الروح الشريرة!

ما إن فرغ الصديقان من استبدال العجلة المثقوبة بالاحتياطية … حتى انطلقَت الموسيقى من تليفون «أحمد» المحمول … وبالنظر إلى شاشته عرَف أن «إلهام» هي التي تطلبه … وما إن فتح الخط معها حتى قالت له: لقد اتصل بك السيد «زهير».

فقال لها متهللًا: ألم يترك رقم تليفونه أو عنوانه؟

إلهام: لا … ولكنه سيتصل مرة أخرى.

أحمد: لماذا لم تُعطِه رقم المحمول الخاص بي؟

إلهام: لم يكن لديَّ إذنٌ بذلك …

أحمد: شكرًا للاتصال.

وقبل أن يُغلق الخط … قالت له مسرعة: أرجو سرعة الحضور فأنت مطلوب هنا.

أحمد: أنا في الطريق ومعي «عثمان» … هل هناك جديد؟

إلهام: إنه تقريرٌ عاجل من عميلنا في «الهند» … رأيت أن أعرضَه عليك أولًا …

أحمد: ألم تعرضيه على الزملاء بعدُ؟

إلهام: لا … لم يعرف به أحدٌ حتى الآن …

أحمد: أهو خطير إلى هذا الحد؟

إلهام: ستعرف عندما تحضر … أنا في انتظارك.

أحمد: وأنا في الطريق …

واعتدل خلف عجلة القيادة وأدار محرك السيارة، وبجواره «عثمان» يُغلق الباب المجاور له وهو يسأله قائلًا: السيد «زهير» اتصل، أليس كذلك؟

أحمد: نعم. ولكنه لم يترك رقم تليفونه أو عنوانه.

عثمان: وفيما كان كل هذا الحديث؟

أحمد: في تقرير تريد أن تعرضَه عليَّ …

عثمان: «إلهام»؟

أحمد: نعم هي …

وفي شرفة غرفة الطعام … المطلَّة على بانوراما الأهرامات الرائعة الجمال والبهاء … جلس «أحمد» يستمع ﻟ «إلهام» … وهي تُخبره ما في التقرير قائلة: لقد أتانا من عميل لنا في «الهند» … أن جماعة من المهووسين عقائديًّا في طريقهم إلى «مصر» …

فقال «أحمد» مندهشًا: ومَن هم المهووسون عقائديًّا … وماذا تعنين بذلك؟

إلهام: أقصد المتطرفين في اعتناقهم لمذهب ما أو لديانة أو لفكر.

أحمد: نعم نعم … إنهم الذين يبالغون كثيرًا في تصديق هذه العقيدة … وتطبيق تعاليمها بلا عقل أو فهم …

إلهام: نعم …

أحمد: ومن أين أتَوا؟

إلهام: من إحدى الجزر بالمحيط الهادي … ويقطنها جماعةٌ من الهنود …

أحمد: إذن فهم عبدة البقر؟

إلهام: لا، وليسوا من السيخ.

أحمد: إذن، فهم من أتباع «بوذا» …

إلهام: ولا أولئك …

أحمد: إذن فهم إسلاميون أو مسيحيون يعبدون الله.

إلهام: بل كفرة يعبدون تمساحًا!

وهنا صاح «أحمد» مندهشًا ومستنكرًا وهو يقول: عبدة التمساح … هذا ما لم أسمع عنه من قبل!

إلهام: هذا ما يتكلم عنه التقرير …

أحمد: وماذا يقول؟

إلهام: يقول إن عبدة التمساح هم جماعة من الهنود … استوطنَت جنوبَ «الهند» قديمًا … وكانت نساؤهم يذهبن إلى النهر القريب منهن كل يوم ليغسلن ملابسهن وأوانيهن في أمان … إلى أن ظهر لهنَّ تمساحٌ ضخم أثار بينهن الرعب … ولكنهن لم ينقطعن عن الذهاب إلى النهر حتى اختطف من بينهن فتاة صغيرة … وجرَّها إلى القاع …

أحمد: ومن يومها قاموا بعبادته.

إلهام: لا … بل ترصدوا له بالبنادق للانتقام للفتاة … وظل هذا الحال شهرًا … ولم يظهر التمساح …

أحمد: وانقطعن هن في هذه الفترة عن الذهاب إلى النهر؟

إلهام: لا، كنَّ يذهبن في حماية بنادق أزواجهن.

أحمد: وطبعًا عندما اختفى كل هذه المدة … عادت السكينة إلى قلوبهم؟

إلهام: هذا ما حدث … وانصرف الرجال إلى أعمالهم واحدًا تلو الآخر … تاركين النساء على ضفة النهر يُنهين أعمالهنَّ في سلام …

أحمد: حمدًا لله …

إلهام: ومرَّ على هذا الحال أسبوع …

فقاطعها «أحمد» في لهفة وقلق قائلًا: ولماذا أسبوع بالذات؟! هل حدث شيء آخر؟

إلهام: نعم … فقد اختفى بعدها صبيٌّ في العاشرة من عمره … ولم يجدوا منه إلا قطعة من قماش سرواله … تعلَّقت بأحد فروع الأشجار.

أحمد: ولم يرَوا التمساح؟

إلهام: لا … وانطلقَت إشاعةٌ في القرية أنها روح شريرة … وعليهم القيام ببعض الطقوس لطردها …

أحمد: وانقطعن عن الذهاب إلى النهر؟

إلهام: لفترة أيضًا …

وهنا دخلت عليهما «ريما» واضعة أصبعها السبابة على شفتَيها وقد ضمَّتها … وهي تقول: هس … ولمحَتها «إلهام»، فقالت لها: ليس الموضوعُ سرًّا يا «ريما»، إنني أخبرتُ «أحمد» بما في تقرير جزيرة التمساح …

ريما: نعم أعرف … وقد وصلتم إلى أنهم انقطعوا لفترة عن النهر بعد اختطاف الصبي …

أحمد: أهلًا «ريما» … هل تعرفين بقية الحكاية؟

ريما: نعم … فقد شاهد أحد أبناء القرية تمساحًا ضخمًا يهاجم هذا التمساح …

أحمد: وكيف عرفتِ؟

ريما: لقد استلمتُ التقرير مع «إلهام» …

أحمد: وماذا كان ردُّ فعلهم عن هذا التمساح …

إلهام: قالوا إنه الروح المقدسة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤