الفصل السادس عشر

بدأ بيدن-هايث حديثه وبدا مُحرَجًا للغاية: «اسمعني أيها المحقق، أنا متأكد من أن لديك من النزاهة ما يكفي لعدم إقحام اسم والدتي في هذا الأمر. عندما أقول «السيدة س» فربما ستفهم على الفور من المقصود.»

«أسمعك يا سيدي، أكمل.»

لعق جيمسون شفتَيه مرة ثانية. ثم قال: «حسنًا … كانت هناك سيدة تدعى «س» لديها أموال طائلة، كما تعلم. إنها شخصية رائعة وما إلى ذلك، لكننا جميعًا لدينا نقاط ضعف. وقد كانت سريعةَ التأثر إلى حدٍّ ما، والتقت بشخصٍ نذل، رجل أسَر لُبَّها. كان يتحدث بمعسول الكلام، وظل يغازلها ويتملقها دون كلل أو ملل، ويبدو عمومًا أنه قد نجح في التقرُّب إليها للزواج منها.»

أومأ ديفينش برأسه. قال: «أتفهم ذلك يا سيدي.»

واصل جيمسون حديثه، وهو يتلوَّى قليلًا في مقعده: «كانت المشكلة في أن هذه السيدة لديها ابن. لم يكن هذا الابن يمانع أن تتزوج السيدة «س» مرة ثانية، لكنه بكل تأكيد كره فكرة زواجها من شخص حقير كهذا.»

«أمر طبيعي جدًّا يا سيدي.»

«بالضبط. على أي حال، حاول هذا الابن بذل قصارى جهده لإبعادها عن هذا الحقير، لكن للأسف كانت كل محاولاته تبوء بالفشل طَوال الوقت. لا أعلم إن كانت السيدة «س» قد اعتبرت هذا النذل الفارس المغوار بالنسبة لها، لكن بدا الأمر كذلك. أتعلم، لو كانت اكتشفت أمره، لجُن جنونها. إنك لا تضع ثروتك تحت قدمَي شخص ما حينما يتقدم بك العمر دون أن تتوقع منه قيمة في المقابل وحقوقًا لا يتمتع بها أحد سواك، إذا كنت تفهم قصدي.»

«من المؤكد أن السيدة «س» كانت تشعر بالغَيرة.»

«بالتأكيد. حسنًا، كان ابنها هذا مستشيطًا غضبًا من هذا الأمر، من فكرة أن هذا النذل يسيء لعائلته، وفي الوقت نفسه يبدد ثروتها هباءً كذلك. بالطبع لن تلوم هذا الابن على رغبته في منع هذا الزواج، إذا كنت تعلم ما أعنيه.»

«ينبغي أن أفهمه على الأقل.»

«حسنًا. تلك هي المسألة. لكن الابن لم يكن يعلم كيف يبدأ في التعامل مع الأمر، ولم يكن لديه دليل ضد مان … ضد الرجل باستثناء وجهه. كان يرى أن وجه هذا الرجل من النوع المتمرس على مغازلة الفتيات الجميلات، وكانت ثمة شائعات تدور حول ذلك أيضًا، وإن لم تكن صريحة بما يكفي للاستدلال بها.»

رد ديفينش على الفور، وقد اقتنع نوعًا ما الآن بأن جيمسون بيدن-هايث يقول الحقيقة، قائلًا: «وأعتقد أنه لم يفكر قط في الاستعانة بمخبر خاص؟»

«بالطبع فكَّر في ذلك، لو أنك تسأل. ولكنَّ أولئك المخبرين يبدون أوغادًا، وهو لم يرغب في إخبارهم بشأن السيدة «س»، كما يمكنك أن تتخيل، إذ كان يُكنُّ قدرًا من الاحترام للسيدة العجوز.»

«بالطبع لم يرغب في ذلك. ماذا بعد؟»

«حسنًا، ظهر رجل يبحث عن عمل، وتصادف أن كان يدين له بجميل، أو هكذا كان يظن، وكان مهذبًا جدًّا، ومِن ثَم كان هو الشخص المناسب للمهمة.»

«تقصد من كان سواه يمكن الزج به للعمل بوظيفة داخل متجر كبير؟»

«بالطبع، كما أنه ليس من نوعية الأشخاص الذين يفشون أسرار الآخرين. أيًّا كان ما يراه سيحتفظ به لنفسه. حسنًا، كانت الفكرة كالآتي. كان عليه مراقبة شقة ماندر، وكان لديه مفتاح للباب الخلفي المُطل على الممر. كان واضحًا تمامًا أنه ما من أحد قد يزور هذا النذل قبل الساعة العاشرة؛ لأن كبير الخدم يمكنه أن يدخل ويخرج قبل الساعة العاشرة.»

«فهمت.»

«على أي حال، لو أن أي شيء حدث، أنا … أنا أقصد أن الحارس كان سيُعفى من الوظيفة، وأي ضرر كان سيُصلَح؛ لذا لم يكن هناك ضير من تعيينه بهذه الوظيفة.»

قال ديفينش بهدوء: «لكن التجسس عمل غير أخلاقي يا سيدي. نحن نقوم به لأنه واجبنا، ومن أجل خدمة الصالح العام.»

قال جيمسون: «معك حق. لم يكن ينبغي أن أقول لك ما قلته في هذا الصدد منذ بضعة أيام. لقد تراجعت عنه وأعتذر. لكن دعنا نركز على النقطة الأساسية، لم يتمكن مان من التوصل لأي معلومة دقيقة؛ لأنه لم يقدر على التواجد بالخارج بالممر طَوال الوقت. لم يكن خطأه، لكن هذا الابن الشاب انزعج قليلًا بسبب ذلك، وتراءى له أن الأمور ستتطور بسرعة قبل أن يتمكن من التدخل …»

قال ديفينش: «من الواضح أن ماندر كان يخطط للهرب مع الآنسة تيومر.»

«لم يتسنَّ لي معرفة ذلك. أقصد أن ابن السيدة «س» لم يكن في أفضل حالاته مساء يوم الأحد، وقرَّر التجول والمراقبة بنفسه. دقَّ جرس الباب الخلفي للمتجر، وليس الباب المؤدي إلى سُلَّم ماندر الخاص، وخرج مان. كان مان يقوم بالحراسة بعد وصوله لاستلام وردية عمله، ورأى فتاة تدخل من الباب الخاص.»

اندهش ديفينش. «يا إلهي، هل رأى ذلك؟»

«أجل. حسنًا، ظن الشاب «س» أنه سيمسك بماندر متلبسًا، وكان به ما يكفيه من القلق ما دفعه للتفكير في تلك الخطة الساذَجة بدق الجرس الخاص وإجبار ماندر على تحمُّل تبعات أفعاله. ما من أحد يعلم إن كان ماندر العجوز قد قُتل حينها أم أنه نظر من أعلى وعلم من الطارق ولم يُجب، لكنه لم يظهر على أي حال. مِن ثَم عاد ابن السيدة «س» إلى النادي عندما سئم من دق الجرس. وفيما بعد شعر بخوف شديد؛ لأنه أسقط علبة الثقاب الخاصة به في الممر ولم يتمكن من العثور عليها.»

«وأخيرًا حاول أن يخدع رجال الشرطة ويقنعهم أنه لا يعلم أي شيء عن القضية.»

احتج جيمسون قائلًا: «لا، لم يفعل ذلك حقًّا، أليس كذلك؟ لم يقصد بكلامه الخداع.»

سأل ديفينش: «هل رأى مان منذ ذلك الحين؟»

«نعم، لكن مان أخبره أنه لا يعلم شيئًا. بعدما أخبر الشاب بما لديه من أخبار عند الباب الخلفي، عاد ليواصل عمله، وأنا أصدقه. كما تعلم أيها المحقق، مان رجل في غاية الاحترام.»

أخذ ديفينش يتفرَّس في وجه الشاب بعناية شديدة. كان يعلوه تعبير لم يبدُ مراوغًا، وشعر المحقق عمومًا برغبة في تصديق أنه قد روى القصة الحقيقية. لو أنه ظن حقًّا أن والدته سوف تتزوج ماندر، وشك في أن الرجل ليس جشعًا فحسب، بل متهتك أيضًا، فربما يكون في ظنه أنه كان ينقذ والدته من مستقبل بائس، ما يبرر سلوكه الملتوي.

«في أي وقت قرعت الجرس؟»

«أظن بعد نحو الحادية عشرة بقليل.»

قال ديفينش وهو ينهض للمغادرة: «عظيم جدًّا يا سيدي. لكن بالطبع لا بد من التأكد من صحة روايتك، وعليك ألا تغادر المدينة لأي سبب حتى تحصل على إذن منا. ولكن إذا وجدت أنك قد أخبرتني بالحقيقة، فسأسعى لإبقاء اسم السيدة «س» بعيدًا عن القضية.»

مد جيمسون يده ليصافحه. وقال: «كنت أحمق للغاية أيها المحقق، في أكثر من موقف. لكنني سأضع حدًّا لهذا. أتمنى لك حظًّا سعيدًا.»

غادر ديفينش وهو مستغرق في التفكير. أراد أن يرى السيد ميليس بعد ذلك، ولحسن الحظ أن السيد ميليس كان متلهفًا جدًّا لرؤيته. عندما دخل غرفة مساعد المفوض في سكوتلانديارد، استُقبل بهمهمات رضًا.

«تفضل أيها المحقق. أنت تحديدًا الشخص الذي أردت رؤيته. لقد أثبت أحد خبرائنا الأكْفاء عدم صحة افتراضك الأخير، وأريد أن أسمع منك اقتراحات لكيفية تعديله.»

أشار إلى ديفينش ليجلس على أحد المقاعد، ثم أشعل سيجارةً ليُضفيَ أجواء مثيرة.

بدأ حديثه، مشيرًا بسيجارته كما كان معتادًا أن يفعل على مسرح الهواة، قائلًا: «تلك الرَّصاصة. إنها ليست الرَّصاصة الحقيقية التي قتلت ماندر.»

قال ديفينش: «ساورني شك في ذلك.»

ضحك ميليس. فلم يعتقد أن من المحتمل أن يكون ديفينش قد شكَّ بالأمر، بل ظن أنه كان يحاول التعتيم على خطأ طبيعي للغاية.

واصل حديثه قائلًا: «لقد أُطلقت الرَّصاصة بلا شك، وأُطلقت من مسدس ماوزر. لكنها أُطلقت على الرمال، وليس على ماندر. هناك فرق بالتأكيد. فهذا يعني مثلًا أن هناك رَصاصتين قد أُطلقتا وليس واحدة.»

أومأ ديفينش برأسه. «إذن ربما يكون ماندر قد أصيب بالفعل في المصعد يا سيدي.»

مازحه قائلًا: «نعم، أظنه قد أصيب برصاصة سحرية تطايرت في الهواء وتحوَّلت إلى شظايا صغيرة، ولهذا السبب لم نتمكن من العثور عليها! وتدفق الدم لأعلى من أسفل السَّجادة الموجودة بأرضية المصعد؟ لا بد أنها جريمة فريدة من نوعها!»

قال ديفينش: «لم نعثر على السجادة التي كانت بالمِصعد يا سيدي»، ومضى يشرح ما فعله في ذلك اليوم مردفًا: «ليس بعد.»

بدا السيد ميليس مذهولًا ومتحيرًا في الوقت نفسه. فقال: «يا إلهي! إذن هذا الشاب السكير كان يتجول حول المكان في تلك الليلة، وها هو الآن يقص علينا قصة خرافية.»

«لست متأكدًا من ذلك يا سيدي.»

نسي ميليس أن يشير بسيجارته. «حقًّا؟ وأنت لست بالشخص الذي لا يجيد الحكم على الأشخاص أيضًا. لكن ما الموقف الآن؟ أعتقد أنك لم تَعُد تشكُّ بكيفيم أو كين أو ويبلي؟»

عقد ديفينش حاجبَيه. وقال: «لا أظن أنني انتابني الكثير من الشك تجاه ويبلي من قبل، لكن كيفيم مشتبه فيه محتمل وكين كذلك.»

«ماذا لدينا ضد كين؟»

«ليس لدينا سوى فرضيات يا سيدي، لكن هذا ينطبق عليهم جميعًا. إذا كان لكين صلة بهذه الجريمة من الأساس — وأقر أنه لم يرُق لي على الإطلاق — فربما يكون لذلك عَلاقة بهذه الطائرة المروحية. يبدو ويبلي عبقريًّا بعض الشيء فيما يتعلق بالميكانيكا، لكن كين دفعني للاعتقاد بأن الشخص الذي يمكنه اختراع الطائرة لا بد أنه كان لديه معرفة تقنية عالية.»

«أتقصد العلم الذي يقوم عليه الاختراع؛ الرياضيات العليا وما إلى ذلك؟»

«هذا ما أقصده يا سيدي. هناك أشخاص يمكنهم فعل أي شيء بالآلات لكنهم لا يفهمون شيئًا عن النظريات العلمية التي تعتمد عليها. أمَّا كين فهو شخص على درجة عالية من التعليم والمعرفة.»

«أتعتقد أنه قد يكون المخترع؟»

«كان يشعر باستياء شديد حيال المكافآت التي يحصل عليها المخترعون، رغم أنه كان يتحدث على نحو موضوعي إلى حدٍّ ما. إن كان هناك أي حُجة ضده، فسوف يتمثل في افتراض أن ماندر قد سرق اختراعه، وويبلي هو من أكمله، أو ربما يكون كين قد عُين تحديدًا بسبب الطائرة الجايروكوبتر ووافق على عدم المطالبة بحقه كمخترع، لكنه شعر بالسخط عندما وجد أنها تحقق مبيعات سريعة. لماذا ذهب لمقابلة ويبلي؟ هل سمع أن ماندر سيقدمه على أنه المخترع الحقيقي؟ هل قابل ماندر في الشقة في مساء الأحد هذا، ووجده مصممًا على الالتزام بالترتيب الأصلي الذي نفترضه الآن؟»

«هذا احتمال بعيد جدًّا.»

«هو كذلك يا سيدي. وفي تلك الحالة، ربما يكون أطلق النار على ماندر، ثم اكتشف بعدها وجود الآنسة تيومر كشاهد عيان. فتخلص منها باستخدام الخنجر الذي كان بغرفة استقبال ماندر، وربما يكون زيَّف دليلًا من شأنه إدانة ويبلي (الذي كان، وفقًا لهذا الافتراض، متورطًا في هذه المؤامرة ضده) أو كيفيم، الذي كان على عَلاقة سيئة معه. لست مقتنعًا بذلك فعليًّا، لكن ربما يتحتم علينا دراسة هذا الافتراض إذا ثبت عدم صحة كل الاحتمالات الأخرى.»

قال السيد ميليس: «أردت أن أسمع منك لأن المحقق هيمب حصل على معلومة عارضة، أو ربما تكون عارضة، مثيرة للفضول عن القضية. إنها لا تتعلق بكين أو كيفيم، لكن قد تجعلنا نُكوِّن فكرة جديدة عن تلك الفتاة الغريبة التي قُتلت.»

أنصت ديفينش باهتمام وقال: «سأكون سعيدًا جدًّا لسماع ما لديه يا سيدي.»

التقط ميليس سماعة هاتفه وطلب استدعاء المحقق هيمب إلى غرفته، ثم التفت ثانية إلى ديفينش.

تحدث قائلًا: «كما تعلم، لديَّ الكثير من العَلاقات من مختلف طبقات المجتمع، وبالطبع يعلم الناس من أكون. من حين لآخر، يُطلَب مني حلُّ بعض المشكلات الاجتماعية بشكل غير رسمي. أقصد في الحالات التي تكون فيها السرية التامة ضرورية للغاية نظرًا للمكانة الاجتماعية لمعارفي. منذ بضعة أيام، اتصلت بي ابنة أخت صديقة قديمة لي، سوف أشير إليها ﺑ السيدة «س».»

«أهي غير السيدة «س» خاصتي يا سيدي؟»

«نعم. كانت الفتاة على وشك الزواج من أحد النبلاء والحصول على لقب ماركيزة، ولكن كانت هناك كارثة لم يكن من الملائم أن تَنميَ إلى علم الماركيز. لقد تحدثت إلى الشابة ووجدتها فزعة جدًّا وفي شدة الخوف. لو كان بإمكاني التعامل مع المشكلة بنفسي دون تدخل من أحد، لفعلت. لكنها كانت تتجاوز قدراتي؛ لذا أسندت المهمة إلى هيمب، خبير الابتزاز لدينا.»

«ألم يكن هناك شخص أفضل يا سيدي؟»

«لا. لا أظن أنني كنت سأجد من هو أفضل منه.» كان هناك صوت طرق على الباب، ورفع بصره وقال بصوت عالٍ: «تفضَّل أيها المحقق.»

دخل شخص في غاية الأناقة واللطف. ألقى التحية على ميليس، وأومأ برأسه إلى ديفينش، ثم طُلب منه الجلوس.

«هيمب، أعتقد أن القضية التي طلبت منك العمل عليها تحمل قدرًا من التشابه مع قضيتين أخريَين تسبَّبتا لك في بعض الحَيرة، أليس كذلك؟»

«أجل يا سيدي بدا لي أن الفاعل واحد.»

«كلتاهما أثارتا حيرتك، لكنني فهمت منك أن هذه السيدة أعطتك مؤشرًا.»

«نعم يا سيدي. أعتقد أن السبب في ذلك هو أنها أفلتت بفعلتها بسهولة في القضيتين الأُخريَين، لذا نسيت اتخاذ جميع الاحتياطات.»

«احتمال كبير. هل أنت متأكد الآن؟»

زمَّ هيمب شفتيه. «إلى حدٍّ كبير؛ بل أظن أنني متأكد تمامًا.»

كان ديفينش مهتمًّا للغاية، فمال للأمام. ثم تساءل: «هل أي من المشتبه بهم في قضيتي متورط؟»

كانت الإجابة: «أحد شهودك. السيدة هوو، تلك السيدة التي تقوم بأعمال مجتمعية، وبحكم عملها تطَّلع على بعض الأسرار.»

ضرب ديفينش بيده على ركبته. «السيدة هوو؟ لقد فاجأتني، ولكنني لست مندهشًا. ولكن أيمكننا افتراض أنها والآنسة تيومر كانتا صديقتين، بما أن السيدة هوو كانت تبتزها؟»

قال ميليس مقترحًا: «ربما تكون السيدة هوو قد سمعَت عن الهروب المرتقب إلى أمريكا الجنوبية، واستغلت ذلك كوسيلة للحصول على المال.»

كان هيمب يتفرَّس زميله. «ألديك أي اعتراضات على ذلك يا ديفينش؟»

ردَّ ديفينش على الفور قائلًا: «لديَّ الكثير من الاعتراضات. لا أصدق أن سيدة ستحتفظ في دفترها برقم هاتف مبتزها. لا بدَّ أن هناك أسبابًا أخرى.»

بدا هيمب مرتابًا. بينما بدا على ميليس الاهتمام.

«إذن أيعني ذلك أنك لست متأكدًا من أن السيدة هوو لها أي صلة بهذه القضية؟»

«أعتقد أن لها صلة بالقضية يا سيدي، لكن أظن أن السيدة هوو والآنسة تيومر متورطتان في ذلك معًا.»

«كيف استنتجت ذلك؟»

«من شخصيتها الثابتة من نمط حياتها يا سيدي. لقد سمحت الآنسة تيومر للسيد كيفيم بالتودد إليها، بينما كانت في الوقت نفسه تُدبِّر مؤامرةً مع ماندر. كانت مخطوبةً للمدير ومن المفترض أنها ستتزوجه، وتزور شقة ماندر بمجرد أن يتركها حبيبها. سيدة كهذه، يبدو واضحًا أنها بلا أخلاق، قد تفعل أي شيء.»

وافقه ميليس الرأي، بينما بدا هيمب أكثر اتفاقًا معه. فقال: «أظن أنك قد تكون على صواب. لو أن ماندر كان يواجه أزمة مالية، أو ينوي الهرب بالأموال، وإذا كان في الوقت نفسه مفتونًا بالآنسة تيومر بما يكفي لكي تقترح عليه الهروب، فهذا يعني أنه كان مستسلمًا لها تمامًا. وربما خططت هي والسيدة هوو للحملة بتلك الطريقة.»

تساءل هيمب: «لكن لماذا وافقت على خطبتها لكيفيم؟»

ابتسم ديفينش. «رجل في مثل تخصصك ويطرح سؤالًا كهذا! ربما لم يكن لديها ضمير، ولكنها كانت تحب كيفيم.»

ضحك ميليس قائلًا: «تصلح أن تكون طبيبًا نفسيًّا يا ديفينش. أتفق معك تمامًا. وقد وضع ماندر نفسه في مأزِق عندما استصدر جواز سفر للآنسة تيومر باسم آخر. لكن كل هذه التفاصيل لا تساعدنا في حل لغز جريمة القتل. لا يمكن أن يكون ماندر قد أطلق الرَّصاص على نفسه، وقتل الفتاة، ثم وضع الجثتين بواجهة العرض بالأسفل، وبعدها صعِد لأعلى وأطلق الرَّصاصة من المسدس الماوزر في الرمال! ولو فرضنا أنه قام بالحيلة الأخيرة بمنتهى الإتقان، ماذا عن آثار إطارات الطائرة وشمعات الاحتراق المفقودة، إلى آخره؟»

هزَّ هيمب كتفَيه. «حسنًا يا سيدي، الشخص الذي نبحث عنه ليس مثيرًا للشك. لقد جعلت السيدة الشابة ترسل المال مساء أمس كما طُلب منها. ولو تمكَّنت من الحصول على إذن بالتفتيش اليوم، فسيكون من الأفضل تنفيذه في أسرع وقت ممكن.»

سأل ديفينش: «إذن لتفتيش شقة السيدة هوو؟»

«نعم، حسنًا يا هيمب. سأتولى هذا الأمر على الفور. من فضلك أخبر ديفينش إذا توصلت إلى أي معلومات لها عَلاقة بقضيته. لا أظن أننا بحاجة إليك في شيء آخر الآن.»

ألقى هيمب التحية عليهما وغادر.

التفت ميليس إلى ديفينش. قال مبتسمًا: «أرى أنك تُحرِز تقدُّمًا، على الرغم من أنني لست متأكدًا من الاتجاه الذي تسير فيه. لا شك أن من المحتمل أن الآنسة تيومر كانت متورطة أيضًا في هذه المؤامرة الاحتيالية. ولكن لنَعُد إلى حديثنا السابق. حتى إن كان بيدن-هايث قد أخبرك بالحقيقة وأنه ذهب بالفعل في تلك الليلة لمقابلة الحارس عند الباب الخلفي، فإن هذا لا يُفسر عدم رؤية الحارس لأي شيء، إلا إذا كان المصعدان قد استخدما عندما كان عند الباب الخلفي يتحدث مع الشاب.»

رد المحقق: «تلك هي المعضلة التي لا تزال تواجهنا يا سيدي، لكنني سأتمكن من حلها. هل هناك أي شيء آخر تريد أن تخبرني به يا سيدي؟»

«أريدك فقط أن تبحث عن مسدس آخر يا ديفينش. لا بد أن هناك واحدًا. وابحث أيضًا عن تلك الرَّصاصة السحرية!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤