الفصل السادس عشر

(٣٧) سأل التلميذ تشاو تشو معلمه تشو آن: «ما هو التاو؟ أجاب الحكيم: إنه وعيك الطبيعي. سأل التلميذ: كيف يستطيع الإنسان أن يتوافق معه؟ أجاب الحكيم: عندما تقصد التوافق معه تنحرف عنه. سأل التلميذ: ولكن كيف نستطيع معرفته دون قصد؟ أجاب الحكيم: لا ينتمي التاو إلى مجال المعرفة ولا إلى عدم المعرفة. المعرفة فهم زائف، واللامعرفة جهل أعمى. هل تريد فهم التاو؟ انظر إذَن إلى السماء الفارغة.»

تروي الأدبيات التاوية هذه الحوارية بين كونفوشيوس وواحد من تلامذته: «جاء المريد إلى معلمه ليُطلعه على مدى تقدمه في تطوير نفسه، وقال له: لقد نسيت المعايير الخلقية التي تميز التقوى والصلاح. فقال المعلم: هذا جيد ولكنه ليس بكافٍ. بعد مدة عاد التلميذ وقال للمعلم: لقد نسيت الطقوس والموسيقى الشعائرية. فقال المعلم: جيد جدًّا ولكنه ليس بكافٍ. في المرة الثالثة جاء التلميذ وقال: لقد جهلت نفسي في جلسة التأمل. فقال المعلم: ماذا تعني بقولك؟ قال التلميذ: أعني أني قد تحررت من هيئة الجسد وتجاوزت السمع والبصر، من خلال السمو عن الهيئة الجسدية وتجاوز الحواس تتطابق مع اللامتناهي. هذا ما أعنيه بقولي إني قد جهلت نفسي في جلسة التأمل.»

في جلسة التأمل التي أشار إليها المعلم بقوله هنا: أتأمل الفراغ المطلق، ألبث في سكون. يطابق التاوي بين نفسه وبين العالم الذي يحصل دفعة واحدة، وتنشأ عناصره كلها في تواقت معًا دونما سببية خطية. الكون يحصل في آنٍ معًا وعبر عدد لا يُحصَى من المتغيرات المترابطة بطريقة مُحكَمة لا يمكن معها حذف متغير واحد دون الإخلال بنظام الكون برمته، وحيث يحتوي كل عنصر من العناصر على الكل ويتخذ الكل معناه من الأجزاء. وهذا معنى قوله:

الآلاف المؤلَّفة تنشأ في تواقت معًا.

إن أصغر مكوِّن من مكونات الأرض يسير في توافق مع الشمس والقمر والنجوم والمجرات، وجوده مرتبط بها ووجودها مرتبط به. الكون يتطلب الوعي الذي يستوعبه والوعي يتطلب الكون موضوعًا له. وهذا ما يُدعى في التاوية بالنشوء التزامني. في النشوء التزامني يسير كل متغير في طريقه الخاص ضمن هارموني كوني متكامل، حيث يصب كل طريق في الطريق الكلي، وحيث الطريق الكلي ناتج للصيرورة الحرة لكل متغير. وهذا معنى قوله:

الآلاف المؤلَّفة في حركة دائبة
ولكنها تعود إلى أصولها.

وأصل الآلاف المؤلفة هو التاو الساكن الذي تنشأ منه الحركة ثم تعود إليه في دورة مستمرة. التاوي يرى إلى الثابت من وراء المتحرك. الثابت هو مصير الوجود وأم الحركة. وتركيز العقل على الثابت یکشف البصيرة. وهذا معنى قوله:

العودة إلى الأصول تعني السكون
السكون يعني العودة إلى مصير الوجود
العودة إلى مصير الوجود تعني الثبات
معرفة الثبات تفتح البصيرة.

نحن في الحقيقة ولكننا غافلون عنها، وباستخدام المصطلح البوذي نحن في النيرفانا ولا داعي لأن نسعى إليها، كلما سعيت إليها كلما قصرت عن بلوغ الهدف. كن مع حركة الكون ولا تحاول فهمه بعقلك تنفتح عينك الداخلية على: مَن أنت؟

(٣٨) التاوي يمارس الفعل وهو عارف بالثبات. يرى المتغير ويعرف الثابت الذي يسند كل متغير. رؤية الثابت في كل متغير بقاء في الأبدية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤