الفصل التاسع والعشرون

(٦٦) تنطلق النظرية التاوية في المجتمع من اعتبار المجتمع الإنساني ظاهرة طبیعانية بالدرجة الأولى، من هنا يتوجَّب على أية بِنية ثقافية تتراكب فوق البِنية الأصلية أن تكملها دون أن تتعارض معها أو تُفقدها شيئًا من طبيعتها وتلقائيتها، ويعبِّر لاو تسو في هذه الفقرة عن ذلك بقوله:

المملكة وعاء مُقدَّس لا يمكن مسُّه بالتعديل
مَن يعمل على قولبتها يجعلها خرابًا.

إن تشبيه المملكة بالوعاء المُقدَّس يعني أنها امتداد للنظام الطبيعي، مثلها في ذلك مثل أية بيئة حية متكاملة، حيث لا يمكن المساس ببعض جوانبها دون التأثير على بقية الجوانب، فإذا سلك كل عنصر في هذه المملكة وفق طبيعته الخاصة، مثلما تسلك الكائنات الحية الأخرى في بيئتها المتوازنة، سارت الأمور على أفضل وجه، أمَّا إذا تدخَّل الذكاء الإنساني بما يمتلكه من غرور وادَّعاء، سارت الأمور على عكس ما نشتهي وانقلبت محاولة الإصلاح المصطنعة إلى نقيضها وعمَّت الفوضى.

كما يمكننا فَهْم هذا المقطع على مستوى أشمل حيث تعني «المملكة» هنا العالم بأسره، فالعالَم أيضًا وعاء مُقدَّس لا يمكن مسُّه بالتعديل، إذا أردت العيش فيه بسلام عليك أن تُلائم نفْسك معه لا أن تجعله متلائمًا معك، إن السبَّاح الماهر في لُجَّة البحر لا يلائم الماء مع جسده بل يلائم جسده مع الماء.

(٦٧) بما أن العالَم يقوم على القطبية، وتتداول أحواله الثنائيات، فإن من طبيعة الأمور أن تتوزَّع أحوال البشر بين الأقطاب والثنائيات، فمن غير الممكن أن يكون الجميع في المقدمة بسبب وجود مؤخرة، ومن غير الممكن أن يكون الجميع في المؤخرة بسبب وجود مقدمة، ومن غير الممكن أن يتسم الجميع بالضعف بسبب وجود القوة، ومن غير الممكن أن يتسم الجميع بالقوة بسبب وجود الضعف.

(٦٨) وبما أن هذه الأحوال تنقلب إلى بعضها بعضًا، فإن الحكيم الذي يدرك مبدأ التغيُّر يحافظ على حالة مُثلى من التوازن بين الأقطاب والثنائيات، ويتجنب الغلو والتطرف في أيِّ سلوك، إنه يعرف دائمًا متى يتوقف، على حدِّ تعبير المعلم في الفصل التاسع:

عندما تزيد في شحذ الحد
تعمل في النهاية على انثلامه.

وأيضًا:

أن تنسحب عقب إتمام المهمة
تتشبه بطريق السماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤