شيءٌ يتحرَّك

قال «عاطف»: إن ما لفت نظري هو حركة الضوء في «الفيلا» … لم يكن ضوءًا يتحرك يُنير الطريق لشخص … ولا للبحث عن أشياء ثابتة … لقد كان الضوء يُطارد شيئًا يتحرك.

المفتش: شيءٌ مُدهِش … ولكن ما هو هذا الشيء؟

عاطف: هذا ما يجب أن نبحث عنه جيدًا … إلَّا إذا كان الرَّجلان قد حمَلاه معهما …

تختخ: على العكس … إن المعركة التي دارت بيننا لم تكن تسمح لهم أن يحتفظوا بهذا الشيء … إلا إذا كان صغيرًا يوضع في الجَيب مثلًا.

عاطف: أقترح أن نذهب إلى حيث دار الصراع … لعلَّنا نجد شيئًا …

كانت خطوةً موفَّقة تلك التي اقترحها «عاطف»؛ فعندما أناروا مدخل «الفيلا» الخلفي، وبحثوا جيدًا، وجدوا سلسلة مفاتيح … وساعة يد لم يكَد يفحصها المفتش حتى قال: إنها ليست ساعةً عادية … إن بها «كاميرا» للتصوير دقيقة جدًّا …

وعند تجرِبة المفاتيح على الأبواب اتَّضح أن هناك ثلاثة مفاتيح لفتح «الفيلا»، ومِفتاحَين ليس لهما علاقة ببقيَّة الأبواب. وقال المفتش مُعلقًا: إن المِفتاحَين لهما كل الأهمية، وقد يوصِّلانا إلى أماكن يتردَّد عليها هؤلاء الجواسيس.

ولكن السؤال الهام بقي … ما الذي كان يبحث عنه الرَّجلان؟ وسأل «تختخ» «عاطف»: هل تذكُر اتجاه الأضواء … إلى أعلى أو إلى أسفل؟

عاطف: أعتقد أنها كانت ترتفع أحيانًا وتنخفض أحيانًا أخرى.

تختخ: دعونا نفتِّش الغُرف جيدًا … غُرفةً غُرفة وركنًا ركنًا … وحتى الشُّرفات يجب البحث فيها.

وبدءوا عملهم … وفجأةً وقَع بصر «تختخ» على قفصِ طائرٍ مفتوح … ولم يكُن الطائر فيه، فسأل «تختخ» المفتش: هل رأيت هذا القفص من قبل؟

المفتش: نعم … عندما جئنا لتحقيق الحادث، وكان به طائرٌ أسوَد اللون.

تختخ: ولكن الطائر غير موجود … هل هو الشيء الذي كانا يبحثان عنه؟

عاطف: لا بد أنه هو … لقد قلتُ لكما إنهما كانا يُطاردان شيئًا حيًّا … ومن غير المعقول أنهما كانا يُطاردان قطةً أو فأرًا … لا بد أنه ذلك الطائر.

المفتش: ولكن لماذا؟

تختخ: مَن يدري … على كل حال إذا عثَرنا على الطائر قد نجد الإجابة.

أخذ الثلاثة يدورون في أنحاء «الفيلا» بحثًا عن الطائر … وفجأةً سمِع «تختخ» صوت خَرفشة يصدُر من تحت السُّلَّم الذي يتوسَّط «الفيلا» … فأسرع إلى هناك … وصاح بالمفتش و«عاطف» يستدعيهما … كان المكان تحت السُّلَّم مُظلِمًا، والطائر أسوَد اللون، فلم يكُن في الإمكان الإمساك به، وأخذ يطير هنا وهناك … وهم يَجْرون خلفه حتى تعِب أخيرًا، وسقط على الأرض وصدرُه يرتفع وينخفض سريعًا … وتقدَّم منه «تختخ» ومدَّ يده وأمسكه.

كان طائرًا أسوَد اللون … أحمر المِنقار … يدور برأسه من الخلف شريطٌ أصفر، ويبلُغ طوله حوالَي ۲۰ سنتيمترًا … ووقف الثلاثة يتأمَّلونه، وأخذ المفتِّش يفحص جسم الطائر وساقَيه الصفراوَين بحثًا عن رسالة أو أي شيء، ولكن لم يكن هناك شيء على الإطلاق.

هزَّ المفتش رأسه قائلًا: لا أجد به شيئًا يستحقُّ الاهتمام!

تختخ: لعلهما كانا يبحثان عن شيءٍ آخَر.

المفتش: أرجِّح أنهما لم يكونا يبحثان عن هذا الطائر الأسود؛ فليس فيه شيء له علاقة بالتجسُّس … كل ما هُنالك أنه طائرٌ غريب، لا أعتقد أني رأيت مِثله من قبل.

عاطف: فعلًا … إنه شديد الغَرابة … وليس في بلادنا طائرٌ مِثله … إلا أنه يُشبِه الغُراب.

تختخ: ولكن الغُراب أبيض المِنقار … وضخم في الحجم، أما هذا الطائر فهو طويل ورفيع.

المفتش: على كلٍّ احتفِظا به معكما؛ فلست أدري ماذا أفعل به … ولكن حافِظا عليه؛ فقد تكون له أهمية لا نعرفها، وسأُواصل مع رجالي البحثَ عن الشيء الذي أتى من أجله الجاسوسان، وتستطيعان الآن الانصراف، وشكرًا لكما.

وضع «تختخ» الطائر في قفصه، ثم حمَله وخرجا معًا … وبعد خطوات قليلة قال «تختخ»: سآخذ الطائر إلى «نوسة»، إنها تُحبُّ الطيور جدًّا … ولعلها تعرف عنه أكثر مما نعرف …

واتَّجه الصديقان إلى المنزل، وكانت الساعة قد أشرفت على الرابعة صباحًا … فوضع «تختخ» الطائر بهدوء على مكتبه، ثم استسلم هو و«عاطف» للرُّقاد.

استسلم «عاطف» للنوم فورًا … ولكنه استيقظ مذعورًا بعد دقائق، لقد سمِع صوتًا غريبًا يتحدث … ومدَّ يده سريعًا إلى مِفتاح النور، وأضاء الغُرفة، ونظر حوله، ولكن لم يكُن هناك شيء على الإطلاق سِوی «تختخ» الذي كان نائمًا تمامًا.

تأكَّد «عاطف» أنه كان يحلُم، وعاد مرةً أخرى فأطفأ النور، واستسلم للنوم … ولكن مرةً أخرى خُيِّل إليه كأنه يسمع صوتَ رجلٍ يتحدث …

استيقظ «عاطف» مرةً أخرى وأضاء النور، ومرةً أخرى لم يجِد شيئًا، ولكنه هذه المرةَ لم يعُد إلى النوم … لقد غادَر الفِراش وفتَّش الغُرفة جيدًا … ولكنه لم يجِد شيئًا، وخرج إلى الشُّرفة، ولكن لا أحد هناك.

عاد «عاطف» إلى الحجرة مرةً أخرى، وأخذ ينظر إلى نفسه في المِرآة. كانت هناك إصابة من لكمةٍ تحت عينَيه، وكان شعره منكوشًا، وهزَّ رأسه قائلًا: لا بد أني مُضطرب الأعصاب بعد أحداث الليلة، وسأنام هذه المرة … ولن أستسلم لهذه الخيالات.

ومرةً أخرى أوى إلى فِراشه، وأجبر نفسه على الاستسلام للنوم، وراح يغطُّ في نومٍ عميق … وعندما استيقظ الصديقان في اليوم التالي، أسرعا باستدعاء «محب» و«نوسة»، وروَيا لهما ما حدَث في الليل، ثم قدَّما لهما الطائر العجيب.

أخذت «نوسة» تتأمل الطائر الأسوَد في قفصه … كان يقف ساكنًا بمِنقاره الأحمر الطويل، وجسده الرشيق، فاقتربت منه وهي تفكِّر بعمق … إنها أوَّل مرَّة تقع عيناها على هذا النوع من الطيور … وبرغم هوايتها القديمة للطيور والأنواع التي تُربِّيها، فلم يسبق لها أن رأت مِثله.

كان ما يهمُّها أولًا أن تبحث عن نوع الطعام الذي يأكله … ولم تكُن في حاجة إلى تعبٍ كثير؛ فقد وجدت في القفص بقايا فاكهة … عنب … وكُمثرى … وأسرعت إلى الثلَّاجة، وعادت بقطعة من العنب وحبَّة من الكُمثرى وبعض المياه … وبحذرٍ شديدٍ وضعت كل هذا داخل القفص. وكم كانت فرحتها عندما انقضَّ عليها الطائر يأكل في نهمٍ شديد … وكان واضحًا أنه شديد الجوع.

وفكَّرت «نوسة» قليلًا … أين تعثُر على معلومات عن هذا الطائر؟! وتذكَّرت دائرة معارف الأولاد الضخمة التي اشتراها والدها لها هي و«محب» … دائرة المعارف المكوَّنة من ١٥ جزءًا باللغة الإنجليزية … لا بد أنها ستجد فيها معلومات … وأسرعت تستأذن الأصدقاء في العودة إلى البيت، وتركتهم يتحدثون.

وعندما فتحت المجلَّد الأول، قرأت الفهرس أولًا حتى وجدت باب الطيور في المجلد الثالث، فأسرعت تُخرِج المجلد، ثم أخذت تتصفَّحه … كان باب الطيور يَشغَل ١٥ صفحةً كاملة … ولو قرأته كله فسيستغرق بعض الوقت، فمضت تنظر في الصفحات المخصَّصة للصور … ثم أخذت المجلد معها، وعادت إلى الأصدقاء، ولكنها وجدتهم قد ذهبوا إلى «الفيلا» المُجاورة، وكان الطائر ما زال ماضيًا في تناوُل طعامه، وأخذت تنظر إليه وتُقارن بينه وبين صور الطيور التي أمامها … وبعد أن قلَّبت نحو ٦ صفحات عثَرت عليه … ودقَّ قلبها فرحًا … إنه هو تمامًا … القَوام الرشيق المسحوب نفسه … اللون الأسود نفسه … المِنقار الأحمر نفسه … الطاقية الصفراء التي تُحيط برأسه من الخلف نفسها!

كان هو الطائر رقم ۳ في اللوحة رقم ۳۰ الخاصة بالطيور، وأخذت تقرأ المعلومات: طائر التِّلال الهِندي «ماي ناه» … طوله ١١ بوصة تقريبًا، ينتمي إلى فصيلة ساكنة التلال من طيور «الماي ناه» في آسيا الجنوبية وجُزُرها … وقدرة طائر «الماي ناه» على تقليد صوت الإنسان أكبر من قدرة الببغاء … و«الماي ناه» يعيش في الغابات، ويبني عُشَّه في الحُفَر الموجودة في جذوع الأشجار العالية … وطعامه المفضَّل هو الفاكهة …

لم تملك «نوسة» نفسها من القفز صائحةً: إنه يتحدث … يتحدث … ووقَع الكتاب منها … ودخلت والدة «تختخ» عليها فخجِلَت «نوسة» من مَوقِفها.

قالت الأم: ما لك يا «نوسة»؟

نوسة: لقد وجدت شيئًا هامًّا يتعلق بلُغز.

الأم: هل عُدتم إلى الاهتمام بهذه الأشياء التي تُسمُّونها الألغاز والمغامرات؟!

وهزَّت الأم رأسها … وفي تلك اللحظة دقَّ جرس التليفون … وقبل أن تستدير الأم لتذهب، سمِعا معًا صوتًا يقول: ألو ألو … لا … لا … لا، عين السَّمكة … لا … الهرم … عين السَّمكة … كلب …

وذُعرت الأم … وذُعرت «نوسة» أيضًا، ثم تذكَّرت طائر «الماي ناه» المتحدِّث، وصاحت: إنه يتكلم … يتكلم … شيءٌ خارق!

وأسرعت الأم خارجةً وهي لا تدري ما الذي جرى في الدنيا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤