حيًّا … وميتًا!

عاد صوت رقم «صفر» ليقول: قامت جهات الأمن كلها بالبحث عن سيارة الإسعاف المفقودة … ولم يُعثَر لها على أثرٍ … وبالطبع تمَّ حصر جميع سيارات الإسعاف ليس في القاهرة وحدها، ولكن في جمهورية مصر العربية كلها … واتَّضح أنه لم تكن هناك سيارة إسعافٍ رسمية في هذه المنطقة، لا في هذا اليوم … ولا في تلك الساعة …

قال أحد الشياطين معلِّقًا: سيارة مزيفة!

رقم «صفر»: بالضبط … وفي هذه المنطقة، حيث يوجد أكثر من مخبأ طبيعي لهذه السيارة فليس من المستبعَد أنها اختفت في مكانٍ قريبٍ جدًّا من الفندق، وهو كما تعلمون يقع على طريق القاهرة-إسكندرية الصحراوي، وقريبًا من الأهرامات ومن طريق الفيوم … وأيضًا عشرات من المزارع الخاصة … والنوادي الليلية … والمَحاجر والمناجم … ومن الصعب جدًّا البحث في كل هذه المتاهات عن الرجل المخطوف سواء أكان حيًّا أو ميتًا!

سأل «أحمد»: ولكن مَنْ هو الرجل؟!

ردَّ رقم «صفر» على الفور: كنتُ على وشك أن أقول لكم مَن هو الرجل … إنه رجلٌ تُطالب به ثلاث دول، أو فلنَقُل تُطاردُه ثلاث دول … لقد كان جاسوسًا … والجاسوس يمكن أن يكون جاسوسًا لدولةٍ واحدةٍ، ومُمكن أن يكون جاسوسًا لدولتين، يتجسس لكل منهما على الأخرى، وهو ما يُسمى بالعميل المزدوج … أو «الدوبل فاس» … ولكن هذا الجاسوس كان يعمل لحساب ثلاث دول في وقت واحد … وهذا يدلُّ على مدى براعته ودهائه، وفي نفس الوقت على مدى خيانته!

عثمان: إذن فإن إحدى هذه الدول هي التي اختطفته!

رقم «صفر»: هذا ممكنٌ … ولكن كما قلت لكم في بداية هذا الحديث أن عددًا من الأشخاص قد خُطفوا في الفترة الأخيرة بأساليب مُختلفةٍ، ولكن مُتشابهةٌ في نفس الوقت، مما جعلنا نصل إلى استنتاج أن مُنظَّمةً واحدة هي التي تقوم بهذه العمليات!

وصمت رقم «صفر» لحظات ثم قال: ستُوزَّع عليكم نشرة بأوصاف، وصور الجاسوس المخطوف، وكذلك نبذة عن حياته … وسيُشكَّل فريق عمل منكم للسفر إلى القاهرة للبحث عن هذا الجاسوس أو جثته … والكشف عن الذين قاموا بذلك …

وأخذ رقم «صفر» نفَسًا عميقًا ثم قال: هناك ملحوظة هامة … إن بعض الشخصيات التي خُطفت ظهرت بعد ذلك … ولكن لم يَستطِع أحدٌ أن يحصل منهم على أية معلومات تؤدِّي للكشف عن هذه العصابة الغريبة، ومن الواضح أن العصابة تُهدِّدهم بطريقة لا تجعل أيًّا منهم يُفكر في الإدلاء بأية معلومات عنها.

تبادل الشياطين اﻟ «١٣» النظرات … إنها أول قصةٍ من نوعها … أن يَخاف المخطوف بعد الإفراج عنه أن يتحدث عن خاطفيه، ومعنى ذلك أن العصابة تَملك من وسائل التهديد ما يُمكِّنها من البطش بمن تُريد …

وعاد رقم «صفر» يقول: هناك خيطٌ رفيعٌ قد نَستطيع عن طريقه الوصول إلى هذه العصابة، أو على الأقل قد يدلُّنا على مدخلٍ إليها … وهذا الخيط هو سجينٌ في سجن بطريق مصر-إسكندرية الصحراوي …

سأل «خالد»: هل هو أحد أفرد العصابة؟

ردَّ رقم «صفر»: لا … إنه أحد ضحايا العصابة … وبمعنًى آخر … إنه أحد الذين خطفتهم العصابة ثم أفرجَت عنهم.

سؤال آخر: هل هو مصري؟

رقم «صفر»: لا … إنه أجنبي، ولكن يتحدَّث اللغة العربية كأحد أبنائها … وعندما يتم اختيار مجموعة العمل المُسافرة، فسوف يصل لكم تقرير عن هذا الرجل.

ولم يُضِف رقم «صفر» كلمة أخرى … ثم غادر المكان؛ فقد سمع الشياطين صوت خطواته المتثاقلة هي تَبتعِد.

تحدَّث «عثمان» فقال: بالطبع، إنَّ مهمة في القاهرة معناها أن يُسافِر «أحمد» … ولهذا وحتى نُقرِّر سريعًا مجموعة العمل، فإنني أقترح أن يقوم «أحمد» باختيار زملاء المغامرة.

قال «أحمد»: كالعادة، سنُحدِّد فريقَي عمل … ومبدئيًّا سأسافر أنا و«عثمان» و«إلهام» و«بو عمير» … وستكون المجموعة الثانية مُكوَّنة من «فهد» و«زبيدة» و«رشيد» و«خالد»!

ورفع الشياطين أيديهم علامة الموافقة، فضغط «أحمد» على مجموعة أزرار أمامه … وسرعان ما كانت أسماء المجموعتين تظهر في غرفة رقم «صفر» الذي ضغط على زرٍّ واحد أمامه، فظهرت كلمة موافق على لوحة في غرفة الاجتماعات … وهكذا انفضَّ الاجتماع.

بعد ساعتَين من الاجتماع الكبير مع رقم «صفر» كانت مجموعة العمل الأولى تتلقَّى أول تقرير عن القتيل المخطوف … الجاسوس، أو ذي الأوجه الثلاثة، وكان تقريرًا عجيبًا …

وكان هذا نَص التقرير:

«شيك ماير» … رجلٌ بلا جنسيةٍ … فهو عميلُ جوازات سفر مزوَّرةٍ لأكثر من عشرين دولة … وُلِد في مدينة «ستراسبورج» على الحدود السويسرية الفرنسية، واشترك وهو صغير في عمليات سَطوٍ ضمن عصابة «الموتوسيكل» … وهي عصابة من الغلمان استطاعت أن تقوم بعلميات خطيرةٍ رغم صغر سنِّ أفرادها.

قُبض عليه وأُودِع إصلاحية الأحداث حيث تعلَّم الميكانيكا، وأصبح من أمهر المُتعامِلين مع الآلات، سواء السيارات، أو الخزائن، أو الأبواب … واستطاع بهذه الموهبة الفذَّة أن يُخطط لعمليات سطو ضخمة على عشرات البنوك والقصور في مُختلَف أنحاء أوروبا … اشترك في الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥م)؛ حيث حارب ببسالة وحصل على عدة ميداليات ونياشين لبطولته … ولكنه بعد انتهاء الحرب نسيَ ما فعله في ساحة القتال، وعاد إلى حياته السرية في اللصوصية.

كُلِّف بسرقة مجموعة من الوثائق الهامة، ورفض أن يُسلِّمهما للدولة التي طلبتها مقابل نصف مليون دولار، وفضَّل أن يَبيعَها إلى دولةٍ أخرى مقابل مليون دولار، وعندما حصل على هذا المبلغ قضى فترة من حياته مُختفيًا ودون أي نشاطٍ … حتى عاود نشاطه أخيرًا مُفضِّلًا القيام بعمليات لحساب الدولة وليس لحساب الأفراد … فقام بالتجسُّس لحساب الولايات المتحدة على الاتحاد السوفييتي … وبالعكس … ثم قام بالتجسس على الدولتين العُظميَين لحساب دولة ثالثة في أمريكا اللاتينية … وقد منحته الدولة الأخيرة جنسيتها بالإضافة إلى مبلغٍ كبير من المال.

استطاع تزوير عدة جوازات سفر ببراعة نادرة … ولأنه يجيد التفكير فقد استطاع أن يعيش بعيدًا عن الخوف فترة طويلة … ولكن يبدو أن طمعه في مزيد من المال دفعه إلى الأضواء مرة أخرى. إنه كما قلت رجل مُهم … أو … لا أهمية له على الإطلاق. وسأفسر الآن هذه الحقيقة، إنه مُهمٌّ؛ لأنه حصل مؤخرًا على عملية استثمار مصري سعودي مشترك نُقدِّر قيمتها ﺑ ١٥٠ مليون دولار … وإذا نفَّذها بأمانةٍ فإن أرباحه منها تصل إلى ٦ ملايين دولار … ولكنَّ هناك خوفًا من أن يقوم بعملية نصبٍ واسعة النطاق يحصل بمقتضاها على أضعاف هذا المبلغ ثم يفرُّ هاربًا.

وقد يظهر سؤالٌ هامٌّ: كيف ترك الرجل عمليات التجسس، وهي مهنته الأصلية؛ لينقلب إلى رجل أعمال، ويكون غير مُهمٍّ على الإطلاق؟!

أولًا: بالنسبة للنقطة الأولى فليس عندنا معلومات، وبالنسبة للنقطة الثانية، إنه قد لا يكون مهمًّا على الإطلاق؛ لأننا نتوقع ألَّا يكون هو نفس الرجل الذي تحدَّث عنه هذا التقرير … أقصد أنه قد لا يكون «شيك ماير» … وكما عرفنا فإن العصابة التي تقوم بهذه العمليات أحيانًا تقوم بخطف أشخاص لا يُهمنا أمرهم على الإطلاق.

إن «شيك ماير»، وهو الاسم الأصلي لهذا الجاسوس، ليس إلا واحدًا من أكثر من عشرين اسمًا له … والاسم الذي دخل به مصر هو «جيمس فابر» وجنسيته إنجليزية … ومن الممكن ألَّا يكون «شيك ماير» هو «جيمس فابر»، وقد تكون العصابة قد قتلتْه، ثم اختطفته على أساس أنه «شيك ماير»، وقد يتَّضح أنه شخصٌ آخر. إن رجالنا يقومون بمحاولة متابعته منذ خرج من «روما»، وهي آخر مدينة زارها قبل وصوله إلى القاهرة، للتأكُّد من شخصيته … فإذا اتضح أنه «شيك ماير» فعلًا، فإن الوصول إليه سوف يكون مسألةً في غاية الأهمية.

انتهى التقرير، ولكنَّ هناك ملاحظةً أخيرة:

الرجل الذي في السجن، سيصل عنه تقريرٌ موجز إلى «أحمد» عندما يستعد للسفر … إنه الرجل الوحيد الذي يمكن أن يقودنا إلى هذه العصابة أو المنظمة … وإنه لانتصار ضخم للشياطين اﻟ «١٣» أن يحطموا أسطورة هذه المنظمة، التي حيرت كل رجال الشرطة وأجهزة المخابرات في العالم كله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤