الفصل الثالث عشر

عندما وصل الحارس الليلي في الساعة العاشرة، وجد المحقق الذي لا يكلُّ ولا يملُّ في انتظاره، وأعرب عن دهشته بعض الشيء.

قال ديفينش بلطف: «كنت فقط أتساءل عما إذا كانت مشكلة النوم ما زالت تؤرقك. كما تلاحظ، سيكون من المحرج بالنسبة إليك إذا عرفنا أنك كنت يقِظًا طَوال الليل، ومع ذلك تُصرُّ على أنك لم ترَ شيئًا.»

شحب الرجل قليلًا. ثم قال: «ولكني لم أرَ شيئًا بالفعل يا سيدي.»

«إذن، لا بد أنك كنت نائمًا، هذا كلُّ ما في الأمر.»

عضَّ الحارس شفته. وتساءل قائلًا: «ما الذي تقصده بنومي على أيِّ حال يا سيدي؟»

«سمعت أنكَ أُصبتَ في رأسك أثناء الحرب، وخطر لي أن هذه الإصابة ربما خلَّفت عواقب غير مندوبة. ولكن بالطبع إن لم يكن الأمر كذلك، فلن أُضطر إلى استجوابك أكثر من ذلك بشأن تلك النقطة. ولكن سأسألك بضعة أسئلة أكثر إزعاجًا من ذلك.»

«هل حديثي معك محاط بالسرية يا سيدي؟ ربما يكون الأمر خطيرًا بالنسبة إليَّ.»

«أتمنى أن تدرك ذلك. ولا يسعني إلا أن أقول لك إنني أنصحك بقول الحقيقة. نحن حريصون في سكوتلانديارد على تسهيل الأمور بقدر الإمكان لمن يقولون ما يعرفونه بدون أي رتوش. في حين نتعامل بطريقة أخرى مع من يجملون الحقائق.»

«حسنًا، أنت محق يا سيدي.»

«أتمنى أن أكون كذلك. هيَّا تفضَّل. أخبرني ما مشكلتك.»

لعق الرجل شفتَيه الجافتين. وأردف قائلًا: «أنا لا أنام جيدًّا يا سيدي، ولا أستطيع النوم مطلقًا أثناء النهار. ولا يسعني فعل أي شيء حيال ذلك، رغم ما بذلته من محاولات مضنية. فالمرء لا يستطيع أن يعيش والنوم يجافي عينَيه يا سيدي.»

قال ديفينش: «كقاعدة عامة لا يستطيع فعلًا. ولكن من الوقاحة بعض الشيء أن تُعين هنا كحارس ليلي برغم علمك بما تعانيه. هل تقصد أن تقول إنك تعجز عن النوم أثناء ساعات الراحة من العمل، فتأتي إلى العمل لتنام هنا حيث ينبغي لك ألَّا تفعل؟»

«أخشى أن أقول إن الأمر كذلك يا سيدي. أنا لا أريد أن أنام، ولكن يغلبني النعاس، ولا أستطيع مقاومته، عندما أجلس في مقصورتي بين جولات الحراسة.»

«فهمت. ولكن السيد ماندر حرَص على أن يوفر لك وسائل تساعدك على البقاء يقظًا.»

تلوَّن وجه الرجل. ثم قال: «أجل، أظن أنه فعل يا سيدي.»

«أنت تعلم أنه فعل. ولم تُكلِّف نفسك عناء إدراك أن الجهاز لا يمكنه أن يلحق أي ضرر. ولكن ربما تكون قد أغلقت مفتاح التشغيل بدلًا من قطع سلك التوصيل، أليس كذلك؟»

لم يلاحظ الحارس الفخ الذي يتضمنه السؤال. وأجاب قائلًا: «أظن أنني شعرت بالفزع ونسيت أن أفتحه مرة أخرى، يا سيدي، ورآه أحدهم؟»

«أوه، بالضبط. إذن، لقد قطعت السلك بالفعل؟ حسنًا، لا شيء يضاهي تحري الصدق عندما تكون مضطرًّا لذلك. بربك! من الأحمق الذي رشَّح واحدًا من أهل الكهف ليتولى وظيفة حارس ليلي؟»

لاحظ نظرة دهشة في عينَي الرجل، ثم ذلك التعبير الغريب الذي يوحي بأن الرجل يحاول التفكير في إبداء بعض المراوغة.

«لقد التقيت بالسيد ماندر يا سيدي، وحصلت على الوظيفة. فلديَّ سجل عسكري مشرف.»

شعر ديفينش من ذلك التعبير الذي تسلَّل إلى وجه الرجل أنه لا يقول الحقيقة. «هل أنت متأكد من أن رئيس هذا المشروع التجاري الكبير يعيِّن جميع العاملين بنفسه؟ بربك! هل هذا محتمل؟ أريدك أن تخبرني بما حدث بالضبط، وأنت تعرف أن لديَّ وسائلي لكشف الحقائق.»

«انتظر لحظة يا سيدي. أتقصد من الذي رشحني للوظيفة؟»

أدرك المحقق أنه من الحكمة دومًا أن يُترك للمرء اختيار مهربه بنفسه ما دام سيحصل في النهاية على المعلومات المطلوبة.

«أجل، من الذي رشَّحك للوظيفة؟»

«السيدة بيدن-هايث يا سيدي.»

نظر إليه ديفينش هُنيهة نظرةَ تأمُّل. لماذا كان عليه أن يَحمِل الرجل على الاعتراف بذلك؟ هل كان هناك أيُّ شيء وراء ذلك؟ وبعد فترة صمت ثقيلة استأنف حديثه مرة أخرى.

سأله: «هل كان هناك سبب محدد جعلها ترشحك للوظيفة؟»

«حسنًا، لقد جاء الترشيح من خلال السيد بيدن-هايث يا سيدي. لم يكُن يُكِنُّ أيَّ مودة للسيد ماندر على الإطلاق، ولكنه أخبر والدته، وهي ساعدتني يا سيدي.»

«فهمت. ولكن من أين لك بآراء السيد بيدن-هايث الخاصة بشأن القتيل؟ يبدو لي هذا أمرًا غريبًا.»

تململ الحارس في وقفته. وأردف قائلًا: «حسنًا، يا سيدي، لقد كنت مرساله في الحرب، إذا كان لا بد أن تعرف، ولم أتمنَّ العمل لدى ضابط أفضل منه مطلقًا.»

كظم ديفينش دهشته، وبدت عليه نظرة متجهمة. ثم قال: «نحن في طريقنا إلى الحقيقة الآن. ولكن من المؤكد أن الحرب انتهت قبل عدة سنوات، أليس كذلك؟ وكراهية السيد بيدن-هايث للسيد ماندر وليدة أشهر قلائل حسبما أظن.»

«بل أطول من ذلك يا سيدي. فقد كان السيد ماندر موظفًا إداريًّا لدى هؤلاء المحامين الريفيين.»

«لنفترض جدلًا أنها امتدت لعام أو عامين أو حتى ثلاثة. لقد كان ذلك بعد الحرب بفترة طويلة. هل ظللت على اتصال بالسيد بيدن-هايث؟»

أومأ الحارس برأسه. ثم قال: «كان معتادًا على إرسال خمسة جنيهات لي كل عيد ميلاد يا سيدي، ولكن لم يكن ثمة ضرر من ذلك، رغم أن عليَّ أن أردَّ الجميل إذا كان هناك ما في وُسعي أن أقدِّمه.»

«ماذا تقصد بذلك؟»

«هو من أنقذني بعد أن فُجِّر المبنى يا سيدي، وكاد أن يفقد حياته جرَّاء ذلك.»

كان ديفينش يحاول سبر أغوار الرجل ومعرفة ما يخفيه من خبايا. فقال متسائلًا: «ثم؟»

«حسنًا يا سيدي، كنت مستقرًّا في عمل حتى تُوفي مخدومي، وتخلى ابنه عني. فكرت في السيد بيدن-هايث، وكتبت إليه. وذكرني لدى السيدة، كما أخبرتك، وحصلت على الوظيفة.»

زمَّ ديفينش شفتيه. وعلَّق قائلًا: «إذن هل كنت تلتقي بالسيد بيدن-هايث بصفة شخصية منذ أن حصلت على الوظيفة؟»

«أجل يا سيدي، زرته لأشكره، وذهبت إليه في ناديه بضع مرات لأخبره بأحوالي. لقد طلب مني القيام بذلك يا سيدي.»

بدا المحقق أكثر جِدية من ذي قبل، وأثارت نظرته المحدقة توتر الحارس أكثر من ذي قبل.

قال: «حسنًا، اسمع! ربما كان بإمكانك أن تخبرني بكل هذا من قبل، وعجزك عن أن تكون صريحًا معي لا يؤثر فيَّ كثيرًا ولا يدفعني للوقوف في صفك. رأيت أنه من المريح أن تتجاهل بعض التفاصيل المهمة إلى حدٍّ ما. فكيف تتوقع مني أن أُصدِّق أنك تقول الحقيقة الآن؟»

«أنا أقولها يا سيدي. حقًّا أقولها.»

«ولنفترض أنك تقول الحقيقة فعلًا، فكيف لي أن أعرف أنك ستُجيب بصدق عن السؤال التالي الذي سأطرحه؟ الحِنث باليمين أمرٌ جِدُّ عظيم، وقد تُضطر لاحقًا لأداء اليمين.»

رد الآخر بنبرة يائسة: «سأخبرك بالحقيقة يا سيدي، أيًّا ما كانت.»

«جيد جدًّا. هل رأيت السيد بيدن-هايث داخل هذا المتجر مساء الأحد الماضي، في أي مكان داخل المتجر، أو داخل المصاعد؟»

«كلا يا سيدي. لم أرَه مطلقًا. وسأقسم على ذلك. ماذا عساه يفعل هنا؟»

«نحن نعلم أنه قرع الجرس الخارجي لشقة السيد ماندر في تلك الليلة. فكِّر ثانيةً! هل رأيته أم لم ترَه؟»

بدا على ملامح الحارس إما الدهشة أو الخوف. كان من الصعب تحديد أي الحالتين كان عليها. فصاح بحدة قائلًا: «لم أرَه يا سيدي. أقسم إنني لم أرَه! لم يكن السيد بيدن-هايث ليقتل أحدًا. إنه رجلٌ صالح رغم إفراطه في تناول الخمر. يا إلهي، قريبًا سأجد نفسي متهمًا بالقتل.»

«لا أحد يتهمه بالقتل»، كان هذا رد ديفينش الذي رأى أن جيمسون الثمل لا بدَّ أن لديه خصالًا طيبة مستترة وراء تصنعه تلك العجرفة السافرة كي يبثَّ مثل هذا الإخلاص في نفس جندي المراسلة الذي كان يعمل لديه، إلا أنه أدرك أيضًا أن القاتل ربما يبدو ملاكًا في أعين من يحبهم. وأردف قائلًا: «أهذه إجابة عن تروٍّ وتفكيرٍ؟»

«هي كذلك يا سيدي. لا يسعني قول أي شيء آخر.»

أذِن له ديفينش بالانصراف، وغادر، وعاد إلى المنزل. وبحلول الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي، كان في منزل الطبيب، الذي باشر الحالة الطبية للحارس، وطرح بعض الأسئلة على الطبيب الذي كان في منتصف العمر.

سأله، بعد أن أوضح قضيته، قائلًا: «هل من الممكن أن يتسبب الجرح الذي أصاب رأسه في مثل هذه الأعراض التي وصفها لي؟»

أجابه الطبيب قائلًا: «الأرق وارد. ولكن عددًا قليلًا جدًّا من مرضاي ممن يعانون من تلك الشكوى يشتكون من النعاس الشديد في المساء.»

«ولكن إذا كان الشخص حارسًا ليليًّا …»

قاطعه الطبيب قائلًا: «لم يَعُد كذلك منذ فترة طويلة جدًّا. فالعادات تترسخ بقوة بمجرد أن تتشكل، وقد اعتاد الجنس البشري لقرون النوم ليلًا. فنحن نصير مرهقين مع حلول الليل تلقائيًّا، ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى أننا نعمل أثناء النهار؛ وأؤكد لك أن الجزء الآخر من السبب هو أن الطبيعة والعادة يجعلاننا نَعدُّ الليل لا شعوريًّا هو وقت النوم.»

أومأ ديفينش. وقال: «فهمت وجهة نظرك.»

«إذن، لستُ مضطرًّا إلى الاستفاضة في توضيح الأمر أيها المحقق. وربما تصحح عادة النوم بالنهار والاستيقاظ في المساء هذه النزعة؛ ولكن إذا صار الشخص حارسًا ليليًّا مؤخرًا فحسب، أظن أن العادة الموروثة ستجعل شعوره بالأرق كشعور الشخص الطبيعي. بعبارة أخرى، إذا كان لا يستطيع أن ينام؛ فلن يستطيع النوم في الليل. ونظرًا لأن الأرق شكوى عصبية بصفة عامة، فسيكون أكثر عرضة للنوم أثناء النهار أيضًا؛ نظرًا لأن عقله الباطن لا يَعدُّ فترة النهار هي فترة اليقظة.»

كان ديفينش مهتمًّا بهذه النظرية، ولكنه كان عليه أن يواصل مُهمَّته. فقال: «أظن أنك محق يا سيدي، ولكن أودُّ أن أعرف الآن إن كان الرجل قد اشتكى إليك من الأرق؟»

هزَّ الطبيب رأسه نافيًا. وقال: «كلا.»

«ولكنه كان يتردد عليك من وقت لآخر؟»

«مرتين تقريبًا. وفي كلتا المرتين، كان يعاني مما يشتكي منه معظم مرضاي، ألا وهو عسر الهضم. وبالنسبة إلى الطبقات العاملة، يبدو عسر الهضم وكأنه سرطان أو مرض قلبي أو أي شيء آخر سوى ما هو عليه.»

قال ديفينش متأملًا: «أتعجب من ذلك.»

قال الطبيب بينما كان المحقق ينهض من مكانه: «ولكن انتظر لحظة. لن أقسم بأن الرجل لم يعانِ من الأرق. يجب أن تتذكر أن رجالًا مثله يعتبرون طبقتنا عصبة واحدة، ومن المرجح أن نُفضي بالسر بعضنا إلى بعض. ونظرًا لعلمي بأنه يعمل حارسًا، فربما كان يخشى أن يوخزني ضميري، ويقودني لإفشاء سره إلى رب عمله.»

قال ديفينش: «سأضع هذا في اعتباري»، وشكره على المعلومات، وانطلق لمقابلة السيدة مان، زوجة الحارس. وجدها امرأة نحيفة ولكنها نشيطة بدت تجسيدًا لروح الاحترام. كانت ترتدي ملابس أنيقة جدًّا في ذلك الوقت من الصباح بالنسبة إلى طبقتها، وكان مسكنها مفروشًا بأثاث مريح. وبدت أنها وزوجها، في بعض الأوجه، ينعمان بسبل الراحة التي لا تتناسب مطلقًا مع أجر حارس ليلي بسيط.

قال ديفينش: «حسنًا يا سيدة مان، لقد التقيت بزوجك، وهو يشتكي من أنه يعاني من الأرق؛ أقصد عدم النوم. من المهم بالنسبة إلى سير القضية التي أعمل عليها إثبات أن مان كان مستيقظًا ومنتبهًا في تلك الليلة.»

قالت السيدة مان بجدية: «لولا ما يحصل عليه من النوم أثناء النهار، ما استطاع أن يواصل العمل يا سيدي. صدقًا ما كان يستطيع ذلك! لقد قُذفوا بالقنابل ليلًا، واعتاد أن يقلقني قبل أن يحصل على هذه الوظيفة؛ إذ كان يجلس على الكرسي بينما كنت أرقد في الفراش، أو يذرع الغرفة ذَهابًا وإيابًا. كان يعاني من أرق شديد جدًّا، وهذه هي الحقيقة.»

عرَف ديفينش ما أراد أن يعرفه، ولكنه كان حريصًا على ألا تخبر السيدة زوجها بما قالته بالضبط.

وافقها الرأي قائلًا: «شيء فظيع، ولكن أظن أن بيئة العمل الجديدة ربما تساعده على النوم ليلًا. أظن أنه يشعر بالنعاس. إن تغيير الأجواء يساعدنا جميعًا كما تعرفين.»

عندما غادر، كان فرحًا جدًّا بالحقائق الجديدة التي اكتشفها، على الرغم من أنها كانت تعارض حكمه على شخصية الرجل المعني. فعبارة كاذبة في قضية قتل لا تثبت أن الكاذب هو القاتل؛ ولا حتى تثبت أنه يتستَّر على القاتل.

ولكنها أثبتت شيئًا واحدًا تمامًا؛ ألا وهو أن مان لم ينَمْ ليلًا، وإنما حصل على قِسط ممتع من النوم بالنهار، رغم أنه أنكر ذلك. فمن يعاني من الأرق يكون محظوظًا إذا نام لمدة ثلاث ساعات أو أربع في الأربع والعشرين ساعة. وإذا نام هذه الساعات بالنهار، فمن المرجح أن تزداد يقظته ليلًا.

قال ديفينش في نفسه: «الاستنتاج هو أنه كان يقظًا تمامًا، وأنه رأى أو سمع شيئًا، ولكنه يخشى البوح بذلك. وإن لم يكن متورطًا في جريمة القتل بنفسه، فالاستنتاج أنه رأى شخصًا ما في المتجر مدانًا بها، أو صار الآن يشكُّ في إدانته. والرجل الذي ربما تواجد هنا والذي يُكِنُّ له الولاء والإخلاص هو السيد جيمسون بيدن-هايث!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤