الفصل الثاني والأربعون

شبابنا

أجد في شبابنا المتعلم الذي لم يصل بعد إلى درجة الثقافة ظاهرتين في اختيار الكتب:
  • الأولى: أنه يقرأ كثيرًا من القصص ويقبل على أية مجلة ما دامت تنشر قصصًا غرامية.
  • والثانية: أنه يقبل على قراءة المؤلفات السيكلوجية في إسراف.

وبين الظاهرتين ارتباط؛ ذلك أن شبابنا الذين حرموا الأنسة والزمالة مع الفتيات لأنهم يعيشون في مجتمع يقول بالفصل بين الجنسين، هؤلاء الشبان يقرءون القصص كما لو كانت تعويضًا عمَّا حُرِمُوهُ، وكثيرًا ما يكون هذا التعويض سخيفًا قد أغرب في الخيال بالكلمة والصورة، ولكن شبابنا أيضًا يصلون بسبب الحرمان إلى خيالات سخيفة لا تتصل بالواقع ولا تشبهه؛ ولذلك هم يرضون بهذه القصص ويلتهمونها ولا يجدون فيها إسرافًا.

أما الظاهرة الثانية وهي الإقبال على الكتب السيكلوجية فتعود أيضًا — إلى حد كبير — إلى الفصل بين الجنسين؛ لأن هذا الفصل يحدث لهم اضطرابات نفسية. فهم في قلق غامض وكظم مرهق. ولذلك يشترون هذه الكتب اعتمادًا على أنهم سيجدون الحل لقلقهم واضطرابهم. ولن يجدوه. لأن الحل الوحيد هو الاختلاط حتى تأخذ الحقائق مكان الخيالات.

ومع ذلك لا أتمالك إحساس بأن كتاب القصص عندنا قد نجحوا في شيء واحد خدموا به مجتمعنا، هو أنهم جعلوا كلمة «الحب» من الكلمات المألوفة بل الإحساسات المألوفة؛ فالشباب المصري حين يفكر في الزواج يفكر أيضًا في الحب الذي يعده حقه ويعتقد أن زواجًا بلا حب هو خيانة لقلبه وضميره، وقد تعلَّم ذلك من القصص.

هذا كسب كبير لمجتمعنا وشبابنا؛ فإن الجيل الماضي كان يخجل من ذكر الحب في شئون الزواج.

وكذلك لا أتمالك الإحساس بأن شبابنا قد تعلموا الكثير عن أنفسهم لإقبالهم على قراءة الكتب السيكلوجية، وإن كنت أحيانًا أجد مؤلفات أو مترجمات سيكلوجية غاية في التفاهة والسخافة.

ولست أقول إن قلق الشباب يعود إلى الفصل بين الجنسين، ولكني أقول إن معظمه يعود إلى ذلك، أما أقله فيعود إلى المكانة الاجتماعية التي ينشدها الشباب بالعمل والكسب حين لا يجد الوسيلة إليها، وكثيرًا ما يحصل الشباب على شهادته الجامعية ثم يبقى مع ذلك عامين أو ثلاثة أعوام وهو لا يجد العمل والارتزاق بها، فيحس بذلك بأنه مزعزع ليست له كرامة اجتماعية.

ولكن عندما تكثر عندنا المصانع والمتاجر سيقل التعطل وتفتح أبواب الرزق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤