الفصل العشرون

كان ديفينش يعتبر الابتزاز واحدًا من أبشع الجرائم، ولم يشعر بأي شفقة تجاه المرأة المنهكة شاحبة الوجه التي انفرد بها بعد دقيقة.

إن الخوف يسلب الوجه بهاءه أكثر من أي شعور آخر، ربما أكثر من الحزن، حتى إنه وجد صعوبة في تصديق أن السيدة هوو الجالسة أمامه الآن هي تلك السيدة الشابة الجذابة المبهجة الجميلة التي التقاها قبل بضعة أيام.

بدا وجهها ممتقعًا وشاحبًا، وظهر هذا الشحوب المزعج بصورة أوضح مع الاستخدام المفرط وغير المتقن لأحمر الشفاه. فقد بدت عيناها وشفتاها متوهجة وسط ذلك الوجه الشاحب. بدت مضطربة ويائسة للغاية، مثلما بدت ضحاياها قطعًا عندما وجدوا أنفسهم في شَرَكها.

لم يكن ديفينش، كونه شخصًا عمليًّا، يُعجَب بالمحتال الوقح أكثر من ذلك الصاغر الذليل، بل شعر باحتقار شديد تجاه هذه الأفعى المحطمة، وأخذ يراقب في عبوس وتجهُّم محاولاتها للتهرب من أسئلته المربكة.

تلاشت كل ذرة جرأة لديها. وجلست منكمشة في ارتعاد وانهزام، وكان في صوتها نبرة خنوع وذعر في آن واحد.

قالت وهي تطلب منه الجلوس: «أنا سعيدة جدًّا بقدومك أيها المحقق. أعرف أنك في منتهى البراعة واللباقة، أما الرجل الآخر الذي أتى إلى هنا فكان فظًّا للغاية. لم يستمع لما قلته. ولم يمنحني الوقت لأشرح أي شيء. لقد خدعني شخص ما التقيت به، وطلب مني الاحتفاظ ببعض الأوراق له وعدم السماح لأحد بالحصول عليها أيًّا كان السبب …»

ثم توقفت فجأة وعضَّت شفتها. أخذ ديفينش يُحدِّق إليها باهتمام شديد وهو يلوي زوايا شفتَيه، وكان التعبير المرسوم على وجهه بعيدًا تمامًا عن التعاطف أو التفهم لدرجة بثَّت فيها الخوف أكثر من أسلوب هيمب الفظ.

قال بنبرة جافة: «أي أوراق؟»

تابعت حديثها بسرعة. «لم يكن لديَّ وقت لأخبره. لم يكن لينصت. يبدو واضحًا لك أن هذه الأوراق تتعلق بعملية ابتزاز، لكن ما أردت توضيحه هو أنني لم أكن أعلم ذلك، واعتقدت أنها أوراق تخصُّ شيئًا آخر تمامًا.»

بدا أقل جدية. فانتابها شعور بالأمل.

«كما تعلم، بحكم وظيفتي أقوم بالعديد من الأدوار الاجتماعية ومنذ فترة من الوقت التقيت برجل أخبرني أنه مهاجر روسي، روسي «أبيض».»

«حسنًا. ماذا بعد؟»

«حسنًا، كان جذابًا إلى حدٍّ ما، وأطلق على نفسه اسم الأمير تشافالز، ولم أعرف عنه أي شيء، وربما شعرت بالإطراء قليلًا لأنه أبدى اهتمامًا بي، بينما كنت مجرد ضيف شرفي، إذا كنت تفهم ما أعنيه.»

ردَّ ديفينش متجهمًا: «أفهم ما تعنينه.»

تلعثمت وهي تواصل حديثها.

قالت: «حسنًا، مثل معظم الناس، دائمًا ما كنت أشعر بالأسف إزاء الروس المساكين الذين عانَوا بسبب أخطاء لم يرتكبوها، وكنت حمقاء بما يكفي لأصرح بذلك.»

قال بجفاء: «ولكنك لا تبدين امرأة حمقاء.»

«لدينا جميعًا نقاط ضعف أيها المحقق. على أي حال لقد تعاطفت معه لدرجة كان يستحيل أن أصل إليها لو كنت أعلم أنه محتال.»

قال بقسوة مقصودة: «من فضلك، سيكون من الأفضل كثيرًا أن تُكملي حديثك دون إضاعة الوقت في توضيح مشاعرك.»

«معذرة. كنت فقط أحاول أن أوضح لك كيف أن … لكنك محق تمامًا. ما قصدت قوله هو الآتي: بعد فترة قصيرة، سألني إن كنت مستعدة لتقديم شيء من أجله ومن أجل قضيته، فقلت له إنني مستعدة لذلك. أخبرني أن لديه الكثير من الأوراق الخاصة بخطط مناهضة للثورة، وقد يُقبض عليه وهي بحوزته. سألني عما إذا كان من الممكن أن أحتفظ له بمجموعة من الورق وكذلك بأي خطابات تأتيه. من أين لي أن أعرف أن كل ذلك محض أكاذيب، وأن الأوراق في حقيقتها تتعلق بجريمة ابتزاز؟»

«لكن من المؤكد أن المحقق الذي نفَّذ إذن التفتيش أخبرك بهويته؟»

ترددت لحظة. ثم قالت: «أوه، نعم، لكن الأمير أخبرني أن أعداءه قد يتظاهرون بأنهم رجال شرطة، ويكون بحوزتهم وثائق مزورة. فقد قال إن أبناء وطنه كانوا يستخدمون وثائق وهويات مزورة. كل ما هنالك أني حاولت إلقاء مجموعة الأوراق هذه من النافذة قبل أن أعلم أن زوَّاري كانوا من رجال الشرطة الإنجليزية حقًّا.»

لم يكن ديفينش قد اطَّلع على الأوراق بعد، لكن بسبب هذه المحاولة لتضليله علِم أنها خالية من اسم السيدة هوو، ولا يمكن أن تكون مكتوبة بخط يدها. ربما طُبعت، باستخدام الرموز أو الأحرف الأولى للإشارة إلى الضحية أو الضحايا.

تظاهر بالتأثر قليلًا. وردَّ قائلًا: «لم أكن أعلم بذلك بالطبع. أي شخص يتولى مهمة كهذه من أجل شخص أجنبي غريب قد يُخدع بتلك الطريقة.»

ردت وقد انفرجت أساريرها بعض الشيء قائلة: «اعتقدت أنك ستقول ذلك. فكما تعرف ليس لديَّ خبرة في التعامل مع مثل هؤلاء الأوغاد.»

حدَّث نفسه قائلًا: «أعتقد أن خبرتك تنحصر في التعامل مع الضعفاء لتحتالي عليهم»، ثم رفع صوته قائلًا: «حسنًا، يمكن إثبات ذلك بسهولة. هل لي أن أسألك أين التقيت بهذا الأمير؛ هل كان يُدعى تشافالز؟»

أرغمت نفسها على الابتسام. وقالت: «نعم، هكذا ادعى، وأنا متأكدة من أنه كان روسيًّا. دعني أتذكر. إنني أذهب إلى العديد من الفعاليات والأحداث الاجتماعية. هل التقينا بالأمسية الموسيقية للسيدة بول وورجر؟»

«أنا من أسألك يا سيدتي.»

«حسنًا أظن أننا التقينا هناك. كان هناك عدد كبير من الأشخاص في هذه الأمسية، حوالي خمسمائة شخص على ما أعتقد. أنت تعرف مدى ضخامة …»

قاطعها قائلًا: «معذرة، هلا اتصلت بالسيدة بول وورجر، وسأتحدث أنا معها؟»

قالت بحماس: «بالطبع، سأفعل ذلك على الفور.»

عندما عادت، أخبرته أن السيدة وورجر ستتحدث إليه. شكرها، وابتسم لها ابتسامة باهتة، ثم أغلق الباب خلفه، وتوجَّه نحو الهاتف في الرَّدْهة الصغيرة. تفاجأت السيدة وورجر عندما وجدت أن المتحدث هو ضابط تحريات، لكنها أجابت عن أسئلته بسرعة، وأقرت بأن السيدة هوو قد حضرت أمسيتها الموسيقية، لكنها أنكرت معرفتها بأي أمير يدعى تشافالز.

قال: «قد تكون السيدة هوو أخطأت بشأن الاسم. فالأسماء الأجنبية يا سيدتي تكون صعبة، وخاصة الروسية.»

قالت: «الشخص الوحيد الروسي في دائرة معارفي هو أستاذ قدير صاحب آراء ليبرالية. وهو لا يؤمن بالشيوعية الروسية، لكنه أيضًا ضد المتطرفين من الروس البيض. واسمه فينوكولوف.»

قال: «إذن أنتِ لا تعرفين أي شخص روسي بهذا الاسم. شكرًا لك يا سيدتي»، وأثناء حديثه كان يقظًا وظل يُنصت جيدًا لسماع أي أصوات قادمة من الغرفة خلفه، وكان يمسك في يده اليسرى مرآةَ جيب صغيرة، ليتمكن من رؤية باب غرفة جلوس السيدة هوو. وبينما كان يُنهي المكالمة، رأى الباب قد فُتح نحو نصف بوصة، وسرعان ما أُغلق مرة أخرى بهدوء وهو يلتفت.

سألت بلهفة: «ماذا قالت السيدة وورجر؟»

نظر إليها متجهمًا. وقال: «قالت إنها لا تعرف أيَّ أمير يدعى تشافالز.»

بدت السيدة هوو مندهشة، ثم بدا أن فكرةً ما قد طرأت بذهنها. قالت: «ولكن، حسنًا. لا بد أنه كان متطفلًا. هذا النوع من الرجال من شأنه التصرف بهذه الطريقة، أليس كذلك؟»

«هل أنت متأكدة من أنك التقيت به في أمسية السيدة وورجر؟»

«نعم، أغلب الظن.»

قال ديفينش بجدية أكثر من أي وقت مضى: «أتعلمين، تقول السيدة وورجر إنها كانت حريصةً كل الحرص في تلك الليلة على عدم إدخال المتطفلين. دعيني أخبرك أنني أيضًا فكرت في هذا الاحتمال. لكنني علمت منها أن كل ضيف كان عليه تقديم بطاقة زرقاء.»

قالت: «نعم، لكن من الواضح أن هذا الرجل كان مزورًا. أخبرتك …»

توقفت، وعقدت حاجبيها واتجهت نحو مكتب وعادت ومعها مفكرة صغيرة أخذت تتصفحها سريعًا.

صاحت قائلة: «يا لغبائي! كان عليَّ أن أتذكر. لقد التقيت بهذا الرجل في حفل السيدة باليل. اسمح لي أن أتصل بها بعدها يمكنك التحدث إليها.»

أومأ ديفينش برأسه إيماءة مقتضبة، فوضعت المفكرة جانبًا واتجهت نحو الهاتف.

علت ابتسامةٌ صفراء وجهَ المحقق وهو جالس بمكانه. كان عازمًا على إعطاء السيدة هوو الحبل بما يكفي لتشنق به نفسها، وظلَّ منتظرًا دقيقتين دون حَراك حتى عادت لتعتذر عن تأخيرها في الاتصال، ولإبلاغه أن السيدة باليل سوف تتحدث إليه.

بعدها نهض واتجه ثانية إلى الهاتف.

قال: «المحقق ديفينش من سكوتلانديارد يتحدث.»

ردَّ صوت أنثوي رقيق: «تريد أن تسألني عن شيء أيها المحقق، أليس كذلك؟»

«بلى يا سيدتي. أريد أن أعلم إن كنت تعرفين شخصًا يُدعى الأمير تشافالز، مهاجر روسي ينتمي إلى طائفة «البيض». وأيضًا أريد أن أعرف إن كان من الممكن أن تكون السيدة هوو قد التقت به في منزلك؟»

«نعم، أعرف الأمير. إنه شخص غامض إلى حدٍّ ما، وقد التقيت به مرة أو مرتين فقط. ربما تكون السيدة هوو التقت به هنا، ما دامت تقول ذلك.»

قال ديفينش: «شكرًا لكِ يا سيدتي، أنا ممتن لكِ جدًّا»، ثم أغلق سماعة الهاتف.

وفي الحال عاد إلى السيدة هوو، وأخبرها أن السيدة باليل قد أكدت كلامها، وغادر الشقة معتذرًا عما سبَّبه لها من إزعاج.

فور نزوله إلى الشارع، توجَّه إلى أقرب كابينة هاتف واتصل بمكتب السنترال.

ساعده ذكر رتبته ووظيفته على التواصل في الحال مع أحد كبار المسئولين، الذي سأله عما يمكن أن يساعده به.

أعطاه ديفينش رقمَين هاتفيَّين، وأضاف قائلًا: «منذ دقائق اتصل صاحب الرقم الأول بالرقم الثاني. هل يمكنك إخباري باسم صاحب الرقم الثاني؟ ربما من الأفضل أن تعطيَني اسم وعنوان كلٍّ منهما بحيث لا يكون هناك أيُّ مجال للخطأ.»

في غضون عشر دقائق حصل على رد. «هناك شيء غير مفهوم أيها المحقق. لقد أجرى صاحب الرقم الذي ذكرته أولًا (الشخص الذي قام بالاتصال) مكالمتين: الأولى للسيدة بول وورجر، لكن الرقم الثاني لم يتم الاتصال به على الإطلاق. إنه رقم سيدة تُدعى باليل.»

قال ديفينش وهو يبتسم: «حسنًا. لم يتم الاتصال بالسيدة باليل على الإطلاق. هلا تفضلت بمعرفة اسم الشخص الذي أُجريت معه المكالمة الثانية؟ لقد حصلت على رقم السيدة باليل من دليل الهاتف هنا.»

انتظر مرة أخرى، شاعرًا الآن بالانتصار. وأخيرًا عاد صوت مسئول السنترال مرة ثانية واضحًا.

قال الموظف: «في المرة الثانية، اتصلت السيدة هوو بسيدة تدعى الآنسة مينَّا لاردر، وهي مقيمة ﺑ ٦٦٦ سلون ستريت.»

قال ديفينش: «أنا في غاية الامتنان لك»، ثم وضع سماعة الهاتف، وغادر الكابينة، وعلى الفور استقلَّ سيارة أجرة متجهًا إلى ٦٦٦ شارع سلون ستريت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤