الفصل السادس

حول أسلوب في العتب

يأبى الأستاذ مصطفى صادق الرافعي إلا أن نشغل به، فقد أطال الجدال حول «أسلوبه في العتب»، فلما أعلنا انصرافنا عن هذا الموضوع أخذ يجادلنا في أسلوبنا، ولعله أراد أن يثأر لنفسه، فنقد أسلوبنا كما نقدنا أسلوبه، ولكنا نتقبل نقده على نحوٍ كنا نود لو نحاه بإزاء نقد الناقدين له، نتقبل نقده شاكرين متواضعين لا ساخطين ولا مجادلين، فلسنا نزعم لأسلوبنا امتيازًا من الأساليب، ولسنا نصفه بأنه من أنواع الزخرف، ولسنا نزعم أن الأعناق تقطعت دونه عصورًا، ولسنا نزعم أن الكتاب غير قادرين على إتقانه مهما بالغوا وتكلفوا في المبالغة، لسنا نزعم لأسلوبنا شيئًا من ذلك، إنما نشعر فنكتب، وقد نجيده مرة ونتورط في الرديء مرة أخرى، وقد نصيب حينًا ونتورط في الخطأ حينًا آخر، فلمن شاء النقد أن ينقد، ولمن تفضل بإرشادنا إلى مواضع الخطأ أو الرداءة أن يرشدنا مشكورًا.

أما بعد، فلسنا نحاكي بأسلوبنا أسلوبًا آخر قديمًا أو حديثًا، ولسنا نتكلف هذه المحاكاة، وإنما هي طريقتنا في التفكير وطريقتنا في الإملاء، فإذا أراد الأستاذ أن يقدر هذه الطريقة ويؤرخ لها في كتابه فنحن شاكرون له عنايته وحسن ظنه، وإذا أراد الأستاذ أن يزدريها ويربأ بكتابه عنها فله ذلك غير ملوم ولا معاتب.

يأخذنا الأستاذ بكلمة «مفزعة» وليس في «المفزعة» مأخذ فهي كلمة يرضاها القياس ويقرها السماع، والرجوع إلى المعجمات أيسر على الأستاذ في هذه الكلمة من الرجوع إلى هذه المعجمات في وضع «أنَّ» بعد «هب»، وأيسر عليه من تلمس المعاذير ومن تتبع ما قال ابن بري في مناقضة الحريري، ولعل الأستاذ يذكر أنا حمدنا له حسن حظه إذ وجد من ابن بري عاذرًا ومُقيلًا.

ويأخذنا الأستاذ بكلمة «مهلعة»، وليس في هذه الكلمة مأخذ، فإن كتب النحو وكتب اللغة سواء منها ما يقدر الأستاذ وما لا يقدر تبيح للناس أن يُعِدُّوا الأفعال اللازمة الثلاثية بالهمزة قياسًا مطردًا، فالله يأذن لنا في أن نعدي «قام» و«قعد» و«رضي» وما إليها بالهمزة فنقول: «أقامه» و«أقعده» و«أرضاه» و«أغضبه»، ولسنا ندري لم يحظر الأستاذ ما أباح الله! فقد يحمد للناس أن يتشددوا في اللغة، ولكن يجب عليهم أن يتشددوا في قصد وإيثار للصواب، والإسراف شر في كل حال، وقد يكون شرًّا من الإسراف شيء آخر تورط فيه الأستاذ ونحب أن نلفته إليه في لطفٍ ورفق.

كتب الأستاذ إلينا مع رسالته هذه كتابًا أراد ألا ينشر، فكتب في رأسه «ممنوع نشر هذا الكتاب»، فالأستاذ يعلم أن هذا ليس من أدب الخطاب في شيء، وأن الله لم يمنحه من القوة ولا من السلطان ما يبيح له وضع مثل هذه الصيغة المبتذلة، وهو يعلم أنا لو أردنا نشر كتابه لما منعتنا من ذلك هذه الصيغة، وإنما عرفنا رغبته في أن يظل كتابه مكتومًا فكتمناه، وإن كنا لم نفهم لِمَ آثَرَ أن يكتم هذا الكتاب.

على أن إعراضنا عن نشر هذا الكتاب لا يمنعنا أن نشير إلى شيء جاء فيه، ينذرنا الأستاذ بكلماتٍ قد يتناولنا بها في صحفٍ أخرى، فهل قرأ الأستاذ: «زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا.»

وهل قرأ الأستاذ قول الآخر: «تمنَّاني ليقتلني زياد.»

على أني أعتذر إلى قراء هذه الصحيفة من إطالة الجدال فيما لا خير فيه، وأعدهم بأني سأستأنف معهم الحديث عن أبي نواس في الأسبوع الآتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤