الفصل الثالث

الصوت

(١) صرصرة الرياح

ما الذي يُسبِّب صرصرة الرياح التي تستدعي في مُخيلتك صُوَر مذءوبين يَعوُون خارج منزلك في ليلةٍ عاصفةٍ مظلمة؟

الجواب: إذا مرَّ الهواء بعائقٍ ما، وخاصةً لو كان بروزًا مثل حافة سطح مبنًى أو حتى الحافة الرأسية لأحد المباني، يتشتَّت الهواء إلى زوابع (دوَّامات) تُحمَلُ في اتجاه تدفُّق تيار الهواء. تُحدِثُ الدوَّامة تبايُناتٍ في ضغط الهواء، وهي التي تخرج منها على هيئة مَوجة صوتية أو ما يُطلَق عليه صرصرة الرياح. يُمكن أن يصلك الصوتُ مباشرةً إذا ما كنتَ بالخارج، ولكن يُمكنه أن ينتقل أيضًا عبْر زجاج النوافذ والأبواب والجُدران وأن يجد طريقه إلى أُذنَيك حتى عبْر أغطية فراشك.
fig98
شكل ٣-١: بند ٣-١.

(٢) صفير أسلاك الهاتف وإبر الصنوبر

لماذا تسمع صفير خطوط الهواتف وإبر الصنوبر حين يهبُّ نسيم قويٌّ عبْر خطوط الهاتف أو أسلاك الكهرباء أو غابات أشجار الصنوبر؟ إنَّ هذا الصوت الذي يعلو ثم يخفُت نتيجةً لهبوبٍ عشوائي لنسيم قوي يُعتبَر أحد العناصر المُهدِّئة للأعصاب التي يشعُر بها المرء حين يُوجَد داخل إحدى غابات أشجار الصنوبر في يومٍ خريفي.

الجواب: حينما يتدفَّق النسيم عبْر أسطوانةٍ رفيعة كسلكٍ أو إبرة صنوبرية، فعادةً ما يُشكِّل تدفُّق الهواء دوَّامات على طول الأسطوانة. يُقال إن الأسطوانة تُزيحُ الدوَّامات مرةً جهة اليمين ومرةً جهة اليسار، ثم إلى جهة اليمين مرةً أخرى وهكذا. تُغيِّر الدوامة المُتشكِّلة ضغط الهواء؛ ومن ثَمَّ تنتقل سلسلة من التغيرات في ضغط الهواء على طول الأسطوانة وترسل موجة صوتية؛ ما يُقال عنه هفيف الرياح. ستتمكن من سماع صوت التغيُّرات في ضغط الهواء بسبب إزاحة الدوَّامة حينما تلتقِط أذنك بعضًا من الموجات الصوتية. وكلما زادَتْ سرعة تدفُّق الهواء عبْر الأسطوانة، ارتفع مُعدَّل حدوث التغيُّرات؛ ومن ثَمَّ يصير تردُّد الصوت أعلى.

من المُمكن أن تهتزَّ الأسطوانة تمامًا كأوتار آلة الجيتار عند تردُّدات مُعينة، وتُوصَف حينئذٍ بالتردُّدات الرنَّانة. وفي حال تطابُق تردُّد تغيرات ضغط الهواء مع واحدة من هذه التردُّدات الرنانة، ستهتزُّ الأسطوانة عند ذلك التردُّد. حينذاك تُرسِل حركة الأسطوانة أيضًا موجاتٍ صوتية، وقد تحبس أو تحتفظ بتردُّد الدوَّامة التي تُزاح حتى إذا تغيَّرت سرعة تدفُّق تيار الهواء بعض الشيء. حينما تهتزُّ خطوط الهاتف أو كبلات الكهرباء، يُقال إنها تتأرجح. يمكن أن يُشكِّل ذلك مصدرًا للقلق لأنه يمكن لمِثل هذه الحركات العنيفة أن تخلع المنصَّات التي تحمل الأسلاك المُثبَّتة على الأعمدة أو الأبراج، خاصةً إذا كانت هذه المنصَّات تحمل أيضًا الثلوج التي تكوَّنت على الأسلاك.

قد يصبح الصفير الصادر من أسلاك الهواتف أعلى صوتًا وأشدَّ حدَّةً في الأيام القارسة البرودة؛ إذ يتسبَّب انخفاض درجات الحرارة في انكماش الأسلاك، ومن ثَمَّ تُصبح مشدودةً بين دعاماتها. إذا تأرجحت الأسلاك يُمكنها أن تنقل الحركة إلى الدعامات ممَّا يجعلها تتأرجح بدَورها ومن ثَمَّ تزيد من مستوى الضوضاء.

(٣) الصافرات والصفير

كيف يُصَفِّرُ الإنسان؟ أو بعبارةٍ أخرى كيف يَصدُر صوت الصفير؟ كيف يُصدِر إبريق الشاي صفيرًا حينما يسخُن الماء؟ اختُرِعَ عدد لا يُحصى من الأشياء التي تُصدِر صفيرًا، ولكن أبرزها على الأرجح هو صافرة الشرطة الإنجليزية التي تتكوَّن من أنبوبٍ واحد، وصافرة الشرطة الأمريكية، والعديد من الآلات المُوسيقية التي تُصدِر صوتًا عبْر آلية الصفير.

الجواب: تعتمد أي صافرة على ثلاثِ خواص: (١) يقابل تيار الهواء حاجزًا ويتشتَّت إلى دوَّامات. (٢) تتسبَّب الدوامات في إحداث تبايُن دوري في ضغط الهواء بحيث تنبعث موجة صوتية يمكن لأذنَيك سماعها. تعود إما الدوامات نفسها أو تباينات ضغط الموجة الصوتية إلى الجُزء المعاكس من تيار الهواء مرةً أخرى. (٣) إذا كان تيار الهواء مُضطربًا (ينحرِف أو يتغيَّر بسهولة)، تزيد هذه التغذية العكسية من اضطراب التيار مما يُعزِّز تشكُّل الدوَّامات عند الحاجز. وبمجرَّد أن تتشكل الدوَّامات وتحدُث التغذية العكسية، تسمع حينئذٍ صفيرًا مُتصلًا.

إذا قمتَ بالصفير عبْر شفتَين مَضمومتَين لتُصدِر ما يُعرف باسم «النغمة الفُوَّهِيَّة»، تُولَّدُ الدوامات حينما يُدفَعُ الهواء خارجًا من خلال الفتحة الضيقة لشفتَيك. (تتشكل الدوامات هناك لأن تدفُّق الهواء عبْر مركز الفتحة يكون أسرع من تدفُّقه وهو أقرب إلى الشفتَين.) ينتقل جزء من الموجات الصوتية التي تُولِّدها الدوامات إلى داخل الفم (القناة الصوتية) مرةً أخرى من خلال الشفتَين. يعتمد رنين هذا الصوت العائد على السرعة التي تَعبُر بها الدوامات خارج الفم من خلال الشفتَين وعلى السرعة التي يَعبُر بها الصوت إلى داخل الفم من خلال الشفتَين. يُمكن للصوت أن يتردَّد داخل القناة الصوتية عند تردُّداتٍ مُعينة تُعرَف باسم الصِّيَغ. إذا كان رنين الصوت العائد قريبًا من الصيغة التردُّدية الثانية (التي تتضمَّن ثاني أقل تردُّد)، يُنشئ الصوت الراجع رنينًا في القناة الصوتية؛ أي إن الصوت يُحدِثُ موجاتٍ يُعزِّز بعضها بعضًا، لا يُبطله. وإذا حدَث الرنين عند الصيغة التردُّدية الثانية، فإن التردُّد المُكافئ حينها هو ما تسمَعُه أذناك.

يمكنك أن تُغير الصيغة التردُّدية، ومن ثَمَّ تردُّد الصفير، عن طريق تغيير شكل القناة الصوتية، وذلك عن طريق دفع لسانك إلى الأمام أو إعادته إلى الخلف. يُمكنك أيضًا أن تُغيِّر تردُّد الصفير عن طريق النفخ بقوةٍ أكبر بحيث يكون تردُّد الصوت الراجع أعلى، ومن ثَمَّ أقرب من صيغةٍ تردُّديةٍ أعلى (صيغة رنين أعلى).

يُعرَف صوت صافرة غلاية الشاي حينما تُغلي المياه بالكامل باسم «النغمة الثُّقبية». يتكوَّن الجزء الذي يُصدِر صفيرًا من الغلاية من أسطوانة قصيرة مثقوبة عند طرفَيها. وعندما تُغلى المياه (وتتحوَّل إلى بخار) داخل الغلاية، فإن بخار الهواء والماء الذي يُدفَع إلى الخارج من خلال الثُّقب السُّفلي يُشكل تيارًا من الهواء يصطدم بالثقب الثاني ويُحدِث دوَّامات هوائية داخل الأسطوانة، فتُولِّد التبايُنات الناتجة في ضغط تيار الهواء الذي يمرُّ عبْر الثقب الثاني الصوت؛ والموجاتُ الصوتية التي تُوجَد خارج الأسطوانة هي صوت صافرة غلاية الشاي. أما داخل الأسطوانة، فينتقل الهواء مرةً أخرى إلى الثقب الأول على شكل تغذية عكسية تتحكَّم في تيَّار الهواء الذي يدخل الأسطوانة. وهكذا، ينتقل الاضطراب الذي تُحدِثه التغذية العكسية في تيَّار الهواء الداخل مع اتجاه تدفُّق تيار الهواء ليواصل عملية توليد الدوَّامة الهوائية عند الثُّقب الثاني.

أما بالنسبة إلى صوت صافرة الشرطة فهي تُولِّد «نغمة حدية»؛ أي تيارًا من الهواء يُدفع فوق حافة ثُقب أو عبْرها. يتشتَّت تيار الهواء إلى دوامات تُصدِر بعد ذلك موجات صوتية. تُحدِّد التردُّدات الرنانة لتجويف صافرة الشرطة تردُّد الصوت، وهو ما يُشبه إلى حدٍّ كبير الرنين الذي يحدُث داخل فمِنا حينما نضمُّ شفتَينا لنُطلق صافرة فُوَّهيَّة. لكن في حالة صوت صافرة الشرطة الأمريكية، ترتدُّ كُرة صغيرة داخل تجويف وتُغير شكله الداخلي (فيتغيَّر التردُّد الرنان بدوره)، كما أنها تُعرقل تدفُّق تيار الهواء خاصةً حينما تسدُّ الثقب الذي ننفخ الهواء من خلاله بشكلٍ مؤقت؛ فتكون النتيجة «صوتًا متغيرًا» يؤثر على تردد صوت الصافرة ودرجة عُلوِّه فيرتفع تارةً وينخفض أخرى.

تعمل آلة الفلوت بنفس الطريقة؛ إذ نقوم بنفخ تيار من الهواء عبْر فتحة ويتجاوز الحافة خروجًا منها. تُولِّد الدوَّامات الصوت داخل تجويف الفلوت عند درجة التردُّدات الرنانة للتجويف أولًا، ثم يغذي هذا الرنين الداخلي بعد ذلك الدوَّامات المُتشكلة بالطاقة مرةً أخرى بحيث تستمرُّ جميع الدوَّامات في الحركة ويستمرُّ الرنين ومن ثَمَّ نسمع الصوت الذي تُصدره الآلة بشكلٍ مُتواصل دون انقطاع.

تُعتَبر الزجاجات البيروفية الخزفية الأثرية التي تُصدر صفيرًا حديًّا واحدة من الأمثلة الغريبة على هذا النوع من الصفير، وهي زجاجة مياه مصنوعة من الخزف صنَعها سكان بيرو الأصليون قبل الغزو الإسباني في عام ١٥٣٢. هناك عدد قليل من هذه الزجاجات الخزفية لا يزال موجودًا ويُعرَضُ كمُقتنيات أثرية. تتكوَّن هذه الزجاجات من تجويف أو اثنين يربط بينهما أنبوب يمتدُّ من أحد التجاويف وصافرة بالقُرب من رأس الزجاجة. حين يقوم شخص بالنفخ في الأنبوب، يتسرَّب الهواء من التجويف من خلال فتحة بالقُرب من الصافرة. يتكوَّن هيكل الصافرة من فتحة صغيرة تفضي إلى تجويف هواء صغير، وحينما يصطدم تيار الهواء المُتسرِّب بجانبٍ واحد من الفتحة الصغيرة، تُحدِثُ الدوامات الناتجة رنينًا داخل تجويف الهواء الصغير.

أكثر أنواع الصافرات إزعاجًا هي صافرات الإنذار التي لا تزال تُستخدم في بعض سيارات الطوارئ. (عادةً ما تُستخدَم في سيارات الشرطة الحديثة أجهزة إلكترونية لإصدار صوت التحذير، إلا أن العديد من سيارات الإطفاء لا يزال يَستخدِم الصافرات الميكانيكية الأصلية نظرًا للصوت الصاخب الجاذب للانتباه الذي تُصدره.) صُنعت صافرات إنذار ضخمة خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة لتحذير المدنيِّين من أي هجومٍ عسكريٍّ وشيك؛ إذا كنت واقفًا بالقُرب من إحدى هذه الصافرات الضخمة، فسيهزُّك الصوت الصادر منها بشدَّة، لدرجةٍ ستُشعرك بأن الأرض التي تقِف عليها متقلقلة. على الرغم من وجود العديد من الأنواع المختلفة لصافرات الإنذار، فإن مُعظمها يُصدِر نغماتٍ ثُقبية من خلال دفع الهواء المضغوط عبْر شبكتَين من الثقوب التي تدور فيها إحداها بسرعةٍ متفاوتة نسبةً إلى الأخرى؛ بحيث يتولَّد الصوت حينما تدور ثقوب الشبكتَين بعضها بمُحاذاة بعض. ويتحكم معدل الدوَران في تردُّد الصوت.

(٤) التحدُّث والغناء

كيف نتحدَّث أو نُغني؟ كيف نهمس؟ لماذا يصعُب فهم الكلمات التي تُغنيها مُغنِّية السوبرانو؟

الجواب: يَصدر الصوت من خلال عضلات تُعرف باسم الأحبال الصوتية التي تُوجَد بالحنجرة. تُغلَق الأحبال الصوتية الموجودة على جانبَي الحلق بينما يزداد ضغط الهواء داخل الرئتَين، ثم تُفتح الأحبال الصوتية فجأةً ويندفع الهواء عبرها فيُحدِث اضطرابًا يتسبَّب في اهتزازها. تُغير هذه الاهتزازات ضغط الهواء وتنقل الموجات الصوتية إلى أعلى داخل القناة الصوتية، بما في ذلك الجزء العلوي من الحلق والفم والتجويف الأنفي. تتوافَق تردُّدات هذه المَوجات الصوتية مع تردُّدات اهتزاز الأحبال الصوتية. يُعتبر التردُّد الأدنى هو «الاهتزاز الأساسي» للأحبال الصوتية، أما التردُّدات الأخرى فهي مضاعفات كاملة لهذا التردد. على سبيل المثال، إذا كان التردُّد الأدنى هو ٧٠ هرتز، تُحسب التردُّدات الأخرى كالآتي: ٢ × ٧٠ = ١٤٠ هرتز و٣ × ٧٠ = ٢١٠ هرتز، وهكذا.

تتكوَّن القناة الصوتية من أنبوبٍ أحدُ طرفيه مُغلق عند الحنجرة والطرف الآخر مفتوح عند الفم وفتحتَي الأنف. يمكن أن يُحدِث الصوتُ رنينًا في هذا الأنبوب في حال كَون تردُّد الموجات الصوتية مناسبًا، وهو ما يُطلَق عليه اسم «صيغة تردُّدية» أو «صيغة عادية» فحسب. هذه الصِّيَغ ليست دقيقةً ولكن ينتشر كلٌّ منها على مدى مجموعة من التردُّدات الأخرى التي تُساوي مضاعفات العدد الفردي للصيغة التردُّدية الأدنى. على سبيل المثال، إذا حدثت الصيغة التردُّدية الأدنى عند درجة ٥٠٠ هرتز، فستحدُث الصِّيَغ التردُّدية الأخرى عند الدرجات ١٥٠٠ و٢٥٠٠ هرتز؛ إذ إن ٣ × ٥٠٠ = ١٥٠٠ هرتز و٥ × ٥٠٠ = ٢٥٠٠ هرتز، وهكذا.

حينما تنقل الأحبال الصوتية الصوت إلى القناة الصوتية، يمكن أن تُحدِث تردُّدات الأحبال الصوتية بعض الصِّيَغ التردُّدية. وهو ما يعني أن الموجات الصوتية التي تحدث عند هذه الصيغ الترددية تتراكم داخل القناة الصوتية بحيث يصير الجزء الذي يخرج من القناة الصوتية مرتفعًا بما يكفي لسماعه. في الواقع، تعمل القناة الصوتية كآلية فلترة فيما يتعلق بجميع التردُّدات التي تُصدرها الأحبال الصوتية. يمكننا أن نُغير هذه الآلية عن طريق تغيير تردُّدات الصيغ، ويحدث ذلك عن طريق تغيير وضع اللسان وتغيير درجة اتِّساع فتحة الفم (أو بغلق الأنف)، وبتغيير ارتفاع الحنجرة داخل الحلق. (لا يرغب المطربون المحترفون عادةً في حركة الحنجرة هذه لأنها تُعرقل سيطرتهم على درجة شدِّ الأحبال الصوتية؛ لذا يتدرَّبون على استخدام العضلات في تثبيت موضع الحنجرة.) يُمكننا أن نُغيِّر تردُّدات الموجات الصوتية التي تدخل القناة الصوتية من خلال تغيير درجة شدِّ الأحبال الصوتية: إذا كانت درجة الشد كبيرة ينتج عن ذلك تردُّدات أعلى. على الرغم من أنَّ الأمر يبدو مُعقدًا، فإن معظم الناس يتعلمون فعل ذلك دون تفكير حينما يَبلغون عامَين.

يمكن لكثيرٍ من الحيوانات إصدار صوتٍ من حناجرها، والبعض يمكنه التحكُّم في تردُّد الصوت وسعته الموجية عبْر فمه عن طريق التحكُّم في عضلات الحنجرة أو في حجم القناة الصوتية. والبعض، مثل طائر المَينة، يستطيع التحكم بما يكفي لتقليد صوت الإنسان، ولكن البشر فقط هم من يمكنهم إصدار مجموعة واسعة من الأصوات المُتنوِّعة (إذا استثنينا موسيقى البانك روك).

حين نهمس تكون الأحبال الصوتية مُرتخيةً بحيث لا يهزُّها الهواء الذي يتدفَّق عبرَها. يؤدي الاضطراب (الطفيف) الذي يحدُث في تيَّار الهواء إلى إصدار الصوت الذي يُنتج بعض الصِّيَغ التردُّدية في القناة الصوتية. ويُصدر الحديث المنطوق همسًا عن طريق التحكُّم في حجم وشكل القناة الصوتية وتغييرهما من خلال اللسان والشفتَين في الأساس.

حتى يُسمَع صوت مُغنية السوبرانو في قاعة حفلات موسيقية كبيرة بمصاحبة عزف الأوركسترا، لا بُدَّ أن تُغني بصوتٍ مرتفعٍ تزيد تردُّداته كثيرًا عن الصيغة التردُّدية الأدنى العادية لقناتها الصوتية (هي بحاجةٍ لأن تُغني في نطاقٍ تردُّدي يكون فيه صوت الأوركسترا عامةً أكثر هدوءًا ويكون سَمع الجمهور في أفضل حالاته). وعلى الرغم من أن مُغنية السوبرانو تستطيع أن تضغط أحبالها الصوتية لتُصدِر تردُّدًا مُرتفعًا ثم تطابق هذا التردُّد مع صيغة ترددية أعلى لقناتها الصوتية، فإنه لا ينتج عن الرنين صوتٌ قويٌّ.

تُصبح جودة الغناء وإمكانية سماعه أفضل حالًا إذا غيَّرَت مُغنية السوبرانو صيغتَها التردُّدية الأدنى إلى تردُّداتٍ أعلى، ثم أصدرت هذه الصيغة. وحتى يتسنَّى لها تغيير الصيغة التردُّدية، تخفض المُغنية فكَّها إلى الأسفل لتفتح فمها ثم تجعل شفتَيها في وضع الابتسام. يُقلِّل هذا الأداء بفعاليةٍ من طول القناة الصوتية وهو ما يُغيِّر بدَوره الصِّيَغ التردُّدية لتُصبح صيغًا أعلى. حينئذٍ، يمكن للتردُّدات الأعلى التي تُصدرها الحنجرة أن تُحدِث الصيغة التردُّدية الأولى للقناة الصوتية؛ ممَّا يعني أن المُغنية تستطيع الغناء بصوتٍ عالٍ في التردُّدات الأعلى. ومع ذلك، لا يَحدُث هذا الأمر دون ثمن؛ إذ لا يعود بإمكان المغنية أن تُغني أصواتًا وكلماتٍ بعينها بوضوح؛ ومِن ثَمَّ، لا يتمكن الجمهور دائمًا من فهم الكلمات التي تُغنيها بوضوح.

(٥) التحدُّث بعد استنشاق الهليوم

سأشرح هذه الحيلة، ولكني لا أنصحكم بالقيام بها؛ لأنها خطرة، بل ويمكن أن تكون قاتلة. لماذا إذا استنشق شخصٌ غاز الهليوم ثم تحدَّث يبدو صوته كصوتِ شخصية البطة دونالد الكرتونية ذات الصوت الجنوني العالي التردُّد؟

الجواب: كما شرحتُ في البند السابق، يعتمد صوتُ أيِّ شخصٍ تسمعه على إحداث صِيَغ تردُّدية مختلفة في القناة الصوتية من خلال الموجات الصوتية التي يُولِّدها اهتزاز الأحبال الصوتية. حينما تحدُث إحدى تردُّدات الأحبال الصوتية في النطاق التردُّدي لصيغٍ تردُّدية بعينها، يُصبح الصوت الذي وُلِّدَ عند هذا التردُّد جزءًا من صوت المُتحدِّث. تعتمد الصيغة التردُّدية للتردُّد (سواءٌ كان التردُّد المركزي أو نطاق التردُّدات المختلفة) على عاملين؛ أولًا: شكل وطول القناة الصوتية، وهو ما يُمكننا التحكم فيه حينما نُغير وضْع اللسان أو فتحة الفم. ثانيًا: سرعة الصوت داخل القناة الصوتية.

في الأحوال الطبيعية، بلا شك، يكون الهواء موجودًا داخل القناة الصوتية وتُساوي سرعة الصوت قيمةً مُعيَّنة، وهي حوالي ٣٤٠ مترًا في الثانية. إلَّا أنَّنا إذا استعضْنا عن الهواء العادي بالهواء الممزوج بالهليوم، تصير سرعة الصوت أسرعَ بكثيرٍ (نحو ٩٠٠ متر في الثانية). تغير هذه الزيادة في السرعة جميع الصِّيَغ التردُّدية. أما اهتزازات الأحبال الصوتية فلا تختلف تقريبًا عن الاهتزازات التي تحدُث في الهواء العادي، إلَّا أن التردُّدات الأعلى لهذه الاهتزازات الآن تستثير وتُعلي الصيغ التردُّدية للقناة الصوتية، كما قد تتغيَّر أيضًا القوة النسبية لهذه الصِّيَغ. ومِن ثَمَّ تكون النتيجة صوتًا غير مألوف يتكوَّن من تردُّدات أعلى.

يكون الخطر هنا واضحًا؛ إذ لا يمكنك البقاء على قيد الحياة دون تنفُّس الهواء (أو بالأحرى ذرَّات الأكسجين الموجودة في الهواء)، ولكنك إذا ملأت رئتَيك بالهليوم بحماقةٍ فلن تعود قادرًا على تنفُّس الهواء؛ وحينئذٍ ستدخل في سباقٍ خطير ضدَّ الإصابة بالاختناق. حينما ينخفِض مستوى الأكسجين في دمك، هل ستعود قادرًا على إخراج الهليوم الذي امتلأتْ به رئتاك واستنشاق الهواء مرةً أخرى بسرعةٍ كافية لتفادي إصابتك بالاختناق أو لتفادي مُعاناة مُخِّك من نقص الأكسجين؟ نعم سنموت جميعًا يومًا ما، هذا صحيح، ولكن هذه طريقة غبية لفعل ذلك بلا أدنى شك.

(٦) الغِناء الحَلْقي

يستطيع بعض المُغنِّين في جمهورية توفا الواقعة في جنوب سيبيريا غناء نغمتَين في وقتٍ واحد، وهي ممارسة تُعرَف باسم «الغناء الحَلْقي» أو «الغناء التوافقي»، الذي تكون فيه إحدى النغمات على شكل دندنةٍ ذات تردُّدٍ مُنخفض، وتكون الأخرى على شكل صوتٍ ذي ترددٍ مرتفع يُشبِه آلة الفلوت، ولكن كيف يمكن لشخصٍ أن يُغنِّي نغمتَين في وقتٍ واحد؟

الجواب: في الصوت العادي الذي يتحدَّث الإنسان أو يُغني به، فإن التردُّدات التوافُقية التي تُولِّدها الأحبال الصوتية تُحدِث بالأساس الصيغة التردُّدية الأولى للقناة الصوتية (انظر البندَين السابقَين). كما تُستثار بعض الصيغ التردُّدية الأعلى للقناة الصوتية، إلا أن المُستمِع لا يُميِّزها وحدَها على حِدَة، ولكنه يلاحظها لا شعوريًّا تقريبًا كمجرَّد جزءٍ مُميز من طابع الصوت (يُقال إنها تُضيف إلى «جَرْس الصوت»، إلَّا أنَّ هذا تعريفٌ اصطلاحيٌّ مُبهم).

في الغناء الحلقي، لا تُعتبَر عملية توليد الدندنة ذات التردُّد المنخفض عبْر اهتزاز الأحبال الصوتية والجزء العلوي من الحَلْق صعبةً بصورةٍ استثنائية، ولكن الصعوبة الحقيقية تكمُن في توليد الصوت ذي التردُّد الأعلى الذي يبدو منفصلًا عن الدندنة ذات التردُّد المنخفض أو كأنه عائمٌ على سطحها. الهدَف هو إنتاج واحدة من التردُّدات التوافقية المُرتفعة للقناة الصوتية التي تطابق تقريبًا واحدةً من الصيغ التردُّدية المُرتفعة للقناة الصوتية بالضبط. في حال حدوث هذا التطابق، يُصبح الرنين عند هذه الصيغة التردُّدية قويًّا، وكذلك الصوت الذي يُصدره المُغني. ومع ذلك، يتطلَّب إحداث هذا التطابُق من المُغني أن يضبط كلًّا من حركة الأحبال الصوتية (أي المدة التي تستغرقها الأحبال الصوتية في الفتح ثم الغلق)، وشكل القناة الصوتية (أي كيف يتغيَّر وضع اللسان). يستطيع أيُّ شخصٍ تقريبًا أن يتعلم القيام بكلِّ ذلك، ولكنه يتطلَّب الكثير من الممارسة حتى تُطرِب تلك الأصوات أُذُن المستمع.

(٧) الشخير

يُشخِّر الكثير من الناس أثناء نومهم، وهو ما يُقلق منام أفراد العائلة الآخرين، وأحيانًا ما يتسبَّب ذلك في ضررٍ شديدٍ لصحتهم وقُدرتهم على النوم، فما الذي يُسبِّب الشخير؟

الجواب: يَحدُث الشخير حينما يُسحَب الهواء إلى داخل الرئتَين، إما عبْر الأنف (والفم مغلق) وإما عبْر الأنف والفم معًا. يتدفَّق الهواء عبر الحنك الرَّخو، وهو الجزء الرَّخو الذي يُشكِّل الجزء الخلفي من سقف الفم (يمكنك رؤيتها إذا نظرتَ داخل فم أحدِهم). إذا كان الهواء يتدفَّق عبْر الأنف فقط، فإنه يدخُل الحلق وصولًا إلى الجزء العلوي من الحنك الرَّخو؛ وإذا تجاوزتْ سرعة الهواء قيمةً حرجة بعَينها، يجذب الهواء الحنك الرَّخو تجاه الجزء الخلفي من الحلق، وهو ما يُعرقل تدفُّقَه جزئيًّا. يهبط سقْف الحلق أولًا على اللسان ثم يعود إلى وضعه الأصلي. ولكن إذا حدَث التدفُّق عبْر الأنف والفم بدلًا من ذلك، يمرُّ الهواء على جانبَي الجزء العلوي والسُّفلي للحنك الرَّخو. في هذه الحالة، يهبط الحنَك الرخو بين الجزء الخلفي من الحلق واللسان ويُعرقل الهواء الذي يتدفَّق عبْر الأنف والذي يتدفَّق عبْر الفم بالتناوب. يُمكنني أن أُصدِر صوت الشخير (شخيرًا مسرحيًّا، كما لو كنتُ أُمثِّله في مسرحية)، من خلال استنشاق الهواء بشدَّةٍ من أنفي وفمي. تتسبَّب العرقلة التي يُحدثها خفقان الحنك الرَّخو في أن يتذبذب الهواء بدَوره، وهو ما يجعل فتحتَي أنفي تهتزَّان.

تُنتِج حركة الحنك الرخو والاضطراب الذي تُحدِثه موجاتٍ صوتيةً في الحلق. إذا أحدثت هذه الموجات رنينًا في الحلق أو في المنطقة التي تشمل الحلق والفم والأنف، يمكن إذن أن يكون الصوت مرتفعًا بما يكفي لإيقاظ أفراد العائلة.

السبب الثالث لحدوث الشخير هو حركة الطيِّ المُنتظمة للبلعوم (وهو الجزء العلوي المرن القابل للطيِّ من الحلق فوق الحنجرة مباشرةً). تُعطِّل حركة الطي التي تُغلِق وتُعيد فتح البلعوم تدفُّق الهواء وتُحدِث اضطرابًا يُنتِج موجاتٍ صوتية.

(٨) صوت خرخرة القطط وزئير الأسد

كيف تُخرخِر القطة ويزأر الأسد؟

الجواب: تُخرخِر القطة كما نتحدَّث نحن تقريبًا، كما شُرح في البنود السابقة، فيما عدا أنه حينما يتسرَّب الهواء عبْر الأحبال الصوتية، فإنها تهتزُّ وتُنتِج صوت طنينٍ في القناة الصوتية (تجويف الحنجرة والأنف والفم). تردد هذا الطنين هو حوالي ٢٥ هرتز تقريبًا، وهو تردُّد مُنخفض للغاية قد يصير من المُستحيل سماعه. ومع ذلك، يُحدِث هذا الطنين نغماتٍ توافقيةً أعلى في القناة الصوتية، ويمكنك سماعها تخرج من أنف القطة وفمها، فيكون الصوت الذي تسمعه يُشبِه صوت تكرار حرف الراء، وهو عادةً ما يكون علامة على شعور القطة بالاطمئنان.

يعتقد بعض الباحثين أنَّ حالة العظْمة اللامية هي التي تُحدِّد القُدرة على الخرخرة والزئير، وهي عبارة عن هيكل يقع في جذْر اللسان ويتَّصِل بالحنجرة. إذا كانت هذه العظْمة مُتصلِّبة تمامًا، يمكن حينئذٍ أن يَحدُث صوت الخرخرة. ولكنها إذا لم تكن مُتصلِّبة تمامًا، يمكن إذن أن يحدُث صوت الزئير. ربما يعني هذا أن الحيوان الذي له عظمة لامية أكثر مرونة، كما هي الحال في الأسد، يُمكنه أن يُحرِّك الحنجرة أسفل الحلق ليزيد من طول القناة الصوتية بشكلٍ ملحوظ؛ إذ تَخفض هذه الزيادة من تردُّد الصوت الذي يُصدِره الأسد. تختلف حنجرة الأسد أيضًا عن مُعظم الحيوانات الأخرى في أن أحباله الصوتية سميكة وتتكوَّن من أنسجة مرِنة يمكنها أن تهتزَّ عند تردُّدات مُنخفضة بسعاتٍ اهتزازية كبيرة نسبيًّا؛ وبذلك يتمكن الأسد من الزئير!

قصة قصيرة

(٩) صوت ديناصور الباراصورولوفوس

كانت عظْمة رأس ديناصور الباراصورولوفوس، المُمتدَّة نحوَ الخلف والتي تُشبه عُرف الديك، تحتوي على مجرًى أنفيٍّ على شكل أنبوبٍ طويل مُقوَّس مفتوح عند نهايتيه. يمكن أن يكون الباراصورولوفوس قد استخدم هذا المجرى لإصدار الصوت عن طريق الصياح حتى يحدُث الرنين في المجرى بتردُّداته الأدنى (التردُّدات الأساسية)، وهو ما يُشبه كثيرًا عملية النُّطق لدَينا التي تتمُّ من خلال الرنين الذي يحدُث داخل تجويف الفم والأنف والحنجرة. أما الجماجم الأحفورية التي تحتوي على مجارٍ أنفية أقصر، فيُعتقد بأنها تعود إلى إناث الباراصورولوفوس التي من شأنها أن تُصدِر أصواتًا بتردُّدٍ أعلى.

(١٠) أصوات النمور والأفيال

يقَع جزء من زئير النمر في نطاقٍ أقلَّ من النطاق المسموع لدى البشر، النطاق «دون الصوتي». هل يكتسب النمر أيَّ ميزةٍ من خلال إصدار صوتٍ ذي تردُّدٍ مُنخفض كهذا؟

رغم أنَّ الأفيال تسمَع بشكلٍ أفضل عند تردُّد ١٠٠٠ هرتز تقريبًا، فإنها حين ينادي بعضها على بعض، خاصةً على بُعد مسافاتٍ كبيرة، فإنها تبذُل الكثير من طاقتها في إصدار صوتٍ تردُّده بين ١٤ و٣٥ هرتز يمتدُّ إلى النطاق دون الصوتي. ومِن ثَمَّ، فإذا كنت قريبًا من أحد الأفيال وهو يُنادي، فقد تشعُر بالموجة الصوتية أكثر من سماعها. فهل يتميَّز النداء ذو التردُّد المُنخفِض والطاقة المُرتفِعة بأيِّ شيءٍ عن النداء ذي التردُّد المُرتفع؟ تنادي أفيال السافانا ليلًا ما يقرُب من ضعف نداءاتها أثناء الصباح، إما للتزاوج أو لتحذير الأفيال المُتنافسة حتى تبقى بعيدًا، فهل هناك أي ميزة للنداء ليلًا؟

الجواب: تعتمد المسافة التي يقطعها الصوت في الغابة، موطن النمور، على طول المَوجة الصوتية: تمتصُّ الأشجار والأغصان وأوراق الشجر والعشب الصوت ذا الموجات الأطول وتُشتِّته على نحوٍ أقلَّ من الصوت ذي الموجات الأقصر؛ لذلك، حتى يُصدر النمر نداءً للتزاوج أو لتحذير النمور الأخرى، يمكن أن يُرسِل الإشارة إلى مسافةٍ أبعد من خلال الزئير بتردُّدٍ مُنخفض (موجات صوتية طويلة) بدلًا من الزئير بتردُّد أعلى. (علاوةً على ذلك، فهذا مُخيف بدرجةٍ أكبر.) تعتمد حيوانات الغابات أو الأدغال الأخرى أيضًا على التواصُل عبْر التردُّدات المنخفضة. على سبيل المثال، تصدَح طيور الشابنام التي تُعَدُّ أكبر طيور الغابات في العالم بأصوات طنين عميقة ذات تردُّدات مُنخفضة تصل إلى ٢٠ أو ٣٠ هرتز، وهو أدنى مستوًى يمكن للبشَر سماعه. بينما تقَع بعض الأصوات التي يُصدِرها وحيد القرن السومطري (المُسمَّاة «نفخات صفيرية») في النطاق دون الصوتي.

غالبًا ما يحدُث انقلابٌ حراريٌّ ليلي في السافانا بحيث تُوجَد طبقة الهواء الدافئ فوق سطح طبقة الهواء البارد. يُمكن لنداءٍ ذي تردُّد مُنخفِض أثناء الانقلاب الحراري أن يُحبَس فعليًّا أسفل طبقة الهواء الأدفأ؛ ومِن ثَمَّ، بدلًا من أن ينتشر النداء في الهواء إلى أعلى ويُفقَد، يكون مُعظمُه محبوسًا بين طبقتَي الهواء وينتقل فوق السافانا قاطعًا مسافاتٍ أكبر بكثير (ربما تصِل إلى عشرة كيلومترات) ممَّا يقطعها أثناء النهار الذي لا يحدُث فيه انقلاب حراري (ربما يقطع مسافةً مقدارها كيلومتران وحسب). تقل احتمالات انحباس الأصوات ذات التردُّد العالي أسفل طبقة الهواء الدافئة، كما أن الهواء يمتصُّها كذلك أكثر، ومِن ثَمَّ لن يقطع النداء ذو التردُّد المرتفع الذي يُصدره الفيل مسافةً كبيرة.

يكون أفضل وقتٍ يقوم فيه الفيل بالنداء، بحيث ينتشر عبْر أقصى مساحةٍ مُمكنة، بعد غروب الشمس بساعةٍ أو ساعتَين، حين تكون شدَّة الرياح منخفضة ويكون الانقلاب الحراري قد استغرق وقتًا كافيًا للتشكُّل. قد تزداد شدَّة الرياح في وقتٍ لاحقٍ من الليل؛ وعلى الرغم من أن النداء قد ينتقل بشكلٍ أفضل في اتجاه الرياح، فإنه ينتقل بكفاءةٍ أقلَّ في أيِّ اتجاهٍ آخر؛ ومِن ثَمَّ تتضاءل المساحة الكلية التي يمكن للنداء أن يُسمَع فيها.

(١١) نقيق ضفدع الثور

يَنُقُّ ذكر ضفدع الثور إما لجذب شريكةٍ أو لتحذير الذكور الآخرين حتى يبقَوا بعيدًا. كيف يمكن لحيوانٍ صغيرٍ كهذا ذي فمٍ صغيرٍ أن يُصدِر مثل هذا النقيق العميق والمُزعج؟

الجواب: يُصدِر ضفدع الثور مُعظم نقيقه من خلال طبلة أذنه، وليس من خلال فمه. يُقال إن باحثًا قد اكتشف ذلك عن طريق الضغط بأصابعه (بلطف) على أذن الضفدع، ولاحظ كيف أنَّ درجة ارتفاع صوته قد انخفضت بشدَّة. تكرَّرت هذه التجربة لاحقًا باستخدام «سدادات الأذن الضفدعية» التي كانت عبارة عن قِطَع من الفوم تُثبَّت فوق طبلة الأذن عن طريق زنبرك!

ينشأ الصوت في الأحبال الصوتية للضفدع، تمامًا مثلما يحدُث في الثدييات. ولكنه يُنقَلُ بعد ذلك إلى طبلة الأذن، إذ يحدُث الرنين بتردُّداتٍ مُعيَّنة كما هي الحال في جلدة الطبلة. يَزيدُ هذا الرنينُ درجةَ الصوت بشدةٍ عند هذه التردُّدات وينشر الصوت في بيئة الضفدع المُحيطة. قبل اكتشاف هذا الدور الذي تلعبه طبلة الأذن، اعتقد الكثير من الناس أن الرنين يحدُث داخل الكيس الصوتي، ألا وهو منطقة الحلق التي ينفخها الضفدع عند النقيق. على الرغم من أن قرد الجيبون وبعض أنواع الضفادع والعلاجيم تُنتِجُ الرنين داخل كيسها الصوتي حتى يصير صوتُها أعلى، فإن ضفدع الثور لا يفعل ذلك.

(١٢) صوت صرصور الليل وجراد البحر الشائك

كيف يَصِرُّ صرصور الليل ويُصدِر جراد البحر الشائك صوتًا خشنًا يُشبه صوت الكشط؟

الجواب: يَصِرُّ صرصور الليل بهدف البحث عن شريك للتزاوج عن طريق طَيِّ جناحه الأمامي الأيمن على جناحه الأمامي الأيسر بعد أن يفتحهما. بينما يُطوى الجناحان أحدهما على الآخر، تحتك «ريشة قاسية» تقع أعلى الجناح الأيسر بمجموعةٍ من النتوءات الصغيرة (مجموعة من السنون المَعقوفة) التي تقَع على الجزء السُّفلي من الجناح الأيمن. تطرُق الريشة القاسية نتوءًا تلوَ الآخر؛ وهو ما يتسبَّب في اهتزاز الريشة ومجموعة النتوءات، وهو ما يتسبَّب بدَوره في اهتزاز مُعظم الجناحين الآخرين. وبالتبعية، يُنتِج اهتزاز الأجنحة في منطقةٍ كبيرة إلى حدٍّ ما من جسم الصرصور تُعرَف باسم «القيثارة» اختلافاتٍ في ضغط الهواء تنتقل من الأجنحة على شكل موجات صوتية — وهذا هو صوت الصَّر. يعتمد تردُّد الصوت على المُعدَّل الذي تقبض به الريشة القاسية على النتوءات ثم تُفلتها. يبدو أن ما يتحكَّم في هذا المُعدَّل هو تردُّد الاهتزاز الذي يحدث في القيثارة الخاصة بكلِّ جناح؛ فحينما تتحرَّك كلُّ قيثارة فإنها تلوي إما الريشة القاسية أو أحد النتوءات بحيث يتحرَّر كلٌّ منهما بعيدًا عن الآخر.

إلا أنَّ نداء التزاوُج الذي يُصدِره ذكر الصرصور له ثمن؛ إذ إنه يجذِب الذباب الذي يُمكنه تحديد موقع الصرصور سماعيًّا والتوجُّه إليه كي يضع بيوضه فيه. تفقس هذه البيوض في النهاية على هيئة يرقات طفيلية تخترق جسد الصرصور وتقتله (فبالنسبة إلى الإنسان والصرصور على حدٍّ سواء، لا يجلب نداء التزاوُج سوى المشكلات.)

يحكُّ جراد البحر الشائك أيضًا ريشة (جزء من قرن الاستشعار) فوق القُرين، وهي عبارة عن صفيحة مجهرية خشِنة تقَع أسفل العينين، ولكن الوضع يختلف لأنَّ الريشة عبارة عن نسيجٍ رخوٍ لا يُصدر صوتًا من خلال طرق نتوءات القُرين. بدلًا من ذلك، بينما تحتكُّ الريشة على طول القُرين وعلى كلِّ نتوءٍ من النتوءات، تلتصِق الريشة على أحد النتوءات وتتمدَّد قبل أن تفلِتُ أخيرًا نحوَ النتوء التالي. عندما يحدُث هذا الانفلات، تهتزُّ الريشة والقُرين ويُصدران صوتًا — صوت جراد البحر الشائك الخشِن الذي يُشبِه صوت الكشط. يُستخدم هذا الصوت في إخافة المُفترسات ويمكن للجراد الاستمرار في إصداره حتى حينما تَنْعُم قشرته الخارجية الصُّلبة أثناء عملية الانسلاخ.

(١٣) الشجرة كآلة عزف للضفدع والجُحر كآلة عزف لصرصور الليل

لماذا يَنُقُّ ذكر ضفدع تجاويف الأشجار أو ما يُعرَف بضفدع جزيرة بورنيو (واسمه العلمي Metaphrynella sundana) ليدعو الإناث إلى التزاوج وهو يقبع داخل تجويف الشجرة؟ ولماذا تزداد حدَّة ووضوح صوت صَر الحرَّاقات (نوع من صراصير الليل) وهي تحفُر جُحرها وتبنيه؟
الجواب: في المُعتاد يجلس ضفدع جزيرة بورنيو بأريحية في بِركة ماء داخل تجويف إحدى الأشجار، مثل أحد جذوع الأشجار المُجوَّفة. حينما يُطلق نداء التزاوج، يُجرب الضفدع طُرقًا مختلفة للنداء عن طريق تخفيض وزيادة تردُّده حتى يطابق تردُّد النداء أدنى «تردُّد رنان» لتجويف الشجرة. هذا هو أدنى تردُّد تُعزِّز فيه الموجات الصوتية بعضها بعضًا داخل التجويف؛ ممَّا يسمح لها بتكوين موجةٍ صوتيةٍ قويةٍ ومرتفعة. بمجرَّد أن تحدُث عملية التطابق، يصبح الصوت الذي يتسرَّب من التجويف إلى الخارج مرتفعًا وينتقل مسافاتٍ بعيدة مُعلنًا عن شعور الضفدع بالوحدة.

تفعل الحرَّاقات التي تبني الجُحور شيئًا مماثلًا؛ إذ تحفر تجويفًا يُحدِثُ فيه صريرُها «رنينًا»؛ أي إن تردُّد صَرِّها يطابق التردُّد الرنان للتجويف. تبني الحرَّاقات جُحورها على مراحل وتكون عامةً على شكل مصباحٍ وقطاعًا يُشبه شكلَ البوق يربط الجزء المصباحي بالخارج، وهو ما يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ النهايات المفتوحة لبعض الآلات الموسيقية التي تتَّسِع لتسمح للصوت بالتسرُّب وأن يصير مسموعًا. تتوقَّف الحرَّاقات عند نهاية كلِّ مرحلةٍ من مراحل البناء وتَصِرُّ حتى تختبر ما إذا كان الجُحر سيُصدر رنينًا أم لا. تنجح في النهاية في إحداث الرنين، وينقل البوق بكفاءةٍ الموجات الصوتية القوية التي تحدُث بالداخل إلى البيئة الخارجية.

(١٤) هجوم حشرات الزيز الأسترالية

إذا أطلق ذكَر حشرة الزيز الأسترالية Cyclochila australasiae، صيحة نداء خلال نومك من مكانٍ قريب، فستستيقِظ مفزوعًا لأنَّ نداءه يكون مُرتفعًا بشدة (١٠٠ ديسيبل على مسافة مترٍ واحد). كيف تستطيع هذه الحشرة — وهي من الحشرات الأعلى صوتًا بين أنواع الحشرات المعروفة لكن يبلغ طولها ٦٠ مليمترًا فقط — إصدار ضجيجٍ مُرتفع كهذا؟
الجواب: يحتوي جانبا حشرة الزيز على هيكلٍ يُشبه الطبلة به أربعة ضلوع عمودية تنثني إلى الخارج. تعمل إحدى العضلات على سحْب هذا الهيكل إلى الداخل بحيث تنثني الضلوع واحدًا تلوَ الآخر في تتابُعٍ واحدٍ سريعٍ إلى الداخل فجأة. أثناء حركة الانثناء، يُصدِر كلُّ ضلعٍ من الضلوع نبضةً صوتية — صوت نقر. تُحدِث هذه السلسلة من النقرات رنينًا في كيسٍ هوائي يُوجَد داخل بطن الزيز؛ وهو ما يعني أن الموجات الصوتيَّة يُعزِّز بعضها بعضًا كي تُشكِّل موجةً كبيرة. يساوي تردُّد هذا الصوت المعزز ٤٣٠٠ هرتز ويبلغ مُستواه أكثر من ١٥٠ ديسيبل؛ أي أكثر ممَّا ستتعرَّض له حتى في حفلةٍ من حفلات موسيقى الهيفي ميتال. ينبعثُ الصوت بعد ذلك من البطن عبْر طبلة أذن موجودة على كلِّ جانب من جانبَي جسم حشرة الزيز. أما عن سبب عدم فقدان حشرة الزيز سمعها، فلا يزال هذا الأمر غير مفهوم.

(١٥) أصوات البطريق

بعد الغوص داخل المياه وتناول الطعام، لا بُدَّ أن يزحف البطريق الإمبراطوري مرةً أخرى ليصِل إلى بيته، الجليد الطافي، ويعود إلى شريكته. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الشريكة في فصل الشتاء وسط الآلاف من البطاريق التي تتجمَّع معًا حتى لا تتجمَّد في طقس القطب الجنوبي القاسي الذي يُمكن أن تنخفض فيه الحرارة إلى ٤٠ درجة تحت الصفر وتبلغ سرعة الرياح ٣٠٠ كيلومتر في الساعة. إلى جانب ذلك، تبدو جميع طيور البطريق مُتشابهة، حتى لطيور البطريق الأخرى؛ ومِن ثَمَّ لا يمكن للبطريق أن يتعرَّف على شريكته بصريًّا. كيف إذن يجد البطريق شريكتَه بين الآلاف من البطاريق؟

الجواب: تُصدِر معظم الطيور أصواتها باستخدام ناحيةٍ واحدة فقط من عضوها الصَّوتي ذي الجانبَين الذي يُعرف باسم «أنبوب المِصفار». إلا أن البطريق الإمبراطوري يستخدِم الجانبَين في وقتٍ واحد لإصدار الصوت. يُحدِث كل جانب رنينًا في حلق الطائر وفمه، وهذا يُشبه إلى حدٍّ كبير ما يَحدُث في أنبوبٍ ذي نهايتَين مفتوحتَين؛ أي إنَّ الموجات الصوتية التي يُعزز بعضها بعضًا تتسبَّب في إنتاج موجةٍ صوتية قوية خالصة. يختلف تردُّد الموجة الصوتية الخالصة التي يُحدِثها جانب من أنبوب المِصفار عن تردُّد الموجة الثانية التي يُحدثها الجانب الآخر منه. يميز المُستمع متوسط التردُّدين، ولكنه يُميز أيضًا أنَّ الصوت العادي يصدَح عاليًا ويتغيَّر؛ أي تتنوَّع حدَّتُه بين الارتفاع والنعومة يُصاحبه «تردُّد تضاربي» مُعين يساوي الفرق بين التردُّدَين الفعليَّين. يمكن للبطاريق تمييز هذه «التردُّدات التضاربية»؛ وبذلك، يمكن أن يكون نداء البطريق ثريًّا بالتردُّدات الرنَّانة والتردُّدات التضاربية المُختلفة، وهو ما يسمح بالتعرُّف على الصوت حتى وسط الآلاف من أصوات البطاريق الأخرى.

(١٦) صوت نقْر الحُوت

يُصدِر حوت العنبر الأصوات من خلال إنتاج سلسلةٍ من النقرات. يُصدِر الحوت في الواقع صوتًا واحدًا فقط بالقُرب من مقدِّمة رأسه ليبدأ سلسلة النقرات التي تليه، فما الذي يُصدِر باقي سلسلة النقرات؟ كيف يُمكن للباحثين أن يُحدِّدوا طول الحوت عبْر هذه السلسلة من النقرات؟

الجواب: يخرج جزء من الصوت الذي يُصدِره الحوت من مقدمة رأسه في الماء ليُصبح أول صوت نقْرة يمكن رصدُه من سلسلة النقرات. ينتقل باقي الصوت داخل جسم الحوت إلى الخلف عبْر كيس العنبرية (جسم دهني) الذي يُوجَد في رأسه، وينعكس من الكيس الأمامي (طبقة هوائية) الذي يقَع في الجزء الخلفي من الرأس، ثم ينتقل إلى الأمام عبْر كيس العنبرية. حينما يصِل الصوت إلى الكيس القاصي (طبقة هوائية أخرى) الذي يقع في مُقدِّمة الرأس، يتسرَّب جزء من الصوت في الماء ليُشكل النقرة الثانية، ويُنقَلُ الباقي إلى الخلف عبْر كيس العنبرية. تتكرَّر هذه الدَّورة عدة مرات، فتُنتج نقرات أخرى عديدة. يرتبط الفاصل الزمني الذي يحدُث بين النقرات المُتتالية بالمسافة بين الكيس الأمامي والكيس القاصي التي تتناسَب مع حجم الحوت؛ ومِن ثَمَّ، يمكن للباحثين من خلال قياس هذا الفاصل الزمني أن يُقدِّروا طول الحوت.

(١٧) النغمة الانعكاسية

حين تُحلِّق طائرة فوق مستوى الرأس وعلى مستوًى قريب بما يكفي ليُسمَع صوتها، اخفِضْ رأسك بالانحناء نحوَ الأرض. لماذا يزداد تردُّد الضوضاء الصادرة عن الطائرة وأنت تخفض رأسك؟

الجواب: يتكوَّن الصوت الذي تسمعه من الصوت الذي يأتي إليك مباشرةً من الطائرة، ومن الصوت الذي ينعكس لك من الأرض. تخضع مجموعتا الموجات الصوتية الاثنتان للتداخُل في أُذنَيك، فتسمع أولًا الموجات التي تتداخل تداخُلًا بنَّاءً (بحيث يُعزِّز بعضها بعضًا، لا يُبطله). يعتمد مستوى الارتفاع فوق الأرض الذي تَحدث فيه عملية التداخل البنَّاء على الطول الموجي؛ إذ يتطلَّب الطول الموجي الأكبر (الأطول) ارتفاعًا أكبر. حينما تخفض رأسك، فإنك تتحرك لأسفل تجاه الارتفاعات التي تخضع فيها الأطوال الموجية الأقصر (ذات التردُّدات الأعلى) لعملية التداخل البنَّاء؛ وبذلك، حينما تنحني، يرتفع تردُّد الصوت الذي تسمعه.

يمكنك أن تسمع تأثيرًا مُشابهًا إذا مشيتَ بعيدًا عن شلَّال مياه نحوَ جدار عمودي يعكس صوت الشلال إلى أُذنيك؛ بحيث يتداخل الصوت مع الصوت الذي يصلك مباشرةً من الشلال. فكلَّما اقتربتَ من الجدار، ارتفع تردُّد الصوت الذي تسمعه.

(١٨) الأصوات البعيدة

يقع منزلي في كليفلاند هايتس بولاية أوهايو فوق منطقة مسطحة تتَّصِل ببحيرة إري. يمتدُّ خط للسكك الحديدية على طول المنطقة المسطحة عند سفح كليفلاند هايتس. لا يمكنني رؤية السكة الحديدية بلا شك، ليس فقط لأنها بعيدة جدًّا، بل أيضًا بسبب التِّلال المُؤدية إلى كليفلاند هايتس وآلاف الأشجار والبيوت التي تعيق مجال رؤيتي. لماذا إذن يمكن بسهولة سماع صوت صليل القطارات أثناء مرورها بطول خط السكك الحديدية في منزلي في بعض الليالي؟

حينما تحدُث أصوات انفجارات عالية مُتكررة في مكانٍ بعينه، كما هو الحال في القصف المدفعي المُتكرِّر، يمكن أن تُسمَع في المناطق المُحيطة بموقع الانفجار فقط. إذا كنت تقود سيارتك مُبتعدًا عن موقع الانفجارات، فستنخفِض شدَّة الصوت في المنطقة الأولى (المنطقة المركزية)، ثم سيُصبح الصوت غير مسموعٍ في المنطقة الثانية، ثم يصير مسموعًا مرة أخرى في المنطقة الثالثة. ما سبب حدُث هذه المناطق؟

حين انفجر بركان جبل سانت هيلين في ولاية واشنطن الأمريكية في عام ١٩٨٠، كانت الطاقة التي انطلقت من البركان تُكافئ ميجا أطنان عديدة من مادة تي إن تي شديدة الانفجار. لماذا لم يُسمَعُ الانفجار إلَّا على بعد ١٠٠ كيلومتر؟

قضى الجنود البريطانيون أثناء الحرب العالمية الأولى بالقُرب من مدينة ميسينز، جنوب بلدية إبير ببلجيكا، عامًا كاملًا يحفرون فيه واحدًا وعشرين نفقًا امتدَّت أسفل الخطِّ الألماني على عُمق حوالي ثلاثين مترًا. بمجرَّد اكتمال حفْر الأنفاق، خُبِّئَ فيها حوالي مليون طن من المُتفجِّرات، وفي منتصف ليلة السابع من يونيو عام ١٩١٧، فجَّر البريطانيون تسعةَ عشر مخبئًا من مجموع واحدٍ وعشرين (فشل تفجير مخبأين)، وهو ما نتج عنه أكبر انفجارٍ من صُنع الإنسان حتى يومِنا هذا. سُمِعَ الانفجار في لندن وحتى في دبلن، على بعد المئات من الكيلومترات من مَوقع الانفجار، كيف يمكن للصَّوت الناتج عن هذا الانفجار قطع هذه المسافة البعيدة؟ (انفجر أحد المَخبأين المُتبقِّيَين بغتةً أثناء عاصفة رعدية في عام ١٩٥٥، ولحُسن الحظ لم يتسبَّب ذلك إلا في موت بقرة واحدة. لم ينفجر، حتى الآن، المخبأ الآخر الذي لا يُعرَف مكانه بالتحديد، وهو ما يُقلق الناس الذين يعيشون في المنطقة العامة لتلك المخابئ.)

fig99
شكل ٣-٢: بند ٣-١٨: تنحني مسارات الصوت نحو الأرض مرة أخرى بفعل زيادة درجة حرارة الهواء التي تحدُث مع الارتفاع أثناء فترة الانقلاب الحراري.
الجواب: حينما تُرسَل موجة صوتية بزاوية على السطح العمودي، تُغيِّر الموجة اتجاهَ سيرها إذا واجهت تغييرًا في درجات حرارة الجو. يُقال إن الصوت «ينكسر»، أو يخضع ﻟ «الانكسار». وإذا انخفضت درجة الحرارة، تبدأ الموجات الصوتية في الانتقال بزاويةٍ أقلَّ على السطح العمودي. إذا ارتفعت درجة الحرارة، تنتقل الموجات بزاويةٍ أكبر ويُمكن حتى أنْ «تنقلب» بحيث تعود إلى الأرض مرة أخرى. يُمكنني سماع أصوات السكك الحديدية البعيدة في الليل عندما يكون الهواء الذي فوق المنطقة مباشرة أدفأ من الهواء الموجود بالقُرب من سطح الأرض، وهو ما يُعرَف باسم «الانقلاب الحراري». حينها فإن بعض الموجات الصوتية التي تصدُر من خط السكك الحديدية تنحني من أسفل لأعلى وتعود إلى الأسفل مرة أخرى تجاه منطقة كليفلاند هايتس، فيسمعها جميع من هناك (انظر شكل ٣-٢).

في الماضي، كانت عملية نقل الصوت لمسافةٍ أطول أثناء فترة الانقلاب الحراري معروفة جيدًا لدى القُدَماء. على سبيل المثال، عرف رجال قبائل الزولو الأفريقية أن بمقدورهم سماع بعضهم بعضًا عبْر وادٍ عرضُه كيلومتران إذا انتظروا حتى المساء عندما يكون الهواء في الوادي أبردَ من الهواء الذي فوقه.

حينما تنتقل الموجات الصوتية الصادرة عن أحد الانفجارات لمسافاتٍ بعيدةٍ إلى أعلى في الهواء، يمكن أن تنحني نزولًا إلى الأرض مرة أخرى نتيجة زيادة درجة الحرارة الموجودة في الجزء السُّفلي من طبقة الستراتوسفير (أسفل طبقة الستراتوبوز، وهي على ارتفاع ٤٢ كليومترًا) والجزء السفلي من طبقة الثيرموسفير (أعلى طبقة الميزوبوز، على ارتفاع ٨٥ كيلومترًا). قد تعود عندئذٍ الموجات الصوتية إلى الأرض على مسافةٍ بعيدة من مصدرها، مسافة أكبر بكثيرٍ من المسافة التي تقطعها الموجات الصوتية على طول سطح الأرض حيث تعُوقها الأشجار والمنازل وغيرها من العقَبات؛ ومِن ثَمَّ، يمكن سماع الصوت في منطقةٍ أبعد من المنطقة الأولى المركزية. في حال انعكاس هذا الصوت من الأرض، يُمكنه أن «يرتد» ليعود إلى الأرض مرة ثانية ولكن في منطقة أخرى أبعدَ عن الأولى.

حين انفجر بركان جبل سانت هيلين، تكوَّنت الموجات التضاغُطية (يُضغَطُ الهواء من خلال المواد التي تتحرك من الانفجار إلى الخارج) ببطءٍ شديدٍ لا يمكن أن تستجيب له الأذن البشرية؛ ومِن ثَمَّ، لم تُسمَع الموجة التضاغطية (ولم تتسبَّب أيضًا في أيِّ أضرار للنوافذ وغيرها من الأغراض الهشَّة) في توليدو بواشنطن، التي تبعُد ٥٤ كيلومترًا. ومع ذلك، حينما وصلت الموجات التضاغُطية إلى طبقة الستراتوسفير، فإنها تجمَّعت وأُعيدَ توجيهها نحو الأرض مرةً أخرى. وحينما وصلتْ إلى الأرض على مسافاتٍ تزيد عن ١٠٠ كيلومتر، كانت الاختلافات في ضغطها سريعة بما يكفي لسماعها.

بالمِثل، انتقلت أصوات الانفجارات التي حدثت بالقُرب من ميسينز إلى أعلى نحو طبقة الستراتوسفير، ثم عادت مرةً أخرى إلى الأرض. ومع ذلك، على عكس انفجار بركان جبل سانت هيلين، تشكَّلت الموجات التضاغطية التي حدثت في موقع الانفجار بسرعة؛ ونتج عنها صوتٌ شديدٌ بالقرب من الجنود.

تؤثر الرياح أيضًا على اتجاه انتقال الموجة الصوتية. إذا انتقلت الموجة الصوتية إلى أعلى في اتجاه الرياح، ينحني مسار الموجة بحيث تعود إلى الأرض مرة أخرى في مكانٍ ما مع اتجاه الرياح. وتحدث في بعض الأحيان عودة الصوت هذه على مسافاتٍ بعيدة.

(١٩) الظلال الصوتية

أثناء الحرب الأهلية الأمريكية التي دارت رحاها في الفترة من عام ١٨٦٢ حتى عام ١٨٦٥، اعتمد القادة المَيدانيون لجيش الاتحاد وجيش الولايات الكونفدرالية اعتمادًا كبيرًا على الصوت لتحديد موعد بدء المعارك وموقع حدوثها. كان يُقسِّم القادة في مرات عديدة قواتهم لمهاجمة العدو من اتِّجاهَين مُختلفين، ولكن كانت الطريقة الوحيدة لتنسيق هذه الهجمات هي سماع صوت الضجيج الناتج عن هجوم إحدى المجموعات، والذي كان بمنزلة إشارة للمجموعة الأخرى ببدء الهجوم. بدَتْ هذه الخطة منطقية إذ كان من الممكن أن تكون إحدى المجموعتَين على بُعد بضعة كيلومترات من الأخرى، ومع ذلك فقد فشلتْ أحيانًا أخرى في معارك حاسمة.

لاحظ وزير الحربية بجيش الولايات الكونفدرالية وأحد مُوظفِّيه تأثيرًا غريبًا مماثلًا في يونيو من عام ١٨٦٢، بينما كانوا يراقبون معركة جينز ميل من فوق قمَّة أحد التِّلال على مسافةٍ لا تزيد عن كيلومترين. ضمت المعركة التي كانت تدور رحاها أسفل الوادي ما لا يقلُّ عن ٥٠ ألف جندي ومائة قطعة مدفعية ميدانية، وأحدثتْ قدرًا هائلًا من الضجيج الذي كان يصمُّ الآذان بلا شكٍّ للقوات المُشتبِكة. ومع ذلك، لم يسمع المُراقبان أيَّ شيءٍ خلال الساعتَين اللتَين قَضياهما في مراقبة المعركة، كيف يمكن لمعركةٍ كهذه ألا تكون مسموعةً بينما تدور رحاها على بُعد كيلومترات قليلة فقط؟

الجواب: تُوجَد ثلاثة أسباب رئيسية تُفسِّر عدم التمكن من سماع هذه المعارك شديدة الصَّخَب حتى على بُعد كيلومترات قليلة: (١) يُحتمَل أن تكون إحدى الغابات الكثيفة المُتداخِلة قد كتمَتِ الأصوات عبْر امتصاص الموجات الصوتية. (٢) يُحتمَل أن تكون الموجات الصوتية التي انبعثت على مستوى سطح الأرض قد انتقلت بطول مسارات انحنتْ لأعلى بدلًا من المسارات المُتَّجهة أفقيًّا. (٣) يُحتمَل أن يكون المسار الذي اتخذته الموجة الصوتية مُنحنيًا في حال تغيَّرت درجة حرارة الهواء أو سرعة الرياح مع الارتفاع.
فيما يتعلق بالسبب الثالث، إذا انخفضت درجة حرارة الهواء مع الارتفاع، فستنتهي الحال بالموجات الصوتية التي تصدُر بطول المسارات المائلة إلى أعلى قليلًا إلى الانتقال بطول مساراتٍ أعلى؛ ومِن ثمَّ لن تصِل إلى المُراقبين على الأرض الذين يقفون على بُعد عدة كيلومترات (شكل ٣-٣أ). تزداد سرعة الرياح عادةً مع الارتفاع. في الحالات الطبيعية، إذا انبعث الصوت في اتجاه الرياح، فإنه غالبًا ما يهبط عموديًّا نحو الأرض؛ ومِن ثمَّ يمكن سماعه (شكل ٣-٣ب). ومع ذلك، إذا انبعث الصوت عكس اتجاه الرياح، فإنه غالبًا ما يتَّبِع مسارًا ينحني في الهواء لأعلى ومِن ثَمَّ لا يمكن سماعه.
fig100
شكل ٣-٣: بند ٣-١٩: (أ) يحدُث انحناء للصوت القادم من المعركة بعيدًا عن المُراقِب في حالة انخفاض درجة حرارة الهواء مع الارتفاع. (ب) تعمل الرياح على انحناء مسارات الصوت.

في بعض معارك الحرب الأهلية، كان القائد يقِف عكس اتجاه الرياح حينما كانت تحدث زيادة كبيرة في سرعتها مع الارتفاع، وفي هذه الحالة، يقال إن القائد كان موجودًا في مجال «الظل الصوتي». بل والأغرب من ذلك هي الحالات التي يُعيد فيها تأثير درجة الحرارة توجيه الموجات الصوتية إلى أعلى، ثم يُعيد تأثير الرياح توجيهها إلى أسفل، فتنتهي بها الحال على الأرض مرة أخرى بعيدًا عن المعركة؛ ومن ثَمَّ، كان الجنود البعيدون يسمعون صوت المعركة، بينما لم يسمعه القريبون منها بدرجةٍ معقولة.

(٢٠) صوت الغواصات السوفييتية

أثناء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تراقب الغواصات السوفييتية عن طريق التنصُّت تحت الماء عبْر شبكةٍ من الهوائيات الصوتية التي يُمكنها أن تكتشف الضوضاء التي تُصدرها الغواصات، مثل أصوات مراوح الدفع. ولكن كانت الخاصية المُثيرة للاهتمام هي أنَّ الهوائيات كانت تقَع على خطوط العرض المُتوسِّطة، بينما كانت الغوَّاصات على بُعد ألف كيلومتر في خطوط العرض القطبية. فكيف يمكن أن تُسمَع مراوح الدفع، حتى لو كانت صاخبةً، على هذه المسافة؟ تمتَّعت الولايات المتحدة بهذه القُدرة على التنصُّت إلى أن حذَّر أحد الجواسيس السوفييت بشأنها.

الجواب: يُحتجَز بعض الصوت الذي تُصدره مروحة دفع صاخبة على سبيل المثال داخل أنبوبٍ يُطلَق عليه اسم «قناة السوفار الصوتية» ويمتدُّ بين خطوط العرْض القطبية وخطوط العرْض المُتوسِّطة. تقبع هذه القناة في العمق الذي تبلُغ فيه سرعة الصوت تحت الماء أدناها. تعتمد سرعة الصوت على كلٍّ من العُمق ودرجة حرارة الماء. إذا قِسْنا سرعة الصوت كلَّما توغَّلنا في العُمق، فسنجد أن تأثير درجة الحرارة هو ما يسيطر في البداية، بينما تقلُّ السرعة كلما انخفضت درجة الحرارة. ولكن في النهاية تأثير العمق هو ما يسيطر، فتزداد السرعة منذ ذلك الحين فصاعدًا.

وبذلك، يُوجَد نطاق مُعيَّن من العُمق تبلُغ السرعة فيه أدناها. إذا انتقل الصوت داخل هذا النطاق، فيُمكن أن يُحتجَز كما يحدُث في الضوء داخل الألياف البصرية. على سبيل المثال، إذا وُجِّهَ الصوت لأعلى قليلًا نحوَ المنطقة ذات السرعة الأعلى الموجودة فوق قناة السوفار مباشرة، فإن التغيُّر الناتج في السرعة يؤدِّي إلى انحناء مسار الصوت (ينكسر الصوت) إلى أسفل مرة أخرى. وبالمثل، إذا وُجِّهَ الصوت لأسفل قليلًا نحو المنطقة ذات السرعة الأعلى الموجودة أسفل قناة السوفار مباشرة، فإن التغيُّر الناتج في السرعة يؤدِّي إلى انحناء مسار الصوت لأعلى. أصبحت الضوضاء الصادرة من الغواصات السوفييتية التي تغُوص في خطوط العرض القطبية حبيسةً داخل هذه القناة الصوتية، ثم انتقلت على طول الطريق إلى الهوائيات التي تقع عند خطوط العرض الوسطى.

(٢١) أبواق المُشجِّعات وصفافير الضباب

إذا صاحت إحدى المُشجِّعات مباشرة في أحد الحشود الصاخبة، فلن يَسمَع صياحَها أيٌّ مِمَّن في الحشد، ولكن إذا صاحت المُشجِّعة عبْر مكبِّر صوت، يمكن أن تُسمَع صيحتها بسهولة. كيف يجعل مُكبر الصوت الصيحة أعلى؟

لماذا تكون فتحة صافرة الضباب التقليدية أوسع رأسيًّا منها أفقيًّا؟ ألا يعني ذلك أن الصوت يُهْدَر عبرَ إرساله إلى أعلى؟

الجواب: عندما يخرُج الصوت من فتحة يُماثل حجمها الطول المَوجي للصوت، فإنَّ الموجات الصوتية «تَحيدُ»، أو تتشتَّت، في اتجاهات جديدة. كلَّما كانت الفتحة أصغر، صار التشتُّت أكبر. حينما تصيح مُشجعةٌ في الجمهور، يتشتَّت الصوت الصادر من فمِها إلى حدٍّ بعيد، فلا يُرسَلُ فقط إلى الأمام، بل يمينًا ويسارًا ولأعلى ولأسفل. يُقلِّل هذا التشتُّت بشدَّة من حدَّة الصوت (ارتفاعه) في أيِّ اتجاهٍ بعينه. ولكن حينما تصيح المُشجِّعة من خلال مُكبرِ صوتٍ مخروطيِّ الشكل، يصدُر الصوت من فتحة أكبر كثيرًا (في أقصى نهاية مُكبِّر الصوت)، فيكون التشتُّت أقلَّ بكثير؛ ومِن ثَمَّ، يُوجَّه الصوت للأمام في المقام الأول وتُصبِح حدَّتُه أشد؛ لذا يُستخدَم مُكبر الصوت لتقليل حيود صيحات المشجعة.

تهدف صافرة الضباب إلى نشرِ تحذيرٍ صوتي بشكلٍ أُفقي على أوسع نطاقٍ ممكن، بحيث يستطيع أيُّ شخصٍ على متْنِ أيِّ سفينةٍ تقترِب من أيِّ اتجاهٍ أن يسمعَ التحذير. وبما أن التشتُّت الأفقي للصوت شيءٌ محمودٌ على العكس من تشتُّته رأسيًّا، فقد صُمِّمت فتحة صافرة الضباب بحيث يكون عرضها ضيقًا وارتفاعها كبيرًا.

(٢٢) اتِّجاه الهمْس

إذا تحدَّث إليك شخصٌ في منطقة مفتوحة (حيث لا يُوجَد إلا قليل من الأشياء التي تعكس لك الأصوات) بمستوى صوت مُنخفِض وثابت إلى حدٍّ ما، بينما يُشيح المُتحدِّث بوجهه بعيدًا عنك، فستتمكَّن على الأرجح من سماع الكلمات في مُعظم الوقت الذي كان يُشيح فيه بعيدًا عنك. بعد ذلك، اجعل المُتحدِّث يُكرِّر ما قاله هامسًا وهو لا يُواجهك أيضًا بنفس «مستوى الصوت» (ربما بطريقة «الهمس المسرحي»، كما لو كان يقصد أن يَسمعه الجمهور). لماذا يُصبح الهمس غير مسموعٍ على نحوٍ أسرع من الصوت العادي عندما يكون المُتحدِّث مُشيحًا بوجهه بعيدًا؟

الجواب: يُوجَد هنا تفسيران. لنتناول التفسير الأسهل أولًا: كما شُرِحَ في البند السابق، يحيد الصوت (ينتشر في اتجاه الانتقال) حينما يمرُّ من خلال فتحة يُماثل حجمها طول موجة الصوت. يكون الحيود أقلَّ بالنسبة إلى الأطوال الموجية الأقصر. يتكوَّن صوت الهمس من أطوالٍ موجية أقصر (تردُّدات أعلى) عن مُعظم الأصوات العادية؛ ومِن ثَمَّ، بما أن الهمس يكون أقلَّ انتشارًا، فلا بُدَّ أن يواجهك الشخص الهامس مباشرةً حتى يتسنَّى لك سماع صوته.

تُوجَد أيضًا إجابة أكثر غموضًا: يُعتبَر حساب انتشار الصوت من الفم الذي قام به اللورد رايلي في عام ١٨٩٦ أمرًا صعبًا. افترض رايلي وجود مصدرٍ صغير للصوت على سطح إحدى الكُرات، ووجد أنَّ المَوجات الصوتية تلتفُّ حول الكرة؛ وكانت الأطوال الموجية الأقصر تلتفُّ حول الكرة أقلَّ من الموجات ذات الأطوال الموجية الأطول؛ ولذلك، فصوت الهمس ذو الأطوال الموجية الأقصر لا يلتفُّ حول الرأس بقدْر ما يلتفُّ الصوت العادي.

يمكنك سماع تأثيرٍ مُماثل حينما يكون الجمهور حاضرًا لمسرحيةٍ مُقامة في مكانٍ مفتوح يفتقر إلى الأسطح الكافية اللازمة لعكس أصوات المُمثلين للحضور. يمكن سماع صوت المُمثل بسهولةٍ حتى حينما يُشيح بوجهه بعيدًا عنك، أمَّا المُمثلة التي تتحدَّث بنفس درجة ارتفاع الصوت ولكن بتردُّدات أعلى، فقد يتحتَّم عليها مواجهتك حتى يصير صوتها مسموعًا.

(٢٣) إزاحة دوبلر

إذا توقفتَ عند نقطة تقاطُع قضبان القطارات بينما يُصدِر قطار صوت صافرته المُرتفعة، فلماذا يتغيَّر تردُّد الصافرة؟ وهل يتغيَّر من تردُّدٍ مرتفع إلى آخر منخفض، أم العكس؟

الجواب: إن حركة مصدر الصوت نسبةً إلى المُتلقي (أنت أو أي كاشف آخر للصوت) تُغيِّر تردُّد الصوت، وهو تأثير يُعرف باسم «إزاحة دوبلر». السبب الرئيسي للإزاحة هو أن الصوت عبارة عن موجة؛ فإذا كان مصدر الصوت ثابتًا بالنسبة إليك، فستكوِّن الأطوار المُرتفعة الضغط للموجة التي تمرُّ أمام أُذنيك بنفس المعدَّل (التردُّد) الذي تُنتَجَ به من المصدر. ومِن ثَمَّ، ما تسمعه هو نفس التردُّد الذي يُنتجه المصدر دون أي إزاحة (تغيير). ولكن إذا تحرَّك مصدر الصوت نحوك، إذن فهو يُلاحق الموجات التي يُصدرها في اتجاهك. ومِن ثَمَّ يُصبح المعدَّل الذي تَعبُرك به الأطوار المُرتفعة الضغط للموجة أكبر ممَّا يُنتجه المصدر، وهكذا ستسمع تردُّدًا أعلى. أما إذا تحرَّك مصدر الصوت بعيدًا عنك، يصير التأثير معكوسًا تمامًا؛ إذ ستسمع تردُّدًا أقلَّ من الذي يتمُّ إنتاجه. ونتيجةً لذلك، يعني تحرُّك مصدر الصوت «نحوك» حدوث ارتفاع في التردد، بينما تحرُّكه «بعيدًا عنك» يعني حدوث انخفاض فيه، ويعتمد مقدار الإزاحة على سرعة المصدر. إذا كانت حركة المصدر تقع على زاويةٍ من خطِّ اتجاهك، يُصبح التأثير (مقدار الإزاحة) أقل؛ وإذا كانت الحركة عمودية على خطِّ الاتجاه، فلا تحدُث إزاحة.

إذا وضعتَ كاشفًا للصوت بين قضبان القطارات، يمكنك قياس إزاحة دوبلر لصافرة القطار. سيكون لصافرة القطار تردُّد مُرتفع مُعيَّن أثناء حركتها «بالكامل» نحوَ الكاشف (حتى يُصبح صوت الصافرة مسموعًا فوق الرأس مباشرة)، وبعد ذلك سيكون لها تردُّد مُنخفض مُعين أثناء حركتها بالكامل بعيدًا عن الكاشف.

ولكن بدلًا من ذلك، إذا وضعتَ الكاشف على بُعد مسافةٍ آمنةٍ على جانب مسار القطار — لنَقُل على بُعد ٢٠ مترًا — فستختلف القياسات لأسبابٍ هندسية. بينما يقترِب القطار من الكاشف، تكون سرعته «نحو» الكاشف أقلَّ تدريجيًّا؛ ومِن ثمَّ ينخفض مقدار إزاحة دوبلر. ومِن ثَمَّ، يُعتبَر أن للصافرة تردُّدًا مرتفعًا مُعينًا — أثناء أغلب مدَّة اقتراب القطار — كما يقيسها كاشف الصوت المُثَبَّت على قضبان القطار. ومع ذلك، بينما يقترِب القطار، يتسبَّب عدم المُحاذاة في انخفاض التردُّد بسرعةٍ بينما تكون حركة القطار عمودية على اتجاه الكاشف حتى يُصبِح التردُّد ثابتًا. حينئذٍ، ينخفض التردُّد بسرعةٍ حتى يصل إلى تردُّدٍ منخفضٍ مُعين يظلُّ ثابتًا ما دام يمكن سماع الصافرة.

لنفترض أنك أنت الكاشف الصوتي، وبأنك قريبٌ بما يكفي من المسار الذي يمكن فيه تجاهل التأثير الهندسي. من المُفترَض أنْ تُمِيِّز تردُّدًا مرتفعًا «مُعينًا» بينما يقترب القطار نحوك، وتردُّدًا منخفضًا «مُعينًا» بينما يبتعد القطار عنك؛ ولكن المدهش هو أنك لن تميزهما. بدلًا من ذلك، ستميز «ارتفاعًا مستمرًّا» في التردُّد بينما يتحرك القطار نحوك، «وانخفاضًا مستمرًّا» في التردُّد بينما يتحرك القطار بعيدًا عنك. عادةً ما يُسمَّى هذا التردُّد المسموع «حدة الصوت». في هذه الحالة، تتأثَّر حدَّة الصوت الذي تميزه الأذن بمدى ارتفاع الصوت. نظرًا لأن الصافرة تُصبح أعلى تدريجيًّا كلَّما اقتربت، فإنك تنخدع بالاعتقاد بأن التردُّد يزداد باستمرار. ولأن الصافرة يُصبح صوتها أقلَّ ارتفاعًا باستمرار بينما تتحرَّك بعيدًا، فتنخدع بالاعتقاد بأن التردُّد ينخفض باستمرار. يُسمَّى هذا التأثير الذي تتغير فيه حدة الصوت «تأثير دوبلر».

(٢٤) كيف يعثُر الخفاش على حشرة؟

حينما يمشي خفاش على الأرض بحثًا عن فرائسه من الحشرات، فعادة ما يُرشده سماع حركة الحشرة أكثر من رؤيتها وذلك لأن بصره ضعيف، كما أنه يبحث عن فرائسه ليلًا. ومع ذلك، يمكن لبعض أنواع الخفافيش رصْد الحشرات واصطيادها، كالعثة، وكلاهما طائر. وعلى الرغم من أن الخفاش يطير بسرعة، يُمكنه تحديد موقع الحشرة والإمساك بها. كيف يتمكن الخفاش من رصد وجود الحشرة، وكذلك رصد اتجاهها وسرعة طيرانها أيضًا؟

لماذا تُفضِّل الخفافيش اصطياد العثة وهي تطير بالقُرب من مصباح بخار الزئبق (تستخدم عادةً كمصابيح إنارة في الشارع) عن اصطيادها في حقلٍ مفتوح؟ ولماذا لا تُصبح هذه الميزة موجودة إذا كان المصباح هو مصباح بخار الصوديوم؟

حين كنتُ أستكشِف الكهوف في غرب ولاية تكساس، كنت أقضي إجازة نهاية الأسبوع بأكمله تحت الأرض. كانت تطير آلافٌ من الخفافيش أمامي مرَّتَين في الليلة الواحدة، فتارةً تطير نحو فتحة دخول الكهف، فتخرج منه بحثًا عن الطعام، وتارةً أخرى تطير عائدةً إلى أماكن مبيتها في عُمق الكهف. لم يحدُث ولو لمرةٍ أن ارتطم خفاش طائر بي أو بالجدار حتى في قلب الظلام الدامس لأحد الممرات المُلتوية داخل الكهف. كيف تتمكَّن الخفافيش من تجنُّب هذا الارتطام؟

الجواب: يُصدِرُ الخفاش دفقةً من الموجات الصوتية بتردُّدات مرتفعة للغاية بحيث يتعذَّر على الإنسان سماعها؛ لأنها تقع في منطقة تُسمَّى بمنطقة «الموجات فوق الصوتية». ينعكس الصوت الذي يصدر عبْر فتحتي أنف الخفاش، على الأرجح، من الأجسام التي تقابله في مساره، مثل الحوائط ومُكتشفي الكهوف والحشرات الطائرة، تُنبِّه أصداء الصوت الصادرة من هذه الأجسام الخفاش إلى وجودها في طريقه. ومع ذلك، تُمثِّل هذه الطريقة مشكلةً بالنسبة للخفافيش التي تطير في أسرابٍ كبيرةٍ بسرعة عبر أحد ممرَّات الكهوف؛ إذ كيف يتمكن الخفاش من تمييز صدى صوت ناتج من صوتٍ أصدرَه من أصداء الأصوات الصادرة من الخفافيش الأخرى؟ الإجابة هي أنَّ لكلِّ خفاش إشارة لها تردُّد خاص وتغيرات في التردُّدات وفي السعة الموجية تُميزها عن الباقية. ومع ذلك، تظلُّ قدرة الخفافيش على التقاط إشارةٍ واحدةٍ بين العشرات أو حتى المئات من الإشارات الأخرى أثناء الطيران بسرعةٍ نحو أحد الجدران أمرًا مذهلًا.

يتلقَّى الخفاش معلومات أكثر من مجرَّد صدى الصوت؛ وذلك لأنه حسَّاس للتغير الذي يحدُث في تردُّد الصدى الذي ينتج عن حركته نفسها. لنفترِض أنَّ الخفاش يُصدِر صوتًا بترددٍ معينٍ أثناء طيرانه تجاه أحد الجدران؛ يكون لصدى الصوت الذي يعود إلى الخفاش تردُّدًا أعلى ويُقال إنه تعرَّض لتأثير «إزاحة دوبلر». ومِن ثَمَّ، كلما زادت سرعة طيران الخفاش نحو الجدار، اختلف تردُّد الصدى. فالخفاش يستخدم تأثير إزاحة دوبلر ليُحدِّد سرعته.

تُصدِر بعض الخفافيش صوتًا بتردُّد ثابت وتستخدم تأثير دوبلر لا لكي ترصد فقط العوائق، بل والحشرات أيضًا. بينما تُصدر بعض الخفافيش الأخرى صوتًا يمتدُّ عبْر نطاقٍ تردديٍّ. يمكن للخفَّاش أن يُحدِّد ملامح سطح أحد الأهداف من خلال تحليل تأثير دوبلر الذي يحدُث عند تردُّدات مختلفة؛ ومِن ثمَّ يميز صدى صوت الحشرة من صدى صوت أوراق الأشجار على سبيل المثال. يمكن أن تصبح المهمة أسهل إذا كانت الحشرة تحرك جناحيها في مجال إشارة الموجات فوق الصوتية للخفاش؛ لأنَّ الاختلاف في درجة ميل الجناح يُسبِّب تباينًا في الصدى العائد إلى الخفاش (يكون الصدى أقوى عند درجات ميلٍ مُعينة، ولا يكون كذلك عند درجات أخرى). يكون هذا التباين إشارةً مؤكدةً على أنَّ الصدى يصدُر من حشرة تطير.

تُفضِّل بعض الخفافيش الصيد عن طريق الطيران المُنخفض فوق الماء (الترولة) لأن سطحه المُستوي يُحدِث اضطرابًا أقلَّ بكثيرٍ في الصدى وهو ما يسهل على الخفاش تصنيفه. يكون معظم انعكاس إشارة الخفاش فوق الماء بعيدًا عنه، بينما ستعكس الحشرة الصوت مباشرةً إلى الخفاش بشكلٍ واضح.

تتمتَّع أنواع مُعينة من الحشرات بالحساسية للموجات فوق الصوتية التي تستخدمها الخفافيش. حينما ترصد إحدى هذه الحشرات أحد تردُّدات هذه الموجات، خاصةً إذا كان الصوت مرتفعًا، تطير الحشرة خوفًا على الفور وفي اتجاهٍ عادةً ما يُقلِّل من حدَّة الصوت. وبعض هذه الحشرات لدَيها طُرق دفاع أفضل؛ إذ تُصدِر صوتَ نقرٍ يُشوِّش بفاعليةٍ على رصد الصدى الذي يحتاجه الخفاش ليُحدِّد مكان الحشرة وينقضَّ عليها. يصدر صوت النقر نتيجة لحركات التوائية تخضع لها بشرة صُلبة أثناء انثنائها. تُنتِج كل حركة التواء مفاجئ تغييرًا مفاجئًا في ضغط الهواء، وهذا التغيير المُتكرِّر في الضغط ينتقل من الحشرة في شكل صوتٍ في مجال الموجات فوق الصوتية. لإرباك الخفاش، لا بُدَّ أن تصل هذه النقرات إما في نفس الوقت الذي يصل فيه صدى الصوت الصادر من الحشرة أو أن تصِل قبله مباشرةً بحيث لا يصير بإمكان الخفَّاش تمييز الصدى.

ومِن ثَمَّ يُمكن للخفَّاش أن يجد وليمةً شهيةً إذا كان يطير بالقُرب من المصباح. ومن الغريب أن بعض هذه الحشرات إما تفرُّ عندما تستشعِر وجود الموجات فوق الصوتية، أو تُرسِل إشارة تشويش، ولكنها لا تفعل هذا أو ذاك وهي بالقُرب من المصباح. أحد التخمينات هو أنها لا تخشى وجود الخفَّاش أثناء وقتِ النهار (إذ تنام الخفافيش في ذلك الوقت بدلًا من صيد الطعام)، يخدعها الضوء الأبيض الساطع فتعتقد أنها في ضوء النهار وأنها بذلك في أمان. يُصدر مصباح بخار الصوديوم ضوءًا أصفر مُميزًا لا تُخطئه العثَّة على الأرجح بأنه ضوء النهار.

(٢٥) كيف يعثُر الخفاش على زهرة؟

كيف تجد الخفافيش التي تتغذَّى على رحيق الزهور تلك الزهور؟ تعتمد عملية تلقيح العديد من الأزهار، خاصةً في المناطق الاستوائية، على الخفافيش التي تحطُّ عليها. حينما يحطُّ خفاش على إحدى الأزهار ويدسُّ أنفه في شقٍّ بين البتلات ليخترق من خلاله الزهرة وصولًا إلى الرحيق، يتسبَّب في أن تقذِف بتلتان أُخريان بحبوب اللقاح على ردف الخفاش حتى يحملها إلى الزهرة التالية. ليس على الخفاش فقط أن يُحدِّد مكان الزهرة، بل عليه أيضًا أن يُحدِّد مكان الشقِّ الذي سيدُسُّ من خلاله أنفه؛ فكيف يتمكَّن من فعل كل ذلك ببصره الضعيف وفي الظلام؟ كيف تمنع الزهرة خفاشًا ثانيًا من الحطِّ عليها حتى يتجدَّد مخزونها من حبوب اللقاح؟

الجواب: على ما يبدو فإن الخفاش يتمكَّن من التعرُّف على الزهرة من خلال نوع الصدى الذي يتلقَّاه منها حينما يُرسل دفقتَه من الموجات فوق الصوتية نحوَ الزهرة (انظر البند السابق). في الواقع، تكون بتلات بعض الزهور على شكل كأسٍ حتى يتسنَّى لها إرجاع صدى يُمكن التعرُّف عليه إلى الخفاش. على سبيل المثال، تكون بتلات نبات الميقونة الهولتونية Mucuna holtonii، على شكل كأسٍ يُعيد الصدى بقوة إلى الخفَّاش حتى حينما يقترِب بزاوية يكون فيها مواجهًا للزهرة (الزهرة هي نسخة صوتية من العاكس الخلفي للضوء الذي يَرتديه العدَّاءون ليكونوا مرئيِّين في ضوء مصابيح السيارات الأمامية في الليل). ترتفع البتلة العلوية للكأس حينما تكون حبوب اللقاح مُتاحة. بعد أن يترُك الخفاش الزهرة وهو يحمل حبوب لقاحها على ردفه، تتدلَّى البتلة العلوية ممَّا يفسد شكل الكأس؛ ومِن ثَمَّ، لن يتلقَّى الخفاش الثاني صدًى قويًّا من الزهرة. في وقتٍ لاحق من الليل، ترتفع البتلة العلوية بعد أن يتجدَّد مخزون حبوب اللقاح؛ فتستعيد الزهرة شكل الكأس مرة أخرى وتُرسل صدًى قويًّا ليحطَّ عليها خفاشٌ آخر.

(٢٦) سماع الصوت أسفل الماء

لماذا حينما يكون رأسك أسفل الماء يبدو الصوت الصادر من شخصٍ إلى يمينك وكأنه قادم من الأمام؟

الجواب: أحد المفاتيح التي يستخدمها عقلك لتحديد اتجاه مصدر الصوت هو التأخير الزمني الذي يحدُث بين وصول الصوت إلى الأذن الأقرَب من المصدر وبين وصوله إلى الأذن الأخرى الأبعد. على سبيل المثال، إذا كان مصدر الصوت إلى يمينك مباشرة، يُخبرك التأخير الزمني الذي يكون بمقدار ٠٫٠٠٠٥٨ ثانية وخبرتك السابقة، أن المصدر يقع إلى يمينك تمامًا بزاوية ٩٠ درجة من الاتجاه الأمامي. ومع ذلك، إذا كنتَ أنت ومصدر الصوت مَغمورَين أسفل الماء، سيكون التأخير الزمني بمقدار الرُّبع فقط (٠٫٠٠٠١٤ ثانية) لأن سرعة الصوت في الماء تبلغ أربعة أضعاف سرعة الصوت في الهواء. (ينتقل الصوت من الأُذن الأقرَب إلى الأذن الأخرى بشكلٍ أسرع.) يقودك هذا التأخير الزمني الأقصر وخبرتك السابقة إلى الاعتقاد خطأً بأن مصدر الصوت يقع على زاوية ١٣ درجة فقط من الاتجاه الأمامي.

ومع ذلك، على الأرجح لا يمكنك تحديد الزاوية جيدًا نظرًا لأنَّ التأخير الزمني الذي يستغرقه الصوت للانتقال من أُذنٍ إلى الأخرى يُشَوِّشهُ تأثير إضافي. يمكن نقل الصوت بسهولةٍ أكبر من الماء إلى داخل رأسك عنه من الهواء إلى داخل رأسك. لذا، بغمر رأسك أسفل الماء، يصل الصوت إلى الأذن الأُخرى ليس فقط من خلال المرور أمام رأسك عبْر الماء، بل أيضًا من خلال الانتقال عبْر رأسك نفسه. يختلف التأخير الزمني لهذَين المسارَين بعض الشيء، وهو ما يُعطيك إشارات مُتضاربة حول اتجاه مصدر الصوت.

(٢٧) تأثير حفل الكوكتيل

في حفلٍ صغيرٍ يكون الناس فيه واقفين ويتحدَّثون في أزواج، تجد أن كلَّ فردٍ يقف على مسافة «مقبولة اجتماعيًّا» من الآخر ويسمع كلاهما الآخر من دون أيِّ مشكلة. ومع ذلك، لماذا يُصبح السمع أصعبَ كلما ازدادت كثافة الحضور في الغرفة؟ وماذا يفعل كلُّ زوج من المُتحدِّثين نتيجة لذلك؟ ولماذا يظلُّ من الممكن تمييز الصوت؟ قد تلاحظ حدوث نفس تلك التأثيرات في العديد من البيئات الصاخبة الأخرى، مثل في مطعم مُزدحِم أو في عربة مترو.

الجواب: كلما ازدادت كثافة الأشخاص، ازدادت الضوضاء الخلفية الناتجة عن صوت حديثهم (الأصوات الآتية منهم إليك مباشرة، بالإضافة إلى الأصوات المنعكسة من الجُدران والسَّقف ومن الأشخاص الآخرين أيضًا). عندما تُصبِح الضوضاء الخلفية بنفس ارتفاع صوت المُحادثة التي تنخرِط فيها، ترفع أنت وشريكك صوتكما تلقائيًّا، وهو ما يُعرَف ﺑ «تأثير ظاهرة لومبارد» الذي سُمِّي نسبة إلى إيتيان لومبارد الذي درس هذه الظاهرة في عام ١٩١١. وبما أنَّ كل المُتحدِّثين الآخرين يُعانون من نفس المشكلة، فإنهم يرفعون بدورهم أصواتهم أيضًا؛ مِن ثَمَّ تظلُّ لدَيك مشكلة في سماع ما يقوله شريكك. في مرحلةٍ ما، لتجنُّب الصراخ، تقترِب أنت وشريكك أحدُكما من الآخر بشكلٍ أكثر من الطبيعي (بحيث تصيران داخل «المساحة الشخصية» لكلِّ واحدٍ منكما). إذا أسكتَ أحدُهم الحضور ليُعلن عن شيءٍ ما على سبيل المثال، ثم عاود الناس الحديث، تعود مستويات الصوت (تدريجيًّا مع الوقت) إلى القِيَم التي كانت عليها سابقًا. دُرِسَ تأثير ظاهرة لومبارد في بعض الحيوانات، مثل الطيور التي ترفع مستويات صوت نداءاتها حينما تُقابلها أصوات خلفية مُتزايدة تَصدُر من الطيور الأخرى.

إذا قام أحدهم بتسجيل مُحادثتك مع شريكك باستخدام ميكروفون واحدٍ ثم أعاد تشغيل ما سجَّله لاحقًا في غرفة هادئة، فعلى الأرجح لن تتمكَّن من تمييز ما يقوله شريكك كما كنتَ تُميزه حينما كنتَ تسمعه وجهًا لوجه. الفرق هو أنك تسمع شريكك بأذنيك وأنتما تتحدَّثان وجهًا لوجه؛ إذ يساعدك التأخير الزمني البسيط بين ما تسمَعُه الأذن وبين الاختلاف الطفيف في شدَّة الصوت في الأُذنَين على تمييز صوت شريكك من بين باقي الأصوات الأخرى. يُطلَق على هذا التأثير اسم «تأثير حفل الكوكتيل». يُمكن أيضًا أن تُساعدك رؤية حركة فم شريكك و«لغة جسده» في ملء فراغات الكلمات غير المسموعة أو حتى جمل كاملة لم تسمعها بوضوح. لا تتوفَّر أي من هذه المفاتيح حينما تستمع إلى محادثة سجلها ميكروفون واحد. حينئذٍ يتوجَّب عليك البحث عن مفاتيح أخرى، مثل البحث عن الأفكار الذكية أو النغمات المميزة المدفونة في ضجيج الخلفية. في بعض الأحيان يكون التقاط المُحادثة من بين هذه الضوضاء الخلفية سهلًا للغاية، كما يحدُث حين تتمكن بسهولةٍ من سماع صوت أحد أفراد الجمهور الذي كان يجلس بالقُرب من المُسجِّل عندما كانت الحفلات الموسيقية تُسَجَّل بشكلٍ غير قانوني. تستخدم بعض الحيوانات القدرة على التعرُّف على الأصوات المألوفة في خلفية صاخبة، مثل فرخ البطريق الملكي الذي يتمكن من سماع والدَيه في وسط الضجيج الذي تُنتجه الآلاف من طيور البطريق الأخرى المجاورة.

(٢٨) الصوت المُنبعِث من الأذنَين

يُصدِرُ حوالي ٦٠٪ من الناس صوتًا من الأُذنَين، وهو ما يُعرَف ﺑ «الانبعاثات الأذنية السمعية». تتطلَّب معظم الانبعاثات وجود ميكروفون ومكبر للصوت حتى تُسمَع، ولكن بعض الانبعاثات تكون مسموعةً إذا كنتَ تقِف بالقُرب من الشخص في غرفة هادئة إلى حدٍّ ما. لماذا تُصدِر الأذنَين الصوت؟

الجواب: حينما يستثير الصوت طبلةَ الأذن للعمل، تُنقَلُ الاهتزازات إلى الأذن الداخلية (قوقعة الأذن)، التي تتكوَّن من جزأين طويلَين نسبيًّا من السائل يفصل بينهما «الغشاء القاعدي». العضو المَعْني بالاستشعار الصوتي هو «عضو كورتي» الذي يقع على هذا الغشاء. عندما تُنقَلُ إشارة صوتية إلى عضو كورتي من خلال اهتزاز الغشاء القاعدي، تبدأ قضبان تُشبِه الشعر داخل العضو بالتمايُل، ممَّا يؤدي إلى إطلاق نبضات كهربائية تُرسَلُ إلى الدماغ كمعلومات عن الصوت. يتَّسِم هذا الرصد بحساسيته للتردُّدات العالية؛ إذ يُحفِّز كلَّ صوتٍ ذي ترددٍ مُعين القضبانُ التي تُشبِهُ الشَّعر في منطقة مُعينة. يرجع هذا الانتقاء إلى نظام تحكُّم يُغذي جزءًا من الإشارة داخل منطقة الرصد مرة أخرى. يمكن لطاقة التغذية العكسية هذه أن تتسبَّب في اهتزاز الغشاء القاعدي دون مُحفِّز خارجي، وتُرسِل هذه الاهتزازات إلى طبلة الأذن مرة أخرى التي تُنتج بعد ذلك موجات صوتية تنتقل خارج القناة الصوتية. تُعتبَر مثل هذه الموجات الصوتية قليلة جدًّا عند مُعظم الناس، ولكن إذا قال أحدُهم إنَّ أُذنَيه تطنَّان، فقد تتمكَّن من سماع هذا الطنين فعلًا.

(٢٩) سماع الموسيقى في رأسك

تحمل كلاسيكيات موسيقى الهيفي روك، مثل أغاني فريق «آيون باتَرفلاي» أو فريق «ليد زيبلين»، جملًا لحنيَّة ثقيلة يلعبها جيتار الباص. ومع ذلك، لا تتمكَّن السمَّاعات الصغيرة، مثل تلك الموجودة في السيارات، من انتاج نغمات الباص، إذ تتطلَّب الموجات الصوتية أطوالًا موجيةً طويلةً لا يمكن إنتاجها في مخروط سمَّاعة ذي قطرٍ وعمقٍ صغيرين. ومع ذلك، تبدو الأصوات الصادرة من هذه السماعات الصغيرة مقبولة؛ إذن، كيف يمكنك سماعَ جُمَلِ الباص اللحنية؟

الجواب: تُنتَج الأصوات ذات التردُّد المُنخفض داخل رأسك بسبب تأثيرين. أُطلِقَ على التأثير الأول اسم «التأثير الأساسي المفقود»، والذي يتعلق بإدراكك لسلسلةٍ من النغمات التوافُقية. تتكوَّن هذه السلسلة من التردُّدات الأدنى (الأساسية) والتردُّدات الأعلى (النغمات المتآلِفة) وهي عبارة عن مضاعفات الأعداد الصحيحة من التردُّد الأدنى. على سبيل المثال، إذا كان التردُّد الأساسي يُساوي ٥٠٠ هرتز، فإن السلسلة تتكوَّن من ٢ × ٥٠٠ = ١٠٠٠ هرتز، أو ٣ × ٥٠٠ = ١٥٠٠ هرتز، أو ٤ × ٥٠٠ = ٢٠٠٠ هرتز، وهكذا. لنفترِض أن سمَّاعات السيارة يمكنها توليد أي تردُّد فوق ٨٠٠ هرتز، ولكن لا يمكنها توليد أي تردُّد أقل. إذا أرسلت هذه السلسلة التوافُقية إلى السمَّاعات، فلا يمكن للتردُّد الأساسي الذي يبلغ ٥٠٠ هرتز أن يوَلَّد، ولكن يمكن توليد التوافُقيات الأعلى. وعلى الرغم من ذلك، فالجهاز العصبي المسئول عن إدراك تلك التوافُقيات الأعلى وإدراك أنها جزءٌ من سلسلة توافُقية يخلق أيضًا إدراكًا يتمكن من تمييز التردُّد الأساسي على الرغم من أنه لا يصل إلى أذنيك؛ ومِن ثَمَّ، حينما تستمع إلى موسيقى الهيفي روك عبْر السماعات، تكون التردُّدات التوافُقية الأعلى للنغمة كافية لجهازك العصبي ليتمكن من تمييز التردُّد الأساسي للنغمة. ولكن يظلُّ السبب وراء فعل الجهاز العصبي لهذا الأمر غير مفهوم.
أما التأثير الثاني المسئول عن إدراك جملة الباص اللحنية، فهو أنَّ آلية السمع في الأذن «لا خطية»؛ أي إن استجابتها لأي اختلافات في الموجات الصوتية التي تدخُل الأذن تكون مشوشة. ويُفترَض أن استجابتها لا خطيَّة حتى تستجيب لمستويات الصوت (ارتفاع الصوت) عبْر نطاقٍ واسعٍ جدًّا ولتتمكَّن أيضًا من فرْز الأصوات طبقًا لتردُّداتها. تحدُث إحدى النتائج الثانوية لهذه الاستجابة المشوَّشة عندما تتعامَل الأذن مع تردُّدَين؛ على سبيل المثال، تردُّد أول (f1) يبلغ ١٠٠٠ هرتز، وتردُّد ثانٍ (f2) يبلغ ١٥٠٠ هرتز. إذا كانت الموجات الصوتية مُرتفعة نسبيًّا، فستنتهي الحال بموجةٍ صوتية بتردُّد يُساوي الفرق بين هذَين التردُّدين (f2f1 = 500 hertz) إلى أن تُنتَجُ في الأذن الداخلية. نظرًا لأنَّ هذَين التردُّدين مُتتابِعان في السلسلة التوافُقية المذكورة آنفًا، فإنَّ الفرق بينهما يُساوي التردُّد الأساسي. وهكذا، على الرغم من أن التردُّد الأساسي لا يدخل الأذن، فإنه يُنتَج في الأذن الداخلية عن طريق استجابة الأذن اللاخطية.
يمكنك سماع «نغمة الفرق» f2f1 في حالاتٍ أخرى يُصدِر فيه مصدران صوتيان تردُّدات قريبة بدرجة معقولة «بصوتٍ عالٍ». ولا بدَّ أنْ تكون عاليةً حتى تحثَّ الأذن الداخلية لإحداث التشويش. على سبيل المثال، إذا أصدرَتْ إحدى آلات الفلوت التردُّد f1، بينما أصدرَت أخرى التردُّد f2، فعندئذٍ ستسمع صوت آلة فلوت ثالثة غير موجودة عند تردُّدٍ يُساوي f2f1.

كما يمكن سماع نغمة الفرق أيضًا عن طريق الضغط بقوة على صافرة الشرطة البريطانية ذات الفتحتَين. إذا غطيتَ الفتحة القريبة بإصبع، فستسمع التردُّد لأن الفتحة البعيدة مفتوحة؛ وإذا غطيتَ الفتحة البعيدة بإصبع، فستسمع التردُّد لأن الفتحة القريبة مفتوحة. أما إذا تركتَ كلتا الفتحتَين مفتوحتَين، فستسمع تردُّدين مُختلفَين بالإضافة إلى تردُّدٍ ثالث؛ ألا وهو نغمة الفرق.

توَظَّف نغمة الفرق أيضًا في الأرغن ذي الأنابيب: كي يُصدِر الأنبوب نغمة دو منخفضة عند درجة ١٦ هرتز، يجب أن يبلُغ طوله حوالي عشرة أمتار، وهو طول كبير للغاية وثقيل ومُكلِّف. ومع ذلك، إذا عُزِفَ على الأنبوب الذي يُصدِر نغمة دو عند درجة ٣٢ هرتز والأنبوب الذي يُصدِر نغمة صول عند درجة ٤٨ هرتز معًا بصوتٍ عالٍ، فسيُصدران نغمة دو المنخفضة عند درجة ١٦ هرتز كناتج تشويش داخل الأذن الداخلية؛ ومِن ثَمَّ، يُنتِج الأنبوبان الأقصر والأوفر ثمنًا مُوسيقى إضافيةً في رأسك.

(٣٠) فقدان السمع الناجم عن الضوضاء

عندما ظهرت موسيقى الروك آند رول، وبَّخ عددٌ لا حصر له من الآباء أبناءهم من المُراهقين على سماع هذه الموسيقى لأنها ستتسبَّب في تدمير سمعهم. أظهرت الدراسات المُبكرة أن هذا التنبُّؤ لم يكن صحيحًا؛ ومع ذلك، بدأت أضرار السمع بالظهور مع تطوُّر موسيقى الروك، وخاصةً بعد أن صارت أكثر صخبًا في الحفلات والنوادي الليلية (وبعد ذلك سماعها بشكل مُركَّز من خلال سماعات الرأس). في الواقع، بعد سنوات من التعرُّض للموسيقى الصاخبة، سواءٌ أثناء العروض الموسيقية الحيَّة أو الاستماع إلى الموسيقى المُسجَّلة من خلال سمَّاعات الرأس التي تُستخدَم في استديوهات التسجيل، عانى بعضُ موسيقيِّي الروك المُخضرَمين من مشكلاتٍ جسيمة. على سبيل المثال، فقدَ تيد نادجينت السمع تمامًا في إحدى أُذنَيه، بينما عانى بيتر تاونزهيند (من فريق ذا هوْ) ولارس أولريتش (من فريق ميتاليكا) من طنين الأذن المُتواصِل الذي كان عاليًا بما فيه الكفاية حتى أثَّر سلبًا على قُدرتهما على النوم والتركيز.

يُعاني العديد من مُنسِّقي الأغاني (الدي جيه) الذين يعملون في الحفلات الموسيقية والنوادي الليلية الصاخبة إما من فقدان السمع المؤقَّت بعد ترك العمل، أو فقدان السمع الدائم، أو طنين الأُذن. كما بدأت الأضرار التي تُصيب السمع في الظهور لدى من يستخدِمون أجهزة تشغيل الموسيقى المحمولة من جرَّاء سماع الموسيقى عبْر سمَّاعات الرأس بصوتٍ مُرتفع. يمكن بالطبع أن يتسبَّب العديد من المصادر الأخرى للصوت الصاخب أو المفاجئ في فقدان السمع، مثل صوت منافيخ الأوراق، وجَزَّازات العُشب، وصوت الألعاب النارية القريبة، والطلقات النارية، والمطارق الثقَّابة، ومحركات الطائرات النفاثة، والدراجات النارية، وسيارات السباق. يتَّخِذ العديد من الناس الاحتياطات اللازمة الآن، إذ يرتدي البعض سدادات الأذن «الخاملة» التي تُخفِّف الضجيج دون عزله تمامًا، والتي تكون على شكل أسطوانات مصنوعة من الفلِّين تسدُّ فتحة الأذن، بينما يَستخدِم آخرون سدَّادات وسمَّاعات الأذن «النشطة» التي ترصد أي ضجيجٍ مُستمرٍّ في الخلفية، مثل صوت مُحرِّك الطائرة وتُلغيه تمامًا بحيث لا يُعَد مسموعًا.

لماذا تتسبَّب الأصوات العالية في هذه الأنواع المُتعدِّدة من مشكلات السمع؟ وكيف تُلغي سدَّادات وسماعات الأذن النشطة الضوضاءَ المُحيطة؟

الجواب: تظلُّ تفاصيل فقدان السمع المؤقَّت أو الدائم بسبب الضوضاء العالية غير مفهومة. قد يتسبَّب في الفقدان المؤقَّت للسمع انخفاض تدفُّق الدم إلى الأذن الداخلية بسبب انقِباض الأوعية الدموية. أما فقدان السمع الدائم فقد ينجُم عن انثناء الخلايا الشَّعرية للقوقعة المسئولة عن تحويل التردُّدات الصوتية إلى إشارات عصبية للدماغ. إذا انثنت الخلايا الشَّعرية واختلفت الإشارات عن النَّسق المُعتاد، فقد يعتقِد الدماغ أنَّ هذا التغيير يدلُّ على دخول الصوت إلى الأذن؛ ومِن ثَمَّ يصل هذا الشعور المُتعلق بالصوت إلى الوعي ويَنتُج عن ذلك الشعور بالطنين.

يرصد جهاز مُصغَّر في سدَّادات وسمَّاعات الأذن النشطة الصوت المُحيط ويُنتِج صوته الخاص. إذا كان الصوت المُحيط ثابتًا إلى حدٍّ ما، يُنتِج الجهاز حينئذٍ موجةً صوتية لها نفس السعة الموجية والتردُّد. قد يبدو أنَّ هذا يزيد الأمر سوءًا. ومع ذلك، تكون الموجة الصادرة مُعاكسة تمامًا للموجودة في البيئة المُحيطة؛ ومِن ثمَّ تلغي الموجتان إحداهما الأخرى داخل أذنيك عن طريق التداخُل الهدَّام. يمكن أن يكون التأثير الناتج عن هذه العملية مُذهلًا، فإذا ارتديتَ سمَّاعات الأذن النشطة التي تُلغي الضجيج دون تشغيلها، فإن صوت الطنين الصادر من مُحركات الطائرة، على سبيل المثال، يكاد يكون غير مُحتمَل. أما إذا ضغطتَ زرَّ التشغيل، فسينخفض صوت الطنين فجأةً حتى يصير همسًا خافتًا.

(٣١) الصوت المُحسَّن بالضوضاء

عادةً ما تميل الضوضاء إلى «حجب» (أو إخفاء) الإشارة، إذ قد تخفي صوت أحد الأصدقاء في حفلٍ صاخب (تبلُغ «نسبة الإشارة إلى الضجيج» أقلَّ من ١٫٠ وهو ما يعني أنَّ الإشارة تُفْقَد في خضمِّ الثرثرة). ومع ذلك، يمكن في الواقع أن تزيد الضوضاء من إمكانية سماع الإشارة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، إذا خفضتَ مستوى الصوت أثناء استماعك إلى الموسيقى، فستُصبِح الموسيقى ضعيفةً جدًّا لدرجة يصعُب سماعها. إذا شغَّلتَ حينئذٍ مصدر ضوضاء يُنتج صوتًا واحدًا وثابتًا، مثل صوت طنين مُحرك الطائرة، وضبطتَ مُستوى صوته، فقد تجد أنه يمكنك سماع صوت الموسيقى مرة أخرى. كيف يُمكن للضوضاء أن تجعلَ الموسيقى غير المسموعة مسموعة؟

الجواب: تتكوَّن الموسيقى من مجموعة من الأصوات ذات المستويات الصوتية المختلفة، ولكنك إذا خفضتَ مستوى الصوت حتى يُصبح غير مسموع، فلن يمكنك حتى سماع أعلى الأصوات وأوضحها. حينما تُشغِّل ضوضاء خلفية ثابتة إلى حدٍّ ما، يُضاف مستوى صوت الضوضاء إلى مستوى صوت الموسيقى، وكلَّما تأتي الأجزاء التي تعلو فيها الموسيقى، تُعزِّز الضوضاء الإضافية تلك الأجزاء وتدفع بها إلى النطاق المسموع؛ ومِن ثَمَّ يمكنك الآن أن تُميِّز إيقاع الموسيقى وربما بعض التفاصيل كذلك، ولكن الموسيقى التي تسمعها لن تكون عالية الجودة بكلِّ تأكيد إذ إنك ستُفَوِّت جميع الأجزاء ذات الصوت المُنخفِض. ومع ذلك، فما تسمعه سيكون كافيًا للتعرُّف على الموسيقى.

(٣٢) سمَّاعة الطبيب وأصوات التنفُّس

يمكن للأصوات التي تُنتَج داخل جسم المريض، سواء من خلال منطقة الصدر أو الظهر أو الحلق، أن تلفِتَ انتباه الطبيب إلى وجود خطبٍ ما. من الواضح أنه ليس بمقدور الطبيب سماع تلك الأصوات بمجرد الوقوف بالقُرب من المريض؛ لذا يستخدِم السماعات للفحص. هل يمكن للطبيب أن يسمع هذه الأصوات بشكلٍ أفضل عن طريق ضغط أذنَيه بقوَّة على جسم المريض (بصرْف النظر عن كون هذا الأمر مُحرجًا للغاية)؟ ما الذي يُسبِّب هذه الأصوات؟

الجواب: تُوَلَّد الأصوات أولًا عن طريق تدفُّق الدم عبْر القلب وعن طريق تدفُّق الهواء عبْر الرئتَين والحنجرة. ما يزال السبب وراء الأصوات الناتجة عن تدفُّق الهواء غير مفهوم بما يكفي، ولكنها عادةً ما تُعزى إلى الاضطراب الذي يُسبِّب تغيُّرات في ضغط الهواء، الذي يُرسِل بعد ذلك موجات صوتية عبْر الصَّدر والظهر والحلق. يُمكن أن يُشير الاضطراب بالِغَ الشدَّة أو الاضطراب بالغ الانخفاض (عدم سماع أي صوتٍ داخل الصدر) إلى وجود مشكلاتٍ في تدفُّق الهواء وتلَف الرئتَين. يمكن أن تُشير خشخشة الصدر وصفير الصدر (الذي يدوم لفترةٍ أطول من الخشخشة) إلى انسداد المجرى الهوائي وهو ما يمكن أن يكون عرَضًا من أعراض الإصابة بالربو.

تنتقل الأصوات المُختلفة التي تُنتَج داخل جسم المريض إلى جدار الصدر حيث تنتقل الأصوات ذات التردُّدات المُنخفِضة بقوة أكبر. ومع ذلك فإن الأصوات تنتقل بشكل سيئ عبر السطح الفاصل بين الصدْر والهواء. قد يتمكَّن الطبيب من سماع بعض الأصوات من خلال ضغط أُذنَيه على جدار صدْر المريض مباشرة (على سبيل المثال يُمكن قطعًا سماع صوت نبضات القلب)؛ لأنَّ الأصوات قد تُحدِث رنينًا داخل قناة الأذن. وفي الواقع، كان ضغط الأذن على جسم المريض أحد الطُّرق الأولية للاستماع إلى أصوات الجسم الداخلية، إلَّا أنَّ استخدام السماعة لا يُثير الحرَج كما هو الحال في الطريقة الآنفة. إلى جانب ذلك، يمكن أن تُضخِّم السماعة حدَّة الأصوات نظرًا إلى أن الأصوات ذات التردُّد المُنخفض يمكن أن تُحدِث رنينًا داخلها.

تنقسم سماعة الطبيب التقليدية التي تضغط على صدر المريض إلى نوعَين أساسيَّين؛ القرص المعدني أو الجرس المطاطي. تتسبَّب أصوات الصدر في هزِّ قُرص السماعة أو الهواء الذي بداخلها، وهو ما يؤدي بدَوره إلى اهتزاز الهواء الموجود داخل أنابيب السماعة بحيث يتسنَّى للطبيب سماع هذه الاهتزازات. صُمِّم القُرص والجرس بحيث يكونا أعرض من الأنابيب ليجمعا الصوت عبْر مساحةٍ كبيرة نسبيًّا من الصدر، ولكنها ليست بالِغة الكبر بحيث تحُول دون قدرة الطبيب على تمييز مكان مصدر الصوت داخل الصدر. تُظهِر التجارب عامَّةً أن السماعة ذات القرص المعدني أفضل من الأخرى ذات الجرس المطاطي في نقل الصوت إلى المُستمع، وعلى الرغم من ذلك يفضل العديد من الأطباء استخدام الجرس.

(٣٣) شد أوتار الجيتار والأربطة المطَّاطية

لماذا يزيد شدُّ أوتار الجيتار من التردُّد الذي تسمعه حينما تنقُر على الوتر عند نقطة مُعينة؟ إذا شددتَ رباطًا مطاطيًّا عن طريق مَطِّه بين الإبهام والسبابة ونقرتَ عليه أيضًا، لماذا يظلُّ التردُّد الذي تسمعه كما هو أو ينخفض بعض الشيء؟ لماذا يتوجَّب العزف على الجيتار قليلًا خلف الكواليس قبل الظهور للعزْف على خشبة المسرح؟

الجواب: تسمَع صوتًا صادرًا من وتَر الجيتار حينما تنقُر عليه لأنَّ الموجات التي أطلقتَها بطول الوتر يُعزز بعضها بعضًا، وهي الحالة التي تُسمَّى ﺑ «الرنين». ويعني هذا التعزيز أن حركة الوتَر في الهواء كبيرة إلى حدٍّ ما، مما يؤدي إلى تغيُّرات مسموعة في ضغط الهواء. لا تتسبَّب مُعظم الموجات الموجودة على الوتَر في أيِّ حركة تُذكَر، ولكن ثمة موجاتٍ ذات أطوالٍ موجيةٍ بعينها يمكنها أن تُحدِث رنينًا، ومِن ثَمَّ تُصدِر صوتًا.

على سبيل المثال، تُحدِث إحدى الموجات الرنين الذي يُسمَّى بالرنين «الأساسي»، والذي يُنتِج صوتًا بأدنى تردُّدٍ يمكن للوتَر أن ينتجه. تعتمد قيمة هذا التردُّد على طول الوتَر وكذا على السرعة التي تنتقل بها الموجات على طول الوتَر، وتعتمد هذه السرعة على درجة شدِّ الوتَر وثخانته. وهكذا تُحدِّد ثلاثة عوامل (الطول والثخانة ودرجة شدِّ الوتَر) تردُّد الصوت الصادر عن الوتر.

إذا شددتَ أحد أوتار الجيتار، فإنك تزيد من درجة الشدِّ دون إحداث تغيير كبير سواءً في ثخانة أو طول الوتَر؛ ينتج عن ذلك موجات أسرع بطول الوتَر وتردُّدات أعلى للصوت الصادر. أما إذا شدَّدتَ رباطًا مطاطيًّا، فإنك لا تزيد فقط من درجة الشدَّة، بل إنك تخفض الثخانة وتزيد الطول أيضًا، فتكون النتيجة هي عدم تغيُّر سرعة الموجة بدرجةٍ ملحوظة. ومِن ثَمَّ لا يتغير تردُّد الاهتزاز ولا تردُّد الصوت بصورةٍ ملحوظة.

تزيد الحركة أثناء العزف على وتَر الجيتار من درجة حرارته فيتمدَّد؛ ومِن ثمَّ تقلُّ درجة الشدِّ والتردُّدات التي يمكن للوتر إنتاجها. لا يرغب أي عازف في حدوث هذا الأمر على المسرح؛ لأنه حينئذٍ سيتحتَّم عليه شدُّ الوتر لإعادة ضبط النغمات التي يُصدرها. ومِن ثَمَّ، يُعزَفُ على الجيتار خلف الكواليس حتى تُصبحَ الأوتار دافئة، ثم يُعاد ضبط درجة الشدِّ لتصدر النغمات دون نشاز.

(٣٤) العزف على الكمان

كيف يُصدِر العزف بالقوس على وتَر الكمان صوتًا؟ لماذا لن تسمعَ أيَّ صوتٍ تقريبًا إذا مَرَّرتَ القوس على منتصف الوتر تمامًا؟ (في حال أصدر الوتر صوتًا، فستجده صوتًا مُزعجًا.) لماذا يُمْسَحُ على القوس بمادة راتينج القلفونية؟

يمكن لقوسٍ بعَينه، له طول ودرجة شدٍّ وكتلة مُعينة، أن يصدر أصواتًا لها سلسلة من التردُّدات يُقال إنها جزء من سلسلة توافُقية. على سبيل المثال، قد يكون التردُّد الأدنى الذي يعرف باسم التردُّد الأساسي هو ٥٠٠ هرتز. أما التردُّد التالي الأعلى، الذي يُعرَف باسم التردُّد التوافُقي الثاني أو التآلُف الأول فيُساوي ٢ × ٥٠٠ = ١٠٠٠ هرتز. يمكنك إيجاد قِيَم باقي السلسلة عن طريق ضرب ٥٠٠ هرتز في الأعداد الصحيحة الأخرى (٣، ٤، ٥ … إلخ). يُحدِّد أي موقع على الكمان يُعزَفُ عليه بالقَوس وترتكز عنده الأصابع أيَّ جزء من سلسلة التردُّدات سيُنتِجها الوتر فعليًّا. وما يُثير دهشة العديد من عازفي الكمان هو أن الوتر يمكن أن يُستخدَم بطريقةٍ تجعله يُصدِر «أجزاء من التردُّد الأساسي»؛ أي تردُّدات أقل من التردُّد الأساسي قد تصِل إلى النصف. كيف يمكن لعازف كمان أن يعزف هذه النغمات؟

الجواب: إذا نقرتَ على وتر جيتار، فسيهتز في عددٍ من أنماط الرنين، التي تنتقل فيها الموجات بعضها عبْر بعض في اتِّجاهين مُعاكسَين، ويعزز بعضها بعضًا لتُنتج نمَطًا مُتداخلًا. وفي كلِّ نمطٍ مُتداخِل يكون للوتر مناطق اهتزاز قوية، والتي تتسبَّب في اختلافاتٍ في ضغط الهواء، ثم تنتقل تلك الاختلافات بعيدًا عن الوتَر على هيئة موجاتٍ صوتيةٍ.

أما الوتَر الذي يُمرَّر عليه قوس الكمان فهو حالة مختلفة تمامًا عن الحالة السابقة؛ لأن الموجات لا تنشأ على الوتر عبْر نقرة واحدة، بل حينما يُمَرَّرُ القوس على الوتر لأعلى، على سبيل المثال، يتعرض كلاهما لعملية متكررة تُعرف باسم «التلاصُق والتحرُّر»، إذ يتلامسان ثم يفترقان وهكذا. يمكن أن يلتصق الوتر بالقوس في البداية ويُحَرَّكُ إلى أعلى، ولكنه ينزلِق بعيدًا عن القوس في النهاية. عند حدوث عملية التحرُّر، تُغادر موجتان مُثلَّثتان نقطة التحرُّر في اتجاهين مُعاكسين على الوتر؛ فتتَّجِه واحدة نحوَ طرف الوتَر الأقرب إلى عازف الكمان، بينما تتَّجِه الأخرى نحوَ الطرف الأبعد. تنعكس كلُّ موجة عند نهاية الوتر (وتنقلب نتيجة لعملية الانعكاس)، ثم تنتقل بطول الوتر إلى الطرف المُعاكس. يكون القوس في هذه الأثناء لا يزال يتحرَّك لأعلى عبْر الوتَر، ولكنه يتحرَّك عليه انزلاقًا. في بعض الأحيان، حينما تعود الموجات المُثلثية إلى موقع القوس، يلتصِق الوتَر به ويتحرَّك لأعلى حتى يتحرَّر منه مرة أخرى، وبذلك تستمرُّ الموجات المُثلثية.

لا بُدَّ أن يُنَمِّي عازف الكمان حدسَه ويُدَرِّب أُذنه على أن يضبط حركة قوسه للتزامُن مع انتقال الموجات المُثلثية دون أن يكون قادرًا على رؤيتها بالطبع. إذا اتَّخذَت هذه الموجات المُثلَّثية وضعها المناسب، فسينتج عن اهتزازها اختلافات في ضغط الهواء، وستنتقل هذه الاختلافات من الكمان إلى الخارج على هيئة موجاتٍ صوتية. كما يمكن أن يُحدِث اهتزازها رنينًا داخل هيكل الكمان الخشبي وتجويفه الهوائي، وتُنتِج هاتان المجموعتان من الاهتزازات موجاتٍ صوتيةً إضافية بتردُّدات مختلفة، مما يضيف بدَوره إلى «جودة» الصوت المسموع وإثراء «طابعه».

يُصنَع القوس من شَعْر الخيل الذي يمتاز سطحه الخارجي بطبقاتٍ صلبة وسطحه الداخلي بمواد أنعم. وكلَّما استُخدم القوس بشكل متكرر، يُحزَّز الشَّعر تدريجيًّا بطول الجانب الذي يحتكُّ بالوتر، فينكشف سطحه الداخلي الأنعم. حينما يُوضَع راتينج القلفونية على شَعر القوس، تدمج جسيماته جزئيًّا في المادة الداخلية الأنعم. تعمل الأجزاء المكشوفة من جسيمات راتينج القلفونية على توفير مواقع يمكن للوتَر أن يلتصق بها حينما يُمرَّر عليه القوس، إلا أن العزف يزيل الجسيمات تدريجيًّا، وهو ما يتطلَّب وضع المزيد من راتينج القلفونية على الشعر حتى يتسنَّى للقَوس والوتر أن يتلاصقا ويتحرَّرا بشكلٍ مناسب.

لا أفهم التفسيرات المنشورة حول أسباب عدم صدور أيِّ صوتٍ عند العزف بالقوس على منتصف الوتَر أو صدور صوتٍ مُزعج. ومع ذلك، أعتقد أنَّ هذا يرجع إلى تماثُل الموجتَين المُثلَّثتين اللتَين يُصدرهما العزف بالقوس على منتصف وتَر الكمان. تقطع الموجتان عادة مسافات مختلفة لتصلا إلى نهاية الوتَر، ولكن في حالة العزف على منتصف الوتر، تقطعان مسافات مُتساوية وتعودان إلى القوس مرة أخرى في الوقت نفسه. وبذلك، تجتمعان وتتسبَّبان في إحداث انحرافٍ أكبر من المُعتاد في الوتر عند المنتصف، وهو ما يفسد بدوره عملية الالتصاق والتحرُّر المناسبة بالقوس؛ ومِن ثمَّ، إما لا يُصدِر الوتر صوتًا، أو يصدر صوتًا خشنًا.

لكي يعزفَ عازفُ الكمان نغمة جزئية، فإنه يضغط بقوةٍ على مشط الكمان أو حتى يلفُّه أثناء العزف على وترٍ طبيعيٍّ مصنوع من خيوط الأمعاء الحيوانية (وتر غير صناعي). لم يُقَدَّمُ تفسيرٌ وافٍ للسبب وراء خفض هذه العملية للتردُّد إلى درجةٍ أقل من التردد الأساسي، ولكنه يبدو أنه يتضمَّن «موجات لولبية» لا تُنتِج فقط إزاحة جانبية للوتر، بل حركة مُلتوية أيضًا. قد تنتقل هذه الموجات بطول الوتَر بصورةٍ أبطأ من الموجات المثلثية العادية آنِفة الذكر؛ ومِن شأن هذه السرعة الأقل أن تؤدِّي إلى إنتاج تردُّدات مُنخفضة لاهتزاز الوتَر؛ ومِن ثمَّ تردُّدات أقل للصوت.

(٣٥) سماع نغمات الكمان وكأنها مُشتَّتة المصدر

في حالة التردُّدات التي تقلُّ عن ١٠٠٠ هرتز يُصدر صوت الكمان من نفس اتجاه الكمان. أما بالنسبة للتردُّدات الأعلى، فقد يبدو الصوت قادمًا من اتجاهاتٍ مختلفة وفق التردُّدات المختلفة. وهكذا، بينما يتغيَّر تردُّد الصوت عند الترددات الأعلى، يبدو اتجاه مصدر الصوت وكأنه قد تغير، وهو تأثير يُطلَق عليه أحيانًا اسم «تأثير النغمات مُشتَّتة المصدر» (أي سماع النغمات وكأنها قادِمة من اتجاهات مُختلفة عن اتجاه الكمان). قد يبدو حينئذٍ أن الصوت قد انفصل عن الموقع الفعلي للكمان، فما الذي يُسبِّب هذا الشعور؟

الجواب: حين يكون مصدر الصوت صغيرًا مقارنة بالطول الموجي للصوت، يبدو الصوت وكأنه ينبُع من جهة المصدر، حتى أثناء تغيُّر التردُّد. أما عندما يكون مصدر الصوت كبيرًا مقارنة بالطول الموجي، فيمكن أن تعمل الأجزاء المختلفة للمصدر وكأنها مصادر مُنفصلة، يبثُّ كلٌّ منها صوته. تتداخل هذه الحزم الصوتية في أي تردُّد وتنتج نمطًا تداخليًّا بمستويات حدَّة مختلفة، ويتغيَّر النمط بتغيُّر التردُّد. إذا سمعت مجموعة من التردُّدات العالية، فيمكن أن يُوهِم هذا الفرق في النمط التداخُلي للتردُّدات المختلفة بأن هذه التردُّدات المختلفة تصدُر من أماكن مختلفة.

حينما يُصدِر الكمان أيَّ تردُّد أعلى من الحد الأدنى للنطاق المسموع، يصدر الصوت في المقام الأول من خشب الكمان. حينما تكون التردُّدات أعلى من ١٠٠٠ هرتز، تكون الأطوال الموجية صغيرةً بما يكفي لتصدُر من أجزاء من الخشب كما لو كانت مصادر مُنفصلة؛ ومِن ثمَّ، يمكن أن يحدُث حينئذٍ تأثير النغمات مُشتَّتة المصدر.

(٣٦) أصداف البحر

كانت الأصداف تُستخدَم في الماضي كصافرات لتحذير السفن من أخطار الاصطدام بالصخور في الضباب الكثيف، أما اليوم، فيستخدمها الناس على نطاقٍ واسع كصافرات للاحتفال. كي تنفخ في الصدفة، لا بُدَّ أن تضغط شفتَيك على فتحة ضيِّقة تُصنَع من خلال كسر أو طحن طرف القشرة. لماذا تُصدِر الأصداف هذا الصوت العالي؟

إذا التقطت صدفةً كبيرة نسبيًّا من أحد الشواطئ ووضعتها بالقُرب من أذنٍ واحدة، لماذا تسمع صوتًا صادرًا منها يُشبِهُ صوت الأمواج التي تتكسَّر على الشاطئ؟

الجواب: يتضمَّن النفخ في الصَّدَفة مجموعتَين من الاهتزازات، فمن المُفترض أن تهتز شفتاك (تطنطن) بصورة أشبه بوتَر الجيتار، وإذا حدث تطابُق في الترددات، فإن اهتزازات شفتيك قد تُنشئ موجاتٍ صوتيةً مُهتزة داخل الصدفة. يمكنك أن تجعل شفتَيك تهتزَّان عن طريق النفخ عبرهما وهما مضغوطتان على الفتحة الموجودة في القشرة. إذا فعلتَ ذلك بدقَّة، تهتزُّ الشفتان في عدة تردُّدات في وقتٍ واحدٍ في سلسلة من القِيَم تُعرَف باسم «السلسلة التوافقية». في واحدة من مجموعات القياسات كان التردد الأدنى المعروف باسم «التردد الأساسي» يساوي ٤٧٫٥ هرتز، بينما كانت الترددات الأعلى تساوي ناتج مضاعفات الأعداد الصحيحة لهذه القيمة: ٢ × ٤٧٫٥ = ٩٥ هرتز، ٣ × ٤٧٫٥ = ١٤٢٫٥ هرتز، إلخ.

تُنشئ اهتزازات الشفتَين موجاتٍ صوتية داخل الصَّدَفة لها نفس ترددات اهتزازات الشفتَين. تلغي معظم الموجات الصوتية بعضها بعضًا، ولكن يمكن في واحد من التردُّدات الرنانة للصَّدَفة أن يُعزِّز بعضها بعضًا لتكوين موجة صوتية قوية (عالية). كان التردد الرنَّان الأقل للقشرة في التجربة هو ٣٣٢٫٥ هرتز.

نجح نافخُ الصَّدَفة في أن يجعلها تُصدر صوتًا مسموعًا، وذلك لأن التردُّد السابع في السلسلة التوافقية لاهتزازات الشفتَين كان ٣٣٫٥ هرتز. ومِن ثَم، فقد أحدثت اهتزازات الشفتَين بهذا التردُّد رنينًا داخل الصدفة بنفس التردُّد، فصار يمكن لأيِّ شخصٍ آخر سماع الصوت الصادر عن الصدَفة.

يمكن أن تُحدِث الضوضاء المُحيطة رنينًا أيضًا داخل الصدَفة. وإذا وضعتَ الصدَفة بالقُرب من إحدى أذنيك، فستتمكن من سماع بعض الترددات الرنانة. الصوت الذي تسمعه من القشرة سيكون غير ثابتٍ على الأرجح؛ لأن الضوضاء المُحيطة التي تنتجه غير ثابتة هي الأخرى. وإذا أردتَ فَهْم هذا الصوت المتقلب، واضعًا في الاعتبار أنك تضع على أذنك صدَفةً بَحْرية، فقد تتخيل بسهولة أن الصوت الذي تسمعه هو صوت الأمواج المتكسِّرة.

يُشبِهُ بركان سترومبولي في إيطاليا الصَّدَفة من حيث إن الرياح المتقلبة التي تمر عبر قنواته يمكن أن تُحدِث رنينًا داخل هذه القنوات، وهو ما يجعل البركان يُصدِر أصواتًا ذات حِدَّة مُتقلبة.

(٣٧) صوت آلة الديدجيريدو

تصدر آلة الديدجيريدو، وهي آلة موسيقية تقليدية يستخدمها سكَّان أستراليا الأصليين، صوت أزيز مُستمرًّا نسبيًّا حينما تُعزَف. وهي ببساطة عبارة عن غُصن شجرة طويل مجوف من الداخل على شكل أنبوب يمتدُّ من بداية الغُصن لنهايته حفرَه النمل الأبيض. يمكنك العزف على الغصن من خلال ضغط شفتيك على أحد طرفَي الأنبوب، ثم النفخ بطريقةٍ معينة، ومع ذلك يعتبر إصدار صوتٍ عالٍ وثابتٍ إلى حدٍّ ما أمرًا صعبًا للغاية، حتى بالنسبة لعازفي آلات النفخ النحاسية المُخضرَمين. كيف تُصدِر آلة الديدجيريدو الصوت؟

الجواب: الفرق الأساسي بين عزف آلة الديدجيريدو وآلة نفخ نحاسية هو أنه في حالة الأولى، لا بُدَّ أن تُحدِث رنينًا قويًّا في قناتك الصوتية (التجويف المُشترك للفم والأنف والجزء العلوي من الحلق). وهو ما يعني أنك لا بُدَّ أن تُحدِث موجاتٍ صوتية في القناة الصوتية يُعزِّز بعضها بعضًا لإنتاج موجة صوتية قوية، ثم تسمح لبعض من هذا الصوت بالتسرُّب داخل آلة الديدجيريدو بطريقتَين: الأولى هي السماح باستمرار لرنين القناة الصوتية أن يهُزَّ شفتَيك، وسيُحدِث جزء الشفتين الذي داخل الأنبوب اهتزازاتٍ للهواء في تلك المنطقة. أما الطريقة الثانية، فهي فتح شفتيك بشكلٍ متكررٍ لتسمح بخروج دفقةٍ من الصوت من قناتك الصوتية إلى الأنبوب. يمكنك تغيير الصوت الذي تُصدره الديدجيريدو من خلال تغيير الرنين داخل قناتك الصوتية وهو ما يتمُّ إما عن طريق تغيير اهتزازات أحبالك الصوتية في الحنجرة، أو بتحريك وضْع لسانك لتغيير شكل القناة الصوتية. في الواقع، ما تفعله للعزف هو مزيجٌ من الغناء أو الدندنة أو الأَزِّ داخل أنبوب الديدجيريدو، وهو ما لا تفعله أثناء العزف على آلةٍ من آلات النفخ النحاسية.

(٣٨) زمير الصوامع

إذا فُرِّغَت الحبوب من صومعة التخزين، لماذا يمكن أن تهتزَّ الصومعة، ما يُطلق عليها اسم «اهتزاز الصومعة» أو تُصدِر أصواتًا يُطلَق عليها «زمير الصوامع» الذي يُشبه الصوت المُتكرر لزمير بوق الشاحنات؟ (تهتزُّ بعض الصوامع ولا تصدر زميرًا، والأخرى تُصدِر زميرًا ولا تهتز، والبعض الآخر لا يهتزُّ ولا يُصدِر زميرًا أو يصنع الشيئَين معًا.) يتسبَّب صوت زمير الصومعة في الإزعاج فقط، أما اهتزاز الصومعة فقد يؤدِّي إلى انهيارها.

الجواب: على الرغم من أنَّ عملية تدفُّق الحبوب من الجزء السُّفلي للصومعة قد تكون مُتواصلة، إلا أنَّ هبوط الحبوب داخل الصومعة يكون مُتقطعًا. قد يكون هناك العديد من الأسباب وراء هذه الحركة المُتقطعة، أولها التشكل والانهيار المُتكرِّر للتِّلال التي تُكوِّنها الحبوب. ومع ذلك، يبدو أنَّ السبب الرئيسي هو التصاق الحبوب على طول الجدار الداخلي للصومعة ثم انزلاقها بشكلٍ مُتقطِّع. يتسبَّب هذا التغيُّر في عملية نزول الحبوب في اهتزازها، وهو ما يتسبَّب بدَوره في اهتزاز الجدار. تعمل جدران الصومعة بمنزلة ألواحٍ عملاقة لإنتاج وبثِّ الموجات الصوتية في الهواء. تكون الاهتزازات قوية بما يكفي في بعض الأحيان، فتتسبَّب في انهيار الصومعة.

في بعض الصوامع، قد تتسبَّب الاهتزازات أيضًا في إحداث رنين صوتي في عمود الهواء الذي يقع فوق الحبوب؛ أي إن الموجات الصوتية ذات الأطوال الموجية الصحيحة اللازمة لتعزيز بعضها بعضًا تُنتج موجةً صوتيةً كبيرة وواضحة في هذا العمود الهوائي، وهو ما يُشبِه إلى حدٍّ ما الموجة الصوتية نفسها التي تنتج داخل أنابيب آلة الأرغن.

(٣٩) الأنابيب البلاستيكية المُموَّجة التي تُصدِر ألحانًا

تُباع الأنابيب البلاستيكية المُموَّجة كلعبة موسيقية. يُمسَك بطرف بالأنبوب، الذي قد يكون طوله حوالي متر تقريبًا ويُلَفُّ في الهواء بحركةٍ دائرية ضيِّقة، وهو ما يُسبِّب دوَران الطرف الآخر من الأنبوب في حركة دائرية أكبر. لا يسمع أي صوت عند لفِّ الأنبوب ببطءٍ في حركة دائرية، ولكن عند لفِّه بدرجةٍ أسرع نسبيًّا، يُصدِر الأنبوب صوتًا بتردُّد أعلى. قد تتمكن من إصدار أربعة أو خمسة تردُّدات عن طريق تعديل درجة سرعة لفِّ الأنبوب في الهواء. ولكن لماذا يُصدِر الأنبوب لحنًا؟

الجواب: مع تحرُّك طرف الأنبوب في دوائر كبيرة، يتدفَّق الهواء الداخلي فعليًّا إلى الخارج بطول الأنبوب. (يجعل جدار الأنبوب الهواء يدور، ولكن بما أنه لا يُوجَد ما يُبقي على حركة الهواء في دائرة، فإنه يتدفَّق إلى الخارج بطول الأنبوب.) بينما يغادر الهواء طرف الأنبوب البعيد، يتدفَّق هواءٌ جديدٌ عبْر الطرف القريب، ومِن ثَمَّ يستمر تدفُّق تيار لا ينقطع من الهواء عبْر الأنبوب.

إذا كان تدفُّق الهواء سريعًا بما يكفي، تمنع الحواف الداخلية للأنبوب المموج التدفق السلِس للهواء، وهو ما يُحدِث اضطرابًا في تيار الهواء — أي اختلافات في ضغط الهواء. تحدث هذه الاختلافات في ضغط الهواء بتردُّدات ضمن نطاقٍ مُعين تُحدده سرعة تدفق التيار والمساحات التي تفصل بين نتوءات الأنبوب، إذا طابق تردُّدٌ ضمن هذا النطاق أحد «التردُّدات الرنانة» للأنبوب، فينتُج عن ذلك «رنين» داخل الأنبوب؛ أي إنَّ الموجات الصوتية في ذلك التردُّد يُعزِّز بعضها بعضًا وتكوِّن موجةً صوتية قوية. يتسرَّب جزء من هذه الموجة الصوتية من الطرف المفتوح ويصير من المُمكن سماعُها. يؤدي الدوَران الأسرع؛ ومِن ثمَّ تدفُّق الهواء عبر الأنبوب بصورةٍ أسرع إلى تغيير النطاق التردُّدي للاضطراب إلى قِيَمٍ أعلى. وهكذا، سيطابق تردُّدٌ ضِمن هذا النطاق الجديد الأعلى أحدَ التردُّدات الرنانة الأعلى للأنبوب؛ ومِن ثمَّ ستسمع صوتًا ذا تردُّدٍ أعلى.

قد لا تُصدِر اللعبة أدنى تردُّدٍ مُمكن لأن تدفُّق الهواء عبْر الأنبوب في حالة الدَّوَران البطيء يكون بدَوره بطيئًا للغاية بما يمنع إنتاج اضطراب. يكون أقل تردُّد رنَّان يمكن سماعه هو التردُّد التوافُقي الثاني (أو ما يُعرف كذلك بالتآلُف الأول).

يمكنك أن تجعل أنبوبًا بلاستيكيًّا مُموَّجًا يُصدِر «لحنًا» إذا أمسكتَ به خارج نافذة السيارة أثناء سَيرِها (ولكن لا تفعل ذلك أثناء القيادة). أمسِك بطرف الأنبوب في اتِّجاه الهواء القادم، بحيث يدخل الهواء عبْر الأنبوب وشاهد ما سيحدُث.

(٤٠) الأصوات التي تصدُر من كوب القهوة

صُبَّ الماء الساخن في كوب القهوة، ثم انقُر بمفصل إصبعك إما على قاع السطح الخارجي للكوب، أو انقُر القاع الداخلي بملعقة أثناء التقليب، ولاحظ التردُّد. ثم أضِف مسحوقًا، مسحوق القهوة سريعة الذَّوبان على سبيل المثال، وانقُر مرةً أخرى، ستجد أن التردُّد الآن أقل بكثير، ولكنه يُعاود الارتفاع مرةً أخرى إلى قيمته الأصلية في غضون بضع دقائق. لماذا انخفض التردُّد؟ ولماذا عاود الارتفاع مرة أخرى؟

الجواب: حينما تنقُر على الكوب بملعقة، فأنت تُحدِث اهتزازًا في جدران الكوب عند تردُّدٍ مُعين، وتُحدِث بذلك موجاتٍ صوتية مؤقتة داخل عمود الماء. ما يهمُّنا هنا هو التأثير الثاني، أما التأثير الأول فيقلُّ حينما تنقُر على قاع الكوب بمفصل إصبعك أو بأيِّ أداة رقيقة أخرى. من بين كلِّ المَوجات الصوتية التي تُنتِجها، يكون لدى بعضها الطول الموجي الملائم بحيث يتوافَق داخل عمود الماء بين القاع المُغلَق والقمَّة المفتوحة، ويُشكل ما يُسمَّى «الرنين». يُعزز هذه الموجات الصوتية بعضها بعضًا، وهو ما ينتُج عنه تكوين موجة صوتية كبيرة وواضحة. يتسرَّب بعض الصوت من الماء ويصير مسموعًا، ويُقال إن التردد الناتج هو تردد رنَّان لكوب الماء.

يعتمد هذا التردُّد الرنَّان على ارتفاع عمود الماء، وكذا على سرعة الصوت في الماء. تعتمد سرعة الصوت في أيِّ مادة على كثافة هذه المادة وعلى درجة انضغاطها. عادة ما تتسبَّب الكثافة الأكبر في سرعةٍ أكبر، أما المواد شديدة الانضغاط، فعادة ما تتسبَّب في سرعة أبطأ. تبلغ سرعة الصوت في الماء حوالي ١٤٧٠ مترًا في الثانية.

عندما يُضاف مسحوق القهوة إلى الماء، تتشكَّل فقَّاعات هواء على حُبيبات المسحوق (يكون الهواء ذائبًا بالفعل في الماء أو يلتصِق بالحُبيبات بينما يمتزِج المسحوق بالماء). لا تشغل الفقاعات حيزًا كبيرًا (لن تجد سطح الماء يرتفع عند جانبي الكوب)؛ ومِن ثَمَّ لا تُغير كثافة الماء كثيرًا. ومع ذلك، تُسبِّب الفقاعات زيادةً كبيرة في الانضغاط؛ ومِن ثمَّ تُقلِّل من سرعة الصوت في الماء، وهو ما يُقلِّل بدَوره التردُّد الرنَّان. ومِن ثَمَّ، فالتردُّد الذي تسمعه يقلُّ عندما يُضاف المسحوق.

ولأن معظم الفقاعات يرتفع إلى أعلى، فإنها تصل تدريجيًّا إلى سطح الماء ثم تنفجر، وكلما قلَّ عددُها، ازداد التردُّد حتى يعود إلى قيمته الأصلية قبل أن يضاف المسحوق. نظرًا لأن أفضل رسالة كُتبَت في هذا الموضوع كانت تتناول مشروب الشوكولاتة الساخنة بدلًا من القهوة، فقد عُرف هذا التغيُّر في التردد باسم «تأثير الشوكولاتة الساخنة». يمكن أن يؤدي صبُّ الملح أو تحريكه في كأسٍ من الجعة إلى إحداث تأثير الشوكولاتة الساخنة، إلا أنك لن تتمكن من سماعه إذا لم تتخلَّص من الرغوة التي تُغطِّي سطح الجعة أولًا. (كما أن وضع الملح في الجعة أمرٌ غير منطقي إطلاقًا.)

(٤١) رنين الزجاجة

إذا قُمتَ بالنفخ عبْر الفتحة الضيقة لفوَّهة الزجاجة (سواءً كانت زجاجة مشروب غازي أو كحولي)، فستجعلها تُصدِر صوتًا. في الواقع، يمكنك أن تُصدِر لحنًا باستخدام مجموعة متنوعة من الزجاجات بها مستويات مختلفة من السوائل بداخلها، فما الذي يُنتج هذا الصوت؟

الجواب: عندما تقوم بالنفخ عبْر فُوَّهة الزجاجة المفتوحة، يحدُث اضطراب في الهواء المُتحرك، ويحمل هذا الاضطراب اختلافاتٍ في الضغط في نطاقٍ واسعٍ من التردُّدات. المطلوب هو أن تطابق إحدى هذه التردُّدات تردُّدًا رنَّانًا داخل الزجاجة؛ أي إنَّ المطلوب هو إحداث اهتزازاتٍ في الهواء الموجود داخل الزجاجة يُعزِّز بعد ذلك بعضها بعضًا لتُشكِّل موجةً صوتية قوية. إذا حدث هذا التطابُق في التردُّدات وحدثت موجة داخلية قوية، فسيتسرَّب جزء من الصوت خارج الزجاجة ويمكن سماعه.

ومع ذلك، لا تشبه الاهتزازات داخل الزجاجة تلك الاهتزازات التي يمكن أن نُحدِثها في أنبوب بسيط، الفرق هو أنَّ الزجاجة لها عُنق (سدادة هواء) والهواء الموجود بداخل باقي الزجاجة يُكَوِّنُ ما يُعرف باسم «رنان هلمهولتز». رياضيًّا، تُشبِه اهتزازات رنَّان هلمهولتز اهتزاز قالبِ طوبٍ موضوع عند طرف زُنبرك. تعمل سدَّادة الهواء في هذه الحالة مثل كتلة القالب، بينما يعمل باقي الهواء الموجود داخل الزجاجة مثل الزنبرك. في آلية العمل العادية للزنبرك والقالب، يضغط القالب الزنبرك ويُمدِّده بشكلٍ متكررٍ يجتاز فيه نقطة المنتصف دائمًا؛ ومِن ثمَّ يستمرُّ في الاهتزاز. أما في حالة الزجاجة، فتتسبَّب كتلة سدَّادة الهواء في أن يخضع باقي الهواء الموجود داخل الزجاجة للانضغاط والتمدُّد المُتكرر بصورةٍ يتجاوز فيها حدَّ التوازن؛ ومِن ثمَّ يستمرُّ في الاهتزاز.

ستهتزُّ أي زجاجة (بها سدَّادة هواء وتيَّار من الهواء) بقوة عند تردُّدٍ مُعيَّن، وإذا كان هذا التردُّد مُتوفِّرًا في الاضطراب الذي يحدث عند فوَّهة الزجاجة، ستنشأ موجة صوتية قوية داخل الزجاجة. إذا قمتَ بتقليل حجم الهواء داخل الزجاجة عن طريق ملئها بالسائل جزئيًّا، فستزيد من التردُّد الذي ستهتزُّ عنده الزجاجة.

تُعرف بعض الكهوف جيدًا بالرياح القوية التي تمرُّ عبرها، خاصة بالقُرب من مداخلها. نظرًا لأنَّ الرياح تعكس اتجاهها أثناء النهار، يُقال بأنَّ الكهف «يتنفَّس»؛ وهو ما يُعتبَر مثالًا آخر على رنان هلمهولتز. تُحدِث الاختلافات الخارجية في الرياح والهواء اضطرابًا، إذ يعمل الهواء الموجود في الفتحة الضيقة للكهف مثل كتلة سدَّادة الهواء، بينما يعمل الهواء الموجود في باقي الكهف مثل الزنبرك. يكون تردُّد الاهتزاز مُنخفضًا جدًّا بحيث لا يُسمَع (من ٠٫٠٠١ إلى ١ هرتز)، ولكن يمكنك الشعور بتدفُّق الهواء (الرياح) الناتجة من الاهتزازات.

(٤٢) صوت احتكاك الأصابع بالسبورة

لماذا تُصدر الأبواب صريرًا؟ لماذا تُصدر الأظافر صوتَ صريرٍ مزعجٍ إذا احتكَّت بسرعة بطول سبورة؟ ولماذا تُصدر إطارات السيارات صريرًا حينما تُشَغَّلُ السيارة بعد فترة من الركود؟

الجواب: هذه ثلاثة أمثلة فقط ضمن عديد من الأمثلة الأخرى لما يُسمَّى بتأثيرات «التلاصُق والتحرُّر». يتحرك سطحان في مقابلة أحدهما الآخر ويُجبرا على الاحتكاك. قد يتحركان بسلاسةٍ في بعض الأحيان، خاصة إذا كانا قد زُيِّتا، ومع ذلك، في بعض الحالات يلتصق أحدهما بالآخر أولًا ويلتحِمان معًا، ثم يَمُدُّ أحدهما الآخر، ثم يتحرَّران أخيرًا. بعد التحرُّر مباشرة يمكن أن تهتزَّ أجزاء من السطح بعد التحرُّر مباشرة وتُصدِر موجةً صوتيةً مسموعةً. قد تُحدِث الحركة في هذه الأجزاء اهتزازاتٍ أيضًا في منطقة أكبر، والتي تعمل بدَورها كمِرنان يجعل الصوت أعلى.

على سبيل المثال، حينما يحتكُّ ظفر إصبع بطول سبورة، يلتصق الظفر بالسطح أولًا وينثني، ثم يتحرَّر فجأة وينزلق عليها، فيهتزُّ ويطرق سطح السبورة. الصوت الصادر الذي تسمعه ينتج من كلٍّ من نقْر ظفر الإصبع، ومن الاهتزازات التي يُحدثها النقر في السبورة والتي تعمل وكأنها مرنان. تصِل حركة الظفر إلى ذروتها عند الطرف الخارجي، وإلى أدناها (صفر) عند الاتجاه المعاكس، وهو ما يُشبه إلى حدٍّ كبير حركة اهتزاز الشجرة بفعل الرياح القوية. ومثل الشجرة أيضًا، يَعتمد تردُّد الاهتزاز عكسيًّا على طول الظفر، وبما أن الظفر قصير، يكون التردُّد الصادر عاليَ التردُّد، وهذه هي أحد الأسباب التي تجعل الصوت مُثيرًا للأعصاب.

يمكن أن تُصدِر مفصلات الباب الصدئة صريرًا إذا تعرَّضت الأجزاء التي يحتكُّ بعضها ببعض إلى التلاصُق والتحرُّر بصورة متكررة. ولكنك قد تقضي على أيِّ فرصةٍ للالتصاق إذا أدرتَ الباب سريعًا؛ ومِن ثم ستقضي أيضًا على عملية الالتصاق والتحرُّر وصوت الصرير.

تتعرَّض الإطارات التي تنحدِر فوق الأرصفة الجافَّة إلى عملية التلاصُق والتحرُّر، وهو ما يجعل الإطارات تهتز وتُصدر صوتًا. في الواقع، هذا الصوت المميز هو ما يلاقي إعجاب الناس في سباقات السيارات التي تُقام في الشوارع. ستُصدر كذلك الإطارات صريرًا إذا ضغطت المكابح بعنف وتوقفت فجأة، دون تدخُّل أي نظام مكابح أوتوماتيكي، ولكن الصوت الذي يصدُر في هذه الحالة لا يكون محلَّ إعجاب.

إذا أنصتَّ جيدًا، فستجد المئات من الأمثلة الأخرى للصوت الذي يصدُر عن طريق عملية التلاصُق والتحرُّر.

(٤٣) حك كئوس الخمر

إذا حككتَ إصبعا مُبتلًّا حول حافة كأس من كئوس الخمر أو أيٍّ من أنواع كئوس الشراب العديدة، ستتمكَّن من جعلها تُصدِر صوتًا، فما الذي يُنتج هذ الصوت؟

fig101
شكل ٣-٤: بند ٣-٤٣ و٣-٤٤: صورة فوقية مُكبرة لحافة كأس خمر مُهتزَّة.
الجواب: عندما تحكُّ إصبعك على حافة الكأس، يخضع كليهما لعملية التلاصُق والتحرُّر. تُسحَب الحافة قليلًا أثناء مرحلة الالتصاق في اتجاه حركة إصبعك، ما يؤدي بدَوره إلى تشويه شكل الحافة. أما أثناء مرحلة التحرُّر، فتتحرَّر الحافة من إصبعك وتُحاول استعادة شكلها الأصلي، ولكن ينتهي بها الحال وهي تهتز. يُطلَق على أقوى اهتزاز اسم «الرنين»، وفيه تهتزُّ الحافة كما هو مُبيَّن بالصورة الفوقية المعروضة في شكل ٣-٤. يتبع هذا النمَط من الاهتزازات إصبعك حول الحافة وينتج صوتًا نابضًا (يعلو ويخفُت بتردُّدٍ يبلغ بضعة هرتزات، تبعًا لسرعة الإصبع على الحافة). يتناسَب التردُّد الذي تدفع به الحافة الهواء والتردُّد الذي تسمعه طرديًّا بالتقريب مع سُمك الحافة، ويتناسب عكسيًّا مع مربع نصف قطر الكأس عند الطرف المفتوح. ومن ثم، عادة ما يكون التردُّد أعلى لو كانت الحافة أسمك ونصف القُطر أصغر. إذا أضفتَ سائلًا إلى الكأس، فإنك بذلك تخفض التردُّد الرنَّان؛ لأن كتلة السائل تُقلِّل من المعدل الذي يمكن أن تهتزَّ به جدران الكأس.

يبرَعُ بعض الموسيقيين في عزف الموسيقى على صفٍّ من الكئوس التي تحتوي على مستويات مختلفة من السوائل (يسمح ضبط مستوى السائل بضبط اللحن الذي يُصدره الكأس). توسَّع المخترع ورجل الدولة الأمريكي الشهير بنجامين فرانكلين في فكرة كئوس الخمر التي تُصدِر ألحانًا من خلال بناء آلة الهارمونيكا الزجاجية. تتكوَّن هذه الآلة، التي أصبحت شائعة إلى حدٍّ ما، من حواف زجاجية مُثبَّتة أفقيًّا على عمود دوران. رُتِّبت الحواف بصورة متدرجة في القُطر، بحيث تكون أكبرها قطرًا تقع إلى اليسار حتى يُصبح عزف النغمات على الكئوس ممكنًا وهي تُدار عن طريق دوَّاسة تُحرَّك بالقدم، بينما يضغط العازف أصابعه المُبتلة على الحواف ويحكُّها أثناء دوَرانها.

يمكن جعل أدوات غريبة أخرى أن تُصدِر ألحانًا حينما تُحَكُّ وتهتز، وتُعتبَر آنية نفث الماء الصينية المصنوعة من النحاس واحدة من أشدِّ هذه الآلات سحرًا. حينما تكون الآنية ممتلئة بالماء جزئيًّا وتُحَكُّ مقابضها بيدَين جافَّتَين، تهتزُّ الآنية بقوة لدرجة أنها يمكن أن تقذف بقطراتٍ كبيرة من الماء إلى أعلى بارتفاع نصف متر.

(٤٤) تحطيم كئوس الخمر باستخدام صوت الإنسان

هل يمكن لمُغَنٍّ مُحترفٍ أن يحطم كأسًا من الخمر أو أيَّ حاوية زجاجية أخرى ببساطة من خلال الغناء، كما تُصَوِّر الرسوم المُتحركة والاسكتشات الكوميدية والإعلانات؟

الجواب: يمكن تحطيم كأس خمر إذا تعرَّض لصوتٍ ذي حدة شديدة بتردد يُطابق أدنى «تردُّداته الرنانة» — أي أدنى ترددٍ يهتز عنده الكأس إذا طُرِقَ. تهتزُّ الحافة عند هذا التردد بالنمط المُبيَّن بشكل ٣-٤. مع تراكم الاهتزازات، يمكن أن يتصدَّع الكأس، إما عند نقطة بها عَيب صنْع لا يُرى بالعين المجردة، أو بالقرب من مكان الحد الأقصى للاهتزاز. تتسبَّب الحركة المُتكررة عند المنطقة المعيبة بتوسيع الصدع، وتسمح له بالتفرُّع عبْر الحافة، وعندئذٍ يتحطم الكأس سريعًا. ولكن لحدوث كل ذلك، يجب أن يتعرَّض الكأس للصوت الحاد لبضع ثوانٍ.

ومع ذلك، عند القيام بذلك باستخدام صوتٍ بشريٍّ غير مُضخم يصبح الأمر مستحيلًا؛ لأنه لا يمكن الحفاظ على ترددٍ ثابتٍ لعدة ثوان. في الواقع، فشلت التجارب التي غنى فيها المطربون دون تضخيم أصواتهم في كسر كئوس الخمر.

(٤٥) خرير جداول الماء وهدير المطر

ما هو مصدر خرير جداول الماء وصوت تساقط قطرات المطر على بِركة ماء؟

الجواب: يرجع صوت ارتطام الماء بالماء، سواءً في بِركة ماء أو شلال أو في هطول الأمطار إلى آليتَين أساسيَّتَين: يُسبب الارتطام نفسه اختلافات في ضغط الهواء تنتقل من هذا الارتطام على هيئة موجات صوتية نسمعها كنبضٍ صاخب (قصير). غالبًا ما يَحبِس الارتطام أيضًا الهواء في الماء كفقاعات تُوَلِّدُ بعد ذلك الصوت عندما يهتزُّ حجمها؛ أي إنها تزيد وتنقص في الحجم مما يؤدي إلى اختلافات في الضغط تسري عبر الماء ثم تخرج إلى الهواء. وأخيرًا، تسقط فقاعات الهواء أو تنفجر على سطح الماء، وهو ما يُصاحبه صوت تناثُرٍ خافت.

إذا ارتطمت قطرة من المطر أو من شلال ماء بسطحٍ صلب، مثل صخرة أو رصيف، ستسمع ضوضاء الارتطام فقط؛ لأنه لا تُوجَد أيُّ فقاعات هواء قد تكوَّنت أو حُبِسَت. في المرة القادمة حينما تكون بالقُرب من أيِّ رصيف عندما يبدأ هطول الأمطار، راقِب ما إذا كنتَ ستتمكن من تمييز التغيُّر في الصوت بين أصوات الارتطام الأولى (التي ترتطم فيها قطرات الماء بالرصيف الجاف)، وأصوات الارتطام اللاحقة (التي ترتطم فيها قطرات الماء ببرك المياه المُتجمِّعة على الرصيف).

(٤٦) صوت رنين الفناجين والبرطمانات

لماذا يزداد تردُّد الضوضاء التي تسمعها أثناء صبِّك للماء في حاويةٍ متساوية الجدران، مثل كوب شُرب زجاجي أو برطمان أو فنجان؟

الجواب: يعمل عمود الهواء الموجود داخل الحاوية (بداية من فوَّهتها حتى سطح السائل أو قاع الحاوية نفسها) عمل أنبوب ذي طرفٍ واحدٍ مفتوح. تُصدِر الضوضاء الناجمة عن تناثُر الماء (انظر العنصر السابق) صوتًا عبْر نطاق واسع جدًّا من الترددات. يطابق واحد من هذه الترددات أدنى تردُّدٍ رنان لعمود الهواء داخل الحاوية؛ أي أن اختلافات الضغط في هذا التردد تُحدِث أصواتًا داخل عمود الهواء يُعزز بعضها بعضًا لإنتاج موجة صوتية قوية وواضحة. ما تسمعه هو جزء من الصوت الذي يغادر عمود الهواء، ويَحدُث هذا الصوت في المقام الأول عند التردُّد الرنان (كما أنك تسمع أيضًا ضوضاء خافتة تأتي مباشرة من تناثُر الماء).

يتناسب التردُّد الرنان لعمود الهواء عكسيًّا مع طول عمود الهواء. لذا، بينما تمتلئ الحاوية ويقلُّ طول عمود الهواء، يزداد تردُّد الرنين. ويمكنك أن تعرِف من الصوت وحدَه متى تكون الحاوية قد شارفَتْ على الامتلاء.

(٤٧) صوت هدير الماء داخل المواسير

ما الذي يُسبب صوت الهدير الذي تسمعه أحيانًا آتيًا من مواسير المياه عند فتح الصنبور؟

الجواب: عادةً ما يرجع صوت الهدير الذي يصدُر من مواسير المياه إلى التدفُّق المُضطرب للمياه عبْر المواسير، خاصة عند المنعطفات والوصلات حيث لا بُدَّ أن يتغيَّر اتجاه تدفُّق الماء أو أن يدور حول العقبات التي تواجهه. يتكوَّن الاضطراب في الماء من دوَّامات تُنتِج تغيراتٍ في ضغط الهواء. يمكن أن ينخفض ضغط الماء أثناء هذه التغيرات بما يكفي بحيث تتكوَّن فقاعات هواء من الهواء المُذاب في الماء، وهي عملية تُعرَف باسم «التكهُّف». يُرسِل الوجود المفاجئ للفقاعة واهتزازها، ثم انهيارها في نهاية المطاف، موجاتٍ عبْر الماء، وتهزُّ هذه الموجات المواسير، فتسمع صوت صلصلة. يمكنك التخلص من الضوضاء غالبًا من خلال تقليل تدفُّق المياه، بحيث يُصبح الاضطراب المُنتَج أقل.

(٤٨) صوت طقطقة مفاصل الأصابع

ما الذي يتسبَّب في الصوت الذي نسمعه عندما نُطقطق مفصل الإصبع؟ ولماذا يجب أن تنتظر بضع ثوانٍ حتى نطقطقه مرةً أخرى؟

الجواب: عندما تُطقطق مفصل الإصبع بأن تجذِبه إلى الخارج، فإنك توسِّع المسافة بين العظام التي تكوِّن المفصل، وكذا تقلص من عرض تجويف المفصل. يحتوي هذا التجويف أساسًا على طبقة رقيقة من «سائل زليلي» يفصل بين العظام. إذا شُدَّ الإصبع بقوة كافية، يمكن لجوانب التجويف أن تُطقطق إلى الخارج، مما يزيد من عرض التجويف ويُقلل من الضغط داخل السائل الزليلي. يسمح هذا الانخفاض المفاجئ في الضغط بتكوُّن فقاعة أو اثنتين من الغاز، غاز ثاني أكسيد الكربون في المقام الأول، الذي يذوب في السائل. يُرسِل الظهور المفاجئ للفقاعات، الذي يُسمَّى ﺑ «التكهُّف»، نبضة ضاغطة عبْر السائل وتجويف المفصل، ثم إلى الهواء الخارجي؛ وحينما تصل النبضة إلى أذنك، تسمع صوت طقطقة. لتكرار هذه العملية، يجب أن تنتظر من خمس عشرة إلى ثلاثين دقيقة حتى يستعيد التجويف شكله الأوَّلِي ويُضْغَط السائل الزليلي ويصبح طبقة رقيقة بين العظام مرة أخرى، ويذوب الغاز مرة ثانية في السائل. وحتى ذلك الحين، عليك البحث عن عادة سيئة أخرى لتُزعج بها المُحيطين بك.

(٤٩) أصوات كوروتكوف

تتمُّ الطريقة التقليدية لقياس ضغط الدم عن طريق نفخ الحزام المطاطي لجهاز قياس الضغط ولفِّه حول الذراع، ثم الانصات عبْر سماعة الطبيب أثناء انخفاض ضغط الحزام المطاطي على الذراع تدريجيًّا وعودة الدم للتدفُّق مرة أخرى. يُسجِّل المُختص ضغط الدم حينما يسمع أصواتًا مُعينة تُعرَف باسم أصوات كوروتكوف، من خلال سماعة الطبيب. عندما يَسمَع الصوت الأول، يُسَجِّلُ الرقم المُرتفع لضغط الدم (الضغط الانقباضي) وعندما يَسمَع آخر صوت، يُسَجِّلُ الرقم المنخفض لضغط الدم (الضغط الانبساطي)، فما الذي يُسبِّب هذه الأصوات؟

الجواب: على الرغم من أن أصوات كوروتكوف قد دُرِسَت على مدار مائة عامٍ تقريبًا، إلا أن مصدرها لا يزال مصدرًا للجدال. إليك تفسيرين لهذا الأمر:

انفتاح الشريان: حينما ينخفض ضغط الحزام المطاطي المنفوخ حتى يصل إلى المستوى الانقباضي للدم، يبدأ الدم في التدفُّق من أسفل الحزام كالنافورة إلى أسفل الذراع، وهو ما يفتح الشريان الذي كان قد انكمش بدوره عندما قطع الحزام المنفوخ تدفق الدم. يرسل هذا الانفتاح الشرياني موجةً صوتيةً عبْر الذراع تُسمع من خلال السماعة على هيئة نقرة، وبينما يستمر الضغط داخل الحزام المطاطي في الانخفاض، يخفُت الصوت الذي يصدر مع كل دفقة دم، ثم يختفي بمجرد أن يصِل ضغط الحزام إلى المستوى الانبساطي لضغط الدم. ومِن ثَمَّ وهكذا، يُسجل المُختصُّ ضغط الدم عندما يَسمَع النقرة الأولى لضغط الدم الانقباضي، وضغط الحزام المطاطي عند سماع الصوت المكتوم لضغط الدم الانبساطي.

التكهُّف: عندما يبدأ الدم في التدفُّق من أسفل الحزام كالنافورة إلى أسفل الذراع ويفتح الشريان المُنكمش على آخره، يتسبَّب الانخفاض المُفاجئ في الضغط عند قمَّة تدفُّق الدم في خروج الغاز (الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون أساسًا) من حالة الذوبان ويتجمَّع على هيئة فقاعات. عندما تنفجر الفقاعة بعد فترةٍ وجيزة، ويتدفَّق الدم فجأة ليملأ المساحة التي كانت تشغلها، ترسل الحركة المفاجئة للدم موجةً صوتية عبْر الدم والذراع. يُعرَف هذا الصوت، أو بالأصحِّ صوت انهيار الفقاعات الذي يحدُث بعد كلِّ تدفق للدم إلى أسفل الذراع مباشرة، باسم صوت كوروتكوف. تستمر عملية توليد الصوت هذه حتى يُصبح ضغط الحزام المطاطي عند المستوى الانبساطي لضغط الدم، وعندئذٍ لا يندفع الدم إلى أسفل الذراع كالنافورة بعد ذلك.

(٥٠) الهجوم الفتَّاك للروبيان القاذف

تعجُّ المُحيطات بالأصوات المختلفة، وفي بعض الأماكن، تُصدر مستعمرات الروبيان أصواتًا صاخبة قد تستخدمها أيُّ غواصة في تفادي السونار من خلال الاختباء بالقُرب من أيٍّ من هذه المُستعمرات. يحدُث الصوت الذي يصدر من الروبيان القاذف (Alpheus heterochaelis) عندما يُهاجم فريسته باستخدام كَلَّابِه الضخم (الذي يكون أكبر من كَلَّابِه الآخر بكثير). ومن المُثير للدهشة، أنه لا يُطبِق كَلَّابِه على الفريسة، بل بالقُرب منها، وعلى الرغم من ذلك، تتسبَّب هذه الحركة في صعْق الفريسة أو قتلها، وعندئذٍ يمكن للروبيان أن يلتقطها بكَلَّابِه الأصغر ليأكلها. يهاجم روبيان السرعوف (Odontodactylus scyllarus) فريسته أيضًا دون الإطباق عليها، ولكنه يضرب زائدة تغذية نحوَها بغتةً بدلًا من ذلك. ولكن ما الذي يصعق الفريسة أو يقتلها في هذَين النوعَين من الهجوم؟
الجواب: عندما يُطبق الروبيان جانبي كَلَّابِه أحدهما نحوَ الآخر، فإنهما ينفُثا دفقةً من الماء بسرعة تجعل الماء يمرُّ بعملية التكهُّف؛ أي إن الهواء المُذاب يخرج من السائل ويُكَوِّن فقاعات. تنفجر تلك الفقاعات على الفور تقريبًا، وتُرسِل عبْر الماء نبضاتٍ صوتيةً مرتفعة بما يكفي لأن تصعق الاختلافات في الضغط التي تُحدِثها الفريسة أو تقتلها. أما الصوت المسموع الذي يصدر من الروبيان القاذف، فهو عبارة عن صوت الانهيار الصادر من الفقاعات، وليس صوت جانبَي كَلَّابِه وهما يُطبِقان أحدهما على الآخر.

تكون اختلافات الضغط الناجمة عن انهيار الفقاعات شديدة للغاية لدرجة أنها قد ينتج عنها وَمْضة من الضوء فيما يُعرَف عمومًا باسم «الضيائية الصوتية» (الضوء الناتج عن الصوت). ومع ذلك، فقد أُطلِق على عملية إنتاج الضوء التي يتسبَّب فيها الروبيان اسم «الضيائية الروبيانية» (الضوء الناتج عن الروبيان). يظهر الضوء نتيجة لأن انهيار الفقاعة بسرعة كبيرة يُسَخِّن الهواء الموجود بداخلها، مما يؤدي إلى تأيُّن جزيئات الهواء في الإلكترونات والأيونات المُوجَبة. تهبط الإلكترونات على الفور تقريبًا داخل الجزيئات وتفقد طاقتها (لا بُدَّ أن تفقد طاقتها حتى تتمكن من الدخول مرة أخرى) عن طريق إطلاق الضوء. تكون عملية انبعاث الضوء الناجمة عن انهيار فقاعة (أو عدد كبير من الفقاعات) قصيرة للغاية ويكون الضوء الناتج خافتًا بشدَّة بحيث لا تراه بالعَين المُجردة، فهو ببساطة نتيجة ثانوية لعملية التكهف.

يُنتج الروبيان القاذف أيضًا نبضات صوتية عبْر عملية التكهُّف، إلا أن الفقاعات تتكون نتيجة للحركة القاذفة لزائدة التغذية الخاصة به.

(٥١) صوت غليان الماء

ضع وعاءً من الماء على الموقد، ثم اسحَبْ كرسيًّا واجلِس لتستمع إلى صوت الماء أثناء تسخينه، ولتُشاهد ما يحدُث داخل الوعاء أيضًا. إنه أمر شائع حتى إنك قد لا تلاحظه، ولكنك قد تستخدمه لاشعوريًّا للاستدلال على غلَيان الماء تمامًا، فما الذي يُسبِّب هذا الصوت؟

الجواب: يبدأ الصوت الذي تسمعه صادرًا من الماء على صورة هسيس مُتقطِّع، ثم يصير هسيسًا مُستمرًّا. ينتج هذا الصوت من جرَّاء تكوُّن فقاعات الهواء في الشقوق (والخدوش) الموجودة بطول قاع الوعاء. تدفع زيادة درجة الحرارة في الشقِّ الهواء المُذاب إلى الخروج من السائل والدخول في فقاعات الهواء. تهتزُّ كلُّ فقاعة كلَّما تضخَّمت، وتُرسِل موجات صوتية عبْر الماء وجدران الوعاء؛ ومجموع الأصوات الناتج من هذه الفقاعات هو صوت الصفير الذي نسمعه. بمُجرَّد أن تتضخَّم الفُقَّاعات بما فيه الكفاية بحيث تصير قابلة للطفو في الماء وتتحرَّر من قاع الوعاء، ترتفع الفقاعات سريعًا إلى سطح الماء حيث تتفرقع مُسبِّبة تناثُرًا خافتًا.

مع استمرار درجة حرارة الماء في الارتفاع، يُدفَع معظم الهواء خارج السائل، ومِن ثَمَّ يقلُّ تكوُّن فقاعات الهواء ويخفُت صوت الصفير المصاحب لذلك تدريجيًّا. يُسمَعُ بعد ذلك صوتٌ أكثر وضوحًا، إذ يبدأ الماء في التبخُّر بطول قاع الوعاء، ويُكوِّن فقاعات من البخار في الشقوق. إلا أن تكون الفقاعة أو حتى تذبذبها ليس هو المصدر الرئيسي للصوت الذي تسمعه، بل انهيار الفقاعة حيث يُعاود البخار الذوَبان مرة أخرى فجأة، ويندفع الماء ليملأ المساحة التي كانت تشغلها الفقاعة، يرسل هذا الاندفاع «نقرة» عبْر الماء والوعاء ثم تنتقل إلى الهواء، وهو ما نسمعه بدَورنا.

عندما يسخن الماء بدرجة أكبر نسبيًّا، تصير فقاعات البخار كبيرة بما يكفي لتتحرَّر من القاع. ومع ذلك، فهي لا تصِل إلى سطح الماء؛ لأنَّ أثناء ارتفاعها من القاع المُفرط السخونة عبْر المياه الباردة نسبيًّا تنفجر وتُرسِل أصواتَ نقرٍ خشنة. يمكن أن تُحدِث هذه الموجات الصوتية رنينًا في الهواء الموجود فوق الماء مباشرة (الموجود بين سطح الماء وقمة الوعاء تقريبًا)، وفي الماء وفي جدران الوعاء؛ أي إن الموجات الصوتية التي يُعزِّز بعضها بعضًا تُنتِج موجات صوتية خالصة في هذه المناطق الثلاث، فتُوَلِّد موجاتٍ صوتية في الهواء يمكن سماعها. ينتج هذا المزيج من أصوات النقْر والرنين الصوتَ الخشن الذي يرتبط في دماغنا بالوصول الوشيك للماء إلى درجة الغليان.

مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الماء وارتفاع درجات حرارة طبقات الماء العُليا، تصل فقاعات البخار في النهاية إلى سطح الماء دون أن تنهار، وهناك تنفجر مُحدثةً صوت تناثر خافت. يمكنك الاستدلال سمعيًّا على وصول الماء إلى حالة الغليان القصوى عندما يحلُّ صوت التناثر الناعم محلَّ الأصوات الخشنة التي كانت تُسمَع سابقًا، عندئذٍ يحين وقت صبِّ الماء لتحضير كوب من الشاي.

(٥٢) أصوات مضغ الطعام

قد لا تُحبُّ سماع صوت الناس وهم يقضمون الطعام ويمضغونه، ولكن هل يمكنك تمييز أيِّ شيءٍ بشأن ما يأكلونه عبْر هذه الأصوات؟ على سبيل المثال، هل يُمكنك التمييز من خلال الصوت فقط ما إذا كانت التفَّاحة ناضجة أو ما إذا كانت رقائق التورتيا طازجة؟ كثيرًا ما يبذل مُصنِّعو المواد الغذائية جهدًا كبيرًا لضمان أن منتجاتهم تُصدِر الأصوات «المناسبة» عند تناولها.

الجواب: يمكنك من خلال الصوت تمييز ما إذا كانت التفاحة ناضجةً أو ما إذا كانت رقائق التورتيا طازجة. في الواقع، أعتقد أن الدافع الأساسي لمُعظم القائمين على صناعة الوجبات الخفيفة هو أصوات القرمشة التي تُصدِرها منتجاتهم عندما تؤكل (أضف إلى ذلك الملح والدهون، فما الذي قد يتمنَّاه أي شخص أكثر من ذلك!) عندما تطحن مادة هشَّة مثل التورتيا فجأة، تنكسر الرقاقة إلى نصفَين عندما تتسارَع الشقوق في الانتشار عبْر خلاياها المليئة بالهواء. تنثني هذه الخلايا وتنكسر، ثم تهتزُّ الأجزاء لحظيًّا وهو ما ينتج عنه اختلافات في ضغط الهواء؛ ومِن ثمَّ يُوَلِّد موجاتٍ صوتية تُمكِّنك من سماع صوت تناول أحدهم لرقائق التورتيا. ترسل الاهتزازات التي تحدُث بين الأسنان موجاتٍ صوتيةً عبْر الأسنان والفك إلى الأذن. وهكذا عندما تقضم إحدى رقائق التورتيا يمكنك سماع الموجات، ليس فقط عبْر الهواء، ولكن أيضًا عبْر هذا المسار الثاني إلى الأذن. تُصدر رقاقة التورتيا الطازجة أصواتًا ذاتَ تردُّداتٍ عالية تفُوق ٥٠٠٠ هرتز أثناء تكسُّرها نتيجة لهشاشتها البالغة. بينما قد لا تكون رقاقة التورتيا البائتة على نفس القدْر من الهشاشة نتيجة لامتصاص الماء الموجود في الهواء؛ ومِن ثمَّ عندما تقضمها، يمكنك هرسُها بكلِّ بساطةٍ دون حدوث أيِّ تشقُّق سريع أو اهتزاز لأجزائها.

يمكن التمييز بين التفَّاح الطازج المُقرمش والتفَّاح القديم الغَضِن من خلال أصوات المضغ، خاصة في القضمة الأولى، التي عادةً ما تُصدر أصواتًا بتردُّدات أقل من ٢٠٠٠ هرتز، فخلايا التفاحة هي ما تُحدِث فرقًا في الصوت المسموع. تحتوي خلايا التفاحة الطازجة المُقرمشة على ماء مضغوط، وعندما تقضم، تنفطِر الخلايا مُنتجةً صوتًا في النطاق التردُّدي من ١٠٠ إلى ١٥٠٠ هرتز. وعلى العكس من ذلك، ففي حالة التفاحة الغضَّة القديمة، تكون خلاياها تحت ضغطٍ أقل (يكون ضغط امتلائها أقل) لأنَّ الكربوهيدرات (البكتين) الموجودة في جدرانها تكون قد امتزجت بالسائل بالفعل و«ذابت» فيه. ومِن ثَمَّ، عندما تقضم تتداعى الخلايا بسهولة دون أن تنفطر مُكوناتها الداخلية وتُصدِر صوتًا ضئيلًا.

(٥٣) فرقع، وطقطق، والتهم!

يتكوَّن أحد أنواع حبوب الإفطار الشعبية في أمريكا الشمالية من حبوب الأرز المحمَّصة المُنتفخة التي تُصدِر صوتَ فرقعة حينما تُوضَع في اللبن، وكان هذا الصوت هو أصل شعار «فرقع، وطقطق، والتهم» الذي استخدمته الشركة المُصنِّعة لتسويق منتجها. لماذا تصدر حبوب الإفطار هذا الصوت؟

الجواب: تكون كلُّ حبةٍ هشَّة ومضغوطة؛ أي إن الأجزاء المختلفة للحبة تكون متماسكة مع بعضها بشدة. عندما يصير جزء منها رطبًا، تقلُّ صلابتها وتنكسِر الأجزاء المُتماسكة، فتُسبِّب هذه الحركة المفاجئة اهتزازاتٍ لحظية تنتج صوت نبض خافت أقرب إلى الطقطقة منه إلى الفرقعة. إذا تناولت حبوب الإفطار هذه فضعْ في اعتبارك أن الأصوات التي ستسمعها هي أصوات صرخات احتضار حبوب الأرز المُنتفِخة.

(٥٤) دَوِي اختراق حاجز الصوت الصادر من الطائرات وطلقات الرصاص

كانت الطائرات تطير بسرعة «دون سرعة الصوت» حتى عام ١٩٤٧ عندما كسر تشاك ييجَر ما يُعرَف باسم حاجز الصوت عن طريق التحليق بسرعةٍ تتجاوز سرعة الصوت (كانت الطائرة تُحلِّق «أسرع من الصوت»). عندما أصبح الطيران الذي يتجاوز سُرعة الصوت شائعًا، أصبح الصوت المُزعج والمُدمِّر أحيانًا الذي يُصاحب ذلك شائعًا أيضًا، وهو ما يُعرف باسم «دَوِي اختراق حاجز الصوت». ولكن لماذا تُصدِر الطائرة التي تفوق سرعة الصوت دَوِي اختراق حاجز الصوت الذي قد يُزعج الناس ويُفزِع القطط ويكسر النوافذ أحيانًا؟ هل يُمكن لشخصَين داخل طائرة تفوق سرعة الصوت أن يسمع كلٌّ منهما الآخر عندما يتكلمان؟

إذا أتلف انفجار قنبلةٍ أحدَ المباني (لنقُل جدران المبنى على سبيل المثال)، فلا بدَّ أن يتجاوز ضغط الانفجار على المبنى قيمةً حدِّية بعَينها حتى يتحقَّق التلَف، ومع ذلك يمكن لدَوِي اختراق حاجز الصوت أن يُتلف مبنًى بضغطٍ أقلَّ مائة مرة من هذه القيمة الحدِّية، فكيف يكون هذا ممكنًا؟

وكذا أيضًا تفُوق سرعة بعض أنواع طلقات الرصاص سرعة الصوت، فهل تُصدِرُ هي الأخرى صوتَ دَوِيِّ اختراق حاجز الصوت؟

عندما كان الصاروخ «فاو-١» يقصف إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية، كان المراقب يسمع ضوضاء تحليق الصاروخ أولًا (كانت عبارة عن صوت طنين مُميَّز، صار وسيلة غير مقصودة للتحذير)، ثم صوتَ انفجار الصاروخ عندما يُصيب الهدف. عندما استُخدِمت صواريخ «فاو-٢» في وقتٍ لاحق، كان المراقب يسمع أحيانًا هذين الصوتَين بترتيبٍ عكسي؛ أي الانفجار أولًا دون صوت تحذيري، ثم ضوضاء تحليق الصاروخ بعد ذلك بفترةٍ وجيزة، فلماذا صار التسلسل معكوسًا؟

في الثالث عشر من أغسطس عام ١٩٨٩، كان مكوك الفضاء «كولومبيا» مُتجهًا نحوَ قاعدة إدواردز الجوية في كاليفورنيا وحلَّق فوق لوس أنجلوس وباسادينا. كان مكوكًا يفوق سرعة الصوت ويتحرك بسرعة حوالي ٤٦٠٠ كيلومتر في الساعة؛ ومِن ثَمَّ أصدر موجة صدمية مُرتفعة (صوت دَوِيِّ اختراق حاجز الصوت) سُمِعت في كلتا المدينتَين. من الغريب أن محطة رصد وقياس الزلازل في باسادينا رصدت موجة زلزالية واضحة قادمة من لوس أنجلوس قبل ١٢٫٥ ثانية من تلقِّيها الموجة الصدمية للمكوك، فكيف يُمكن للمَوجة الصدمية أن تُولِّد موجة زلزالية في لوس أنجلوس؟

الجواب: عندما تُحلِّق طائرة عبْر الهواء، فإنها تدفع جزيئات الهواء بعيدًا عن طريقها، وهو ما يُسبِّب تبايُنًا في الضغط الجوي. ينتقل هذا الاختلاف في الضغط الجوي من الطائرة على هيئة موجةٍ صوتية، كما ينتقل الصوت الصادر من المحركات أيضًا. إذا كانت سرعة الطائرة دون سرعة الصوت، فستسمع صوت المُحركات ولن تلحظ موجة الضغط الناجمة عن دفع الطائرة للهواء.

يصير الوضع معكوسًا عندما تفوق سرعة الطائرة سرعة الصوت؛ إذ تُواصِل الاختلافات في ضغط الهواء التي تُسبِّبها الطائرة نتيجةً لاندفاعها عبْر الهواء الانتقال على هيئة موجات صوتية، ولكن تكون الموجات في هذه الحالة أبطأ من الطائرة نفسها فتتجمَّع مُكوِّنة شكلًا مخروطيًّا تتَّجِه قمَّتُه نحو الطائرة، ويُلازم هذا المخروط الطائرة ما دامت سُرعتها تفوق سرعة الصوت. ما تسمعه بالأساس في صوت دَوِي اختراق حاجز الصوت هو هذه الموجات الصوتية المُتجمِّعة (التي يُقال إنها «موجة صدمية»)، وليس صوت محركات الطائرة.

عندما تتحرَّك الطائرة أفقيًّا، على سبيل المثال، يُمكن للجزء السُّفلي من المخروط أن يجترف الأرض، وإذا مرَّ بسرعة بجانبك فسيزيد أولًا ضغط الهواء على طبلة أذنك عن قيمته العادية، ثم ينقُص حتى يصل إلى قيمةٍ أقلَّ من قيمته العادية، ثم يزيد حتى يصل إلى قيمته العادية مرةً أخرى. (يُشبِه الرسم البياني لهذه التغيرات حرف N؛ ومِن ثمَّ فإن الموجة الصدمية التي تَصدُر من الطائرة تُسمَّى غالبًا ﺑ «الموجة N».) تتسبَّب هذه التغيُّرات المفاجئة في ضغط الهواء في اهتزاز طبلة أذنك، ومن ثَمَّ تسمع صوتَ دَوِيِّ اختراق حاجز الصوت.

تتكوَّن الموجة الصدمية للطائرة في الواقع من مجموعةٍ من الموجات الصدمية الفردية التي تَنتُج من الجزء الأمامي المخروطي الشكل من الطائرة، ومن المُحرِّكات، ونقطة اتصال جسم الطائرة بالجناح، والذَّيل. إلا أنه بحلول الوقت الذي تصلك فيه هذه الموجات الصدمية على الأرض، فإنها قد تندمج وتصير موجة صدمية واحدة تُصدِر صوتًا واحدًا لدَوِي اختراق حاجز الصوت. ومع ذلك، يُمكنك في بعض الأحيان تمييز أصوات دَوِيِّ اختراق حاجز الصوت كلًّ على حدة.

قد لا تصِل الموجات الصوتية التي تُشكِّل المخروط إلى الأرض لأنها أثناء انتقالها إلى الأسفل تنحني مساراتها بفعل التغيُّرات الحادثة في درجة حرارة الهواء بطول هذه المسافة، ويُقال بأنَّ الصوت «ينكسر» أو يتعرَّض للانكسار. إذا قابلت الموجات هواءً دافئًا أثناء نزولها، يمكن أن تنحني المسارات بعيدًا عن الأرض بما يكفي لكيلا تُلامِسها. كما يمكن أن تُوجَّه الموجات أيضًا إلى مسافات بعيدة قد تصل إلى مائة كيلومتر إذا انحبست بين طبقاتٍ ذات درجات حرارة أعلى؛ ومِن ثَمَّ، يمكن أن تُسمَع الموجات أحيانًا دون رصْد وجود أي طائرةٍ في الأفق، وهو ما يجعل صوتَ الدَّوِيِّ الغامض مُقلقًا.

عندما تتسارَع طائرة تفوق سرعة الصوت، خاصةً إذا كانت طائرة حربية، مُحلِّقة نحو الأمام أو تقوم بمُنعطفات حادة، يمكن أن تنبعِث الموجات الصدمية في اتجاهاتٍ مُختلفة ويمكن لبعضها أن يصطدم بالأرض عند نفس النقطة. يعني وجود مزيجٍ من موجتَين أو أكثر من الموجات الصدمية أن الاختلافات في ضغط الهواء تكون أكثر حدَّة، وهو ما يَنتُج عنه صوت «دَوِي هائل» يمكن أن يكون مُفزِعًا للناس على الأرض. على الأرجح، يُلحِق هذا الوضع أيضًا أضرارًا بالمباني، خاصةً إذا كان المُعدَّل الذي يحدُث به اختلاف الضغط يتناسب مع المعدل الذي يمكن أن يهتزَّ به الجدار على سبيل المثال. ومِن ثَمَّ، يُمكن أن تكون الاهتزازات الناجمة عن الموجات الصدمية في هذه الحالة ضخمة بما يكفي لكسر الجدار.

يمكن لشخصَين داخل طائرة تفُوق سرعة الصوت أن يتحدَّثا معًا بكل تأكيد؛ إذ إنهما موجودان داخل هواء يُجبَر على التحرُّك مع الطائرة؛ ومِن ثمَّ لا يحدُث أيُّ تغيير ذي قيمة تُذكَر للموجات الصوتية لصوتيهما التي تنتقِل عبْر ذلك الهواء.

دَوِيُّ اختراق حاجز الصوت للرصاصة التي أُطلِقَت إذا فاقت سرعة الرصاصة سرعة الصوت. كانت سرعة الصواريخ «فاو-١» التي قصفت إنجلترا أثناء الحرب دون سرعة الصوت؛ ومِن ثمَّ كان المراقب يسمع صوتَ ضوضاء تحليقها قبل أن تظهر للعِيان. على النقيض، كانت الصواريخ «فاو-٢» من النوع الذي يفوق سرعة الصوت؛ ومِن ثمَّ، كان الصاروخ يصل إلى الأرض قبل صوت الضوضاء الناتجة عن تحليقه.

عندما ضربت موجة المكوك «كولومبيا» الصدمية ولاية لوس أنجلوس، تسبَّبت في اهتزاز العديد من المباني الشاهقة في منطقة وسط المدينة، وهو تأثير مُماثل لذلك الذي يُحدِثه الزلزال. تراوَحَت فترات اهتزاز هذه المباني (الفترة هي الوقت الذي يستغرقه لحدوث اهتزاز كامل) من ثانية إلى ستِّ ثوانٍ. أحدثت المباني أثناء فترات اهتزازها موجاتٍ زلزالية؛ ومِن ثَمَّ إذا اهتزَّ مبنًى لفترةٍ استغرقت ثانيتَين على سبيل المثال، فستنتج موجة زلزالية تدوم لمدة ثانيتَين. انتقلت الموجات الزلزالية عبْر الأرض أسرع من الموجات الصدمية التي انتقلت عبر الهواء؛ ومِن ثمَّ وصلت إلى باسادينا قبل الموجات الصدمية. وصلت الموجات التي وصلت أولًا من جميع المباني بالتوازي معًا تقريبًا وأحدثت اضطرابًا واضحًا رصدته محطة قياس ورصد الزلازل. أما بعد ذلك، فنتيجةً لاختلاف فترات الاهتزاز، تداخلت الموجات وامتزجت؛ وهو ما جعل العديد منها يُلغي بعضه تأثير بعض؛ ومِن ثَم، ضَعُف الاضطراب المرصود في محطة رصد الزلازل.

(٥٥) دَوِي اختراق حاجز الصوت الصادر من أنفاق القطارات

عندما زيدَت سرعة القطارات السريعة في اليابان من ٢٢٠ كيلومترًا في الساعة إلى ٢٧٠ كيلومترًا في الساعة، بدأ يَصدُر من أنفاق القطارات أصواتُ دَوِيٍّ كلما مرَّ أحد القطارات عبْرها. كان صوت هذا الدَّوِي مرتفعًا ومُفزعًا تمامًا كصوت دَوِيِّ اختراق حاجز الصوت الذي يَصدُر من الطائرات التي تفوق سرعة الصوت. لماذا نتج عن زيادة السرعة صوت دَوِي؟

الجواب: لا بدَّ أن يَشقَّ القطار، خاصةً لو كان قطارًا سريعًا، طريقَه عبْر الهواء؛ ومِن ثَمَّ، يُنتِج موجاتٍ تضاغُطية إلى الأمام. تتبدَّد هذه الموجات في الأماكن المفتوحة بسرعة، ولكنها تدوم لفترةٍ أطول داخل الأنفاق. في الواقع، يمكن أن تدوم لفترةٍ طويلة بما يكفي حتى تتجمَّع مُكوِّنة موجةً صدمية. عندما تصل الموجة الصدمية إلى نهاية النفق وتخرج منه تكون قويةً بما يكفي لتُنتِج دَوِيَّ اختراق حاجز الصوت. على الرغم من أنَّ التكنولوجيا الحديثة يُمكنها زيادة سرعة القطارات، فإن أصوات الدويِّ الناتجة تَحُدُّ من السرعات التي قد تكون مقبولةً بالنسبة إلى تصميم القطارات والأنفاق.

(٥٦) الرعد

ما الذي يُسبِّب الرعد؟ ولماذا يمكن أن يتدرَّج صوته من صوتِ قعقعةٍ مُثير للأعصاب إلى صوت دويٍّ هادرٍ لا يتوقف؟

الجواب: المصدر الرئيسي لصوت الرعد هو الموجة الصدمية التي يُحدثها البرق، وهي عبارة عن تفريغ كهربائي. يسري التيار الكهربائي الهائل الذي يُحدِثه البرق بين السحب والأرض (أو بين السحب وبعضها) في قناةٍ ضيِّقة لا يتجاوز نصف قطرها بضعة سنتيمترات. ينزع الحقل الكهربي الضخم، الذي تُحدِثه الشحنات الموجودة على الأرض وفي السحاب، الإلكترونات من جُزيئات الهواء داخل هذه القناة، ثم يزيد الحقل الكهربي من سرعة الإلكترونات المُحرَّرة وتصطدم بجزيئات الهواء، وتنقل الطاقة التي اكتسبتها إلى الجزيئات. ونظرًا لحالة السخونة الشديدة التي يكون عليها غاز هذه الجزيئات (قد تكون درجة حرارته ٣٠٠٠٠ كلفن)، يتمدَّد الغاز. تحدُث هذه العملية بسرعة بالِغة بحيث تتمدَّد قناة الغاز الساخن في البداية بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت بكثير، وهو ما يُرسِل موجة صدمية من تغيُّرات الضغط المُفاجئة إلى الهواء المُحيط وينتج صوت الرعد.

إذا كنت تقف بالقُرب من البرق، فستسمع صوت فرقعة مُرعبًا أثناء مرور الموجة الصدمية بجانب أُذنيك. وإذا كنت بعيدًا، فستسمع صوت الجزء الأقرب من الصاعقة أولًا، ثم ستسمع صوت أجزاءٍ الصاعقة الأعلى أو الأبعد منك. ولأنَّ الموجات الصوتية تكون قد انتشرت بالفعل، فقد لا يكون هذا الصوت المتأخر مرتفعًا بما يكفي ليُفزعك. ستسمع أيضًا على الأرجح انعكاسات الصوت القادمة من التِّلال والمباني والأرض، وحتى من السحب، وهذه التأثيرات هي ما تتسبَّب في دويِّ الرعد بلا توقُّف.

قد تسمع نغمة موسيقية إذا كنت بالقرب من برقٍ يتكوَّن من العديد من عمليات التفريغ الكهربي السريعة. فإذا كانت النبضات الصوتية الصادرة من عمليات التفريغ الكهربي متقاربة جدًّا بعضها من بعض، فلن تُميز كلَّ واحدةٍ منها على حدة، بل ستُميزها جميعها كجزءٍ من نغمة موسيقية. على سبيل المثال، إذا كان الزمن الفاصل بين النبضات المُتتالية هو ٠٫٠٠١ ثانية، ستُميز الصوت عند التردد ١  /  ٠٫٠٠١ الذي يساوي ١٠٠٠ هرتز.

إذا كان البرق على بُعد حوالي عشرين كيلومترًا منك، فقد لا تسمع الرعد. تنكسِر الموجات الصوتية أثناء انتقالها عبْر الهواء (ينحني مسارها) بفعل الاختلافات في درجة حرارة الهواء (إذ يكون الهواء الأسخن أقلَّ كثافةً من الهواء الأبرد، وهذا التغيُّر في الكثافة هو ما يمكن أن يؤدي إلى انحناء المسار الذي يسلكه الصوت). نظرًا لأن الهواء يكون عادة أكثر برودةً عند مستوى السُّحب منه عند مستوى الأرض، فإن الصوت الذي ينتقل تجاهك آتيًا من البرق البعيد، ينحني ويتجه بعيدًا عنك. ومع ذلك، في بعض العواصف الرعدية يكون الهواء الموجود بالقُرب من الأرض أكثر برودة من الهواء الأعلى، وهو ما يعرف باسم «الانقلاب الحراري». يمكن أن يتعرَّض الصوت القادم من الصاعقة، والذي يكون مُتجهًا إلى أعلى في البداية، إلى الانحناء إلى أسفل أثناء الانقلاب الحراري. والأسوأ من ذلك هو أنه في بعض الأحيان يمكن أن يتركز ويتجمَّع الصوت المُنبعث من الأجزاء المختلفة للصاعقة ويتَّجِه نحوك. عندما يحدُث ذلك أثناء الليل، قلْ وداعًا للنوم لأنك ستظلُّ مُستيقظًا (ومُختبئًا أسفل الأغطية خوفًا من الوحوش) حتى تمُرَّ العاصفة.

يمكن أن يكون بعض الصوت الناتج عن البرق «دون الصوتيِّ»؛ أي يكون تردُّده منخفضًا للغاية بحيث لا تستطيع تمييزه سمعيًّا. يبدو أن مصدر الموجات دون الصوتية هو انهيار الحقل الكهربي وتوزيع الشحنة الكهربية في السحابة عندما تفقد السحابة فجأةً معظم شُحنتها الكهربية عند حدوث الصاعقة؛ إذ إنَّ قطرات الماء الموجودة في السحابة تكون مشحونةً وتتنافر معًا كهربيًّا. ولكن بمجرد أن تفرغ الصاعقة هذه القطرات وتزيل التنافُر الكهربي المُتبادَل، تتحرك القطرات فجأة إلى الداخل لتتوزَّع بصورة أكثر إحكامًا. تنتج هذه الحركة المفاجئة اختلافاتٍ في ضغط الهواء تنتقل من السحابة إلى الأرض على هيئة موجات دون صوتية. يكون التردُّد الذي يبلغ حوالي واحد هرتز منخفضًا للغاية بحيث لا تستطيع تمييزه سمعيًّا، ولكنك قد تكون قادرًا على الشعور به، خاصة إذا كنت تقف أسفل السحابة مباشرةً. ومع ذلك، فإن وجودك هناك على الأرجح سيجعلك تُولي قدرًا كبيرًا من الانتباه إلى الصاعقة القريبة أكثر من الانتباه لتمييز أيِّ إحساسٍ ضعيف ينتج عن الموجات دون الصوتية.

(٥٧) الدوي الغامض الآتي من السماء

لوقتٍ طويل رُصِدَ دويٌّ غامضٌ قادم من السماء، حتى من السماء الصافية، وظلَّ مصدر هذه الأصوات مَثارًا للجدل. على سبيل المثال، عندما سافر المُستكشفان الأسطوريان لويس وكلارك عبْر الغرب الأمريكي، رفَضا في البداية قصص الأمريكيين الأصليين حول أصوات الدويِّ هذه، ولكنهما غيَّرا رأيهما عندما سمعاها بنفسيهما أيضًا بالقُرب من جبال روكي في ولاية مونتانا. عُرِفَت ظاهرة الدمدمة الغامضة هذه بأسماء مختلفة في مناطق عديدة حول العالم، منها «الدويُّ الغامض» و«قاذفات الضباب»، و«مدافع باريسال». في الوقت الحاضر، تظهر تقارير ترصد حدوث ظاهرة الدويِّ الغامض بالصحف أحيانًا، خاصة حينما تسمعها أعداد كبيرة من الناس، أو إذا حدثت الظاهرة بصورة مُنتظمة. هل يمكنك اقتراح ما يُسبب هذه الأصوات الغامضة؟

الجواب: في الوقت الحاضر، يكون صوت الدويِّ الغامض على الأرجح ناتجًا عن دويِّ اختراق حاجز الصوت الذي تُحدثه الطائرات التي تفوق سرعة الصوت. يمكن أن تكون الطائرة بعيدة كثيرًا عن المكان الذي يُسمَعُ فيه صوت الدويِّ، وهو ما يجعل مصدره يبدو غامضًا. على الرغم من أن القوانين تمنع الطائرات من إصدار أصوات دويِّ اختراق حاجز الصوت فوق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، إلَّا أنها ما زالت يمكنها إصدارها فوق المناطق ذات الكثافة السكانية المُنخفضة أو فوق المُحيط. على سبيل المثال، بعض أصوات الدوي الغامضة التي كانت تُسمَع على نطاقٍ واسع والتي ورَدَ بشأنها الكثير من التقارير في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، تمَّ الربط بينها وبين أصوات دوي اختراق حاجز الصوت الصادرة من الطائرة كونكورد. على الرغم من أن الطائرة كونكورد العابرة للمُحيط الأطلسي كانت مُطالبة بأن تخفض سرعتها وتُحلِّق دون سرعة الصوت قبل وصولها إلى وجهتها، مطار كينيدي بنيويورك مثلًا، إلا أنها كانت تُحلِّق بسرعة تفوق سرعة الصوت فوق المحيط. اعتمد المسار الذي اتخذَتْه الموجات الصوتية على الكيفية التي تتغيَّر بها درجة حرارة الهواء وسرعة الرياح مع الارتفاع. يمكن أن تُوجِّه الحرارة والتغيُّرات في سرعة الرياح الموجاتِ الصوتية في بعض الحالات؛ ومِن ثمَّ كانت الموجات الصوتية تُسمَع بطول الساحل الشرقي بالقُرب من كينيدي.

ومع ذلك، لا يمكن أن تُفسِّر ظاهرة دوي اختراق حاجز الصوت كلَّ أصوات الدوي الغامض التي تُسمَع حديثًا أو أيًّا من أصوات الدوي الغامض التي كانت تُسمَع قبل رحلة الطيران التي تفوق سرعة الصوت في عام ١٩٤٧. قد يكون لأصوات الدويِّ الغامض الأخرى أنواع مختلفة من المصادر؛ فقد تكون ناتجةً عن حدوث اضطرابات زلزالية بعيدة إذا كان اهتزاز الأرض ضعيفًا جدًّا بحيث لا يمكن الشعور به، ولكن تكون الموجة الصوتية التي تُرسَل عبْر الهواء مسموعة. كما يمكن أن يكون صوت الرعد البعيد أحد تلك المصادر إذا كانت العاصفة بعيدة جدًّا بحيث لا تُرى — يمكن سماع صوت الرعد إذا كان الغلاف الجوي يتمتَّع بالتوزيع المناسب لدرجات حرارة الهواء. حينئذٍ، قد ينكسر الصوت مرارًا وتكرارًا أينما تتغيَّر درجة حرارة الهواء مع الارتفاع، ومِن ثم، قد يقطع الصوت مسافةً كبيرة. إلا أنه من الصعب إثبات مثل هذه التفسيرات.

(٥٨) السقوط الصخري وإسقاط الأشجار

في العاشر من يوليو عام ١٩٩٦، وقع سقوطان صخريَّان مُتعاقبان ومأساويَّان بالقُرب من مركز هابي آيلز للطبيعة بمُتنزَّه يوسيميتي الوطني في كاليفورنيا. في كلِّ حادث سقوط صخري، كانت تنزلِق كُتلةٌ ضخمة من الجرانيت أولًا على منحدرٍ وعرٍ وتندفع كالصاروخ وتهبط مسافة ٥٥٠ مترًا، ثم تصطدم بالأرض. أحدثت هذه الاصطدامات موجاتٍ زلزاليةٍ سجَّلتها أجهزة قياس الزلازل التي تقع على بُعد ٢٠٠ كيلومتر. ومع ذلك، ما كان أكثر إثارةً للدهشة هو الأضرار التي أحدثتْها الكُتَل الصخرية في أماكن أبعدَ من الوادي، تقَع على بُعد أكثر من ٣٠٠ متر من المكان الذي وقعتْ فيه، ما أدَّى إلى سقوط أكثر من ١٠٠٠ شجرة وهَدْمِ جسرٍ ومطعم للوجبات الخفيفة ومقتل شخصٍ واحد وجُرح عددٍ آخر. كيف يمكن أن تُحدِث كُتَل الجرانيت هذه الأضرار الهائلة في الأماكن التي لم تسقط فيها بالأساس؟

الجواب: أحدث ارتطام كلِّ كتلة من الجرانيت في نهاية رحلة سقوطها بالأرض اختلافات في ضغط الهواء انتقلت من نقطة الارتطام على هيئةِ موجةٍ صوتية. تتكوَّن الموجة، التي يُقال إنها «اندفاع هوائي» ناتج من الارتطام، من هواءٍ مضغوط يتمدَّد بعد ذلك. إذا كنتَ واقفًا وقتَ اندفاع الهواء، فسوف تدفعك الاختلافات في ضغط الهواء، التي كانت المصدر الفعلي للرياح القوية، بعُنف في أحد الاتجاهات أولًا، ثم في الاتجاه المعاكس بعد ذلك. أما الاندفاع الهوائي الذي نتج عن ارتطام الكتلة الصخرية الثانية التي كانت كتلتها تساوي ثلاثة أضعاف كتلة الأولى فكان مُدمِّرًا على نحوٍ استثنائي؛ فقد أحدث رياحًا تصِل سرعتها إلى ٤٣٠ كيلومترًا في الساعة عبْر الأشجار، وهو ما يُشبِه الرياح التي تحدُث بالقُرب من الإعصار. في الواقع، كان الاندفاع الهوائي الناجم عن سقوط الكتلة الصخرية الثانية يفوق سرعة الصوت (كانت موجة صدمية)، وذلك لأن الغبار الذي أثاره الارتطام الأول كان قد قلَّل من القيمة العادية لسرعة الصوت في الهواء التي تبلغ ٣٤٠ كيلومترًا في الثانية إلى حوالي ٢٢٠ مترًا في الثانية، أما بالقُرب من نقطة الارتطام، فقد كانت سرعة الاندفاع الهوائي أكبر من هذا بكثير.

(٥٩) الصوت الصادر عن السِّياط والمناشِف الرطبة

كيف تجعل السوط يُصدر صوتًا؟ عليك أن تُحرك مقبض السوط بسرعة بطريقةٍ أو بأخرى لمسافة قصيرة، فيتحرك طرفه بسرعة كبيرة. بالمثل، كيف تجعل المنشفة تُصدر صوتًا؟ ولماذا تُصدر صوتًا أفضل عندما تكون رطبة؟

fig102
شكل ٣-٥: بند ٣-٥٩: ثلاث لقطات لانتقال موجة لولبية بطول السوط عندما يُسحَب مقبض السوط بسرعة إلى الخلف.
الجواب: كي تجعل السوط يُصدر صوتًا، أو أيَّ أداة أخرى تُشبِهه، عليك أن تُحرِّك مقبض السوط بسرعةٍ حتى تُرسل موجة بطول السوط. قد يُحدث المبتدئ موجة بسيطة، ولكن المُحترِف يُنتج موجةً لولبية (انظر شكل ٣-٥). عندما تصل الموجة إلى النهاية، يتسارع طرف السوط بشدَّة (أسرع من عجلة الجاذبية بنحو ٥٠ ألف مرة) وسرعان ما تتجاوز سرعته سرعة الصوت. وكما هو الحال مع الأجسام الأخرى التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، كالطلقات والطائرات التي تفوق سرعة الصوت، يُولِّد طرف السوط صوت دويِّ اختراق حاجز السوط (أو مَوجة صدمية)، ألا وهو صوت «قرْع» السَّوط.

تعمل المِنشفة الرطبة على إنتاج الصوت بصورة أفضل من المِنشفة الجافة لأن كتلتها تكون مُعزَّزة. وعلى الرغم من أنك لا بدَّ أن تبذل مجهودًا أكبر كي تحركها، فإن طرفها ينتهي به الحال مُكتسبًا طاقةً أكبر تكفي لصفْع ضحية في غرفة خلع الملابس صفعةً مؤلمة.

يعتقد بعض علماء الحفريات بأن ديناصور الصوروبودا المُسمَّى «أباتوصوروص لويزيا»، الذي كان ديناصورًا ذا ذيلٍ طويلٍ مرِن، كان بإمكانه تحريك ذَيله سريعًا مثل السوط، وكانت سرعة طرف ذيلِه على الأرجح تتجاوز سرعة الصوت وتُرسِل صوت دويِّ اختراق حاجز الصوت.

(٦٠) السُّعال والعطس

ما الذي يُصدِرُ صوت السُّعال والعطس؟ ولماذا يكون صوت سُعالِ وعطسِ بعض الناس مرتفعًا ومُزعجًا؟

الجواب: عندما تسعل، فأنت تطرد الهواء بسرعة كبيرة من خلال القصبة الهوائية والشُّعَب الهوائية العُليا حتى يزيل الهواء المُخاط الزائد الذي يُبطِّن المسار. تنجح في إنتاج هذه السرعة العالية عن طريق تنفُّس كمية كبيرة من الهواء وحبسه عبْر إغلاق لسان المزمار (فتحة ضيقة في أعلى الحنجرة)، وزيادة ضغط الهواء من خلال قبض الرئتين، وهو ما يجعل القصبة الهوائية والشُّعَب الهوائية العُليا تنكمش جزئيًّا لتُضَيِّق المسار، ثم زفر الهواء أخيرًا عبْر هذا المسار عن طريق إعادة فتح لسان المزمار فجأة. يضطرب تدفُّق تيار الهواء فجأة، وهو ما يُنتِج موجاتٍ صوتية في كلٍّ من الهواء وأنسجة الرئة. لا تُنتج الأحبال الصوتية في هذه المرحلة الصوت، وذلك لأنها تكون مفتوحة على آخرها حتى لا تُعيق تدفُّق الهواء. ومع ذلك، عند نهاية السعال، عندما تُضَمُّ الأحبال الصوتية مرة أخرى، يمكن أن يتسبَّب تدفق الهواء في اهتزازها، فتُنتِج صوتًا.

تزداد سرعة الهواء أثناء اندفاعِه الهائل خلال القصبة الهوائية والشُّعب الهوائية العليا. أعتقد أن سرعة الهواء عند بعض الناس تصل إلى سرعة الصوت، أو حتى تفوقها، ومِن ثَمَّ تخرج موجة صدمية خفيفة (أو دوي اختراق حاجز الصوت) من الحلق وتجعل صوت السعال مرتفعًا على نحوٍ استثنائي، كما يمكن أن تُحدِث عطسةٌ قوية موجةً صدمية أيضًا. (ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين يفُوق سُعالهم أو عطسُهم سرعة الصوت لا يكونون محلَّ ترحيبٍ داخل المصاعد.)

(٦١) كيفية انتقال الصوت في الغُرَف وقاعات الحفلات الموسيقية

تكون بعض الغرف والقاعات المُغلقة غير المجهَّزة سيئة للغاية من الناحية الصوتية بحيث لا يتمكن الجمهور من سماع ما يُقال أو يُعزَف أو يُغَنَّى كما ينبغي. على سبيل المثال، إذا عُزِفَت حفلة موسيقية في ملعب كرة سلة، فمن المؤكد أنها ستكون مزيجًا من الأصوات غير الواضحة. (غالبًا ما يكون الصوت مرتفعًا في حفلات الروك حتى يُصبح صاخبًا بدرجةٍ لا يهتمُّ فيها الجمهور بالجودة الصوتية.) فما الذي يُحدِّد ما إذا كانت التجهيزات الصوتية للمكان مُلائمة أم لا؟

الجواب: يمكن أن يتجمَّع الصوت الذي يصل إلى المُستمِع بثلاثِ طُرق: أولًا، الصوت المباشر الذي يأتي مباشرة من المصدر إلى المستمع. ثانيًا، «الانعكاسات المبكرة» التي تصل بعد وقتٍ قصير (في غضون ٠٫٠٥٠ ثانية) من انعكاسات الصوت على الجدران أو السقف. ثالثًا، «الانعكاسات المتأخرة» التي تصل بعد ذلك. يفترض أن تكون الانعكاسات المُبكرة مرتفعة؛ لأنها تصل بعد «الصوت المباشر» مباشرة، فيمزجها المستمع ذهنيًّا مع الصوت الأصلي. ومن المُفترَض أن تصل هذه الانعكاسات المُبكرة من يسار المستمع أو يمينه لتُعزِّز انطباع وجوده داخل غرفة، وكذا ليوسع الدماغ ذهنيًّا حجم مصدر الصوت. فبدون هذه الانعكاسات الجانبية، سيعتقد المُستمع أنَّ الغرفة «ساكنة» أو أن مصدر الصوت ضعيف.

لا يفترض أن تكون الانعكاسات المُتأخِّرة مرتفعة للغاية وإلا ستتداخل و«تغطي» على ما يصل في نفس الوقت من الأصوات المباشرة؛ ومِن ثمَّ لن يتمكن المستمع من تمييز الصوت المباشر — قد تكون لاحظتَ هذه التغطية إذا صِحتَ قائلًا عبارة بعينها في مكانٍ مغلقٍ يُولِّدُ صدى صوتٍ قويًّا. ومع ذلك، يجب عدم التخلُّص من الانعكاسات المتأخِّرة؛ لأنها تُعطي المُستمِع شعور «الانغماس» داخل الصوت.

لا يزال تحديد الآثار النفسية للانعكاسات المُبكِّرة والمُتأخِّرة وكذا تصميم قاعات الحفلات الموسيقية محلَّ دراسة مستمرة. تعتمد هذه التصميمات جزئيًّا على ما إذا كانت القاعة ستُستخدَم لإلقاء محاضرة أم لتقديم أغنيات أم لعزف آلة موسيقية. تتكوَّن جدران قاعات الحفلات الموسيقية بصفةٍ عامة من العديد من البروزات أو الأشكال المختلفة التي يمكنها عكس الصوت إلى الجمهور. للتقليل من فُرَص حدوث صدًى صاخب، يمكن تغطية الجدار الخلفي بستارٍ أو جزء من المسرح ببساط.

تُعتبَر التجهيزات الصوتية في مكان العزف المُخصَّص لجلوس فرقة الأوركسترا أسفل المسرح مباشرة عاملًا جوهريًّا للموسيقيين الذي يعزفون هناك، إذ إنَّ العازف لا يسمع فقط الأصوات المباشرة للآلات الأخرى، بل انعكاسات تلك الأصوات أيضًا. ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر إزعاجًا للعازف الذي يجلس أسفلَ المسرح يقَع عندما تُحدِثُ الموجات الصوتية التي تتردَّد بين أرضية المكان والسقف رنينًا (ينتج الرنين عندما تُعزِّز الموجات الصوتية بعضها بعضًا وتنتج موجةً صوتية خالصة). إذا كان اختلاف ضغط الرنين قويًّا بالقرب من أُذن العازف، سيبدو أن مصدر ذلك الصوت عند مستوى الرأس، وليس في أيِّ مكانٍ آخر كما يكون الحال دائمًا. يمكن التخلُّص من هذا التشتيت المُزعِج أو تقليله من خلال تصميم ارتفاع مكان العزف ووضع مُمتصَّات الصوت فيها بشكلٍ صحيح.

تمتاز الكنائس القديمة بجُدرانها وأرضيَّاتها وأسقُفها الصلبة التي لها أصداء صوتٍ مُرتفعة تدوم لعدة ثوانٍ. تُرسِلُ موسيقى الأرغن التي تُعزَف في هذه الكنائس فرطًا من الأصوات التي ترتدُّ بين الأسطح الصلبة. على سبيل المثال، في كاتدرائية القديس بولس في لندن، يمكن أن يُدوِّي صدى الصوت لمدة ١٣٫٥ ثانية. أما الكنائس الحديثة، فيدوم صدى الصوت فيها لمدة أقصر بحيث يُسمَع الكلام الآتي من منبر الوعظ بوضوح، ويرجع قِصَر مدة دوام صدى الصوت إلى أن الجدران تمتصُّ الصوت بشكلٍ أفضل من الجدران الحجرية القديمة. ومع ذلك، طُليَت الجدران في كنيسة واحدة على الأقل حتى تعكس الأصوات بشكل أفضل، وهو ما يجعل صوت أرغن الكنيسة يبدو أكثر غلظة؛ ومِن ثمَّ أكثر شبَهًا بالأرغن الذي يُستخدَم في الكاتدرائيات.

(٦٢) صدى الهمس البعيد في الأروقة المُغلقة

تضمُّ بعض الأبنية المُغلقة غُرَفًا تسمح للهمس الذي يصدر في نقطة معينة بها بأن يُسمَع في نقطة أخرى تبعُد عن الأولى بمسافةٍ كبيرة. تقول الأسطورة إنَّ «أُذن ديونيسيوس» في سرقوسة كانت تتمتَّع بهذه الخاصية، فكان حديث السُّجناء الذين يقبعون داخل زنازينهم يصل بطريقةٍ أو بأُخرى إلى أذن الطاغية. وبالمثل، فإن القُبَّة التي تُغطي قاعة مجلس النواب الأمريكي القديم في مبني الكابيتول بواشنطن العاصمة تعكس ولو همسة واحدة يتلفظ بها أحدهم في أحد جوانب القاعة واثقًا أنها لن تُسمَع، غير أنها تُسمَع على الجانب الآخر من الغرفة، وربما، لسُوء حظه، يسمعها عضو من الحزب السياسي المنافس.

إلَّا أنَّ الوضع الأكثر إحراجًا الذي يُقال إنه حدث في كاتدرائية جيرجينتي في مدينة صقلية الإيطالية، كان عندما اكتشف أحد مُرتادي الكنيسة أنه عندما يقِف في نقطةٍ مُعينة في الكاتدرائية، كان يتمكَّن من سماع الاعترافات التي يهمس بها الناس إلى القسِّ على كرسي الاعتراف القريب من الطرف الآخر من الكاتدرائية. كان من المُمتِع بالنسبة لهذا الشخص وأصدقائه سماع هذه الاعترافات حتى اليوم الذي تصادَفَ فيه جلوس زوجتِهِ على هذا الكرسي.

الجواب: من المُستبعَد أن تكون الأروقة التي يُسمَع بها صدى الهمس البعيد في الكثير من الأبنية المغلقة قد صُمِّمت عن عمدٍ كجزءٍ من المبنى لإحداث هذا التأثير، فهي تكون عادةً أماكن مغلقة ذات مقاطع عرضية بيضاوية الشكل بحيث يمكن للموجات الصوتية أن تتركز. يكون للمقطع العرضي البيضاوي بؤرتا تركيز، فإذا تحدَّث شخصٌ ما عند نقطة منهما، ستنعكس الموجات الصوتية من السقف وتتلاقى عند نقطة التركيز الأخرى، بافتراض أنَّ الأصوات المنعكسة من السقف لن تعُوق المصابيح أو الزخارف طريقها.

(٦٣) الأروقة التي يُسمَع بها صدى الهمس البعيد في كاتدرائية القديس بولس

تحتوي قُبَّة كاتدرائية القديس بول في لندن ممرًّا حول مُحيطها الداخلي يمكن للمُتفرجين منه رؤية الجزء الداخلي من القُبَّة وبعض أجزاء من الطابق الرئيسي أسفل الكنيسة، وهو عبارة عن ممرٍّ دائري يبلُغ نصف قطره حوالي ٣٢ مترًا. إذا وقفتَ على أحد جوانب الممر، بينما وقف صديقك على الجانب الآخر المُقابل له وتحدَّث إليك عبْر الفراغ الفاصل بينكما، فسيُضطرُّ إلى الصراخ تقريبًا حتى تتمكَّن من سماع ما يقول. أما إذا واجه الجِدار وتحدَّث هامسًا، فستسمع بكلِّ سهولة ما يقوله إذا كنتَ أنت أيضًا تقِف بالقُرب من الجدار. وفي الواقع، سيمكنك سماع ما يقوله إذا وقفتَ في أيِّ نقطةٍ أخرى على طول الممر؛ أي إنه ليس من الضروري أن تكون مُقابل صديقك؛ ومِن ثمَّ فهذا التأثير ليس تأثيرًا مركزًا كما هو الحال في البند السابق. كيف يصل إليك كلام صديقك؟ ولماذا لا بُدَّ أن يُواجِه الجدار وأن يكون قريبًا منه حتى يصلك صوته؟ ولماذا يُسمَعُ ما يقوله بوضوح أكبر إذا تحدَّث همسًا؟

الجواب: تتعلق بعضُ الموجات الصوتية التي تخرج من فم صديقك بالجدار عن طريق الانعكاس المُتكرِّر أثناء انتقالها بعيدًا عن صديقك. (قد تنعكس الموجات الصوتية الأخرى مرةً أو اثنين، ثم «تُفقَد» أثناء انتقالها عبْر الجزء الداخلي من القبَّة.) تُسمَّى الموجات التي تتعلق بالجدار «الموجات السطحية» أو «موجات رايلي».

أظهر اللورد رايلي هذا التأثير التعلُّقي في عام ١٩٠٤ عندما قام بثَنْي شريط معدني طويل بحيث شكَّل جدارًا أفقيًّا نصف دائري، ثم وضع صافرةً في أحد أطرافه، وشعلة في الطرف الآخر. عملت الشُّعلة بمثابة كاشف صوت، إذ كانت تتمايَل بشكلٍ ملحوظ عندما كان يتسبَّب الصوت في اضطرابها. عندما كان يُنفَخ في الصافرة، كانت الشعلة الموضوعة في نهاية نصف الدائرة تتمايل. ولكن عندما أدخل رايلي حاجزًا ضيِّقًا بطول المُحيط الداخلي للشريط المعدني، لم تَعُد الصافرة قادرةً على جعْل الشعلة تتمايَل؛ إذ إنَّ الصوت الذي يتسبَّب في إحداث اضطراب في الشعلة لم يَعُد يأتي مباشرة من الصافرة إلى الشعلة، بل أصبح ينتقِل بطول الجدار نصف الدائري مُحدثًا انعكاساتٍ مُتكرِّرة، ليُشكِّل حزامًا ضيِّقًا من الصوت بطول الجدار. وعندما وضع الحاجز بجانب الجدار، حَجَبَ المَوجات التي تنتقِل بطوله. لشرْح الأمر بشكلٍ مُبسَّط، يُمكننا القول بأنَّ الموجات تتعلَّق بالجدار؛ لأنها تخضع للانعكاسات المُتكرِّرة التي تأخذها من نقطةٍ ما على الجدار إلى أخرى، ولكن في الواقع يُعتبَر انتقال الموجة أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. ممَّا لا شك فيه أن بوسع الموجات السطحية، في ظلِّ بعض الظروف، أن تنتقل بطول سطحٍ مستوٍ بحيث لا يُصبح التفسير المُتعلق بالانعكاسات المُتكررة له أي معنى منطقي.

تعتمد قُدرة الموجات الصوتية على التعلُّق بسطح مُنحَنًى أثناء انتقالها بطوله على الطول الموجي، تعمل الأطوال الموجية الأقصر بشكلٍ أفضل لأن النقاط التي تخضع فيها الأطوال الموجية لانعكاساتٍ مُتتالية تكون أقربَ من بعضها؛ ومِن ثَمَّ، يمكن للموجات الصوتية أن تنتقل حول ممرِّ كاتدرائية القديس بول بنجاحٍ أكبر إذا كانت تتكوَّن من أطوالٍ موجيةٍ أقصر. تتطابق هذه الأطوال الموجية مع التردُّدات الأعلى الموجودة في صوت الهمس.

(٦٤) صدى الصوت الصادر من الجُدران والأركان وبساتين الأشجار

بكلِّ بساطة، صدى الصوت هو انعكاس الموجات الصوتية إلى اتجاه مصدر الصوت الأصلي مرة أخرى. لقد سمعتَ على الأرجح صدى الأصوات المختلفة بالأروقة والأماكن المغلقة الأخرى ذات الجدران الصلبة التي تعكس الصوت جيدًا. تمتاز بعض الأبنية بقُدرتها على عكس صدى الصوت بشكلٍ مُضاعف؛ حيث ينعكس الصوت من العديد من الأسطح ثم يعود إلى مصدره الأصلي، أو ينعكس باستمرارٍ بين سطحَين ثم يعود إلى مصدره الأصلي مرة أخرى. يمكن أن يُكَوِّن رُكن يقَع بين ثلاثة أسطح مُتعامِدة، كجدارَين وسقفٍ مثلًا، «عاكسًا خلفيًّا» يمكنه أن يجعل الصوت يرتدُّ بكفاءةٍ من سطحَين أو ثلاثة ويعود إلى مصدره مرة أخرى.

يمكن لبعض الأبنية إنتاج أصداء صوتٍ يصعُب للغاية تفسيرها. على سبيل المثال، إذا وقفتَ أسفل جسرٍ حجري يُشكِّل قنطرةً فوق الماء، يمكن أن يُنتِج التصفيق مجموعةً من أصداء الصوت التي تعتمد على الأرجح على ما هو أكثر من مجرَّد انعكاس الموجات الصوتية. يمكن في الواقع لأصداء الصوت أن تكون قريبةً من بعضها بما يكفي لتسمعها على هيئة نغمة موسيقية.

إذا تصادَف يومًا أن سمعتَ أصداء صوتٍ صادرة من بساتين الأشجار، لاحِظ ما يلي: يُعطي صوتٌ ذو تردُّدٍ عالٍ، مثل صوت امرأة تصرُخ، صدًى جيدًا، أما الصوت ذو التردُّد المُنخفض، مثل صوت زئيرٍ جهوري عميق فقد لا يُنتج أيَّ صدًى يُذكر. إذا غنَّيتَ نغمة موسيقية، أو حتى صفقتَ بيديك، فستجد أن صدى الصوت أعلى بمقدار أوكتاف واحد؛ أي إنَّ تردُّدَه يكون ضعف تردُّد الصوت الذي أصدرته. لماذا تُصدِر بساتين الأشجار هذه الأصداء المميزة؟

الجواب: تعتمد قدرة الصوت على الانعكاس من الأجسام المُحيطة، كالأشجار، على الطول المَوجي للصوت. عندما تكون الأطوال المَوجية أكبر من الجسم، ينعكس الطول الموجي الأقصر أفضلَ من الطول الموجي الأطول. ومِن ثَمَّ، عندما ترسل صوتًا له نطاق من الأطوال المَوجية المختلفة، ستنعكس الأطوال الموجية الأقصر من بستان الأشجار، مثلًا، بصورةٍ أفضل. وذلك لأنَّ الطول المَوجي الأقصر يتطابق مع التردُّد الأعلى؛ أي إن صدى الصوت الذي تسمعه سيشتمل على التردُّدات الأعلى أكثر من التردُّدات الأدنى، على عكس الصوت الذي أرسلته في الأصل. وهذا يعني أيضًا أن الأصوات ذات التردُّدات المنخفضة سينتُج عنها صدى صوت سيئ أو لن تُنتِج أيَّ صدًى من الأساس، بينما يمكن أن تُنتِج الأصواتُ ذات التردُّدات المرتفعة صدى صوتٍ ملحوظًا.

أما إذا أرسلت نغمةً موسيقية، فسيحتوي الصوت على مكوِّنين اثنَين على الأقل، ألا وهما: تردُّد أقل (الذي يُقال إنه «التردُّد الأساسي»)، وتردُّد آخر يبلغ ضعف الأول (الذي يُقال إنه «التردُّد التوافُقي الثاني»). يعكس بستان الأشجار التردُّد التوافُقي الثاني بصورة أفضل بكثيرٍ من التردُّد الأساسي نظرًا لكونه ترددًا أعلى. ومِن ثَمَّ، على الرغم من أنَّ الصوت الذي أصدرته يهيمن عليه التردُّد الأساسي، إلا أن صدى الصوت الذي تجده في المُقابل يُهيمِن عليه التردُّد التوافُقي الثاني؛ ومن ثَمَّ، يساوي تردُّد الصدى في المقام الأول ضعف تردُّد الصوت الأصلي.

(٦٥) الصدى الموسيقي الذي يصدُر من السلالم والأسوار

إذا صفَّقتَ بيديك بالقُرب من درَجٍ طويل أو سُور خشبي، فلماذا يكون صدى الصوت طويلًا مُمتدًّا، بدلًا من أن تسمع تصفيقةً واحدة؟ لماذا يقلُّ تردُّد الصدى مع الوقت؟ يمكن أن يُسمَع واحدٌ من الأمثلة الأكثر إثارةً للفضول لصوت «الصدى الموسيقي» أو «الصدى المُزَقزِقْ» (صوت يُشبِه صوتَ زقزقة طائر الكيتزال البراق) بعد التصفيق أمام مجموعة السلالم الشاهقة الموجودة بطول جانب معبد الكوكولكان الذي يقع في منطقة أطلال حضارة المايا في تشيتشن إيتزا بالمكسيك. تتكوَّن هذه السلالم المُنحدِرة من اثنين وتسعين درجًا حجريًّا يصعدها بعض السياح.

الجواب: يرجع التغيُّر في التردُّد الذي يحدُث أثناء الصدى المُنعكس من مجموعةٍ من السلالم الشاهقة إلى الزاوية التي تصِل بها الموجات الصوتية إلى درجات السُّلَّم المُتتابِعة، وليس التردُّدات الموجودة في نبضة الصوت (مثل الموجودة في التصفيق). ألقِ نظرةً على المنظر الجانبي لدرجات السلم، وافترض أن مسارات الصوت الآتي والصوت المنعكس أُفقية بالنسبة للدَّرَجات السُّفلية (انظر شكل ٣-٦)، ستحصل على نبضة عائدة من الدرجة الأدنى، الأقرب إليك، ثم نبضة عائدة ثانية من الدرجة التالية، ثاني أقرب درجة إليك، ثم ثالثة بعد ذلك بقليل، وهكذا. تتأخَّر كل نبضة عائدة عن سابقتها وذلك لأنَّ مسارها من وإلى درجة السلم ذات الصِّلة يكون أبعد. ومِن ثَمَّ، فأنت لا تُميِّز هذه النبضات كل واحدة على حِدة، بل تُميِّز التردُّد الذي تصل عنده. على سبيل المثال، إذا كان الزمن بين النبضات هو ٠٫٠٠٢ ثانية، فستُميِّز تردُّدًا يبلغ حوالي ٥٠٠ هرتز.
fig103
شكل ٣-٦: بند ٣-٦٥: انعكاسات الصوت من درجات السلم.

أما بالنسبة للدرجات الأعلى، فيجب أن يتَّخذ الصوت الموجود في الصدى مسارًا مُنحرفًا، سواء في طريق الوصول إلى الدرجة أو في طريق العودة إلى حيثما تقِف. ومن ثَم، ففي حالة الدرجات الأعلى يكون الفرق بين مسار الوصول والعودة من كلِّ درجةٍ إلى الدرجة التالية أكبر منه في حالة الدرجات السُّفلية؛ ومِن ثَمَّ يكون الفارق الزمني بين النبضات أكبر. على سبيل المثال، يُمكن أن يكون الزمن من النبضة إلى الأخرى ٠٫٠٠٣ ثانية، وهو ما ستُميِّزه كتردُّد يبلغ حوالي ٣٣٣ هرتز، وهو أقلُّ من الصدى الذي تتلقَّاه من الدرجات السفلية.

يتشابَه تفسير الصدى الموسيقي الصادر من الأسوار الخشبية مع ما ذُكِر سلفًا، باستثناء أن الأجسام العاكسة (الأسوار) تكون مُنفصلة بعضها عن بعض أفقيًّا بدلًا من رأسيًّا.

إذا أُرسِلَت موجات صوتية عبْر صفٍّ من الأسطوانات تبعُد فيه كلُّ واحدة عن الأخرى بمسافة مُنتظمة، يمكن أن تخضع الموجات إلى التداخُل البنَّاء الذي تُعزِّز فيه الموجات بعضها بعضًا، والتداخُل الهدَّام الذي تلغي فيه تأثير بعضها بعضًا. ينقل صف الأسطوانات في حالة بعض التردُّدات الصوتية الصوتَ من جانبٍ إلى آخر، أما بالنسبة للتردُّدات الأخرى، فتقلُّ عملية انتقال الموجات إلى حدٍّ كبير. أُجريت هذه التجربة من خلال إرسال موجات صوتية عبر منحوتة منصوبة على هيئة عملٍ فني بسيط. تكوَّنت المنحوتة من أسطوانات عمودية رفيعة مصطفَّة على شكل مربع.

قصة قصيرة

(٦٦) الخصائص الصوتية للأبنِيَة العتيقة

على الأرجح لعِب الصدى دورًا في المُعتقدات الخرافية التي كان يؤمن بها القُدَماء. على سبيل المثال، رُسِمَت بعض النقوش الصخرية القديمة في أستراليا حيث لا تزال تسمع أصداء الصوت بوضوح. تسمع أفضل صدًى للصوت في بعض هذه الأماكن عندما تكون على مسافة ثلاثين مترًا من هذه النقوش، فيبدو صدى الصوت كما لو كان صادرًا من النقوش نفسها.

تُوجَد بعض فنون النقوش الصخرية القديمة الموجودة في الكهوف الأوروبية عند نقاطٍ مُعينة في الكهف تكون فيها أصداء الصوت قوية. ربما تكون تلك المواقع قد لعِبَت دورًا في الشعائر الخرافية التي مارسها الناس الذين صنعوا هذه النقوش، والذين ربما كانوا ينشدون ويغنون أو يقرعون الطبول هناك.

تمتاز القبور الصخرية الموجودة في بريطانيا وإيرلندا بأن لها تردُّدات رنَّانة تقع في نهاية النطاق المسموع؛ أي إنَّ الموجات الصوتية التي لها تردُّدات مُنخفضة مُعينة كان يُعزِّز بعضها بعضًا لتُكَوِّن موجات صوتية خالصة. مما لا شكَّ فيه أن هذه القبور لم تُبْنَ لخصائصها الصوتية، إلا أنه بمجرَّد بنائها، ربما يكون الناس قد اكتشفوا أنه عند قرْع الطبول بتردُّدٍ مُعين، يمكنهم أن يُحدثوا رنينًا داخل المقبرة. في العصر الحديث، حدث الرنين في ممرِّ الدخول الطويل الذي يؤدي إلى الحجرة المركزية في مَعْلَم نيوجرانج التذكاري بإيرلندا، إذ تمَّ ضبط مصدَرِ صوتٍ موضوعٍ في الحجرة المركزية بحيث يتطابق تردُّده مع أحد التردُّدات الرنَّانة للممر.

(٦٧) الغناء في الحمَّام

لماذا يبدو صوتك وأنت تُغنِّي في الحمَّام أفضل، أو على الأقل يبدو أفضل مقارنةً بأي مكان آخر؟ عادة ما يشعُر من يُغنِّي داخل كابينة الاستحمام بأن جودة الصوت أفضل؛ ومِن ثمَّ يغني بأريحية أكبر.

الجواب: تفسير الأمر أكثر تعقيدًا بكثيرٍ ممَّا كنتُ أعرفه عندما كتبتُ عن الغناء في الحمَّام قبل سنوات. في ذلك الوقت ذهبتُ إلى أنَّ السبب الرئيسي الذي يجعل صوتَ مُغنٍّ هاوٍ أفضل، هو أنه يُمكنه أن يُحدِث رنينًا داخل كابينة الاستحمام المُتعارَف عليها؛ ومِن ثمَّ يُعزِّز مدى ارتفاع الصوت عند التردُّدات الرنانة. عند إحداث الرنين، فأنت تضع عددًا صحيحًا من نصف الأطوال الموجية بين جدارين مُتوازيين أو بين الأرض والسقف. وعندما يحدُث هذا الأمر، تتداخل الموجات تداخُلًا بنَّاءً؛ أي يُعزِّز بعضها بعضًا، وهو ما يُعزِّز بدوره مستوى ارتفاع الصوت. ومِن ثَمَّ، يصبح الصوت مرتفعًا وواضحًا وربما حتى غليظًا أيضًا.

اقترح من قرءوا مقالي أسبابًا إضافية، الأول هو أنَّ جدران وأرضية كابينة الاستحمام — وربما سقفها أيضًا — عادة ما تكون مصنوعة من القرميد الصلب؛ ومِن ثمَّ تعكس الصوت جيدًا. أما إذا حاولتَ الغناء داخل خزانة فارغة لها نفس أبعاد كابينة الاستحمام، لن تكون انعكاساتُ الصوت على نفس الجودة وسيصعب إحداث رنين. (وإلى جانب ذلك، سوف تُخيف عائلتك إذا حاولتَ الغناء وأنت حبيس داخل خزانة.)

السبب الآخر هو أن الجدران القريبة تُعيد انعكاسات صوتك بسرعة، فتُصبح منغمسًا داخل صوتك. لذا، يمكنك سماع انعكاس نغمةٍ موسيقية وأنت ما زلتَ تُغنِّيها؛ ومِن ثمَّ يمكنك تعديل صوتك إذا وجدتَ أنك تنشز. وبطبيعة الحال يمكن أن يُغطي صوت ضوضاء سرَيان الماء إذا كان مرتفعًا على كلِّ أخطاء النشاز.

(٦٨) الجِيران المُزعِجون بالأعلى

يمكن أن يكون العيش أسفل جارٍ مُزعجٍ اختبارًا للصبر، ولكن ما هو سبب هذه الضوضاء عمومًا؟ هل بسبب صوت نقرات حذاءٍ ذي كعبٍ عالٍ على الأرضية الخشبية؟ هل يُمكن أن تقلَّ الضوضاء إذا كانت هناك سجادة، والتي من شأنها أن تمنع صوتَ نقرِ الكعْب العالي، في الشقة بالأعلى؟

الجواب: تُوصَف معظم أصوات الضوضاء المُزعِجة بصوت «ارتطام مكتوم» أو صوت «خبطة عالية» وربما يكون من المُدهِش أنَّ السبب وراء هذه الأصوات ليس شيئًا مثل نقْر الأحذية ذات الكعوب العالية على الأرض، بل الضوضاء ذات التردُّد المُنخفِض التي تنتُج عن خطوات شخصٍ يمشي على الأرضية. يتسبَّب وقع الأقدام المُتكِّرر في اهتزاز الأرضية مثل جلدة الطبلة بتردُّد يقَع بين ١٥ و٣٥ هرتز، وهو عند نهاية التردُّد المُنخفض لنهاية النطاق المسموع بالنسبة لمُعظم الناس، ويمكن للجار الذي يسكن بالأسفل أن يسمع تلك الضوضاء، بل ويشعر بها.

قد يسمع صوت نقْر كعب الحذاء على الأرضية، ولكن الطاقة التي تُنقَل إلى اهتزازات الأرضية ذات التردُّد المُنخفض، والتي تُشبه اهتزازات الطبلة، تكون أكبر بكثير. قد يزيد وضع سجادة على الأرضية الوضع سوءًا، وذلك لأنَّ سطحها الناعم يُمَكِّنُ وقْع الأقدام من تغذية اهتزازات الأرضية بالمزيد من الطاقة؛ ومِن ثَمَّ يكون الحلُّ الوحيد هو الانتقال إلى شقَّة بُنيَت عندما كانت الأرضيات والدعامات تُصنَعُ من الخرسانة المسلحة.

(٦٩) الرمال الطنَّانة والرمال الصافِرة

تُصَفِّرُ رمال بعض الشواطئ إذا مشيتَ عليها أو دفعتَها بيديك أو وضعتَ عليها طبقًا بزاوية حوالي ٤٥ درجة. وفي بعض الصحاري، تطنُّ الرمال بتردُّدٍ منخفض يبلُغ حوالي ١٠٠ هرتز، بحدَّة يصعب معها تبادُل الحديث أحيانًا. يُشبِّه بعض المُراقبين الصوت الذي تُصدره الرمال بصوتِ أزيز آلة الديدجيريدو الأسترالية، فكيف يمكن للرمال أن تُصدر صوتًا؟ ولماذا لا تُصدر كلُّ الرمال الموجودة على جميع الشواطئ والكثبان الرملية أصواتًا؟

الجواب: تتحرَّك الكثبان الرملية ببطءٍ عبْر الصحراء؛ لأنَّ الرياح التي تهبُّ على جانبها المُقابل للرياح تحمل حبيبات الرمال إلى أعلى ذلك الجانب، وتُرَسِّبُها إما على القمة أو أعلى الجانب الخلفي من الكثبان، يتسبَّب هذا النقل التدريجي لحُبيبات الرمال في جعل مُنحدَر الجانب الخلفي للكثبان كبيرًا للغاية بحيث يتعذَّر الحفاظ على اتِّزانه، ثم تنزلق طبقةٌ من الرمال على الجانب الخلفي إلى الأسفل، فتُقلل الانحدار. وهكذا، فإن عملية نقْل حبيبات الرمال من الجانب المُقابل للرياح إلى أعلى، وانزلاقها إلى أسفل على الجانب الخلفي تعمل في النهاية على تحريك الكثبان عبر الصحراء.

يُمكن أن يُصدِرَ انزلاق حبيبات الرمال إلى أسفل في بعض الكثبان الرملية صوتَ طنين، شريطة أن تكون حبيبات الرمال مُتماثلة في الحجم وفي تركيب السطح إلى حدٍّ ما. يمكن أن تنزلق الرمال إلى أسفل في أكثر من طبقة، يبلُغ سمك كلٍّ منها حوالي ٠٫٥ سنتيمتر. تهتزُّ طبقات الرمال أثناء هبوطها عموديًّا على سطح الرمال الأساسي وتعمل إلى حدٍّ كبير كجلدة الطبلة المُهتزة؛ وعندما يتوقَّف الانزلاق، تتوقَّف كذلك عملية إصدار الصوت. تتزاحم حُبيبات رمال الطبقة أثناء انزلاقها بعضها فوق بعض وتصطدِم بمعدَّل حوالي ١٠٠ مرة في الثانية الواحدة. يُصبح مُعدل عملية التزاحُم والاصطدام ومعدل اهتزاز طبقة الرمال ككل مُتَّسِقًا (يُقال إن كليهما تكوِّنان داخل حلقةٍ مُتكرِّرة من التعزيز المُتبادَل). وهكذا، يبلغ تردُّد الصوت الذي تُصدره اهتزازات طبقة الرمال حوالي ١٠٠ دورة في الثانية الواحدة؛ أي ١٠٠ هرتز.

إذا كانت رمال الشاطئ تُصدِر صوتًا عندما يسير الناس عليها، فهذا يعني أنَّ وقْع الأقدام يتسبَّب في أن تنزلِق طبقات الرمال بعضها فوق بعض وتهتزُّ مُصدرةً موجات صوتية.

أما السبب وراء إصدار بعض الرمال صوتًا دون غيرها فيظلُّ غير مفهوم. لقد اكتسبَتْ بعض حبيبات الرمال على ما يبدو بعض السِّمات الخاصَّة التي تتَّضِح في قدرة الرمال على التحرُّك في طبقاتٍ رقيقة نسبيًّا، وتتسبَّب هذه الحركة في اهتزاز الطبقات الرملية. أما الاحتمال الأكثر إثارةً للاهتمام فهو أنَّ حبيبات الرمال تتمتَّع بقشرة خاصَّة. في الواقع، أظهرت التجارب التي أُجرِيَت على رمال الشاطئ الصافرة أن قُدرتَها على إصدار الصفير تختفي تدريجيًّا إذا شُطِفَت الرمال بالمِياه العذبة، وأنه لا يُمكنها استعادة قُدرتها على إصدار الصفير حتى ولو غُمِرَت في المياه المالحة مرة أخرى.

(٧٠) تَصدُّع وفوَران الجليد

ما الذي يُسبِّب أصوات التصدُّع التي نسمعها عندما نضع مُكعَّبات الثلج في شرابٍ بدرجة حرارة الغرفة؟ عندما يبدأ جبل جليدي في الذَّوَبان، فإنه يُصدِر صوتًا مختلفًا، «صوت طقطقة القلي» الذي يُعرَف لمن يَسمعونه من الغوَّاصات والسفن باسم «فوران الجليد»، فما الذي يتسبَّب في صوت الفوَران هذا؟

الجواب: تنتُج أصوات التصدُّع الصادرة من مكعب الثلج الموجود في سائل بدرجة حرارة الغرفة عن الضغوط داخل المُكعَّب التي تُحدثها الزيادة المُفاجئة في درجة الحرارة على سطح المكعب، إذ تتسبَّب زيادة درجة الحرارة في تمدُّد الجليد، وهو ما يضع السطح تحت ضغطٍ ويُمكن أن يُحدِث صدعًا بطول السطح. وعندما تتحرَّك أسطح الثلج الموجودة على جانبي الصَّدع فوق بعضها أو بعيدًا عن بعضها فإنها تُنتج تبايُنات في ضغط السائل أو الهواء، وتنتقل هذه التبايُنات من الصَّدع على هيئة موجات صوتية.

أما صوت فوران الجليد فهو نَوع مختلف من الانبعاثات الصوتية التي تحدُث فقط في حالة الثلج الغائم؛ أي الثلج ذو الجيوب الهوائية المُحتبِسة بداخله. عندما يذوب السطح الجليدي، يمكن للهواء أن يندفع خارجًا فجأةً من أحد الجيوب الهوائية، ويدفع الماء إذا كان السطح مغمورًا بالماء أو يدفع الهواء إذا لم يكن السطح مغمورًا. وفي كلتا الحالتَين، ينتقل التبايُن المفاجئ من موقع تواجُد الجليد على هيئة موجةٍ صوتية، مما قد يتسبَّب في اهتزاز أجزاءٍ أخرى من الجليد. ويُعرَف الصوت الكُلِّي الذي يصدُر نتيجة لذلك بكلِّ تبايُناته العشوائية في الشدَّة باسم فوَران الجليد.

(٧١) السماع عبْر الجليد

لماذا يمكن لضحية انهيارٍ جليديٍّ أن يسمع صوتَ فريق الإنقاذ وهو مدفون داخل الجليد، ولكن لا يمكن لفريق الإنقاذ سماعه؟ قد يصرُخ الضحية أو يُطلِق النار من أحد المُسدسات — كما أفادت التقارير — كإشارة على وجود ناجين، لكن رغم ذلك لا يُسمَع أي من ذلك.

الجواب: عادة ما يكون انتقال الصوت عبْر طبقاتٍ من الجليد سيئًا، ومع ذلك يُفترَض أن يماثل انتقال الصوت من الضحية إلى أعلى تقريبًا انتقاله من الأعلى إلى الضحية بالأسفل. يرجع السبب الرئيسي في سماع الضحية للصوت الذي ينتقل من الأعلى إليه بالأسفل وعدَم سماع فريق الإنقاذ بالأعلى لصوت الضحية القادم من الأسفل هو وجود الضحية في بيئةٍ هادئة للغاية بالأسفل، على العكس من فريق الإنقاذ بالأعلى الذي قد يُحدِثُ ضجيجًا كبيرًا أثناء بحثِه عن ناجين عبْر الثلوج.

(٧٢) صوت المشي على الجليد

لماذا يَصِرُّ الجليد عندما تمشي فوقه؟ ولماذا من الأرجح أن يُسمَع صوت الصرير هذا بدرجةٍ أكبر عندما يكون الجليد باردًا للغاية؟

الجواب: إذا كانت درجة حرارة الجليد أقلَّ من سالب ١٠ درجات مئوية تقريبًا، فيمكن أن يتسبَّب الضغط إلى أسفل الذي ينتج عن وقْع الأقدام في انكسار بعض الروابط التي تلصق حبيبات الثلج ببعضها أو في أن تتداعى طبقات الجليد فجأةً ثم تنزلق بعضها فوق بعض. يتسبَّب التأثيران في اهتزاز الجليد لفترةٍ وجيزة، وهو ما ينتُج عنه صوت. إذا لم يكن الجليد باردًا بما فيه الكفاية، فتتكسَّر حبيبات الثلج بسهولةٍ أو تتداعى فجأة، وذلك لأنَّ الروابط التي تجمع بينها قد تكون أقلَّ أو أضعف ممَّا تكون عليه عندما يكون الجليد باردًا للغاية. قد يكون ضعفها نتيجة للذَّوَبان الجُزئي الذي يُسَهِّلُ حدوث أي انزلاق، وقد يكون الذوَبان أيضًا نتيجةً لامتصاص أشعَّة الشمس، خاصة على السطح العلوي للجليد. أو ربما يكون الضغط الذي تُحدِثه في بعض الأماكن أثناء المشي كفيلًا بإذابة الجليد.

(٧٣) هل يُمكنك تحديد شكل الطبلة من خلال الصوت الذي تُصدِره؟

نشر عالِم الرياضيات مارك كاك هذا العنوان وهذه الفكرة في عام ١٩٦٦، إلا أنه يمكن إعادة صياغة سؤاله كالآتي: هل يمكنك تحديد شكل طبلةٍ من خلال التردُّدات التي يمكن أن تصدُر من جلدة تلك الطبلة المستوية؟ أي هل يمكنك بعد سماع الكثير من تلك التردُّدات، أن تُخَمِّن عبرَ أيٍّ منها ما ستبدو عليه جلدة الطبلة في إحدى الصور؟ هل يمكنك تخمين أي من أجزائها سيهتزُّ وأي منها سيظلُّ ثابتًا؟

fig104
شكل ٣-٧: بند ٣-٧٣: أشكال الوتَر المُهتز. لقطتان للوتر، تظهر اللقطة (أ) النمَط الأبسط، واللقطة (ب) النمط التالي الأعقد.
الجواب: يُمكنك أن تُميِّز شكل الوتَر المُثبَّت بين دعامتين، إذ يتوافَق تردُّدٌ بعَينه مع نمَطٍ مُعين لاهتزاز الوتَر. على سبيل المثال، يتوافق أدنى تردُّد يمكن للوتَر أن يهتزَّ عنده مع نمَط مُعيَّن. تكون نهايات الوتر ثابتة وذلك لأنها مُثبَّتة على الدعامتَين، بينما يهتزُّ مركز الوتَر إلى أقصى حد، وتهتزُّ نقاطه المتوسطة بمقادير متوسطة (انظر شكل ٣-٧أ). يتوافَق التردُّد الأعلى التالي مع النمط التالي الأعقد (انظر شكل ٣-٧ب)، وهكذا. يُقال إنَّ هذه التردُّدات هي «التردُّدات التوافُقية» للوتَر، بينما يُقال إنَّ أشكال الوتَر المُماثلة هي «النُّسُق الرنانة». ومِن ثَمَّ، بمُجرَّد سماع بعض هذه التردُّدات، يمكنك تمييز النسَق المماثل من خلال أيِّ واحدةٍ منها. علاوة على ذلك، إذا كنتَ تعرف كثافة الوتَر ودرجة شَدِّهُ، يمكنك أيضًا معرفة طول الوتَر من خلال أدنى تردُّدٍ له.

لجلدة الطبلة المسطحة نُسُقٌ رنَّانة وتردُّدات توافُقية مُتشابِهة، إلا أن الأنماط تكون مُعقدة نتيجة لكونها ثنائية الأبعاد. يَسْهُلُ الربط بين نسَق الاهتزاز وشكل الطبلة بالنسبة لجلود الطبول الدائرية، أما بالنسبة لباقي أشكال جلود الطبول، فيكون الربط بين نسَق الاهتزاز (الأجزاء التي تهتزُّ والأجزاء التي تظلُّ ثابتة) وشكل جلد الطبلة صعبًا. يمكن تمييز شكل الطبلة العادية من خلال صوتها، أما الطبول الأكثر تعقيدًا، فلا يُمكننا دائمًا تمييز شكلها وذلك لأنه يمكن لطبلتَين مُختلفتين في الشكل تمامًا أن تُصدِرا نفس مجموعة التردُّدات التوافقية. ومع ذلك، حتى في هذه الحالات الصعبة، يُمكننا أن نُميِّز من أيِّ منطقة من جلدة الطبلة يصدُر الصوت؛ ومِن ثمَّ يمكنك تمييز من أيِّ مكانٍ على الطبلة يصدُر الصوت حتى لو لم تتمكَّن من تمييز شكلها من خلال الصوت.

(٧٤) الموجات دون الصوتية

إذا وقفتَ أمام مُكبرات الصوت في حفلٍ لموسيقى الهيفي روك، فلن تشعُر بالراحة بكلِّ تأكيد. ولكن هل من الممكن أن يجعلك أحد التأثيرات الصوتية تشعُر بعدم الارتياح أو الغثيان حتى لو كنتَ في مكانٍ هادئ لا يُسمَعُ فيه صوت؟

الجواب: قد تتعرَّض في العديد من المواقف إلى «الموجات دون الصوتية» (أي الموجات الصوتية التي يكون تردُّدها أقلَّ ممَّا يمكن لأذنك تمييزه — أقل من ٣٠ هرتز) والتي قد تكون شديدة نسبيًّا. قد لا تهتز جراء التعرُّض لهذه الموجات، ولكن قد يتأثر إحساسك بالتوازُن بما يكفي حتى تشعُر بالاعتلال، أو قد يزعجك صليل الأغراض التي تُحيط بك جرَّاء تعرُّضها لهذه المَوجات. أحد الأمثلة الشائعة للموجات دون الصوتية هي تلك التي تُوجَد في مقصورة الركاب بالعديد من المركبات المختلفة. قد لا تتأثر عند التعرُّض السريع لهذه الموجات، ولكن ركوب السيارة لفترةٍ طويلة قد يجعلك تشعُر ﺑ «دوار السيارات». ويُصبح هذا الشعور بالاعتلال أسوأ إذا أحدثت الموجات دون الصوتية «رنينًا»؛ حيث تعزز بعضُ الموجات بعضًا وتنتج موجة خالصة داخل السيارة. فيمكن أن يحدُث الرنين إذا كانت النافذة مفتوحة، وتكون الموجات دون الصوتية جزءًا من الاضطراب الذي يحدُث عندما تتحرك الحافة الخلفية لنافذة السيارة عبْر الهواء. يُحدِثُ أيضًا كلٌّ من مُحرك السيارة ودوران الإطارات على الطريق موجاتٍ دون صوتية تزداد شدَّتُها إذا زادت سرعة السيارة. ومع ذلك، فقد قلَّلت الديناميكا الهوائية المُحسَّنة للسيارات الحديثة وعزلها لضوضاء الطريق من مشكلة تأثير الموجات دون الصوتية.

يمكن أن تُولَّد الموجات دون الصوتية أيضًا عندما تمرُّ ريح قوية عبْر أركان أو حواف المباني وتنقسم إلى دوَّامات هوائية. يُمكن للتبايُن في ضغط الهواء أن يُنتِجَ موجةً دون صوتية قد تُصيب ساكني المبنى بالتوتُّر. (كما يمكن أن تُصدر الرياح أيضًا صوتًا مسموعًا، كما في صرير الرياح الشتوية التي تهبُّ حول المباني.) هنا يُمكن أن يصير التأثير أكثرَ حدَّةً مرة أخرى إذا أحدثت الموجات دون الصوتية رنينًا داخل إحدى غُرَف المبنى، كما يحدُث عندما تكون النافذة مفتوحة.

يمكن أن تؤثِّر الموجات دون الصوتية على مساحةٍ أكبر من ذلك بكثيرٍ عندما يتدفَّق تيار هوائي شديد على سلسلةٍ من الجبال ويتشتَّت مُحدثًا اضطرابًا. يقترح بعض الباحثين في الواقع وجود صلةٍ بين عملية إنتاج الموجات دون الصوتية ومعدلات الاكتئاب المُنتشِرة وزيادة معدلات الانتحار، إلا أن هذه الصِّلة لم تَثبُتْ بعد.

ونحن أيضًا نتعرَّض للموجات دون الصوتية الصادرة من الآلات (المصاعد على سبيل المثال)، وأمواج المُحيط والانفجارات والعواصف الهائلة، وحتى الانبعاثات دون الصوتية لدويِّ العواصف البعيدة يُمكنها أن تؤثر علينا. أصدر الانفجار البركاني الضخم الذي وقع عام ١٨٨٣ في كراكاتوا (بالقُرب من جاوة في جنوب شرق المحيط الهادئ) موجاتٍ دون الصوتية قوية عبر الغلاف الجوي. وُجهَت الموجات الناتجة بين سطح الأرض والهواء ذو الحرارة الأعلى في طبقة الستراتوسفير؛ حيث انحنت المسارات باتجاه سطح الأرض مرةً أخرى أثناء اختراق الموجات الصوتية للطبقة السُّفلى من الستراتوسفير، ثم انعكست لأعلى مرة أخرى نحوَ طبقة الستراتوسفير عند السطح، وهكذا. لم يتمكَّن أي شخص يقَع على مسافةٍ كبيرة من الجزيرة من سماع الجزء المسموع من الانفجار، ولكن مقاييس الضغط الجوي في جميع أنحاء العالم سجَّلت مرور الموجات دون الصوتية.

على الرغم من أنك قد تتعرَّض للموجات دون الصوتية معظم اليوم، فلا يكون لها تأثير يُذكَر، وذلك لأن شدَّتها عادةً ما تكون قليلة. وعلى الرغم من ذلك، إذا كنتَ تبحث عن حجَّةٍ سهلة لعدم إتمام فروضك المنزلية، أو لتعثُّر علاقة عاطفية، أو لعدَم فوز فريقك المُفضَّل في كرة القدم، فيمكنك أن تُلقي باللوم على الموجات دون الصوتية.

(٧٥) أصوات نضوج الذُّرة

ما الذي يتسبَّب في الضوضاء التي تصدُر من حقول الذرة حتى في الليالي الهادئة نسبيًّا؟ (يُطلِق المزارعون على هذه الضوضاء اسم «أصوات نضوج الذرة».)

الجواب: ترجع الأصوات التي تصدُر من حقل الذرة إلى أوراق الذرة التي يلطم بعضها بعضًا حينما يهبُّ نسيمٌ عبْر الحقل أحيانًا، وتصبح الضوضاء أوضح كلما زادت قوة النسيم. كما تُصبح أوضح عندما يهبُّ النسيم على سيقان الذُّرة الأنضج، وذلك لأنَّ الأوراق تكون أكبر وأكثر تحرُّرًا وجفافًا، وهو ما يجعل سيقان النبات تتمايَل أكثر.

(٧٦) أصوات القماش

أمسك بقطعةٍ من القماش يبلغ طولها حوالي ٣٠ سنتيمترًا، بحيث يكون كلُّ طرفٍ في يدٍ وتكون القطعة مُتدلِّيةً بأريحية في المُنتصف، ثم اجذب يدَيك فجأةً بحيث تصير قطعة القماش مشدودةً على آخرها ولاحِظ الصوتَ الذي سيصدُر. لماذا تُصدر قطعة القماش صوتًا؟ ولماذا يكون التردُّد أعلى إذا كانت قطعة القماش أقصر؟

الجواب: عندما تُصبح قطعة القماش مشدودةً على آخرها بحيث تُصدِر صوتًا، فإنها تهتزُّ لحظيًّا مثل وتَر الجيتار بعد النقر عليه وهو ما يسبب تبايُنات في ضغط الهواء المُحيط. تنتقل هذه التبايُنات من قطعة القماش على هيئة موجةٍ صوتية، وهو الصوت الذي تسمعه صادرًا منها. كما هو الحال مع وتَر الجيتار، يعتمد تردُّد الصوت على طول المادة المُهتزَّة، فكلَّما كانت أقصر، كان التردُّد أعلى.

(٧٧) صفير قنوات صرْف الماء

إذا صفَّقتَ بيدَيك عند أحد طرفي قناةٍ لصرف الماء، فستسمع صدى «صفير»؛ أي يبدأ الصوت عند أعلى تردُّد ثم ينخفِض سريعًا حتى يصل إلى أدنى تردُّد. أُطلِق على أصداء الصوت المميزة هذه اسم «الصافرات». يمكنك أيضًا سماع صوت صافرةٍ إذا صفَّق أحد أصدقائك بيدَيه عند الطرف الآخر من قناة صرْف الماء. تصدُر صافرة مشابهة أحيانًا في أحد ملاعب كرة المضرب، باستثناء أن التردُّد «يزداد» بمرور الوقت بدلًا من أن «ينخفض». لماذا تحدُث الصافرة؟ بعبارة أخرى، لماذا يتغيَّر تردُّد الصدى؟

الجواب: يُطلَق على صدى الصفير اسم «صفير قنوات صرف الماء»، ويمكن أن يُسمَع في العديد من أنواع الأنابيب المختلفة، بما في ذلك الأنابيب التي تكون قصيرةً بما يكفي لتُستخدَم في الفصول الدراسية. يحدُث صوت الصفير نتيجةً للرنين الذي يُعزِّز فيه بعض الموجات الصوتية بعضًا. ومع ذلك يُمكننا هنا الاكتفاء بشرحٍ مُبسَّط، لنفترِض أنَّ تصفيقة صديقك، التي تُصدر نبضة صوت، كانت بالقرب من مركز أحد طرَفي ماسورة الصرف، وأن طول الماسورة هو «ل». يمكن أن ينعكس الصوت من جانبَي الماسورة بطُرقٍ عِدة، على سبيل المثال، قد ينعكس الصوت على مسافة «ل/٢» (في منتصف الماسورة)؛ ومِن ثمَّ يُصدِر انعكاسًا واحدًا.

تتطلَّب المزيد من الانعكاسات أن يتَّخذ الصوت مسارًا مُتعرجًا داخل الماسورة؛ ومِن ثمَّ ينتقل الصوت بطول الماسورة بصورة أبطأ، وهكذا ستسمع صدى الانعكاس المُفرد أولًا، ثم صدى الانعكاس المزدوَج، وهكذا. التردُّد الذي تسمعه هو التردُّد الذي تصل به هذه الأصداء إلى أذنيك. يكون التسلسل الأول لأصداء الصوت، التي لا تتطلَّب سوى بعض الانعكاسات فقط، سريعًا، لذا تسمع تردُّدًا مُرتفعًا (أول جزء من صوت الصفير). أما التسلسل التالي لأصداء الصوت (المزيد من الانعكاسات) يكون أقلَّ سرعة، وبذلك تسمع التردُّد المُنخفض (الجزء الثاني من صوت الصفير). تُحدِّد الأصداء التي تنعكس مباشرة تقريبًا عبْر قُطر الماسورة الحدود القصوى؛ ومِن ثمَّ نادرًا ما تنتقل عبْر الماسورة.

كون الأمر بالمِثل تقريبًا إذا أنصتَّ لأصداء الصوت الناتجة عن تصفيقك أنت، إلا أنه في هذه المرة لا بُدَّ أن يعكس الصوت اتجاه انتقاله عند آخِر طرف الماسورة. يحدُث هذا الأمر سواء أكان طرف الماسورة مُغلقًا (بجدارٍ أو بغطاء) أم مفتوحًا. قد يكون هذا مفاجئًا بالنسبة للحالة الثانية؛ إذ عندما يصل الصوت إلى الطرف المفتوح من الماسورة، يؤدي انتقاله المفاجئ إلى الهواء الطلق في أن ينتقل جزء منه إلى داخل الماسورة مرة أخرى، وهنا نقول إن بعض الصوت «ينعكس» عند الطرف المفتوح؛ ولذا تكون نهاية بعض الآلات الموسيقية واسعةً لتُقلِّل من حدوث هذا الانعكاس؛ ومِن ثمَّ تسمح لمزيدٍ من الصوت بالتوجُّه ناحية الجمهور أو الميكروفون.

عندما تنزلِق كرة المضرب عبْر جدار أو أرضية الملعب، يمكن أن يحدُث الانزلاق على دفعات سريعة، وهو ما يجعلها بدورها تهتز. تتسبَّب الاهتزازات في إحداث تبايُنات في ضغط الهواء، وتنتقل هذه التبايُنات من الكرة على هيئة موجات صوتية، أو صوت صافرة. نظرًا لأنَّ الأسطح الصُّلبة في الملعب تعكس الصوت جيدًا، فإنك لا تسمع الصوت القادم إليك مباشرةً من الكرة فقط، بل أيضًا الانعكاسات القوية الآتية من الأسطح. في الواقع، ينعكس الصوت عدة مرات حول الغرفة (شريطة ألا يكون الجدار الخلفي به مساحة كبيرة مفتوحة للمراقبين)، وهكذا يمكنك سماع أصداء الصوت لمدَّة تصِل إلى ثانية أو ثانيتَين. يزداد التردُّد الذي تتعرَّض به لأصداء الصوت الآتية من حولك؛ ومِن ثمَّ يزداد التردُّد الذي تُميزه أُذناك كذلك.

(٧٨) صافرات لعبة سلينكي الزُّنبُركية

ثَبِّت أحد طرفَي لعبة سلينكي الزنبركية (لعبة تتكوَّن من زنبرك ملفوف، تصنعها شركة برووف سلينكي المحدودة تحت علامة تجارية مسجلة) إلى جدار، ثم اجذِب الطرف الآخر بعيدًا عن الجدار. بمجرَّد أن يصير الزنبرك مشدودًا، انقُر عليه بقلم رصاص واستمع إلى الصوت الذي سيصدر من طرف الزنبرك غير المُثبَّت إلى الجدار. ستسمع «صدى صافرة» حيث يبدأ الصدى من الطرف غير المُثبَّت بتردد عالٍ وينخفض بسرعة حتى يصير تردُّدًا منخفضًا. فما الذي يُسبِّب الصافرة؟

الجواب: تُرسِل نقرتُك على الزنبرك موجاتٍ «صوتية مُستعرضة» بطول سِلك الزنبرك، وهي ما تتسبَّب في اهتزاز السلك بصورةٍ عمودية على طوله، بدلًا من أن تتسبَّب في اهتزاز السلك بطوله كما تفعل «الموجات الطولية». تعتمد سرعة الموجة المُستعرضة التي تنتقل بطول السلك على تردُّد الموجة نفسها، إذ تنتقل الموجات ذات الترددات الأعلى أسرعَ من الموجات ذات التردُّدات الأدنى. عندما تنقُر على السلك، فإنك تُرسل نطاقًا واسعًا من التردُّدات، وعندما تصِل الموجات إلى الطرف البعيد للزنبرك، تنعكس ثُم تعود إليك مرة أخرى، بحيث تصِل الموجة ذات التردُّد الأعلى أولًا وتَتبعها الموجة ذات التردُّد الأدنى. لا يؤثر كَون السلك ملفوفًا على شكلٍ حلزوني على هذا الأمر.

(٧٩) الضجيج الصادر عن البنادق في المناطق الدائمة التجمُّد

تضمُّ الأوصاف التاريخية لعمليات استكشاف المناطق الدائمة التجمُّد في أمريكا الشمالية وروسيا على رواياتٍ غامضة عن صوت الضجيج الصادر عن البنادق. في واقع الأمر، يُفيد أحد الأوصاف بأن الأيائل كانت لا تُلقي بالًا لصَوت الطلقات الصادرة عن بنادق حقيقية، ويُرجِعُ ذلك إلى كونها مُعتادة على هذا النوع من الضجيج. فما الذي يمكن أن يتسبَّب في صوت الضجيج هذا؟

الجواب: المناطق الدائمة التجمُّد عامرة بأوتادٍ جليدية تمتدُّ أسفل الأراضي المُتجمِّدة. تتعرَّض هذه الأوتاد للضغط وتكون بها عيوب كثيرة، مثل الفقاعات المطمورة. عندما تنخفِض درجة الحرارة بصورةٍ جذرية، يمكن أن يظهر شقٌّ عمودي في الوتد الجليدي، ثم ينتقل أفقيًّا بطول الوتد. إذا كانت سرعة انتشار الشقِّ عالية، فيمكن أن يُحدِثَ التصدُّع المفاجئ الذي يحدُث في النقطة الأمامية من الشقِّ تبايُنات في ضغط الجليد وفي الهواء المُحيط. تنتقل هذه التبايُنات في الضغط من الشقِّ المُتزايد على هيئة موجات صوتية تبدو وكأنها صوت طلقات نارية.

(٨٠) أصوات الشَّفَق القطبي والكُرات النارية

هل من الممكن سماع الشَّفَق القطبي؟ هل من الممكن سماع مشاهد الضوء المُبهر التي تحدُث على ارتفاعاتٍ شاهقة في خطوط عرض عالية؟ تفيد تقارير بعض المراقبين بسماع صوت طقطقةٍ أو حفيف أو صفير يبدو أنه يرتبط بالشَّفَق القطبي. هل يمكنك سماع أحد النيازك أثناء احتراقه في السماء؟ يَدَّعي بعض المراقبين أنهم يمكنهم سماع صوت النيزك إما قبل ظهوره أو في نفس وقت ظهوره، وهو ما يبدو غريبًا، وذلك لأنَّ النيازك تحترق على ارتفاعاتٍ شاهقة. يمكن أن يُسمَع دوي اختراق حاجز الصوت أحيانًا، إلَّا أنَّ هذا الأمر لا يُعدُّ غامضًا، وذلك لأن هذا الصوت يصل إلى أُذنَي المراقب «بعد» عبور النيزك. وإذا استمرَّ وجود النيزك لفترةٍ كافية ليصطدم بشيءٍ ما بالقُرب منك، أو يصطدم بك أنت شخصيًّا، فسيكون أيُّ صوتٍ صادر من النيزك واضحًا ومسموعًا.

الجواب: رغم أن إصدار الشَّفَق القطبي للموجات دون الصوتية أمر معروف ومُسجَّل منذ فترةٍ طويلة، فإنه لا تُوجَد تسجيلات موثَّقة لوجود أصوات مسموعة. من الصعب للغاية الاعتقاد بأنه يمكن لموجةٍ صوتية تحدُث في المنطقة المسموعة أن تنتقل إلى أسفلَ قاطعةً ١٠٠ كيلومتر من الغلاف الجوي على الأقل، ويظلُّ من الممكن سماعها. ومع ذلك، فقد أفاد عددٌ من الناس بسماع صوتٍ يرتبط بالشَّفَق القطبي. قد تكون بعض هذه الوقائع محض أوهام (حيث يُخطئ الناس تفسير الضوضاء المُحيطة التي يسمعونها أثناء مشاهدة الشيء، ويُقيمون صلةً مُتخيلةً بينهما). وقد تكون بعض هذه الأصوات نتيجةً لعملية تنفُّس المراقب في درجات حرارةٍ منخفضة جدًّا (قد تصل إلى سالب ٤٠ درجة مئوية أو أقل)، وذلك لأنَّ بخار الماء الموجود في نَفَس الإنسان يُمكن أن يتجمَّد ثم يقع على الأرض مُصدرًا صوت حفيفٍ أو خشخشةٍ خفيفًا. ومع ذلك، يمكن أن يكون بعض هذه الأصوات حقيقيًّا إذا كانت هناك طريقة للربط بين الشَّفَق القطبي والحقل الكهربي الموجود على مستوى الأرض. عندئذٍ، قد يُصدر هذا الحقل تفريغًا كهربيًّا عند النقاط الحادَّة، مثل قمة إحدى الشُّجيرات أو طرف أحد القضبان المعدنية.

إذا سمعتَ صوت دويِّ اختراق حاجز الصوت الصادر من أحد النيازك، فهذا الصوت ينتقل إليك بسرعة الصوت؛ أي إنك تسمع الصوت بعد اختفاء النيزك من مجال الرؤية. فكيف يمكنك سماع الصوت في نفس الوقت الذي ترى فيه النيزك بأي حالٍ من الأحوال، أو حتى قبل أن تراه؟ الطريقة الوحيدة التي يمكن معها حدوث ذلك هي إذا كان يُصدِر النيزك بطريقةٍ ما موجةً كهرومغناطيسية تصلك بسرعة الضوء. فيمكن لموجةٍ كهذه أن تتسبَّب في اهتزاز الأشياء من حولك، وإذا وقعَتْ هذه الاهتزازات عند تردُّدٍ في النطاق المسموع، فسيُمكنك سماع تلك الاهتزازات، وعندئذٍ ستكون تلك الأصوات مُرتبطةً بالنيزك. تُوجَد أدلة على أن الموجات الكهرومغناطيسية ذات التردُّد المنخفض يمكن أن تَصدُرَ عند مرور أحد النيازك عبْر الجزء العلوي من الغلاف الجوي.

(٨١) آلة البُلرورار الأسترالية

آلة البُلرورار هي عبارة عن قطعة من الخشب تُشبه النصل مربوط بأحد طرفَيها حبل. امسك بطرف الحبل الآخر، ولفَّ النصلَ الخشبي فوق رأسك بسرعة حتى تسمعَ صوت أزيزٍ أو جَأر (استُخدمت هذه الآلة في الجزء الثاني من فيلم «كروكودايل دندي»). فما الذي يُسبِّب هذا الصوت؟

الجواب: يدور النصل الخشبي للآلة أثناء حركته في الهواء، ويَلفُّ الحبل في اتجاه، ثم يُحرِّره، ثم يَلفُّه مرة أخرى في الاتجاه المعاكس. تُحدِث هذه الحركة الفوضوية عبْر الهواء دوَّاماتٍ تُشبه كثيرًا ما فعله سلك الهاتف في أحد البنود السابقة. تتسبَّب تبايُنات الضغط داخل هذه الدوَّامات في اهتزاز النصل، ويرجع الصوت الذي تسمعه إلى اهتزازات كلٍّ من الدوَّامات والنصل الخشبي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤