بروميثيوس ديسموتيس

بروميثيوس مغلولًا

الأشخاص

  • القوة.
  • القسر.
  • أفيستوس.
  • بروميثيوس.
  • الجوقة: تتألف من العذارى.
  • أكيانوس.
  • أيو.
  • هرميس.

تقع القصة في سيتيا.

الفصل الأول

سرق الإله بروميثيوس النار من السماء وأهداها إلى الناس. فهداهم بذلك إلى جميع الصنائع والفنون، وسخط عليه بذلك كبير الآلهة ذوس، فأمر ابنه أفيستوس إله النار أن يصلبه إلى صخرة في سيتيا عقابًا له. يتردد أفيستوس فترغمه القوة على أن يصدع بأمر أبيه، وتحذره عاقبة الخلافِ والإبطاء، فيطيع ويبقى بروميثيوس وحده مصلوبًا يتفجع ويتوجع.

المنظر الأول

(بروميثيوس والجوقة)
الجوقة : لا بأس عليك، إنما نحن آلهة أصدقاء، قد حملتنا إلى هذه القمة أجنحة خِفاف. لم يسمح لنا أبونا بهذا السفر إلا بعد مشقة، وقد أعاننا الهواء على اجتياز ما يحول بيننا وبينك من أمدٍ بعيد. لقد بلغ دَوِيُّ المطرقة أعماق الأغوار البحرية حيث نقيم؟ فما كِدْنَا نسمعه حتى كفكفنا عاطفة الحياء ولم يخجلنا أن نظهر حافيات، فامتطينا عجلة ذات جناحين.
بروميثيوس : أي بنات تتيس الولود، وهذا الإله تحيط أمواجه الضخمة بأقطار الأرض جميعها، ألقِين أعينكن، انظرن بأي سلسلة قد شُدِدْتُ إلى قمة هذه الصخرة، حيث قضى عليَّ أن أسكن منذ اليوم منزلًا لن يحسدني عليه حاسد.
الجوقة : إني لأرى ذلك يا بروميثيوس، وإن سحابًا من الفزع تملؤه الدموع لينتشر أمام عيني حين أحدق في هذا الجسم، وقد أذلته هذه السلسلة من الماس. إن سادة محدثين١ ليحكمون في أولمبوس، وإن ذوس ليُملي فيه ظالمًا قوانين جديدة، وقد استخفى بين يديه من كان لهم البطش والسلطان قديمًا.
بروميثيوس : ما له حين أثقلني بهذه الأغلال التي لا تحل، لم يقذف بي تحت الأرض في أعماق مستقر الموتى، في هوة ترتار!٢ إذن لكنتُ على أقل تقدير بنجوة من هذه النظرات المهينة: نظرات الآلهة والناس! كلا، يجب أن أكون لعبة محزنة في يد الريح، وأن يتمتع أعدائي بما أنا فيه من عذاب.
الجوقة : ايه! أي إله بلغ من القسوة أن يستمتع بمنظر كهذا؟! وأي إله غير ذوس لا يرثي لآلامك؟ أما هو فإن قلبه القاسي المحنق الذي لا يعرف اللين يستبد بأهل السماء، ولن يعدل عن ذلك حتى يُرضِيَ قسوته، وليس من سبيلٍ إلى زعزعة عرشه الذي قد ثبتت أركانُه الآن أشد الثبات.
بروميثيوس : لئن أثقلتْنِي الآن هذه الأغلال المخجلة؛ فإن هذا الأمير يسود على الآلهة الخالدين، سيُضْطَرُّ إلى معونتي وسيتوسل في أن يعرف عدوه الجديد الذي سينزع منه صولجانه. وسيحرمه ما يحيط به من شرفٍ ولكنه سيبذل عبثًا ما يملك من قوة الخداع والإقناع، وسينذرني عبثًا بما استطاع أن يعد لي من عذاب، فلن أبيح له هذا السر حتى يفك أغلالي ويصلح ما فرط به في ذاتي من إساءة.
الجوقة : لقد عهدتك شديد الجرأة دائمًا! يبلغ بك الشقاء أقصاه، فلا تذعن. لقد تعود لسانك ألَّا يخشى شيئًا. إن الهلع ليملك قلبي، وإني لأرتعد إشفاقًا عليك. ما آخر آلامك؟ إن نفس ابن كرونوس٣ لمقفلة ليس إلى استطلاعها من سبيل، وإن قلبه لقاسٍ لا يلين.
بروميثيوس : قد أعلم أن ذوس شديد الصلابة، وأن إرادته وحدها هي العدل فيما يرى. ولكن كوارث غير منتظرة ستُلين هذه النفس الصُّلبة. وإن غضبه الذي لا سبيل إلى الكسر من حدته الآن لمفلول. ولتحملنه رغبة تعدل رغبتي قوةً على أن يسعى إليه حريصًا على معونتي وصداقتي.
الجوقة : ولكن لأي إهانة قضى عليك ذوس هذا القضاء الوحشي؟ ما خطيئتك؟ تكلم إن كان الكلام لا يؤذيك.
بروميثيوس : وا حسرتاه! يؤلمني أن أقولها، ويؤلمني أن أكتمها، وكلا الأمرين لي مصدر عذاب. انفجر الحقد٤ بين الآلهة، وانقسم بعضهم على بعض. فبعضهم كان يريد طرد كرونوس ودفع الصولجان إلى ذوس، وبعضهم كان يريد إبعاد هذا عن العرش أبد الدهر. قدمت أصدق نصحي عبثًا إلى المَرَدة أبناء الأرض والسماء. فقد كانت جرأتهم الحمقاء تزدري المكر والحيلة، كانوا يعتقدون أن قوتهم وحدها ستصِل بهم إلى النصر من غير مشقة. أما أنا فقد كانت تميس٥ والأرض نفسها التي يعبدها الناس بأسماء مختلفة تنبأت لي: أن ليس في القوة والقسر غناء في هذه الحرب التي كانت تُهَيَّأُ؟ وأن الحيلة وحدها تقود إلى الانتصار. فلما أنبأتُهم بهذا الوحي لم يتنزلوا إلى أن يستمعوا لي إلا متكلِّفين. فرأيت من الحكمة مع هذا الشك أن أنضم إلى أمي، وأن أنصر ذوس الذي كان يلح عليَّ في ذلك. فاستطاع — بمعونتي وبما قدمت إليه من نصح — أن يقذف بكرونوس القديم وأنصاره في هُوِيِّ ترتار العميقة المظلمة. هذا هو الجزاء المهين الذي يجزيني به طاغية السماء من هذه اليد البيضاء وتلك رذيلة الظلم خيانة الأصدقاء وعقوق المعروف. ولكني منبئكنَّ بما تسألنَ من سبب عذابي. ما كاد يجلس على عرش أبيه مُهديًا إلى الآلهة ضروب الشرف والمكافأة، حتى اجتهد في تثبيت سلطانه. وبدلًا من أن يرعى حق الإنسان الشقي أراد القضاء عليه وأن يستبدل منه جيلًا آخر. فلم يظهر أحد خلافه إلا أنا، فقد اجترأت على ذلك، استطعت وحدي أن أحمي أبناء الإنسان من أن تصعقهم الصاعقة فيتركوا الأرض إلى حيث يعمرون دار الجحيم.
هذا سبب ما ألقى من الأذى، هذا هو الذي يحملني على ما أنا فيه من ألمٍ شديدٌ احتمالُه، فظيعٌ النظرُ إليه. أشفقت على الناس، فلم يشفق عليَّ أحد. أُعَامَلُ بغير رحمة ولكن عذابي نفسه هو الخزي المسجل على ظالمي.
الجوقة : آه يا بروميثيوس! أي قلب من الصخر أو الحديد لا يَرِقُّ لآلامك! ليتني لم أرها، فقد ملأت قلبي لوعة وحزنًا.
بروميثيوس : ربما رقَّ لي الأصدقاء.
الجوقة : ولكن أهذا كل ما جنيت؟
بروميثيوس : أصبح الناس بفضلي لا يرغبون في الموت.
الجوقة : بأي دواءٍ حلت بينهم وبين اليأس؟
بروميثيوس : وضعت في قلوبهم الأمل الأعمى.
الجوقة : ما أنفس ما آثرتهم به!
بروميثيوس : وفوق هذا، فقد منحتهم النار السماوية.
الجوقة : النار! ماذا؟ أيملك الناس هذا الكنز اللامع!
بروميثيوس : أجل وسيهديهم هذا الأستاذ إلى كثير من الفنون.
الجوقة : إذن فهذه هي الجريمة التي يجزيك منها ذوس، هذه الإهانة القاسية! ولكن ألا خلاص لك؟ ألا حَدَّ لألمك؟
بروميثيوس : لن يكون لها حَدٌّ إلا الذي يريده ذوس.
الجوق : وهل يريد أن يضع لها حدًّا؟ هل لك في ذلك من أمل؟ آه! بروميثيوس! لقد خرجت على ذوس ولكن لومك على هذا الخروج لا يَسُرُّ قلبي وهو لقلبي محزن فلندع هذا الحديث، ولنبحث عن الوسائل التي تعجل إنقاذك.
بروميثيوس : أيسر على من قام بالساحل أن يهدي الموعظة والنصيحة إلى من تعبث به العاصفة! لقد أهنت ذوس. إني لأعلم هذا، لقد أردت إهانته، وما أنا لإنكار هذا بمحاول. أردت أن أعين الناس فأهلكت نفسي. ولكني لم أكن أعتقد أني سأقضي حياتي مشدودًا إلى هذا الصخر على قمة هذا الجبل القفر. أما أنتُنَّ فلا تَقْنَعْنَ بالرثاء لما أنا فيه الآن من سوء الحال. اهبطن على مقربةٍ مني، أقبلن أُنبئكنَّ بما يدَّخر لي القضاء. لا تأبين ذلك عليَّ، اشفقن على شَقِيٍّ منكود. وا حسرتاه! إن الشقاء ليُحلِّق علينا ويوشك أن ينزل بنا جميعًا.
الجوقة : يسير عليك أن تقنعنا بذلك يا بروميثيوس! سنهبط بأقدامٍ مسرعة من هذه العجلة، وسنترك هذا المستقر الهوائي مستقر الطير إلى حيث ندنو من هذا الصخر الوعر فنتعرف آلامك.

(ثم يهبطن من عجلتهن ذات الجناحين.)

الفصل الثاني

يأتي أكيانوس ممتطيًا حيوانًا ذا جناحين ليزور بروميثيوس، ولينصح له بأن ينزل عن شيءٍ من كبريائه، وينبئه بأنه صاعدٌ إلى السماء فشافع فيه إلى ذوس. ولكن بروميثيوس يحذره عاقبة ذلك. وينصح له بالعدول عنه، فينتصح ويعود أدراجه، وتتغنى الجوقة بآلام بروميثيوس وإشفاق الناس والآلهة عليه.

الفصل الثالث

يذكر بروميثيوس للجوقة فضلَه على الناس وأنه قد هداهم إلى الصنائع والفنون وعلَّمهم المنطق وزجر الطير وتأويل الأحلام، وذلَّل لهم الطبيعة فأصبحوا لها مالكين. وهداهم إلى الطب فأصبحوا بمأمنٍ من عاديات الأسقام والعلل. فكان جزاؤه على هذا كله ما يلقى من عذاب، فترثى له الجوقة وتَوَدُّ لو قرُب خلاصُه، فينبئها بأن القضاء قد كتب له عذابًا أليمًا طويلًا، وأنه لن يستطيع ولن يستطيع ذوس نفسه أن يفر من القضاء، فتسأله الجوقة: أللقضاء على كبير الآلهة سلطان؟ فيجيبها أن نعم! فتَوَدُّ لو عرفت ما قُدِّر لذوس فيأبى أن ينبئها به، ويقول إن خلاصه موقوف على الاحتفاظ بهذا السر. فتغني الجوقة خوفها من كبير الآلهة وإشفاقها من سلطانه وبطشِه ورغبتها في ألَّا تخرج عليه. ورثاءها لبروميثيوس الذي ألقى بنفسه إلى التهلُكة حبًّا في الناس وإيثارًا لهم.

الفصل الرابع

أحب ذوس إيو Io ابنة إناكوس فحنقت عليها هيرا زوجته فمسختها بقرة، وأفقدتها الرشد٦ فهي تهيم على وجهها تضرب في آفاق الأرض حتى تمر بالصخرة التي شُدَّ إليها بروميثيوس، فتسأله عن أمره فينبئها به، ثم تسألها الجوقة عن أمرها فتقصه عليها، ثم تتمنى هي على بروميثيوس أن يتنبأ لها بما ستلقاه من ألم، فيحدثها بذلك مفصلًا، ويذكر لها أنها ستصل إلى مصر بعد أن تجوب أقطار البر والبحر، وهنالك يمسحها ذوس بيده فتسترد صورتها الأولى، وتستعيد ما كان لها من جمالٍ وعقل، ثم يتصل الحب بينها وبين كبير الآلهة، وينتج هذا الحب نسل يكون منه من يُخلِّص بروميثيوس من سجنه، ويعرض ذوس لخطرٍ عظيم. فتسأله إيو والجوقة عن اسم هذا المخلص له المهدد لذوس فيأبى أن يُجيب، ويسمع كبير الآلهة كل هذه النجوى فيرسل رسوله — هرمس — ليسأل بروميثيوس عن هذا الإله الذي سيزعزع عرشه.

الفصل الخامس

المنظر الأول

(بروميثيوس – الجوقة – هرمس)
هرمس : إليك أيها الماكر الحول، المملوء حقدًا وسخطًا، الجاني على الآلهة، الذي اختص بالشرف أبناء الإنسان، أنت الذي اختلس النار السماوية، إليك أسوق الحديث. يأمرك أبي أن تعلن: ما هذا الزواج الذي يروقك أن تتحدث عنه، والذي سيقضي على سلطانه؟ تحدث من غير إلغاز، يجب أن ترفع النقاب عن كل شيء. أي بروميثيوس، لا تضطرني إلى أن أعود إليك برسالةٍ أخرى … فأنت تعلم أنك لا تستطيع أن تقهر ذوس.
بروميثيوس : بأي حديثٍ وقح يملَؤُه الكبر قد نطقت! إنه لحديث من كان للآلهة عبدًا. أيها السادة الجدد في دولة جديدة! تحسبون أنكم تسكنون قصورًا لن ينالها الضيم. أَلَمْ أَرَ طاغيتين٧ قد هويا؟ وسأرى سقوط الثالث. ليكونن هذا السقوط أسرع من سابقَيْه وأشد خزيًا، أتظن إذن أنني أخشى هذا الإله الجديد أو أَفْرَقَ منه؟ شديد ما بيني وبين ذلك من البعد. انطلق، عُدْ غير مُبطِئٍ من حيث أتيت! فلن تطلع من سري على شيء.
هرمس : ألا تزال حريصًا على هذا الكبر الذي جلب عليك ما أنت فيه من الشقاء!
بروميثيوس : ثق بأني لن أرضى رفك بديلًا من عذابي. إني لأوثر، أجل إني لأوثر أن أظل مشدودًا إلى هذا الصخر على أن أكون الرسول الأمين لأبيك. كذلك يجب أن نهين من أساء إلينا.
هرمس : آه! لعل آلامك تلذ لك وتملؤك سرورًا وغبطة.
بروميثيوس : تملأني لذة وغبطة! آه، وددت لو أصاب أعدائي وأنت أولهم ما أنا فيه من سرورٍ ونعيم.
هرمس : ماذا؟ أتتهمني بسوء حالك؟
بروميثيوس : ليس لي إلا كلمة واحدة. إني لأبغض الآلهة جميعًا الذين أثقلتُهم إحسانًا فيُثقلونني مساءة.
هرمس : لقد اضطرب عقلك، إني لأرى ذلك، إن أَلَمَكَ لفوق ما تطيق.
بروميثيوس : ودِدتُ لو طال بي هذا الألم، إن كان بغض الأعداء ألمًا.
هرمس : إنك لثقيل الظل في النعمة!
بروميثيوس (وقد تنهَّد ألمًا) : وا حسرتاه!
هرمس : هذه كلمة لا يعرفها ذوس.
بروميثيوس : سيُعلمه الزمن إياها؛ فإن الزمن يُنضِج كل شيء.
هرمس : ومع ذلك فهو لم ينضج حكمتك.
بروميثيوس : لا؛ فإني لن أحدثك بما تشاء، أيها العبد الدنيء.
هرمس : إذن فلست تريد أن تنبئني بما يريد أبي.
بروميثيوس : إني لمدين لأبيك بشيءٍ كثير! ومن الحق عليَّ أن أرضيه.
هرمس : إنك لتسخر مني، إنك لتعاملني معاملة الطفل.
بروميثيوس : أوَلست طفلًا، وأشد من الطفل سذاجة، إذا كنت تعلل نفسك بأن تقف من سري على شيء؟ ليس هناك عذاب ولا مكر يستطيع أن يقهرني على أن أبيح هذا السر لذوس قبل أن تحطم هذه الأغلال المشئومة. لقد قلت فلتسقط الآن صاعقته يستطير شررها، ولتضطرب الطبيعة، ولتنبعث من جوف الأرض نارُها الملتظية فتخالط البرد الناصع، فلن أُذعِنَ لشيء، ولن أُسمِّي له ذلك الذي سينزله عن عرشه.
هرمس : انظر، أينفعك هذا الإصرار.
بروميثيوس : لقد رأيت كل شيء، ولقد صَحَّ عزمي على ما أريد منذ زمنٍ طويل.
هرمس : أحمق! اجترئ، اجترئ مرة على أن تتعلم الحكمة من آلامك.
بروميثيوس : عبثًا تُثقل عليَّ فأنا أَصَمُّ كأمواج البحر، لا تحسبن أني سأُشفِق مِمَّا قدر لي ذوس، وسأصير من الضعف والهلع بمنزلة المرأة، فأبسط إليه يدي ضارعًا متوسلًا في أن ينقذني من هذه الأغلال، أنا بعيد من ذلك.
هرمس : أرى أن كل ما أقوله لك غير منتج. فرجائي لا يستطيع أن يمسك أو يكسر من حدتك؛ فأنت كالجواد الجَموح لم يُستأنس، تَعَضُّ الشكيمة ولا تنقاد للِّجام. ولكنك تبذل عبثًا ما تبذل من سخطٍ وغضب؛ فقوتك دون ما تحاول. فلا أشد ضعفًا ووهنًا من كبر الأحمق. لئن لم أستطع أن أقنعك فمثل لنفسك على أقل تقدير هذه العاصفة التي لا سبيل إلى اتِّقَائها، هذه الزوبعة القاصفة، زوبعة الآلام التي ستنزل بك؛ فإن ذوس سيحطم هذه الصخرة الوعرة بصاعقته ورعده، وسيواري جسمك تحت شظايا الصخر. فإذا مضت عليك الحقب الطوال عدت إلى الظهور، ولكن ما أسرع ما يُقبل هذا النسر الشره نسر ذوس، كلب ذو جناحين يمزق جسمك تمزيقًا، نهم تغذوه طوال الدهر مادة سوداء دامية هي كَبِدُك، لا تؤمل لهذا العذاب آخرة، إلا أن يضع بعض الآلهة نفسه موضعك، ويرضى النزول إلى حيث يقيم أدويسيوس ذلك الإله الخفي في هوى ترتار المظلمة. والآن فتدبر، وراجع نفسك؛ فإني لا أقدم إليك نذيرًا باطلًا. لقد سبق بذلك القضاء؛ فإن فم ذوس لا يعرف اللَّغْوَ ولا الكذب، لا ينطق بشيءٍ إلا حققه. تأمل وتدبر، ثق بأن الإصرار لا يعدل الحكمة.
الجوقة : يَوَدُّ هرمس لو نزلت عن كبريائك واصطنعت الحكمة، وإن رأيه لرشيد فخليق بك أن تتبعه، إن من الخزي أن يصر الحكيم على خطته.
بروميثيوس : لم ينبئني بشيءٍ جديد، وما أيسر أن يلقى عدوٌّ أذى عدوه. فلتصعقني بعد ذلك الصاعقة. ليرعد الرعد ولتشهر في الفضاء حرب الرياح القاصفة ولتزعزع عواصفها الأرض وأصولها، وليجمع هبوبها العنيف بين أمواج البحر ونجوم السماء، ولينفق ذوس ما ملك من قوةٍ عنيفة قاهرة ليقذف بي في أعماق ترتار المظلم؛ فأنا على رغم ذلك كله حي لن ينال مني الفناء.
هرمس : أليس هذا الكلام كلام أحمق مفتون؟ ألم يبلغ من الهذيان أقصاه؟ ولو أن الحظ أعانه، فإلى أي حد ينتهي به الغضب؟ ولكن من الحق عليكن أنتن اللاتي يرثين لآلامه أن ترحلن عن هذا المكان؛ فإن قصف الرعد المُفزِع قد يوقع الاضطراب بعقولكن.
الجوقة : آه! قَدِّمْ إلينا من النصح ما نستطيع أن نسمع له؛ فإن آذاننا لا تستطيع أن تُصغي لما تقول. إنك لتدعوني إلى الخزي. كلا، لأقاسمنه آلامه. فقد علمت أن أبغض الخيانة، إنها لأشد الرذائل في نفسي مقتًا.
هرمس : اذكرن على أقل تقدير ما قدمتُ من نذير، فإذا أصابكن ما سينزل به من شقاء فلا تلُمن القدر في ذلكن، لا تزعمن أن ذوس قد أخذكن على غرة، ولا تتهمن إلا أنفسكن؛ فإنكن لن تقعن في أشراك الشقاء من غير أن يكون قد سبق إليكن النصح والإرشاد.

(ثم يذهب هرمس وتتبعه العذارى.)

المنظر الثاني

بروميثيوس (وحده) : أجل، ليس هذا بنذيرٍ باطل، إن الأرض لتضطرب، ولقد زأرت الأصدية الصم، أصدية الرعد، وإن الصاعقة لتلمع ثناياها الملتظية، وإن ركامًا من التراب ليصعد في السماء، ولقد أطلقت الرياح فيشهر بعضها على بعضها الحرب، وإن أمواج البحر لتكاد تَمَسُّ السماء. إليَّ يبعث ذوس هذه العاصفة المروعة … أي أمي الجليلة وأنت أيها الأثير ether الإلهي يحيط بالضوء المشترك، انظر: ماذا قضى به عليَّ ظلمًا من العذاب.
١  «سادة محدثين» يشير إلى ما كان من خروج ذوس على أبيه وخلعه إياه ممَّا سيُفصِّله الشاعر عمَّا قريب.
٢  «هوة ترتار» سجن تحيط به أسوار ثلاثة من النحاس بُعد ما بينه وبين الأرض كبُعد ما بين الأرض والسماء، كان مستقرًّا لمن نُفِيَ أو قُضِيَ عليه بالعذاب من المَرَدة والآلهة.
٣  «ابن كرونوس» هو ذوس كبير الآلهة.
٤  يشير إلى ما كان من ثورة ذوس على أبيه كرونوس ومن خلعه إياه وقيامه مقامه.
٥  أخت كرونوس وعمة ذوس كانت مُحِبَّةً لابن أخيها ويزعم رواة الأساطير أنه أكرهها على أن تكون له زوجًا.
٦  راجع قصة المستجيرات.
٧  أولهما هورانوس أسقطه ابنه كرونوس، والثاني كرونوس هذا أسقطه ابنه ذوس كما قدمنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤