٣٣–١٩٣٥

ها إنك تدعو أمة لم تكن تعرفها، وإليك تسعى أمة لم تكن تعرفك.

أشعيا ٥٥ / ٥

***

منذ تسعة عشر جيلًا والقواطع تحوم في الآفاق.

تجيءُ كقفص بايزيد، وتعود كعدل بنيامين.

ومنذ تسعة عشر جيلًا يمحو ضباب لهاثنا خطوط فجرنا.

نقطع الطرق بالأقواس الخضراء، وأغصان الزيتون والنخل …

جاء «المعلِّم» فخلعنا ثياب عبوديتنا وفرشناها لِأَتانِهِ.

وأشار أسيادنا فانتزعناها لنلبسها إلى الأبد.

حييناه بِأوْصَانَا لابن داود، وأومأوا فجحدناه، ونام في الحبس.

تثاءبت ذاتنا الكبرى فصحنا: مبارك الآتي باسم الرب.

وعوى الثعلب الكبير فصرخنا: دمه علينا وعلى أولادنا.

واغتر الزعيم بعاصفتنا فقال للمحنطين: إن سكت هؤلاء نطقت الحجارة.

وكان المساء ونامت العاصفة …

وصار صباحنا مساء، فانهلت الدِّيَمُ من أفواهنا على الوجه الغريب.

أما تلاميذه فواحدٌ باع وقبض، والأَحدَ عشرَ هربوا، مع أن معهم سيفين!!

ونام الملك على السدة الأرجوانية، فتضعضع السِنْهَدْرِيِمُ ولم يسترحْ غير بيلاطس.

ما أشبهَ الليلة بالبارحة!

نمسي مؤمنين، وننام مشكَّكين، ونكفر عند صياح الديك.

«مرقسنا» يتجنَّد ولا يهرب، «ويوضاسنا» لا يندم، وكلُّنا بطرس ويوحنا …

يا أحد الشعانين.

يا رمز عبودية تحتضر ولا تموت، فكأنها بِألف روح!

يا مشهد ذلِّ الشمس أمامَ القمر!

من لي بحذفك من الطقوس، وسلخك من التقويم؟!

أي بنيَّ!

ما أنذلَ من يواكب يوم الأحد، ويمالحُ ليلةَ الخميس، ويصلبُ عصرَ الجمعة …

لا تنسوا الخبزَ والملح، فشرُّ الناس مَنْ ملحه على ركبته.

رافقوا «الآتي» إلى الجلجلة، وإن يغلبوكم فلا تهربوا.

أعينوهُ على حمل صليبهِ، فسوف يكون دلبًا أو سنديانا.

وليَمُت على أعينكم، ففي أَعين الأصحاب بنجٌ وبلسم.

لا تراعوا، فنزع الشهيد تمخَّض أمَّنا العظمى بقمَّةٍ جديدة.

يا عيد الشعانين.

يا يوم العقول الوارمة، والنفوس المفلوجة!

يا عيد الأمل الأعشى، والعبودية المقعَدَة!

من لي بحذفك من بين الطقوس، وسلخك من التقويم؟!

يا صاحب العيد، قل لهؤلاء الصبيان: كونوا رجالًا!

ففي كل عصر قيافا ويوحانان.

وفي كل عهد «بيلاطس» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤