الفصل الثاني

تولَّى فريق صغير من الضباط أمرَ مشهد قاعة الرقص المعروض في واجهة العرض الرئيسة في متجر ماندر. كان هناك الكثير من ضباط التحقيق على اختلاف رُتَبهم، واثنان من المصورين. تركهم المحقق ديفينش يباشرون عملهم الروتيني، وصعِد إلى شقة السيد ماندر بالطابَق العلوي مستقلًّا المصعد، برفقة رئيس طاقم العاملين لدى السيد ماندر.

كان كيفيم لا يزال يبدو متوعكًا، إلا أنه في تلك اللحظة صار أكثر تماسكًا، وعندما دخلا المصعد، كان يشرح بصوتٍ خفيضٍ الترتيبات التي اتخذها ربُّ عمَله الراحل لضمان خصوصية مسكنه الخاص، وأوقات دخوله وخروجه في غير ساعات العمل.

واستطرد قائلًا: «كان لديه باب خاص، ودرج في الجزء الخلفي أيها المحقق، ويوجد منبسط دَرَج يفضي إلى باب في رَدْهة شقته. وهذا المِصعد يأخذك إلى باب آخر يُفضي أيضًا إلى رَدْهته، ولكن على جانبٍ آخرَ منها.»

في ذلك الوقت، كان المصعد قد أقلَّهما إلى الطابَق العُلوي، وخرجا منه. حدَّق ديفينش إلى الباب الماثل أمامه، ثم ألقى نظرة عامة سريعة على الأرضية.

«فهمت. إذا افترضنا الآن أن السيد ماندر لم ينزل إلى المتجر خلال عطلة نهاية الأسبوع، هل كانت هناك أي وسيلة أخرى يمكنه أن ينزل بها إلى أسفل، خلاف هذا المصعد؟»

قال كيفيم، وهو يزمُّ شفتيه: «ولكن لا بد أنه نزل. فالمسدس الموجود بالأسفل …»

قال الآخر في نفاد صبر: «أعرف ذلك، ولكن هل كانت هناك وسائل أخرى؟»

تردد السيد كيفيم برهةً قبل أن يجيبه قائلًا: «أجل، بالطبع، هناك عشرات المصاعد المستخدمة لنقل الطرود والبضائع من المخازن الموجودة في هذا الطابَق. ولكن شقة السيد ماندر معزولة عن ذلك الجزء بجدارٍ مُصمَت.»

أومأ ديفينش برأسه وقرع جرس الشقة. وفي دقيقة، فتح الباب خادم بدين ووقور في العَقد السادس من عمره تقريبًا. وفي عجالة شرح السيد كيفيم الأمر للرجل، الذي بدا منزعجًا وخائفًا كأي خادم مُحنَّك في موضعه، وسرعان ما أعرَب عن فزعه وأسفه.

أومأ ديفينش برأسه مرة أخرى. ثم قال: «أمر طبيعي جدًّا. فضلًا، خذنا الآن إلى غرفة استقبال سيدك. سأستجوبك في وقت لاحق، وسأستجوب الخدم الآخرين أيضًا. كم عددهم؟»

«هناك الخادم هيمز، يا سيدي، وخادم السيد ماندر الخاص، والطاهي، وخادمتان، وخادمة قاعة الاستقبال.»

«أهي شقة كبيرة إذن؟»

«أجل يا سيدي. يوجد عشر غرف، بالإضافة إلى غرفنا.»

أوضح كيفيم قائلًا: «سكنُ الخدم معزول تمامًا عن الجزء الخاص بالسيد ماندر من الشقة.»

«حقًّا؟»

«أقصد باستثناء باب واصل بينهما سيدي المحقق.»

«جيد جدًّا. عندما أقرع الجرس، أريد استجواب طاقم الخدم، كلًّا على حِدَة.»

قال كبير الخدم: «عُلم يا سيدي»، وقادَهما باحترافية إلى غرفة استقبال شاسعة ومفروشة بأثاث فاخر وباهظ الثمن، وتركهما، وأغلق الباب خلفه برفق.

جلس ديفينش وأشار إلى رفيقه بالجلوس.

جلس كيفيم زامًّا شفتيه، وبدا عليه الاضطراب الشديد بوضوح. لم يشأ المحقق أن يزيد عليه شعوره بالارتباك بإطالة التحديق فيه؛ وإنما أخذ يتفقد غرفة الاستقبال من أولها إلى آخرها بينما كان يطرح سؤاله الأول.

«سيد كيفيم، لقد رأيت ما حدث بالأسفل. لقد لقي السيد ماندر مصرعه إثر طلق ناري نفذ إلى الفخذ. وطُعنت الشابة من الخلف، بسلاح ذي نصلٍ حادٍّ ومدبب. هلَّا أوضحت لي لماذا تسبب اكتشاف جثة السيدة في صدمة أكبر بالنسبة إليك من اكتشاف جثة السيد ماندر؟»

اغرورقت عينا السيد كيفيم بالدموع وقال بصوت خفيض للغاية: «أنا — نحن — تمت خطبتنا استعدادًا للزواج.» ثم أضاف قائلًا: «قبل أسبوع.»

بدا ديفينش متعاطفًا. وعلَّق قائلًا: «يؤسفني ذلك. هذا قطعًا حادث مأساوي بالنسبة إليك. خذ وقتك يا سيدي وحاول، إن استطعت، أن تُحدِّثني عنها قليلًا. لن أطيل عليك بقدر الإمكان.»

استجمع كيفيم شتات نفسه بجهد ملحوظ. ثم قال: «اسمها … كان اسمها إيفي تيومر سيدي المحقق. تركت العمل بمتجر سوتار، حيث كانت تعمل مساعدًا لوكيل المشتريات في قسم القبعات النسائية، لتعمل هنا. وعيَّنها السيد ماندر في منصب مدير قسم المشتريات.»

كان ديفينش على دراية بأساليب السيد ماندر، وأومأ برأسه. وأردف قائلًا: «تلك ترقية بالطبع. أظن أنه لم يكن يعرفها مسبقًا قبل أن يُقدِّم لها هذا العرض؟»

«أنا متأكد من أنه لم يكن يعرفها سيدي المحقق. كانت لتخبرني. لقد عرفتها على مدى ثلاث سنوات.»

قال ديفينش وهو ينظر إليه بإمعان: «يبدو أنها كانت فتاةً في غاية الجمال.»

تغيَّر وجه كيفيم، وبدا عليه الغضب قليلًا. وقال بنبرة غاضبة: «لم تكن من هذه النوعية من الفتيات، ولم يكن السيد ماندر من هذه النوعية من الرجال. كان السيد ماندر مولعًا بالطائرات. لديه هنا في هذه الشقة مختبر وورشة.»

رد المحقق قائلًا: «سأتفقد ذلك الآن. تذكر أنني لا أقذف أحدًا بالباطل. كل ما في الأمر أنه يبدو غريبًا بعض الشيء أن يكون لدى السيد ماندر مدخلان، أحدهما من الخلف.»

قال كيفيم: «بل ثلاثة مداخل؛ فهناك الدرج المنحدر من سطح الشقة، حيث هبطت الطائرة الجايروكوبتر قبل أيام.»

قال ديفينش: «أها، الطائرة الجايروكوبتر الجديدة. ولكن دعنا نعود إلى الآنسة تيومر، إذا سمحت. على الرغم من انشغال السيد ماندر الشديد بأمر الطائرات، يبدو واضحًا تمامًا أنها زارت السيد ماندر حتمًا هنا خلال عطلة نهاية الأسبوع.»

رد كيفيم قائلًا: «كانت معي أمس عند النهر»، وأخذ نفَسًا طويلًا مرتعدًا. ثم أردف: «تركتها في تمام الساعة الثامنة عند مسكنها.»

«ما عنوانه؟»

«٢٢ شارع بولسي ستريت، منزل كابرلي.»

«شكرًا لك. تركتها الساعة الثامنة مساء أمس. لا بد أنها أتت إلى هنا بعد ذلك.»

«أنا … أجل. أظن أنها فعلت.»

وقف ديفينش واجتاز الغرفة إلى الطرَف الآخر منها ليقرع الجرس. وفي غضون دقيقة، جاء كبير الخدم.

تساءل قائلًا: «هل ترغب في استجوابي الآن يا سيدي؟»

«أجل. هل استقبلت أحدًا في هذه الشقة، بعد الساعة الثامنة والربع، مثلًا، ليلة أمس؟»

«لا أحد، أيًّا من كان، يا سيدي. أنا واثق من ذلك. كان السيد ماندر في ضيعة جيلوفر مانور، مسقط رأسه، أثناء النهار. وجاء في الساعة السابعة والنصف، وتناول العشاء في تمام الساعة الثامنة. كان بمفرده، يا سيدي، وعلى حد علمي لم يستقبل أيَّ زائرين ليلة أمس. أنا لا أدخل هنا مطلقًا بعد الساعة العاشرة، ما لم يكن لديَّ تعليمات خاصة.»

«ولكنك لم تسمع شيئًا أثناء المساء، أو أثناء الليل؟ أقصد شيئًا غير مألوف؟»

فكَّر كبيرُ الخدم قليلًا. ثم قال: «لم أسمع شيئًا، يا سيدي، ما لم تكن تقصد ذلك الأزيز الخاص بالمحرك. ولكن هذا الجزء عازل للصوت ولا نسمع شيئًا من الجزء الخاص بنا.»

«ماذا تقصد بأزيز المحرك؟»

«حسنًا، إنه صوتٌ أشبهُ بالضوضاء الصادرة عن تلك الطائرة الجايروكوبتر، يا سيدي، عندما هبطت على السطح، وأحدثت ضجة شديدة حولها.»

أومأ ديفينش برأسه. وحملق كيفيم بعينيه في شرود.

تابع كبير الخدم حديثه. «هل ترغب في استجواب باقي العاملين الآن، يا سيدي؟ يجدر بي أن أخبرك أنني عندما أغلق الباب الواصل بين الجزأين من الجزء الخاص بنا ليلًا، أحتفظ بالمفتاح تحت وسادتي.»

«حسنًا، هل تُغلق الباب من جانبك؟»

«أجل يا سيدي، ولكن السيد ماندر يوصد المزلاج من جانبه كذلك بوجهٍ عام.»

«أمر غريب، إذا كان يسهر لوقت متأخر، أليس كذلك؟»

«حسنًا، كلا يا سيدي. يوجد زِرٌّ بجوار فراشه، إذا ضغَط عليه، يُسحب المزلاج آليًّا.»

«شكرًا لك. هذا يفي بالغرض. سأرسل رقيبي الآن ليستجوب العاملين.»

عندما خرج كبير الخدم مرةً أخرى، نظرَ ديفينش إلى كيفيم وقال: «أتساءل، يا سيدي، هل كنت السيد ذا الحضور البارز في سباق بيسلي كل عام؟»

اندهش كيفيم قليلًا. ثم قال: «أنا مغرم بالرماية، أجل.»

«ظننت ذلك، يا سيدي. اسمك ليس مألوفًا. حسنًا سنتفقَّد الشقة الآن، وسنصعد إلى السطح.»

سأله كيفيم في عجالة وهو يهمُّ بالوقوف: «هل تعتقد أنَّ من الممكن أن يكون هناك أيُّ شخص قد هبط على السطح الليلة الماضية؟»

قال ديفينش: «يبدو هذا أمرًا محتملًا.»

وبينما كان كيفيم يراقب الموقف، ألقى نظرةً سريعة لم تخلُ من الدقة على غرفة الاستقبال الكبيرة، ثم دخل غرفة الطعام المتصلة بها. لم يكن ثمة شيء في أيٍّ من الغرفتين يوحي بوقوع جريمة، أو يشير إلى أن ثمة امرأة زارت المكان مؤخرًا. ومن هناك دخلا إلى قاعة البلياردو وغرفة مكتب. لكن لم يُطلْ ديفينش البقاء في أي مكان بعينه. فقد كان مساعدوه سيُجرون تفتيشًا دقيقًا، عندما ينتهون من الطابَق السفلي، ويلتقطون صورًا لما هو ضروري للكشف عن البصمات.

ثم تفقَّدا أربعَ غرف نوم، وانتهى بهما المطاف في قاعة ذات غرفتين مواجهتين للجزء الخلفي من المتجر، إحداهما مجهزة كورشة عمل، والأخرى أشبه بمخزن للقطع المعدنية وقطع الغيار. وفي موقع الورشة، كان هناك مخرطة ومَقعدَين ومناشير حزامية متنوعة لقطع المعادن، ومحرك طائرة من نوع استثنائي.

سأله المحقق: «هل من الممكن أن يكون أزيز المحرك الذي سمعه كبير الخدم هو صوت أحد هذه المناشير، أم صوتًا صادرًا عن تشغيل المخرطة؟»

رد كيفيم قائلًا: «لا أظن ذلك. ثمة مولدات كهربائية، أظن أنهم يسمونها كذلك، في القبو. كان السيد ماندر يستعين بها لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل ماكيناته هنا، ولكن لم يكن ليمكنك سماعها من كل هذه المسافة بالأعلى.»

تفحص ديفينش لوحة مفاتيح كبيرة موجودة على الحائط، وأردف قائلًا: «لا أظن ذلك أيضًا. ولكن ماذا عن هذا المحرك؟ يبدو كما لو أنه مربوط أو مثبت من أجل اختبار ما على نضد مخصص للاختبارات. ربما يكون هذا ما سمعه كبير الخدم.»

اقترب كيفيم. وقال: «لا أظن ذلك. انظر هنا، ثمة ثلاث شمعات احتراق مفقودة. إن معرفتي محدودة جدًّا بالسيارات، ناهيك عن الطائرات.»

وافقه المحقق الرأي. وعلَّق قائلًا: «بالطبع، لا يمكن تشغيلها بدونها. حسنًا، رجالي سيفحصون ذلك في الحال، وأظن أنه كان من الأفضل أن نُلقيَ نظرة على السطح.»

كان هناك سُلَّم مؤدٍّ إلى السطح من داخل الشقة، وكان الباب يُفتَح على جدران مؤطرة بالخشب. كان الباب مفتوحًا، فوضع ديفينش منديله على المقبض وأدراه برفق. ثم استعد ليصعد السلم.

علَّق قائلًا: «يبدو أن هذا هو الطريق الوحيد للصعود لأعلى. وأي شخص آخر يرغب في الوصول إلى هناك من شأنه أن يهبط من السماء.»

كان سطح الشقة بطول مائة وعشرين ياردة وعرض خمسين ياردة. كان سطحه مُغطًّى بمادة خشنة الملمس؛ لتتيح للطائرة التوقُّف بمزيد من السلاسة عند الهبوط وعلى بعد نحو ثلاثين قدمًا من الحاجز الموجود عند الطرفَين، كان هناك تلال رملية بارتفاع قدمَين تقريبًا تتخذ شكل حواجز الطوارئ.

قال المحقق وهما يسيران بتمهُّل عبر السطح: «بالمناسبة، يا سيد كيفيم، شهر نوفمبر هو شهر الراحة للنهر إن جاز التعبير.»

نظر إليه كيفيم بامتعاض. وقال: «لم أقل إننا ذهبنا في رحلة نهرية بالقارب. وإنما كنت أقصد رحلة إلى منطقة وادي التيمز بسيارتي. أظن أن بإمكانك التحقق من ذلك.»

ولكن بدا فجأة أن ديفينش قد نسيَ الأمر. فأخذ يتفحَّص السطح أسفل منه، ثم رفع حاجبَيه في استغراب.

وقال: «أرى من منظور رجلٍ عادي غير متخصص، أن تلك الآثار تُشبه آثار إطارات طائرة، أقلعت من ساحة طينية إلى حدٍّ ما.»

حدَّق كيفيم إلى الآثار المُشار إليها. وقال: «هذا غريب. كان الطقس جافًّا على نحو رائع طَوال الأسبوعين الماضيين، كما تعرف.»

جثا ديفينش على ركبتيه، وجمع بحرصٍ بعضًا من الطين الجاف باستخدام نصل مِطواته. وعندما جمع الكَمية الكافية وضعَها في عُلبة صغيرة أخرجها من جيبه.

وقال: «سيكون من المثير معرفة متى ترسَّب هذا هنا. أرى أننا يجب أن ننزل إلى الورشة مرة أخرى.»

نزلا، وأغلقا الباب وراءهما هذه المرة؛ إذ كان المفتاح لا يزال في القُفل، وتفقَّدا الغرفة الأخرى حيث تُخزن القطع المعدنية وقطع غيار الطائرة.

قال ديفينش وهو في طريقه إلى طاولة كبيرة عند أحد الأركان، مشيرًا إلى إطارَين مطاطيين موضوعين هناك: «أها، ها نحن ذا! أظن أن هذين الإطارين يخصان الطائرة الجايروكوبتر، ويمكننا فيما بعد أن نضاهيَ آثارها مع الآثار التي عثرنا عليها في الطابَق العُلوي. سوف أُغلق باقي الجزء الخاص بالسيد ماندر من الشقة. يجب ألا يدخل أحد إلا بعد أن نمنحه الإذن بذلك.»

قال كيفيم: «سأحرص على ذلك. على الأرجح سندفع رواتب خدمه في وقت لاحق، ثم نُغلق الشقة.»

تقدَّمه ديفينش للخروج، وأغلق باب هاتين الغرفتين، ووضع المفاتيح في جيبه. وعاد إلى غرفة الاستقبال، وفي ذلك الوقت بدأ كيفيم يُظهر أمارات الضجر.

قال المحقق: «حسنًا يا سيدي، بما أنك هنا، أظن أن بوسعك أن تخبرني بتحركاتك من الساعة الثامنة ليلة أمس وحتى وصولك إلى مكتبك هذا الصباح؟»

جلس كيفيم واجمًا. ثم قال بغتة: «هذا سؤال محرج.»

قال ديفينش بهدوء: «أخشى أنني لا بد أن أطرحه عليك يا سيدي.»

عض كيفيم على شفتَيه. وقال: «تركت الآنسة تيومر، وتناولت العشاء في شقتي في بيكر ستريت؛ فأنا أتناول الغداء في منتصف النهار في أيام الأحد. قرأت كتابًا حتى الساعة العاشرة، ثم جلست ودخنت، وحاولت حل لغز كلمات متقاطعة حتى الساعة الحادية عشرة.»

«ثم ماذا بعد ذلك يا سيدي؟»

«حسنًا، ذاك هو الجزء المزعج. لم أشعر برغبة في النوم؛ لذا خرجت في حدود الساعة الحادية عشرة والربع، وسرتُ إلى مُتنزَّه ريجنت بارك. كان السيد ماندر رجلًا عظيمًا يهوى التجديد والإبداع، وطلب مني أن أحاول التفكير في حملة دِعاية مبتكرة. ودائمًا ما أجيد التفكير في الهواء الطلق. على أي حال، لم أَعُد إلى المنزل حتى الساعة الثانية تقريبًا. دخلت، ثم أويت إلى الفراش. المعضلة أنني لم ألتقِ بأي شخص يستطيع التعرُّف عليَّ للأسف. أظن أن هذا ما كان ينبغي أن يتوافر لديَّ، أليس كذلك؟»

رد ديفينش بنبرة لطيفة: «كان ذلك ليبدو أفضل، ولكن فكِّر ثانيةً يا سيدي. بالتأكيد كان هناك رجل شرطة؟ إنهم مدربون بشكل أو آخر على المراقبة، ويلاحظون الناس ليلًا. أو ربما كان هناك عشاق في مكان ما. خذ وقتك يا سيدي.»

قال كيفيم: «رأيت عدة أشخاص، ولكن لم أرَ رجال شرطة، ولكني لم أرَ أيَّ شخص ينظر إليَّ، ولم أكن أمرُّ دائمًا تحت عمود إنارة.»

«ربما رآكَ أحد رجال الشرطة المتوارين في الظلام يا سيدي. فهُمْ أحيانًا ما يلاحظون الآخرين دون أن يلحظهم أحد. سأُجري تحرياتي، إذا وصفت لي خط سيرك.»

أعاد عليه كيفيم سرد ما ظنَّ أنه خطُّ سَيره من وحي الذاكرة. بدا عليه الإنهاك والحزن، وكان ديفينش على وشك أن يأذن له بالانصراف، حين قرع أحدهم جرسَ الشقة، وما إن فُتح الباب حتى أبصرا الرقيب الذي رافق ديفينش إلى المتجر.

قال: «معذرة يا سيدي، ولكنَّ ثمة شيئًا مهمًّا تم اكتشافه. إنه أحد المصاعد المستخدمة لنقل البضاعة. يبدو أن بداخله آثارًا للجريمة.»

اندهش كيفيم. أومأ المحقق برأسه. ثم قال: «من الواضح أننا لا نستطيع أن نصل إليه من هذا الطابَق، ولا أريد أن أفحصه بالأسفل. هل يمكنك الصعود به إلى الطابَق الواقع أسفل هذا الطابق مباشرة. حسنًا يا سيد كيفيم، كيف ننزل إلى الطابَق أدناه؟»

«نأخذ هذا المصعد، سيدي المحقق. ننزل طابقًا واحدًا، ويمكننا أن نسير عبر رَدْهةٍ مؤدية إلى منبسط أمام مصعد البضائع.»

دخلا إلى المِصعد معًا. وأنزلهما الرقيب في الطابَق التالي، ثم نزل بالمصعد ليُنفِّذ تعليماته.

كان المحقق يرتدي ملابسَ مدنية، ولم يلفت انتباه أحد إليه وهو يسير بجوار المدير.

وبينما كانا ينعطفان إلى الرواق، الموازي للجزء الخلفي من المبنى، وبعيدًا عن أقسام المبيعات، التفت ديفينش إلى رفيقه.

وقال: «آسف لتطرُّقي إلى هذا الأمر مرة أخرى، يا سيدي، ولكن هل يمكنك أن تخبرني ما الذي كانت ترتديه الآنسة تيومر حين تركتك مساء أمس؟»

بُهِت وجهُ كيفيم بشدة وبدأ يرتعد مرة أخرى، ولكنه استجمع قواه ليُجيب.

«كما … كما رأيناها للتو الآن سيدي المحقق.»

أومأ ديفينش برأسه. ولم يُعبِّر عما يجول في ذهن كلٍّ منهما؛ ألا وهو أن إيفي تيومر ربما توجهت مباشرة من شقتها إلى الشقة الكائنة فوقهما؛ لعلها انتظرت فقط حتى يختفيَ حبيبها بعيدًا عن الأنظار!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤