الفصل الرابع والعشرون

كان السيد جرين يمتلك متجر أسلحة في شارع نيو بوند ستريت، وقام ديفينش بزيارته في اليوم التالي وتبادل معه حديثًا قصيرًا. وعندما خرج من المتجر، ربَّت أحدهم على كتفه، فاستدار ليجد أمامه جيمسون بيدن-هايث.

كان وجه جيمسون يشعُّ بالابتسام. ولأول مرة منذ أن التقى بديفينش بدا في حالة من الابتهاج والنشاط. كان وجهه متوردًا قليلًا، وعيناه أكثر صفاءً، وأسلوبه أقل فتورًا من ذي قبل.

قال: «مرحبًا أيها المحقق، أنت أكثر شخص كنت أرغب في رؤيته. هاي العجوز مشغول، ويريد أن يعرف متى يمكن افتتاح ذلك المتجر اللعين مرة أخرى. لقد كتب إلى والدتي بخصوص ذلك هذا الصباح.»

فكر ديفينش لبرهة. ثم قال: «لا يمكنني أن أحدد. أتمنى أن يكون ذلك قريبًا.»

«قريبًا، حقًّا؟ أظن أننا في طريق العودة إلى المسار الصحيح أخيرًا. وبالمناسبة، ما رأيك في تناول فنجان من القهوة معًا؟ ثمة محل للحلوى والمشروبات قريب من هنا.»

ابتسم ابتسامة واسعة قليلًا وهو يقول هذا، وابتسم ديفينش أيضًا.

«شكرًا لك.»

قال بيدن-هايث وكأنه يخبره سرًّا: «الحقيقة أنني من نوعية الأشخاص الذين يخاطرون بكل شيء من أجل النجاح في شيء واحد. لا تعرف إن كنت قد أقلعت عن الشراب تمامًا أم غارق فيه حتى الثمالة. ولكني بدأت أعتاد تدريجيًّا على المشروبات غير الكحولية؛ رغم أن مشروب الكاكاو قد غلبني قبل أن أبدأ سباق الإقلاع عن الكحوليات. بالمناسبة، هل أخبرتك بأن عليك أن تبارك لي؟»

هزَّ ديفينش رأسه نافيًا، وهو يهمُّ بالدخول في أعقاب جيمسون إلى المقهى الأنيق. ثم قال مستشعرًا مصدر ذلك التألق الجديد البادي عليه وتلك المحاولة المستميتة «للحفاظ على سريتها»: «كلا، لم أسمع الخبر يا سيدي.»

تقدَّم جيمسون الطريق وقاده إلى ركنٍ هادئ وطلَب فنجانَين من القهوة. قال: «تفضل سيجارًا.» ثم أردف قائلًا: «لا ألتفت كثيرًا إلى الحِكم الفلسفية أيها المحقق، ولكن يا إلهي، هذه المرة كان الصبر مفتاح الفرج فعلًا. أتعرف، إنه أطرف شيء في العالم. أقصد مرابطتي في منزل السيد ويليام لساعات وأنا ثمل بعض الشيء.»

علق ديفينش ضاحكًا وهو يشعل سيجاره: «أتظن أن ذلك قد أحدث تأثيرًا يا سيدي؟»

قال جيمسون وهو يشعل سيجاره هو الآخر: «قطعًا أحدث تأثيرًا. شيء لم أكن أحلم بالقيام به وأنا بكامل قواي العقلية، ولكنه أتى بثماره. ظننت أنه حريٌّ بي أن أخبرك، بما أنك تعلم كم كنت أحمق.»

أومأ ديفينش. «السيدة نفسها، أليس كذلك يا سيدي؟»

«بالتأكيد. الحقيقة أنني كتبت إليها، وأخذت خطوة. أنا مدين لها بذلك. وهكذا ترتبت الأمور؛ وهذه القهوة شاهدة على ذلك. أنا رجل محظوظ جدًّا أيها المحقق!»

هنَّأه المحقق من كل قلبه. لقد رأى شيئًا طيبًا وجذابًا في رفيقه؛ شيئًا ساعد في تفسير إخلاص مان لضابطه السابق.

واستطرد جيمسون قائلًا: «لقد تعامل السير ويليام أيضًا مع الأمر باحترام شديد، رغم أنني لا أعرف إن كان سيستهويه أن يراني ببذلة السجن الأنيقة، كما يسميها الخياطون؛ أظن أنني قد شُطبت من قائمتك بلا شك أيها المحقق؟»

«أعتقد أنني أستطيع طمأنتك بشأن هذه النقطة يا سيدي. يخيل إليَّ أنك ستتمكن من ارتداء ثيابك الرسمية الأنيقة المعتادة. أما بخصوص مان، فثمة نقطة أو اثنتان صغيرتان أود أن أستوضحهما.»

ضاقت عينا جيمسون قليلًا، ثم أومأ برأسه. وعلَّق قائلًا: «تابع حديثك.»

«أود أن أعرف التوقيت الذي تحدثت فيه إلى مان عند الباب الخلفي للمتجر، بالتقريب قدر استطاعتك.»

أخبره جيمسون بما أراد. ثم قال: «أي شيء آخر؟»

«في رأيك، كم من الوقت استغرقت في الحديث؟»

«أظن من عشر دقائق إلى ربع ساعة. من الصعب أن أحدد بالضبط.»

«هل تركك بعد ذلك وأوصد الباب، ولم يخرج ثانيةً؟»

«دخل، وسمعته يوصد الباب، ولكن لا أستطيع أن أحدد إن كان قد خرج مرة أخرى. ربما خرج في وقت لاحق، لا أعلم.»

«ألم يطلب منك أن تأخذ شيئًا لتسليمه بدلًا منه؟ لا أظن ولو للحظة أنه فعل ذلك، ولكن يجب أن أسأل.»

«كلا. كن على يقين تام من ذلك. فأنا أكره حمل تلك الطرود اللعينة، حتى إن كانت لا تزن جناح بعوضة، وبالتأكيد لم يكن مان ليُقدِم على التفكير في تكليفي بذلك.»

أومأ ديفينش. ثم قال: «بينما كنت واقفًا في الشارع الخلفي، ألم تسمع صوت طلقة نارية أو صرخة؟»

«إطلاقًا. عجبًا لك، ما زلت ترتاب في أمر مان العجوز. هذا يبدو لي مضيعة للوقت. فما كان ليفعلها؛ فليس لديه سبب لفعلها، وما كان ليفعلها لو كان لديه سبب.»

فرغ ديفينش من تناول قهوته، وأخذ نفَسًا من سيجاره، وثبَّت ناظرَيه على وجه جيمسون الذي بدا ممتعضًا نوعًا ما.

«هل سبق أن خطر ببالك يا سيدي أنك كنت تحمل ضغينة ضد القتيل، وأن الحارس كان يعلم بها، ولربما بالغ في شعوره بمرارتها؟»

«مان؟ حسنًا، ربما فعل. لقد كنت أستخدم لغة ساخطة جدًّا في الحديث عن هذا النذل.»

«إذن، كان يعرف أنك تقف في الشارع عندما عاد إلى الداخل وأغلق الباب، وأنك على بُعد بضع ياردات من السُّلَّم الخاص بماندر. لعله قال في نفسه إنك دخلت، وبما أنك لم تكن في وعيك، ارتكبت الجريمة.»

حكَّ جيمسون رأسه. وأردف قائلًا: «إنه رجل عنيد بعض الشيء بالفعل، ولكنه بالتأكيد لا يحسب أنني أتجوَّل في غرب لندن، وأنا مُدجَّج بمسدس، أو سلاح، أو أيًّا كان اسمه في الأفلام. لا أقول إنه لن يبذل نفسه في سبيل حمايتي، لو كان يعتبرني قاتلًا هاويًا؛ لأنه أكثر رجل قابلته في حياتي حفظًا للجميل إلى حد يشعرك بالخجل. ولكنه إذا كان يعتقد أنني قتلت الرجل، فلماذا تصور أنني مثَّلت بجثة الفتاة بتعليقها في واجهة العرض؟ أكان يظن أنني عاشق مُحطم الفؤاد أنا أيضًا، مثل ذلك المدعو كيفيم؟»

ضحك ديفينش. ثم قال: «هل أنت مهتم بأمره يا سيدي؟»

«يجب أن أكون مهتمًّا يا عزيزي. إنه يجبرني على هذا! مان أشد وفاءً من الكلاب عندما يضطلع بمهمة الحراسة. ولكني سأكون في غاية الأسف حقًّا إذا وقع له أي مكروه.»

كان ينظر إلى ديفينش بنظرة من الجدية والتساؤل وهو يقول ذلك، وهزَّ المحقق كتفَيه.

«إنه يواجه خطرًا كبيرًا جدًّا بالاعتقال في اللحظة الراهنة يا سيدي، وكنت أتساءل عما إذا كان لك أي تأثير عليه.»

حدَّق جيمسون في ذهول. «لا تكن أحمق! اعتقال، بأي تهمة؟»

قال ديفينش بنبرة جادة: «إنه يعرف أكثر مما صرح به. لو كان لديه قدر من الحكمة، لخرج منها سالمًا.»

«ولكنك تضيع الوقت بملاحقته. ماذا عن كل هذه الأدلة، وكل هذه القرائن التي عثر عليها رجالك؟»

«وماذا عن تواجده في المتجر حتى الساعة التاسعة صباحًا في ذلك اليوم، بينما تنتهي نوبة حراسته ويغادر المتجر عادة في الساعة الثامنة؟»

«وماذا في هذا؟ لم يكن ليتسكع في المكان لو كان مذنبًا، أليس كذلك؟»

«لم يكن ليهرب لو كان مذنبًا.»

«ويسلم نفسه، كلا. ولكن كان سيعود إلى المنزل في الموعد المعتاد.»

هزَّ ديفينش رأسه نافيًا. وأردف قائلًا: «ويمكث في المنزل ويتساءل ما إذا كان موضع شك؟ هذا النوع من الرجال يودُّ أن يعرف أسوأ السيناريوهات. وإذا كان رجلًا عصبيًّا كما تصفه أنت وآخرون، فهذا ما كان سيفعله.»

«هذا احتمال قائم. ولكن ماذا عن الأدلة والقرائن؟»

أجاب المحقق بتمهُّل قائلًا: «تلك الأدلة الملتبسة والمحيرة توحي لي بأن الفاعل لم يُبيِّت النية مسبقًا لارتكاب الجريمة، ولكنه قرَّر في النهاية ضرورة التعتيم على القضية، وتوسيع دائرة المشتبه بهم، حتى لا نصل إلى الجاني الحقيقي.»

بدا على جيمسون الاهتمام. وعلَّق قائلًا: «لا شك أن هدف القاتل أن يُفلت بسلام، أليس كذلك؟ فإذا ترك وراءه أدلة زائفة، فلا بد أن يكون هذا بهدف توريط شخص آخر، ونفض الشكوك من فوق كاهله. وشخص بهذه الجرأة والقسوة لن يهتم بمن سيقع في المصيدة.»

«بالضبط يا سيدي، لا سيما إذا كان قد ارتكب جريمة قتل واتسم بالجرأة وقسوة القلب.»

«ولكنك تتحدث عن اعتقاله بتهمة القتل.»

«لم أقل قتلًا يا سيدي. الواقع أنه قد استُجلِيَت حقيقة دليل أو اثنين من الأدلة المحيرة. أعرف أن الطائرة لم تهبط على السطح في مساء يوم الأحد ذاك. وأعرف لماذا ذهبت الآنسة تيومر لزيارة ماندر، وفي رأيي أنه لم يكن هناك سوى جريمة قتل واحدة.»

«صديقي العزيز!»

أضاف ديفينش متجهمًا: «وجثتان! حسنًا، لعلِّي قلت أكثر مما ينبغي. أقصد أنني مقتنع بأنه لم يكن هناك سوى جريمة قتل واحدة فقط.»

«قتل وانتحار. فهمت ما تقصده.»

«ليس بالضبط. ولكن يجب ألَّا أقول أكثر من ذلك في الوقت الراهن.»

أومأ جيمسون. وقال: «حسنًا. أترغب في فنجان قهوة آخر؟»

«كلا، شكرًا لك. ولكن سأكون سعيدًا إذا ما استطعت أن ترافقني لزيارة مان. أود أن أطمئنه بأنك لم تَعُد تواجه خطر التورُّط في الجريمة، وأريد منك، فضلًا، أن تُقنع مان بأنه خير له أن يقول الحقيقة.»

أشار جيمسون إلى النادلة، ثم نهض من مكانه. وقال: «هيا بنا! سنستقل سيارة أجرة من الخارج، وننطلق على الفور. أشعر بأن من النذالة ترك ذلك الرجل يتورط في الأمر. زوجته أيضًا سيدة في غاية الاحترام واللطف. ولكن أشك أن باستطاعتي أن أجعل الأبكم يتحدث.»

غادرا المقهى واستقلا سيارة أجرة إلى منزل مان. كان قد استيقظ توًّا، على حد قول زوجته، وجلسا في الرَّدْهة الصغيرة وانتظرا خمس دقائق حتى نزل مان واستقبل جيمسون بسعادة بالغة. وحيَّا ديفينش باحترام، ولكن دون كثير من الحفاوة.

قال جيمسون وهو يمدُّ يده بعلبة سجائره: «خذ سيجارة يا مان. لقد جئت أنا والمحقق إليك لإجراء استجواب معك، وسنبدأ بالخبر السار بأنه قد انتهى من استجوابي، وجاء الحكم ﺑ «عدم ثبوت التهمة». ما زلت حرًّا، كما سيخبرك صديقي الآن.»

قال مان وهو ينظر نظرةً متوترة إلى المحقق المتبلد الحس: «يسعدني سماعُ ذلك، ولكن ما من أحدٍ بوسعه أن يظن أن بإمكانك فعلها يا سيد جيمسون.»

«بل فعلوا يا صديقي العزيز، فعلوا! ولكننا الآن نعمل على تحسين الأمور، ونودُّ أن نرى معك شهادة رسمية بالبراءة، إذا كنت تفهم ما أعنيه. الحقيقة يا مان أنك كنت غامضًا أكثر من اللازم في هذا الصدد، والمحقق لا يروق له الغموض. إذا كان هناك أي شيء يؤرقك وتود أن تزيحه عن كاهلك، فقد حان الوقت لكي تُفصح عنه. المحقق على استعداد ليمتدح كل فضائلك باستثناء اللغو والثرثرة، ما رأيك؟»

عضَّ مان شفته. وعلَّق قائلًا: «لا أرى ما يمكنني قوله أكثر مما قلته يا سيدي.»

نظر إليه جيمسون نظرة حادة. وأردف قائلًا: «فكر ثانيةً! هذا اجتماع صغير لطيف غير رسمي، ولكن ربما تُضطر إلى مواجهة أحد المحامين المتمرسين في الاستجواب، الذي من شأنه أن ينتزع منك كل شيء بمجرد النظر إليك. يعتقد المحقق أنك ربما كنت تقوم بحمايتي، ولكن بما أنني أقنعته بأنني لم أتورط في هذا الحادث المؤسف البغيض الأخير، فلا داعي لأن تخشى التحدث بصراحة.»

نظر مان إلى جيمسون نظرةً مثيرةً للشفقة نوعًا ما، وفتح فمه، ثم أغلقه مرةً أخرى، وهزَّ رأسه.

تحوَّل أسلوب جيمسون المازح إلى أسلوب غاضب. وأردف يقول: «لا تكن أحمق يا مان! أقول لك إن هذا الأمر يبدو خطيرًا بالنسبة إليك. هل تحاول التستُّر على شخص آخر من الخارج؟ إذا كنت تفعل ذلك، فأنت أحمق لا محالة، ولن يشكر لك أحد صنيعك هذا. هل تودُّ أن يعتقلوك وتواجه هذا الموقف العصيب في سكوتلانديارد؟»

حوَّل مان عينيه المذعورتين إلى ديفينش، الذي واجههما بعينين متجهمتين، وأومأ برأسه.

«إذا كنت تتمتع بالحكمة، فستفعل ما يخبرك به السيد بيدن-هايث.»

ولكن ظلَّ مان صامتًا، يقلب بصره من وجه لآخر في جزَعٍ وفزَع. حاول جيمسون من جديد.

فقال له: «هل تحاول التستُّر على أحد؟»

أجاب مان متلعثمًا: «كلا يا سيدي.»

هزَّ ديفينش كتفَيه في نفاد صبر. وقال: «حسنًا يا سيدي، لقد حاولت، وباءت محاولتك بالفشل، يؤسفني أن أقول ذلك. يجب أن أرى ما يمكنني القيام به.» وأدار عينيه نحو مان، وتابع قائلًا: «إذن، لقد كنا نُجري تحريات عنك، ونود أن نعرف شيئًا أو اثنين. أعرني انتباهك!»

«أنا مُنصت إليك يا سيدي.»

«بادئ بَدءٍ، لماذا لم تخبرني بأن لديك مسدسًا؟»

بهِت وجه مان بشدة. وسأله في تردُّد: «أي مسدس يا سيدي؟»

رأى ديفينش أنه سيواصل خداعه. فقد كان بالطبع يتمتع بالمزيَّة التي يتمتع بها جميع المحققين؛ فالشخص الذي كان يستجوبه لم يكن يعرف قدر ما يعرفه بالضبط. فأجابه قائلًا: «المسدس الذي اشتريته عندما توليت هذه الوظيفة.»

«لكن المسدس كان من قسم الألعاب الرياضية يا سيدي؛ أقصد ذلك المسدس الذي عثرت عليه الشرطة.»

«لا تحدثني عما عثرنا عليه! فلتلتزم فقط بالرد على أسئلتي. أعرف أنك كان لديك مسدس، ولكني على استعداد للاعتراف بأنك لم تشترِه إلا من أجل حماية نفسك؛ مسدس آلي عيار ٠٫٣٢، أليس كذلك؟»

لم يكن مان يجيد التمثيل، ولم يجهز أي دفوع ضد هذا النوع من التحقيقات. كان قد اشترى مسدسًا من أحد السائقين، كان يقوم بجولة مع سيده في دول البلقان، وشعر أن الشرطة لا بد أنها قد ألقت القبض على هذا الرجل. ونظرًا لما أبداه من تردد، تحدث جيمسون.

وقال: «اعترف يا مان! المحقق ديفينش لا يلومك على شراء مسدس. فمعظم الحراس الليليين يُزوَّدون بمسدسات. ولا أعرف السبب وراء عدم تزويدك بواحد.»

تدخل ديفينش مرة أخرى. «هذا صحيح. ما قولك؟»

قال مان مُغتمًّا: «أجل، كان لديَّ مسدس»، وأخبرهما ممن اشتراه. وأردف قائلًا: «ولكني لم أقتل أحدًا يا سيدي. لم أفعل حقًّا.»

أومأ ديفينش. «رائع. كان لديك مسدس آلي عيار ٠٫٣٢. هلا سمحت لي بأن ألقيَ نظرة عليه، وعلى الذخيرة التي تستخدمها فيه؟ لن يضيرك هذا في شيء، بل ربما يبرئ ساحتك تمامًا. من شأن السلاح أن يمنحك مزيدًا من الثقة بالنفس ليلًا، ولكن يجب أن ألقيَ نظرة عليه.»

دفعتهما النظرة الخاوية التي ارتسمت على وجه مان إلى النظر إليه بحدة. ابتلع ريقه، ثم شهق قائلًا: «ليس في حوزتي الآن يا سيدي؟»

«ليس في حوزتك؟ متى تخلصت منه؟»

«في يوم وقوع الجريمة يا سيدي.»

قطَّب ديفينش جبينه. وسأله: «وماذا فعلت به؟»

«ألقيت به في النهر يا سيدي من فوق أحد الجسور، حين لم يكن هناك أحد يلاحظ شيئًا.»

«وما السبب؟»

كان مان يتصبَّب عرقًا الآن، وبدا كشبح أعجف شاحب.

«بعد اكتشاف الجريمة وكنت بمفردي في المتجر، خشيت أن يُلقيَ عليَّ أحد اللوم.»

«لكونك بمفردك في المتجر، حيث كنت في نوبة حراسة؟ لا عليك»، ثم باغته ديفينش بسؤال: «أين خبأت المسدس الآلي حين خرجت؟ أريد إجابة فورية!»

تلعثم مان وهو يقبض على كرسيه بكلتا يديه في خوفٍ وتوتُّر بالغَين: «في حزام خصري.»

قال ديفينش في سخط: «وخضعت للتفتيش أثناء خروجك من المتجر. لقد نسيت هذا!» ثم التفت إلى جيمسون وأردف قائلًا: «أخشى أن أقول إنه لا فائدة من ذلك يا سيدي. لن يقول الحقيقة. أعتقد أن من الأفضل أن آخذه إلى سكوتلانديارد، فلست بحاجة إلى إذن بالقبض في قضايا القتل.»

كاد مان أن ينهار. ثم بذَل جهدًا بالغًا ليتمالك نفسه، وأخذ يتوسل إلى المحقق باستماتة.

«لا تأخذني إلى هناك يا سيدي. سأخبرك بالحقيقة.»

كان ديفينش قد همَّ بالوقوف، فجلس ثانيةً. وقال: «حسنٌ جدًّا. متى خبأت المسدس؟»

«ليلًا يا سيدي.»

«ليلة وقوع الجريمة؟»

«وأين خبأته؟»

«إذا أمهلتني ساعتين يا سيدي فسأحضره لك وأريك إياه.»

«قلت أين المسدس؟»

صاح مان قائلًا: «أوه، يا إلهي! سيدي أنا لست قاتلًا!»

«أنت تتصرف كما لو كنت أنت القاتل. ولكن هذا يكفي. أنا مصمم أن أعرف أين هو، والآن.»

أخذ مان يلعق شفتَيه مرارًا، وحاول أن يتحدث. فالتفت جيمسون إلى المحقق.

«تمهل قليلًا. سيخبرنا. هلم يا مان! إذا كنت بريئًا، فهذا سيساعدك، ولن يضيرك في شيء.»

كان مان يرتجف من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. «حسنًا، سأخبركما يا سيدي، وسأريكما أين هو أيضًا. ولكن يجب أن تسمعا قصتي يا سيدي. يجب أن تسمعاها حقًّا! يمكنني أن أفسِّر الأمر. سأفسره.»

أخرج ديفينش مفكرته وقلمَ رَصاص. «هل تدلي بإفادة طوعية؟ هل تعي أنها قد تُستخدم ضدك؟»

قال مان منفعلًا: «سأُدلي بإفادة نابعة من إرادة حرة يا سيدي وسأوقع عليها. فقط اسمح لي بالإدلاء بها قبل أن أريك مكان الأشياء.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤