الفصل العاشر

السيد جرايس يحصل على دافعٍ جديد

لا مجال للشر أن يتسرَّب إلى هذا الهيكل المقدَّس.

مسرحية «العاصفة» [ترجمة: أنطوان مشاطي]

ترَك هذا الاكتشاف المذهل في نفسي شعورًا بتعاسة هائلة. إذن، فما سمعتُه كان صحيحًا. إلينور الجميلة، الفاتنة كانت … لم أُكمل الجملة، لم يكن بوُسعي أن أكمل الجملة، حتى في ظل السكون الذي خيَّم على عقلي.

قال السيد جرايس، وهو ينظر بفضولٍ إلى المفتاح: «تبدو متفاجئًا. الآن، أنا لستُ متفاجئًا. فالمرأة لا ترتجف، ويحمر وجهها، وتراوغ، ويُغشى عليها دون سبب؛ لا سيما إذا كانت امرأة مثل الآنسة ليفنوورث.»

أجبت: «المرأة التي يُمكنها أن تفعل فعلةً كهذه هي آخرُ شخص يمكن أن يرتجفَ ويُراوغ ويُغشى عليه. أعطني المفتاح؛ دعني أرَه.»

وضعه في يدي برضًا عن نفسه. وقال: «هذا الذي كنَّا نريده. لا مهربَ من ذلك.»

أعدتُه إليه. وقلت: «إذا قرَّرت أنها بريئة، سأُصدقها.»

حدَّق في اندهاشٍ كبير. وضحك قائلًا: «لديك إيمانٌ قوي بالنساء. آمُل ألا يُخيِّبنَ أملك أبدًا.»

لم يكن لديَّ إجابةٌ على هذا، وتبع ذلك لحظةُ صمت، كسرها أولًا السيد جرايس. قال: «لم يتبقَّ لنا سِوى أن نفعل شيئًا واحدًا. فابز، سيتعين عليك أن تطلب من الآنسة ليفنوورث أن تنزل. لا تُثِر مخاوفها؛ تأكد فقط من أنها ستأتي.» وأضاف، والرجل ينسحب إلى الخارج: «إلى غرفة الاستقبال.»

ما إن أصبحنا بمفردنا حتى تحركتُ عائدًا إلى ماري، لكنه أوقفني.

همس: «تعالَ واحتمل الأمرَ حتى النهاية. ستنزل بعد بُرهة؛ احتمل الأمر حتى النهاية؛ ذلك أفضلُ لك.»

تردَّدت وأنا أنظر إلى الخلف؛ لكن احتمال أن أرى إلينور مرةً أخرى استهواني رُغمًا عني. أخبرته أن ينتظر، ورجعت إلى جانب ماري حتى أختلقَ لها أعذارًا.

سألت بتلهُّف: «ما الأمر … ماذا حدث؟»

«لا شيء حتى الآن يستدعي أن تقلقي بشأنه كثيرًا. لا تقلقي.» لكن ملامح وجهي خانَتني.

قالت: «ثَمة أمرٌ ما!»

«ابنة عمكِ ستنزل.»

«إلى الأسفل هنا؟» وبدا عليها انقباضٌ واضح.

«لا، إلى غرفة الاستقبال.»

«لا أفهم. الأمر كلُّه مريع؛ ولا أحد يُخبرني بأي شيء.»

«أصلي إلى الرب ألا يكون ثَمة ما يُخبركِ به أحد. بحكم ثقتك الحاليَّة في ابنة عمكِ، لن يكون ثمة شيء. لذا استريحي، وتأكدي أنني سأُخبركِ إن حدث أي شيء لا بد أن تعرفيه.»

نظرت إليها نظرة تشجيع، وتركتها محطَّمة على الوسائد القرمزية للأريكة التي كانت جالسةً عليها، وانضممت من جديد إلى السيد جرايس. وما إن دخلنا غرفة الاستقبال حتى دخلت إلينور ليفنوورث.

بدَت أضعفَ مما كانت عليه قبل ساعة، ولكنها لا تزال محتفظةً بكبريائها، سارت في بطءٍ، وعندما التقت عينُها بعيني، أحنَت رأسها بلطفٍ.

قالت، موجهةً حديثها إلى السيد جرايس فقط: «استدعاني إلى هنا شخصٌ أظنه يعمل تحت إمرتك. إن كان كذلك، فاسمح لي أن أطلب منك أن تُطلعني على ما تريده في الحال، لأني متعبة، وفي أمسِّ الحاجة إلى الراحة.»

أجاب السيد جرايس، وهو يفرك يدَيه بعضهما ببعض ويُحملق بنظرةٍ أبوية تمامًا إلى مقبض الباب: «آنسة ليفنوورث، أعتذرُ جدًّا على إزعاجك، لكن الحقيقة هي أني أردتُ أن أسألكِ …»

لكنها عندئذٍ أوقفَته. وقالت: «أي شيءٍ بخصوص المفتاح الذي أخبرك ذلك الرجل قطعًا أنه رآني أُلقيه في الرماد؟»

«أجل، يا آنسة.»

«إذن لا مفرَّ من أن أمتنع عن الإجابة عن أي أسئلة بخصوصه. ليس لديَّ ما أقوله عن الموضوع، إلا إذا كان هذا بخصوص» نظرت إليه نظرةً مليئة بالمعاناة، ولكنها مفعمة بشيءٍ من الشجاعة أيضًا «ما إذا كان مُحقًّا لمَّا أخبرك بأني قد أخفيتُ المفتاح معي، وأني حاولت إخفاءه في رماد الموقد.»

«لكن، آنسة …»

لكنها كانت قد انسحبت بالفعل ناحيةَ الباب. وقالت: «أرجو أن تُعفيَني. لا يمكن لأي نقاش قد تُجريه أن يُحدِث أيَّ فارق في قراري؛ لهذا فأيُّ محاولة من جانبك لن تكون سوى إهدارٍ لطاقتك.» وبعد نظرة خاطفة تجاهي، لم تغب عنها جاذبيتُها المعهودة، غادرَت الغرفة بهدوء.

لبرهةٍ ظل السيد جرايس واقفًا يُحدق وراءها بنظرةٍ تعكس شغفًا شديدًا، ثم، بعد أن انحنى باحترامٍ مبالَغ فيه، تبعها مسرعًا إلى الخارج.

كنتُ بالكاد قد أفقْتُ من أثر المفاجأة الناجمة عن هذه الخطوة غير المتوقَّعة عندما سُمع وقعُ خطواتٍ سريعة في الردهة، وظهرت ماري بجانبي، متوردةَ الوجه وقلقة.

سألَت: «ما الأمر؟ ماذا كانت تقول إلينور؟»

أجبتُ: «للأسف! لم تقل شيئًا. تلك هي المشكلة، يا آنسة ليفنوورث. ابنة عمكِ تلتزم الصمت في نقاط بعينها يُعذبها أن تشهدَ بها. يجب أن تفهم أنها إذا استمرَّت على ذلك، فإنها …»

«فإنها ماذا؟» لم يكن خافيًا القلقُ الشديد الذي حملها على هذا السؤال.

«فإنها لن يكون بوُسعها تجنبُ العناء الذي سينتج عن ذلك.»

لبرهةٍ ظلَّت تُحدق نحوي بعينَين مرتابتَين فزعتين للغاية؛ ثم عادت تَهوي في مقعدها، وطرحت يدَيها على وجهها وصاحت:

«يا إلهي! لماذا خُلقنا أصلًا! لماذا تُرِكنا لنحيا! لماذا لم نهلك مع مَن جاءوا بنا إلى الدنيا!»

في مواجهةِ ألمٍ مفجع كهذا، لم أستطع أن أظل ساكنًا.

بذلت جهدًا في أن أقول لها: «يا عزيزتي الآنسة ليفنوورث، لا يوجد مبررٌ للقنوط إلى هذه الدرجة. المستقبل يبدو مظلمًا، لكنه ليس مسدودًا. سوف تستمع ابنةُ عمكِ إلى صوت العقل، وعند توضيح …»

لكنها، متجاهلةً كلامي، وقفَت أمامي في حالةٍ شبه مريعة.

«بعض النساء في مكاني قد يُصَبن بالجنون! الجنون! الجنون!»

تفحَّصتها في ذهولٍ متزايد. ظننت أني كنت أعرف ما كانت تقصده. كانت مدركةً أنها قد أعطت طرَفَ الخيط الذي قاد إلى إثارة هذا الشك حول ابنة عمِّها، وأنها بهذه الطريقة هي المتسببةُ في الكرب الذي حل فوق رأسيهما. حاولتُ جاهدًا أن أُطمئنها، لكن محاولاتي كلها ذهبَت هباءً. وفي ظل انغماسها في حزنها، لم تُعِرني إلا القليل من انتباهها. وبعد أن توصلتُ إلى قناعةٍ في النهاية أنه لم يكن بوسعي أن أفعل لها أي شيء أكثرَ مما فعلت، استدرت وهممتُ بالانصراف. وبدا أن الحركة نبَّهتها.

قلت: «يؤسفني أن أغادر دون أن أكون قد قدَّمت لكِ أي عزاء. صدِّقيني؛ أنا حريصٌ جدًّا على مساعدتكِ. ألا يوجد أي أحد يُمكنني أن أبعثه ليكون بجانبكِ؛ أي صديقة أو واحدة من أقربائكِ؟ من المحزن أن أترككِ وحدكِ في هذا المنزل وفي مثل هذا الوقت.»

«وهل تتوقَّع أن أظل هنا؟ عجبًا، قد أموت! هنا هذه الليلة؟» وسرَت في جسدها قُشَعريرة طويلة.

جاء صوتٌ فاترٌ من خلفنا: «ليس من الضروريِّ على الإطلاق أن تفعلي ذلك، يا آنسة ليفنوورث.»

التفتُّ منتفضًا. فالسيد جرايس لم يكن وراءنا فحسب، بل من الواضح أنه كان موجودًا لمدَّةٍ. جالسًا بالقرب من الباب، وإحدى يديه في جيبه، والأخرى تُربِّت على مسند كرسيه، استقبلَ نظرتنا بابتسامة جانبية بدَت في الحال أنها تلتمسُ الصفح على تطفُّله، وتؤكد لنا أنه لم يكن وراء تطفلِه أيُّ دافعٍ غيرِ لائق. وقال: «سيكون كل شيء على ما يرام، يا آنسة؛ يمكنكِ المغادرة في أمانٍ تام.»

توقَّعت أن أرى استياءها من هذا التدخل؛ لكن على العكس من ذلك، أظهرَت شيئًا من الاستحسان عند رؤيته هناك.

جذبَتني إلى جانبٍ، وهمسَت: «تظن أن السيد جرايس هذا بارع جدًّا، أليس كذلك؟»

أجبتُ بحذر: «حسنًا، يتعيَّن أن يكون كذلك ليتولَّى المنصب الذي هو فيه. من الواضح أن السلطات تمنحه ثقةً كبيرة.»

ابتعدَت عن جانبي فجأةً كما اقتربت، وقطعَت الغرفة ووقفَت أمام السيد جرايس.

قالت وهي تُحدق فيه بنظرة استعطاف: «سيدي، سمعت أنك تتمتع بقدراتٍ متميزة، وأن بوُسعك أن تتوصل إلى المجرم الحقيقي من بين عشراتٍ من المشتبه فيهم، وأن لا شيء يمكن أن يخفى عن عينك الثاقبة. إن صحَّ ذلك، أرجو أن ترأفَ بفتاتين يتيمتَين، حُرِمتا فجأةً من وليِّ أمرهما وسندهما، وأن تستعين بمهارتك المشهودة في اكتشافِ مرتكب هذه الجريمة. قد تكون حماقةً مني أن أحاول أن أُخفي عنك أن ابنة عمي في شهادتها قد أعطت مبررًا لإثارة الشكوك حولها؛ لكني أُعلن هنا أنها بريئة من أي جُرْمٍ مثلي؛ ولا أسعى إلا إلى أن أُحَوِّل عين العدالة بعيدًا عن الشخص البريء لتلتفتَ إلى الجاني عندما أطلب منك أن تبحث في مكانٍ آخر عن المجرم الذي ارتكب هذه الفعلة.» توقفَت عن الكلام، وبسطَت يديها أمامه. «لا بد أن مَن فعل ذلك هو لص عادي أو مجرم خارج عن القانون؛ ألا يمكنك أن تُقدمه، إذن، للمحاكمة؟»

كانت طريقتها مؤثرةً للغاية، ومظهرها كله صادقًا ومؤثرًا جدًّا، حتى إنني رأيت ملامح السيد جرايس تكاد تجيش بمشاعرَ مكبوتة، رغم أن عينَيه لم تُفارقا غلاية القهوة التي كانتا مثبتتَين عليها عند اقترابها منه في البداية.

أكملت حديثها: «لا بد أن تجده … أنت تستطيع ذلك! هانا، الفتاة التي غادرَت، لا بد أنها تعرف كلَّ شيءٍ عما حدث. ابحث عنها، مَشِّط المدينة، افعل أي شيء؛ كل ما أملك تحت تصرفك. سأُقدم مكافأةً كبيرة مقابلَ اكتشاف السارق الذي ارتكب هذه الفعلة!»

نهض السيد جرايس في تأنٍّ. وبدأ حديثه قائلًا: «آنسة ليفنوورث»، ثم توقف؛ كان الرجل في الحقيقة مرتبكًا. «آنسة ليفنوورث، لم أكن في حاجةٍ إلى الْتِماسِكِ المؤثر جدًّا ليحثَّني على أداء واجبي في هذه القضية بأقصى ما في وُسعي. حَسْبي اعتزازي الشخصي والمهني في حدِّ ذاتهما. لكن، بما أنكِ شرفتِني بهذا التعبير عن أمنياتكِ، فلن أُخفي عنكِ أنني سأعطي اهتمامًا متزايدًا للأمر اعتبارًا من هذه الساعة. سأفعل أقصى ما في وسع أي إنسان أن يفعله، وإذا لم آتِ إليكِ في غضون شهر من أجل مكافأتي، فإن إبينيزر جرايس ليس هو الرجلَ الذي عهدته دائمًا.»

«وإلينور؟»

قال، وهو يُلوح بيدَيه بلطفٍ إلى الأمام والخلف: «لن نذكر أيَّ أسماء.»

بعد دقائق معدودة، غادرتُ المنزل مع الآنسة ليفنوورث، التي كانت قد أبدت رغبتها في أن أُرافقها إلى بيت صديقتها، السيدة جيلبرت، التي كانت قد قررَت أن تلجأ إليها. بينما أخذنا نتحرك في الشارع بالعربة التي كان السيد جرايس لطيفًا بما يكفي ليُزودنا بها، لاحظت أن رفيقتي ألقت نظرةَ ندمٍ وراءها، وكأنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور ببعض تأنيب الضمير لتخلِّيها عن ابنة عمها.

لكن سرعان ما تبدَّل هذا التعبيرُ إلى نظرةٍ حذرة لشخصٍ يخشى أن يرى وجهًا بعينه يظهر فجأةً من منطقة غير معلومة. وإذ ظلَّت تنظر هنا وهناك في الشارع، تحدق خلسةً في المداخل ونحن نمر، وتنتفض وترتجف وكأنَّ وجهًا باغتَها على الرصيف، لم يبدُ أنها تنفست الصُّعداء حتى كنا قد تركنا الشارع وراءنا ودخلنا شارع ثيرتي سيفنث. عندئذٍ، في الحال عادت إلى حالتها الطبيعية، ومالت بلطفٍ نحوي، وسألتني إن كنت أحمل قلمَ رصاصٍ وورقةً يمكنني أن أعطيهما إياها. لحسن الحظ كان معي الاثنان. فناولتهما إياها، وراقبتها بشيءٍ من الفضول وهي تكتب سطرين أو ثلاثة سطور، متعجبًا من اختيارها لمثل هذا التوقيت والمكان لهذا الغرض.

أوضحت، وهي تنظر إلى شخبطة تكاد تكون غيرَ مقروءة وتعبير وجهها ينمُّ عن شك: «رسالة قصيرة أردت أن أرسلها. ألا يمكنك أن توقف العربة لحظةً بينما أكتب بيانات المرسَل إليه؟»

لبَّيت طلبها، وفي غضون لحظةٍ أخرى طُوِيَت الورقة التي كنت قد قطعتها من مفكرتي، ودُوِّن عليها بيانات المرسل إليه، وأُلصِق عليها طابعٌ بريدي كانت قد أخرجَته من محفظة جيبها.

تمتمت، وهي تضعها: «تلك رسالة تبدو مجنونة.»

«إذن لماذا لا تنتظري، حتى تصلي إلى وجهتك، وهناك يمكنك أن تُوقِّعيها كما ينبغي، وتوجهيها على راحتك؟»

«لأني في عجلة من أمري. أرغب في إرسالها الآن. انظر، يوجد صندوق عند الناصية؛ من فضلك اطلب من السائق أن يتوقف مرةً أخرى.»

سألتها، وأنا أمدُّ يدي: «ألا يُمكنني أن أضعها في الصندوق نيابةً عنكِ؟»

لكنها هزَّت رأسها نفيًا، ومن دون أن تنتظر مساعدتي، فتحت باب العربة من جانبها ووثبَت على الأرض. حتى عندئذٍ توقفَت لتنظر إلى الشارع هنا وهناك، قبل أن تُجازف بإيداع رسالتها التي كُتِبَت على عجلٍ داخل صندوق البريد. لكن عندما تركَتها من يدها، بدَت أكثر إشراقًا وتفاؤلًا مما رأيتها منذ قليل. وعندما استدارت، بعد لحظاتٍ قليلة، لتُودِّعني أمام منزل صديقتها، مدَّت يدها في شعورٍ يغلب عليه السرور، وطلبت مني بلطفٍ أن أزورها في اليوم التالي، لأُخبرها بالتطورات في التحقيق.

لن أحاولَ أن أُخفيَ عنكم حقيقة أنني أمضيت تلك الليلة الطويلة كلَّها في مراجعة الشهادات التي أُدلي بها في التحقيق، وبذل جهد في ربط ما كنت قد سمعته بأي فرضية أخرى غير أن إلينور هي الجانية. أخذت ورقةً، ودوَّنت سريعًا وبإيجاز الأسباب الرئيسية للاشتباه فيها كما يلي:

(١) خلافها الأخير مع عمها، وقطيعتها الواضحة له، كما شهد السيد هارويل.

(٢) الاختفاء الغامض لواحدةٍ من خادمات المنزل.

(٣) الاتهام العنيف الذي وجَّهته ابنة عمها، والذي مع ذلك لم يسمعه مصادفةً أحدٌ سواي أنا والسيد جرايس.

(٤) مراوغتها فيما يخص المنديل الذي وُجِد متسخًا بسناج المسدس في مسرح الفاجعة.

(٥) رفضها التحدثَ بشأن الورقة التي من المفترض أنها أخذَتها من منضدة السيد ليفنوورث بعد نقل الجثمان فورًا.

(٦) العثور على مِفتاح المكتبة في حوزتها.

انتهيت تلقائيًّا إلى أنه «سجل أسود»، وأنا أُراجعه؛ لكن حتى أثناء فعل ذلك، بدأتُ أُدون سريعًا على الجانب الآخر من الورقة النقاط الإيضاحيةَ التالية:

(١) الخلافات وحتى القطيعة بين الأقارب أمورٌ شائعة. الحالات التي أدَّت فيها الخلافات والقطيعة إلى ارتكاب جريمة نادرة الحدوث.

(٢) يُشير اختفاء هانا إلى أنه لا يوجد اتجاه مؤكَّد أكثر من الآخر.

(٣) إذا كان اتهامُ ماري الذي وجهته على انفرادٍ لابنة عمها دامغًا ومقنعًا، فيستوي معه إقرارُها على الملأ بأنها لا تعرف ولا تشتبهُ فيمن يمكن أن يكون مرتكبَ هذه الجريمة. من المؤكد، أن الأمر الفارق في الاتهام الأول أنه خرج بتلقائية؛ لكن كان صحيحًا بالمثل أنه خرج في لحظة انفعال عابرة، دون توقُّعٍ للعواقب، وربما دون مراعاةٍ واجبة للحقائق.

(٤، ٥) أي رجل أو امرأة بريئة، تحت تأثير الخوف، سيُراوغ على الأغلب في الأمور التي يبدو أنها تُدينه.

ولكن المفتاح! ماذا يمكنني أن أقول بشأنه؟ لا شيء. بوجود ذلك المفتاح في حوزتها، ومن دون تفسير لوجوده معها، فإن إلينور ليفنوورث كانت في موقف اشتباه حتى أنا نفسي شعرت بأنني مرغمٌ على الإقرار به. عندما وصلت إلى هذه النقطة، دسست الورقة في جيبي، وأمسكت بجريدة «إكسبريس» المسائية. ومن دون مقدمات وقعَت عيني على تلك الكلمات:

جريمة قتل صادمة

***

العثور على السيد ليفنوورث، المليونير المشهور، مقتولًا في غرفته

***

لا دليل على مرتكب الجريمة

***

الجريمة الشنعاء ارتُكِبَت بمسدس … تفاصيل مثيرة عن الواقعة

آه! هنا على الأقل كان ثمة شيءٌ واحد مطمئن؛ فاسمها لم يُذكَر بعدُ بصفتها طرفًا مشتبَهًا به. لكن ما الذي قد يحمله الغد؟ فكرت في النظرة المعبرة على وجه السيد جرايس وهو يُناولني المفتاح، وارتجفت.

أخذت أردِّد في نفسي: «لا بد أنها بريئة؛ لا يمكن أن تكون غيرَ ذلك.» ثم توقفت، وسألت ما الضمان الذي كان لديَّ على هذا؟ فقط وجهها الجميل؛ فقط، فقط وجهها الجميل. مرتبكًا، تركت الجريدة، ونزلت لأسفل بمجرد أن وصل صبيُّ تلغراف حاملًا رسالةً من السيد فيلي. كانت موقَّعةً ومُرسَلةً من صاحب الفندق الذي نزل فيه السيد فيلي عندئذٍ وكان هذا نصها:

واشنطن، العاصمة،
إلى السيد إيفرت ريموند،

السيد فيلي يرقد مريضًا في فندقي. لم أُطلعه على البرقية، خشيةً من عواقبها عليه. سأفعل في أقرب فرصة مواتية.

توماس لوورذي

أخذت أتأمَّل. لماذا هذا الشعور المفاجئ بالارتياح من جانبي؟ هل من المحتمل أنني كنت مذنبًا في عقلي الباطن بإضمار خوفٍ دفين من عودة رئيسي؟ عجبًا، مَن غيرُه يمكن أن يكون على دراية تامة بمنابع الأسرار التي كانت تُسيطر على هذه العائلة؟ مَن غيره يمكن أن يضعَني فعليًّا على المسار الصحيح؟ هل كان من المحتمل أنني أنا، إيفرت ريموند، كنت أخشى من معرفة الحقيقة أيًّا كانت؟ لا، لا ينبغي قولُ ذلك مطلقًا؛ وجلستُ مرة أخرى، وأخرجت الملاحظات التي كنت قد دوَّنتها، وراجعتها بتأنٍّ، ثم كتبت أمام النقطة رقم ٦ كلمة «مشتبه فيها» بأحرف بارزة وواضحة. هاك! ليس بوُسع أحد أن يقول، بعد ذلك، إنني قد سمحتُ لنفسي بأن يُعميني وجهٌ فاتن عن أن أرى، في امرأة لا خلاف على حُسنِها، ما قد يُنظَر إليه في الحال على أنه دليل جرم قاطع تقريبًا.

ومع ذلك، بعد أن فرغت من كل شيء، وجدت نفسي أُردد بصوتٍ عالٍ وأنا أُحدق في الملاحظات: «إذا أعلنَت أنها بريئة، فسأُصدقها.» إننا حقًّا عبيدٌ لأهوائنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤