لقاء القادة!

في سرية شديدة … خرجَت السيارة الشبح السوداء تحمل «أحمد» في الكنبة الخلفية … وخلف عجلة القيادة … جلس أحدُ ضباط حرس المقر مرتديًا بذلة سوداء وقفازًا أسود … يقودها في مهارة وسرعة على طريق الإسكندرية الصحراوي …

إلى أن أضاءَت إشارةٌ حمراء على تابلوه السيارة … إضاءة متقطعة …

وظهرَت على شاشة ساعة «أحمد» نفسُ الإشارة … فسأل الضابط قائلًا: ألدينا هنا مقر؟

الضابط: نعم، على بُعد عشرة كيلو مترات …

أحمد: على الطريق؟

الضابط: لا، بل في عمق الصحراء …

أحمد: ولماذا لم نعرف من قبلُ … أَهو جديد؟

الضابط: ليس جديدًا … ولكنه خاصٌّ باجتماعات قادة الأفرع المختلفة للمنظمة …

أحمد: ولهذا هو سريٌّ للغاية؟

الضابط: نعم …

أحمد: حتى على الشياطين اﻟ «١٣»؟

الضابط: أنا لم أعرف عنه شيئًا إلا منذ أسبوع … رغم أني أعمل في المنظمة منذ سنوات …

أحمد: أي أنك كنت تحت الفحص والاختبار كلَّ هذه المدة …

الضابط: نعم …

أحمد: وما اسمك؟

الضابط: «أشرف».

أحمد: أهلًا بك ضابط «أشرف».

انحرفَت السيارة في طريق أسفلتي ضيق … متفرع من الطريق الرئيسي … ويقطع الصحراء في مسار طويل … ليس به علامة واحدة … ولا تنمو على جانبَيه أشجار ولا نباتات.

وبعد أقل من ربع الساعة … أضاءت الإشارة الحمراء مرة أخرى على تابلوه السيارة … وفي ساعته إشارات متقطعة … أخذَت تزداد سرعةُ تردداتها … حتى ظهر منحدرٌ في نهاية الطريق … حمل السيارة إلى كهف مظلم … لا يظهر منه إلا شريطُ ضوء أزرق أعلى حائطه الأيمن … انتهى بسهمٍ ملتوٍ مضيء انحرفَت السيارة معه … لتغرق في فيض من الضوء وسط العديد من السيارات الفارهة والمصفَّحة …

واستقبلهما ضابطٌ في زيِّه العسكري … وقام بفتح الباب ﻟ «أحمد» … وسار أمامه حتى بلغَا بابًا خشبيًّا ضخمًا … تتدلَّى على جانبه مطرقة … قام الضابط بطرقها … انفتح وظهرَت خلفه قاعةٌ فسيحة يتصدَّرها مكتبٌ يجلس خلفه ضابط، ما إن رآه حتى وقف يُحيِّيه … ثم طلب رقمًا في تليفونه المحمول وتحدَّث قليلًا … ثم ضغط زرًّا خفيًّا … فانفتح الباب المجاور للمكتب … وأشار له بالدخول …

وما إن خَطَتْ قدماه فوق أرض الغرفة … حتى شعر بأنه في مكان مختلف … فالأرض تمتصُّ وقْعَ خطواته … والصمت يسكن أرجاءَها فلا يكاد يسمع إلا هسهسة خفيفة للغاية … تصدر من جماعة من الرجال … يلتفُّون حول مائدة خشبية مستديرة في نهاية القاعة، وتقترب رءوسهم في انحناءة خفيفة … مستغرقين في حديث خافت …

وما إن لمحه أحدهم … حتى اعتدل الجميع في جلستهم، والتفتوا له مبتسمين في وُدٍّ بالغ، وأشار له كبيرُهم وهو يقول: تفضَّل يا «أحمد» …

وانشرح صدرُ «أحمد» عندما سمع صوته … إنه صوت مألوف لأُذُنَيه وقلبه … وكم حادَثه هذا الرجل تليفونيًّا في المقرِّ الكبير …

فتقدَّم نحوهم في تأنٍّ وثقة … واندهش عندما رآهم جميعًا يقفون لتحيته …

ولم يجد غير مقعد واحد فارغ … فعرف أنه مُعَدٌّ له … فجلس والجميع ينظرون إليه …

ومرة أخرى انشرح صدره عندما سمع صوت رقم «صفر» يقول له: أهلًا بك يا «أحمد» …

وتلفَّت حوله … فلم يرَ صاحبَ الصوت …

فأشار أحدهم إلى شاشة تليفزيونية عملاقة تتصدَّر الجانب الأيمن من القاعة … فرأى «أحمد» عليها الخطوط البيانية المتراصَّة … فعرف أن رقم «صفر» يحضر اجتماعهم عن طريق شبكة الإنترنت … فقال له: أهلًا يا زعيم …

رقم «صفر»: هل رأيت أحدَ هؤلاء القادة من قبل؟

أحمد: لا … ولكني سمعت صوت أحدهم أكثر من مرة … وفي أكثر من مناسبة، وهو صوت مألوف لديَّ …

رقم «صفر»: كل هؤلاء القادة تحدثوا معك تليفونيًّا … وصدرَت إليك منهم أوامر مباشرة أثناء سفري …

أحمد: ولكني أراهم لأول مرة …

رقم «صفر»: أعرف ما يدور بذهنك … وسيُبلغك القادة عن سبب الاجتماع بك لأول مرة … وسأحضر معكم هذا الاجتماع …

وتحدث القائد العام قائلًا: الأخطار التي تحوط العالم العربي الآن كثيرة … وأكثر من ذي قبل … فنحن في تحدٍّ حقيقي مع ثورة العلم … والتكنولوجيا التي اجتاحَت العالم … ولم يكن لنا فيها نصيب … فالعالم العربي الآن يعتمد في وارداته على بيع المواد الأولية …

أحمد: تقصد البترول؟

القائد: نعم … وقد جاهدتُ دول العالم كثيرًا … حتى كادت أن تفقد قيمته. ووجدت الدول البترولية نفسها في مأزق …

غير أن المنطقة العربية … تحوي بعضَ بلدان نامية، استطاعت أن تقوِّيَ اقتصادها وتفتح أبواب الاستثمار وتنهض بصناعتها وتخطو خطواتٍ واثقة نحو التقدم …

وهنا قال أحد القواد مكملًا حديثَ القائد الأعلى: وبالطبع هناك دول من مصلحتها ألَّا يستمرَّ ذلك … لذلك فقد استعانت بمنظمة عالمية خطيرة لتصدير الجريمة … لبثِّ عناصر تخريبية داخل هذه المجتمعات النامية لضرب مناخ الاستثمار فيها.

وحتى لا يُفتضحَ أمرُها … فهي تقوم بدراسات اجتماعية وسياسية مستفيضة للاستفادة من طبيعة البلاد ومعتقدات شعبها وتراثه في تنفيذ عملياتها …

وهنا رفع «أحمد» يده … فسمح له القائد بالحديث … فقال: لقد وصلنا تقريرٌ من عميلنا في «الهند» عن جماعة من هذه الجماعات وصلَت إلى «مصر».

القائد: تقصد جماعة التمساح المقدس؟

أحمد: نعم …

القائد: إنهم سكان جزيرة تسمَّى بنفس الاسم.

فقال قائد مخابرات المنظمة: إن هذه الجزيرة يحكمها الآن زعيم عصابة «سوبتك».

أحمد: أو «سوبر تكنلوجي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤