الفصل الثاني

استخدامات في التعليم

سنتعلَّم ونتعرف بالأمثلة المحلولة على المفاهيم التالية:
  • (١)

    تدرُّج بعض خواصِّ الذرات وجزيئاتها في الجدول الدوري للعناصر.

  • (٢)

    استخدام خريطة الكثافة الإلكترونية الموزَّعة تبعًا للطاقة الإلكتروستاتيكية في التعرف على قوة الحامض.

  • (٣)

    طاقات الجزيئات وحالاتها الانتقالية وتوتومراتها.

  • (٤)

    انتقال البروتون: اتزان بين الشكلين كيتو وإينول في الحالة الأرضية والحالة المثارة.

  • (٥)

    تفاعُلات الاستبدال والإضافة في للمركبات العضوية وغير العضوية.

  • (٦)

    نزع الهيدروجين من الميثان بواسطة شق الهيدروكسيل.

  • (٧)

    تفتيت فورمات الإيثيل إلى إيثلين وحمض فورميك.

  • (٨)

    الأزمرة الهندسية (سيس – ترانس).

إنَّ شغف الطلاب بالحواسيب وقدرتهم على استعمالها يجب أن نستفيد منهما في التعليم والتعلم، ليكونا حافزًا على تعميق فَهْم الموضوعات الهامة في الكيمياء والفيزياء بصورةٍ أفضل. خاصةً قدرة البرامج المتاحة على عرض صور ورسومات لخواصَّ على مستوى الذرات والجزيئات، والتي يصعب تخيُّلها دون إجراء حسابات الكَمِّ باستخدام البرامج المتاحة وواجهاتها الرسومية.

مثال (١): تدرُّج خواصِّ العناصر

تدرُّج خواصِّ بعض الذرات في الجدول الدوري (انظر ملحق (٧)) وبعض الجزيئات الكيميائية مثل الأحماض، على سبيل المثال لا الحصر، يُمكن رؤيته في شكلِ صورٍ مرئية؛ ممَّا يعمِّق من المفهوم فتظلُّ الصورة عالقةً في الأذهان؛ لأن غالبية الطلاب يَمتلكون ذاكرة فوتوغرافية ممتازة.

fig13
شكل ٢-١: تدرُّج السالبية الكهربية من يسار إلى يمين الجدول الدوري في الدورة الأولى، وتدرُّج الحجم من أعلى إلى أسفل المجموعة الأولى والمجموعة السابعة.
سنَعتبر حالة هيدريدات (HX) بعض العناصر X في الجدول الدوري طبقًا لموضعها، سواء في دورة أو في مجموعة، ونرى التدرُّج فوتوغرافيًّا في التوزيع الإلكتروني كما هو موضَّح في شكل ٢-١ تبعًا لموضع العنصر.

الليثيوم هو العنصر رقم ٣ في الجدول الدوري للعناصر، وله إيجابية كهربية مرتفعة جدًّا؛ نظرًا لسهولة فقْدِه للإلكترون الخارجي؛ ومن ثَمَّ فالليثيوم لا يوجد إلا وهو يحمل شحنةً موجبة وهو ما يعكسه شكلُ سطحِ خريطة توزيع الكثافة الإلكترونية طبقًا للجهد الإلكتروستاتيكي (التوزيع الإلكتروني المغطَّى باللون الأزرق)، بينما يَحمل الهيدروجين في هذه الحالة — خاصةً مع عناصر المجموعة الأولي أ — شحنة إلكترونية سالبة، فيصبح لونُ السطح أحمرَ دليلًا على ذلك. وبالانتقال إلى يمين الجدول الدوري مرورًا بالكربون ووصولًا إلى الفلورين، تنعكس صورةُ الألوان بالتدريج كما تُوضِّحه الألوان؛ فالفلورين يحمل الشحنةَ السالبة، ومن ثَمَّ يكون السطح المحيط به ذا لونٍ أحمرَ عكس الليثيوم.

وإذا ما قارَنَّا بين عناصر نفس المجموعة، كما في حالة انتقالنا أسفلَ عناصر المجموعة الأولى أ، أو المجموعة السابعة أ، على سبيل المثال، فسنرى تأثيرَ الزيادة في حجم العنصر على اللون. والرابطة هنا أيونية، ويعكس ذلك شدةَ اللونَيْن الأحمر والأزرق.

مثال (٢): التغيُّر في حجم الذرات والسالبية الكهربية

حجم العنصر له تأثيرٌ قوي على الحامضية، وهي سهولة إعطاء البروتون. وسنُوضِّح كيف نستفيد من كيمياء الحاسوب في شرحِ وتعميقِ هذا المفهوم، وذلك باعتبار المثال التالي. خذ على سبيل المثال بعضَ الأحماض الثنائية مثل بعض أحماض الهالوجينات، وهي حمض الهيدروفلوريك HF، وحمض الهيدروكلوريك HCl، وحمض الهيدروأيوديك HI. قمنا بإجراء حسابات الكم (باستخدام حزمة برامج سبارتان ١٨ وباستخدام طريقة:
Method: ωB97X-D
Basis set: 6-31G
ولا محلَّ لشرحها في هذا المقام حتى نركِّز على الفوائد. انظر ملحق (٤) للاطِّلاع على المراجع المناسبة) ودعوني أذكِّر القارئ بأننا الآن نُركِّز على فائدةِ كيمياءِ الحاسوب في التعليم. حصلنا على جدول ٢-١ الذي يتضمَّن بعض النتائج العددية لبعض الخواص المحسوبة والموضَّحة في الجدول. فَلْنفحص القِيَم العددية وعلاقاتها فيما بينها وبين تركيب الحمض من هالوجينات مختلفة تزداد حجومها من أعلى إلى أسفل الجدول.
جدول ٢-١: بعض النتائج العددية لبعض خواص الأحماض المحسوبة.
الحمض الثنائي طول الرابطة طاقة السطح الإلكتروستاتيكي الموجبة (كيلوجول) الشحنة الإلكتروستاتيكية
الهيدروجين الهالوجين
FH ٠٫٩٢٧ ٣٢٢٫٧٤ +٠٫٤٤ −٠٫٤٤
ClH ١٫٢٨٥ ٢١٦٫٦٨ +٠٫٢٧ −٠٫٢٧
IH ١٫٤٢٧ ١٨٩٫٩٩ +٠٫٢٠ −٠٫٢٠
وبنظرة فاحصة سريعة يتضح الآتي:
  • أولًا: زيادة في طول الرابطة H-X مقاسة بالأنجستروم هبوطًا من الفلورين، مرورًا بالكلورين إلى الأيودين، وهذا دليلٌ على ضَعْفِ الرابطة بين هذه العناصر وبين الهيدروجين. نلاحظ من الشحنة الإلكتروستاتيكية على كلٍّ من ذرتَي الرابطة اختلافًا في الإشارة؛ فالسالب يعني وجودَ شحنة إلكترونية على الهالوجين، وتقل من الفلورين إلى الأيودين. بينما يحمل الهيدروجين شحنة موجبة، دليلًا على فقدانه قدرًا من شحنته الإلكترونية؛ لذلك فالرابطة أيونية أيْ ذات قطبٍ موجَب هو ذرة الهيدروجين المتأينة، وقطبٍ آخَرَ سالبٍ هو ذرة الهالوجين المتأينة. تقلُّ الشحنات على كلٍّ من القطبَيْن هبوطًا بحسب الزيادة في حجم ذرة الهالوجين لضَعْفِ قُدْرتها على سحب إلكترون الرابطة؛ أيْ لضَعْف سالبيتها الكهربية (حيث تُعرف السالبية الكهربية على أنها قُدْرة الذرة على سحب إلكترونات الرابطة بينها وبين ذرة الرابطة). هذا يعني ضَعْفَ الرابطة الأيونية كلَّما انتقلنا من الفلورين إلى الكلورين إلى الأيودين؛ لذا فحامضيةُ الهيدروفلوريك أضعفُ بكثير من حامضيةِ حمضِ الهيدروكلوريك، وأقواها حامضية هو حمض الهيدروأيوديك لسهولة إعطائه للبروتون.
  • ثانيًا: طاقة السطح الإلكتروستاتيكي الموجبة المقاسة بالكيلوجول بالقرب من البروتون تكون ذات قيمة كبيرة في حالة حمض الهيدروفلوريك، وتقل كلَّما ضعفت السالبية الكهربية للهالوجين.

مثال (٣): الأحماض الكيميائية

الأحماض من المواد الكيميائية الأساسية، وقوتها تعتمد على سهولة فقدها لنواة ذرة الهيدروجين (أي البروتون الذي يحمل شحنةً موجبة)، وذلك طبقًا لأحد تعريفات الأحماض الأكثر تداولًا. وبعض الأحماض تفقد البروتون بسهولةٍ وتكون أحماضًا قوية مثل حمض النيتريك، وبعضها لا يفقد البروتون بسهولة بل يَحمل جزءًا من الشحنة الموجبة فيكون أقلَّ تأيُّنًا وأقل حامضيةً، مثل حمض الخليك، وذلك حسب الاتِّزان التالي:
ففي حالة الأحماض القوية يَنزاح التفاعلُ بالكامل ناحيةَ اليمين، بينما تقلُّ الإزاحة بحسب قوة الحمض. وتُقاس قوةُ الأحماض على مقياس سالب لوغاريتم لثابت الاتزان K، ويُرمَز له بالرمز pKa. وكلما صغرت قيمته العددية ازدادت الحامضية. ومن المُمكن اعتبار القواعد بطريقة مماثلة لنتمكَّن على نفس المقياس من معرفة قوتها بالصورة الآتية:
حيث عُومِلت القاعدة B المُلتصِق بها البروتون معامَلةَ الحمض . وبالطبع فكلما ازدادت قوة القاعدة أيْ قدرتها على عدم التفريط في البروتون، ارتفعت قيمة pKa لهذه القاعِدة.
وللتعبير عن قوة الحمض يُمكننا استخدام خريطة الطاقة الإلكتروستاتيكية القريبة من البروتون كما يُوضِّحه الرسم التالي في شكل ٢-٢.
fig14
شكل ٢-٢: لاحِظ التدرُّج في لون البروتون من الأكثر زرقةً في حالة حمض النيتريك، مرورًا بحمض الخليك، وصولًا إلى الكحول الإثيلي الأضعف حامضيةً. القِيَم العددية هي قِيَم الطاقة بالكيلوجول، وهي قِيَم موجبة دالَّة على الشحنة الموجبة ومُعبِّرة عن قوة الحامض كميًّا.

مثال (٤): طاقات الجزيئات وتوتومراتها (Tautomers) وحالاتها الانتقالية

التوتومر هو كل أيزومر واحد من اثنين أو أكثر من أيزومرات المركب التي توجد معًا في حالة توازن، ويتمُّ تبادُل أشكالها بسهولةٍ عن طريقِ هجرةِ أو انتقالِ ذرة أو مجموعة داخل نفس الجزيء.

fig15
شكل ٢-٣: توتومرات السيتوزين.

وهذه النوعية من الحسابات تُخبرنا أيٌّ من التوتومرات (الأيزومر) هو المفضَّل من حيث الطاقة وهو في حالة الاتزان مع عددٍ آخَر من توتومرات المركب الكيميائي. وكذلك فنحن نحسب الحالة الانتقالية وطاقات المُتفاعلات، ومدى سرعة سير التفاعُل. والمثال التالي سيُوضِّح بعضَ هذه المفاهيم.

جميع التوتومرات المشتقة من السيتوزين Cytosine — وهو إحدى القواعد البيوكيميائية الحيوية الهامة — تحدث بانتقال البروتونات في الجزيء حيث تُغيِّر موضعها. وكلها تكون في حالةِ اتزانٍ ديناميكي (حركي) فيما بينها. ويُفحَص شكل الجزيء الأصلي بواسطة حزمة حسابات سبارتان ١٨ لتوليد قائمة بالتوتومرات الممكنة. ثم تُجرَى حسابات مجمَّعة للحصول على الأشكال الهندسية المثالية لكلٍّ من التوتومرات ولحساب طاقاتها. وقد استخدمنا الطريقة الآتية: نوع الوظيفة (Job type): Equilibrium Geometry؛ الدالية (Method): ωB97X-D؛ فئة الأساس «أوربيتالات» (Basis set): .
وشكل ٢-٤ يُوضِّح واجهة برنامج سبارتان ١٨. ويُلاحَظ من النتائج العددية الملخَّصة في جدول ٢-٢ أن التوتومرات الثلاثة الأولى هي فقط الأكثر استقرارًا، وأعلاها وزنًا هو التوتومر رقم ١، وذلك تبعًا لقيمة وزنه طبقًا لبولتزمان.
جدول ٢-٢: الطاقة النسبية ووزن التوتومر (احتمال وجوده).
توتومر القيمة الجُزئية للتوتومر حسب وزن بولتزمان الطاقة النسبية (kJ/mol)
١ ٠٫٨٠٦ −٥٫٢٧
٢ ٠٫٠٩٦ −٠٫٠٠
٣ ٠٫٠٩٨ −٠٫٠٣
٤ ٠٫٠٠٠ ٥٧٫٠٣
٥ ٠٫٠٠٠ ٩٦٫٤٩
٦ ٠٫٠٠٠ ٢٢٫٧٣
وكثير من الجزيئات ذات القيمة الحيوية توجد في أشكال توتومرية مختلفة وذات طاقات مختلفة. وكمثالٍ آخر، نعرض حالة جزيء اليوريدين، وله ثلاثة توتومرات مُمكنة هي كما في شكل ٢-٥. أكثرها شيوعًا (بنسبة ١٠٠٪) واستقرارًا هو التوتومر ١. بينما لا وجودَ للأشكال الأخرى بالرغم من إمكانية وجودها على الورق فقط، وذلك تبعًا للحسابات الموجَزة في جدول ٢-٣.
fig16
شكل ٢-٤: واجهة برنامج سبارتان.
fig17
شكل ٢-٥: توتومرات اليوريدين المحتملة.
جدول ٢-٣: موجز نتائج تُوضِّح أهمية توتومر ١ لليوريدين.
توتومر

الطاقة النسبية كيلوجول/مول

وزن بولتزمان
١ −٤٦٫٧٨ ١٫٠٠٠
٢ ٠٫٠٠ ٠٫٠٠٠
٣ ٦١٫١٣ ٠٫٠٠٠

مثال (٥): انتقال البروتون: اتزان بين الشكلَيْن كيتو وإينول

ثَمَّة نوع آخَر من التوتوميريزم يُسمَّى الكيتو-إينول، وينتج من انتقال بروتون من مجموعة هيدروكسيل فتتحوَّل إلى كيتون. شكل الكيتو هو الغالب في حالة التوازُن لمُعظَم الكيتونات. ومع ذلك، فشكل الإينول مهمٌّ لبعض التفاعُلات. وفي عملية التحول بين الشكلَين يُعَد الوسيط المنزوع البروتون، والمشار إليه باسم أنيون إينولات، مهمًّا في كيمياء الكربونيل، ويُعزَى ذلك في جزءٍ كبير منه إلى أنه مُحِب قويٌّ لشحنة النواة. يحدث هذا التحويل لأن شكل الكيتو، بصفة عامة، هو الأكثر استقرارًا من توتومر الإينول الخاص به؛ لذلك فشكل الكيتو في حالة الاتزان هو الشكل المفضَّل لأنه الشكل الأقلُّ في الطاقة، أي الأكثر استقرارًا. وجدول ٢-٤ يُوضِّح ذلك في حالة توتوميرزم بين ٢-هيدروكسي بريدين و٢-بريدون، كما هو مُبيَّن في شكل ٢-٦ أيضًا.
جدول ٢-٤: سيادة الكيتو كما تُبيِّنها الطاقة النسبية ووزن بولتزمان.
التوتومر الطاقة النسبية (kJ/mol) وزن التوتومر
الإينول –OH ٠٫٠٠ ٠٫٠٩٩
الكيتو =O −٥٫٤٩ ٠٫٩٠١
fig18
شكل ٢-٦: انتقال البروتون مرورًا بالحالة الانتقالية وهي الأقل استقرارًا، وصولًا إلى البيريدون الأكثر استقرارًا من ٢-هيدروكسي بيريدين.
باستخدام برنامج جاوسيان ١٦ تمَّ عمل مسح لانتقال بروتون الهيدروكسيل إلى ذرة النيتروجين في نواة البريدين، فحصلنا على المنحنى الموضح في شكل ٢-٦، وهو يُمثِّل التغيُّر النسبي في الطاقة مع تغيير المسافة بين ذرتَي الأكسجين والنيتروجين، ويُطلَق عليها إحداثي المسح كما في شكل ٢-٦. والجدول الآتي يُمثِّل ملفَ إدخال البيانات في برنامج جاوسيان، ويُلاحظ أهميةَ اختيار الذرة المُنتقِلة والذرة المنتقَل إليها، وعدد الخطوات، وقيمة كل خطوة بالأنجستروم. وهذا يُمثِّله السطر الأخير في ملف المُهَمة.
ملحوظات على ملف المهمة:
  • (١)

    مهمَّة المسح تتم بالأمر الموضَّح بعد علامة #.

  • (٢)

    أُجرِيت الحسابات في الوسط المائي باستخدام الموديل المحدَّد في تنفيذ المهمة وهو:

وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أهمية اعتبار الوسط واختيار المذيب المناسب، مع ملاحظة أثر المذيب على الاتزان، فهو مهم جدًّا. وفي حُزَم البرامج الحاسوبية كلها تم تكوين قاعدة بيانات خاصة بخواصِّ المذيب وقطبيَّتِه (مذيب قطبي قوي كالماء، أو مذيب غير قطبي مثل السيكلوهكسان).

ولدراسة انتقال البروتون في الحالة المثارة (التي من الممكن الوصول إليها بامتصاص الضوء المناسب «باستخدام مصادر الضوء المتوافِرة، على سبيل المثال: الدايود الباعث لأطوال موجات مختلفة») نستخدم الآتي:

وبذلك نستطيع معرفة سهولة أو صعوبة انتقال البروتون في الحالة المثارة مقارَنةً بالحالة العادية (التي تُسمَّى بالحالة الأرضية).

fig19
شكل ٢-٧: مقارَنة بين منحنيات طاقة الجهد لانتقال البروتون المحسوبة في الحالة الأرضية (بالأعلى)، والحالة المثارة (بالأسفل).

أولًا: في الحالة الأرضية

كما يوضِّح شكل ٢-٧، فحاجز الطاقة بين الإينول والحالة الانتقالية = ١٣٣٫٩ كيلوجولًا لكل مول.

وحاجز الطاقة هبوطًا إلى شكل الكيتو = ١٥٢٫٣ كيلوجول/مول.

لذا يكون الكيتو مستقرًّا عن الإينول بمقدار ١٨٫٤ كيلوجول/مول.

ثانيًا: في الحالة المثارة

حاجز الطاقة للوصول إلى الحالة الانتقالية = ٣١٫٥ كيلوجول/مول.

والطاقة هبوطًا للكيتو = ١٤٤٫٤ كيلوجول/مول.

لذا يكون شكل جزيئَي الكيتو أكثر استقرارًا من الإينول بمقدار ١١٢٫٩ كيلوجول/مول.

دلالة ذلك هي سهولة انتقال البروتون في الحالة المثارة مقارَنةً بالحالة الأرضية.

مثال (٦): نزع الهيدروجين من الميثان بواسطة شق الهيدروكسيل

هذه عملية هامة تَحدُث لتحضير المركبات الكيميائية مثل تكوين جزيء الإيثان من الميثان. فشقُّ الهيدروكسيل النَّشِط كيميائيًّا (وغيره من الشوارد) يُمكنه نزْعُ ذرة هيدروجين مُكوِّنًا الماءَ وشقَّ الميثيل النَّشِط الذي بدوره يتَّحد مع شقِّ ميثيل آخر ناتج بنفس الطريقة ليكون جزيء الإيثان. فعملية تفاعُل الشقوق الشاردة (تُسمَّى الشوارد) مع الجزيئات الكيميائية ذات قيمة كبيرة في الكيمياء التخليقية، خاصةً في التفاعُلات المتسلسلة Chain Reactions، وأيضًا في تكسير الجزيئات غير المرغوب فيها التي تُعَدُّ ملوِّثات للبيئة.

برنامج أوركا بسيط جدًّا كما هو موضَّح قرين الأسطر. وقد استخدمنا في هذه الحالة الإحداثيات الداخلية، وهي مسافة روابط، وزوايا، وزوايا بين الأسطح.

وعندما يَقترب شقُّ الهيدروكسيل من جزيء الميثان يبدأ في نزع ذرة هيدروجين مرورًا بالحالة الانتقالية؛ حيث يَقلُّ استقرار المتفاعلات فيها، ثم عندما يتمُّ النزع يحدث استقرار في النواتج وهي جزيء ماء وشق ميثيل ذو شكل المثلث المستوي. والبرنامج يدرس هذه العملية باعتبار أن ذرة هيدروجين من جزيء الميثان ستَبعُد عن ذرة الكربون فيلتقطها الشق الشارد. وشكل رقم ٢-٨ يُبيِّن التغيُّر في الطاقة كدالة في المسافة بين ذرة الهيدروجين وذرة كربون جزيء الميثان.
fig20
شكل ٢-٨: يُبين منحنى طاقة الجهد لنزع هيدروجين من جزيء الميثان بواسطة شق الهيدروكسيل، مرورًا بالحالة الانتقالية الأقل استقرارًا.
كل ما فعله البرنامج هو حسابات إِبعاد ذرة هيدروجين عن ذرة الكربون بمسافات محدَّدة، وإجراء ضبط للشكل الأمثل عند كل بُعْد وفي وجود شق الهيدروكسيل. ثم نستخدم برنامج واجهة مثل الكِمْ كِرافت ChemCraft لعرض وتحليل البيانات في شكل صور أو رسومات بيانية. أو باستخلاص النتائج العددية وتمثيلها بيانيًّا ببرنامج مثل الإكسيل.
وكما هو واضح فشكل ٢-٨ غني عن الشرح. وهنا نُلاحظ أن الحالة الانتقالية التي يمرُّ بها كلٌّ من المواد المتفاعِلة تكون ذات طاقةٍ أقل (أكبر قيمة موجبة) من كلٍّ من المواد المتفاعلة ومن النواتج. ولو نسبْنا الطاقة إلى طاقة النواتج (وهي الأكثر استقرارًا) لَوجدنا أن الحالة الانتقالية أكثرُ بُعْدًا في طاقتها، تليها الطاقةُ النسبية للمتفاعلات.
ويُمكن للقارئ أو الدارس أن يستخدم البرنامج التالي المُعَد بواسطة حُزْمة برامج جاوسيان ١٦، وهو الأحدث إتاحةً تجاريًّا، وذلك للحصول على نفس النتيجة. إن برنامج جاوسيان يسهل التعامُل معه خاصةً في بناء الجزيئات باستخدام واجهته الرسومية المسمَّاة جاوسيان فيو٦ (GausView6)؛ مع ملاحظة أن النُّسَخ الأقدم من كلٍّ من البرنامجَيْن ما زالت صالحةً لإجراء الحسابات (لاحِظ أن العلامة # تسبق تنفيذ الأوامر في برنامج جاوسيان).

مثال (٧): تفتيت فورمات الإيثيل إلى إيثلين وحمض فورميك

يُعَد هذا مثالًا على تكسير روابط وتكوين روابط أخرى للحصول على الإيثلين وحمض الفورميك. وهي بداية أولية لفهم تفتيت الجزيئات غير المرغوب فيها أو الجزيئات الكيميائية الضارة بالبيئة، التي تُعَد ملوِّثات للبيئة.

والملفُّ اللازم لإجراء هذه الحسابات ببرنامج جاوسيان ١٦ واضحٌ وبسيط:

ويُلاحَظ أنه تم تجميد (F) الزاوية بين المستويات (D) بحيث لا تتغيَّر مع التغيُّر في المسافة بين الأكسجين والهيدروجين. هذه المسافة ستتغيَّر ١١ مرة بسعةِ خطوةٍ مقدارُها −٠٫٠٨٥.
fig31
شكل ٢-٩: تُظهِر الصورة ١ شكلَ الجزيء ووجود رابطة هيدروجينية كما هو واضح بالخط المنقَّط. ثم تقلُّ المسافة كما في الصورة ٢ لتتكوَّن رابطتان بين الهيدروجين وكلٍّ من ذرتَي الأكسجين والكربون وهما غير مستقرَّتين، ومنها نصل إلى الصورة ٣ وهي الحالة الانتقالية الأعلى طاقةً، وأخيرًا ينشطر الجزيء إلى جزيئَيْن، هما الإيثلين وحمض الفورميك كما في الصورة ٤ لتُصبحَ المكوِّنات أقل استقرارًا.

مثال (٨): تفاعلات الإحلال أو الاستبدال بالميكانيكية الخلفية

fig32
شكل ٢-١٠: تغيُّر الطاقة النسبية باقتراب أيون الكلوريد من بروميد الميثان (المسافة بالأنجستروم بين الكربون والكلوريد). لاحِظْ أن كلوريد الميثان أكثر استقرارًا من بروميد الميثان طبقًا لهذا المخطَّط. وكلما اقترب أيون الكلوريد من بروميد الميثان، نقصت الشحنة السالبة على أيون الكلوريد لتقترب من ثلاثة أعشار الشحنة السالبة الكاملة عند إحلاله محلَّ البروميد.

باستخدام برنامج مشابه للمثال السابق نستطيع التعرف على إحلال أيون محلَّ أيون آخَر في الجزيء، والمثال المشهور في الكتب الدراسية هو إحلال الكلوريد محلَّ البروميد في جزيء بروميد الميثان بالميكانيكية المشهورة بالمهاجَمة من الخلف مع قلب الشكل الهرمي لشق الميثان. حيث يقترب أيون الكلوريد من جزيء بروميد الميثان، فيُطرَد أيون البروميد ويتكون كلوريد الميثان. يحدث انقلاب في شكل شق الميثيل حيث يكوِّن المثلثُ الوهمي — الذي تُشغَل رءوسُه بثلاث ذرات من الهيدروجين — شكلًا هرميًّا منقلبًا إلى الاتجاه المعاكس، وذلك مرورًا بحالة انتقالية يكون فيها شق الميثيل مستويًا.

مثال (٩): تفاعلات الإضافة

خيرُ مثالٍ هو تفاعل قاعدة لويس مثل جزيء الأمونيا NH3 مع حمض لويس مثل ثلاثي هيدريد البورون BH3 أو ثلاثي فلوريد البورون. ومن المعروف أن جزيء الأمونيا قابل لأن يعطي لزوجين من الإلكترونات غيرَ الرابطة المتمركزة على ذرة النيتروجين؛ لذا فجزيء الأمونيا طبقًا لتعريف لويس للقواعد والأحماض هو قاعدة تستطيع منح الإلكترونات. بينما ذرةُ البورون في جزيء هيدريد البورون غيرُ مشبعة بثمانية إلكترونات، بل ينقصها إلكترونان حتى يكتمل تركيبها الإلكتروني الثُّمانيُّ الأكثر استقرارًا؛ لذا فجزيء هيدريد البورون يُعَدُّ حمضًا بحسب تعريف لويس للأحماض، وهي المواد المستقبِلة للإلكترونات. وَلْنشاهد الآن ماذا يحدث من تغييرات في التركيب الإلكتروني لكلٍّ من الأمونيا وهيدريد البورون عندما يقتربان أحدهما من الآخر. هذا ما نحصل عليه من كيمياء الحاسوب بتنفيذِ برنامجٍ بسيط مثل البرامج السابقة. البرنامج يصلح للحسابات بحُزْمةِ برامج جاوسيان، ويمكن للقارئ أنْ يحوِّله إلى مدخلٍ لبرنامج أوركا بكل سهولة.

مثال (١٠): الأزمرة الهندسية (سيس – ترانس) Geometric Isomerism

الجزيئات التي تحتوي على رابطة C=C يمكن — كنتيجة للدوران حول هذه الرابطة — أن تأخذ أشكالًا هندسية مختلفة ومستقرة نتيجةً للالتواء Torsion حول الرابطة الثنائية؛ مما ينتج عنه إعادةُ ترتيبٍ للذرات أو المجموعات المرتبطة بذرتَي الكربون. سنوضح المطلوب بمثال مركب ١، ٢-ثنائي كلورو إيثان كالمُبيَّن بشكل ٢-١٤.
fig34
شكل ٢-١١: يوضِّح التغيُّر في الشحنات على كلٍّ من ذرتَي النيتروجين والبورون والطاقة النسبية لاقترابِ كلٍّ من الجزيئَيْن أحدهما من الآخر لتكوين المركب الثنائي، وأثر ذلك على خريطة الجهد الإلكتروستاتيكي حيث ينتهي إلى الشكل يمين أعلى الصورة، وفيه جزيء هيدريد البورون وقد ازداد سطح جهده الإلكتروستاتيكي احمرارًا؛ دليلًا على اكتسابه إلكترونات من الأمونيا التي تزداد زُرْقةً.
fig36
شكل ٢-١٢: تمركُز الهومو يتغيَّر موقعه من على الأمونيا (1) المُعطاة للإلكترونات إلى ثلاثي هيدريد البورون بعد تكوين مركب الإضافة (4)، مرورًا بالخطوتَين (2) و(3).
fig37
شكل ٢-١٣: (1) يتمركزُ أوربيتال اللومو الفارغ على ذرة البورون قبل الالتحام. (2) بينما يتمركز اللومو على جزيء الأمونيا بعد أن تكوَّنَ المركب الثنائي بين الأمونيا وهيدريد البورون.
ويمكن تعريف زاوية الداي هيدرال (أي الزاوية بين المستويات) على أنها الزاوية بين المستوى المار في الذرات «أ ب ﺟ» والمستوى المار بين الذرات «ب ﺟ د» في حالة الجزيء «أ ب ﺟ د» مثل حالة الجزيء ١، ٢-ثنائي كلورو إيثان كالمُبيَّن بالشكلَيْن ٢-١٤ و٢-١٥.
fig38
شكل ٢-١٤: مركب ١، ٢-ثنائي كلورو إيثان. زاوية الالتواء مُثِّلت بالسهم الملتوي حول الرابطة الثنائية التي تربط بين ذرتَي الكربون (ب) و(ﺟ).
fig39
شكل ٢-١٥: مُثِّلت المستويات وظُلِّلت باللون الأزرق، والزاوية بين المستوى «أ ب ﺟ» وبين المستوى «ب ﺟ د» مقدارها ١٨٠ درجة في حالة الأيزومر الهندسي ترانس. وذرتا الكلور متقابلتان في اتجاهَيْن معاكسَيْن.
fig40
شكل ٢-١٦: يبيِّن الأيزومر سيس وفيه ذرتا الكلور أصبحتَا في نفس الجهة، والزاوية بين المستويَيْن أصبحت تساوي ٠ درجة.
لإجراء الحسابات سنبدأ بالوضع ترانس ونجعل الجزيء يلتوي حول الزاوية بين المستويَيْن المحدَّدَيْن في شكل ٢-١٥، ومقدارها ١٨٠ درجة، إلى أن نصل إلى زاوية مقدارها صفر بين المستويَيْن، وذلك على ١٠ خطوات؛ فنحصل على الأيزومر الهندسي سيس والمُمثَّل في شكل ٢-١٦.
سنرى الآن (شكل ٢-١٧) كيف أثَّر هذا الدوران على الطاقة النسبية، وكيف أثَّر على طول الرابطة «الثنائية» بين ذرتَي الكربون.
fig41
شكل ٢-١٧: أثر تغيير الزاوية بين المستويات على الطاقة النسبية لكلٍّ من أيزومرات ترانس وسيس، وكذلك على طول الرابطة بين ذرتَي الكربون، التي تعاني من التواء يبدأ من ١٨٠ درجة (الأيزومر ترانس) إلى ٠ درجة (في حالة السيس أيزومر)، مرورًا بالحالة الانتقالية عند حوالي ٦٥ درجة، وهي الأقل استقرارًا.
fig42
شكل ٢-١٨: صورة الجزيء وهو في الحالة الانتقالية (بين الترانس والسيس)، وهي الأقل طاقةً؛ أي الأقل استقرارًا.
fig43
شكل ٢-١٩: أوربيتالات المواجهة وخرائط الوضع الإلكتروستاتيكية لكلٍّ من الترانس والسيس وبينهما الحالة الانتقالية.
يبيِّن شكل ٢-١٧ أن الرابطة بين ذرتَي الكربون يتغير طولها إلى أن يقترب من طول الرابطة الأحادية (١٫٣٦ أنجستروم) عند الحالة الانتقالية كنتيجةٍ للالتواء. وبزيادة الالتواء من حوالي ٦٥ درجة إلى ١٨٠ درجة (في حالة الترانس) تعود الرابطة إلى سابق عهدها عند حوالي ١٫٣٢ أنجستروم. وتسلك الطاقة النسبية نفس سلوك طول الرابطة، كما يوضِّح المنحنى الأسود في شكل ٢-١٧.
وإذا أردنا معرفة صورة الجزيء في حالته الانتقالية، فشكل ٢-١٨ يوضح هذه الصورة للجزيء وهو في الحالة الانتقالية (بين الترانس والسيس).

ماذا أيضًا تستطيع الحسابات توضيحه لنا لنستوعب بالصورة ماذا يحدث بالدوران حول الرابطة بين ذرتَي الكربون في هذا الجزيء؟

لقد أجرينا هذه الحسابات باستخدام برنامج سبارتان ١٨ النسخة ١٫٤. قمنا بإجراء حسابات البروفايل لكلِّ شكلٍ عند الزوايا المحدَّدة بين ١٨٠ درجة إلى ٠ درجة على ١٠ خطوات. استخدمنا الدالية والفئة الأساسية:

ωB97X-D, 6-31G(D)

سنستمر في تقديم المزيد من الأمثلة التعليمية في الفصول التالية.

الخلاصة

شُرِحت الأسسُ العلمية لعددٍ من الظواهر الكيميائية، وذلك بإعطاء أمثلة محلولة، وبتوضيح ملفاتِ إدخالِ البيانات اللازمة لإجراء الحسابات وتمثيل النتائج بيانيًّا. وبعد دراسة هذا الفصل يستطيع القارئ التعرُّفَ على العديد من المفاهيم الأساسية، منها الآتي:
  • (١)

    تدرُّج حجم الذرات وجزيئاتها في الجدول الدوري للعناصر، وتدرُّج حامضية هاليدات الهيدروجين باستخدام الأكواد الملونة لخرائط الكثافة الإلكترونية الموزَّعة تبعًا للطاقة الإلكتروستاتيكية.

  • (٢)

    استخدام خريطة الكثافة الإلكترونية الموزَّعة تبعًا للطاقة الإلكتروستاتيكية في التعرف على قوة بعض الأحماض.

  • (٣)

    طاقات الجزيئات وحالاتها الانتقالية وتوتومراتها وحسابات استقرارها ونسبة وجودها بتوزيع بولتزمان.

  • (٤)

    انتقال البروتون: اتزان بين الشكلَيْن كيتو وإينول في الحالة الأرضية والحالة المثارة. واتضحت سهولة هجرة البروتون في الحالة المثارة.

  • (٥)
    تفاعلات الاستبدال بميكانيكية الهجوم من الخلف في مركب عضوي وتفاعلات الإضافة مثل تفاعل الأمونيا كقاعدة مع هيدريد البورون كحمض، وشاهدنا التغيُّرات في أوربيتالات المواد المتفاعلة كلما اقترب بعضها من بعض.
  • (٦)

    كيفية تفتيت فورمات الإيثيل إلى إيثلين وحمض فورميك، وهو تفاعل هام في تكسير المركبات يُستفاد منه في معرفة كيفية التخلص من المركبات الكيميائية غير المرغوب فيها.

  • (٧)

    كيفية حدوث الأزمرة الهندسية (سيس – ترانس)، وما هي التغيرات الإلكترونية المصاحِبة للعمَلية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤