المفاجأة

انطلق «عاطف» على درَّاجته يُسابق الريح … كان متأكِّدًا أنه لن يلحق بالسيارة إذا ظلَّت تسير … ولكن إذا توقَّفَت في بعض الأماكن؛ فلعل ذلك يكون ممكنًا … وفي نفس الوقت كان المغامرون الثلاثة … «محب» و«نوسة» و«لوزة»، ومعهم «زنجر»، في سلة خلف «لوزة» يجرون معًا أيضًا في اتجاه حلوان …

وكان الشاويش قد فكَّر لحظات، ثم خشي أن تكون المعلومات صحيحةً فيضيع وقتًا هامًّا … فأسرع يرتدي ثيابه، ثم قفز على درَّاجته، وانطلق إلى القسم … ومن هناك اتصل بقسم حلوان، ولكنه لم يجِد الرائد «سيد هندي» … لقد كان في منزله، ويحل محلَّه النقيب «هشام» الذي التقط رقم السيارة، ثم قفز في سيارته الجيب وسار في طريق كوبري حلوان … وهناك كان جندي المرور واقفًا فصاح به: هل مرَّت بك سيارة نقل رقم ٩٦٠٠٦ جيزة؟!

حيَّا الجندي الضابط باحترام، ثم قال: نعم يا سيدي الضابط … منذ نحو خمس دقائق فقط. أطلق النقيب «هشام» … لسيَّارته العِنان، وكان معه فيها ثلاثةٌ من الجنود المدجَّجين بالمدافع الرشَّاشة … ومن بعيدٍ شاهد أنوار سيارة نقل انحرفَت يمينًا، فسارع خلفها … ولكنه عندما وصل إلى الملف الذي دارَت فيه السيارة لم يجد لها أثرًا.

توقَّف الضابط لحظاتٍ يُفكِّر … ماذا حدث لهذه السيارة؟ إنه يعرف أن الطريق الذي مضَت فيه هو طريق يشق قرية «المرازيق» إلى نصفَين، ولكن في هذا الطريق ملفَّات كثيرة على اليمين والشمال، ومن الصعب تتبُّع السيارة.

لم يكن أحدٌ مستيقظًا في هذه الساعة المبكِّرة من الصباح ليسأله … ولكن أذان الفجر انطلق في هذه اللحظة …

وبدأَت بعض المنازل على الطريق تفتح أبوابها … والتقى أحد الخارجين بالضابط الذي سأله عن نهية الطريق، فقال الرجل: إنه يتجه إلى شاطئ النيل ثم ينحرف يسارًا … حيث توجد مصانع الطوب الأحمر، وحيث تكون حركة سيارات النقل … وسرعان ما قفز الضابط إلى سيَّارته وانطلق.

في هذه الأثناء كان الشياطين الثلاثة قد لحقوا ﺑ «عاطف» … الذي كان يتحدَّث مع الجندي الواقف عند كوبري حلوان … وعرف الأربعة أن الضابط «هشام» قد سبقهم … فانطلقوا خلفه … وعند قرية «المزاريق» توقَّفوا أمام مجموعة من الزارعين كانوا يتحدَّثون عن الضابط الذي يُطارد سيارة نقل، وعرفوا أنها السيارة التي بها «تختخ».

انطلق الجميع في طريق «المرازيق» … وسمعوا صوت سيارة الضابط وهي تعود، ثم شاهدوا أنوارها بين أشجار النخيل … وأشاروا له بالوقوف وقالوا له إنهم أصدقاء الولد المخطوف … ومعهم كلبه «زنجر» الذي يستطيع أن يستدل عليه.

قال النقيب «هشام»: لقد قطعتُ الطريق ذاهبًا آيبًا دون أن أعثر للسيارة على أثر!

أشارت «نوسة» إلى آلافٍ من أشجار النخيل العالية الكثيفة، ثم قالت: من المؤكَّد أن السيارة مختفية خلف هذا النخيل … فدعنا نُجرِّب «زنجر» …

وقفز «زنجر» عند سماع اسمه … وأخذ يتشمَّم الهواء عميقًا، ثم اتجه ببطء ناحية طريقٍ جانبي مترب مختفٍ خلف النخيل … وخلفه انطلق الضابط ورجاله … والمغامرون الأربعة.

سار «زنجر» نحو كيلومتر في الطريق المترب … ثم نبح نباحًا عاليًا، وانطلق يجري بسرعةٍ خارقةٍ وخلفه الجميع … وعند انحرافٍ صغير في جانب الطريق … بدَت سيارة النقل في ضوء الفجر الشاحب، وقد وقفَت مكانها … وكان بابها الخلفي مفتوحًا، ولم يكن هناك أثر ﻟ «تختخ».

قفز «زنجر» داخل السيارة وهو ينبح بشدة، ثم عاد يقفز خارجًا منها، وانطلق بين النخيل، حتى أشرف على منزلٍ وحيد من الطوب النيئ … مظلم لا أثر للحياة فيه …

وأطلق رجال الشرطة كشَّافاتهم … وشاهدوا ما أثار دهشة الجميع؛ كان «تختخ» مشتبكًا مع رجلٍ قصير القامة … وكان الرجل يُمسك خنجرًا يلمع … وهو يُحاول أن يضرب «تختخ» الذي أمسك بذراعه وثناها إلى الخلف بشدة …

وصاح الضابط: قف عندك!

وأطلق الضابط رصاصةً من مسدَّسه في الهواء … فتوقَّف المتشابكان.

وصاح الرجل: يا حضرة الضابط … أنا مظلوم … إنني لستُ لصًّا!

صاحت «لوزة»: بل أنت لص … لقد ظهرتَ في كلِّ مكانٍ حدثَت به سرقة!

انفجر الرجل باكيًا وهو يقول: أُقسم لكَ يا حضرة الضابط أنني لستُ لصًّا!

وقف الجميع مذهولين أمام كلام الرجل … كان واضحًا أنه يقول الحق … فما هي الحقيقة إذن؟!

قال الضابط: سنذهب جميعًا إلى القسم … وهناك سنعرف الحقيقة!

قال «تختخ»: من الأفضل يا حضرة الضابط أن تُرسل بعض رجالكَ للقبض على رجل يُقيم في شارع ٥ بالمعادي.

الضابط: هل تعرف اسمه وعنوانه؟

تختخ: سنحصل عليها من هذا الرجل … إنه يعرفه جيدًا.

قال «بائع البالونات»: إنه الرجل الذي ورَّطني في هذه العمليات الإجرامية … لقد طلب مني طلبًا بسيطًا … ولم أكن أدري ما يحدث.

الضابط: لا تُضيِّع وقتنا … ما اسم الرجل وعنوانه؟

الرجل: اسمه الأستاذ «فاروق شاكر»، وعنوانه العمارة رقم ١٦ الدور الخامس. أمر الضابط بعض جنوده بالاتجاه إلى المكان والقبض على الرجل وإحضاره إلى قسم حلوان، ثم ترحيله بعد ذلك إلى قسم المعادي …

وبعد نصف ساعة من هذه الأحداث كان الجميع في القسم … الضابط … والمغامرون الخمسة، و«زنجر» … وبائع البالون … والمدعو «فاروق شاكر»، والشاويش «علي».

وقال الضابط موجِّهًا حديثه إلى «تختخ»: والآن عليكَ أن تروي لنا ما حدث بالنسبة لكم … ورأيكَ في أقوال «بائع البالونات» هذا.

قال «تختخ»: لقد أرسل لنا صديقنا المفتش «سامي» رسالةً يطلب فيها التدخُّل لحل لغز السرقات الخمس التي تمَّت في المعادي بأسلوبٍ واحد.

الضابط: نعم … لقد سمعتُ عنها.

تختخ: كان يسبق حدوث كلِّ سرقةٍ ظهور «بائع البالونات» في الصباح أمام المكان الذي سيُسرق … ثم تتم السرقات في الليل.

الضابط: شيء مثير!

تختخ: وبالطبع كان لا بد من عمل التحريات اللازمة للوصول إلى اللص … وكانت الشبهات كلها متجهةً إلى «بائع البالونات» … فهو الظاهرة المتكرِّرة عند كل سرقة.

الضابط: تمامًا.

قال «تختخ»: وسأروي في شهادتي الرسمية كيف توصَّلنا إلى هذا البائع … وببساطةٍ فقد تنكَّر أحد زملائي — وأشار إلى «عاطف» — في شكل «بائع البالونات» … وكانت النتيجة أن وصلته رسالة من «فاروق شاكر» يطلب منه الابتعاد فورًا … كما وصله تحذير من البوَّاب «مصطفى» … ومعنى هذا أنهما على علاقة به … وقد راقبنا المنزل وعثرنا على الولد الصغير الذي حمل الرسالة …

صاح الشاويش: إذن ﻓ «بائع البالونات» الذي طاردتُه كان هذا الولد … إن هذا …

قاطعه الضابط بهدوء: من فضلك يا حضرة الشاويش … ولم يُكمل حديثه.

تختخ: وقلنا لهذا الولد إن «بائع البالونات» … واسمه «سعيد» يُريد أن يراه … فخدَعَنا وأخذَنا إلى هناك، في حين كان يتبعنا «فاروق» الذي ضربنا أنا وزميلي «عاطف» … ثم خُطِفت … وبقية القصة تعلمها …

•••

وسكت «تختخ» لحظات، ثم قال: وإذا كان «سعيد» «بائع البالونات» صادقًا في أنه لم يسرق شيئًا … فإنني أعتقد أن المتهم «فاروق» وضع خطةً بارعة … هي الاتفاق مع «بائع البالونات» على الظهور في مكان السرقات حتى تُلقى الشبهات عليه … ثم يقوم هو بالسرقات دون أدنى شبهة …

نكَّس «فاروق شاكر» رأسه … لقد كان الاستنتاج صحيحًا … ولكن «تختخ» أضاف: هناك ملاحظة غريبة … إن السرقات كلها لا قيمة لها … عدا السرقة الثالثة التي تمَّ فيها الاستيلاء على آنية ثمينةٍ تُساوي بضعة ألوف من الجنيهات، وقد تمَّ سرقتها من صديق «فاروق» الحميم … وهذا ما لا أستطيع تفسيره!

التفتَ الضابط إلى «فاروق» وقال له: والآن عليك أن تتكلَّم.

•••

قال «فاروق» بصوت نادم: إن استنتاجات هذا الشاب صحيحة كلها … لقد طلبتُ من «مصطفى» وكان يعمل في الأصل في العمارة التي أسكن بها أن يُعرِّفني على شخصٍ يبيع البالونات … فأحضر لي هذا الرجل … وطلبتُ منه أن يتردَّد على الأماكن التي أنوي سرقتها … ولم يكن بالطبع يعلم بمسألة السرقات!

الضابط: وما هي حكاية الآنية الثمينة؟

فاروق: لقد أردتُ الاستيلاء على هذه الآنية بأية طريقة … ولو سرقتُها وحدها لأحاطَت بي الشبهات … لهذا قرَّرتُ أن أقوم بمجموعةٍ من السرقات تكون الآنية إحداها … بحيث يبدو لرجال الشرطة أنها سُرقت ضمن سرقات أخرى … وليست مقصودةً بذاتها … ولكن هذا الولد استطاع استنتاج الحقيقة … إنني آسف لما فعلتُه …

الضابط: الآن لا ينفع الندم …

ثم التفتَ إلى المغامرين الخمسة قائلًا: لقد سمعتُ عنكم من زميلي الرائد «سيد هندي»، ولم أكن أتصوَّر أنكم على هذا القدر من البراعة … أشكركم كثيرًا على مساعدتكم للعدالة.

قالت «لوزة» موجِّهةً حديثها إلى «فاروق»: هل ما زال عندك فستان السيدة «نعمات»؟

فاروق: نعم عندي.

ابتسمَت «لوزة» قائلة: الحمد لله … لقد وعدتُها بإعادته إليها … وقد جمعتُ لها النقود التي ستدفع منها الإيجار.

وابتسم المغامرون لها … وهم يُغادرون قسم حلوان في طريقهم إلى بيوتهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤