معلوماتٌ هامة

وقف «تختخ» أمام المرآة بضع دقائق ليتأكَّد من أن كل شيء على ما يرام، خاصةً الشارب الرفيع الذي أضاف إلى عمره عشر سنوات … فلمَّا تأكَّد من كل شيء في الغرفة وقف في الدهليز. كانت غرفة مدام «روز» أمامه مباشرة، وبجوارها غرفة «كامل»، ثم غرفة «سيد»، وبجواره كانت غرفة الست «دولت»، فاتجه إليها ودقَّ الباب فلم يسمع إجابةً أولًا، فدقَّ الباب مرةً أخرى وسمع صوتًا مبحوحًا يُشبه صوت الرجال يقول: ادخل. دفع الباب بيده ودخل فوجد الست «دولت» تجلس أمامه مباشرةً على كرسيها المتحرِّك وظهرها إلى النافذة. كانت سيدةً قصيرة القامة إلى حدٍّ ما، منكوشة الشعر بشكلٍ ملفت للنظر، وكان شعرها أحمر فبدا كهالةٍ من النيران حول وجهها، وكانت عيناها بلون شعرها تقريبًا، وقد بدت فيهما نظرة شرسة كأنها قطةٌ تتأهَّب للقفز.

قال «تختخ» بأدب: أنا الساكن الجديد «توفيق»، لقد سكنتُ في الغرفة المجاورة، ولقد رأيتُ أن أُقدِّم لك نفسي.

قالت الست «دولت»: أهلًا وسهلًا.

أحسَّ «تختخ» بالحرج لأنها لم تدعُه إلى الجلوس، فقال: أرجو ألَّا أكون قد قطعت عليك خلوتك …

دولت: لا أبدًا، تفضل بالجلوس، أين تعمل؟

تختخ: إنني قريب «محسن»، وقد جئت للبقاء بجواره بعض الوقت لحين الانتهاء من التحقيق معه.

دولت: مسكين! لقد كان شابًّا لطيفًا، وكثيرًا ما تدخَّل لفض النزاع بيني وبين المرحومة مدام «روز».

ولدهشة «تختخ» شاهد الدموع تسري جاريةً على خدَّيها، كأنما تتذكَّر شخصًا عزيزًا عليها فقال: يبدو أنك تأثَّرت لوفاة مدام «روز»؟!

دولت: طبعًا … طبعًا … إنها عِشرة عمر طويل … لقد قضيت في هذا المكان أكثر من عشرين سنةً تقريبًا، منذ افتتحته مدام «روز»، وقد كنا صديقتَين.

دُهش «تختخ» مرةً أخرى فقد كانت معلوماته تؤكِّد أنهما لم تكونا كذلك، ويبدو أن دهشته ظهرت على وجهه، فقد قالت الست «دولت»: سيقولون لك إننا كنا نتشاجر دائمًا، وهذا صحيح، ولكن هل الشجار دليلٌ على العداوة؟ أبدًا! لقد كنَّا نتصالح بعد ذلك، لقد كنَّا نتشاجر قرب أول الشهر فقط، عندما تبدأ في المطالبة بسبعة جنيهات ونصف، أجرًا للغرفة التي سكنتها طول عمري بخمسة جنيهات … وبالطبع كنت أرفض، وبرغم أنها كانت مُصابةً بمرض القلب والضغط وكثير من الأمراض، فإنها لم تكن ترحم نفسها … كانت تثور في وجهي وتتوعَّدني بالطرد، ولم يكن أمامي إلَّا أن أثور أنا أيضًا في وجهها.

وكأنما أثارت الذكريات أعصابها فبدأت تصيح: هل أنا خائفةٌ منها؟ إنني لا أخاف أحدًا، ولن يستطيع إنسان إخراجي من هذه الغرفة التي قضيت فيها نصف عمري … لن يستطيع أحد إخراجي من هنا أبدًا … أبدًا … قال «تختخ» مهدِّئًا من ثائرتها: طبعًا لن يُخرجك أحدٌ من هنا فهذا حقك، ولكنها بدلًا من أن تهدأ قالت: وقل لهذا الشاب «جان» إنني لن أدفع أكثر من خمسة جنيهات مليمًا واحدًا … إنني فقيرةٌ ومسكينة وليس لي أحدٌ في الدنيا، وإيجار المنزل الذي ورثته عن زوجي لا يزيد على سبعة عشرة جنيهًا، أسكن منها بخمسة وأصرف الباقي على علاج أمراضي المزمنة، وآكل وألبس … فماذا يُريدون مني؟!

تختخ: هل أستطيع أن أسألك بضعة أسئلة عن الحادث؟

ردَّت الست «دولت» بجفاء: اسأل … لقد قلتُ كل شيء لرجال الشرطة، وأنا أذكر كل شيء كأنه حدث منذ دقيقة واحدة … لقد سرقها «محسن» وماتت من الصدمة، لم يحتمل قلبها رؤية ثروتها تُسرق منها فكف عن الدق … مسكينة مدام «روز» … مسكينة … ليرحمها الله.

وعادت إلى البكاء مرةً أخرى …

قال «تختخ» في نفسه: ليرحمنا الله نحن أيضًا، يبدو أننا لن نصل إلى شيء، ثم قال بصوتٍ عال: إنني كقريب للأستاذ «محسن» يُهمُّني معرفة الحقيقة، فإذا كان هو السارق فلينزل عليه حكم القانون، أمَّا إذا كان بريئًا فلا شك أنه يُهمُّنا كلنا أن نعرف الحقيقة … أن نعرف الفاعل الحقيقي.

دولت: إنه هو السارق؛ لقد سمعت خطواته وهو خارجٌ من غرفته متجهًا إلى غرفتها، ثم مضت فترة وسمعت صوت أقدامه وهو يعود إلى الغرفة، وبعد فترة سمعت شهقتها وصوت سقوطها على الأرض، فأسرعت بالكرسي إلى هناك، ووجدتها يا حسرتي وقد وقعت على الأرض و…

وعادت مرةً أخرى إلى البكاء …

قال «تختخ»: البقية في حياتك … كلنا سنموت.

تأكَّد «تختخ» أنه لن يصل إلى شيء هذه المرة، فاستأذن من السيدة ثم خرج، وقرَّر أن يعود إلى البيت للغداء، ويُقابل الأصدقاء ليُخبرهم بما حدث، أو يستمع إلى معلوماتهم …

ووصل عن طريق الباب الخلفي إلى غرفته، فخلع ثياب التنكُّر، وعاد من جديد إلى شخصيته الحقيقية.

تناول «تختخ» طعام الغداء وارتاح قليلًا، ثم اتصل بالأصدقاء وطلب منهم الحضور، وبعد فترةٍ من الوقت حضروا جميعًا، وكانت معهم معلومات هامة.

قال «مُحب»: لقد تابعت الموظَّفين الثلاثة وعرفت أماكن عملهم، إن ثلاثةً منهم هم «فاروق» و«علاء» و«كرم»، يعملون في شركة طيران أجنبية، وقد ذهبت إلى هناك، وبواسطة صديقٍ لوالدي استطعت أن أسأل عن تحرُّكاتهم في يوم الحادث، وقد تأكَّدت أن الثلاثة لم يُغادروا الشركة إلَّا بعد الساعة الرابعة مساءً، فلا يمكن والحالة هذه أن يكون أحدهم قد اقترف الحادث.

تختخ: إن هذا يخفض عدد المشتبه فيهم إلى النصف تقريبًا، فماذا بشأن الموظف الرابع «فوزي».

مُحب: لقد قام «عاطف» بمتابعة المعلومات عن «فوزي»، وعنده معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية.

عاطف: إن وراء «فوزي» سرًّا خطيرًا؛ لقد اتضح أنه غارقٌ في مشاكل كبيرة في العمل، وقد ثبت أن عنده عجزًا كبيرًا في عهدته في الشركة التي يعمل بها، وفي يوم الحادث بالتحديد ترك العمل في الساعة الثانية عشرة ظُهرًا ولم يعد إلَّا في الثالثة، ولا يُعرف أين ذهب في هذه الفترة.

تختخ: هذه أنباءٌ هامة فعلًا، وكيف عرفت هذه المعلومات؟

عاطف: ببساطة جدًّا؛ هناك مقهًى صغير أمام الشركة، وقد ذهبت إلى هناك حيث يجتمع الموظفون، وتظاهرتُ بأنني أُريد مقابلة «فوزي»، وكلمة من هنا وكلمة من هناك عرفت كل شيء، خاصةً أن بواب الشركة الذي كان موجودًا يوم الجمعة أيضًا، هو الذي قال لي عن موعد انصراف «فوزي» وعودته.

تختخ: عملٌ رائع يا «عاطف» بلا شك، فيبدو أن «فوزي» هذا يستحق المتابعة.

عاطف: إنني لم أُكمل معلوماتي بعد … بل إن الجزء الهام منها سيأتي، فعندما خرج «فوزي» عاد ومعه مبلغ ٢٧٫٥ جنيهًا، هي التي كانت تنقص عهدته فدفعها.

وقف «تختخ» عند سماع هذه المعلومات المثيرة، وقال ﻟ «عاطف»: إنك وضعت يدك على المتهم الحقيقي؛ فيبدو أنه قد خرج من الشركة، وعاد إلى «المعادي» فارتكب الجريمة، وأخذ النقود وعاد لدفعها. إن ذلك يُوضِّح أشياء كثيرة، وسأعود بعد ساعة إلى «البنسيون» وأُحاول معرفة ما حدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤