الشركاء الذين ساعدوه على السرقة أو لا.

في هذا الوقت كان «عاطف» يسير في الشوارع مناديًا على البالونات بصوتٍ حاول أن يجعله خشنًا بقدر ما يستطيع … ولدهشته الشديدة أقبل عليه عدد من الأطفال والصبية يشترون البالونات حتى خشي أن تنفد … فأسرع إلى الشوارع التي حدثَت فيها السرقات حتى يُؤدِّي مهمَّته الأصلية.

ذهب إلى الشارع الأول وتسكَّع به طويلًا … ولكن أحدًا لم يُكلِّمه سوى الذين حضروا لشراء البالونات … ثم ذهب إلى الشارع الثاني … ولم يحدث شيء، وأحسَّ باليأس يتسرَّب إلى نفسه … ولكن في الشارع الثالث حدث شيء مثير … لقد أخذ يُنادي على البالونات … وحضر بعض الصِّبية للشراء، وفجأةً تقدَّم منه ولد صغير متشرِّد ووضع في يده خمسة قروش وطلب بالونة … وعندما سلَّمه البالونة وضع الولد في يده قطعةً صغيرةً من الورق وقال: من صديقك!

ثم اختفى الولد سريعًا، ولكن ملامحه رُسمت في ذهن المغامر الصغير … وكاد «عاطف» يعود، ولكنه قرَّر الاستمرار في مهمَّته … فذهب إلى الشارع الرابع … ولم يحدث شيء …

ثم ذهب إلى الشارع الخامس حيث تقع العمارة التي تمَّت فيها سرقة السيدة «نعمات» … والتفَّ حوله عددٌ من الأولاد … وأخذ يبيع البالونات وهو ينظر هنا وهناك … وفجأةً أحسَّ بمن يقبض على ذراعه من الخلف بشدة … وسمع صوتًا خشنًا يقول: ما الذي أتى بكَ إلى هذا المكان؟ … اهرب فورًا فالشرطة تبحث عنك!

التفت «عاطف» … فشاهد شخصًا ضخمًا يلبس الملابس البلدية … له شارب ضخم ووجه غليظ … وعرف على الفور أنه لا بد أن يكون بوَّاب العمارة الذي وصفته «لوزة».

أخذ الرجل ينظر إليه لحظات … وأحسَّ «عاطف» أن في عينَيه نظرة شك قوية … إنه يشك في هذا البائع … إنه ليس البائع الذي يعرفه برغم التنكُّر المتفق … وأسرع «عاطف» يُدير وجهه حتى يترك الرجل بين الشك واليقين … وأسرع يبيع للأولاد البالونات، ثم تركهم وأخذ يسير بسرعةٍ مبتعدًا عن المكان … ولم يكَد يدخل الشارع التالي حتى حدث شيء!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤