الفصل الثالث والثلاثون

(٧٤) يستخدم لاو تسو في هذه الفقرة تعبير الذكاء وتعبير البصيرة، للدلالة على المعرفة العملية وأداتها الذكاء، والمعرفة الروحية الباطنية وأداتها البصيرة، المعرفة العملية تتجه نحو ملاحظة العالم الخارجي وكيفية عمله من أجل الإفادة منه، أمَّا المعرفة الباطنية فتتجه نحو الداخل وموضوعاتها الجوهر، جوهر النفس وجوهر العالَم، ثم إن المعرفة العملية تتطلَّب القدرة، أمَّا المعرفة الباطنية فتتطلَّب القوة، والقدرة هنا هي المقدرة على إتيان فعل مادي، أمَّا القوة فهي الشكل الأسمى والأنقى للفعل الإنساني، إنها قوة النفس وطاقة الروح، وهذا معنى قوله:

في معرفة الآخَرين ذكاء
في معرفة الذات بصيرة
في قهر الآخَرين قدرة
في قهر النفس قوة.

(٧٥) معرفة النفس تتطلَّب منا ضبط وترويض الرغبات، وعدم الانسياق وراء ما يقدِّمه العالَم الخارجي من إغراء المال والجاه والسلطة والمكانة الاجتماعية، إن الرضى بالقدر المتوازن والمعقول من احتياجات الإنسان المادية، هو الشرط المُسبَق لتحصيل الغنى الداخلي والتوازن النفسي الذي من شأنه تفجير القوة الحقيقية من منابعها، ففي الانسياق وراء الرغبات اقتلاع من الجذور، وفي المحافظة على التوازن بين زينة العالَم الخارجي وحقيقة العالم الداخلي محافظة على الجذور، وهذا معنى قوله:

مَن يعرف الرضى غنيَ،
مَن يحافظ على صلته بجذوره يَدُم.

من يحافظ على جذره يَدُم، قد يموت ولكنه لا يَفْنى. الأنا المنغلقة على نفسها المزهوَّة بحضورها الشخصي هي التي تموت، أمَّا الذات المنفتحة على الكون والمتجذِّرة في التاو فإنها من التاو وإلى التاو تعود.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤