تعليقات ختامية
الفصل الأول: القَصص الخيالي بوصفه حُلمًا
جميع إشاراتي إلى أعمال شكسبير مأخوذة من موقع «الفهرس الأبجدي المفتوح لأعمال شكسبير» الذي يضم أعماله الكاملة، ويمكن الوصول إليه عبر الرابط: http://www.opensourceshakespeare.org. يبدأ ترقيم سطور المسرحيات على الفهرس من أول المسرحية، وليس حسب كل فصل ومشهد.
(٢)
مثلما بالغَت فيرجينيا وولف (١٩٢٤) عندما قالت في عبارة أشير إليها في
جملتي إن طبيعة الشخصية تغيرت عام ١٩١٠، لعلِّي أبالغ إذ أقول إن فكرة
شكسبير بشأن اعتبار المسرحيات نماذج للعالم أتته فجأة عام ١٥٩٤، واقترح
عليَّ باتريك هوجان أن شكسبير بلور فكرته تدريجيًّا.
ثمَّة استنتاج شائع أن شكسبير انضمَّ إلى فرقةٍ مسرحيةٍ جوالة ليتدرَّب
على التمثيل، وأنه وصل مع هذه الفرقة إلى لندن في أواخر ثمانينيات القرن
السادس عشر، وكانت باكورة أعماله — التي ربما يكون ألَّفها بالتعاون مع
كاتب آخر حوالي عام ١٥٩٠ — هي مسرحياته التاريخية الثلاث «هنري السادس»،
ولاقت نصيبها من النجاح. وقد شرع الناقد ستيفن جرينبلات (٢٠٠٤) في الربط
بين ما نعلمه من حياة الكاتب الكبير والمعارف الأكاديمية الضخمة المتعلِّقة
بأعماله لدراسة العوامل التي ميَّزت فترة تدَرُّبه على الكتابة خلال
السنوات السابقة لعام ١٥٩٤. ويبدو أن تدرُّب شكسبير على التمثيل في شبابه
قد أثار انتباهه إلى أطياف الإمكانيات الكامنة في فكرة أنه بإمكان
الممثِّل على خشبة المسرح التخلِّي عن ذاته الحقيقية، وأن يُصبح شخصًا آخر
متميزًا (شخصية).
(٣) تبدو بعض مسرحيات شكسبير الأولى مختلفة تمامًا عما تلاها من مسرحيات، ورغم أن أعمال شكسبير تُعَد «صالحة لكل الأزمنة»، فمسرحيةٌ مثل «ترويض الشرسة» يُنظَر إليها الآن باعتبارها مسرحية متحيزة ضد المرأة، ويُنظر إلى «تيتوس أندرونيكوس» باعتبارها مسرحية رعب.
(٤) يتحدَّث بوتوم في مسرحية «حلم ليلة صيف» عن العالم البديل الذي تحوَّل فيه إلى حمار، ثم وقعت في غرامه تيتانيا: «لقد رأيتُ حلمًا بالغ الروعة! لقد رأيتُ حلمًا لا يستطيع عقل الإنسان أن يصفه أو يحكيه! حمارٌ مَن يُحاول وصف هذا الحُلم!» (الفصل الرابع، المشهد الأول، السطر ١٧٦٧). [ترجمة محمد عناني، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٢، ص١٤٩.]
(٥) وصف بول ريكور (١٩٧٧) القصص الخيالية والاستعارة بأنهما نموذجان من أجل إعادة وصف العالم.
ومن المرجح، كما يرى ستيفن جرينبلات (١٩٨٠)، أن يكون شكسبير تعلَّم الإمكانيات الكامنة في الشِّعر الأيامبي من مشاهدته مسرحية كريستوفر مارلو «تامبرلين» لدى وصوله إلى لندن (١٥٨٧).
إن هذا الاختلاف الذي يُميِّز الوزن الأيامبي عن اللغة الإنجليزية المعتادة يُحدِث تأثيرًا يسميه فيكتور شكلوفسكي (١٩١٧) التغريب؛ أي إضفاء الغرابة على اللغة (أناقش التغريب باستفاضة في الفصل الثالث).
(٧) يصف فرانك كيرمود (٢٠٠٠) استخدام شكسبير لكلٍّ من «الظل» و«الجوهر»؛ حيث يستخدم شكسبير في مسرحية «دقة بدقة» المعنى السائد في العصر الإليزابيثي للظل، وهو انعكاس الصور في المرآة، قائلًا: «نفسه الزجاجية، مثل القرد الغاضب» (الفصل الثاني، المشهد الثاني، السطر ٨٧٥)، قاصدًا بها الشخصية الظاهرة المرئية. ويحتمل مفهوم المرآة كذلك معنى ما يمكننا به رؤية أنفسنا.
(٨)
كثيرًا ما يُقال إن الشعر الغنائي يختلف تمامًا عن القصص الخيالية
النثرية، ولكن، كما بيَّن باتريك هوجان (٢٠٠٣)، يمكن اعتبار أن القصيدة
الغنائية، كقصيدة السونيت على سبيل المثال، تُصَوِّر نقطة تحوُّل تصويرًا
سرديًّا، في القلب منه عاطفة تُسقَط على لوحة استعارية؛ حيث يمكن استكشافها
بإمعان، ولهذا سأتعامل مع القصائد الغنائية الشبيهة بالسونيت رقم ٢٧
لشكسبير باعتبارها قصة خيالية.
يمكن أن تجسد نقاط التحول في السونيت الفكرة التي أسماها أرسطو في كتابه
«فن الشعر» «التحوُّل» وهو: «انقلاب الفعل إلى ضدِّه … تبعًا للاحتمال أو
للضرورة» (ص٣٥-٣٦). وهذا التحوُّل يمكن أن يكون تغيُّرًا في الظروف، أو
الفهم، أو الشخصية إلى حال أخرى مخالفة تمامًا للحال الأولى.
افترض بيل بنزون (٢٠٠٦) أن أعمال الأدب لها بِنْيات يُحتمَل أن تكون
مشتركة بين جميع القراء، وربما تستدعي إلى الذهن كذلك أنماط نشاط الدماغ
وتشبهها. وفي نقاش معه حول هذا الموضوع، افترضتُ أن بنية السونيت تتكون
من: ٨ أبيات + ٤ أبيات + بيتين. وليس هذا نمطًا منهجيًّا على نحو مثير
للاهتمام فقط، ولكنه يتناسب وكلًّا من السرد والتعبير أيضًا. يضمُّ
الأوكتاف عرضًا تفصيليًّا للموضوع (وهو طويل بما يكفي لتحقيق هذا الغرض)،
ويليه التحوُّل (نصف عدد أبيات الأوكتاف؛ لأن العرض التفصيلي أرسى النقاط
الأساسية)، ثم الخاتمة (نصف عدد أبيات التحوُّل، لأنها تقدم تجريدًا أو
تعميمًا).
(٩) هيلين فيندلر (١٩٩٧) هي صاحبة فكرة أن كلمة «شغوفًا» في السونيت رقم ٢٧ تُخفي وراءها معنى «الغيرة». ولا يفوتني أن أشير إلى الأهمية البالغة لتعليقها على «سونيتات» شكسبير.
(١٠) نقاط التحوُّل مهمَّة في القصص الخيالية، والقصة القصيرة الحديثة تضمُّ هي أيضًا مفهوم نقطة التحوُّل، وقد افترض فرانك أوكونور (١٩٦٣) أن القصة القصيرة الحديثة (في مقابل الحكايات وقصص العجائب الطويلة) لم تظهر إلا في منتصف القرن التاسع عشر من خلال أعمال كُتَّاب مثل نيكولاي جوجول وإيفان تورجينيف.
(١١) كان أرسطو هو من طرح في كتابه «فن الشعر» فكرة أن القصة الخيالية تتناول ما يُحتمل حدوثه لنا نحن البشر، وليس مجرد ما حدث بالفعل.
(١٢)
يقول جيروم برونر (١٩٨٦) في مقدمته المميَّزة عن علم نفس القصص الخيالية:
«لا نعرف سوى القليل القيِّم عن العملية النفسية المرتبطة بدور القارئ في
النص»، إلى جانب ما نعرفه عن دور الكاتب في النص، وفي هذا الكتاب يوضِّح
برونر أن السرد يمثل شكلًا مميَّزًا من التفكير والشعور في التعامل مع
النيات الإنسانية وتقلباتها.
كذلك يُعَد كتاب ريتشارد جيريج (١٩٩٣) من الكتب المهمَّة التي تناولت علم
نفس القصص الخيالية، وفيه يُقدِّم فكرة لعلَّها لا تختلف كثيرًا عن فكرة
الحُلم التي أركِّز عليها في هذا الكتاب، ولكنه يستخدم مصطلحًا آخر هو
«الانتقال»، ويشرح فكرته قائلًا إن السرد ينقلنا إلى عالم سردي قد
يستغرقنا، وبنقلنا على هذا النحو نشهد فيه أحوالًا مميَّزة من الانتباه
والخيال والعاطفة، ونسافر في السرد بعيدًا عن عالمنا التقليدي مسافةً ما،
ونترك خلفنا بعضًا من سماته، وقد نتفاجأ عند عودتنا بأن الرحلة قد
غيَّرتنا. وسوف أناقش فكرة جيريج بتفصيل أكبر في الفصل السابع.
(١٣) بعد سنوات من كتابة هنري جيمس مقاله «فن القصص الخيالي» (١٨٨٤) الذي قرَّر فيه أن الروايات تُعدُّ انطباعًا مباشرًا عن الحياة، صار رأيه أكثر اتفاقًا مع رأي روبرت لويس ستيفنسون، وكتب الآتي: «تتَّسم الحياة بالشمول والاختلاط، ويتَّسم الفن بالتمييز والانتقاء … الحياة تفتقر تمامًا إلى أي إحساس بالموضوع، ولا تبْرَع إلا في التبديد المبهر، وهذا من حسن حظنا، ومن ثَمَّ تبرز الفرصة لاقتصاد الفن الرفيع، الذي يُنقذ ويوفِّر ويكنِز و«يدَّخِر» ويستثمر ويعيد الاستثمار لثمار النَّصَب هذه في «أعمال» مفيدة رائعة، فيُعوِّضنا بأفخر أنواع الدخول التي تُشبِع ميلنا الفطري الشديد للإسراف» (جيمس ١٩٠٧).
(١٤) أتناول فكرة سيجموند فرويد (١٩٠٨) التي تعتبر القَصص الخيالي مقتبسًا من أحلام اليقظة في الفصل الثاني من الكتاب، أما فيما يتعلق باستجابة القارئ، فقد صارت المفاهيم المرتبطة بالتحليل النفسي للأحلام والخيال الجامح (الفانتازيا) مؤثِّرة للغاية؛ انظر — على سبيل المثال — مؤلَّفات نورمان هولاند الراقية عامي ١٩٦٨ و١٩٧٥. وقد اكتسبت هذه الأفكار، فضلًا عن ذلك، مكانةً في التحليل النقدي للأفلام، وانظر مثلًا أعمال كريستيان مِتز (١٩٨٢). أقبلُ بعض هذه الأفكار، إلا أن منهجي النفسي يقوم بدرجة كبيرة على النظريات والأدلة الخاصة بعلم النفس المعرفي وبعلم الأعصاب.
(١٥) مسرحية «حلم ليلة صيف»، هي أيضًا، تضمُّ مسرحية داخل مسرحية، نموذجًا داخل نموذج.
(١٦) يسعنا القول، على ما أظنُّ، أن عنصرَي تقليد العالم ومحاكاة العالم الخاصَّيْن بمفهوم «المحاكاة» في مسرحيات شكسبير وشعره يقابلان، على التوالي، عنصرَي الظل والجوهر. وقد عبَّر توني ناتول (١٩٨٣) عن ذلك تعبيرًا مرْضيًا بقوله إن أحد إنجازات شكسبير قدرته على تمثيل عالَم الباطن من خلال تقليده.
(١٧) أستعين هنا بفكرة «إضفاء الغرابة» التي تُتيح للقارئ أو المستمع رؤية الأشياء بوضوح، وصاحبها هو فيكتور شكلوفسكي (١٩١٧)، وأناقشها بتفصيل أدقَّ في الفصل الثالث.
(١٨) قبل سنوات عدة، اجتمع أعضاء من مجموعة ليجرينبيرج البحثية (وهو باحث مخضرم معنيٌّ بدور المشاعر في العلاج النفسي)، وأعضاء من مجموعتي البحثية المعنية بعلم نفس القَصص الخيالي في سلسلة من اللقاءات لمشاهدة تسجيلات فيديو من جلسات للعلاج النفسي ومناقشتها، في محاولة لاستكشاف القيمة المحتملة للتحليل السردي. وأتذكَّر أن إحدى العميلات كانت غاضبةً من أحد والِدَيْها، كانت غاضبةً، غاضبةً، غاضبةً طوال جلسات عديدة، ثم غاضبة، غاضبة، غاضبة — ممتلئة لومًا — حتى غلبها الحزن في إحدى الجلسات، حينما أدركت دورها هي نفسها في الأمور التي أشعلت كل ذلك الغضب داخلها.
(١٩)
يشير روبرت فايمان (١٩٨٥) إلى أن مسرحية «هاملت» تمكن قراءتها على
الأغلب كما لو أنها أطروحة حول «المحاكاة» المسرحية، يقدِّم فيها
الجميع عروضًا، ويلعبون دور المشاهدين لعروض الآخرين، وهكذا يحضر الشبح
بأسلوب درامي من عالم آخر، فيتنبه الجميع، ويتصرَّف كلوديوس كما لو كان
الخليفة الشرعي للملك الراحل هاملت، وهاملت يتصرف كما لو كان مجنونًا،
وبولونيوس يُدبِّر لتكليف أطراف أخرى بمراقبة هاملت كما لو كانوا
مشاهدين، أما المسرحية داخل المسرحية فهي، كما أرادها هاملت، تعرض
الحقيقة التي عتَّم عليها كلوديوس بضلالاته ليتثبَّت هاملت من حقيقة
كلوديوس علنًا، ويُعَرِّيه أمام نفسه في مرآة المسرحية.
وفي مسرحية «كما تشاء» يُبرز شكسبير طبيعة المسرح القائمة على صنع
النموذج، بتغيير المشهد من البلاط إلى عالم موازٍ هو غابة آردِن، وهكذا
يوجد داخل النموذج (الذي هو المسرحية نفسها) عالَم نموذجي آخر مدمج
(غابة آردِن) تستطيع فيه روزاليند، وهي متنكِّرة في ثياب رجل، الحديث
إلى الرجل الذي تحبه عن الحب بأسلوب عادةً ما ترفضه الأعراف. وفي
مسرحية «عطيل» تُطرَح الفكرة في إطار الشر الاجتماعي الكامن الذي
تحمله، ويُكرِّر شكسبير تقديم النموذج من خلال نقل الأحداث من فينيسيا
إلى قبرص، ويمكن اعتبار ما يحدث في قبرص نوعًا مختلفًا من المسرحية
داخل مسرحية، يندفع فيها عطيل لتصديق خيانة ديدمونة له بتلقينٍ من
إياجو الذي يُحركه كما يحرك المخرجُ الممثل.
(٢٠) رأى البعض حديث بروسبيرو الذي يتضمَّن العبارة التي تُمثل عنوان هذا الكتاب باعتباره نوعًا من أنواع الاعتذار عن الاستعمار الأوروبِّي. يقول في معرض حديثه: «… والأرض العظيمة نفسها،/وكل ما تحمله، مصيرهم إلى الانحلال.» لكنَّ عالم الاستعمار لم ينحلَّ، وكان لا بد من إطاحته، ولا يزال الكثير من تبعاته الجسيمة باقيًا.
(٢١) كتب المؤرخ الأدبي الألماني، أوجوست فيلهِلم شليجِل (١٨٤٩) هذا: «إن الخيال المسرحي، وكذلك الشعري بأنواعه كافة، نوع من أحلام الصحو التي نستسلم لها بمحض إرادتنا» (ص٢٤٦). واستعانت بالفكرة أيضًا جورج إليوت، الكاتبة التي أعُدُّها أعظمَ الروائيين الإنجليز؛ إذ نقرأ في واحدة من الفقرات الشهيرة في بداية الفصل العشرين من رواية «ميدل مارش» — التي نرى فيها دوروثيا، محفوفة بصور متتابعة لروما، حيث تقضي شهر العسل، وهي تبكي في حيرة من أمر زواجها من السيد كازابون الفظ — ما يأتي: «ولكن هذا التَّشَظِّي المذهل [للصور] ضاعَفَ من الغرابة التي تُشبه الأحلام التي كانت تستشعرها في بداية حياتها الزوجية.»
(٢٢) من أمثلة الرمزية الممتدة المعبِّرة عن الرمزية الدينية والأخلاقية قصيدة «ملكة الجن»، وهي قصيدة طويلة كتبها إدموند سبنسر (١٥٩٦) عن الفضائل، تبدأ بالقداسة، وفيها يذبح القديسُ جون التنينَ. ومن الكلمات المستخدَمة في إنجيل الملك جيمس للتعبير عن الرمزية كلمة «مَثَل»، ويقتبس جون بَنْيان (١٦٧٨) آية «مَثَّلْتُ أمْثَالًا» (هُوشَع، الإصحاح الثاني عشر، ١٠) في تقديمه لكتابه «رحلة الحاج»؛ كلمات قليلة في بداياته التي نقرأ فيها: «وعندما نمتُ رأيت حُلمًا … رأيت رجلًا يرتدي أسمالًا … وفي يده كتاب، وعلى عاتقه حِمْل ضخم.»
(٢٣)
سبق لي أن استخدمتُ فكرة المحاكاة في كتابي «الخطط المحْكمة» عام ١٩٩٢،
وكما شرحت فيه، اقترح الفكرة عليَّ سايمون جارود الذي قرأ مسوَّدة أحد
فصول الكتاب، ولحظ معاناتي فيه من أجل شرح القَصص الخيالي باستخدام ألفاظ
مثل التصوير؛ قال جارود: «لِمَ لا تستخدم كلمة محاكاة؟» وعرفت في لحظتها أن
هذه هي الكلمة التي أحتاج إليها، وكنتُ ممتنًّا لذلك. كانت فكرة المحاكاة
من وجهة نظر عالِم نفس معرفي نشأ في عصر الذكاء الاصطناعي فكرة ملائمة،
ولكني لم أكن ربطتها في ذلك الوقت بفكرة المحاكاة في نظرية العقل. أصبَحَت
المحاكاة، في إطار نظرية العقل، كما استخدمها بول هاريس (٢٠٠٠) على سبيل
المثال، مؤثِّرةً، وكانت المحاكاة بهذا المعنى، كأنها أخِذت. ولهذا السبب
اقتُرح عليَّ أثناء خطاب ألقيتُه أن أستخدم فكرة المضاهاة، لكن مفهوم
المضاهاة أيضًا أخذه بالفعل يوزيب كول ومايكل تومازيلُّو (١٩٩٥) بوصفه
أسلوبًا للتعلُّم من خلال نوع من التقليد، ولم تكن فكرتهما (بناء فعل على
عتاد مختلف عن العتاد الأصلي) تُعبِّر عن مقصدي، ولهذا سألتزم بمفهوم
المحاكاة.
فضلًا عن ذلك، يرتبط مفهوم المحاكاة، كما أستخدمه، باستخدام ألفين
جولدمان له في إطار فلسفة العقل، ولورنس بارسالو في علم النفس المعرفي
(٢٠٠٨)، ورولف زفان في فهم القصص (٢٠٠٨).
(٢٤) تتشابه مقاربتي لقراءة القَصص الخيالي ومشاهدته باعتبارهما أداءً تمثيليًّا مع مقاربة كلٍّ من فولفجانج إيزا (١٩٧٤) ونورمان هولاند (١٩٧٥)، على الرغم من تأسيسها على اعتبارات مختلفة.
(٢٥) لا شك أن بعض صور الفن لها بُعدٌ سياسي، ويمكن اعتبار أن الفن، إجمالًا، يُجسِّد فكرة سياسية بالمعنى العام، تتمثَّل في فهم ماهية الإنسانية، ومع ذلك يوجد فرق بين الفن (بطبيعته الاستكشافية، والمساحة التي يمنحها للقارئ أو المشاهد لتكوين خبرته الخاصة) وبين الدعاية (التي تسعى لتوجيه عقل القارئ أو المشاهد نحو غاية محددة مسبقًا).
(٢٦) أجرت ليزا عزيز زاده وآخرون (٢٠٠٦) التجارب التي لحظ فيها المشاركون عبارات تتعلق بحركات القدم أو اليد أو الفم أو قرءوها أثناء التسجيل بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
(٢٧) أجرى جيوفاني بوتشينو وآخرون (٢٠٠٥) العمل المتعلق باستخدام التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة.
(٢٨) رصد آرثر جلينبيرج وآخرون (٢٠٠٨) نشاطًا في المناطق ما قبل الحركية في الدماغ حينما قرأ الناس عبارات عن النقل المادي لشيء ما بعيدًا عن الشخص، مثل «أنت تُناول ماركو الأوراق»، وكذلك عن النقل التجريدي مثل «أنت تفوِّض المسئوليات إلى آنا». ولم تحدُث هذه الآثار عندما كانت النقلات موجهة نحو الموضوع.
(٢٩) تشمل مناطق الشبكة المركزية المساحات الوسطى بين الفص الأمامي الجبهي والفص الصدغي والفص الجداري والتقاطع الصدغي الجداري، وكذلك أجزاء من القشرة الأمامية الجبهية الجدارية والقشرة الصدغية والقشرة القذالية. انظر، على سبيل المثال، أعمال ريموند مار (٢٠١١)، وجنيفر سامرفيلد ودميس هاسابيس وإلينور ماجواير (٢٠١٠).
الفصل الثاني: المساحة البينية
(٣) أثبتت إميلي وايمان وآخرون (٢٠٠٩) أن الأطفال في سن الثالثة يستطيعون حفظ الهوية التمثيلية لشيء ما، مثل تمييز كتلة بلاستيكية طويلة صفراء باعتبارها فرشاة أسنان في سيناريو تمثيلي معين، والفصل بين ذلك وبين استخدام هذا الشيء نفسه في سيناريو تمثيلي مختلف باعتباره ملعقة.
(٤) أصبح يُنظَر للأفلام — انطلاقًا من منطق مشابه لذاك الذي ناقشه سيجموند فرويد في بحثه الصادر عام ١٩٠٨ حول الكتابة الإبداعية وأحلام اليقظة — اليوم بوصفها أحلامًا مترابطة على نحو أكثر منطقية من أحلام النوم، وتحقِّق العديد من وظائف أحلام اليقظة، ولكن من خلال أسلوبها الممتع؛ انظر مثلًا: نورمان هولاند (١٩٦٨) و(٢٠٠٩).
(٥) اقترح دينيس داتن مؤخرًا (٢٠٠٩) أن الفن يُعَد من سبل التكيُّف التَّطَوُّري؛ حيث يرى أن اكتساب المهارات والإبداع والتخصيص وتخيُّل عوالم مزعومة، تمثل جميعًا جانبًا من القيمة التكيُّفية للفن التي ساهمت في أهلية أسلافنا للبقاء. ويقول داتن إن القدرة على تخيُّل أوضاع غير موجودة كانت ذات أهمية بالغة للبشرية، ويستنبط من خلال الهندسة العكسية أن الحكايات توفر ثلاث مَيْزات مهمة هي: خبرات قيِّمة دون مخاطر، ومصادر للمعلومات التعليمية، واستكشاف وجهات نظر الآخرين.
(٦) يُعتَقَد أن الزواحف — وهي طائفة من الحيوانات التي تنحدر منها الثديِيَّات، ولكنها ليست اجتماعية للغاية في حدِّ ذاتها — لا تلعب على الإطلاق. وقد بيَّنت جوليا فيتين وديتمار توت (٢٠٠٥) وجود توافُق كبير بين الضحك لدى البشر وأصوات اللعب لدى قرود المكَّاك والشمبانزي أثناء اللعب الخشن والدغدغة. كذلك فقد وصف ياك بانكسِب (٢٠٠٥) كيف يبدأ الضحك لدى الأطفال الرُّضَّع طبيعيًّا، ويتواصل عندما يلعب الأطفال ألعابًا كالملاحقة التي يفوق فيها ضحك الطفل الملاحَق ضحك الطفل الذي يلاحقه. ويقول بانكسِب إن الفئران تُصدِر أصوات سقسقة أثناء لعبها، وإنها، حين يدغدغها شخص ما بحيث تُصدر هذه الأصوات، ترتبط بهذا الشخص تحديدًا. وكشف عن أن الأنظمة الدماغية التي تنشط تحت قشرة الدماغ أثناء سقسقة الفئران في اللعب هي نفسها التي تنشط لدى البشر عندما يضحكون، وقد أظهرت أبحاث بانكسِب أن اللعب الاجتماعي هو النموذج الأمثل للاستمتاع.
(٧) بيتر سميث (٢٠٠٥) هو صاحب تصنيف اللعب إلى ثلاثة أنواع، ويتضمن اللعب الرمزي أيضًا لعبًا يشتمل على الأدوار، وهو ما أتناوله في قسم لاحق.
(٨) كشف ياك بانكسِب (١٩٩٨) كذلك أن المنطقة الدماغية المسئولة عن اللعب لدى الحيوانات تختلف عن المنطقة المسئولة عن الاستكشاف، ولكني أرى أننا يجب أن نفترض أن اللعب والاستكشاف عند البشر يصبحان مرتبطين بسهولة.
(٩) أوضح جوردان بيترسون (١٩٩٩) أن القصص الأسطورية عادةً ما تهتمُّ بالتوازن بين المعلوم (الذي نجيد مهارات التعامل معه) والمجهول (وما يحمله من تهديدات وفرص)، وعلى الرغم من أن أي مجتمع يعتمد في الأساس على مهاراته وممارساته الحالية، فالمسألة الأعقد المتعلقة بكيفية تكوُّن المجتمعات وتطوُّرها عمومًا يبدو أنها تعتمد على قدرتنا على اللعب والاستكشاف، ومن ذلك قدرتنا على تأليف الحكايات واستيعابها، ولهذا فالبطل — وهو الشخصية القادرة على التصرف باعتبارها نموذجًا، وتجدها مكرَّرة في قصص العالم كله (مثل بوذا أو هرقل) — هو فرد من المجتمع متخيَّل من خلال القصص الخيالي، موجود منذ أزمنة تسبق التاريخ الحي للبشرية، وهو يجمع في شخصيته مزيجًا من الممارسات المخترَعة التي تشمل (بصفة متكرِّرة) ممارسة الاختراع الاستكشافي. إن القدرة البشرية على تكوين المجتمعات، كلٌّ حسب ثقافته، تعتمد على «المحاكاة» بمعناها الأكثر شيوعًا المتمثِّل في التقليد (الذي قد يشمل اتِّباع التعليمات)؛ فالتقليد يحدث في اللعب، وفي نسج المعتقدات والمهارات التي هي أعصاب أي مجتمع وأوتاره، وكذلك في ممارسات الاستكشاف، ومن بينها الفن.
(١٠) من المقالات المهمة حول اللعب التمثيلي وعلاقته بنظرية العقل مقال ألان ليزلي (١٩٨٧).
(١١)
من الكتب المؤثرة حول فلسفة الفنون كتاب كِندال والتون (١٩٩٠) الذي
يقول فيه إن القَصص الخيالي خيالي؛ حيث يرى والتون أن المشاعر التي
نعيشها أثناء تأثُّرنا العاطفي الناتج من قراءة رواية أو مشاهدة فيلم
في سينما هي مشاعر مزعومة من النوع الذي يشعر به الأطفال أثناء لعبهم.
وهكذا، عندما نشاهد فيلم رعب في سينما ونشعر بالخوف، فإن هذا الخوف ليس
خوفًا حقيقيًّا؛ لأنه لو كان حقيقيًّا لهَرَبْنا إلى خارج دار العرض؛
لأن الخوف الحقيقي يكون له أثر على أرض الواقع، وهو الرغبة الملحة في
الهرب، ولكن ما يحدث أننا نبقى في مقاعدنا. ويقول والتون عمومًا إن
المشاعر التي تنتابنا عند متابعة قصة خيالية ليست مزعومة وحسب، ولكنها
لا تكون إلا مزعومة.
أساء والتون فهم المسألة في رأيي؛ فالثقافة (ومنها اللغة والعلم
والفنون) والتجريد كلاهما ينشآن من منظور التطور من اللعب ومن التخيُّل
كما افترض هاريس (٢٠٠٠). ويطرح والتون نظرية مخالفة لمنظور التطوُّر؛
بحيث إن الفن عند البالغين، بدلًا من اعتباره مجموعة من التجريدات
التي تزداد ترابطًا وقوة، يُعَدُّ من وجهة نظره نكوصًا إلى حالة طفولية
مفترَضة. كما يبدو أنه قد اتخذ موقفًا مضادًّا للمنظور التجريدي؛ إذ
يُعرِّف المشاعر بأنها تؤدي إلى نتيجة سلوكية من نوع ما، ثم يتعامل مع
تعريفه هذا على المستوى الحَرْفي ويقول: «لا يمكن أن أكون قد شعرت
بالخوف من فيلم الرعب؛ لأنني لم أفر هاربًا من دار العرض.»
مقولة والتون نسخة من وجهة نظر ازدواجية قديمة (تجمع ما بين
الانجذاب والازدراء) تجاه الشِّعر، عبَّر عنها أفلاطون في الكتابَيْن
الثاني والثالث والكتاب العاشر من «الجمهورية»، حين ساق أول مجموعة
نقاشات مطوَّلة حول مفهوم «المحاكاة»، قال فيها إننا ينبغي أن نُذكِّر
أنفسنا بأن الشعر ذو طبيعة «طفولية» (٦٠٨أ)، وعلى الرغم من أن هذا هو
جوهر ما عبَّر عنه والتون فيما بعدُ، فالغريب أنه لم يأتِ على ذكر
أفلاطون، ولا فرويد (١٩٠٨) الذي كان يرى هو أيضًا أن القصص الخيالية
بها ملامح نكوص إلى لعب الطفولة.
(١٢) يشمل محو الأمية دون شك تعلُّم القراءة، ووفقًا لستانيسلاس دوان (٢٠٠٩) يشمل هذا بدوره آليات عصبية متكيفة للتعرف على خصائص معينة في العالَم الطبيعي مثل الحَوافِّ والأركان، يُستعان بها للتعرف على الحروف والمقاطع، ومن ثَمَّ الكلمات. وهكذا، وبسبب هذه العملية التي تجري لتمييز الكلمات، فإن القراءة تتضمن تكوين شبكات دماغية تتصل بعمليات منفصلة مسئولة عن التعرف على الأصوات وتمييز المعاني.
(١٣) طَرَحْتُ أنا وديفيد أولسون (٢٠١٠) تفسيرًا آخر مشابهًا للتفسيرات التي اقترحها بول هاريس (٢٠٠٠)، وفيه نقول إن السؤال الذي طرحه ألكسندر لوريا عن لَون الدببة في نوفايا زيمليا كان من النوع السردي، بينما كانت الإجابة المتوقَّعة له من النوع المنطقي. والناس عمومًا يألَفون الأسلوب السردي، لكنهم بحاجة إلى التعليم لاكتساب الأسلوب المنطقي الذي يتمكَّن المرء من خلاله من معالجة الاحتمالات بناءً على محض كلمات.
(١٤) لا ضير، بالطبع، في العيش في المكان والزمان الحاليَّين، بل يعتبر البعض أن هذا هو الوضع المثالي؛ يقول دانييل إفريت (٢٠٠٥) إن شعب البيراها في غابات الأمازون يعيش حياته كلها بهذه الطريقة. واكتَشف بيتر جوردون (٢٠٠٤) أن نظام الأعداد لديهم يقتصر ببساطة على: واحد، اثنين، كثير. وأن مهارات تأليف الحكايات لديهم غير متطوِّرة، ولكن توجد حاجة للتفكير التجريدي للتعامل مع العالم الحديث، ومن ذلك المهارات الحسابية والقصصية.
(١٥) رأى أناس كثيرون أن الإبداع الأدبي يُتيح لنا عيش تجارب متعددة بترتيب سريع، وقد اقتبس لين هانت (٢٠٠٧) ما كتبه دِني ديدرو حين قال: «خُضْتُ في غضون سويعات قليلة عددًا هائلًا من المواقف، لا تكاد تسعها أطول الحيوات بكل سِنِيها» (ص٥٥-٥٦) إثر قراءته رواية لصامويل ريتشاردسون.
(١٦) أشار رومان جيكوبسون (١٩٥٦) إلى أنه عند تأثير تلف المخ على الكلام فإن هذا التأثير عادةً ما ينال من وظيفة الاختيار أو من وظيفة التركيب، ولكن يندر أن يُصيب الاثنتين معًا؛ فالشخص المصاب بتلفٍ في جزء معيَّن من الدماغ يخطئ في اختيار الكلمات، بينما يخطئ الشخص المصاب في جزء مختلف من الدماغ في تركيب الكلمات وتأليف ما يتلاءَم منها مع الآخر. ويقول جيكوبسون إن أحد الاختبارات التي أحيانًا ما يخضع لها الأطفال تُظهر نتائج مماثلة؛ إذ تستطيع سؤال طفل: بمَ تفكر عندما تسمع كلمة «كوخ»؟ وستجد أن أحد أنواع الإجابات يعتمد على الاختيار (الوظيفة الاستعارية)؛ فقد يقول الطفل (بحسب جيكوبسون) «كابينة» أو «قصر»، بينما في النوع الآخر من الإجابات المعتمد على التركيب (أو على الوظيفة المجازية) قد يذكر الطفل خصائص معيَّنة ترتبط بالكوخ؛ مثل «سقف القش» أو «الفقر».
(١٧) أخبرني ديفيد لودج في حوار جمعنا أنه عندما قرأ الفقرة التي وصف فيها رومان جيكوبسون (١٩٥٦) قطبَي الاستعارة والمجاز، كان الأمر من وجهة نظره بمثابة كشف جديد، وفي عام ١٩٧٧ ألَّف كتابًا أكاديميًّا بيَّن فيه الفرق بينهما، كما اعتمد في روايته «عمل جيد» (١٩٨٨) عليهما؛ حيث شبَّه الجامعة بمصنعٍ على المستوى الاستعاري، وقدَّم، على المستوى المجازي، تجاورًا — متقاربًا للغاية في بعض الأجزاء — بين المُحاضر في الجامعة ومالك المصنع. وسوف أناقش المزيد حول المجاز في الفصل الخامس.
(١٨) إذا شرح شخص ما، على سبيل المثال، طريقةَ عمل ماكينة الخياطة، فسوف يفهم المستمع ما يقول من خلال صنع نموذج عقليٍّ له، وربما تتضمَّن عملية إقامة هذا النموذج العقلي النظر إلى ماكينة خياطة، أو رسم مخططات بيانية، أو التفكير في تفسيرات مختلفة للشرح، أو مناقشته مع شخص آخر، إلى أن يشمل النموذج العقلي المبادئ المذكورة في الشرح، وقد عكفَت نيومي مياكي على دراسة هذه العملية (١٩٨٦).
(١٩) عندما يُركز أحدنا نظره على نقطة معينة على طول ذراعه فإن جهازه البصري لا يرى بوضوح عالٍ إلا تفاصيل رُقعة صغيرة لا تزيد على ضعف قُطْر ظفر إبهامه؛ حيث يركز حوالي ٥٠٪ من العصب البصري و٥٠٪ من القشرة البصرية على معالجة المعلومات الواردة عن طريق هذه الرقعة الصغيرة، أما بقية الأشياء جميعًا فتكون دقتها منخفضة للغاية. وهكذا فإن الرؤية عبارة عن عملية بناء نموذج لعالم من الأشياء المنظَّمة في ثلاثة أبعاد، كوَّنه الجهاز البصري من تعاقُب مَشاهد ثابتة لرُقَع صغيرة ثنائية الأبعاد، وإذا طرأ فيما بين مثل هذه المشاهد الثابتة تغيير كبير على الحيِّز البصري في جانب واحد من نقطة تثبيت الرؤية، فإنه لا يُلحَظ.
(٢٠) كان لقراءة كتاب كينيث كريك (١٩٤٣) حول النماذج العقلية أثره المفاجئ في مساعدتي حين كنتُ طالبًا على فهم مغزى علم النفس الذي كنتُ أراه قبل ذلك خليطًا من الموضوعات غير المترابطة. لقد أصبحت نظرية النماذج العقلية أساسًا لأهم مقاربة حالية لفهم عملية التفكير، وهي مقاربة فيل جونسون-ليرد. ارجع إلى كتابَيْه عامي ١٩٨٣ و٢٠٠٧.
(٢١) أجرى دارِسُو علم النفس المعرفي من أمثال سام جلاكسبيرج (٢٠٠٣) أبحاثًا كثيرة حول كيفية عمل الاستعارات في اللغة.
(٢٢) في امتداد لعمل جورج ليكوف ومارك جونسون (١٩٨٠)، افترض ريموند جيبس (١٩٩٤) أن العمليات التي كانت تُعَدُّ فيما مضى بلاغية بحتة، مثل الاستعارة والمجاز، يتعدَّى دورها في حياتنا العقلية الزخرف. إنَّ وظائف العقل البشري نفسها، وطريقة عمله أثناء عمليات التفكير اليومية، وفي أكثر إنجازاته إثارةً للإعجاب؛ كلُّ ذلك تخيُّلي، ومن ثم فهو شاعري في أعماقه.
(٢٣) فنَّد باتريك هوجان (٢٠٠٢) نظرية ليكوف وجونسون المتعلِّقة بفهم المعنى من خلال الاستعارة، محتجًّا ببعض نقاط الضعف بها، وبيَّن مثلًا أن المقصود بعبارة «سيارة سميث بيضاء» إثارة مجموعة معانٍ مختلفة عن عبارة «المشتبه به أبيض»، ويقارِن مثاله هذا بمثال آخر طرحه جورج ليكوف ومارك تيرنر (١٩٨٩) عن جرَّاح يخرج من غرفة العمليات قائلًا: «لقد فقدنا المريض». إذا أردنا فهم هذه العبارة وفقًا لتحليلهما، ينبغي علينا إسقاط المعنى من المجال المصدري للفقدان على المجال المستهدَف المتعلِّق بما حدث داخل غرفة العمليات، غير أن المجال المصدري للفقدان لا يساعد على فهم المعنى المقصود على حدِّ قول هوجان؛ لأن أكثر المعاني التجريبية المرتبِطة بهذا المجال المصدري شيوعًا هي: فقدان غرض ما بسبب ضياعه أو سرقته، أو فقدان نقاط في لعبة، أو فقدان الطريق، أو فقدان شخص وسط الزحام، أو فقدان خمسة كيلوجرامات نتيجة اتِّباع حمية غذائية، ولكن لا يساعد أيٌّ من هذه المعاني في فهم ما حدث داخل غرفة العمليات؛ لأن ما حدث هو أن المريض فقَد حياته، والمتحدِّث هنا يقصد معنى بعينه (كما هو الحال في مثالَي السيارة البيضاء والمشتبه به الأبيض)، وينبغي على المستمِع البحث في معاني كلمة فقدان لمعرفة المعنى المقصود.
(٢٤) أجرت دراسة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي التي تكشف عما إذا كانت عبارات مثل «عضَّ على جرحه» تُنشِّط المناطق المرتبطة بالعضِّ في الدماغ أم لا ليزا عزيز زاده وزملاؤها (٢٠٠٦). وتوصَّلَت ليزا عزيز زاده وأنطونيو دامازيو (٢٠٠٨) إلى أنه حالَما تكْتسِب أي استعارة دلالة تقليدية معيَّنة يتوقف تأثيرها على النظام الحركي للدماغ. والآن، سأحاول تأليف جملتين: «سوف أشد الرحال» وتعني «سوف أرحل»، وهي لا تستدعي نقل المعنى من مجال إلى آخر، فهي صورة مرتبطة بالتكلُّم، وليست صورة مرتبطة بالتفكير، ولا يُقصد بها أي شيء بخلاف المعنى الحرفي نفسه المقصود من عبارة «سوف أرحل»، ومن غير المنطقي أن يتوقع المرء عند سماع هذه العبارة حدوث تأثير على أيِّ منطقة دماغية تتعلق بشد الأشياء وجذبها، وإن كان يمكن توقُّع حدوث نشاط في المناطق الدماغية المرتبطة بمغادرة المكان، وعلى العكس من ذلك نجد عبارة مثل «سوف أهاجمه بكل ما أملك» تصلُح صورةً مرتبطة بالكلام وبالتفكير، وتستدعي إلى الأذهان معنى النزاع في كلتا الحالتين. وتوقُّعي أن يلحظ الباحثون، إذا ما اتَّبعوا الأساليب التي استخدمَتها ليزا عزيز زاده وزملاؤها لعقد المقارنة، أن قراءة هذه الجملة سوف تُحدِث أثرًا يشبه أثر مشاهدة مقطع فيديو لشخص يهاجم آخر جسديًّا.
(٢٥) أرجع جيرارد ستين (٢٠٠٨) اكتساب أي صورة للمعنى الاستعاري إلى نيَّة المتحدث أو الكاتب استخدامها بأسلوب استعاري (ويشمل هذا التشبيه الذي يقتضي نقل المعنى من مجال إلى آخر)، وقد وجد ستين وزملاؤه من خلال دراسة قواعد بيانات لنصوص مكتوبة ومُفرَّغَة هولندية وإنجليزية أنه حتى مع الاستناد إلى أشمل تعريفات الاستعارة، فلا يمكن تصنيف أكثر من ١٣٫٥٪ فقط من جميع وحدات اللغة ضمن الاستعارات. على الجانب الآخر فإن نسبة ٩٩٪ من كل الاستعارات المستخدَمَة في الخطاب الأكاديمي، والخطاب الإخباري، والقصص الخيالي، والمحادثات هي تقليدية؛ أي إنها تُعالَج عَقليًّا، وليس من خلال نقل المعنى من مجال إلى آخر، وإنما باعتبارها صنفًا مندَرِجًا في مجالٍ واحد للمعنى، وذلك مثلًا من خلال العمليات نفسها المتَّبَعة لتحديد المعنى، كتلك العمليات المستخدَمة مع المصطلحات غير الاستعارية (كما نبحث عن معاني الكلمات في قاموس عقلي). والمسألة هنا، على حد قول ستين، تتمثَّل في مدى نية الكاتب أو المتحدِّث دعوة قرائه أو مستمعيه للتنقل بين مجالات المعنى. وقد استعان ستين بالمثال الآتي في خطابٍ ألقاه في أحد المؤتمرات: إذا قال شخصٌ ما «يجب أن أدافع عن أطروحتي الأسبوع القادم» سيقول ليكوف وجونسون إن هذا تعبير مقتبَس من القتال، ولكن لا يوجد أي داعٍ لاستدعاء هذه الدلالة؛ حيث إن كلمة «أدافع» هنا تعني ببساطة حضور اختبار شفهي والإجابة عن أسئلة فيه. وعلى العكس من ذلك، إذا قال شخص ما «كرة القدم حرب» ففي هذه العبارة تشبيه بلاغي موظَّف عن قصد، من شأنه إثارة عملية نقل المعنى بين مجالَي كرة القدم والقتال العنيف.
و«خلاصة الكلام» على حد قول جيورا هي:
بعد تأمُّل النتائج المتعلِّقة بمعالجة الاستعارة … يبدو من المعقول استنتاج أن الاستعارة في حدِّ ذاتها ليست فريدة، وأن الدماغ ليس حساسًا للتعبيرات الاستعارية أو الحرفية بالذات، بل إن حساسيته تتعلق بدرجة وضوح المعنى، وتباعُد العلاقات الدلالية، والنهايات المفتوحة، وشفافية معاني المحَفِّزات، ونية المتحدِّثين (بصرف النظر عن ملاءمة السياق). (ص١١٣)
(٢٨) يفترض يوهان هاوزينجا (١٩٥٥) أن الثقافة نوع من اللعب ينمو مع تطوُّر لعب الطفولة، وافتَرضَ أن الثقافة ذات طبيعة تطوُّرية، وكذلك أن اللعب يزيد الإنسان تحضُّرًا، وهو يرى أن الشِّعر يقع في ملعب العقل، في عالَم يُقيمه العقل له، ويمكن اعتبار عمل إيرفينج جوفمان (١٩٦١) متابعة من حيث توقف هاوزينجا.
(٢٩) مكَّننا إيرفينج جوفمان (١٩٦١) بحكمة من النظر في العوالم الخيالية مثل عالم اللعب، كما بيَّن (١٩٥٩) أن العالم العادي يعتمد على أساليب تقديمنا لأنفسنا كما لو كُنَّا ممثِّلين على خشبة المسرح.
(٣٠) قدم إد تان (٢٠٠٨) رأيه عن أسباب الاستمتاع بالترفيه، ويرى هو أيضًا أن القصص الخيالية مؤسَّسة على اللعب.
(٣١) كتب لودفيج فيتجنشتاين (١٩٥٣) أنه لا يمكن للمرء أن يرسم خطًّا فاصلًا حول فكرة اللعبة، ويقول هذه الأنشطة متضمَّنة وتلك مستبعَدة. وتساءل فيتجنشتاين: «هل تستطيع تعيين الحد الفاصل؟» ثم أجاب: «لا.» (الفقرة ٦٨). ولكنَّنا على الرغم من ذلك نستطيع استخدام كلمة «لعبة» بنجاح. حقيقةُ أننا نستطيع استخدام كلمات لا يمكننا بالضرورة تعريفها مهمَّة، ولكن يمكن الاقتراب من معرفة ماهية الألعاب من خلال قراءة جوفمان (١٩٦١).
(٣٢)
يُعَد وين بوث من المعلِّقين المحدَثين، وأحد المدافعين بقوة عن فكرة
التعامل مع الشخصيات والمؤلِّفين باعتبارهم أصدقاء (١٩٨٨).
استقصت ويندي جاردنر وميجان نولز (٢٠٠٨) عن السبب الذي يجعل الناس
يعتبرون الشخصيات التليفزيونية المفضَّلة أناسًا حقيقيين، واستقْصَت
أيضًا كيف رأى الناس شخصيات البرامج ذاتها مألوفةً بالدرجة نفسها، ولكن
ليست مفضَّلة. واتضح من الدراسة أن الشخصيات المفضلة كانت أكثر واقعية
بالنسبة إلى المشاركين من أي شخصيات غير مفضَّلة، وبدا أن معنى الواقعية
حُدِّد على أساس إعجاب المشاركين بالشخصيات. وفي دراسة ثانية، رأى
المشاركون صورة لشخصيتهم المفضَّلة أو غير المفضَّلة، وطُلِب منهم أداء
مهمة يُجيدونها أو مهمة جديدة لم يسبق لهم تأديتها. وعندما أدى المشاركون
المهمة التي يجيدونها في وجود صورة شخصيتهم المفضلة كان أداؤهم أفضل مما
حقَّقوه في وجود صورة شخصية غير مفضَّلة، وعلى العكس من ذلك، كان أداؤهم
أسوأ في المهمة الجديدة، وهذه تحديدًا هي آثار ما يُطلَق عليه التيسير
والتعويق الاجتماعيين اللذين أثبتهما دارسو علم النفس الاجتماعي مع
الأشخاص الحقيقيين.
(٣٣) يقول سايمون بارون-كوهين وآخرون (٢٠٠١) إن التوحُّد ومتلازمة أسبرجر — اللذين لا يهتمُّ المصابون بهما بالآخر ولا يجيدون فهمه — يشملان كذلك العجز عن المشاركة الوجدانية، والافتقار لنظرية العقل.
(٣٤) جمع مايكل تومازيلُّو وزملاؤه (هيرمان وآخرون، ٢٠٠٧؛ تومازيلُّو، ٢٠٠٨؛ تومازيلُّو وهيرمان، ٢٠١٠) أدلةً على صحَّة فكرة أن البشر لا يتميَّزون من قرود الشمبانزي بكونهم أذكى عمومًا، ولكن بكونهم أذكى اجتماعيًّا؛ فنحن ندرك أننا فواعل (قادرون على الفعل في العالم)، ونعلم أن الآخرين فواعل هم أيضًا، بينما لا تدرك قرود الشمبانزي هذا، ويُطلِق هؤلاء الباحثون على هذا فرضية الذكاء الثقافي لدى الإنسان، ويقولون إن التواصل البشري قائم على المعرفة المتبادَلة المشتركة.
(٣٥)
استعانت جولي كوماي (٢٠٠٨) بطريقة الانحدار الهرمي الإحصائية لاكتشاف
ما إذا كان لنظرية العقل تأثير قابل للقياس على المهارات السردية،
وتطبَّق هذه الطريقة من خلال تعيين النتائج التي حققها جميع المشاركين
في الدراسة (على المحور ص من المخطط) مقابل كلٍّ من العوامل التي
يعتقد الباحث أنها قد تؤثر على النتيجة بالترتيب (على المحور س من
المخطط).
رأت كوماي أن عوامل السن والقدرات اللغوية والذاكرة العاملة قد
يكون لها تأثير على المهارة السردية. تخيَّل أنك تُعيِّن قياسات
المهارة السردية على المحور ص من مخططك، وعامل السن على المحور س، ثم
ارسم خطًّا مستقيمًا في خيالك يُغطي متوسِّط نقاط البيانات. هذا الخط
يمثل تأثير السن على المهارة السردية. ومن الوارد إحصائيًّا حذف هذا
الأثر، والمصطلح الشائع استخدامه للتعبير عن عملية الحذف هذه — وهو
الذي أنوي استخدامه أنا أيضًا — هو ضبط هذا العامل. وهكذا وبعد حذْف
الباحث هذا العامل، يستطيع الآن الانتقال إلى العامل التالي وحذف أثر
المتغيِّرات الأخرى التالية في قائمته. وبهذه الطريقة، توصَّلت كوماي
إلى أن نظرية العقل تؤثر على القدرات السردية، حتى مع ضبط المتغيرات
المحتملة الأخرى (السن، والمهارات اللغوية، والذاكرة العاملة)؛ أي
حذْف أثرها.
(٣٦) اكتشف جابرييل ترايونفي وإيلين ريس (٢٠٠٥) عاملًا آخر مؤثِّرًا على المهارات السردية المبكرة في دراسة أجرياها وخضع لها أطفال في الخامسة والنصف من العمر، فنصف هؤلاء الأطفال كان لديهم أصدقاء خياليُّون، وبعض هؤلاء الأصدقاء كان مستوحًى من القصص الخيالية، وعندما طُلِب من الأطفال الذين لديهم صديق خيالي إعادة سرد قصة ما، تمكَّنُّوا من سرد قصص أفضل، احتوت على عدد أكبر من الكلمات الوصفية والحوارات وغيرها من العناصر القصصية، مقارنةً مع الأطفال الذين لم يكن لديهم صديق خيالي، وقد لُحِظ هذا الفرق على الرغم من تساوي مستوى المفردات اللغوية لدى الأطفال الذين لم يكن لديهم صديق خيالي وأولئك الذين كان لديهم صديق خيالي.
(٣٧) توصَّل جيمس ستيلر وروبرت دَنبار (٢٠٠٧) إلى أن عدد الأشخاص في دائرة الأصدقاء المقرَّبين لأي شخص يمكن التنبؤ به استنادًا إلى الفروق الفردية بين قدراته المرتبطة بنظرية العقل، بينما يمكن تفسير عدد الأشخاص الذين يتعامل معهم الشخص باعتبارهم معارف اجتماعيين مألوفين من خلال أداء هذا الشخص في المهام المتعلِّقة بالذاكرة، ويُستدلُّ من ذلك أن المرء بحاجة إلى تكوين نماذج عقلية تفصيلية للتعامل مع الشركاء المألوفين.
(٣٨) طرح ريموند نيكرسون (١٩٩٩) نظرية العَزْو التي تتمثَّل في إسقاط شيء مما نعرفه عن أنفسنا على الآخرين.
يحكي هاتو أنه كان على سفر، وطلب من زوجته أن تُرتِّب أمر نقل سيارته إلى مرآب البلدة لحين عودته، أعطاها رقم هاتف المرآب، وقال إنها «تفضَّلت بترتيب أمر الحجز من أجلي» (ص١٨). ثم تابع قائلًا: «في صباح يوم رحلتي وافقَت زوجتي على توصيلي إلى مطار هيثرو بعد أن أترك سيارتي في المرآب أولًا. وهكذا انطلقنا، كلٌّ في سيارته، وتقدمتني هي بسيارتها وبها كل أمتعتي» (ص١٨). ولكن ما حدث بعد ذلك كان أن السيدة هاتو (إن كان لنا أن نشير إليها بهذا اللقب) بدلًا من الانعطاف في الدوران المؤدِّي إلى المرآب، أكملت طريقها إلى الأمام رأسًا. يقول هاتو: «تملَّكَتني الحيرة، ولم أفهم ما كانت تفعل، على الرغم من أنني كنتُ أعرف ملابسات الموقف بالتفصيل، وكذلك ماضيها وشخصيتها» (ص١٩). بالرغم من أن السيدة هاتو رتَّبت أمر الحجز بنفسها، فقد ظنَّت أن رقم الهاتف الذي أعطاه لها هاتو كان «رقم مرآبنا القديم في القرية المجاورة» (ص٢٠)، وقد كانت متجهةً إلى هناك.
يشير هاتو إلى أنه لا توجد أي نظرية قائمة عن نظرية العقل بإمكانها «التوصل دون شكوك إلى هذا التفسير» (ص٢٠)، وانتهى إلى أن زوجته كانت تتصرَّف بناءً على سبب معين على الرغم من أنه لم يستطع تخمينه، ولهذا يقول هاتو:
أطروحتي هي أن قدرتنا على فهم مغزى الأفعال العمدية عمليًّا … تستند إلى معرفتنا في العموم أي التفاصيل التي تتَّصل بالموقف، ومعرفة كيفية إجراء التعديلات المناسبة في الوقت المناسب في حالاتٍ خاصة. وتنفرد السرديات النفسية الشعبية بملاءمتها التامة لتنمية هذا النوع من الفهم؛ لأنها تُوفر أمثلة لأشخاص يتصرَّفون بناءً على أسباب في إطار بيئات غنية ومناسبة. (ص٣٥)
(٤٠)
من بين المقالات الكثيرة التي تناولت سخرية جين أوستن مقال كتبه روبين
براور (١٩٦٣) انتهى فيه إلى أن: «النصر في «كبرياء وتحامل» نصر نادر؛ لأنه
من الصعب للغاية تحقيق التوازن ما بين رؤية ساخرة بحتة وطرح واقعي لرجل
وامرأة يمُرَّان «بتغيُّر جذري في المشاعر»» (ص٧٥).
في هذا الكتاب، أتناول فكرة السخرية في العموم بمعناها الذي يشير إلى أن
ما هو مكتوب غامض وشَرْطي، وليس بالمعنى الذي يتناوله الأدب أحيانًا من
سخرية درامية يعرف فيها القارئ معلومة مهمة لإحدى الشخصيات بينما لا تعرفها
الشخصية نفسها.
(٤١) تحدَّث جيروم برونر (٢٠٠٢) عن هذه الخاصية الشَّرطية في السرد من حيث وضع الاحتمالات وجعل النتائج تعتمد على المقدمات، بالمقارنة مع أسلوب التنبؤ المتَّبَع في العلوم.
الفصل الثالث: الإبداع
(١) يمكننا اعتبار أن العصر الرومانسي قد بدأ عام ١٧٥٠ تقريبًا في أوروبا القارِّية، ويُعَدُّ صامويل تايلور كولريدج من بين من شرحوا نظريته في إنجلترا.
(٢) أفضل كتاب أعرفه يتناول المفهوم الرومانسي للإلهام من الناحية النفسية ويبيِّن مدى احتياجه للتعديل كان بقلم دانييل بيركنز (١٩٨١).
(٣) تحدثَت إدنا أوبريان، على سبيل المثال، عن الإلهام في مقابلة لمجلة باريس ريفيو قائلة: «أكتب صباحًا؛ لأنه الوقت الذي يكون فيه المرء أقرب إلى اللاوعي، مصدر الإلهام» (ص٣٥٦).
(٤) جراهام والاس (١٩٦٢) هو صاحب نظرية أن العملية الإبداعية تتكوَّن من أربع مراحل؛ هي: الإعداد، والحضانة اللاواعية، والإشراق المفاجئ، والتحقُّق.
(٥) الفيلسوف الذي قال إن فكرة داروين كانت أفضل فكرة خطَرت لإنسان، هو دانييل دينيت (١٩٩٥، ص٢١).
(٦) تتبَّع هارولد جروبر وبول باريت (١٩٧٤) الخطوات التي اتَّبَعها داروين في مقاربته لنظرية التطور من دراسة الدفاتر الكثيرة التي كتبها، ووصف جروبر تلك الخطوات بأنها مماثلة للخطوات التي تقدَّم بها كلٌّ منَّا خلال تطوُّره المعرفيِّ الشخصي من النظريات البسيطة إلى النظريات الأعقد في فهم طريقة عمل العالم المادي والاجتماعي كما اكتشفها جون بياجيه (انظر مثلًا، بياجيه وإنهيلدر، ١٩٦٩). يظن الأطفال مبدئيًّا، على سبيل المثال، أن كلمة «أكثر» تعني الانبساط على مساحة أوسع؛ بحيث يظنون أن القروش الموجودة في صف طويل من القروش أكثر من القروش الموجودة في صف أقصر، ولا يتوصَّلون إلا في مراحل متوسِّطة إلى نظرية (فهم) بأن السبيل لتحديد المجموعة الكبرى من بين مجموعتين هي إحصاء الأشياء الموجودة في كل مجموعة.
(٧) أخبرتني فالنتين كاديو أنها تتساءل عما إذا كان دونالد وينيكوت لم يبالغ في تقدير أهمية الإبداع: ماذا عن الناس القادرين على العيش في هدوء ورضا؟
(٨) استخدم ميهاي تشيكسينتميهاي طريقةً تُسمَّى طريقة الملاحظة الآنية للخبرات؛ لاكتشاف كيف يعيش الناس خبرة الأنشطة المتنوِّعة في حياتهم، ومن أولى دراساته التي أجراها بهذه الطريقة (تشيكسينتميهاي وريد لارسون، ١٩٨٤) دراسة عن كيفية تزجية الوقت لدى المراهقين، وألحَقَ تشيكسينتميهاي في دراسات أخرى هذه الطريقة بمقابلات شخصية أجراها مع المبحوثين، والأقوالُ المقتَبَسة في الفقرة التي تلي موضع الإشارة إلى هذا التعليق الختامي مأخوذة من كتابه الذي ألَّفَه عام ١٩٩٦.
(٩) على الرغم من أن مهمَّة الكاتب في الموضوعات العلمية هي أن يكون مقنعًا، وأن يسعى في كل عمل من أعماله للوصول إلى معنى واحد متفق عليه، فإن العمل العلمي هو جزء من شبكة اجتماعية يعرف الكل فيها أن النتائج شرطية، وأنه سيوجد دومًا من يقدم أدلة جديدة ويطرح نظريات أفضل.
(١٠) أثبتت جوان بيسكين وجريج ألان وريبيكا ويلز-جوبلينج (٢٠١٠) أن تعليم مفهوم الرمزية كان مفيدًا في مساعدة طلاب المرحلة الثانوية على ملاحظة المعاني الرمزية في قصيدة صعبة نسبيًّا يقرءونها للمرة الأولى، بينما لم يتمكَّن الطلاب الذين حضروا دروسًا عن الشعر ولكن دون تعلُّم الرمزية؛ من ملاحظة المعاني الرمزية في القصيدة نفسها، علاوةً على ذلك، استمتع الطلاب الذين تعلَّموا مفهوم الرمزية بالقصيدة بدرجة أعلى.
(١١) يُعتقَد عمومًا أن حركة استجابة القارئ قد بدأت على يد لويس روزنبلات (١٩٣٨)، دون إغفال مجهودات نورمان هولاند (١٩٦٨) المهمة في البداية. ومن الكتب الدراسية للغة الإنجليزية التي تأثرت بحركة استجابة القارئ، المختلفة تمام الاختلاف عن كتب النقاد الجدد الدراسية، كتاب «تطوير الاستجابة للقصص الخيالية» بقلم روبرت بروذروف (١٩٨٣).
(١٢) احتل فريدريك بارتلِت (١٩٣٢) أهمية محورية في كتاب ريتشارد جيريج حول علم نفس القصص الخيالية (١٩٩٣)؛ إذ اعتمد جيريج على عمل بارتلِت لدعم وجهة نظره بأننا نعتمد في فهمنا للقصص الخيالية وتذكُّرها على العمليات المعرفية نفسها التي نستخدمها لفهم الأحداث في حياتنا وتذكُّرها؛ حيث إن فهم القصة الخيالية لا يحتاج أي عمليات خاصة أو مميزة. كذلك، يحمل عمل بارتلِت أهميةً بارزةً في افتراض برايان بويد (٢٠٠٩) أن القصص كان لها قيمة تكيُّفِيَّة في التطور.
(١٣) يمتلك القليل من الناس ذاكرةً تفوق في دقتها الذاكرة العادية بفروق شاسعة، غير أن هذه القدرة تُعييهم كثيرًا. ارجع إلى عمل الرائد في هذا المجال: ألكسندر لوريا (١٩٦٨).
(١٤) يستخدم جيروم برونر (١٩٨٦) مصطلح «بوليسيموس» أي «متعدد المعاني» لوصف القَصص الخيالي الأدبي، ويقول: «الرؤية السائدة هي أننا ينبغي أن نقرأ ونؤوِّل بطرق متعدِّدة إذا أردنا استخراج أي معنًى «أدبيٍّ» من النص» (ص٥).
(١٦) اخترع ستيف لارسِن وأوشه سيِيلمان (١٩٨٨) هذه الطريقة التي يُدوِّن فيها المرء ملاحظاته على الهامش عند وقوع حدث عقليٍّ مهمٍّ أثناء القراءة، حينما طلبا من بعض الأشخاص قراءة قصة، والتدوين في الهامش كلما خطرت لهم ذكرى. وقد وسَّعْتُ هذه الطريقة عندما طلبتُ من المشاركين قراءة قصة، ثم كتابة حرف «ذ» عندما تخطر لهم ذكرى، وكتابة حرف «ش» عندما يحسُّون بشعور معيَّن. وبعد الانتهاء من القراءة، طلبتُ من المشاركين الرجوع والكتابة عن ذكرياتهم ومشاعرهم تلك بأسلوب يُشبه الكتابة في مفكِّرة (انظر، على سبيل المثال، أوتلي، ٢٠٠٢). لاحظ كذلك أنه فيما يتعلق بشبكة الدماغ المركزية، التي وصفتُها في نهاية الفصل الأول، واقترحتُ أنها تدعم قدرتنا على إقامة نماذج المحاكاة واستدامتها، فإن العمليات النفسية التي تتداخل مع هذه الشبكة تشمل ذكريات سيرة الحياة الذاتية، والتفكير في الاحتمالات المستقبلية، وخواطر أخرى قد تُفسَّر باعتبارها مبنيةً على انشغالات الشخص نفسه.
(١٧) الدراسة التي أجريتها بالتعاون مع إليس أكسلراد حول كيفية دخول الذكريات الشخصية على القصص عند إعادة سَردها موضَّحة في أوتلي (٢٠٠٢).
(١٨) الدراسة التي أجريتها بالتعاون مع سيما ناندي حول اختلاف الحالة الشعورية العامة للقراء عند قراءتهم قصة راسل بانكس «سارة كول»، واختلاف أنماط التفكير باختلاف المشاعر التي أحسُّوا بها موضَّحة في أوتلي (٢٠٠٤). يُذكَر أن الفروق في التفكير بين التسلسل الرجوعي والتسلسل الأمامي فيما بين القراء الذين شعروا بالحزن والذين شعروا بالغضب جرَّاء قراءة القصة كانت مهمةً إحصائيًّا.
(٢٠) ضمَّت الشكلانية الروسية مجموعتين رئيستين؛ الأولى «حلقة موسكو اللغوية»، وكان أبرز أعضائها رومان جيكوبسون، والأخرى جماعة «الأوباياز» في سانت بيترسبيرج، وكان يقودها فيكتور شكلوفسكي. وقد نبَّهَني فيلي فان بير أنهم لم يُسَمُّوا أنفسهم «الشكلانيين» (بل كان ذلك تعبيرًا ينتقِص من قدرهم)، ولعلَّ كلمة «الوظيفيين» تُعَد مصطلحًا أفضل.
(٢١) كان ويليام برور وإد ليتشنشتاين (١٩٨١) أول مَن اقترَحا مصطلحَيْ «بنية الحدث» و«بنية الخطاب».
(٢٢) حتى لو كانت بنْية الحدث في مسرحيات شكسبير هي العنصر الأقل إبداعًا فيها، كما أؤكد، فإن برايان بويد أوضحَ لي أن بِنْيات أحداث العديد من أعماله المقتبَسة عبقرية.
(٢٣) يقول أرسطو في «فن الشعر» إن الحبكة يجب أن تتكوَّن من بداية ووسط ونهاية. تُمثِّل البداية استعراضًا لبيئة القصة وخلفيتها، وشخصياتها، ومشروعاتهم، ويبدأ منها كل شيء. أما الوسط فيمكن اعتباره بداية وقوع حدث أو تحوُّل أو تعقيد صادم من نوعٍ ما، يربك سير الأمور المذكورة في البداية، ويُعالَج هذا الحدث على مدار القصة. بينما تضمُّ النهاية نوعًا ما من الحلول، وفي مسرحية «هاملت» يبدأ الوسط بظهور الشبح لهاملت.
(٢٤) يُعَدُّ أبينافاجوبتا (في كتابه «لوكانا»، الذي ترجمه إلى الإنجليزية دانييل إنجولز وزملاؤه، ١٩٩٠) أحد المصادر المميَّزة للنظرية الشعرية الهندية، وثمة منظِّر آخر تُرجمت أعماله في كتاب إنجولز وزملائه، هو أناندافاردانا. والكتابات التي تناولها أبينافاجوبتا بالتحليل، التي تتحدث عن الزوجة الشابة عندما يحلُّ عليها ضيف مسافر، مأخوذة من صفحة ٩٨ من كتاب إنجولز وزملائه.
(٢٥) أميل إلى الربط بين فكرة التجسيد وبين ما أسماه روبين كولينجوود (١٩٤٦) «إعادة التجسيد». يقول كولينجوود إن علينا، من أجل فهم التاريخ، أن نعيد تجسيده بأنفسنا، كما لو كنا نقرأ رواية تاريخية. وإذا اتبعنا إشارة كولينجوود، قد نضيف أن قراءة أي رواية تستلزم منا إعادة تجسيدها داخل عقولنا.
(٢٦)
يقول أرسطو في كتابه «الخطابة» إن «الخروج عن المألوف يجعل اللغة
تبدو أفخم … ولهذا فمن المستحسَن إضفاء مَسحة من الغرابة عليها»
(المقالة الثالثة، الجزء الثاني). وقد استهلَّت راخيل جيورا (٢٠٠٧)
ورقتها البحثية بهذا الاقتباس، وبيَّنَت أن الاستعارة اللغوية بهذه
الطريقة لا تتطلَّب أي معالجة خاصة في الدماغ، ولكن من الأفضل رغم ذلك
مناقشتها من المنظور العصبي من حيث غرابتها (وهي الميزة التي غالبًا ما
يُطلَق عليها اليوم التغريب)، مع شعور في الوقت نفسه بأنها ذات صلة.
وقد وصف لونجينوس (٥٠ ق.م) أحد تداعيات هذا الأثر قائلًا إن أبلَغ تلك
الصياغات اللفظية هي السبب في وصف الأدب من حين إلى آخر
بالعظمة.
وفي قولٍ حديث، يفترض برايان بويد (٢٠٠٩) أن الجذب الإبداعي للانتباه
إلى أمر ذي أهمية مشتركة هو قريب جدًّا من جوهر الفن، ومن سبب أهمية
الفن في التطور، ومن سر أهمية الثقافة. يقدم فنان شيئًا يجذب الانتباه
(كما في أسلوب التغريب)، فينتبه شخص يشاهد هذا الشيء أو يقرؤه، وينضم
إلى الفنان في إيلاء الاعتبار لذلك الشيء. وهكذا يحصل المشاهد أو
القارئ على ما يشبع اهتمامه، ويجني الفنان الاحترام.
(٢٧) استخدم أعضاء «حلقة براغ اللغوية» مصطلح «الإبراز»؛ وهم مجموعة تبنَّت بعض أفكار الشكلانيين الروس.
(٢٨)
ثمة اختلافات ثقافية في تأثيرات الإبراز؛ حيث أجرى فيلي فان بير
وفرانك هيكمولدر وسونيا زينجيير (٢٠٠٧) تجربة في دول عدة، عرضوا فيها
على المشاركين قصيدةً تتكون من ثمانية أبيات تقول «أحبك ألَّا» وفي
السطر التاسع تقول «أحبك على الرغم من». وقد رأى أغلب المشاركين أن
المفاجأة التي أحدثها الإبراز في البيت التاسع جعلته أجمل من الأبيات
الثمانية الأولى، ولكن هذا الأثر كان أقوى في بعض البلاد منه في
غيرها.
وقد انتهت دراسات أجراها ديفيد مِيول ودون كويكن (١٩٩٤) وفرانك
هيكمولدر (٢٠٠٤) وبول سوبكاك (٢٠٠٧) إلى أن الأجزاء المبرَزَة تُقرَأ
بسرعة أبطأ، لزيادة الارتباط العاطفي بالنص، وأحيانًا لإثارة استجابات
شعورية فورية.
(٢٩) أشار ليف فيجوتسكي (١٩٦٢) إلى أن العقل ليس مجرد وعاء للأفكار، ولكنه «هو» الأفكار نفسها التي عادةً ما تبدأ خارجنا في إطار محيطنا الاجتماعي، وتصبح خاصَّة بنا عندما نقبلها، ونوسِّعها بإبداعنا، ونُعيد تشكيلها داخلنا.
(٣٠) توصَّلتُ أنا ولوريت لاروك (٢٠٠٦) إلى أمثلة مثيرة للاهتمام لكيفية إقامة وحدة المعالجة الترابطية نماذج عقلية للآخرين في دراسة لدفاتر يوميات تخص أشخاصًا ارتكبوا أخطاءً مشتركة، أو كانت بينهم ترتيبات معيَّنة، ولكنها لم تسِر كما كان مخططًا لها، ومن تلك اليوميات: «جلست إحدى المشاركات في مطعم بانتظار زميل جديدٍ لها، بينما انتظرها هو ما يربو على الساعة في فرع آخر من سلسلة المطاعم نفسها. وقد علَّقَت هي على الموقف قائلة إنها ستتذكر أنه «أخلف موعده معها» في المرات التالية التي تتعامل فيها معه، وهذا على الرغم من أنه، بحسب كلامها، ارتكب خطأها نفسه» (ص٢٥٨).
(٣١)
يمكننا تصور أن العقل الحدسي-الترابطي يُجري عملياته بالطرق التي
تحدَّث عنها أشخاص مثل جيفري هينتون؛ إذ قال إنه يعمل كأنه شبكة عصبية
تعمل بالتوازي، وتكتسب المعرفة من خلال تغيير قوة الوصلات العصبية.
وللاطلاع على مقال يشرح هذا النوع من العمليات الترابطية ومدى
تأثُّرها بالتلف، انظر مقال جيفري هينتون ودي سي بلوت وتيم شاليس
(١٩٩٣).
ومن الاتجاهات البحثية الأخرى تلك المتعلِّقة بالتفكير المنطقي التي
يُجريها أشخاص مثل كيث ستانوفيتش (٢٠٠٤) الذي اكتشف نوعين من العمليات
العقلية. يُجرى النوع الأول منهما بسرعة من خلال الحدس والأساليب
التجريبية، بينما يُجرى الآخر بطريقة تسلسلية وببطء. وقد نُشر لدرو
ويستن (٢٠٠٧) مؤخرًا كتاب يتناول كيفية تأثُّر عمليات التصويت على نحو
لا واعٍ بالعمليات الحدسية-الترابطية التي يجريها العقل الذي يتعرَّض
عادةً لسرديات سياسية.
كذلك توصَّلت ميريام فاوست وأوفرا باراك وكريستين كياريللو (٢٠٠٦)
إلى أننا حين نقرأ الكلمات، تُعالِج المناطق المسئولة عن اللغة في
النصف الأيسر من الدماغ أكثر المعاني المباشرة لتلك الكلمات بسرعة،
ولكن بعد ذلك تُقام روابط أبعد وأقل ألفة بسرعة أقل في النصف
الأيمن.
(٣٢) إحدى الطرق لتَصوُّر فكرة آندي كلارك الخاصة بالعقل الهجين تتمثَّل في أن العقل يعتمد على معالِج مكوَّن من عصبونات تعمل بالتوازي، وتتَّسم في أبسط عملياتها بالترابطية؛ أي ربط المعلومات الواحدة بالأخرى، وعلى نطاق أوسع، ربط فكرة بأخرى. لكن الآليات العصبية نفسها تستطيع العمل بالتتابع، لإقامة نموذج للمشاهد المرئية، مثلًا، عن طريق تنسيق نتائج النظرات المتعاقبة على المشهد، أو التخطيط لفعل شيء تلو آخر. وتندرج اللغة اللفظية تحت هذا النوع الثاني؛ إذ تُعالَج كلمة بعد الأخرى لبناء المعنى المرجو من أي قول. وقد أثبت فيليب جونسون-ليرد (٢٠٠٦) أنه فيما يتعلق باللغة فإن المعالجة التسلسلية تكون أقوى من المعالجة الترابطية في بعض الأحيان؛ إذ يمكن من خلالها التعبير عن النماذج العقلية لفظيًّا؛ بحيث نتمكَّن من التفكير لفظيًّا في حالات القياس العقلي مثلًا، كما تتيح إجراء عمليات مثل الاستدعاء الذاتي، الذي يعني قدرتنا على صنع نماذج للنماذج، أو، كما فعل شكسبير، تضمين نماذج داخل أخرى، أو مسرحيات داخل أخرى. كذلك تُتيح عمليات المعالجة التسلسلية الفرصة لتطور علم كعلم تركيب الكلام، الذي يُعنَى بترتيب الكلمات داخل الجمل. إن المعالجة التسلسلية لدى الإنسان مقيدة بذاكرة عاملة لا تتَّسع إلا لسبع كتل من المعلومات، قد تزيد أو تنقص بمقدار كتلتين، ويبدو أن الخبرات المتعلقة بالاستعارات والمزج المعرفي تستلزم تدخل المعالجة التسلسلية عند التعامل مع اللغة.
(٣٣) مشهد صعود السُّلَّم المذكور مأخوذ من روايتي بعنوان «لذلك تخيَّر» (٢٠١٠)، ص٣٧.
الفصل الرابع: الشخصية والفعل والحدث
(١) توجد نسخة أقدم من حديث فيرجينيا وولف تحمل عنوان «الشخصية في القصص الخيالية»، أما المقال الذي أقتبس منه، الذي كُتِبَ عام ١٩٢٤، فقد تغيَّر عنوانه إلى: «السيد بينيت والسيدة براون».
(٢) استخدمت فيرجينيا وولف (١٩٢٤) في قولها «في ديسمبر ١٩١٠ أو قريبًا من ذلك تغيَّرت طبيعة الشخصية الإنسانية» أسلوب المبالغة. صحيح أن الانطباعات الداخلية الباطنة للشخصيات موجودة في كتابات أوغسطين ومونتيني، وفي الكتابات التَّعَبُّدِيَّة والشعر التأمُّلي على مر العصور، كما استخدم شكسبير أسلوب المناجاة الذاتية في أعماله، إلا أن وولف تشير في عبارتها هذه إلى حركة نحو التعبير عن المكنونات الداخلية للشخصيات، ظهرت في القصص الخيالية الأدبية النَّثرية بدءًا من أعمال كاثرين مانسفيلد وجيرترود ستاين تقريبًا فصاعدًا.
(٣) منذ عام ١٩٩٣، أقام روبين دَنبار ما أصبح يُعرَف بعد ذلك باسم فرضية الدماغ الاجتماعي: وتقول إن النمو الكبير في حجْم الدماغ البشري (مقارنةً مع أسلافنا من الرئيسيات) حدث لأن الدماغ كان في حاجة لاحتواء نماذج للمزيد من الأفراد، وإقامة نماذج أعقد للآخرين، في المجموعات الاجتماعية التي تزداد حجمًا. ويشمل عمله ورقته البحثية الأولى — ليزلي آيللو ودَنبار (١٩٩٣) — ومقالة المراجعة (دنبار، ١٩٩٣)، وأعماله الأحدث — دنبار (٢٠٠٣) و(٢٠٠٤).
(٤) يمكن قراءة ملحمة «رامايانا» من النسخة التي أعدها ديفيد فار (٢٠٠٧).
(٥) أعدَّ بول كوستا وروبرت مكراي (١٩٨٨) دراسة استكشافية حول ثبات سمات الشخصية على مدار الزمن.
(٦)
وجد جون كوي وجانيس كوبرسميت (١٩٨٣) أنه ما أن تنبني سمعة ما داخل
مجموعة اجتماعية، فإن النماذج العقلية للآخرين التي تشمل السمعة
والتعاملات المبنية على تلك النماذج تميل إلى البقاء. وقد أجريا دراستهما
على صِبْية في العاشرة من العمر، تقابلوا في مجموعات تتكوَّن الواحدة منها
من أربعة أولاد في جلسات لعب أسبوعية على مدار ستة أسابيع. تكوَّنت كل
مجموعة من صبيٍّ زعيم (في مدرسته)، وآخر متوسِّط، وثالث منبوذ، والأخير
مهمَل. كان الأولاد في نصْف المجموعات من المدارس نفسها، ولهم معرفة
سابقة بعضهم ببعض، بينما كان الأولاد في النِّصف الآخر من المجموعات من
مدارس مختلفة، ولم تكن لهم معرفة سابقة بعضهم ببعض. وكان سلوكهم في جلسات
اللعب الجماعي الأولى ممتازًا، ولم تُنبِئ تعاملاتهم بما سيحدث فيما بعدُ.
ولكن مع الجلسة الثالثة كان الأولاد في المجموعات التي لم تجمعها معرفة
سابقة قد كوَّنوا أنماطًا سلوكية ونماذج للسُّمعة، وأثاروا ردود الأفعال
التي نزعوا لإثارتها لدى غيرهم من الأولاد، وكانت مماثلة لتلك التي
تلقَّوْها في مدارسهم. أما مجموعات الأولاد الذين جمعتهم معرفة سابقة فقد
أقاموا هذه الأنماط — بسرعة أعلى — مع الجلسة الثانية.
وقد أشار جون دوريس (٢٠٠٢) إلى أن فكرة الشخصية وسمات الشخصية باعتبارها
نزعات ثابتة وشاملة هي فكرة غير واقعية.
(٧) أثبت برينت روبرتس ودانييل ميروتشيك (٢٠٠٨) أن الشخصية تتغير في البلوغ ببعض الطرق التي تُصوِّرها الأعمال القصصية الخيالية.
(٨) اعترض بعض الكُتَّاب — ومن أبرزهم برنارد ويليامز (١٩٩٣) — على فكرة وجود أي شيء جديد يمكن تطويره في الأدب من بعد هوميروس. ويتحدَّث برايان بويد (٢٠٠٩) عن «أوديسة» هوميروس زاعمًا أن المفهوم الأدبي للشخصية كان مكتملًا بالفعل في ذلك العمل.
(٩) نبهني باتريك هوجان إلى أنه من الصعوبة بمكان الجزم بأن دانتي كان حقًّا أول من نقل الشخصية في صورة أشخاص يتخذون قرارات بالمفهوم العصري، وأن الأحرى بالمرء القول إن دانتي كان ممثلا مذهلًا لتوجهٍ كان نادرًا في الأعمال الأدبية المبكرة، ولكن أصبح بارزًا ومتعارفًا عليه في الأزمنة الحديثة.
(١٠) ظهر بوكاشيو (١٣٥٣) بعد دانتي بجيلٍ، وكان عمله «ديكاميرون» مجموعة من الحكايات يقُصُّها مجموعة من الأشخاص بعضهم على بعض بعد خروجهم من فلورنسا فرارًا من الطاعون. وجميع الحكايات دنيوية النزعة، بل وشديدة الدنيوية عن دَيُّوثين حمقى، وتجار جشعين، وراهبات يبحثْن عن علاقات محرَّمة عابرة. أما الأسلوب فهو شديد البساطة، لا يحمل بُعدًا نفسيًّا، والقارئ مدعوٌّ إلى إضفاء البُعد النفسي، ومن ثم المشاعر، من خلال خبرته. وبعد جيل من بوكاشيو، ظهر جيفري تشوسر (١٣٩٥) الذي اعتمد على «ديكاميرون» في بعض أعماله، ولكن بأسلوب أرق.
(١١) اقرأ ستيفن جرينبلات (١٩٨٠) للاطلاع على شرح لقوة الصدمة التي لا بد أن مسرحية شكسبير «ريتشارد الثالث» سببتها للجماهير عندما عُرضت للمرة الأولى.
(١٢) فطن جون جونز (١٩٩٥) إلى حدٍّ ما إلى تحويل شكسبير الأوصاف العامة للأشخاص إلى شخصيات مفصَّلَة معبِّرة تتصرف بأساليب محددة؛ كتصويره لشخصية لينكولن في مسرحية «السير توماس مور» التي اشترك في كتابتها مع آخرين.
(١٣) التحقُّق من الدليل على أن كاسيوس أنقذ حياة قيصر وهما يعبران نهر التيبر سباحةً أمر مهمٌّ للمؤرخين، وكذلك التحقُّق مما إذا كان هو من جنَّد بروتوس في مؤامرة اغتيال قيصر. أما قُرَّاء القصص الخيالية، فلعلَّ الأهم من وجهة نظرهم هو التفكُّر فيما إذا كانت نوعية الأحداث والمشاعر التي يُصوِّرها شكسبير من شأنها إلقاء الضوء على ما يمكن أن يحدث بين الأشخاص ذوي القوة والعزيمة.
(١٥) نبَّهني برايان بويد إلى أن شكسبير لم يكن أول من صوَّر الشخصيات من خلال أحداث ذات أهمية وجدانية؛ إذ نرى على سبيل المثال في «أوديسة» هوميروس لمحة من شخصية أوديسيوس في لقائه مع العمالقة ذوي العين الواحدة (السايكلوب). وهذا صحيح، ولكن شكسبير من وجهة نظري يجعل الفكرة أوضح وأعمَّ.
(١٦) يصف روبرت سكولز وجيمس فيلان ورونالد كيلوج (٢٠٠٦) — في كتاب لهم صار قياسيًّا — تاريخ الشخصية في الأعمال الحكائية، بدءًا من هوميروس وحتى جويس، ويناقشون فيه وسائل مثل المناجاة التي استعان بها الكُتَّاب للتعبير عمَّا يدور داخل الشخصيات.
(١٧) ألقى أولريش نايسا (١٩٦٣) الضوء على أنه بالرغم من أن فكرة الدافع أضحت أساسية في الطب النفسي، فقد كان ثمة إخفاق في إدراك أن الإنسان عادةً ما يملك دوافع عدة، وتعَد الأعمال القصصية المحلَّ المناسب لملاحظة أثر تعدُّد الدوافع.
(١٨) أفضل طريقة أعرفها للتفكير في كيفية اكتساب المرء نوعًا معينًا من الشخصيات في نوع معيَّن من العلاقات مستقاة من فكرة لكارين هورني (١٩٥٠). تخيَّل أن لك مديرًا يحبُّ جذب الانتباه وسماع عبارات الإطراء والمديح، ويقبَل في العموم أشخاصًا معينين هم خاصته، بينما يحتقر كلَّ مَن هم خارج هذه الدائرة. أنت بحاجة ماسة إلى هذه الوظيفة؛ فتُصبح ماهرًا في التكيُّف مع طباع هذا الشخص ومدحه ونيل الحظوة عنده. الآن تخيَّل أن هذا الشخص هو أمك.
(١٩) صار التعلق الموضوعَ الأهم في التطور الاجتماعي للطفل. وتوجد الآن أدلة كثيرة على صحته، ويشمل ذلك صحة أنماط التعلُّق، التي تتواصل في مرحلة البلوغ مشكِّلةً أساس العلاقات الحميمية اللاحقة في حياة الإنسان كما بيَّنه إفريت ووترز وآخرون (٢٠٠٠).
(٢٠) كتب جون باولبي (١٩٩١) مؤسِّس نظرية التعلُّق سيرة ممتازة لحياة تشارلز داروين الذي ضمَّت طفولته قدرًا كبيرًا من التوتر بسبب المرض، كما تركت وفاة أمه وهو في الثامنة من عمره أثرها عليه. وقد كتب باولبي عن حياة داروين بما احتوته من علاقات طويلة وممتدَّة مع العائلة والأصدقاء، وقدرة إبداعية مبهرة، وكذلك ما عاناه من نوبات توتُّر واكتئاب وأعراض نفس جسمية، حتى إنه بعد زواجه كان نادرًا ما يُغادر منزله إلا لشراء الأدوية.
(٢١) المحلل النفسي وكاتب السير إريك إريكسون (١٩٥٩) هو صاحب فكرة أن الحياة سلسلة من المراحل، كلٌّ منها يضمُّ تحدِّيًا وجدانيًّا معينًا، وإذا لم يُواجَه أحد تلك التحديات في مرحلته ولم تُستوعَب دروسه، فإنه يميل للظهور في مراحل لاحقة من الحياة، ولكن بصورة مختلفة.
(٢٢) يُعَد فيلم «ثلاثة مقاربات للعلاج النفسي» لإفريت شوستروم (١٩٦٦) فيلمًا استثنائيًّا بسبب الوضوح الشديد الذي يقدم به كلٌّ من كارل روجرز وألبرت إليس وفريتز بيرلز أنفسهم.
(٢٣) صوَّر فرانك أوكونور، أحد مؤلِّفي القصص الخيالية، الحب الأول وآثاره على تكوين الشخصية في مجموعته القصصية «عقدة أوديب عندي».
(٢٤)
نقلت الصحف عام ٢٠٠٨ أخبارًا عن رجل يُدعى جوزيف إف، احتجز ابنته في
زنزانة طوال سنوات، واغتصبها. من الصعب على أغلبنا التعاطف مع هذا الرجل،
وأقرب الأعمال الأدبية التي أعرفها لهذا الموقف هي رواية جون فاولز (١٩٦٣)
«جامع الفراشات».
قال ديفيد هيوم: «يجب بذل جهد عنيف للغاية من أجل تغيير حُكْمنا على
الأمور وإثارة مشاعر الإقرار أو اللوم، أو الحب أو الكراهية، أو غيرها من
المشاعر التي تختلف عما ألِفَه عقلنا بفعل طول اعتيادنا عليه» (هيوم ١٩٦٥،
الفقرة ٣٣). ويواصل هيوم قائلًا إن القارئ في العموم لن يُغير مشاعره
المعتادة من أجل الكاتب. وقد ناقش رونالد دي سوسا (٢٠١٠) تلك الفقرة، وأشار
إلى أن القارئ إذا تخلَّى أثناء استعراضه أي محاكاة خيالية عن وجهات
نظره، ينتفي الغرض من المحاكاة؛ إذ حينها يكون القارئ قد فقد كل الأساس
الذي يقوم عليه إحساسه بالموقف الخيالي وآرائه المتعلِّقة به. في الوقت
نفسه، وكما سنرى من مناقشة الشخصيات الجامحة في القسم التالي، فإننا نمنَح
أنفسنا قدرًا أكبر من الحرية في عالم القصص الخيالية مقارنةً بالحياة
العادية.
(٢٥) أعدَّ كلٌّ من مايا دجيكيك وكيث أوتلي وجوردان بيترسون الورقة البحثية التي اشتملت على دراسة لقاءات مجلة باريس ريفيو التي أعرب فيها الكُتَّاب عن مرورهم بخبراتٍ شعروا فيها بأن الشخصيات تتصرَّف بشيء من الاستقلالية (٢٠٠٨).
(٢٦) أوضحتُ في جزء سابق من هذا الفصل كيف أن الأطفال يعتبرون أن ارتكاب طفل ما فعلًا لئيمًا يعني عزْو صفة اللؤم إلى شخصية الطفل «بالفعل». وتستمر هذه النزعة في البلوغ؛ إذ يميل الناس إلى تفسير سلوك الآخرين وكأنه سمة شخصية راسخة لديهم، بينما يفسِّرون سلوكهم هم الشخصي في إطار الظروف المحيطة به. وقد وصف لي روس (١٩٧٧) هذه الظاهرة بالانحياز الأوليِّ في عزو الصفات، أما اكتشاف أن الكُتَّاب يجدون شخصياتهم الأدبية متأثِّرةً بالظروف المحيطة بها أكثر من تأثُّرها بأفكار الكُتَّاب عن سماتها الشخصية فيمثِّل تباينًا مشوِّقًا في هذا الانحياز في العزو.
(٢٧) نبَّهني ديفيد مِيول إلى أنه عندما كان يُدرِّس قصة إدجار ألان بو «برميل الأمونتيلادو» وجد أن نصف الطلاب تقريبًا أبدوا تعاطفهم مع مونتريسور، الراوي، الذي يتَّسم بالألمعية والتهكُّم والمهارة، ولكنه يأتي بتصرُّفات مروِّعة. ويقول مِيول إن القَصص الخيالي يُشجِّعنا في المعتاد على ألا نحكم على الشخصيات التي تختلف عنا كثيرًا، ويسمح لنا بالاستمتاع بأفكار ومشاعر نحظرها على أنفسنا في الحياة الحقيقية.
(٢٨) أوضح إدوارد رويزمان وبول روزين (٢٠٠٦) أننا نجد صعوبةً في الشعور بالتعاطُف مع الأشخاص الناجحين إلا إذا كانت تربطنا بهم معرفة جيدة. ونتعاطف تلقائيًّا مع أي شخص يواجه مشكلةً.
(٢٩) يُعبِّر تسفيتان تودوروف (١٩٧٧) عن ذلك بأسلوب لطيف للغاية: يعتمد كل عمل من أعمال القَصص الخيالي البوليسي على قصتين؛ الأولى هي قصة ارتكاب الجريمة، والثانية هي قصة التحقيق. بينما يشرح تيموثي سبيرجين (٢٠٠٩) المسألة بأسلوب متناغِم في محاضَراته التأمُّلية مستندًا إلى كتاب بيتر بروكس «القراءة من أجل الحبكة»؛ إذ يُشير إلى أننا يمكن أن نعتبر شيرلوك هولمز، المحقِّق في مؤلفات آرثر كونان دويل، قارئًا مثاليًّا؛ إذ يقرأ القرائن (السوزيت) من أجل إعادة بناء الأحداث، متضمنةً الجريمة، بالترتيب الزمني المنطقي لوقوعها (الفابيولا). وهو نوع البناء الذي نجده إلى حدٍّ ما في «كبرياء وتحامل»؛ إذ تُتيح القرائن التي يحملها سلوك دارسي في الوقت الحالي، في إطار عرض أوستن للأحداث، للبطلة (إليزابيث بينيت) وللقارئ، فهم دارسي وفقًا لإعادة بناء الأحداث التي جرت في ماضيه.
(٣٠) افترض آرت جريسر وبرينت أولد وبيانكا كليتك (٢٠٠٢) أن السرديات تحوي دائمًا ملامح تفسيرية؛ لأن القراء يجب أن يفهموا سبب تصرُّف الشخصيات بالطريقة التي اتبعتُها. كما أشارت بي دي جيمس (٢٠٠٩) إلى نقطة شبيهة بتلك التي أثيرها؛ من حيث اعتبار جين أوستن تبتكر نوعًا معينًا من القصص البوليسية، برغم أن المثال الذي استعانت به لم يكن رواية «كبرياء وتحامل»، ولكن رواية «إيما»؛ إذ تقول: «السر الذي يُمثِّل الدعامة الأساسية لكل الأحداث هنا هو العلاقات غير المحدَّدة بين العدد المحدود من الشخصيات» (ص٦).
الفصل الخامس: المشاعر
(١) فحص دين موبس وزملاؤه (٢٠٠٦)، من خلال تجارب أجروها، تأثيرَ كوليشوف، وهو عبارة عن تسلسل يتجاور فيه وجهٌ حيادي خالٍ من التعابير لأحد الممثِّلين مع غرض له أهمية شعورية بارزة، يُفترض أن نظر الممثل موجَّه إليه، ووجدوا أن الجمع بين صورة وجه حيادي التعابير وسياقات من مقاطع مصوَّرة عاطفية قد غيَّر طريقة رؤية الأوجه، كما لحظوا آثارًا مماثلةً للسياقات نفسها من خلال التصوير العصبي.
(٢) يقول يون بارنا (١٩٧٣) إن أيزنشتاين كان صديقًا مقرَّبًا لكوليشوف، وإنه — في عام ١٩٢٣، ومع بدايات مسيرته في صناعة الأفلام — درس مع كوليشوف لمدة ثلاثة أشهر.
(٣) لطالما تأثَّر الإبداع الأدبي بالتقنية، وكان لتقنية الكتابة التي ظهرت قبل ٥٠٠٠ عام، تأثيرها الهائل عليه، وقد انتقلنا منذ ذلك الحين من القصِّ المؤدَّى شفاهةً بالكامل — سواء بين شخصين، أو في مجموعات ودية، أو في زيارات القصاصين المحترفين للقرى أو البلدات — إلى فكرة سيدات الطبقة الوسطى وهُنَّ جالسات في مقاعدهنَّ الوثيرة في المقاطعات الإنجليزية يقرأن رواية «كبرياء وتحامل» الصادرة مؤخرًا في طبعتها الأنيقة. ومنذ ذلك الحين، ظهرت الأفلام، ثم قدَّم لنا الكمبيوتر مؤخرًا ألعاب الفيديو التي تخطَّى الحجم الاقتصادي لصناعتها عام ٢٠٠٦ حجم صناعة الأفلام. ومع هذه التقنية، تأكد مجدَّدًا تأسُّس القَصص الخيالي في اللعب التمثيلي الذي شرحته في الفصل الثاني، ويدين اللعب التمثيلي في ألعاب الفيديو وعوالمه الخيالية بالكثير للقصص الخيالي التمثيلي والفيلمي.
(٤) النسخة المنشورة أعدَّها ستيفان شفان وشيرمين إلديرار (٢٠١٠).
(٥) قاست كريستين نوتهيلفر وجوردان ديلونج وجيمس كاتينج (٢٠٠٩) طول اللقطات في أفلام هوليوود المحوَّلة إلى الصيغة الرقمية على مدار ٨٠ عامًا. وتكوَّن النموذج الذي استخدموه في دراستهم من فيلمٍ واحدٍ من كل نوع من ثلاثة أنواع من الأفلام، هي: الأفلام الدرامية، والأفلام الكوميدية، وأفلام الحركة، عن كل عام من الأعوام ١٩٤٥ و١٩٦٥ و١٩٨٥ و٢٠٠٥. ووجدوا أن مدة اللقطات على مدار فترة الأعوام الستين قد قَصُرَت في كل أنواع الأفلام من متوسط ١٣ ثانية عام ١٩٤٥ إلى ٦.٨ ثوانٍ عام ١٩٦٥، ثم إلى حوالي ٤ ثوانٍ في أفلام ١٩٨٥ و٢٠٠٥.
(٦) صار تبيُّن المشاعر من خلال تعابير الوجه من النتائج الأساسية للأبحاث المعنية بالمشاعر، ويُعَدُّ بول إكمان (٢٠٠٣) أبرز الباحثين في هذا المجال، وقد اقترح إكمان أن بعض التعابير الشعورية مشتركة بين كل البشر، ويمكن تبيُّنها في جميع أنحاء العالم، وكذلك أن السيماء الأقل وضوحًا لتعابير الوجه يمكن أن يلحظها من تمرَّسوا على تبيُّن حركات عضلات الوجه؛ بحيث يمكن على سبيل المثال كشف الكذب في تعابير التوتُّر العابرة للوجه. وقد حقَّقت أفكار إكمان قفزةً غير معتادة من عالم المؤلَّفات الأكاديمية إلى عالم المسلسلات الدرامية في مسلسل «اكذب عليَّ» من إنتاج صامويل باوم (٢٠٠٩).
(٧) تعرضت مشاعر الشخصيات الخيالية لتحليلات مشوِّقة على مدار سنوات عديدة؛ مثل تحليل إيه سي برادلي (١٩٠٤) لشخصيات شكسبير. والمدهش أن تحليل مشاعر الجماهير في أعمال شكسبير لم يحدث إلا مؤخرًا، مثلما فعل صامويل إل جونسون (١٩٥٢). إلا أن الناقدَيْن الجديدَيْن، كيرت ويمسات، ومونرو بيردسلي (١٩٥٤)، استنكَرا الاهتمام بمشاعر القراء في ورقة بحثية شهيرة، قالا فيها: إنه من المغالطة إرباك دراسة القصيدة — التي هي الغرض الحقيقي للدراسة — بأثرها على القارئ.
(٨) أجرى برونو ويكر وزملاؤه (٢٠٠٣) الدراسة التي أثبتت أن المنطقة الدماغية نفسها مسئولة عن كلٍّ من التعبير عن الاشمئزاز وإدراكه لدى الآخرين، وهي منطقة الجزيرة الأمامية، وقد عزَّزت أبحاث أخرى هذه النتائج.
(٩) اكتشفت هَنَّا تشابمان وزملاؤها (٢٠٠٩) أن تعبير الوجه عند الاشمئزاز، الذي تنقبض فيه العضلات الرافعة للشفة العلوية تُكَرَّر عند تذوُّق شيءٍ مرٍّ، وعند التعرُّض للظلم في لعبة ما.
(١٠) طلبت بولا نيدنثال وزملاؤها (٢٠٠٩) من المشاركين في التجربة قراءة كلمات مادية تُعبِّر عن السعادة (مثل «ابتسامة»)، أو الاشمئزاز (مثل «قيْء»)، أو الغضب (مثل «عراك»)، وكلمات حيادية (مثل «كرسي») في أثناء تسجيل النشاط الكهربي لعضلات وجوههم. ووُجد أن المشاركين الذين طلب منهم الحكْم ما إذا كانت كل كلمة قد ارتبطت بشعور معيَّن قد نشطت عضلات وجوههم المرتبطة بصنع التعبيرات الوجهية المناسبة للسعادة أو الاشمئزاز أو الغضب (بالرغم من أن ذلك لم يحدث عند قراءة الكلمات الحيادية)، بينما لم يظهر أي نشاط في عضلات الوجه لدى المشاركين الذين طُلب منهم الحكم ما إذا كانت الكلمة الموجودة أمامهم مكتوبة بحروف كبيرة أم صغيرة. كذلك أدَّى منْع المشاركين من رسْم أي تعابير على وجوههم عن طريق العضِّ على قَلمٍ (باستخدام أسنانهم وشفاههم) إلى إضعاف قدرتهم على إصدار أحكام دقيقة عمَّا إذا كانت الكلمات دلَّت على مشاعر معيَّنة، وهو ما أفاد أن للانعكاس دورًا سببيًّا في فهم المشاعر. كان صنع التعبيرات الوجهية بصفته جزءًا من إدراك المشاعر، وهو ما تُؤكِّده الأدلة الآن، موضع مناقشة من لورانس بارسالو (٢٠٠٨)، ومن نيدنثال وزملائه أيضًا، من حيث المحاكاة والتجسيد. إلا أن كاثلين بوجارت وديفيد ماتسوموتو (٢٠١٠) أثبتا مؤخرًا أن الأشخاص الذين يُعانون من متلازمة موبيوس؛ أي يُعانون من الشلل في عضلات وجوههم، يستطيعون التعرُّف على التعابير الوجهية، ويقترح المؤلِّفان أن المخ يتميَّز بالمرونة؛ بحيث إنه في حال تعطُّل جهاز معين بالجسم تُوجد وسيلة بديلة للإدراك الحسي.
(١١) أجرى واتارو ساتو وساكيكو يوشيكاوا (٢٠٠٧) الدراسة التي سجَّلا فيها في الخفاء التعابير الوجهية التي أبداها الناس عندما نظروا إلى تعابير سعيدة أو غاضبة، وسجَّل فرانشيسكو فوروني وجون سيمين (٢٠٠٩) نشاط العضلات الوجهية، ووجدا أن القراء عندما صادفوا وصفًا لفظيًّا لتعبير شعوري؛ مثل «التبسُّم»، نشَطَت في وجوههم العضلات المسئولة عن عمل التعابير الموافِقة لذلك.
(١٢) فريدريك دو فينيمو وتانيا سينجر (٢٠٠٦) هما مَن وصفا المشاركة الوجدانية بأنها تتكون من أربعة أجزاء. وثمَّة أبحاث نشطة حول الانعكاس وعلاقته بالمشاركة الوجدانية؛ مثل أبحاث ماركو ياكوبوني (٢٠٠٩). علاوةً على ذلك، أظهرت دراسة ماركو تاميتو وزملائه (٢٠٠٩) أن شخصين مصابَين بتلف قشري في المخ، منَعهما من القدرة الواعية على رؤية تعبيرات الوجه أو الأفعال الشعورية وإدراكها، ظلا قادرَين على إبداء تعبيرات وجهيَّة عكسَت المشاعر التي أوحت بها تعبيرات عُرضَت عليهما، ويدلُّ هذا على وجود ممرٍّ غير قشريٍّ (ربما يرجع إلى زمن النشوء والارتقاء) يعمل على خدمة الانعكاس والمشاركة الوجدانية.
(١٣) يأتي فرانس دو فال (٢٠٠٤) في صدارة مناصري فكرة أن المشاركة الوجدانية قديمة في تاريخ تطور الرئيسيات.
(١٤) هذا الاقتباس البادئ بعبارة: «نرى مشاعر … لا نرى التواءات وجهية» للودفيج فيتجنشتاين مأخوذ من استشهاد لبرايان بويد (٢٠٠٩) ص١٣٤. يستغرق الرسامون فترة طويلة أثناء تدريبهم في تعلُّم رسم أشكال الضوء والألوان لتصوير الوجوه، ومثلهم تمامًا، استغرق الباحثون في مجال تشريح التعابير الوجهية فترةً طويلة للتفريق بين العضلات المستخدمة لرسم كل نوع من التعابير؛ انظر على سبيل المثال بول إكمان (٢٠٠٣).
(١٥) افترضتُ في مقالٍ لي أن الإدراك التشاركي الوجداني يُتيح لنا التوافق اجتماعيًّا مع الآخرين. أوتلي (٢٠٠٩).
(١٦) يوجد فرق شاسع بين الأهمية الشعورية للنماذج العقلية التي نُقيمها لآخر بناءً على الملاحظات أو الآراء المنقولة، وبين الأثر والأهمية الأكبرَين اللذين تُخلِّفهما أفعال شخص آخر أو تقاعسه عن الفعل بما يؤثِّر علينا شخصيًّا؛ كأن نشعر بخذلان شخْص لنا، أو عندما ننجَح في إنجاز مهمَّة صعبة بالتعاون مع آخر. يمكن الاطِّلاع على أدلة على هذا النوع المهمِّ شعوريًّا من التأثير في النماذج العقلية في كتب مظفر وكارولين شريف (١٩٥٣)، ودراسات أوتلي ولوريت لاروك (١٩٩٥)، ولاروك وأوتلي (٢٠٠٦).
(١٧) تقول فالنتين كاديو (٢٠٠٨) إننا نميل إلى تعمُّد اختيار الأعمال الواقعية؛ لأن موضوعاتها مهمَّة لنا بالفعل، وبالتالي نتأثَّر بها في الغالب. وتفترض كاديو أن بإمكان المرء أيضًا التأثُّر في الأعمال القصصية بأمورٍ لم تكن ذات أهمية بارزة له قبل قراءتها.
(١٨) يبدو أن أرسطو كان أول من طرح فكرة أن المشاعر تربط بين الأحداث والاهتمامات في كتابه «الخطابة». والصيغة التي أطرحها هنا ترجع إلى نيكو فريدا (١٩٨٦)، ووَضَّحها بقدْر أكبر كلٌّ من كيث أوتلي وجينيفر جينكينز وداكَر كِلتنر (٢٠٠٦).
(١٩) في أول دراسة طلبنا فيها من المشاركين كتابة حروف «ذ» و«ش» على هامش القصص أثناء قراءتها (أطروحة دكتوراه أنجيلا بياسون، ١٩٩٣) — وشارك فيها ٥٩ طالبًا بالمرحلة الثانوية بقراءة قصة عن الهوية في مرحلة المراهقة تتكوَّن من ٤٠٠٠ كلمة بقلم أليس مونرو أو كارسون مكولرز — عجز طالبان فقط عن كتابة أي أحرف على الهامش (انظر الورقة البحثية الصادرة عام ٢٠٠٢). أناقش أنا وريموند مار ومايا دجيكيك (٢٠١١) المشاعر الجديدة والذكريات الشعورية التي تحْدُث أثناء القراءة.
(٢٠) كان يُعتَقَد فيما مضى أن التماهي في القصص الخيالية الأدبية يقوم على الإعجاب، وعلى الرغبة في التشبُّه بالشخصية، وتشتمل دراسة لكيث أوتلي وميترا جولامين (١٩٩٧) على مناقشة لهذا الموضوع. وبينما يشتمل التماهي١٩٩٣ — ولا شك — على الإعجاب، أعتقد أن فكرة أن التماهي هو مشاركة وجدانية (وهو ما يشمل الإعجاب غالبًا) تُعَدُّ تطويرًا لهذه الأفكار الأقدم.
(٢١) يمكن أن يحدث تبني أهداف الشخصية حتى مع الشخصيات التي نكرهها، مثلما يحدث مع شخصية ريتشارد الثالث لشكسبير، وهو أثر غريب؛ إذ يبدو الانجذاب لمثل تلك الشخصيات مستعصيًا على الفهم.
(٢٢)
تُشبه الآثار التي اكتَشفها توم تراباسو وجينيفر تشونج (٢٠٠٤) الآثار
والصيغة التي حدَّدها فرويد في ورقته البحثية الصادرة عام ١٩٠٨ حول
أحلام اليقظة والقصص الخيالية، التي ناقشتُها في الفصل الثاني.
لا أستطيع قراءة الألمانية، لذلك أعتذر عن أني قرأتُ فقط الملخَّص
واستمعت إلى حديث فريتز برايتهوب (٢٠٠٩) الذي يفترض فيه أن المشاركة
الوجدانية تضمُّ غالبًا سيناريو يشهد فيه شخص ما شخصين آخرَين
متنازعَين. وهذا عنصر بارز في الفيلمين اللذين استعان بهما
تراباسو وتشونج؛ حيث يضمُّ كلاهما خصمًا يزيد وجوده من مشاركتنا
الوجدانية للبطل. ومن الشائع في مثل هذه السيناريوهات الثلاثية أن
ينحاز الشخص المشارك وجدانيًّا إلى جانب أحد الشخصين بدلًا من الشخص
الآخر. ويُشير برايتهوب إلى أن هذا يُعَد تقييدًا خطيرًا للمشاركة
الوجدانية؛ لأنه يجعلها لا تختلف عن الانحياز لجماعة المرء ضد الجماعات
الأخرى. وقد أثبت هنري تايفل (مثل مقال ١٩٨٢) أن أبسط الاختلافات
قادرة على الدفع إلى حدوث انحياز (مبني على المشاركة الوجدانية)
وتمييز بين الجماعات؛ على سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي أجراها
تايفل، قيل لأفراد إحدى المجموعات إنهم كانوا في تلك المجموعة لا في
المجموعة الأخرى بسبب قرعة عُمْلة. وما حدَث أن المشاركين فور
انتسابهم لمجموعة ما (مجموعتهم) اتخذوا قرارات من قبيل توزيع مكافآت
مالية فيما بينهم، وفَضَّلوا أعضاء مجموعتهم (أو هؤلاء الذين كان
حظُّهم من القُرعة وجه الصورة) وتحيَّزوا ضد أعضاء المجموعة الأخرى (أو
هؤلاء الذين كان حظهم من القُرعة وجه الكتابة). وتدلُّ البساطة
الشديدة التي اتَّسمت بها تلك الظروف التي ضمنت إحداث ذاك النوع من
الأثر على أن المشاركة الوجدانية قابلة للحدوث دون تفكير أو حكم.
وعلى الرغم من أن هذا قد يكون مقبولًا في عالم كرة القدم، فقد يكون
مدَمِّرًا في الحياة الواقعية.
إن السبيل الوحيدة للتعبير عن المشاعر في الفن هي بتوفير «مُعادِل موضوعيٍّ»، أو بأسلوب آخر: توفير مجموعة من الأشياء وموقف، وسلسلة من الأحداث التي ستكون تركيبة هذا الشعور تحديدًا؛ بحيث إنه عند تقديم الحقائق الخارجية — التي يجب أن تُختَتَم بخبرة حسية — يُثار الشعور في الحال (ص١٠٧-١٠٨).
(٢٤)
لعلَّ الأمر، كما قال فيلسوف الأفلام نويل كارول (١٩٩٠)، أنه فور
تقديم حدَث يُثير الخوف أو الغضب في إطار سرديٍّ معيَّن، نتطلع نحن
إلى الخاتمة السردية، بل ونستمتع بها.
لا توجد أبحاث كثيرة لتوقُّعات الناس عند تفاعلهم مع قصة خيالية، أو
ما إذا كانت توقُّعاتهم تلك قد تحقَّقت بالفعل. ومن الأبحاث القليلة
التي أجرِيَت بحثٌ أجرَته باتريشا ستيكلي ولوريت لاروك (١٩٩٦) من
مجموعتنا، اتصلتا فيه بأشخاصٍ وهم يهِمُّون باستئجار أفلام فيديو،
وملأ المشاركون استبيانًا طُلب منهم تسجيل مشاعرهم أثناء اختيار
الفيلم، وكذلك بعد مشاهدتهم له، وقد تجنَّب المشاركون استئجار الأفلام
التي توقعوا أن تبعث فيهم مشاعر لا يرغبون في عيشها. ولم يتوقَّع أغلب
الأشخاص أن مشاهدة الفيلم الذي استأجروه قد يُغيِّر حالتهم المزاجية،
ولكن الواقع أن الأغلبية تعرَّضت لهذا النوع من التغيير فعلًا.
تطابقت أمزجة المشاركين وأمزِجة الشخصيات في حالة تماهي الشخص مع ظروف
الشخصية، أو مع ما قالته الشخصية أو فعلته. علاوةً على ذلك، تأسَّس
الاستمتاع بالأفلام على القصة، وعلى خبرة المشاعر التي توقَّعها
المشاهدون، وتحسَّن ذلك غالبًا عند المشاهدة مع صديق أو
شريك.
(٢٥) يضم كتاب دانييل إنجولز وزملائه (١٩٩٠) تعليق أبينافاجوبتا حول موضوع «الراسا».
(٢٦) أجرت إيلي كوناين (٢٠٠٠) دراسة قيِّمَة لمشاعر الممثلين. إن الفكرة القائلة بأن مشاعر الممثلين يمكن أن تستمدَّ من خبراتهم الشخصية المستحضَرة — حسب نصيحة كونستانتين ستانيسلافسكي — تنطبق نظريًّا على التدريبات. أما في الأداء الفعلي، فتتركز مشاعر الممثِّلين بدرجة أعلى على التمكُّن من إجادة الأداء، وعلى التواصل وجدانيًّا مع الجمهور.
(٢٧) يناقش جيرالد كابتشيك (٢٠٠٢) مفهوم المسافة النفسية لإدوارد بولو (١٩١٢).
(٢٨) اكتشفت مايا دجيكيك وزملاؤها (٢٠٠٩ب) أن الأشخاص ذوي العقلية الدفاعية القوية المتَّسمين بالانعزالية إلى حدٍّ ما، تكون مشاعرهم أقوى من مشاعر الأشخاص غير الدفاعيين عند قراءة القصص. وقد تمكَّنَت صيغة القَصص الخيالي من التحايل على دفاعاتهم المعتادة.
(٢٩)
يقترح ديفيد مِيول ودونالد كويكن (٢٠٠٢) كذلك أن مشاعر التماهي أو
التعاطف الجديدة تحدُث عند القراءة، إلى جانب إمكانية حدوث مشاعر
تغيير الذات، التي تُستَمَد في الأساس من الذاكرة.
وقد توصَّل كلٌّ من ميشيل هيلشر وجيرالد كابتشيك وجاري لينارد (٢٠٠٨)
إلى مؤشر إلى أن الأنواع الأدبية المختلفة يمكن أن تستحثَّ المشاعر
بطرق مختلفة؛ حيث طلبوا من المشاركين في دراستهم مشاهدة أفلام
أُنتجت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، من نوعي
الميلودراما وأفلام الجريمة. ووجدوا أن مشاهدي أفلام الميلودراما
(بالمقارنة مع أفلام الجريمة) كانوا أقدر على التعرف على مشاعر
الشخصيات، وكانوا مرشَّحين بقدر أكثر للتماهي مع الشخصيات، ولاستدعاء
ذكرياتٍ شخصية. والراجح بوجه عام أن تنوُّع الطرق والأساليب (في القصص
الخيالية النثرية والأفلام) يُحرِّك القراء والمشاهدين نحو أنماط
مختلفة من التجارب الشعورية.
(٣٠) طلب فيكتور نيل (١٩٨٨) من المشاركين في دراسته أن يختار كلٌّ منهم كتابًا لم يقرأه، ولكنه متأكِّد من أنه سيعجبه، وأن يُحضره إلى المكتبة، وهناك سجَّل النشاط الكهربائي في أدمغة المشاركين أثناء قراءة الكتب المختارَة، ووجد نيل أن القُرَّاء الذين اندمجوا مع النص دخلوا حالة من الإثارة الشديدة المبهِجَة وكأنهم قد دخلوا في غيبوبة.
(٣١) هذه الفقرة عن عملية التنقل فيما بين سلسلة من الحالات الشعورية أثناء قراءة عمل أدبي مستلهَمة من مقال ديفيد مِيول (٢٠٠٨)، الذي يربط الفكرة بالمسافة الجمالية في النص.
(٣٢)
لنفترض أن الفقرة في أي قصة نثرية تتناول عادةً فكرة واحدة أو ملحوظة
واحدة (وهو المعادل للقطة في الأفلام)، أو قولًا واحدًا لإحدى الشخصيات.
ولا شك أن بعض الكُتَّاب يكتبون فقرات مركَّبة تضمُّ أفكارًا
متعدِّدة.
وفي ظني أن المجاز يشمل ثلاثة عناصر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا؛ أولها أن
التجاور قد يكون له أثر تغريبي (من النوع الذي ناقشناه في الفصل الثالث)،
لا يقتصر عمله على جذب الانتباه فقط، ولكن يُحتمَل أن يستدعي المشاعر
أيضًا. والثاني أن التجاور قد يوحي بالتسلسل الزمني، والتضاد (الذي
يُسمِّيه ويليام بليك — ١٧٩٣ — «التناقضات» التي لا غنى عنها للتقدم)،
والتشابه، وأنواع أخرى عديدة من العلاقات. أما العنصر الثالث — الذي يُعرَف
باسم المجاز المرسَل ذي العلاقة الجزئية — فيُقصد به استخدام جزء فقط من
الشيء الأكبر. وقد يُذكَر هذا الجزء في فقرة أو يُوضَع في لقطة من فيلم،
وتمكن الاستفادة منه في الدعوة إلى تخيُّل الكل الذي يشكِّل هو جانبًا
منه في المعتاد، وهو هنا يدعو القارئ أو المشاهد لإكمال التجاور بنفسه،
ومن الممكن توظيف هذه العناصر الثلاثة، كلٍّ على حدةٍ، أو توظيفها
مجتمعةً.
يرمز القلب في عبارة «الآن ينهار قلبٌ نبيل» إلى الشخص كله (مجاز مرسَل علاقته الجزئية). وتعبير «نم هنيئًا أيها الأمير العذب» مجاز مرسَل آخر علاقته الجزئية، يُشير إلى حالة من السبات، ولكن الأهم أنه (كما نبهني باتريك هوجان) جزء من طقس تعَلُّقي، ويوحي بفكرة التعلُّق، وهذا التعلُّق ينقطع في النهاية بالموت، أما كلمة «تُنشِد» فتُعبِّر عن مراسم كاملة، ولكن الأهم أن المشهد يؤثر فينا، من وجهة نظري؛ لأن موت هذه الشخصية بالتحديد — على الرغم من أنها شخصية تخيُّلية — يُعبِّر عن ضَعفنا جميعًا، وهكذا تبدو الكلمات مع البيت الثاني «وأفواج الملائكة …» مفجِعَة، ويمتدُّ وَعْينا ليشمل البشر جميعًا، وكل شخص قيل له يومًا «نم هنيئًا»، حتى نحن أنفسنا.
(٣٤) توجد هذه الرسالة في كتاب جيمس بولدوين (١٩٦٣) «المرة القادمة تندلع النيران»، وقد حصلتُ عليها في عيد مولدي الخامس والعشرين عام ١٩٦٤ كما يظهر من إهداء مكتوب على نسختي من الكتاب، وأظنُّ أني قرأتها حينها. تربيت في صغري تربيةً منغلقةً بعض الشيء في إنجلترا التي غلب عليها السكان البيض، ولذلك كان لهذه الفقرة أثر تغريبي صادم لي بحيث لم تبرح ذاكرتي منذ ذلك الحين. وعنوان كتاب بولدوين مأخوذ من آية يستخدمها عبارةً تقديمية لكتابه: «أعطى الرب قوس قزح لنوح/لن يعود الماء، المرة القادمة تندلع النيران!» وتذكِّرنا هذه الاستعارة العميقة المؤثِّرة بأننا، نحن البشر، إن لم نراعِ بعضنا بعضًا ونراعِ عالمنا، فسوف تحلُّ بنا كارثة.
يصف مارك تيرنر (٢٠٠٨) تجاور نمط مع آخر على النحو الآتي:
يُعَد «الاندماج المفاهيمي» — الذي يُطلَق عليه كذلك اسم «المزج» — «عملية عقلية أساسية» تُطَبَّق على «المنظومات المفاهيمية» لإنتاج «شبكات اندماج مفاهيمي». وتوفر مَنظومات مفاهيمية بعَينها «المدخَلات» للشبكات. ويحمل الإسقاط الانتقائي من مدخلات المنظومات المفاهيمية ومن العلاقات بينها عناصر وعلاقات إلى «منظومة مفاهيمية مَمزوجة» غالبًا ما يكون لها «هيكل ناشئ» خاصٌّ بها. (ص١٣)
(٣٦) هذه العبارة اللطيفة حول إضافة القراء العناصر الذاتية للقصص مقتبَسة من رسالة وجَّهَها أنطون تشيخوف إلى أليكسي سوفورين بتاريخ ١ أبريل ١٨٩٠؛ يارمولينسكي، ١٩٧٣، ص٣٩٥.
(٣٧)
فكرتُ لوهلة في عمل تصنيف لأنواع تأثيرات المجاز: السببية وغيرها من
أشكال التتابُع الزمني، والتشابه من خلال موضوع مشترك أعم وأعلى (وهو هنا
يتشابه مع الاستعارة)، والتضاد، وتسرُّب الشعور المرتبط بعنصر معيَّن إلى
عنصر آخر يُجاوره، وغير ذلك. وأهمُّ هذه الأنواع هو أوَّلُها: السببية؛
لأن التتابع الزمني يُستخدم في السرد ليُمثِّل الأفعال بصفتها نتاج
الأهداف (أو الأسباب)، والمخرجات بوصفها نتاج الأفعال، والمشاعر بوصفها
نتاج المخرَجات. وقد شرح توم تراباسو وبول فان دِن بروك (١٩٨٥) مثل هذه
الهياكل السببية في الحبكات السردية، ولكني أدركت أن الاحتمالات الممكنة
لأنواع التأثيرات المجازية لا نهاية لها؛ لأن نطاق الارتباطات الممكنة
بين أيِّ خبرة وأخرى — بالنِّسبة إلى الأفراد وإلى المجموعات — لا
نهائي.
اهتمَّ السرياليون بالتجاورات الاعتباطية باعتبارها وسيلةً لاستكشاف
اللاوعي، وكانوا يلعبون لعبة اسمها «الجثة الطريفة» يكتب فيها شخص كلمة،
ثم يطوي الورقة بحيث لا يستطيع الشخص التالي رؤيتها، ثم يكتب الشخص
التالي كلمةً أخرى، وهكذا بحيث تتكوَّن في النهاية جملة تكون على سبيل
المثال على هيئة «الاسم الصفة فعل الاسم الصفة»، وهي التي نتج عنها في
بدايات اللعبة العبارة الشهيرة «الجثة الطريفة سوف تشرب الخمر الجديد».
وترتبِط هذه اللعبة بلعبة أخرى من أيام الطفولة تُسمى «الهاتف الخربان»،
وفيها يهمس أحد الأطفال بكلمة للطفل التالي له، ويهمس هذا الطفل بالكلمة
نفسها للطفل التالي، وهكذا حتى يُعلِن الطفل الأخير عن نتيجة تختلف تمام
الاختلاف عن الرسالة الأولى. كذلك ترتبط اللعبة بأسلوب «إعادة التقديم
المتسلسلة» الذي استخدمه فريدريك بارتلِت (١٩٣٢) كما ناقَشْنا في الفصل
الثالث.
(٣٨) دار نقاش بيني وبين جوردان بيترسون حول أنه، في مجال العلاج النفسي، غالبًا ما يكون لدى المرضى تجارب حياتية غير متَّصلة بعضها ببعض، وأن المعالِج يستطيع أحيانًا عن طريق قول شيءٍ ما أن يساعدهم على إقامة الرابط المفقود.
(٣٩) يقول ديفيد لودج (١٩٧٧) إن المجاز أساسي للقصص الخيالي النثري والأفلام، بينما تبدو الاستعارة مناسبةً بقدر أكثر للشعر الغنائي والمسرح. يستطيع المرء فهم مقصد لودج، ولكن لعلَّ ما حدث مع القصص الخيالية النثرية والأفلام هو أن المجاز صار يجذب مزيدًا من الانتباه الآن، غير أننا إذا فكرنا في الأمر على النحو الذي اقترحه رومان جيكوبسون (١٩٥٦) فسنجد أن لغة الكتابة النثرية وصناعة الأفلام تستلزم وجود كلٍّ من قطبَي الانتقاء والتوليف. وهذا ينطبق بدءًا من الجانب الأصغر من المقياس (الكلمات وأجزاء الصور) وحتى الجانب الأكبر (المشاهد والمخططات)، علاوةً على أن قطبَي اللغة يخلقان على التوالي، عند كل نقطة على المقياس، احتمالات إقامة الاستعارة والمجاز.
(٤٠) طرح ياك بانكسِب (٢٠٠٥) حجة مقنِعةً مفادها أن المشاعر كانت من أوائل أشكال الوعي في النشوء والارتقاء لدى الثدييات، وتظلُّ هي الأهم فيه.
(٤١) لا تتوفَّر دراسات نفسية كثيرة حول السبب الذي يدفعنا للتأثُّر بالأعمال الفنية حتى البكاء. ويقترح إد تان ونيكو فريدا (١٩٩٩) أن هذا يحدث حينما نشعر أننا في حضرة شيء أكبر منا.
الفصل السادس: كتابة القصص الخيالية
(١) أنا ممْتَنٌّ لأندرو جورج لسماحه لي بالحصول على ترجمته لهذه الأبيات الأولى من «ملحمة جلجامش». كانت الأبيات غير كاملة حين نشرت دار بنجوين ترجمته للملحمة عام ١٩٩٩، ولكن أدلة حديثة أظهرت اكتمالها.
(٢) اشتُهر راندولف هيرست، أحد أقطاب الصحُف، بنشره قصصًا إخبارية مفبرَكة في صحيفته لخدمة آرائه السياسية. وهو، كما وصفه مارتن لي ونورمان سولومون (١٩٩٠)، «اعتاد تأليف قصص مثيرة، ولقاءات ملفَّقَة، ونشر صور مزيَّفة وأحداث حقيقية محرَّفَة.»
(٣) أجرى رولف زفان (٢٠٠٨) بحثًا شائقًا حول إقامة القراء للمشاهد.
(٤) توجد مئات من الكتب والمقالات حول كيفية كتابة القصص الخيالية، بعض هذه الأعمال رائع، وبعضها كتبه مؤلِّفون ممَيَّزون ممارسون للمهنة، وجميعهم متفقون على الأهمية الهائلة للحوار. وقد اطَّلَعتُ على العديد من هذه الكتب، وفي رأيي أن كتاب صول ستاين (١٩٩٩) من بين أفضلها. (ستاين بالمناسبة هو محرِّر أعمال جيمس بولدوين.)
(٦) ناقش هنري جيمس في مقدمات كتبه أهمية وجهات النظر، وأبرز عيوب القصص الخيالية التي تختلط فيها وجهات النظر. وقد تابع بيرسي لاباك (١٩٢٦) — أحد أصدقاء جيمس — مناقشة الموضوع. ولا أتعرَّض هنا إلا لأشهر وجهات النظر في القصص الخيالية السردية.
(٨) كتب كلٌّ من أندرش إريكسون وأندرياس ليمان (١٩٩٩) مقالًا مراجَعًا مفيدًا حول مفهوم الخبرة، كما كتب فيليب روس (٢٠٠٦) مقالًا حول الموضوع في إحدى المجلات، وكتب هوارد جاردنر (١٩٩٧) كتابًا مبنيًّا على سِيَر أشخاص صاروا خبراء في مختلف المجالات (ومنها سيرة فيرجينيا وولف). وتساوي الفترة التقريبية المطلوبة لاكتساب الخبرة — ١٠٠٠٠ ساعة — في مجال الاهتمام نحو ثلاث ساعات يوميًّا لمدة عشر سنوات، وهذا يُعادِل تقريبًا الفترة نفسها التي يقضيها الأطفال في قاعاتهم الدراسية خلال حياتهم، أو تساوي عشر ساعاتٍ يوميًّا لمدة ثلاث سنوات، أي الفترة المتوقَّع أن يستغرقها الطلاب الجامعيُّون للحصول على شهادة جامعية. وينبغي من أجل تحقيق إنجاز حقيقي أن يُستثمر هذا الوقت في حل المشكلات وفي اكتساب المعرفة والأساليب الجديدة في مجال بعينه، ويُعَدُّ التدريب غالبًا مكوِّنًا مهمًّا في هذه الفترة.
(٩) يوجد في عالم القراءة ما يُوازي الخِبرة في الكتابة. قارَنَت جوان بيسكين (١٩٩٨) مجموعة من المبتدئين (طلاب تلقَّوا دورات تدريبية في الشِّعر في عامَيْهم النهائيين في المرحلة الثانوية، وطلاب دراسات إنجليزية في العامَيْن التمهيديَّيْن في الجامعة) بمجموعة من الخبراء (طلاب دكتوراه متقدِّمين في أحد أقسام اللغة الإنجليزية)، وطلبت منهم قراءة قصيدتين (من القرنين السادس عشر والسابع عشر) لم يسبِق لهم قراءتهما. مال القُرَّاء المبتدئون إلى التركيز على فهم معاني الكلمات والعبارات، ولكنَّهم وجدوا المعنى العام للقصيدة محيِّرًا، وهو ما أثَّر سلبًا على استمتاعهم بالقصيدة. على العكس، استطاع القُرَّاء من الخبراء التعامل مع البِنْيات الأكبر في كلتا القصيدتَيْن، وتبَيُّن الإشارات الضمنية فيهما، والتفكير في المعنى العام للقصيدتين.
(١٠) يقول ستانيسلاس دوان (٢٠٠٩) عن الذاكرة العاملة القصيرة المدى إنها «مساحة عمل عصبية واعية»، تشكلَت باعتبارها «نظامًا شاسعًا من الوصلات القشرية، يسمح بتنظيم الأغراض العقلية تنظيمًا مرنًا لتخدم أهدافًا جديدة» (ص٣٠١) ليس فقط في الفكر الواعي، ولكن في الاستكشافات الفنية كذلك.
(١١) توصَّل إن آن تشينويث وجون هيز (٢٠٠٣) إلى أن التداخل مع الذاكرة القصيرة المدى يؤثر سلبًا على تدفُّق الكتابة؛ حيث يميل الكُتَّاب المبتدئون أثناء الكتابة إلى التأثُّر بذاكرتهم القصيرة المدى ذات سعة التخزين المحدودة لآخر جملة كتبوها، وليس بخطة عامة للموضوع؛ انظر كذلك دراسة تييري أوليف (٢٠٠٤).
(١٢) رونالد كيلوج (١٩٩٤) و(٢٠٠١) هو صاحب نظرية أن المعرفة الأعمق بالموضوع تنعكس إيجابًا على تدفُّق الكتابة عنه.
(١٣) يمكن استخدام وسائل متنوعة لدراسة المصادر اللاواعية في الأعمال الأدبية، وتشمل هذه الوسائل ما يقوله المؤلِّفون عن أنفسهم في اللقاءات، والأساليب الحسابية (وتسمَّى أسلوبيات المتون) لدراسة متون الأعمال التي يُبدعها المؤلِّفون. وقد حلَّل كلٌّ من مايا دجيكيك وكيث أوتلي وجوردان بيترسون (٢٠٠٦) مجموعة من اللقاءات لكُتَّاب مبدعين معروفين، ولعلماء فيزياء معروفين، ووجدْنا أن الكُتَّاب منشغلون بالمشاعر السلبية أكثر من علماء الفيزياء.
(١٤) أشارت كارولين سبيرجن عام ١٩٣٥ إلى صور شكسبير المتخيَّلة عن الكلاب.
(١٥) يبدو أن الذاكرة الطويلة المدى تتمتَّع بسعة تخزينية لا حدود لها مقارنةً بالسعة المحدودة للذاكرة القصيرة المدى؛ فهي تضمُّ مجموعة الذكريات والمعاني والمفاهيم التخطيطية التي نملكها من النوع الذي درسه فريدريك بارتلِت (١٩٣٢). وقد درس كلٌّ من أندرش إريكسون ووالتر كينتش (١٩٩٥) عملية فهم النصوص، ووجدا أن الخبراء يبنون ما أطلقا عليه اسم الذاكرة العاملة الطويلة المدى، ومن النقاشات المفيدة حول هذا المفهوم، فيما يتعلق بالكتابة، عمل ديبرا ماك-كاتشين (٢٠٠٠) ولوسيل شانكوي ودوني ألمارجو (٢٠٠٢).
الفصل السابع: تأثيرات القصص الخيالية
(١) نبَّهني فرانك هيكمولدر إلى أن الشخصيات في حوارات أفلاطون تتحدَّث كما تتحدَّث الشخصيات في القصص الخيالية؛ أي بأساليب نابعة من شخصياتها، ومن معقولية الحديث، ومن الظروف.
(٢) فكرة أن جوهر القَصص الخيالي يتناول الذوات في العالم الاجتماعي، أو يتناول النيات وتقلُّباتها؛ فكرة سليمة من وجهة نظري، إلا أنها تضع حدودًا فضفاضة للموضوع. يستثني التعريف التقليدي للقصص الخيالية المذكرات والسِّيَر مثلًا، في حين أنها يمكن أن تتناول الأمور نفسها كذلك. وقد اتَّسمت سِير الحياة الحديثة التي كتبتها هيزيل رولي (٢٠٠٦) وكيتي رويفه (٢٠٠٧) وجانيت مالكوم (٢٠٠٧) بجميع الخصائص التي أكتب عنها، ومثلها مذكرات سيباستيان هافنر (٢٠٠٢) عن نشأته في ألمانيا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وعلى العكس من ذلك، تتناول أنواعٌ معينة من كتب الخيال العلمي التكنولوجيا أكثر مما تتناول العالم الاجتماعي.
(٣) افترض إيريك هيفلوك (١٩٦٣) وجاك جودي وإيان وات (١٩٦٣) أن القدرة على القراءة والكتابة لها تأثير تحويليٌّ تمامًا على العقل بإتاحتها التفكير التجريدي. وقد قوَّضت تجربة سيلفيا سكريبنر ومايكل كول (١٩٨١) البنيانَ القويَّ لهذه الفكرة؛ حيث وجدا أن القدرة على التفكير في التجريدات ليست من أثر تعلُّم القراءة والكتابة هكذا، وإنما هي أثر للتعليم من النوع المكتسب في المدرسة. ويُقدِّم كتاب ديفيد أولسون (١٩٩٤) استعراضًا ممتازًا لتاريخ هذه الحركات.
(٤) يتعين على سائقي سيارات الأجرة في لندن اجتياز اختبار (يُسمى «المعرفة») يتعلق بكيفية الوصول من مكان إلى مكان آخر داخل المدينة؛ من أجل استخراج رخصة قيادة سيارة أجرة. وقد درست إلينور ماجواير وزملاؤها (٢٠٠٣) سائقي سيارات الأجرة في لندن، ووجدت أن حجم الحُصَين لديهم كان أكبر مما هو لدى غير سائقي الأجرة، وأن حجمه يرتبط بعدد السنوات المنصرفة في قيادة سيارات الأجرة.
(٥) تناول ريموند مار (٢٠٠٤) وناثان سبرينج وريموند مار وأليس كيم (٢٠٠٩) ومار (٢٠١٠) مسألة المناطق الدماغية المرتبطة بمهارات فهم العالم الاجتماعي التي تُستخدَم كذلك في قراءة القصص الخيالية.
(٦) يقول دولف تسيلمان (١٩٩١) إن الأفلام والأعمال التليفزيونية تنطوي على تمثيلات تفوق المعتاد للمشاعر عبر نطاق من الخبرات أعرض بكثير مما قد نقابله في حياتنا اليومية، ومن الممكن نتيجةً لهذا التعرُّض المضاعَف أن يزداد معدل المشاركة الوجدانية.
(٧) أجرى ريموند مار وكيث أوتلي وجيكوب هيرش وجينيفر ديلا باز وجوردان بيترسون (٢٠٠٦) الدراسة الأولى التي أثبتنا فيها وجود أثر لقراءة القصص الخيالية على القدرات الاجتماعية.
(٨) أجرى سايمون بارون-كوهين وزملاؤه (٢٠٠١) «اختبار الحالة العقلية من الأعين».
(٩)
أجرى ريموند مار وكيث أوتلي وجوردان بيترسون (٢٠٠٩) الدراسة الثانية
التي أثبتنا فيها وجود أثر لقراءة القصص الخيالية على القدرات
الاجتماعية. واستَعَنَّا فيها باختبار قياسي للشخصية لما يُطلَق عليه
السمات الخمس الكبرى: الانبساطية، والعُصابية، والانفتاح، والمقبولية،
ويقظة الضمير. (العامل المتعلِّق بالاهتمام بالآخرين والانسجام معهم هو
المقبولية.) كما أخضعْنا مشاركينا لاختبار الخيال الذي أشار إلى ميلهم
للانجذاب إلى السرديات التخيُّلية.
وكان من نتائج دراستنا، نتائج مكرَّرة لما توصَّلَت إليه دراسات
كثيرة من أن النساء أكثر قراءةً للقصص الخيالية من الرجال؛ مثل
الاستقصاء الذي أجري لهم عام ٢٠٠٨ بعنوان «ارتفاع نسب القراءة»
(٢٠٠٩)، وقد أجرى «الوقف القومي على الفنون» عام ٢٠٠٨، بالتعاون مع
«مكتب تعداد الولايات المتحدة»، مقابلات — عبر الهاتف من حيث الأساس —
مع ١٨٠٠٠ أمريكي من سن ١٨ عامًا فأكبر (بنسبة استجابة بلغت ٨٢٪)، وكان
السؤال: «خلال الاثني عشر شهرًا المنصرمة، هل قرأت (أ) مسرحيات، (ب)
شعرًا، (ﺟ) روايات أو قصصًا قصيرة؟» وباعتبار أن القراءة الأدبية
إجابة موجبة عن أيٍّ من التصنيفات الثلاثة (أ، أو ب، أو ﺟ)، وُجد أن
نسبة ٤١٫٩٪ من الرجال قد قرءوا بعض الأدب، مقارنة بنسبة ٥٨٪ من النساء.
(كانت النسبة الإجمالية للسكان الأمريكيين البالغين الذين قرءوا بعض
الأدب في استقصاء عام ٢٠٠٨ هي ٥٠٫٢٪، وهي تُمثِّل زيادة منذ الاستقصاء
الأسبق لعام ٢٠٠٢ حيث كانت النسبة ٤٦٫٧٪.)
(١٠) على النقيض بعض الشيء مما توصَّل إليه مار وزملاؤه، وجد ميهاي تشيكسينتميهاي وجيريمي هانتر (٢٠٠٣) أن التلاميذ الذين يقضون أوقاتًا أطول في القراءة الحرة يمضون أوقاتًا أقل مع الأصدقاء، وأنه برغم أن تمضية الوقت مع الأصدقاء تكون مرتبطةً بالسعادة في العموم، فإن هذا لا ينطبق على القراءة الحرة. ولكن من الممكن أن تكون هذه النتيجة مقصورة على الأطفال؛ إذ إن نسبة ٥٩٪ من العيِّنة كانوا تلاميذ في الصفين السادس والثامن، بينما كان البقية من الصفَّيْن العاشر والثاني عشر.
(١١) أجرت إيريني تسيكناكي طالبة الدكتوراه لدى فيلي فان بير (انظر فان بير ٢٠٠٨أ) دراسة الذكاء العاطفي على طلاب قسمَي العلوم والدراسات الإنسانية، ويتكرر في هذه الدراسة بعض العوامل الخاضعة للضبط؛ مثل الذكاء العام، وقدْر قراءات القصص الخيالية والواقعية.
(١٢) توصَّلَت أنجيلا بياسون (١٩٩٣) في أطروحتها لنَيل شهادة الدكتوراه إلى نتيجة تؤيِّد ما انتهى إليه فيلي فان بير (٢٠٠٨أ) من أن تدريس الأدب ينتزع الإنسانية من الدراسات الإنسانية؛ حيث توصَّلت إلى ارتباط درجة الاندماج العاطفي لدى طلاب المرحلة الثانوية أثناء قراءة قصتين أدبيتَين قصيرتين ارتباطًا عكسيًّا مع الدرجات المتوَقَّعة للطلاب في مادة اللغة الإنجليزية، وقد فسَّرنا هذه النتيجة بأن الأولوية في تقويم الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية تكون للكفاءة الفنية وليس للاندماج الشخصي.
(١٣) إذا كان القَصص الخيالي يساعد على تحقيق التفاهم الاجتماعي، يثور سؤال حول ما إذا كان ينبغي أن يمتاز كُتَّاب القصص الخيالية بقدرة خاصة على فهم الآخرين وفهم أنفسهم، ويبدو أن هذه الفرضية وجدت ما يدعمها في البحث المكرَّر في أغلبه الذي أجراه جيمس بينِبيكر (١٩٩٧)، وانتهى إلى ثبوت أدلة على وجود خصائص علاجية للكتابة عن المشكلات الوجدانية. وقد أثبَتَ كلٌّ من مايا دجيكيك وكيث أوتلي وجوردان بيترسون (٢٠٠٦) أن كُتَّاب القصص الخيالية ينزعون إلى الكتابة عن شواغلهم الوجدانية، وخصوصًا السلبية. ومن الوارد أن بعض الكُتَّاب يزيدون من فهمهم، غير أنه من غير المعروف عنهم في العموم الوصول إلى حالات من الرضا أو من اللياقة الاجتماعية. وعلى الرغم من أن هذه المسألة لم تخضع لبحث كافٍ، يبدو أن الكثير من كُتَّاب القصص الخيالية يكتبون بالفعل من منطلَق معاناتهم في حياتهم الوجدانية. وربما يبدأ الكثيرون منهم من منطلَق يبعد عن هذا النطاق؛ ولذلك على الرغم من أن كُتَّاب القصص الخيالية يُحقِّقون مكاسب لأنفسهم، فليس بالضرورة أنهم يبلون بلاءً أفضل مقارنةً بالأشخاص الذين لا يكتبون.
(١٤) أجرت مايا دجيكيك وكيث أوتلي وسارة زويترمان وجوردان بيترسون (٢٠٠٩أ) الورقة البحثية التي تناولت تغيُّرات الشخصية الناتجة عن قراءة قصة أنطون تشيخوف «السيدة صاحبة الكلب الصغير» أو نسخة منها في شكل واقعي. وقد قيست الشخصيات من حيث السمات الخمس الكبرى للشخصية: الانبساطية، والعُصابية، والانفتاح، والمقبولية، ويقظة الضمير.
(١٥) أجرى فرانك هيكمولدر (٢٠٠٠) دراسةً سابِقَةً لدراسة دجيكيك وزملائها (٢٠٠٩أ) كلَّف فيها المشاركين بقراءةِ واحدةٍ من قصتين قصيرتين؛ إحداهما لآن بيتي، والأخرى لأنطون تشيخوف. ضمَّت كلتا القصتين بطلةً في علاقة غرامية، وقد أدخل هيكمولدر بعض التغييرات على القصتين؛ بحيث أصبحت كلٌّ منهما معروضةً إما من وجهة نظر البطلة أو العكس، ومع نهاية إما سعيدة أو حزينة. ولاحظ هيكمولدر حدوث تغيُّر بالنسبة إلى قصة بيتي — ولكن ليس مع قصة تشيخوف — في نظرة القُرَّاء الذكور (وليس الإناث)؛ إذ أصبح المشاركون الذين قرءوا النسخة المعروضة من وجهة نظر البطلة أشبه بالبطلة في وجهات نظرهم. ويناقش هيكمولدر نتائج دراسته في إطار نظرية الذات الممكنة لهيزيل ماركوس وبولا نورياس (١٩٨٦).
(١٦) توصَّل مارك سيستير وميلاني جرين (٢٠١٠) إلى أن التماهي مع الشخصيات في مقاطع الأفلام يُحدِث تغيُّرات لدى المشاهدين؛ إذ يجعلهم يشعرون — ولو مؤقتًّا — وكأنهم أشبه بالشخصيات التي شاهدوها.
(١٧)
يُعَد مقدار الحديث الذي يتلقَّاه الأطفال من أمهاتهم أو القائمين على
رعايتهم بخصوص حالات الأشخاص العقلية؛ أي بخصوص الرغبة في شيء ما، أو
التفكير أو الشعور، من العوامل المهمة التي تساهم في نظرية العقل لدى
الأطفال. وقد فحص تيد رافمان وزملاؤه (٢٠٠٢) العلاقة بين محتوى حديث
الأمَّهات ونظرية العقل لدى أطفالهم ثلاث مرات على مدار عام. وفي كل مرة،
كان يُطلَب من الأمهات وصف بعض الصور لأطفالهم، وفي كل مرة كان مقدار حديث
الأم عن الحالات العقلية يُنبئ بفهم الأطفال لنظرية العقل لاحقًا، وهو ما
تكرَّر حتى مع ضبط عاملَي أعمار الأطفال وقدراتهم اللغوية.
كذلك، طلبت كيمبرلي رايت كاسيدي وزملاؤها (١٩٩٨) من آباء مجموعة من
الأطفال في سنِّ ما قبل المدرسة أن يُدوِّنوا لمدة أسبوع أسماء الكتب التي
يقرءونها على أطفالهم الصغار أو التي يقرؤها الأطفال بأنفسهم، ثم خضعت هذه
الكتب للتحليل لاستخراج الحديث المتعلق بالحالات العقلية فيها، ووُجد أن
ما نسبته ٧٨٪ من الكتب احتوى على لغة معبِّرة عن الحالات النفسية الداخلية،
بينما ضمَّ ٣٤٪ منها شخصيات تؤمن بشيء ما يتَّضح أنه غير سليم، وشملت ٤٣٪
منها صفات للشخصيات. ومن ثَمَّ، فإن دفع الأطفال للتفكير في عقول الآخرين
لا يقتصر على حديث الأمهات فقط، وإنما تساهم فيه كتب الأطفال أيضًا.
وفي دراسة أخرى، حلَّلَت جينيفر داير وزملاؤها (٢٠٠٠) ٩٠ كتابًا مخصصًا
للأطفال من سن الثالثة إلى الرابعة، ومن سن الخامسة إلى السادسة، ووجدت
أن الإشارات إلى الحالات العقلية، كالتفكير والرغبة في شيء والشعور،
تكرَّرت كل ثلاث جمل تقريبًا.
(١٨)
طلبت جوان أدريان وزملاؤها (٢٠٠٥) من مجموعة من الأمهات قراءة أربعة كتب
مصوَّرَة لأطفالهنَّ البالغين من العمر أربع سنوات وخمس سنوات، وأن
يُحدِّثنهم عن الصور والقصص الموجودة في الكتب، ويرتبط عدد المرات التي
يقرأ فيها الوالدان القصص المصوَّرة في المنزل، وعدد مرات استخدام الأم
لتعبيرات الحالات العقلية أثناء سرد الكتب المصوَّرَة على أطفالهن في
المختبر ارتباطًا وثيقًا بقدرات الأطفال في المهام المتعلِّقة بنظرية
العقل (بعد ضبط عوامل كالسن ونسبة الذكاء).
وجدت دوريت أرام وسيجاليت أفيرام (٢٠٠٩) أن مهارة الأم في اختيار الكتب
لقراءتها على أطفالها في مرحلة ما قبل المدرسة هي العامل الأكثر ارتباطًا
بالمشاركة الوجدانية والتطور الاجتماعي لدى هؤلاء الأطفال.
(١٩) انظر أيضًا بيتر ديكسون وماريسا بورتولوسي، ٢٠٠٤.
(٢٠) كتب جيروم ستولنيتز (١٩٩١) في مقالٍ لاذع أن تأثيرات الفن — على قِدَمه — القصيرة المدى. وتعَدُّ الدراما الإغريقية قوية الأثر كما يقول ستولنيتز، لكن «لا يوجد دليل واحد على أن أريستوفان مثلًا قصَّر الحرب البيلوبونيزية مقدار يوم واحد» (ص٢٠٠). وهو يقول إن تأثير الفن لا يظهر في التاريخ قطعًا. العكس هو الصحيح كما نبَّهني فرانك هيكمولدر؛ فقد بيَّنَت لين هانت (٢٠٠٧)، على سبيل المثال، أن تأثير الفن الأدبي كان بالغًا في تقدُّم حقوق الإنسان في العالم.
(٢١) كان شتاينر مصيبًا في رؤيته أن أزمة الحرب العالمية الثانية لا تخصُّ ألمانيا وحدها، ولكنها تمس الحضارة كلها، إلا أن فيلي فان بير أخبرني أن شتاينر لا يملك دليلًا على تأكيده أن العاملين في معسكر أوشفيتز كانوا مثقَّفين في الفنون أو أنهم اعتادوا قراءة أعمال جوته أو ريلكه. للتعمُّق في هذا الموضوع أعَدْتُ قراءة كتاب «رجال عاديون» لكريستوفر براونينج (١٩٩٢) حول الكتيبة ١٠١ التابعة لشرطة النظام العام الألمانية، الذين شكلوا فِرَق قَتلٍ في بولندا، وتتوفَّر عنهم معلومات أكثر من تلك المتوفِّرة عن العاملين في معسكر أوشفيتز. وقد بنى براونينج أغلب أبحاثه لهذا الكتاب على التحقيقات القضائية مع ١٢٥ رجلًا من أصل ٤٨٦ رجلًا كانوا في الكتيبة. الجدير ذكره أنه لم يصل إلَّا جزء من ضباط الفرقة البالغين أحد عشر ضابطًا إلى مرحلة التعليم الثانوي، أما الجنود فكان أغلبهم من الطبقة العاملة في هامبورج، وكان متوسِّط أعمارهم ٣٩ عامًا. ولم يتلقَّ أيٌّ منهم تقريبًا أيَّ تعليم بعد سن الخامسة عشرة، عدا التدريب المِهَني. وفي عام ١٩٤٢، وبعد تجنيدهم بعامين ونصف العام، أصبحت وظيفتهم هي ذبح اليهود في البلدات والقرى البولندية. ويُقارِن براونينج بينهم وبين المشاركين في تجربة سجن ستانفورد التي أجراها فيليب زيمباردو (٢٠٠٧) التي استُقطِب المشاركون فيها عن طريق إعلان في جريدة محلية في ولاية كاليفورنيا، وكُلِّفوا بلعب دور الحراس في نموذج لسجن (وكلِّف عددٌ مساوٍ عشوائيًّا بلعب دور المساجين). والمثير هو التزام حوالي ٨٠٪ من أفراد شرطة النظام العام والحُرَّاس في تجربة محاكاة السجن بما تقتضيه أدوارهم، بينما استمتَعت نسبة كبيرة بسُلطتها الجديدة وأصبحت قاسية. (في تجربة السجن ظلَّ حوالي ثلث الحراس يخترعون أشكالًا جديدة من القسوة والمضايقات.) وقد رفض ما بين ١٠٪ و٢٠٪ من أفراد كتيبة شرطة النظام العام المشاركة في عمليات الإعدام رميًا بالرصاص، وبالمثل راعى اثنان من بين الحراس الأحد عشر في تجربة محاكاة السجن المساجين في تصرُّفاتهم. ويُذكَر هنا أنه من بين المتطوعين السبعين للتجربة، استُبعِد الأشخاص المصابون باضطرابات نفسية أو مَن كانت لهم سوابق إجرامية أو تتعلق بالمخدرات، واختير ٢٤ شخصًا فقط للمشاركة في الدراسة: فكانوا الأكثر استقرارًا وصحةً نفسيةً، وكانوا جميعًا طلابًا جامعيين. ولم يتمكَّن زيمباردو من التنبُّؤ من اختبارات الشخصية المبدئية بأيٍّ من هؤلاء المشاركين يُحتمل أن يتصرَّف بطريقة مختلفة. وتشير مؤشرات الانتشار إلى أن ما يقرب من ٥٫٨٪ من الرجال (من السكان الأمريكيين) مصابون بالاضطراب النفسي المعروف باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؛ كونهم ضحية عوامل وراثية وسوء معاملة الوالدَين عمومًا، ويميلون إلى العنف تجاه الأشخاص الآخرين طوال حياتهم (انظر على سبيل المثال أوتلي وكِلتنر وجينكينز، ٢٠٠٦). ولكن لا يوجد تفسير معروف لتحوُّل بعض الرجال العاديين إلى القسوة حين يوضعون في مواقع سلطة. كما لا تتوافر أدلة تجريبية حول تأثير الأدب على الأشخاص الذين يُشاركون في لعب أدوار مجتمعية؛ مثل الشرطة، تستلزم الإجبار والقهر.
(٢٢) يُعَد كتاب ريتشارد إيفانز (٢٠٠٤) أفضل الروايات التاريخية الحديثة التي أعرفها حول أسباب تبنِّي ألمانيا للنازية، وقد لَحَظ الصحفي سيباستيان هافنر (١٩٤٠)، حتى منذ عام ١٩٣٩، أن النازيين الأقحاح لم يكونوا من مؤيدي أي برامج سياسية، ولكنهم كانوا رجالًا ينتمون لنوع معيَّن من الشخصية (من الممكن أن نُطلِق عليها اليوم الشخصية المضطربة المعادية للمجتمع).
(٢٣) تناقش مارثا نوسباوم (١٩٩٤) مسألة الارتقاء من وجهة نظر المدارس الفلسفية الإغريقية التي بدأت مع أفلاطون وأرسطو. وقد شملت هذا المدارس الأبيقوريين والرواقيين الذين رأوا أن الفلسفة — التي كانت القراءة في القلب منها — لا تتعلق في الأساس بالاستيعاب المفاهيمي؛ ولكن بكيفية الارتقاء بالذات والعثور على دواء للروح.
(٢٤) أجرى كلٌّ من ديبورا برينتيس وريتشارد جيريج ودانييل بيليس (١٩٩٧) التجربة التي أوضحَت أن القَصص الخيالي قادر على دفع الناس لتصديق أشياء غير حقيقية.
(٢٥) حجم الأعمال المتعلِّقة بالتأثيرات المحتملة للعنف والمحتوى الجنسي في وسائل الإعلام ضخم، وليس هذا معرض مناقشتها. ومن المقالات الحديثة بخصوص هذا الموضوع مقال بول بوكسر وزملائه (٢٠٠٩) حول تأثيرات العنف في وسائل الإعلام على المراهقين، ومقال ديبورا فيشر وزملائها (٢٠٠٩) حول تأثيرات المحتوى الجنسي في التليفزيون على المراهقين. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول مدى قطعية هذه الأبحاث، تظلُّ دواعي القلق قائمةً حول التأثيرات الضارة المحتمَلة لبعض أشكال القصص الخيالية.
(٢٦) أوضح لي برايان بويد أن قائمة الموضوعات الاجتماعية الأربعة المحتملة النفع التي وضعْتُها تقييدية ومحدودة، واقترح أن الأدب قادر على تمكيننا من التفكُّر بتعمُّق أكبر في القضايا المطلَقَة، ودعوتنا لملاحظة العالم الطبيعي ملاحظة أفضل، والتنقُّل بسرعة خاطفة في عوالم خيالنا، والانتقال من صورة لأخرى ومن نبرة لأخرى بأساليب لا تقتصِر على الناحية الاجتماعية فقط. وبالرغم من أهمية هذه الاقتراحات، فإن مقصدي هو أن القصص الخيالية اجتماعية في الأساس.
(٢٧) كان الأدب مهمًّا في القضاء على العبودية في الغرب، ومن الكتب المهمَّة السيرة الصادرة عام ١٧٨٩ عن حياة أولودا إكويانو الذي أُسِر من أفريقيا، ونُقل إلى العالم الجديد ليكون عبدًا، وتعدَّدت أسفاره، وحظيَ بتعليم جيد، واشترى حريته، واستقرَّ في لندن. وتروي سيرته الذاتية — المكتوبة بأسلوب نثريٍّ بديع يُضاهي أسلوب الدكتور صامويل جونسون — قصةً مؤثِّرة حول معاملة العبيد. وكان كتابه شعبيًّا للغاية، وصار محرِّكًا قويًّا في بريطانيا للقضاء على تجارة العبيد. وفي الولايات المتحدة، يُحسَب لرواية هارييت بيتشر ستو «كوخ العم توم» عام ١٨٥٢ تأثيرات مماثلة في القضاء على العبودية.
(٢٨) يمكن الربط بين تأثير المرآة الذي يُمكِّن جوموف من رؤية نفسه كما يراه الآخرون وبين فكرة هاملت (التي ناقشتُها في الفصل الأول) عن المسرحية داخل مسرحية في «هاملت»، بوصفها قادرةً على رفع مرآة أمام كلوديوس ليرى ظلَّه (انعكاسه)، ويرى نفسه كما يراه الآخرون.
(٢٩) هل يحدث الانتقال داخل القصة حين تكون المادة جديدة فقط؟ طرحت ميلاني جرين وزملاؤها (٢٠٠٨) هذا السؤال في دراسة استُقْطِب المشاركون فيها من جماهير السينما أثناء مغادرتهم قاعات العرض بعد مشاهدة فيلم «هاري بوتر» أو «سيد الخواتم». وقد أبدى المشاهدون الذين سبق أن قرءوا الكتاب المقتبَس منه الفيلم تأثُّرًا أقوى بظاهرة الانتقال داخل عالم القصة. ولعلَّ السبب في ذلك أن الأشخاص الذين قرءوا الكتب يُحتمل أنهم كانوا من المعجبين بالفعل بهاري بوتر، أو سكان العالم الذي أبدعه تولكين، ولهذا أجرى الباحِثون تجربة حضر فيها المشاركون إلى المختبر مرتين، وعُرِضَت عليهم في الزيارتين الأحداث نفسها، في صورة نصية أو مصوَّرَة. واتَّضَح أن قراءة مقطع من القصة ثم مشاهدة النسخة المصوَّرَة من الأحداث ذاتها أحدثَت أعلى درجة من تأثير الانتقال، بينما نتج عن مشاهدة المقطع المصوَّر ذاته مرتين أقلُّ قدرٍ من تأثير الانتقال (ولم يظهر أي تغيُّر في درجة الانتقال بين الجلستَين عند المشاهدة متبوعة بالقراءة، والقراءة متبوعة بإعادة القراءة). ربما تُتيح القراءة المزيد من التفكُّر، ومن ثَم عند مشاهدة فيلم للأحداث ذاتها بعد القراءة يكون المشاهد قد هُيِّئ لملاحظة مزيد من الأشياء المختلفة، والتفاعل معها بعمق.
(٣٠)
أكَّدَت سونيا دال سين وزملاؤها (٢٠٠٤) أن للانتقال تأثيرًا فعَّالًا
في إقناع الأشخاص باعتناق المعتقدات، ووجدت في دراسات تجريبية أن
تصوير التدخين في الأفلام أثَّر على المعتقدات والتقديرات المتعلِّقة
بالتدخين، وكذلك توصَّلَت في دراسة جماعية ممتدَّة إلى أن المراهقين
الذين شاهدوا شخصيات تُدخِّن في الأفلام كانوا أكثر عُرضَةً
للتدخين.
كذلك أجْرَت جين تساي وزملاؤها (٢٠٠٧) دراسة حول حثِّ التفضيلات لدى
الأطفال عن طريق القراءة؛ إذ يختلف أسلوب تقويم الحالات الشعورية باختلاف
الثقافات، وقد وجدت تساي وزملاؤها أنه بينما تُقدَّر حالات التحمُّس
والسعادة لدى أطفال ما قبل المدرسة الأمريكيين الأوروبيين، تُقدَّر حالات
الهدوء لدى أطفال ما قبل المدرسة في تايوان. ووجدوا أيضًا أن هذا التفضيل
نفسه كان ظاهرًا في كتب الأطفال المصوَّرَة؛ إذ عرضت الصور في الكتب
المصوَّرَة في الولايات المتحدة تعابير وأنشطة حماسية أكثر مما عرضته
الكتب المصوَّرَة التايوانية. وتوصَّل هؤلاء الباحثون بجانب ذلك إلى أن
تعريض الأطفال لقصصٍ ذات طابع حماسي أو هادئ قد غيَّر تفضيلاتهم تجاه
الحالات المتحمِّسة أو الهادئة، وأن هذه النتيجة تكرَّرت لدى الأطفال
الأمريكيين والتايوانيين.
(٣١) أجرى كلٌّ من آمبر راينهارت وتوماس فيلي (٢٠٠٧) تحليلًا تجميعيًّا للدراسات التي تُقارِن بين الإقناع عن طريق السرد والإقناع من خلال الأدلة الإحصائية، ويقول ملخَّص التحليل: «أجرِيَ تحليل تجميعي عشوائي ﻟ ٢٢ دراسة، قُورِنَت فيه الرسائل السردية بالرسائل الإحصائية. وعند فحص قياسات النتائج، كلٍّ على حدة، اتَّضح أن الرسائل السردية كانت أكثر إقناعًا من الرسائل الإحصائية، معامل ارتباط = ٠٫٠٩٩، احتمالية = ٠٫٠١٥.»
(٣٢)
يُقصد بنظرية العالَم العادل في علم النفس الاجتماعي الاعتقاد بعدالة
العالم، وقد قاس ماركوس أبل (٢٠٠٨) معتقدات مشاهدي التليفزيون بخصوص
نظرية العالَم العادل، ومقابلها نظرية العالَم المخيف، وطلب كذلك معرفة عدد
ساعات المشاهدة اليومية للتلفاز في ١٩ نوعًا مختلفًا من البرامج ضمَّت
برامج تتناول موضوعات واقعية كنشرة الأخبار، وأربعة أنواع مختلفة من برامج
القصص الخيالية. ووجد أن قدر مشاهدة التليفزيون بوجه عام يُنبئ بمدى
قوة إيمان الأشخاص بأن العالم مكان مخيف، وهذا مفهوم؛ لأن أغلب البرامج
التليفزيونية — وخاصة نشرة الأخبار — تُظهر ضحايا العنف والمرض والكوارث.
ولكنه وجد كذلك أن الأشخاص الذين قضوا فترات أطول في مشاهدة برامج تتناول
موضوعات قصص خيالي كان إيمانهم أقوى بكثير بفكرة عدالة العالم؛ يقول
فرانك كيرمود (١٩٦٦) إن القَصص الخيالي هو إحدى الطرق التي نسعى من خلالها
للتوصُّل إلى معنًى للعالم، وإن فكرة العدالة التي يُصوِّرها على سبيل
المثال العديد من القصص التليفزيونية البوليسية والحوارية القانونية وإصدار
الأحكام تُعطي هذا النوع من صنع المعنى.
ولكن هل يعني ذلك أن القَصص الخيالي المتَلفَز يعكس صورة تفاؤلية
مضلِّلَة عن العالم من النوع الذي دافع عنه الدكتور بانجلوس في رواية
«كانديد» لفولتير (١٧٥٩)؟ هذا وارد أحيانًا. ولكن إذا تأملنا نوعين من
البرامج التليفزيونية — نشرات الأخبار والقصص الخيالية — فقد نجد أن النوع
الأول يعمل على استدعاء مشاعر المشاركة الوجدانية داخلنا مع هؤلاء
المبتلَيْن بالأحداث المروِّعة بأسلوب أكثر وضوحًا وصراحةً وأكثر انتشارًا
اليوم، مقارنةً بما كان قبل مائة عام، بينما يُقدِّم الآخر نماذج لطريقة
رؤيتنا للقسوة والطغيان والظلم.
(٣٣) من الدراسات التجريبية المتعلِّقة بفكرة أن الأدب يُعزِّز التعاطف دراسة أجراها فيلي فان بير وباندر مات (١٩٩٦) اكتشفا فيها تأثُّر مشاعر التعاطُف لدى القُرَّاء مع الشخصيات المختلفة في قصة قصيرة تتناول خلافًا زوجيًّا نتيجة وجهة النظر التي كُتِبَت بها القصة.
(٣٤)
صدرت أطروحة فرانك هيكمولدر لنيل درجة الدكتوراه في كتاب (٢٠٠٠)، وقد
وجد هيكمولدر في إحدى دراساته مستوًى منخفِضًا من التسامح مع الأعراف
السائدة بين الطلاب الذين قرءوا قصة خيالية ولديهم تعليمات بأن يضعوا
أنفسهم محل البطلة في القصة أثناء القراءة، مقارنةً مع الآخرين الذين
طُلب منهم قراءة القصة دون هذه التعليمات، ولكن طُلب منهم إبراز بنية
النص باستخدام قلم رصاص.
وفحصت بيتسي بالوك (٢٠٠٩) في دراسة ميدانية حول الموضوع نفسه تأثيرات
استماع الأطفال في بعض المجتمَعات في رواندا لنوعين من المسلسلات
الإذاعية؛ أحدهما عن الصحة، والآخر يهدف إلى تقليل التحيُّز والتعصُّب،
ووُجد أن المجموعة التي استمعت إلى البرامج المصمَّمة لتقليل التحيُّز
قد غيَّرَت من نظرتها وسلوكها نحو مزيد من الاحترام للزواج بين الأعراق
والديانات المختلفة، ومزيد من المشاركة الوجدانية، ومزيد من التعاون،
مقارنةً بالمجموعة التي استمعت إلى البرامج الصحية.
(٣٥) «مسرح المنتدى» هو نوع من المسرحيات ابتدعه أوجوستو بولا، وكان الغرض منه رفع مستوى الوعي بالعلاقات بين المستبدِّين والمضطهَدين، وكذلك إمكانيات تجنُّب العواقب المؤلمة لتلك العلاقة.
الفصل الثامن: الحديث عن القصص الخيالية
(١) أجرى برنارد ريمي (٢٠٠٩) سلسلة دراسات طلب فيها من المشاركين أن يُدوِّنوا مع نهاية كل يوم في يوميات على هيئة استبيانات أي مشاعر مرُّوا بها خلال اليوم، وطلب منهم توضيح ما إذا كانوا أخبروا أي شخص عن مشاعرهم هذه عن طريق الحوار. ووجد أن ٩٠٪ من المشاعر التي كانت بارزةً بما يكفي ليتذكرها المشاركون قد حدَّثوا بها شخصًا آخر أو أكثر.
(٢) قدَّم هارولد بلوم عرضًا جيدًا للقائمة الغربية للأعمال الأدبية النموذجية (١٩٩٤). من الأهمية بمكان وجود أسئلة تجريبية أفضل من غيرها حول ماهية الأدب، ويضمُّ كتاب «جودة الأدب» الذي حرَّرَه فيلي فان بير (٢٠٠٨) مناقشات لها.
(٣) أشهر الكتب المرجعية لحركة النُّقَّاد الجدد من تأليف كلينث بروكس وروبرت بين وارين (١٩٣٨) و(١٩٥٩).
(٥) اختارت زازي تود ٣٠ رواية معاصرة، وعقدت ثلاثة نقاشات (عن ثلاث روايات منفصلة) لسبع مجموعات تتكوَّن الواحدة منها من سبعة أفراد أو ثمانية، اختيروا عن طريق الرسائل الإخبارية والمقالات الصحفية في الجرائد، وحلَّلَت نصوص النقاشات الواحد والعشرين التي عُقدت ودام كلٌّ منها أقل من الساعة بقليل.
(٦) اشترك كلٌّ من جين تراونستين وروبرت واكسلر (٢٠٠٥) في تأليف كتاب بعنوان «تغيير الحياة من خلال الأدب»، علاوةً على روايات شخصية لكلٍّ من تراونستين (٢٠٠٠) وواكسلر (٢٠٠٠). وقد قوَّم روجر جرجورا وسوزان كرومهولتس (١٩٩٨) المشروع من خلال عيِّنة مكوَّنة من ٧٢ شابًّا من معاودي الإجرام الذين صدرت ضدَّهم أحكام مع إيقاف التنفيذ. وخضع ٣٢ من هؤلاء الشبان في مجموعة برنامج «تغيير الحياة من خلال الأدب» (من خلال أربعة فصول، يتكوَّن كلٌّ منها من ٨ أشخاص، أقيمت فيها ندوات أدبية وموضوعات أخرى). بينما لم يخضع ٤٠ آخرون لديهم سجلات جنائية مماثلة للبرنامج في مجموعة المقارنة. وخلال مدة الدراسة، ارتكب ستة من الرجال في مجموعة البرنامج (١٨٫٧٥٪) مزيدًا من الجرائم، بينما عاود ١٨ رجلًا في مجموعة المقارنة (٤٥٪) ارتكاب الجرائم. وعلى الرغم من أن هذه النتيجة مبشِّرة، فإن الدراسة خلت من التحليلات الإحصائية، كما أحاط الغموض بالمكوِّنات النشطة للبرنامج.
(٧) تشي النتيجة التي توصَّلت إليها سوزان نيومان (١٩٩٦)، ومفادها أن لغة الأطفال تتحسَّن حين يقرأ الآباء عليهم القصص، بأنه من المرجَّح أن تساعد الحركات الشبيهة لبرنامج «الأدب من أجل الحياة» على تنمية تعلُّم القراءة والكتابة؛ بحيث لا تقتصر ثقافة تعلُّم القراءة والكتابة على الأمهات الشابات اللاتي يحضرن حلقات القراءة فقط، ولكن تشمل أطفالَهنَّ أيضًا.
(٨) تعطي جوان سوان ودانييل ألينجتون (٢٠٠٩) أمثلة لكيفية حدوث النقاشات الأدبية وإدارة العلاقات جنبًا إلى جنب في جماعات القراءة.
(٩) وجدت زازي تود (٢٠٠٨) في دراستها لجماعات القراءة أن المشاركين استخدموا الحبكة مرتكَزًا لنقاشاتهم.
(١٠) توصَّلَت زازي تود (٢٠٠٨) لبعض الأدلة على ما يُسمِّيه ديفيد مِيول ودونالد كويكن (٢٠٠٢) مشاعر تغيير الذات، التي تحدُث فيها الذكريات الشعورية، ونتيجةً للقراءة يُغيِّر القُرَّاء كيفية تأثُّرهم بتداعيات الذكريات.
(١١) ينصح تيموثي سبيرجين (٢٠٠٩) في تعليقه على قصة «السيدة صاحبة الكلب الصغير» أنْ نُراقب — نحن القُرَّاء — مشاعرنا مع تقدُّمنا في قراءة القصة. ويقول إننا في البداية نقرأ أن جوموف قد خان زوجته مرارًا؛ أي إنه شخص فاسد وسطحي، وقد نتساءل عما إذا كان سيُقيم علاقة غرامية جديدة — وهو ما يفعله — ونتساءل عن الاختلاف الذي سيحدث هذه المرة؟ هل سيكون هو الشخص الذي تهجره عشيقته؟ يقترح سبيرجين أنه بالتوازي مع النضج العاطفي الذي يحدث لشخصية جوموف بتعاطفه مع آنا، ننضج نحن القُرَّاء عاطفيًّا كذلك؛ لاستطاعتنا التعاطُف مع جوموف. ويتوصل سبيرجين في محاضراته كذلك إلى نتائج حول التوازي الذي يحدث بين الشخصيات الأدبية وبين أنفسنا أثناء القراءة، كما في هذه القصة لتشيخوف، وحول علاقة الشراكة بين الكاتب والقارئ، وتتشابه نتائجه تلك مع النتائج التي أتوصَّل إليها في هذا الكتاب.