ماذا في الحقيبة؟

عندما وصل الأصدقاء إلى قسم الشرطة وجدوا الشاويش «فرقع» يجلس أمام القسم في الشمس … يشرب الشاي، ويقرأ الجرائد، فاقتربوا منه في هدوء، وكانت مفاجأةً لهم أن استقبلهم الشاویش بترحاب … وقد كان المعتاد أن يُطاردهم بكلماته بمجرَّد أن يقع بصره عليهم …

أحاط الأصدقاء بالشاویش «فرقع» … وانتهزوا الفرصة ليسألوه عن آخر الحوادث التي وقعت بالمعادي؛ لعله يُخبرهم ببلاغٍ عن فقد الحقيبة السوداء، ولكن الشاويش تحدَّث إليهم عن سرقة فراخ … وعن فقد طفلٍ صغير، والعثور عليه قرب المحطة … وعن مشاجرةٍ وقعت بين سيدتَين؛ لأن أحد أطفال الأولى قطف بعض الورد من حديقة الثانية … وكلها حوادث بسيطة ممَّا يقع كل يوم … ولكن الشاويش لم يصل أبدًا إلى حادث الحقيبة … فقال «تختخ» له بصراحة: لقد جئنا لنسألك عن حقيبةٍ سوداءٍ مفقودة …

بدأ الشاويش يعود إلى طبيعته فقال متضايقًا: حقيبةٌ سوداء! …

قال «تختخ» مبتسمًا: من طراز «سامسونایت» يا شاويش.

وقف الشاويش وقال: سامو… ماذا؟ إنني لم أسمع عن حقائبَ لها أسماء … إنكم تُحاولون السخرية مني كعادتكم …

تختخ: أبدًا يا شاويش «علي». لقد وقعت أمس مطاردة مثيرة بين رجلَين وصديقنا «عاطف»، وكان الرجلان يُحاولان خطف حقيبة والد «عاطف»، فهل لم يُبلِّغ أحد عن سرقة حقيبةٍ سوداء؟ …

ضاق الشاويش بهذا الحديث، فصاح بهم كعادته: هيا فرقعوا من هنا. ليست هناك حقائب من أي نوع … ولم يُبلِّغ أحد عن سرقة شيءٍ اسمه «سامو»، فلا تُضيِّعوا وقتي … هيا … هيا … فرقعوا …

وانصرف الأصدقاء وهم يضحكون، وقال «عاطف» معلِّقًا: لقد انتهت المغامرة قبل أن تبدأ … وعلينا أن نقضي إجازةً هادئةً بلا ألغازٍ ولا مغامرات …

ردَّت «لوزة» التي لم تكن تفقد الأمل في المغامرات: إن اللغز لم ينتهِ بعد … فهناك شيء نسيناه، وهو الرجلان اللذان طارداك، لقد رأيتَهما، وفي إمكاننا البحث عنهما …

نوسة: هذا صحيح … إن علينا أن نبحث عن هذَين الرجلَين.

عاطف: في الحقيقة إنني لم أستطِع رؤيتهما جيدًا؛ فقد كانا في الظلام، وكان ضوء المقهى في ظهرهما، فلم أستطِع تبيُّن ملامحهما جيدًا …

محب: ألا تستطيع معرفتهما إذا شاهدتهما؟

عاطف: لست متأكِّدًا … وما أذكره أن أحدهما كان طويل القامة، واضح القوة، بينما كان الآخر قصيرًا ومنكوش الشعر …

تختخ: إن هذه أوصاف ليست كافيةً للبحث عن الرجلَين … ولن نستطيع أن نبحث في المعادي كلها عن رجلَين لهما هذه الصفات، ولعلهما ليسا في المعادي الآن … وكل ما نستطيع أن نفعله أن ننتظر ونرى.

نوسة: ننتظر ماذا؟

تختخ: ننتظر أن تقع أحداث جديدة، فما دام الرجلان يُريدان الحصول على الحقيبة، فلن يكفَّا عن البحث عنها …

وقد صدق «تختخ» في استنتاجه؛ ففي اليوم التالي وقعت المفاجأة الثانية، فقد اتصل المحامي بوالد «عاطف» ليُخبره أن حقيبته التي تركها عنده مساء الخميس سُرقت من مكتبه! فقد أغلق المكتب ليلًا، وفي اليوم التالي — الذي كان يوم الجمعة — لم يفتح؛ لأنه يوم إجازته الأسبوعية. وعندما ذهب صباح السبت إلى المكتب وجد الباب مكسورًا، والحقيبة قد سُرقت … وقد اتضح أن اللصوص لم يسرقوا شيئًا مطلقًا سوى الحقيبة …

لقد تحرَّكت الأحداث كما توقَّع «تختخ» بالضبط، واجتمع الأصدقاء مرةً أخرى وأمامهم هذه الحقائق الجديدة.

قال «تختخ»: لقد بدأت أُكوِّن فكرةً عامةً عن هذه الحوادث المحيطة بالحقيبة السوداء، فنحن نعلم أن هناك شخصَين حاولا خطف الحقيبة من «عاطف»، وأمامنا احتمالان … الأول: أنهما كانا يقصدان سرقة هذه الحقيبة الخاصة بوالد «عاطف»، والثاني: أنهما فقدا حقيبةً مثلها في تلك الليلة، وخرجا للبحث عنها … وعندما شاهداها في يد «عاطف» انقضَّا عليه محاولَين أخذها على اعتقاد أنها الحقيبة التي فقداها …

محب: وعلينا أن نبحث أي الاحتمالَين أقرب إلى الصواب، حتى نتمكَّن من متابعة الحقيبة …

تختخ: هذا صحيح، فلْنبحث الاحتمال الأول، وهو أنهما كانا يقصدان سرقة الحقيبة الخاصة بوالد «عاطف» وهو احتمال بعيد … أو أنا أستبعده؛ لأن معنى ذلك أنهما كانا يعلمان بموعد وصول «عاطف» إلى المقهى، وهي مسألة شبه مستحيلة، بالإضافة إلى أن والد «عاطف» أخبرنا أن الأوراق التي في الحقيبة ليس لها أهمية كبيرة، وأنه يستبعد أن يقوم أقاربه بمحاولة سرقتها …

نوسة: ولكن اللصين سرقاها من مكتب المحامي …

تختخ: أعتقد أنهما سرقاها ظنًّا منهما أنها الحقيبة التي ضاعت منهما؛ فقد تبعا والد «عاطف» إلى مكتب المحامي تحت تأثير هذا الظن، وقاما بسرقتها …

لوزة: هناك سؤال هام وهو: إذا كانت الحقيبة ملكهما وضاعت منهما، لماذا لم يقوما بإبلاغ الشرطة بضياعها؟ …

تختخ: هذا سؤالٌ هام فعلًا يا «لوزة»، والإجابة عنه واحدة، هو أن الرجلَين لا يريدان أن تتدخَّل الشرطة في الموضوع …

لوزة: لماذا؟ …

تختخ: ربما لأنهما قد سرقا الحقيبة من صاحبها الأصلي … أو أن في الحقيبة شيئًا لا يُريدان أن تعرفه الشرطة …

لوزة: ولماذا لم يُبلغ صاحبها الأصلي عن سرقتها؟ …

تختخ: لعله أبلغ، ولكن ليس في المعادي … فقد تكون قد سُرقت في القاهرة أو أي مكانٍ آخر … وفي إمكاننا سؤال المفتش «سامي» عن بلاغٍ تقدَّم به شخص عن فقد حقيبةٍ سوداء؛ فقد نستطيع عن طريق هذا البلاغ متابعة الحقيبة …

عاطف: سنجد بلاغًا بضياع حقيبةٍ سوداء …

محب: من أين عرفت؟ …

عاطف: المسألة بسيطة؛ سيُبلِّغ محامي والدي الشرطة عن سرقة الحقيبة من مكتبه!

وابتسم «تختخ» قائلًا: هذا صحيح، ولكن سوف نستبعد هذا البلاغ من حسابنا.

وهكذا قام «تختخ» بالاتصال بالمفتش «سامي» تليفونيًّا، وروى له ما حدث، وطلب منه أن يسأل عن بلاغٍ آخر غير بلاغ المحامي عن فقد حقيبةٍ سوداء …

قال المفتش: لقد كنتُ أتصوَّر أنكم لا تقومون بمغامراتكم إلَّا في الصيف …

قال «تختخ»: هذه مغامرة «على الماشي»، ولا أعتقد أنها ستكون مغامرةً هامة …

ردَّ المفتش: سأبحث، ولكن سوف يستغرق ذلك بعض الوقت …

تختخ: نحن في الانتظار.

لم يكن أمام المغامرين الخمسة شيء يفعلونه بخصوص لغز الحقيبة السوداء، سوى أن ينتظروا ردَّ المفتش «سامي»، فقضَوا بداية أيام الإجازة يلتقون صباحًا في الشمس في حديقة منزل «عاطف» يلعبون ويتحدَّثون. وفي المساء ينصرف كلٌّ منهم إلى مذاكرته وإلى واجبه المدرسي … فقد كانوا جميعًا من الطلبة المتفوِّقين …

وفي اليوم الثالث تحدَّث المفتش «سامي» إلى «تختخ» تليفونيًّا، وأخبره أنه ليست هناك بلاغات عن فقد حقيبةٍ سوداء، عدا البلاغ الذي تقدَّم به محامي والد «عاطف» عن سرقة الحقيبة من مكتبه …

قال «تختخ» وهو يُبلغ الأصدقاء عن حديث المفتش: وهكذا لم يعد أمامنا شيء نفعله، إلَّا انتظار بحث رجال الشرطة عن الرجلَين، فعند القبض عليهما سوف نعرف لماذا حاولا سرقة الحقيبة من «عاطف»، وهل هي حقيبتهما فعلًا أم حقيبة شخص آخر …

وسكت المغامرون الخمسة … وقد ضايقهم أن يُفلت منهم اللغز بهذه السرعة، وطبعًا كانت أكثرهم ضيقًا «لوزة» التي كانت تُحب المغامرات والألغاز أكثر من أي شيءٍ آخر، فقالت ﻟ «تختخ»: هناك شيءٌ هام في هذا اللغز لم نبحثه، ولعله يكون بدايةً لحل اللغز …

التفت الأصدقاء جميعًا إليها بنظراتٍ متسائلة، وقال شقيقها «عاطف»: ما هو الشيء الذي نسيناه جميعًا، وعرفتِه أنت في هذا اللغز؟ …

لوزة: نسينا المكان الذي وقع فيه حادث المطاردة … لقد خرج الرجلان من المقهى مسرعَين كما قلت … وهذا يعني أنهما كانا في المقهى، أليس كذلك؟ …

عاطف: إنه كذلك …

لوزة: في هذه الحالة لا بد أن الحقيبة فُقدت منهما داخل المقهى، وعندما اكتشفا سرقتها اندفعا إلى الخارج للبحث عنها …

سكت «عاطف» فقال «تختخ» مشجِّعًا «لوزة»: نعم … هذا كلامٌ معقولٌ جدًّا … فماذا تقترحين یا «لوزة»؟

لوزة: أقترح أن نذهب إلى المقهى لعلنا نعرف شيئًا جديدًا عن الحقيبة أو الرجلَين، فقد يكون أحد الجالسين قد شاهد كيف سُرقت الحقيبة من الرجلَين …

نوسة: ولكن الحادث وقع منذ ثلاثة أيام يا «لوزة»، ولا يمكن أن يكون رُوَّاد المقهى ما زالوا في أماكنهم منذ ذلك التاريخ! …

ضحك الأصدقاء على هذا التعليق الساخر … ولكن «لوزة» العنيدة استمرَّت في الكلام قائلة: هناك أشخاص في المقهى لا يتغيَّرون؛ «صاحب المقهى» … و«الجرسونات»، ومن الممكن سؤالهم …

قال «تختخ»: معكِ حق … وسأقوم أنا نفسي ببحث هذه المسألة في الصباح …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤