لغز الزعيم
عندما استيقظ «تختخ» في صباح اليوم التالي وجد نفسه في مكانٍ غريب … اكتشف بعد لحظاتٍ أنه في مستشفًى … وأنه محاطٌ بالأطباء … ومعهم المفتش «سامي» …
كان يشعر بإعياء، وبالالتهاب في عينَيه … وصدره … ولكنه كما قال لنفسه غير مصدق: ما زلت حيًّا! …
وانحنى المفتش «سامي» عليه، واطمأن على حاله، ثم قال له معاتبًا: لن أسمح لك مرةً أخرى بالدخول في مغامراتٍ من أي نوع … لقد وصلنا أمس والنار تكاد تلتهمك، ولولا سرعة رجال المطافئ وكفاءتهم لما استطعنا إنقاذك …
تختخ: لم أكن أتوقَّع المفاجأة التي حدثت … لقد كنتُ أتصوَّر أنني وصلت إلى حل لغز الحقيبة السوداء دون أن أتعرَّض لمخاطر … ولكن في الوقت غير المناسب ظهر رجل لم أكن أتوقَّع ظهوره مطلقًا … «كمال» …
قال المفتش وهو يُحاول التذكُّر: «كمال» … «كمال» … إنني أذكر عشرات الأشخاص بهذا الاسم، فمن الذي تقصده؟
تختخ: «كمال»، زعيم عصابة الأشباح السوداء … الذي قبضت عليه في المعادي متهمًا بالتهريب.
المفتش: تذكرتُ … إنه هارب من السجن منذ ثلاثة أشهر …
تختخ: ويعمل الآن في عصابة للتزييف … هل قبضتم على أحد؟
المفتش: مطلقًا … لم نجد أحدًا في العمارة كلها سواك … إنها عمارة بها شركة التوكيلات العالمية … وهي شركة في ظاهرها محترمة …
تختخ: أبدًا، مجرَّد غطاء لعملية تزييف يشترك فيها عدد كبير من الرجال والأولاد … ويتزعَّمها رجلٌ قوي لا أحد يعرفه …
المفتش: من الأفضل أن تروي لي الحكاية كلها … وسوف أُحضر بعض الضبَّاط ليستمعوا معي لنقوم بالعمل فورًا …
وحضر الضبَّاط وأحاطوا بفراش «تختخ»، الذي أخذ يروي لهم قصة الحقيبة السوداء … من أولها … وكانت نظرات الإعجاب حينًا … والإشفاق أحيانًا تلمع في وجوههم، وهم يستمعون إلى ما فعل «تختخ» خلال الأيام الماضية …
وعندما انتهى من قصته بدأت الأسئلة تنهال عليه من كل جانب، ثم قال المفتش «سامي» معلِّقًا: ولكن هذا يعني أننا لن نصل إلى العصابة رغم هذه المغامرة … فقد هرب الأولاد من الملجأ … وسنأخذ وقتًا طويلًا للبحث عنهم … وكذلك هرب «كمال»، ولن يعود أحدٌ منهم إلى العمارة التي بشارع «كلوت بك» … ولم يبقَ أمامنا إلَّا البواب، وهو لا يعلم بالطبع شيئًا كثيرا …
تختخ: بقي شيءٌ هام … رقم التليفون الذي اتصل به «كمال» أثناء وجودي معه … إنه رقم تليفون زعيم العصابة … فقد كان يُحدِّثه باحترام، وكان يتلقَّى التعليمات منه …
المفتش: ولكن كيف سنعرف الرقم؟
وأخذ «تختخ» يتذكَّر رقم التليفون … ولكنه طار من ذاكرته … وأخذ المفتش والضبَّاط ينظرون إليه في رجاءٍ لعله يتذكَّر … إنه الأمل الباقي للوصول إلى العصابة … ولكن عبثًا … لقد نسيه تمامًا.
قال أحد الضبَّاط يُحدِّث المفتش: يبدو ألَّا فائدة … ليس أمامنا إلَّا القبض على بوَّاب الملجأ … لعله يعرف شيئًا …
المفتش: إن العصابة لا تعلم شيئًا عمَّا حدث حتى الآن … وهم يتصوَّرون أن «تختخ» قد احترق وانتهى الأمر … والقبض على البوَّاب قد يُنبِّههم إلى أننا كشفنا أمرهم … لنرجئ القبض على البوَّاب حتى آخر دقيقة …
واستعدَّ المفتش والضبَّاط لمغادرة الغرفة … ولكن «تختخ» قال: لا تتركوني وحدي … سوف أخرج معكم …
المفتش: ولكنك ما زلت متعبًا.
تختخ: ليس إلى درجةٍ كبيرة … ولا بد أن أعود اليوم إلى «المعادي» … فقد ضاع جزءٌ كبيرٌ من الإجازة، وعندي واجبات مدرسية …
المفتش: إن ما يُعجبني فيك أنك مغامر جريء، وتلميذ مجد في نفس الوقت.
وبعد دقائق خرج الجميع إلى مكتب المفتش «سامي» … وعندما وصلوا إلى هناك كانت هناك إشارة من قسم السيدة أن ستة أولادٍ قد هربوا من الملجأ ليلة أمس، فقال «تختخ» معلنًا الحقيقة: إنهم خمسة فقط … فأنا لم أهرب … ولكن مهمتي هناك قد انتهت … لقد انتهت بالفشل تقريبًا … ولكن المفاجأة الأخيرة هي التي قلبت ترتيباتنا …
المفتش: سأتصل بالملجأ لأعرف أوصاف هؤلاء الأولاد … فسوف نبحث عنهم لعلهم يقودوننا إلى الزعيم، وإلى مخبأ العصابة …
وأخرج المفتش أجندة التليفونات، وأخذ يبحث عن الرقم، ثم بدأ يُدير القرص … وكان «تختخ» يُراقبه وهو يُدير القرص فصاح قائلًا: … وجدتها … وجدتها …
توقَّف المفتش وسأل «تختخ» مندهشًا: ماذا وجدت؟! ما هي التي وجدتها؟! …
تختخ: نمرة تليفون الزعيم … إنها نفس نمرة تليفون الملجأ التي تُديرها … ٦٢٢٥٢. لقد كان «كمال» يتصل بزعيم العصابة البوَّاب.
المفتش: غير معقول! … إن بواب الملجأ هو زعيم العصابة!
تختخ: بل هو … إنه أفضل مكان يُدير منه أعماله دون أن يشك فيه أحد، ويراقب تحرُّكات العصابة بواسطة الأولاد … ويراهم في خروجهم ودخولهم، وهو الذي يرد على تليفونات الملجأ ليلًا عندما ينام الجميع … لقد أخبرني «الكنجة» ألَّا أحد يستطيع أن يتصل بالزعيم قبل العاشرة ليلًا … وهذا هو الموعد الذي يكون جميع موظفي الملجأ قد انصرفوا أو ناموا، ومبنى الإدارة بجوار البوابة … ومن هذا المكان يُدير الرجل عصابته …
قال المفتش: إذا كان هذا صحيحًا … فهو زعيم ذكي حقًّا … ولكنه سيقع الآن.
وأخذ المفتش يُجري اتصالاتٍ عاجلةً بالتليفون … وعلم أن البوَّاب لا يأتي إلى الملجأ إلَّا في المساء … وهكذا أُعدَّت سلسلة من الكمائن حول الملجأ حتى لا يستطيع الإفلات.
وفي المساء … اتجهت سيارة تاكسي إلى الملجأ، تحمل «تختخ» والمفتش وبعض الضبَّاط بالملابس العادية … وعندما وقفت أمام الملجأ وقف البوَّاب ليرى القادمين ويفتح لهم الباب … وقبل أن يُدرك الحقيقة كان الضبَّاط قد أحاطوا به من كل جانب، وقال المفتش «سامي»: لا تتحرَّك يا حضرة الزعيم!
لم يُصدِّق الرجل نفسه … وأخذ يتظاهر بأن هناك خطأ … ولكنه انهار سريعًا أمام الحقائق، ولم يستطِع إلَّا الاعتراف …
وفي مكتب المفتش «سامي» اعترف الزعيم بكل ما فعل، وبكل المعلومات اللازمة للقبض على بقية أفراد العصابة.
وأثنى المفتش على «تختخ» مهنِّئًا، ثم قال: لحسن الحظ أن حقيبة والد «عاطف» لم تمسَّها النار …
ثم مدَّ يده تحت مكتبه وأخرج الحقيبة وسلَّمها إلى «تختخ» مبتسمًا قائلًا: سنحتفل بحل اللغز غدًا في الكازينو كالمعتاد.
وهنا خطر ﻟ «تختخ» سؤال توجَّه به إلى رئيس العصابة قائلًا: ولكن كيف وصلت هذه الحقيبة إليكم؟ لقد كانت مع عضوَي العصابة اللذين حاولا ترك العصابة.
قال الزعيم: لقد طاردناهما برجالنا، وأوقعنا بهما العقاب المناسب، واستولينا على كل ما يملكان، وكانت هذه الحقيبة ضمن ما وجدنا عندهما.
وصلت سيارة المفتش تحمل «تختخ» إلى منزله … وبعد دقائق اجتمع المغامرون الخمسة … وقدَّم «تختخ» الحقيبة إلى «عاطف» قائلًا: لقد كادت هذه الحقيبة تُكلِّفني حياتي.
واستمع الأصدقاء من «تختخ» إلى أغرب وأخطر مغامرةٍ مرَّ بها.