الرسالة السرية

كانت مفاجأةً ﻟ «تختخ» حضور الأصدقاء، ومعهم الحمامة، والقصة المثيرة عن الأولاد الثلاثة الذين كادوا يضربون «لوزة» لأنها منعتهم من الوصول إلى الحمامة … والرسالة الموضوعة في غلاف المعدِن الرقيق المعلَّق في ساق الحمامة … وعندما عرض عليه الأصدقاء الخلاف الذي بينهم عن فتح الرسالة جلس في فراشه، وأمسك الحمامة وقال: إنها حمامة من النوع الزاجل فعلًا، وهو عادةً أبيض أو أزرق، وحجمه أكبر من حجم الحمام العادي … وهذه الحمامة تحتاج إلى رعاية سريعة فجناحها مكسور، ولا بد من وضعه في الجبس.

لوزة: هل نُجبِّس لها جناحها مثلما نُجبِّس ذراع إنسان؟

تختخ: بالضبط … مع فارق الحجم طبعًا، ونحن نحتاج إلى جبيرة من عيدان الكبريت وبعض الجبس … أرجو أن تذهب يا «محب» وتشتري لنا بقرش جبسًا من أقرب مكان، وتستطيع أخذ دراجتي.

أسرع «محب» لشراء الجبس، وأسرعت «لوزة» لإحضار علبة كبريت من المطبخ، وقالت «نوسة»: والآن ما رأيك يا «تختخ» هل نفتح الرسالة أم لا نفتحها؟

تختخ: أرى أن نفتح الرسالة … فقد نعرف اسم المرسل إليه فنرسلها له؛ لأن هذه الحمامة لن تستطيع الطيران الآن، وستمضي مدة قبل أن تستطيع العودة إلى الطيران … فإذا كان في الرسالة خبر عاجل شاركنا في تنفيذه، وإذا كان في الرسالة شر شاركنا في إيقافه.

وطلب «تختخ» من «عاطف» إحضار قفص العصافير الفارغ من الشرفة، فوضع فيه الحمامة بعد أن أخذ الرسالة، ووضعت «نوسة» للحمامة بعض الطعام والماء.

والتفَّ الأصدقاء حول «تختخ» الذي فتح الرسالة، فإذا بها من ورق أبيض رقيق، وقد كُتبت بقلم من الحبر الجاف … وأخذ «تختخ» يقرأ الرسالة؛ فكانت أغرب ممَّا توقَّعوا جميعًا:

لم تظرف المعوت المكبرت، وأنا أعلم أنك ضربت الورق العريض وأنا مشلف، وليس معي فار مولع. فإذا لم تحصص الأبيج فسوف أخبر البزرجي … ولا تنسَ إرسال البغبغان والمزنقرة على البطاطس، ولا تنسَ أن الشليه عندي.

المشنبت

أخذ الأصدقاء ينظرون إلى «تختخ» وهو ينظر إليهم في استغراب شديد؛ فقد كان ما سمعوه أقرب إلى اللغز أكثر من أي شيء آخر، برغم أنه مكتوب باللغة العربية.

ووصل «محب» في هذه اللحظة، ففوجئ بالأصدقاء وهم ينظرون إليه في بله شديد. قال «محب»: ماذا حدث؟ إن منظركم كمن وقعت عليه صاعقة!

عاطف: الحقيقة أنها صاعقة حقًّا، لقد فتحنا الرسالة وقرأناها فلم نفهم منها حرفًا واحدًا!

محب: لماذا؟ هل هي مكتوبة باللغة الصينية مثلًا؟!

عاطف: أبدًا … باللغة العربية.

محب: إذن ما المشكلة؟

ودون أن ينطق «تختخ» أعطى الرسالة إلى «محب» وطلب منه أن يقرأها بصوت مرتفع هو الآخر.

أعاد «محب» قراءة الرسالة بصوت مرتفع، ومرةً أخرى تبادل الأصدقاء النظرات … فهم جميعًا لم يفهموا حرفًا واحدًا منها!

وأخذ «تختخ» يُعد جبيرةً لجناح الحمامة المكسور، وفي نفس الوقت تبادل الأصدقاء الآراء حول الرسالة.

قال «عاطف»: برغم أنني لم أفهم شيئًا واضحًا في الرسالة، إلَّا أنه من الواضح أنها رسالة تهديد من المرسِل إلى المرسَل إليه، فهو يطلب منه أشياء معينةً إذا لم يُنفِّذها؛ فسيوقع به المرسِل عقابًا ما.

تختخ: هذا الاستنتاج صحيح. وهناك كلمات تدل عليه مثل: إذا لم … فسوف أخبر، وهذا يُشبه أن نقول لشخص: إذا لم تُحضر ما أخذته فسوف أعاقبك، أو شيء من هذا القبيل.

لوزة: هذا معقول، ولكنه لا يؤدي إلى شيء. لقد فهمنا أن شخصًا يُهدِّد شخصًا آخر، ولكن من هو الأول، ومن هو الثاني؟

تختخ: من الصعب طبعًا الإجابة عن هذا السؤال.

لوزة: المهم، هل سنتدخَّل لحل اللغز؟

عاطف: هل اعتبرتيه لغزًا فورًا؟!

محب: طبعًا، إنه لغز لا شك فيه. لقد وصل إلينا من السماء، ولا يُمكن أن نتركه دون أن نحله.

عاطف: وكيف سنحل اللغز، وهذه رسالة مكتوبة بشفرة ما لا يفهمها أحد؟

لوزة: ما معنى شفرة يا «عاطف»؟

عاطف: معناها اتفاق على لغة مُعيَّنة لا يعرفها إلا المتعاملون بها.

لوزة: ألا يمكننا أن نحل هذه الشفرة؟

محب: هناك حل واحد.

نوسة: ما هو؟

محب: أن نتعرَّف على الشخص المرسَلة إليه الرسالة فيشرح لنا الحكاية.

لوزة: كيف نصل إليه؟

محب: ننتظر حتى تُشفى الحمامة، ثم نرسل له رسالةً نقول له إن الرسالة التي كانت مع الحمامة موجودة عندنا، وإذا أراد الحصول عليها فلْيتصل بنا.

تختخ: هذه فكرة طيبة جدًّا، وإن كانت ستأخذ وقتًا حتى تُشفى الحمامة.

لوزة: على كل حال ليس وراءنا شيء نفعله، والانتظار من أجل حل لغز خير من انتظار لا شيء.

عاطف: هناك شيء آخر … إن في الرسالة كلمات نعرف معناها … فهناك مثلًا كلمة «ورق عريض» … «وفار مولع» … و«البغبغان» … و«البطاطس» … فلماذا لا نحاول حل رموز الرسالة بهذه الكلمات المفهومة لنا؟

قال «تختخ» وهو يبتسم: ماذا يمكن أن تفهم من كلمة «فار مولع»؟

لم يستطِع «عاطف» الرد … فماذا يمكن أن يعني كاتب الرسالة من «فار مولع»؟! … شيء لا يمكن استنتاجه.

محب: ليس علينا سوى الانتظار حتى تُشفى الحمامة … فنرسلها بالرسالة إلى الرجل المجهول لعله يحضر … ويشرح لنا معناها.

لوزة: هناك شيء نسيناه؛ أن نتصل بالمفتش «سامي» لعل أجهزة البحث الجنائي تستطيع الوصول إلى حل هذه الشفرة العجيبة.

تختخ: للأسف إن المفتش «سامي» في إجازة في «مرسى مطروح»، ولن يعود قبل عشرة أيام.

عاطف: إذن ليس أمامنا إلا الانتظار حتى تُشفى الحمامة.

وهكذا أخذ الجميع يُعنَون بالحمامة يومًا بعد آخر … وكانوا يجتمعون عند «تختخ» وحول سريره يتحدَّثون ويُحاولون حل شفرة الرسالة، ولكنهم لم يتقدَّموا، وظلَّت الكلمات العجيبة لغزًا لا يمكن حله.

في اليوم السابع، كانت الحمامة قد شُفيت تمامًا، فأعد الأصدقاء الرسالة التي سيُعلِّقونها في ساقها، وكتبها «عاطف» بخط واضح:

إلى الصديق المجهول الذي لا نعرفه …

لقد سقطت هذه الحمامة المصابة في حديقة منزلنا، وقد وجدنا في ساقها رسالةً موجَّهةً إليك، ومعذرةً لأننا لم نستطِع مقاومة الإغراء ففتحنا الرسالة وقرأناها، ولم نفهم منها حرفًا واحدًا، فنرجو أن تتصل برقم ٢٤٣٧٥ وتطلب «عاطف»، وسوف نشرح لك عنوان البيت لتحضر وتتسلَّم الرسالة بعد أن تشرح لنا معناها.

ووضع الأصدقاء الرسالة في الغلاف الرقيق، ثم أطلقوا الحمامة بعد أن ودَّعوها وداعًا حارًّا.

بعد أن انطلقت الحمامة وحلَّقت في الجو قال «عاطف»: هل يُمكن معرفة متى تصل الحمامة إلى صاحبها، ومتى يتصل بنا؟

تختخ: في الحقيقة إن ذلك شيء صعب للغاية؛ فالحمام الزاجل يُمكن أن يعرف طريقه على بُعد ألف كيلومتر، ويُمكنه أن يطير ١٣ ساعةً بسرعة ٦٠ كيلومترًا في الساعة، ولعل هذه الحمامة قد جاءت من مسافة ألف كيلومتر أو تسعمائة أو مائتين أو خمسين، لا أحد يدري، ولعلها طارت ساعةً واحدةً أو خمس ساعات؛ فالمسألة لا يُمكن حسابها أبدًا.

نوسة: إذن مرة أخرى ليس أمامنا إلَّا الانتظار … إن هذا اللغز يحتاج إلى صبر طويل.

وفي المساء غادر الأصدقاء منزل «تختخ» وعادوا إلى منازلهم في انتظار ما تأتي به الأيام أو الساعات القادمة.

مضى الليل دون أن يحدث شيء، وذهب الأصدقاء في الصباح إلى «تختخ»، حيث واصلوا الحديث عن اللغز … وكان من رأي «محب» أن الأحداث سوف تتحرَّك سريعًا … وقد كان محقًّا في حديثه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤