الفصل الثاني والعشرون

عندما قدَّم ديفينش تقريره وسلم الإفادة الموقعة التي سلمتها له السيدة هوو، عاد إلى منزله، وأشعل غليونه، وجلس يُفكِّر في الموقف عمومًا.

بدأ بإخراج بعض الأوراق، ومحاولة تلخيص ما للمشتبه بهم والشهود وما عليهم، ذاكرًا إياهم بالترتيب الذي يبدو أنهم ظهروا به بطبيعة الحال.

جعل عنوان الصفحة الأولى السيد كيفيم، وكتب يقول:

«لا توجد حُجَّة غياب في هذه الحالة؛ ولكن عدم وجودها، بوضع شخصية الرجل في الاعتبار، في صالحه؛ كذلك أفترض أن جريمتَي القتل قد وقعتا قبل الوقت الذي غادر فيه شقته. شهادة السيدة هوو، برغم احتمال تحيزها له من منطلق حقيقة (أو افتراض؟) حبها له، تميل إلى إقناعي بأنه بريء. دافع الغَيرة، وهو الدافع الوحيد بالنسبة إليه، دافع قوي، ولكن لا يوجد دليل على معرفته بعَلاقة الآنسة تيومر بالسيد ماندر.

السيد كين. الصلة الوحيدة له بالقضية هي امتلاكه قدرًا من المعرفة بالطائرات، وادعاؤه بأنه مخترع الطائرة، التي سرقها السيد ماندر منه، وكراهيته للمدير (وهو ما قد يكون في جزء منه خطأ كيفيم). إن حقيقة أن هناك بعض الأدلة تدين كيفيم ليست معروفة لدى كين. فكيف له، مثلًا، أن يعرف أن كيفيم سيخرج بمفرده في مساء الأحد؟ استخدام رَصاصة مغلفة بالفولاذ، إذا كان المراد من إطلاقها في الحاجز الرملي توريط كيفيم، المعروف بكونه قناصًا، فإن الرصاصة التي أُطلقت على السطح من شأنها أن تشير إلى وجود أدلة مختلقة. ولكن ليس لدينا ما يثبت أن كين هو من اختلق هذا الدليل، أو أنه تواجد فوق السطح في أي وقت بعد واقعة الهبوط المحظور للطائرة في وقت سابق من العام.

ويبلي. هذا الرجل ليس مثارَ شكٍّ للدرجة، ولكن لا يوجد دليل على أنه هبط بالطائرة فوق سطح الشقة في ليل أحد أيام الآحاد في شهر نوفمبر، بَيد أن قدرًا كبيرًا من الأدلة التقنية تُفنِّد هذه النظرية. رغم ذلك، يجب أن يخضع الرجل للمراقبة. لو أنه لم يقُدِ الطائرة إلى لندن في تلك الليلة، فربما يكون قد سافر إلى المدينة دون أن يعلم أحد بذلك بحكم أنه يعيش بمفرده في كوخ. لقد اعترف أن السيد ماندر قد قدَّم له رشوة ليخدع كين ويسلبه حقوق ملكية اختراعه. ربما لم تكن السيدة هوو هي الشخص الوحيد الذي سنحَت له فرصة ابتزاز ماندر بتصرفاته المخادعة.

السيد بيدن-هايث. نوعية غريبة من الرجال المتعلمين الذين تدهور بهم الحال، ويبدو أنه يحاول الآن تحسين وضعه. به مكرٌ طفولي في بعض النواحي، ولديه طريقة صبيانية للغاية في اختلاق القصص واستبدال قصة بغيرها حين يُكتشف أمرها. في أسلوبه إجمالًا ما يقنعني بأنه ليس من نوعية الرجال الذين يرتكبون جريمة قتل بدم بارد. على النقيض من ذلك، يجب أن أعترف بحقيقة أنه كان إلى حدٍّ ما تحت تأثير الشراب مساء الأحد، وأنه تواجد بالفعل في الشارع الخلفي، وحاول وَفق اعترافه أن يدلف إلى شقة ماندر عبر الباب الخلفي. إن مشاعره تجاه ماندر واضحة جدًّا، وإن كان من السهل أن تُعزى إلى حقيقة أن أمه كانت مغرمة بالرجل، هذا أولًا. وثانيًا أنه سمع شائعات تفيد بأن ماندر يتلاعب برأس المال الذي أمدَّته به السيدة بيدن-هايث. وباعتباره الوريث لأمه، فإن مثل هذه الحقائق من شأنها أن تضربه في مقتل. هناك أيضًا حقيقة أن بإمكانه الدخول إلى المتجر (في ظل تستُّر الحارس عليه، الذي يدين إليه بالولاء ويعمل لديه سرًّا).

السيدة هوو. بدت من نوعية أكثر تعقيدًا من المبتزين من النوعية المعتادة، وإن كانت مثلهم في القسوة والجُبن وسهولة إرهابها مثل ضحاياها عندما يتعلَّق الأمر بالمواجهة. لا شك أنها كانت موضع ثقة الآنسة تيومر، ولا توجد شكوك كثيرة في أن تيومر لم تكن تعي الطريقة التي تنتوي هوو استغلال هذه الأسرار بها. لقد أكدت أنها سمعت عن جوازَي السفر المزورَين، وهو ما يُستشف منه أنها كانت بصدد استغلال هذه المعلومة للحصول على أموال من ماندر. (ملحوظة: هل من المحتمل أن يكون ماندر قد شكَّ في تورط تيومر في هذه اللعبة كذلك، وقتلها ليضمن سكوتها؟) لقد اتصلت بالسيد جاي في ريدهيل، وأكد حجة غياب السيدة في تلك الليلة.

مان. يُعد هذا أكثر الشهود المحيرين بالنسبة إليَّ من نواحٍ عدة. يبدو أمينًا، ولكنه في الوقت نفسه يبدو أيضًا عنيدًا بطبيعته، رغم ما يقال عنه من أنه شخص عصبي وجبان. خدمته في الجيش لا يُعوَّل عليها بأي حال؛ نظرًا لأن الجنود النظاميين القدامى لم يكن منتظرًا منهم القتال بالضرورة، وكان بينهم بعض الأشخاص المسالمين. من الواضح أنه لم يستطع أن يرى الكثير في المتجر المظلم، بالإضافة إلى تعطُّل الميكروفون، فربما لم يسمع ولو خطوات خافتة، في حين تعمل المصاعد بلا صوت يُذكر. بالإضافة إلى ذلك، فقد اعترف أنه كان يُهمِل واجبات عمله أحيانًا، ليعمل لحساب السيد بيدن-هايث، متقبلًا بذلك وجهة نظر الأخير عن أن أسرته ما دامت تدفع أجر الزمَّار، فإنهم يتحكمون في الإيقاع. وهذا منطق مألوف كفاية بالنسبة إلى رجل بسيط مثله.

وما يُفنِّد تورُّط مان في الجريمة حقيقة أن معطف تيومر وقبعتها كانا جديدَين، وقد أعيدا إلى القسم الذي أُخذا منه. ومن الوارد إلى حدٍّ كبير أن يقوم حارس ليلي بتسلية نفسه في المساء بمشاهدة المعروضات المختلفة في المتجر، ولكن هل للرجل الذي لا يتسلَّم عمله إلا في العاشرة مساءً أن يكون على علم بأن الآنسة تيومر قد اشترت الأشياء المذكورة من متجر ماندر؟»

انتهى ديفينش من تدوين ملاحظاته وتدخين غليونه في اللحظة نفسها. واستلقى بظهره على كرسيه، وقرأ الملاحظات بتمعن، ثم وضعها جانبًا، وترك ذهنه يُقلِّب الموضوعات المختلفة التي أثارتها القراءة.

شيء واحد لفت نظره بشدة، وكان قد غفل عنه، وإن كان عن قصد. لم يذكر القفاز المفقود؛ لأنه ربط بينه وبين قطعة السجاد المفقودة ولم يرغب في أن يربط عشوائيًّا بين أي من هذين الغرضَين وأي شخص على قائمته.

لو كان مان يمتلك مسدسًا، فلا شك أنه أخفاه. فأجهل الناس يدركون أن ثمة عمليات تفتيش ستُجرى حتمًا؛ ومِن ثَم سيحرصون على التخلص من دليل الإدانة. ولو كان مان ضالعًا في الجريمة، لَتخلَّص من قطعة السَّجاد أيضًا.

لم تكن شهادة الخبير، التي طلبتها شرطة سكوتلانديارد بخصوص الرَّصاصة التي عُثر عليها في الحاجز الرملي فوق السطح، لتلقى قَبولًا قاطعًا لدى ديفينش لولا وجود دليل يدعمها، وهو تلك القطعة الصغيرة من السجادة السميكة. غير أن السجادة نفسها أضافت تعقيدًا جديدًا إلى القضية. فما كانت ستُزال، ويوضع مكانها القطعة الاحتياطية، لو لم تكن مُلطَّخة بشدة بالدماء. ولو أنها تضرَّرت إلى هذا الحد، فإن ذلك يدلُّ على أن إحدى الجريمتين على الأقل قد وقعت في ذلك المصعد.

في صباح اليوم التالي، قام ديفينش بزيارة الخبير الذي فحص الرَّصاصة. كان هذا الخبير هو السيد جرين، وهو رجل حازم وقاطع نوعًا ما، كما ينبغي أن يكون الرجال عندما يعتادون الإدلاء بشهادة الخبراء في موضوع تخصُّصهم.

استمع إلى ديفينش، ثم أومأ برأسه، وبدا عليه الاهتمام.

وعلَّق قائلًا: «طبيبكم هذا مثل جميع الهواة. لديه غيض من المعرفة وفيض من الغرور.»

«ولكن ظننت أن ثمة إجماعًا على أن الرَّصاصة كانت من نوع الرَّصاصات العالية السرعة، أليس كذلك؟»

«كان هذا بناء على افتراض أنها خرجت من جسد الرجل، ثم اختفت.»

«وماذا عن طبيعة الجرح؟»

«هذه مُهمَّة الطبيب. أنا لا أشغل نفسي بما هو خارج اختصاصي، ومن المؤسف أن طبيبك لا يفعل الشيء نفسه.»

«هل لديك أي فكرة عن نوعية الرَّصاصة التي قد تكون استُخدِمت؟»

هزَّ الخبير كتفَيه. وقال: «حسنًا، لم تكن رَصاصة مُتشظِّية أو متفجرة. أرى أنه ربما يكون — أقصد الجرح بالتأكيد — نتيجة رَصاصة انطلقت من مسدس عيار ٠٫٣٢ مثلًا. وكما تقترح أنت، فحقيقة عدم العثور على الرَّصاص لا تثبت أنها نفذت واستمرت في مسارها حتى اختفت بعيدًا عن الأنظار. فمن شأنها أن تتباطأ سرعتها بسبب الاصطدام بالأنسجة والعضلات، وربما انحرفت بفعل اصطدامها بعظمة.»

«هل من الوارد، في رأيك، أن يعترض طريقها فجأة قطعة سميكة من السجاد؟»

«وارد جدًّا أيها المحقق. نحِّ جانبًا فكرة السرعة العالية في الوقت الحالي.»

«كان طبيبنا مشاركًا في الحرب، ولديه دراية بالجروح.»

ابتسم جرين. وأردف قائلًا: «عليك أن تضع في الحِسبان أن الآراء تتأثر بما يبدو كأدلة مؤيدة. لديَّ صديق شاب يخضع لاختبار طبي، وطُلب منه تشخيص حالة أحد المرضى، فرأى جبيرة واستنتج وجود كسر. لو أنه لم يرَ شيئًا، فلَربما كان قد اكتشف الشكوى الحقيقية للمريض. لقد لاحظ طبيبكم وجود رَصاصة صغيرة عالية السرعة في مسرح الجريمة. إنه يحسب أنه أخبرك بما اكتشفه من فحص الجرح؛ ولكن الحقيقة أنه كان يخبرك بنوعية الجرح الذي من شأن هذا النوع من السلاح أن يتسبب فيه، إذا كان قد استُخدِم.»

ابتسم ديفينش هو الآخر. وقال: «أجد نفسي أرتكب هذه النوعية نفسها من الأخطاء أحيانًا. حسنًا، هل أنت متأكد تمامًا من أن الرَّصاصة التي وجدتُها لم تخترق جسدًا بشريًّا؟ كان افتراضي بالطبع أن اختراقها للرمال قد نظفها.»

قال جرين عن اقتناع: «لقد مرت عبر الرمال وحسب. ولكن ما رأيك أن نُجريَ تجربة؟ لديَّ مسدس آلي عيار ٠٫٣٢ هنا. يمكننا أن نذهب إلى المتجر ونجربه هناك.»

قال ديفينش: «ليس لدينا الجثة اللازمة لذلك.»

ردَّ جرين قائلًا: «يمكننا أن نطلب إرسال خروف معنا إلى هناك. إلى متى سيظل المتجر مغلقًا؟»

«لا نستطيع أن نحدد بعد. لقد تحدث رجالنا مع السيدة بيدن-هايث بخصوص ذلك؛ أو بالأحرى تحدثوا مع محاميها. فهي المالك الفعلي للمتجر.»

أومأ جرين برأسه. وقال: «سوف يكون علينا أن نجعل الخروف يحدد الوقت. فهذا سيعطينا خطًّا عامًّا لسير القضية. هل يمكنك أن ترسل خروفًا، وليكن ملفوفًا بعناية، وسألتقي بك هناك بالسلاح والذخيرة في غضون ساعة.»

قال ديفينش وهو يغادر: «سأرتب ذلك على الفور.»

بعد إجراء الترتيبات لإرسال جسد خروف مذبوح إلى المتجر وتسليمه عبر المدخل الخلفي، ذهب ديفينش لاصطحاب الرقيب ديفيز وذهبا معًا. كان ديفيز مشغولًا بقضية الحارس، ولكن لم يكن لديه شيء يدعو للاهتمام ليرويه.

قال لديفينش أثناء سيرهما معًا: «لا أظن أن الرجل كان لديه سلاح يا سيدي. فلم ترَه زوجته مطلقًا يحمل سلاحًا، ولم تسمع أنه اشترى واحدًا. كما أنها تظن أنه متوتر لدرجة تُعجزه عن استخدام السلاح من الأساس.»

ابتسم ديفينش. «حسنًا، حريٌّ بها أن تعرف ذلك، وشهادتها التي أدلت بها لكَ على انفراد عن افتقاره إلى الشجاعة ذات نفع. ولكنني لا أقبل هذا الاستنتاج بعد.»

عندما وصلا إلى المتجر لم تكن الذبيحة قد وصلَت بعد، إلا أن ديفينش رتَّب مع اثنين من رجال الشرطة في المناوبة لاصطحاب الخروف لأعلى فوق السطح عندما يصل.

وأثناء صعودهما إلى شقة ماندر ودخولهما إياها قال لديفيز: «لا أعرف المقاومة النسبية التي تتيحها أنسجة وعضلات الخروف والإنسان، ولا الفارق الذي يحدث حين تكون الجثة لحيوان نافق، ولكن هذا أفضل ما يمكننا القيام به في الوقت الحاضر، وربما يعطينا إشارة على حد قول جرين. سنُجري التجربة بالأعلى في الهواء الطلق، تفاديًا لارتداد أي شظايا. بالمناسبة، لقد نسيتُ أمر قطعة السجاد الخاصة بالمصعد؛ هلا نزلت وأحضرت واحدة؟»

«ولكن ألن يكون في ذلك إفساد لها باعتبارها أحد أحرازنا يا سيدي؟»

«أقصد أن تأتي بواحدة من المصاعد الأخرى. فجميعها ذات نمط مماثل من السجاد ذي الوبر السميك. أحضر كذلك قطعة مشمع الأرضية الموجودة أسفلها. لعلنا بذلك نوفر ظروفًا مشابهة قدر الإمكان.»

«إذن، هل تعتقد أن ماندر قد أُطلقت عليه النار في المصعد يا سيدي؟»

«لا أعرف. ولا أحد يعرف. ولكننا سندرس مدى احتمالية ذلك.»

أومأ ديفيز برأسه، وانصرف، ثم عاد بعد بضع دقائق بالأغراض التي طُلبت منه. وفي الوقت نفسه تقريبًا، وصل السيد جرين ومعه مسدسان آليان، أحدهما عيار ٠٫٣٢، وعلبتان صغيرتان من الذخيرة. كان يتحدث مع ديفينش والرقباء عندما طرق شرطي باب الشقة ودخل ليقول إن الخروف موجود الآن في هذا الطابَق.

قال ديفينش: «سيكون عليك أن تُحضره إلى هنا، يا روبينز. أعرف أنه لا توجد إلا طريقة واحدة للوصول إلى السطح. ضعه بالقرب من أحد الحواجز الرملية.»

لم يكن من المحتمل أن يسمع المتواجدون في الشوارع المحيطة صوت طلقات النار عاليةً للدرجة فوق السطح المرتفع، وكانوا على أي حال سيحسبونه صوت اشتعال عكسي لمحرك ما. وبقدر من المشقة، وُضعت قطعة المشمع على السطح، ومن فوقها قطعة السجاد، وعليها وُضعت جثة الخروف بوضعية من المرجح أن تُتيح اصطدام الرَّصاصة بالسجادة، إذا اخترقت الجثة، ولم يعُقْ طريقها عظمة أو عضلة.

وباستخدام المسدسين تباعًا، بنوعين من الذخيرة، والتصويب على جسد الخروف على مسافة تتراوح بين ثلاث أقدام إلى عشر، أجرى السيد جرين تجربته الصعبة بينما راقبه ديفينش عن كثَب وأملى ملاحظاته على ديفيز، الذي قام بتدوينها في مفكرته. وبعد ستِّ محاولات، فشلت طلقتان في الخروج، واصطدمت اثنتان بإحدى عظام الخروف وخرجتا، واختفتا بسهولة في الحاجز الرملي، واخترقت واحدة كلًّا من المشمع والسجادة، بينما علقت الأخيرة في الوبر السميك للسجادة.

علَّق الخبير أثناء استعراضه هذه الطلقة الأخيرة، قائلًا: «هذه هي النتيجة التي ترغبها أيها المحقق. ولكن طلقة واحدة من ستِّ طلقات ليست كافية. يجب أن نضع الخروف في وضعية أخرى، وسأحاول مرة أخرى.»

قال ديفينش: «من المحتمل أن الطلقة التي أصابت ماندر لاقت القَدْر نفسَه من المقاومة الذي لاقته هذه الطلقة الوحيدة، ولكن، كما قلت، سيكون من الأفضل أن نجرب مرة أخرى.»

أُعيد ترتيب وضع الذبيحة، وأُرسِل ديفيز إلى كبير الخدم بالأسفل ليحضر طاولة مطبخ. وعندما أُحضرت الطاولة لأعلى، وضِعت إلى جانب الخروف، وصعِد فوقها جرين، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة أثناء قيامه بذلك، واستأنف تجاربه.

أسفرت محاولة ثانية من ست طلقات عن عدم نفاذ طلقتين لما هو أبعد من وبر السجادة، وأعلن ديفينش رضاه عن النتيجة الحالية.

أُبعدت الطاولة، وأُزيلت الذبيحة، ونزل الرجال الثلاثة إلى الشقة وجلسوا يدخنون ويناقشون الأمور.

قال جرين: «لو كان ماندر قد قُتل داخل ذلك المصعد، أظن أنك كنت ستجد تلك السجادة السميكة غارقة بالدماء. ولربما تراكمت كمية كافية من الدماء لتترك بقعة صغيرة أسفلها.»

تساءل ديفيز قائلًا: «ولكن كيف أُطلقت النار على ماندر داخل المصعد يا سيدي بينما قُتلت السيدة بالأعلى؟»

«هل أنت متأكد من أنها قُتلت بالأعلى؟»

قال ديفينش: «من المستبعد أن تكون بقع الدماء الموجودة على الرمال خاصة بماندر، لو كان بالأسفل، كما أن الكدمات الموجودة أعلى ذراعها توحي لي بأن أحدهم أمسك بها من الخلف ودفعها أمامه عبر السُّلَّم المؤدي إلى السطح.»

هزَّ جرين كتفَيه. وقال: «ولكن أوما كانت ستصرخ؟»

ابتسم ديفينش. وقال: «لعلها فعلت. ولكني أشك إن كان أحد سيسمعها، أو يأتي ليُنقذها. إذا صرخت من هذا الارتفاع، فسيكون صوتك ضعيفًا جدًّا بالأسفل.»

أضاف ديفيز قائلًا: «وإذا سمعت صرخة من بعيد، فمن الصعب أن تنظر لأعلى في الهواء لتحدد مصدرها في ليلة ظلماء من ليالي شهر نوفمبر يا سيدي. من الغريب مدى صعوبة تحديد مصدر أي صوت في المساء. كما أن الجميع سيظنون أن المتجر مُغلَق في يوم الأحد؛ ومَن ثَم سيبحثون عن الشخص الذي يصرخ في الشوارع من حولهم، لا فوق سطح هذا المبنى.»

وافقه جرين الرأي. «لم أفكر في ذلك من قبل.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤