أحداث كثيرة

لقد حدث آخر شيء كان يتوقَّعه «عاطف» … ظهر الشاويش «علي» على درَّاجته في أول الشارع القصير … ووقعَت عيناه على «بائع البالونات»، وتوقَّف لحظاتٍ وقد فتح عينَيه على آخرها … ثم انطلق بسرعة وهو يُطلق صفارته …

أسرع «عاطف» يجري … ستكون كارثةً لو قبض عليه الشاويش … بالطبع من الممكن الكشف عن شخصيته … ولكن الشاويش قد يتضايق ويقبض عليه ويضعه في الحبس …

كانت المطاردة غير متكافئة … فقد كان الشاويش على درَّاجته أسرع من «عاطف» على قدمَيه … ولكن «عاطف» لجأ إلى أسلوب المراوغة … فأخذ يصعد فوق الرصيف، ثم ينزل ويدخل أحد المحلَّات ويخرج من الباب الآخر، والشاويش يلهث خلفه … مرةً على دراجته … ومرةً على قدمَيه … وأخيرًا وجد «عاطف» فيلا حولها حديقة كثيفة الأشجار … ولم يتردَّد … قفز السور، ثم أسرع يجري بين الأشجار الكثيفة … وكان قد تعب من الجري ومن حرارة الشمس، فاختار جذعًا قديمًا ضخمًا، ثم ألقى نفسه عليه وجلس يلهث.

كان الشاويش يدور حول الحديقة … وكان «عاطف» يسمع وقع خطواته … وتذكَّر في هذه اللحظة الورقة التي سلَّمها له الولد الصغير … وأسرع يفتح كفَّه … كانت ورقةً رفيعةً جدًّا قد بلَّلها العرق … وعليها سطر بالقلم الرصاص لم يستطِع أن يقرأه … فقد أثَّر عليه العرق … وفي نفس الوقت لم يكن الضوء كافيًا.

ظلَّ الشاويش يدور حول الفيلا لحظات … ثم سمع «عاطف» صوت وقع أقدامه وهو يقترب من باب الفيلا، وسمع جرس الباب يضرب … وعرف أن الشاويش سوف يستعين بأصحاب المنزل في مطارته … وفي هذه اللحظة خطر له الخاطر الوحيد الذي كان يجب أن يُفكِّر فيه منذ ساعة … وكانت رؤية المياه المتدفِّقة في الحديقة هي التي أوحَت له بالخاطر الذي نفَّذه فورًا.

قام بترك البالونات من يده فصعدَت واشتبكَت بالأغصان … ثم خلع باروكة الشعر وأخفاها بين أوراق الأشجار المتساقطة … ثم خلع القميص وغسله سريعًا فزال اللون الأسود وأصبح القميص أخضر … ثم غسل وجهه فأزال الأصباغ التي عليه … وهكذا في دقائق قليلةٍ عاد «عاطف» إلى شخصيته الحقيقية، وسار في طرقات الحديقة مبتعدًا عن مبنى الفيلا … وتوقَّف لحظات، وأرهف السمع، ثم قفز السور وأصبح في الشارع … توقَّف قليلًا يتلفَّت حوله، لم يكن هناك إلا بضع صبية يلعبون الكرة … فتسلَّل في هدوء مبتعدًا عن الفيلا …

بعد ربع ساعة كان «عاطف» … قد وصل إلى الحديقة … وكان المغامرون هناك، ولكن «حسين» وشقيقه «حسام» كانا قد غادرا الحديقة … صاح المغامرون: ماذا خلفك؟!

عاطف: خلفي الشاويش «علي» … لقد حاول أن يقبض على «بائع البالونات»!

لوزة: «بائع البالونات»!

عاطف: نعم … «بائع البالونات» المزيَّف … لقد شاهدني الشاويش وأنا في آخر جولتي وطاردني في الشوارع، وهو الآن يبحث عني في حديقة إحدى الفيلات … وأظنه سيقلب الدنيا عندما لا يجد مني سوى البالونات المعلَّقة في الشجر.

والتفَّ المغامرون حول «عاطف» يستمعون … فشرح لهم كل شيء … ثم أخرج الورقة من جيبه … الورقة الصغيرة المبلَّلة بالعرق وناولها ﻟ «تختخ».

أمسك «تختخ» بالورقة، وأخذ يفردها بأصابع مرتعدة … إن فيها بالتأكيد معلومات … واستطاع بمشقَّةٍ أن يقرأ السطر الوحيد الذي فيها … كان مكتوبًا بالقلم الرصاص هذه الكلمات: ماذا جعلكَ تأتي إلى هنا؟ اختفِ فورًا وإلا سننكشف كلنا!

قرأ «تختخ» الكلمات بصوت هادئ … واستمع الأصدقاء إليه … وصاحت «لوزة»: إنها نفس الكلمات التي ردَّدها «عاطف» على لسان البوَّاب … إنهم جميعًا شركاء … البوَّاب وبائع البالونات … وهذا الذي كتب الرسالةَ إلى «بائع البالونات».

نوسة: لقد كانت خطةً محكمة؛ فقد استطاعوا أن يقوموا بخمس سرقات دون أن يصل رجال الشرطة إلى أية معلومات عنهم … ولكن فكرة «بائع البالونات» كشفَت هذه الخطة!

محب: يجب أن نستفيد من هذه المعلومات فورًا … وإلا فإنهم سوف يكتشفون أن «بائع البالونات» ما هو إلا فخ وقعوا فيه.

تختخ: دعونا ننظر بهدوءٍ أكثر … إن ما يجب أن نبحث عنه أولًا هو الولد الصغير الذي سلَّم «عاطف» الرسالة … فهذا الولد سوف يدلنا على الشخص الذي سلَّمه الخطاب.

عاطف: وهناك البوَّاب أيضًا … من الواضح أنه شريك.

تختخ: نعم … ولكن …

وقبل أن يُتم جملته شاهدوا الشاويش «علي» يظهر في طرف الحديقة … كان منظره غريبًا ومثيرًا للضحك … فقد كان العرق يتصبَّب من وجهه … وشاربه المرتفع دائمًا قد تدلَّى على فمه … وفي يده كان يُمسك مجموعةً من البالونات … أدرك المغامرون على الفور أنها نفس البالونات التي تركها «عاطف» في حديقة الفيلا في أثناء مطاردة الشاويش له.

صاح الشاويش: أين أنتم؟ لقد كِدتُ أقبض على اللص … على «بائع البالونات»!

تختخ: ولماذا لم تقبِض عليه؟

الشاويش: لقد طاردتُه مطاردةً عنيفة … وكاد يسقط في يدي، ولكنه لجأ إلى حديقةٍ كثيفة الأشجار … واستطاع أن يُفلت مني … هذا الوغد شديد الخبث والدهاء!

كاد «عاطف» يضحك، ولكن نظرةً من «تختخ» أوقفَت الابتسامة على شفتَيه … فقد كان «تختخ» يُريد ألَّا يغضب الشاويش … إنهم في حاجة إليه لحل اللغز والوصول إلى «بائع البالونات» الحقيقي.

قالت «نوسة»: وماذا ستفعل بهذه البالونات يا حضرة الشاويش؟

الشاويش: سوف أضعها في القسم … إنها دليل يجب تَحْرِيزه!

لوزة: ما معنى تحريزه يا شاويش؟

قال الشاويش وقد انتفخت ملامحه: ألَا تعلمين أن كلَّ دليل يقع في قبضة رجل الشرطة لا بد من وضعه في حِرزٍ حتى يُقدَّم للقاضي في أثناء نظر القضية!

لوزة: وما هو الحِرْز؟

صاح الشاويش بغضب: كيف تدَّعون أنكم مغامرون ولا تعرفون معنى الحِرْز؟! … إن معناه هو وضع الدليل في مظروف أو لفَّة حسب حجمه … وهذا المظروف أو اللفَّة اسمه الحِرْز!

لوزة: فهمت الآن.

قال «تختخ»: اسمع يا حضرة الشاويش … سنضع يدك على شخصٍ يعرف «بائع البالونات».

الشاويش: من هو؟

تختخ: إنه بوَّاب العمارة المجاورة لمنزل السيدة «نعمات» التي سُرق منها فستان الفرح.

الشاويش: لقد استجوبتُه من قبل، ولكنه أكَّد لي أن لا علاقة له ببائع البالونات أو السرقات!

تختخ: إننا متأكِّدون.

الشاويش: كيف؟!

تختخ: لن نقول لكَ الآن … ولكن خذها نصيحةً منَّا وحاول أن تحصل منه على معلوماتٍ عن «بائع البالونات».

كان الشاويش ما زال واقفًا عند طرف الحديقة والبالونات في يده تطير في الهواء … الخفيف … وأخذ يُتمتم من بين أسنانه … لا أدري كيف هرب هذا المجرم؟! … لقد وضعتُه في المصيدة، ولكنه استطاع الفرار!

تختخ: لا داعي لإضاعة الوقت في الندم يا شاويش … اقبل نصيحتنا واذهب لمقابلة البوَّاب.

صاح الشاويش بانفعال: إنني لا أقبل نصيحةً من مجموعة أطفال مثلكم … سوف أقبض على «بائع البالونات» … سأقبض عليه … دون نصائحكم!

وابتعد الشاويش، ثم ركب درَّاجته ومضى … ووقف المارَّة الذين في الشارع يتفرَّجون على الشاويش وهو يحمل البالونات وارتفعَت منهم الضحكات … وتضايق الشاويش وأخذ يلعن الجميع …

قال «محب»: هيا بنا سريعًا.

تختخ: سننقسم إلى قسمَين … أنا و«عاطف» سنذهب للبحث عن الولد الذي سلَّم ﻟ «عاطف» الرسالة … وأنت و«لوزة» تذهبان لمراقبة البوَّاب … وتبقى «نوسة» هنا حتى نتصل بها وقت الحاجة.

وقفز المغامرون الأربعة على درَّاجاتهم … وانطلقوا إلى مهمَّتهم … وسرعان ما وصل «عاطف» و«تختخ» إلى الشارع الذي وقعت به سرقة التحفة الثمينة … نفس الشارع الذي تلقَّى فيه «عاطف» الرسالة من الولد المتشرِّد … وأخذا يدوران في الشارع … ولكن لم يكن هناك أثر للولد.

مضت ساعة في الذهاب والإياب دون نتيجة … وأحسَّ المغامران بالتعب … وكانت ساعة الغداء قد أوشكَت … فقرَّرا العودة إلى المنزل على أن يستأنفا البحث في المساء.

لم يكَد «تختخ» يصل إلى منزله … حتى وجد «لوزة» في انتظاره … كان وجهها متضرِّجًا بالاحمرار وصاحت به عندما رأته: «توفيق»! … ألم أقل لكَ إن البوَّاب مشترك في السرقات. لقد ذهبنا للبحث عنه وفوجئنا أنا و«محب» أنه غادر مكانه مسرعًا بعد ظهور «بائع البالونات»، وأنه جمع حاجاته وسافر إلى بلدته في الصعيد حيث يصعب الوصول إليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤