الملحق «ﺟ»: عدم اليقين والاحتمال
في حين أنَّ المنطق يُوفِّر أساسًا عامًّا للتفكير فيما يتعلَّق بمعرفةٍ مُحدَّدة؛ فإنَّ نظرية الاحتمال تتضمَّن التفكير فيما يتعلَّق بمعلوماتٍ غير مُؤكَّدة (والتي تُعدُّ المعرفة المحدَّدة حالة خاصَّة منها). إن عدم اليقين يُعدُّ الموقف المعرفي الطبيعي لأيِّ كيانٍ في العالم الواقعي. وعلى الرغم من أنَّ الأفكار الأساسية للاحتمال جرى تطويرها في القرن السابع عشر، فقط مؤخَّرًا أصبح من المُمكن تمثيل نماذج احتمال كبيرة على نحوٍ صوريٍّ والتفكير فيه.
(١) أسس الاحتمال
تشترك نظريةُ الاحتمال مع المنطق في فكرة أنَّ هناك عوالم مُمكنة. عادةً ما يبدأ المرء بتعريف ماهيتها؛ على سبيل المثال، إن كنتُ أقذف بحجر نردٍ عاديٍّ سداسي الأوجُه، فهناك ستة عوالم (والتي تُسمَّى في بعض الأحيان «نواتج»): ١ و٢ و٣ و٤ و٥ و٦. سيكون واحد منها على وجه التحديد صحيحًا، لكنَّني لا أعرف أيها على نحو مسبق. تفترض نظرية الاحتمال أنه من الممكن إعطاء احتمالٍ لكلِّ عالم؛ بالنِّسبة إلى مثال قذف حجر النرد، سأُعطي احتمالًا قدره ١ / ٦ لكلِّ عالم. (تصادف هنا أن تلك الاحتمالات مُتساوية، لكن ليس من المُفترض أن تكون هكذا في كل الأحوال؛ المُتطلب الوحيد هو أن يُساوي حاصل جمع الاحتمالات ١.) والآن، يُمكنني طرح سؤال مثل: «ما احتمال ظهور عددٍ زوجيٍّ؟» للإجابة على هذا، سأجمع ببساطة احتمالات العوالم الثلاثة التي يكون فيها العدد زوجيًّا؛ وذلك كما يلي: ١ / ٦ + ١ / ٦ + ١ / ٦ = ١ / ٢.
من المنطقيِّ أيضًا أن يجري أخذُ أيِّ أدلةٍ جديدة في الاعتبار. افترض أن عرافًا أخبرني بأن نتيجة قذف النرد ستكون عددًا أوليًّا (أي، ٢ أو ٣ أو ٥). وهذا يستبعدُ العوالم ١ و٤ و٦. إنني ببساطة سآخُذ الاحتمالات المُرتبطة بالعوالم الممكنة المتبقية وأزيد وزن كلٍّ منها بحيث يظلُّ حاصلُ الجمع الإجمالي ١. والآن احتمال كلٍّ من ٢ و٣ و٥ سيساوي ١ / ٣، واحتمال أن يكون ناتج عملية القذف عددًا زوجيًّا ١ / ٣ فقط؛ حيث إن ٢ هو العدد الزوجي الوحيد المتبقِّي في هذه الحالة. إن تلك العملية الخاصة بتحديث الاحتمالات مع ظهور أدلةٍ جديدة تُعدُّ مثالًا على التحديث البايزي.
افترض أنني ألعب لعبة مونوبولي مع ابني جورج. إن قطعتي تقف على مربع «مجرد زيارة» وجورج يمتلك المجموعة الصفراء التي عقاراتها على بُعد ١٦ و١٧ و١٩ مربعًا من مُربعي. هل عليه شراء منازل للمجموعة الصفراء الآن، حتى يكون عليَّ أن أدفع له إيجارًا كبيرًا إن وقفت على تلك المربعات، أم عليه الانتظار حتى الدور القادم؟ هذا يعتمد على احتمال الوقوف على المجموعة الصفراء في دوري الحالي.
فيما يلي قواعد قذف النرد في هذه اللعبة: يجري قذف حجري نرد وتتحرك قطعة اللعب وفقًا لإجمالي العددَين الظاهرين؛ إن كان الزوج مُتطابقًا، يقذفهما اللاعب مرة أخرى ويتحرك ثانية؛ وإن تكرر نفس الأمر في المرة الثانية، يقذف اللاعب الحجرين للمرة الثالثة ويتحرَّك ثانية (لكن إن تكرر الأمر في المرة الثالثة، يذهب اللاعب إلى السجن). ومن ثم، على سبيل المثال، قد أحصُل على ٤-٤ ثم ٥-٤، بإجمالي ١٧؛ أو ٢-٢ ثم ٢-٢ ثم ٦-٢، بإجمالي ١٦. وكما أوضحت قبل ذلك، عليَّ أن أجمع ببساطة احتمالات كل العوالم المُنتمية إلى المجموعة الصفراء. لسوء الحظ، هناك العديد من العوالم. وحيث إنه يُمكن قذف ستَّة أحجار نردٍ معًا؛ فإنَّ العوالم قد تكون في عداد الآلاف. وعلاوة على ذلك، لم تعُد عمليات قذف النرد مستقلةً لأنَّ عملية القذف الثانية لن تحدُث ما لم يكن ناتج حجري النرد مُتشابهًا. وعلى الجانب الآخر، إن ضبطنا قيمتَي الزوج الأول من النرد، فستكون قيمتا الزوج الثاني من النرد مُستقلتَين. هل هناك طريقة لتمثيل هذا النوع من الاعتمادية؟
(٢) الشبكات البايزية

توفر الشبكات البايزية آليات لتمثيل الاحتمالات الضرورية وإجراء العمليات الحسابية المطلوبة لتنفيذ التحديث البايزي للعديد من المهام المعقَّدة. لكن كما هو الحال بالنسبة إلى منطق القضايا، إنها محدودة إلى حدٍّ ما في قدرتها على تمثيل المعرفة العامة. في العديد من التطبيقات، يُصبح تمثيل الشبكة البايزية كبيرًا وتكراريًّا للغاية؛ على سبيل المثال، تمامًا كما أن قواعد لعبة جو يجب تكرارها لكل مربَّع في منطق القضايا، يجب تكرار قواعد لعبة مونوبولي القائمة على الاحتمال لكلِّ لاعب ولكل موضع قد يقف عليه أيُّ لاعب ولكل حركة في اللعبة. وتلك الشبكات الهائلة مُستحيل تقريبًا إنشاؤها يدويًّا؛ بدلًا من ذلك، سيكون على المرء اللجوء إلى شفرة مكتوبة بلغة تقليدية مثل «سي+++» لإنتاج مقاطع بايزية متعدِّدة وجمعها معًا. وفي حين أن هذا أمر عملي باعتباره حلًّا هندسيًّا لمشكلة معينة، فإنه يعدُّ عقبةً أمام العمومية؛ لأن شفرة تلك اللغة تجب كتابتها مرةً أخرى على يد خبيرٍ بشريٍّ لكلِّ تطبيق.
(٣) اللغات الاحتمالية القائمة على المنطق الإسنادي
إن هذا المزج بين المنطق الإسنادي والاحتمال يُعطينا حقًّا أكثر من مجرَّد طريقةٍ للتعبير عن معلومات غير مؤكَّدة عن العديد من العناصر. إن السبب يكمُن في أننا عندما نضيف عدم يقينٍ إلى عوالم تشتمل على عناصر، فإننا نحصُل على نوعَين جديدَين من عدم اليقين؛ ليس فقط عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الحقائق صحيحةً أم خاطئة، وإنَّما أيضًا عدم اليقين بشأن أيِّ العناصر موجودة وعدم اليقين بشأن هُوية كلٍّ منها. وهذان النوعان من عدم اليقين شائعان بشدة. فالعالم لم يظهر وبه قائمة بالشخصيات، مثل المسرحية الفيكتورية؛ بدلًا من ذلك، إنك تعلم تدريجيًّا بوجود العناصر من خلال الملاحظة.
في بعض الأحيان، يُمكن أن تكون المعرفة الخاصة بالعناصر الجديدة محدَّدة بعض الشيء، مثل عندما تفتح نافذة فندقك وترى كنيسة القلب المقدَّس لأول مرة؛ أو ربما تكون غير مُحددة تمامًا، مثل عندما تشعر بهزة بسيطة والتي قد تكون بسبب زلزال أو قطار مترو مارٍّ. وفي حين أن هُوية الكنيسة واضحة إلى حدٍّ ما، فإن هوية قطارات المترو ليست كذلك؛ فقد تركب نفس القطار الفعلي مئات المرات دون أن تُدرك على الإطلاق أنه نفس القطار. في بعض الأحيان، نحن لا نكون بحاجة إلى تبديد عدم اليقين: أنا عادة لا أُحدِّد أسماء كلِّ الطماطم الموجودة في كيس من طماطم الكرز ولا أتتبع حال كلٍّ منها، إلا إذا كنتُ على الأرجح أسجل تقدُّم تجربة تعفُّن خاصة بالطماطم. أما بالنسبة إلى قاعة ممتلئة بطلاب الدراسات العليا، على الجانب الآخر، فأنا أسعى بقوة إلى تتبُّع هوياتهم. (في إحدى المرات، كان هناك مُساعدان بحثيان في مجموعتي لهما نفس الاسم الأول والاسم الأخير، وكان مظهرهما مُتشابهًا جدًّا، ويعملان على موضوعات مُرتبط بعضها ببعض بشدة؛ على الأقل، كنت متأكدًا بعض الشيء من أنهما كانا شخصَين.) تكمن المشكلة في أننا نُدرك على نحوٍ مباشر ليس «هوية» العناصر، ولكن (جوانب من) «مظهرها»؛ إن العناصر لا تمتلك في الغالب لوحات ترخيص صغيرة تُحدِّد هُويتها على نحوٍ مُميَّز. إن الهوية هي شيء أحيانًا تنسبه عقولنا إلى العناصر من أجل أغراضنا الخاصة.
يجمع نظام المراقبة التابع لمُعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية بياناتٍ لحظية خاصة بحركة الأرض عبر شبكة عالمية تتكوَّن من أكثر من ١٥٠ مقياس زلازل ويهدف لاكتشاف كل الأحداث الزلزالية التي تحدث على كوكب الأرض والتي تزيد قوتها عن حدٍّ مُعيَّن وتحديد المشبوه منها. من الواضح أنَّ هناك الكثير من عدم اليقين الخاص بالوجود في هذه المُشكلة؛ لأنَّنا لا نعرف مقدمًا الأحداث التي ستقع؛ علاوة على ذلك، الغالبية العُظمى من الإشارات في البيانات تكون مجرَّد ضوضاء. وهناك أيضًا الكثير من حالات عدم اليقين الخاص بالهوية؛ إن إشارة خاصة بالطاقة الزلزالية المرصُودة في المحطة «أ» الموجودة في القارة القُطبية الجنوبية قد تأتي أو لا تأتي من نفس الحدث الذي جاءت منه الإشارة الأخرى المرصودة في المحطة «ب» الموجودة في البرازيل. إن رصد حركة الأرض يُشبه رصد آلاف المُحادثات الآنية التي حدث خلط بينها بسبب الأصداء والتأخيرات الخاصَّة بالنقل وطغت عليها أصوات الأمواج المتلاطمة.

(٤) تتبُّع العالم
يتمثَّل أحد أهم أدوار التفكير الاحتمالي في تتبُّع أجزاء العالم التي تكون غير قابلة للملاحظة على نحوٍ مُباشر. في أغلب ألعاب الفيديو والألعاب اللَّوحية، هذا غير ضروري؛ لأنَّ كلَّ المعلومات ذات الصلة تكون قابلةً للمُلاحظة، لكن في العالم الواقعي نادرًا ما يكون هذا هو الحال.

لاستنتاج الوجود المُحتمل لسيارة هوندا غير المرئية، يُمكن للسيارة فولفو تجميع الأدلة عند اقترابها من التقاطع. على وجه الخصوص، المرور في الحارتين الأُخريين مُتوقِّف حتى رغم أنَّ الإشارة خضراء؛ السيارات الموجودة في مقدمة الصف لا تتقدَّم إلى الأمام باتجاه التقاطُع ومصابيح الكبح خاصَّتها مُضاءة. هذا ليس دليلًا «قاطعًا» على وجود سيارة غير مرئية تنعطف إلى اليسار، ولكنَّه لا يجب أن يكون كذلك؛ فحتى الاحتمال القليل يكون كافيًا لاقتراح الإبطاء ودخول التقاطُع على نحوٍ أكثر حذرًا.
إنَّ الغاية من هذه القصة هي أنَّ الكيانات الذكية العاملة في بيئات قابلة للمُلاحظة على نحوٍ جزئيٍّ يجبُ أن تحتسب لما لا يُمكنها رؤيته — قدر ما يُمكنها — اعتمادًا على الأدلة المُستمدة مما يُمكنها رؤيته.
إليك مثال آخر أقرب إليك: أين تُوجَد مفاتيحك؟ ما لم يتصادف قيادتُك لسيارتك أثناء قراءة هذا الكتاب — وهو الأمر غير المُحبَّذ — فأنت على الأرجح لا يُمكنُك رؤيتها الآن. على الجانب الآخر، أنت على الأرجح تعرف مكانها؛ إنها في جيبك أو حقيبتك أو على الطاولة المُجاورة للسرير أو في جيب معطفك المعلق أو ربما على المشجب في المطبخ. أنت تعرف هذا لأنك وضعتها هناك ولم يتغيَّر مكانها منذ ذلك الوقت. هذا مثال بسيط لاستخدام المعرفة والتفكير لتتبُّع حالة العالم.
بدون هذه القدرة، سنشعُر بالضياع؛ غالبًا حرفيًّا تمامًا. على سبيل المثال، في وقت كتابتي لهذه السطور، أنا أنظر إلى الحائط الأبيض لغرفة في فندق لا ملامح له. أين أنا؟ إن كان عليَّ الاعتماد على مدخلاتي الإدراكية الحالية، فسأشعُر بالضياع بالفعل. في حقيقة الأمر، أنا أعرف أنني في زيورخ لأنَّني وصلتُ إليها أمس ولم أترُكها. إن الروبوتات، شأنها شأن البشر، يجب أن تعرف أين هي حتى يُمكنها إيجاد طريقها بنجاح عبر الغرف والمباني والشوارع والغابات والصحاري.
في الذكاء الاصطناعي، نحن نستخدم مُصطلح «الحالة المعرفية» للإشارة إلى معرفة الكيان الحالي لحالة العالم؛ بصرف النظر عن درجة عدم الاكتمال وعدم اليقين التي هي عليها. بوجهٍ عام، الحالة المعرفية — وليس المُدخلات الإدراكية الحالية — هي الأساس الصحيح لصنع القرارات فيما يتعلَّق بما علينا فعله. إن تحديث تلك الحالة نشاط حيوي لأيِّ كيانٍ ذكي. وبالنِّسبة إلى بعض أجزاء تلك الحالة، يحدُث هذا تلقائيًّا؛ على سبيل المثال، بدا لي للتوِّ أنَّني في زيورخ، دون أن يكون عليَّ التفكير في الأمر. بالنسبة إلى أجزاء أخرى، يحدُث التحديث عند الطلب، إن جاز التعبير. على سبيل المثال، عندما أستيقظ في مدينة جديدة وأعاني من تعبٍ شديدٍ بسبب اختلاف التوقيت، في منتصف رحلة طويلة، قد يكون عليَّ القيام بجهدٍ واعٍ لإدراك أين أنا، وما أنا بصدد القيام به، ولماذا؛ وهذا، على ما أعتقد، يُشبه بعض الشيء قيام الكمبيوتر المحمول بإعادة تشغيل نفسه. إن التتبُّع لا يعني المعرفة «الدقيقة» الدائمة لحالة «كل شيء» في العالم. من الواضح أن هذا مُستحيل؛ على سبيل المثال، أنا ليست لديَّ أي فكرة عمن يشغل الغرف الأخرى في فندقي الغريب في زيورخ، فضلًا عن المواقع والأنشطة الحالية للجانب الأكبر من الثمانية مليارات شخص الذين يعيشون على كوكب الأرض. وأنا أيضًا ليست لديَّ أدنى فكرة عما يحدُث في باقي الكون فيما يتجاوَّز المجموعة الشمسية. إن عدم يقيني فيما يتعلَّق بالحالة الحالية للأشياء هائل وحتمي.

إن خوارزمية تتبع الحالة المعرفية يُمكن تطبيقها لمعالجة ليس فقط عدم اليقين بشأن الموقع، وإنما أيضًا عدم اليقين بشأن الخريطة نفسها. ينتج عن هذا أسلوب يُسمَّى «تحديد الموقع وبناء الخريطة في آنٍ واحد». إن هذا الأسلوب مكوِّن رئيسي للعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تتراوح بين نظم الواقع المُعزَّز والسيارات الذاتية القيادة وعربات الاستكشاف الكوكبية.