التعليمات الأخيرة

أسرع «أحمد» إلى جهاز اللاسلكي، وتلقَّى تقريرًا سريعًا من رقم «صفر»:

من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»

بناءً على معلوماتِكم تقرَّر تغيير مكان تجربة الصاروخ … هناك رقابةٌ من أجهزة الأمن حول الخبراء … ولكن تابعوا جهودكم …

رقم «صفر»
ولا يدري «أحمد» لماذا تذكَّر الرجل الذي قذفه بالمخدِّر في مقابر «باب الوزير» ولم يستبعد أبدًا أن يكون هذا الرجل من رجال الأمن … وقام «أحمد» بتغيير ثيابه وعاد إلى شكله الطبيعي، ثم تسلَّح جيدًا، وكتب رسالةً إلى الشياطين:

سأذهب ﻟ «الحسين» بالملابس العادية، احتمال الحصول على معلوماتٍ من الرجل القبيح … حاولوا الحصول على معلوماتٍ عن طريق تليفونات «الكونتننتال» … إذا لم تحدث تطورات غير متوقعة، فموعدنا الليلة عند متنصف الليل …

ثم قام بإرسال تقريرٍ إلى رقم «صفر»، عن آخر المعلومات التي حصل عليها هذا اليوم … وغادر الفيلا وقد هبط الظلام، وركب إحدى سيارات الشياطين، وسرعان ما كان يشقُّ طريقه إلى «حي الحسين»، وسط شوارع القاهرة المزدحمة وعينه على الساعة فوصل «الحسين» في السابعة إلا ربعًا، فركن السيارة، ثم مضى يمشي بسرعةٍ … كان من الصعب أن يعثر على المقهى الذي قصده «فولكان» بحديثه، ولكن حاسة المغامرة وضعته في الطريق الصحيح؛ ففي مقهى «الفيشاوي» وجد «طعرم» يجلس قرب جهاز التليفون، يدخِّن الشيشة ويشرب الشاي … وببساطة شديدة، اختار «أحمد» كرسيًّا مجاورًا له وجلس … ونظر إليه «طعرم» بلا مبالاة وفجأة ظهر «عثمان» وأرسل بصره هنا وهناك، وشاهد «أحمد» وتبادلا حديثًا صامتًا بالعيون. ثم ظهر «خالد» واختار كلٌّ منهما كرسيًّا بعيدًا وجلس …

ومضت الدقائق بطيئةً، ولاحظ «أحمد» أن «خالد» يريد أن يتحدث إليه. وكان واضحًا أنه يحمل معلومات هامة فقام «أحمد» واتجه إلى دورة المياه ولحق به «خالد» وبسرعة قال «خالد»: هناك خائن … وتوترت أعصاب «أحمد» ومضى «خالد» يقول: استطعت الاستماع إلى مكالمة تليفونية، الرسومات الخاصة ﺑ «الصاروخ كروتال» التي قام الخبراء المصريون بوضعها، سلَّمها شخصٌ إلى «كروجر» في السادسة والنصف في مكانٍ ما لا أعرفه.

أحمد: إن هذا يطابق معلوماتي؛ فهم سيتحدَّثون مع «طعرم» القبيح في السابعة لهذا الغرض، قالوا له هذا الصباح إنهم في انتظار مكالمةٍ في «الكونتننتال»، ثم يقابلون شخصًا ما، إنه الخائن!

خالد: وهو في الأغلب الرجل الخامس.

أحمد: الوقت ضيقٌ جدًّا … سنتبع «طعرم» في جميع الأحوال.

وعادا إلى مكانيهما. ونظر «أحمد» بطرف عينه إلى ساعته، كانت السابعة إلا ثلاث دقائق. ومرت الثواني ببطء … السابعة، السابعة ودقيقة، ودقيقتان، وثلاث دقائق … ورنَّ جرس التليفون. وأمسك صاحب المقهى بالسماعة، واستمع لحظةً ثم قال: تليفون لك يا معلم «طعرم».

وقفز «طعرم» من مكانه، واستمع إلى المكالمة ثم بدا عليه الارتياح، وذهب ودفع حساب المقهى وخرج … وتسلَّل خلفه الشياطين الثلاثة، وأخذ «طعرم» طريقه إلى المقابر، وقال «أحمد»: إنني أعرف أين يذهب.

وأشار إلى اتجاه المقابر وقال: اذهب يا «عثمان» وأحضر السيارة من الموقف، وانتظر في الطريق العام في هذا الاتجاه …

وسار هو و«خالد» خلف «طعرم»، الذي سرعان ما غاص بين المقابر، ومضى «أحمد» خلفه، بينما انتظر «خالد» للمراقبة على الطريق العام …

كانت خطة «أحمد» متابعة «طعرم»، ليقوده إلى عصابة «الضفدعة» دون أن يحسَّ به؛ لهذا كان يسير محاذرًا؛ لأن فَقْد أثر «طعرم» معناه فَقْد أثر العصابة كلها!

وفي الطرقات الضيقة المظلمة كان «أحمد» ينحني بجانب شواهد القبور … حتى وصل «طعرم» إلى المقبرة الرخامية … توقَّف قليلًا، وتلفَّت حوله ثم دقَّ على الباب ومضت لحظات ثم فتح وانطلق منه الضوء فعرف «أحمد» أن ثمة أشخاصًا في انتظار «طعرم»، ومضت بضع دقائق، ثم خرج «طعرم» ومعه ثلاثة أشخاص، وأغلقوا باب المقبرة، ومضوا، واختفى «أحمد» حتى تجاوزوه، ثم مضى خلفهم، وعندما اقتربوا من الطريق العام، توقَّفوا خلف مقبرةٍ كبيرة، وربضوا في الظلام ثم سمع «أحمد» صوت بوق سيارة يدوي بشكلٍ منتظم، فعرف أنها إشارة … وفعلًا خرج الأربعة … وخرج «أحمد» خلفهم، وسرعان ما اتجهوا إلى سيارةٍ من طراز «مرسيدس» ركبوها وانطلقت بهم … وخلفهما سيارة ثانية من طراز «فورد»، وكان «عثمان» و«خالد» مستعدين هما الآخران، فاقتربا بسيارتهما القوية من طراز «لامبورجيني» السريعة وقفز فيها «أحمد»، فقال «خالد»: في السيارة الفورد أربعة أشخاص!

أحمد: مدهش! ما زال ينقصهم الرجل الخامس.

انطلقت السيارتان … «المرسيدس» و«الفورد» في طريق صلاح سالم، في اتجاه مصر الجديدة وخلفهم «اللامبورجيني» يقودها «عثمان» … قال خالد: دخلنا بعد خروجك من المقر بثوانٍ قليلة، ورأينا المذكرة التي تركتها.

أحمد: لقد قال رقم «صفر» إن الخبراء تحت مراقبة رجال الأمن، ومع ذلك فأفراد العصابة يتحرَّكون بحرية.

عثمان: من يدري … ربما نحن مراقبون أيضًا!

أحمد: إن مشهد السيارتَيْن يعني أن من فيهما مسافرون … فلا يمكن أن يتحرَّك ثمانية أشخاصٍ إلا لسفر …

خالد: سنرى …

أحمد: هل هناك أخبار من «إلهام» أو «زبيدة» إنني لم أعثر عليهما في «حي الحسين»؟

خالد: لا … لم نجد أثرًا لهما في المقر.

ومضت السيارتان حتى نهاية شارع صلاح سالم، ثم انحرفتا يمينًا في طريق مصر الجديدة الواسعة الهادئة نسبيًّا ومرتا بشارع «كليوباترا» وانحرفتا يمينًا، ثم توقفت «الفورد»، ومضت «المرسيدس» قليلًا، وتوقفت على بعد عدة منازل … أوقف «عثمان» «اللامبورجيني» في الظلام … وفي هذه اللحظة، نزل من «الفورد» رجلان، عرف فيهما الشياطين الثلاثة «كروجر» العملاق، و«فولكان»، واقتربا من فيلا صغيرة تُحيط بها حديقة ولمع وميض خفيف وصوت مكتوم … فقال أحمد: رصاصة من مسدس كاتم للصوت … لقد قتلوا حارس الفيلا!

عثمان: هل نتدخل؟

أحمد: لا … حتى نعرف من هو الرجل الخامس.

خالد: الخائن.

أحمد: في الأغلب.

وغاب «كروجر» و«فولكان» بضع دقائق، ثم ظهرا ومعهما رجل ثالث، وأسرع الجميع إلى السيارة «الفورد» وانطلقت، وخلفها «المرسيدس» وخلفهما «اللامبورجيني» وخرجت السيارات الثلاث من مصر الجديدة، وأخذت السيارة «الفورد» طريقًا صحراويًّا متعرجًا وغير ممهدٍ، وتبعتها «المرسيدس» … وقال «عثمان»: إن في إمكانهم الآن أن يكتشفوا المطاردة … فليس هناك منازل نختفي عندها، ولا زحام نندس فيه … والطريق غير مطروق …

أحمد: خفِّض الأضواء العالية.

عثمان: إن ذلك لن يؤدي إلى شيءٍ، فسوف يكتشفون أننا نطاردهم … فهم مدربون على مثل هذه الأشياء …

أحمد: أعرف ذلك … ويبدو أنه لا بد من الهجوم الآن.

خالد: يجب ألا نتسرع … وهناك احتمال أنهم لم يرونا؛ فنحن خلف السيارة «المرسيدس» وبها «طعرم» ورجاله، وأظن هؤلاء لن يلاحظوا شيئًا.

أحمد: إذن لننتظر أول علامة تدل على أنهم عرفوا بوجودنا.

ومضت السيارات الثلاث … وبعد نحو ساعتَيْن من القيادة الشاقة أشرفوا على صحراء حلوان … وفجأةً سمع الشياطين الثلاثة صوت جسمٍ معدنيٍّ يرتطم بالسيارة فقال «عثمان»: رصاصة … لقد اكتشفوا وجودنا …

أحمد: أطلِق قذيفةً حارقة على المرسيدس …

وضغط «عثمان» على زرٍّ خاص أمامه، فارتفع الكشاف الأمامي للسيارة إلى فوق، وخرجت من مكانه ماسورة، اندفعت منها قنبلة حارقة، طارت بسرعة خارقة وأصابت السيارة «المرسيدس» في منتصفها تمامًا من الخلف، وانفجرت … فحادت «المرسيدس» عن طريقها وقد اشتعلت فيها النيران، وسقطت على جانب الطريق …

ودارت الفورد دورةً سريعة، فواجهت بجانبها السيارة «اللامبورجيني»، واندفع معها سيلٌ من الرصاص … ولكن الشياطين الثلاثة ظلوا يتقدمون، فلم يكن في إمكان أي رصاص أن ينفذ من جسم السيارة المصفح …

وقال أحمد: نريد الخائن حيًّا، لنعرف ما هي الحكاية.

وأخرج مسدسه وكذلك فعل «خالد»، وانطلق الرصاص من الجانبين … وظل «عثمان» يقود السيارة باندفاع حتى اقترب من «الفورد» فقفز الرجال الخمسة خارج السيارة مذعورين، وانطلقت قذيفة أخرى من فم «اللامبورجيني»، واندلعت النيران في «الفورد»، ودار «عثمان» بالسيارة دورة واسعة حول الرجال، ثم أطلق كشافاته على الرجال الخمسة …

وقال أحمد: أطلق على السيقان فقط يا «خالد».

وانهال الرصاص من الجانبين … وسقط «كروجر» كالقلعة … ثم سقط «فولكان»، وهرب واحد، وألقى الرجلان الباقيان بما يحملان من أسلحة، ورفعا أيديهما إلى فوق … وعلى ضوء الكشافات نزل الشياطين الثلاثة … كان الواقفان أحدهما «ستريت» المهندس الأنيق والآخر غير معروف للشياطين الثلاثة فقال «أحمد»: هذا هو الخائن.

ثم تقدم منه وجذبه من ياقة بذلته، وقال: أنت عضو منظمة الأبحاث الفرنسية؟

لم يرد الرجل، بل اتسعت عيناه رعبًا.

قال «عثمان»: إن الذي هرب هو «شوتي» المصور!

أحمد: لن يذهب بعيدًا على كل حال.

ثم التفت إلى «خالد» قائلًا: شد وثاق «كروجر» و«فولكان»، سنذهب الآن لإبلاغ سلطات الأمن المصرية بما حدث.

خالد: و«شوتي»؟

أحمد: إنه لن يذهب بعيدًا وسوف يعثرون عليه سريعًا!

في منتصف الليل في المقر السري للشياطين اﻟ «١٣»، جلس الشياطين الخمسة يضحكون، وهم يعدون تقريرهم لرقم «صفر» …

من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»

كان ضمن أعضاء منظمة الأبحاث الفرنسية شخصٌ خائن … اتفق مع العصابة على تسليم التصميمات، والهرب معهم عبر الصحراء الشرقية والبحر الأحمر إلى دولةٍ معادية … ساعدهم في العمل داخليًّا بعض المجرمين وتجَّار المخدرات، دون أن يعرفوا أنهم جواسيس … وأظن أن العصابة كانت ستتخلص منهم عند البحر الأحمر …

تم تسليم الجميع إلى سلطات الأمن المصرية … هل من تعليمات أخرى؟

الشياطين رقم «١» – «٢» – «٣» – «٧ » – «٩»
في الصباح تلقى الشياطين هذا التقرير من رقم «صفر»:

من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»

شكرًا … تعليماتي لكم أن ترتاحوا … أنتم في إجازة أسبوعًا كاملًا … لقد قُمتم بعملٍ لا يُنسى …

رقم «صفر»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤