«الماي ناه» … يتحدث

أسرعت «نوسة» … تأخذ ورقةً وقلمًا، وتكتب الكلمات التي سمِعتها من «الماي ناه»، ثم جلست بجِواره، وأخذت تُعابِثه وتدفعه إلى الكلام … أخذت تقول له: كيف جئتَ من جنوب آسيا إلى هُنا؟

وطبعًا كانت متأكِّدةً أنه لن يُجيب … إنه فقط يردِّد ما يسمعه من كلام … فكان يردُّ عليها: آسيا … آسيا.

نوسة: ألو … ماذا تقصد بكلب؟

الطائر: عين السَّمكة … عين السَّمكة … كلب.

نوسة: ألو … الهرم … ماذا في الهرم؟

الطائر: ألو … الهرم … الهرم … الصور.

نوسة: ألو … الصور … ما هي الصور؟

الطائر: ألو … الصور …

نوسة: ألو … الصور … الهرم …

الطائر: ألو … الصور … الهرم … ماي … ماي.

نوسة: ماي … ماي … ماي، ماذا بعد ذلك؟

الطائر: الهرم … ألو … الهرم … طائرات.

نوسة: ألو … طائرات …

الطائر: طائرات … طائرات …

ظلَّت «نوسة» تُناقش الطائر وتستجوبه … ولكنه لم يردِّد إلا هذه الكلمات، فحمَلت القفص وخرجت إلى الحديقة في انتظار عودة الأصدقاء.

جلست «نوسة» في الحديقة تتحدث مع الطائر … وكان بعض الجيران يقفون في الشُّرفات يتفرَّجون عليها وهي تتحدث مع الطائر وتكتب … كان مَنظرًا يستحقُّ الفُرجة!

عاد «تختخ» … ولم تكَد «نوسة» تراه حتى صاحت: أشياء مُدهِشة … لقد حلَلتُ لكم لُغز الطائر.

تختخ: صحيح؟!

نوسة: طبعًا … إنه طائرٌ يتكلم مِثل الببغاء.

فتح «تختخ» عينَيه على اتِّساعهما، وتقدَّم منها قائلًا في استغراب: صحيح؟

نوسة: صحيح … صحيح … ألا تصدِّقني؟

تختخ: إن هذا مهمٌّ جدًّا … جدًّا … جدًّا.

نوسة: وهو حقيقيٌّ وصحيح جدًّا … جدًّا … جدًّا.

تختخ: وهل سمِعتِ ما قال؟

نوسة: وكتبته في ورقة.

تختخ: عظيمٌ جدًّا، وسيصل «محب» و«عاطف» بعد لحظات … فقد كنَّا نقوم بجمع بعض المعلومات.

ووصل «محب» و«عاطف»، وصاح «تختخ» بهما: أخبار في غاية الخطورة …

والتفَّ الأصدقاء الأربعة حول الطائر، وعقَدوا أول اجتماع، وقدَّمت «نوسة» تقريرها عن الطائر في كلماتٍ مُوجَزة، ثم أخرجت الورقة التي معها وأخذت تقرأ عليهم ما سجَّلت من حديث الطائر: عين السَّمكة … الصور … الطائرات … الهرم … كلب …

محب: هذه الكلمات لا معنى لها … مُتفرقة … ولكن لا بد لها من معنًى هام!

عاطف: أقترح أن نتَّصل بالمفتش «سامي» فورًا، ونرويَ له ما سمِعناه الآن من «نوسة».

وأسرع «تختخ» بإحضار التليفون، واتَّصل بالمفتش … ولكنه لم يجِده في مكتبه، فترك له خبرًا ليتَّصل بهم بمجرَّد عودته.

وجلس الأربعة يتناقشون … ماذا تعني هذه الكلمات؟! ماذا تعني عين السَّمكة والكلب … والهرم والطائرات؟!

قال «تختخ»: إنها كلماتٌ تعني أشياء كثيرة … فعندما نضع كلمة جواسيس بجانب كلمة طائرات فهذا يعني الكثير … وعندها نسمع كلمة الصور ونضعها بجانب كلمة الطائرات، فهذا يعني أكثر … فهناك جاسوس وطائرات وصور … وهذا من أخطر ما يكون.

قالت «نوسة»: إنني و«محب» لم نشترك معكما في أحداث الليلة التي أدَّت إلى العثور على هذا الطائر … ومن المهم جدًّا أن نتأكَّد أن الرَّجلَين كانا يبحثان عن هذا الطائر بالذَّات.

محب: هذا صحيح.

قال «تختخ»: إن «عاطف» هو الذي شهِد الحكاية من بدايتها … وهو الذي يستطيع أن يرويَ القصة كاملةً … هيَّا يا «عاطف».

وروى «عاطف» مرةً أخرى كيف خرج إلى الشُّرفة ليلًا … وماذا شاهَد في «الفيلا» التي شهِدت مَصرع الجاسوس … ثم كيف أيقظ «تختخ» وبقيَّة الأحداث.

محب: من الواضح جدًّا أنهما كانا يبحثان عن الطائر، وأنه كان يطير هاربًا منهما!

تختخ: أقترح أن نترك «نوسة» مع الطائر فترةً أخرى … وعليها أن تكتب كل الكلمات التي سيقولها، ثم نُحاول أن نستنتج شيئًا منها … ثم ننتظر حتى يتَّصل بنا المفتش «سامي»، ونسأله عمَّا وصلت إليه تحرِّيات رجال الأمن … ومن هذين المَصدرين يُمكِننا أن نتصرَّف.

تحمَّسَت «نوسة» للاقتراح، وقبل أن تقوم أقبل «زنجر» يدور حول الأصدقاء، فنظر إليه «تختخ» وقال: أقترح أن نخرُج في نُزهة إلى الهرم … إن الهرم من الكلمات التي ردَّدها الطائر.

ووافَق «محب» و«عاطف»، وسرعان ما كانت الدرَّاجات الثلاث جاهزة. وقال «تختخ»: ما رأيكما أن نمرَّ بالشاويش … لعل عنده معلومات عن سيَّارة الرَّجلين.

واتَّجه الأصدقاء إلى حيث يقف الشاويش الذي استقبلهم في ضِيق، وسأله «تختخ»: لقد طاردت السيَّارة أمس … ألمْ تُلاحِظ رَقْمها؟

قال الشاويش: للأسف كانت بعيدةً جدًّا … وفي الظلام لم أرَ سِوی نوعها فقط … إنها من طِراز «فورد»، وقد تأكَّد لي هذا اليوم صباحًا … فقد اتَّضح أن الرصاصة التي أطلَقَتها قد أصابت «طاسة» العَجلة فأطارتها … وقد عثَرت على «الطاسة» اليوم، وقد أخطرت المفتش بما حدث.

ومدَّ الشُّرطي يده ﺑ «الطاسة»، ورأى الأصدقاء الثلاثة أثر الرصاصة التي أصابتها، وكان واضحًا أنها أصابتها بدون أن تخرمها، بل مرَّت بها فأسقطتها، ثم مضت الرصاصة في طريقها.

قال «تختخ»: لا بد أن الرصاصة موجودة أيضًا في هذا الشارع.

محب: وما قيمة العثور عليها؟

تختخ: إذا كانت قد مضت في خط مستقيم فربَّما تكون أصابت جانب السيَّارة وأزالت بعض الدهان، ويمكن معرفة لونها أيضًا.

وترك الثلاثة الشاویش، واتَّجهوا إلى حيث أشار على مكان السيارة، وبدءوا من هناك يبحثون على الأرض ويفتِّشون هنا وهناك … كانت المهمَّة شاقَّة، ولكنهم مضَوا وقد انتشروا في عُرْض الشارع … وكان مَنظرًا لفَت أنظار سُكان البيوت المُجاورة، فوقفوا يتفرَّجون عليهم، ولكن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في البحث … وفجأةً صاح «عاطف»: وجدتها! ثم انحنى على الأرض ومدَّ يده، وبجِوار حجر صغير أخرَج الرصاصة … وكم كانت فرحتهم عندما وجدوا ما قاله «تختخ» صحيحًا … فقد وجدوا على جانب الرصاصة لونًا أزرق غامقًا … فقال «محب»: نظريَّتك صحيحة یا «تختخ»، لقد أصابت الرصاصة جسم السيارة واحتكَّت بشِدَّة بها، وأخذت معها بعض اللون.

قال «تختخ» وهو يتأمَّل الرصاصة: لقد أصبح عندنا معلومات لا بأس بها عن السيَّارة التي كان بها الرَّجلان أمس … فهي ماركة «فورد»، ولونها أزرق غامق … وطاستها منزوعة، وفي مكان منها خدش. هيَّا نُخبر «نوسة»؛ فقد يتَّصل بها سيادة المفتش.

قالت «نوسة»: هل أنهم مُصرُّون على الذهاب إلى الهرم؟

تختخ: أعتقد ذلك.

نوسة: سأبقى أنا هنا … إني لا أريد أن أترك الطائر وحده … وفي الوقت نفسه سأُداوم الاتصال بالمفتش «سامي»؛ فعندنا الآن معلوماتٌ كثيرة تهمُّه.

محب: معقول جدًّا …

عاطف: أظنُّكم لا تتصوَّرون أن نذهب بالدرَّاجات إلى الهرم … وأن معنى ذلك قضاء اليوم كله نُحرِّك أرجُلنا حتى نسقط إعياءً.

تختخ: طبعًا لن نذهب بالدرَّاجات … سنذهب بالمواصلات العادية.

وهكذا أعادوا الدرَّاجات إلى منزل «محب»، ثم اتجهوا إلى محطة باب اللوق، وساروا إلى ميدان التحرير، ثم ركِبوا الأتوبيس إلى الهرم.

قال «عاطف»: لا أظنُّكم تتصوَّرون أن كلمةً قالها هذا الطائر سوف تحلُّ اللُّغز …

تختخ: لعلنا نعثُر في منطقة الهرم على شيءٍ ما … من يدري!

محب: على كل حال هي رحلة للنُّزهة أساسًا … فإذا عثرنا على شيءٍ مِثل السيارة مثلًا …

تختخ: ذلك يكون توفيقًا عظيمًا!

كان الأتوبيس يقطع بهم شارع الهرم مُسرعًا … وفجأةً قال «عاطف»: هناك سيَّارةٌ زرقاء تجري أمام الأتوبيس.

كان «عاطف» يجلس بجوار النافذة، وأخذ يُتابع السيارة التي كانت تتَّجه إلى منطقة الأهرام مُسرعةً، وقال «محب»: لا تتوقع بالطبع أن تكون كل سيارة زرقاء هي السيارة التي تبحث عنها، إن في القاهرة أُلوفًا من السيارات الزرقاء … أليس كذلك یا «تختخ»؟

كان «تختخ» مُستغرقًا في تفكيرٍ عميق؛ فلم يلتفت إلى الحِوار الدائر بين الصديقَين حتى وصَلت سيارة الأتوبيس إلى نهاية طريق الهرم وتوقَّفت، ونزل الأصدقاء … وكانت السيارة الزرقاء قد اختفت عن عينَي «عاطف».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤