إمارة عربستان

إن العراق الذي فاخر به الرشيد فرعونَ مصر فقال: «لو علم فرعون بالعراق لما افتخر بقوله: أليس لي ملك مصر»، والعراق الذي قال عنه ويلكوكس إنه البقعة الوحيدة في الدنيا التي تحاكي بخصبها تربة مصر، والعراق الذي كان مجلى جلال الخلافة العباسية العربية، والعراق الذي لا يزال أهله على أخلاقهم البدوية فلم تؤثِّر عليها مخالطتهم للأعاجم؛ هذا العراق يُقسم إلى قسمين: أحدهما العراق العربي ويبدأ من الفاو فالبصرة حتى بغداد إلى ما وراءها للموصل، وكان قبل الحرب العامة الأوروبية تابعًا للدولة العثمانية، وقد فتحت بعضَه الجيوش الإنكليزية في سنة ١٩١٥، ولا يزال ميدانًا للقتال بين الإنكليز والأتراك.

والقسم الثاني يُطلق عليه اسم «العراق العجمي»، وهو تحت السيادة الإيرانية، ويسميه الإيرانيون «عربستان» ويطلقون على بعضه اسم «خوزستان»، وكان على عهد دولة الأكاسرة قبل الإسلام يُسمَّى باسم «شوشته»، وسمَّاه العرب بعد الفتح الإسلامي باسم «الأهواز» نسبةً لأكبر مدنه إذ ذاك. والأهواز هذه تجدَّد عمرانها على عهد ساكن الجنان، نصرة الملك الشيخ جابر خان، والد عظمة مولانا السردار أرفع، حفظه الله، ودعاها «ناصرية الأهواز» نسبةً لساكن الجنان، ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق.

ويحدُّ عربستان من الشمال شرق لارستان، ومن الجنوب الشرقي جبال فارس، ومن الجنوب خليج فارس، ومن الغرب العراق العربي أو ولايتا بغداد والبصرة، ومساحة هذه الإمارة تسعة وثلاثون ألف ميل مربع، وفيها نيف وأربعمائة ألف نسمة معظمهم من قبائل العرب عدا القبائل الرُّحَّل التي تنتابها للكلأ.

وأهالي عربستان كما قلنا معظمهم من العرب، وهم مسلمون، وأغلبهم على مذهب الشيعة، والسُّنِّيُّون فيهم قليلون، وفي المدن النصارى الكلدان ولهم كنيسة في الأهواز، واليهود، والصابئة.

أخذ الأوروبيون أحد مشاهد العراق وقالوا: هذه جنة عدن.
يا ساكني أرض العراق أفيقوا
ولكم بها للمفخرات طريق
هي جنة من تحتها الأنهار جا
رية وفيها للزهور عبيق
من كلِّ فاكهةٍ بها زوجان بل
هي روضة فيها الفؤاد مَشُوق
عجبي وكانت رحبة المغنى فبا
تت في القليل من العباد تضيق
هُبُّوا فديتكمو إلى استثمارها
ولكم بمولانا المعزِّ صديق
ولكم على الأيام عون الإنكليـ
ـز وكلهم خِلٌّ لكم وشفيق

وأهم مدن هذه الإمارة «المحمرة»، وهي حاضرتها، فناصرية الأهواز، فششتر المتاخمة لمنازل البختيارية، فدزفول، فعبادان وغيرها. وأهم أنهارها قارون والكرخ وبهمشير، ويمرُّ بحدودها نهر الدجلة، فشط العرب الذي هو مجتمع الدجلة والفرات. وأهم محصولاتها البلح «التمر» وهو يُباع بأسواق الهند وأوروبا وأميريكا، والقمح والشعير والأذرة وغير ذلك.

أما المحمرة، وهي حاضرة الإمارة، فهي شبه جزيرة يحيط بها شط العراق من طرف ونهر قارون من الطرف الثاني ونهر بهمشير من الطرف الثالث، ومبنية دُورها بين شجر النخيل المتمايسة كالعرائس، وفيها نيف وثلاثون ألف ساكن، وتحيط بها كور (جمع كورة)، وهي القرية يبلغ سكَّانها نحوًا من سبعين ألفًا، فيكون مجموع سكان الحاضرة بِكورها نحوًا من مائة ألف على مسافات شاسعة، والمنتظر — والله ممدٌّ بأجَلِ عظمة مولانا السردار أرفع — أن تصبح بفضل عنايته، متصلة البنيان، وافرة العمران، وتبتدي هذه الكور من مدخل شط العراق قبالة الفاو، وتنتهي بقرب البصرة حيث تقابلها من الجهة الثانية الأملاك التي فتحتها بريطانيا العظمى سنة ١٩١٥.

هذه المحمَّرة التي فيها الجلا
ل مع الفخار مع اليسار مع الهنا
بانت وخزعل ملكها العالي الذُّرَى
دار الأمان مع الميامن والمنى

أما نفس المحمرة «البلد» فقد كانت متعرجة الأسواق، ذات دُور متهدمة على نحو المدن التي على ضفاف خليج فارس، وما زالت كذلك إلى أن علا عرشَ الإمارة باليُمن والإقبال عظمة مولانا السردار أرفع، أعزَّه الله، فأسرع في ترميمها وتشييد أسواقها على أحدث طراز، فجاء بالمهندسين من البصرة والهند، وفتح خزائنه فعمَّرها تعميرًا، فجاءت أسواقًا واسعة الطرقات، مصفوفة، متشاكلة، متناسقة، وكذلك صدرت إرادته السنية بتوسيع شوارعها وفرش أراضيها بالحجر الصلد، وأرصد لها الخَدمة لكَنْسها ورَشِّها، وهكذا أصبحت المحمرة من أعمر مدن العراق بغير جدال. كل هذا فعله على نفقته الخاصة من غير أن يضرب، حفظه الله، ضريبةً ما على رعاياه لكي لا يُثقِل كواهل رعيته بالضرائب.

وأهم شوارع هذا البلد الطيب «الشارع الخزعلي»، وهو شارع كبير مشرف على نهر بهمشير، وفيه الكمرك، ودور المعتمد الإيراني، والقنصل الإنكليزي، وجناب الحاج محمد علي خان رئيس تجار عربستان ووزير الإمارة الأكبر المشهور بإخلاصه وتفانيه في خدمة مولانا وليِّ النعم، ودار البنك الإيراني الشاهاني، وكثيرٌ غيرها من الدُّور العامرة، وأشجار النخيل تتخللها جميعًا وتختال ما بينها كالعرائس، وفي دار جناب الحاج رئيسٍ حديقةٌ غنَّاء فيها من كل فاكهة زوجان، وهي بهجة للناظرين.

ولقد باتت المحمرة بعدل عظمة السردار أرفع وجليل عنايته من أهم الثغور التجارية على الخليج الفارسي، تَرِد عليها البضائع من الهند وأوروبا وتُصدَّر للهند وأوروبا وأميريكا صادرات البلاد وأهمها التمر والقمح والسمن والصوف، فكثرت في ذلك أرباح التجار ونمت ثروة الأهلين الذين كانوا بحمى مليكهم المحبوب راتعين في بحابح العدل والأمان.

وأهالي المحمرة خليطٌ من العرب والفرس ونصارى الكلدان والسريان واليهود والصابئة والبنيان وهم عبدة أوثان من أهل الهند، وقد ساوى بينهم عظمة مولانا الشيخ في الحقوق على ما يقضي القرآن الشريف؛ ولذلك تراهم جميعًا متآخِين متصافِين، ليس فيهم غابن ومغبون وظالم ومظلوم وكبير وصغير، بل الكل في نظر الشريعة متساوون وفي الحقوق متشاكلون.

وأهم الكور المحيطة بالمحمرة «الفيلية»، وهي تبعد عن المحمرة نحوًا من مسيرة ٣٠ دقيقة في الزوارق «البلايم»، وهي واقعة على شط العراق، وقد جعلها ساكن الجنان المرحوم نصرة الملك مقرًّا لأسرته المباركة ومواليه، وفيها قصوره ودورهم ودار الحكم ويسمُّونها الديوانية، وهذه الدار قد جدَّد بناءها عظمة مولانا السردار أرفع على أحسن طراز، فجاءت كثيرة الاتِّساع، اتَّخذ صاعتها الكبرى مجلسًا له يؤمُّه في بياض أيامه للنظر في شئون الإمارة، وبجوارها غُرف الكَتَبة فأروقة كثيرة الغرف لنزول قاصدي الإمارة الذين يتوافدون يوميًّا زرافات ووحدانًا بين عفاة وأصحاب حوائج وعابري سبيل، فينزلون بضيافة عظمته على الرُّحب والسعة ويقيمون ما شاء الله أن يقيموا، ومن أراد الانصراف منهم تصدر الإرادة السنية بالإنعام عليه بما هو أهله من البر ويُصرف له أجر طريقه إلى حيث يريد السفر، وفي هذه الديوانية يتجلى كرم عظمة السردار أرفع العربي بأجمل وأعظم مجاليه، وعدله الأتمُّ بأزهى معانيه، ويحيط بالديوانية دُور الحرم الواسعة فدُور آل البيت الجاسبي فدُور الموالي، وهذه الدُّور أُنيرت بالكهرباء سنة ١٩١١.

figure
الشارع الخزعلي على نهر بهمشير في المحمرة.

وفي الفيلية «الترسانة الخزعلية»، وهي المعمل الذي أنشأه وليُّ النعم عظمة مولانا السردار أرفع المعظَّم لتعمير وإصلاح يخوته وبلايمه البحرية، وفي هذا المعمل تعمَّر اليخت بهمشير، وهو من أجمل البواخر التي تمخر بالبخار في شط العراق وأكبرها، وقد أُضيفَ إلى يخوت عظمة السردار أرفع ونزل البحر سنة ١٩٠٩، وقام على تعميره مهندسان من كلدان بغداد، هما الأسطى داود والأسطى نعوم شعيا، وقد نشآ في خدمة مولانا، ولا زالا في حِماه وتحت رعايته، حفظه الله.

القصر الخزعلي العالي

وعلى غلوة من الفيلية كورة «الكمالية» وفيها القصر الخزعلي العالي، بناه عظمة مولانا السردار أرفع سنة ١٩٠٣ على شط العراق على أحدث طراز وأفخم شكل، وليس في قصور العراق قصرٌ يضاهيه بسعته وفخامته وحسن موقعه، وهو ذو دَورَينِ عظيمين، وقد تخصَّص قسم من الدَّور الأول لاستقبال زائري صاحب العظمة الملوكية مولانا الشيخ، وفيه صاعة التشريفات وهي صاعة واسعة وافرة الزخرف، تليها غرفتان متَّسِعتان، إحداهما للانتظار والأخرى لإقامة من يكون في حاشية أكابر الزوار. وتخصَّص القسم الثاني إلى غرفة المائدة، وهي غرفة واسعة مستكملة الزينة على نحو غُرَف موائد الملوك في أوروبا، وبجوارها غرف خدم المائدة والمطبخ، وفي هذه الغرفة تُقام الولائم الخزعلية المشهورة. وتخصَّص القسم الداخلي من هذه الدُّور لإقامة عظمة الشيخ، حفظه الله، والحرم المصون في أثناء الصيف عندما يشتد الحر. وهذه الغرف ذات نوافذ عليها أغشية من عشب الصندل يتبدل في كل يوم أو يومين، ويُرشُّ بالماء فيدخل منها الهواء الحار باردًا لطيفًا، ولهذه الغرف نوافذ متَّصلة بالسطح، ولها قوائم تستقبل الهواء وترسله إلى أسفل وتُسمَّى بلغة الفرس «باتنجان» جمع باتنج، وفي هذه الغرف التي يسمِّيها المصريُّون «منادر» والعراقيُّون «سراديب» نُصِبت المراوح الحريرية، وهي عبارة عن ستارات واسعة مُعلَّقة في سقوف الغرف ومتَّصلة بحبال ممتدة إلى الخارج يجذبها ويدفعها الخدم فترسل هواءً مرطبًا، وهي مستعملة بكثرة في الهند وبلاد العرب؛ على أن عظمة الشيخ، حفظه الله، استورد مراوح كهربائية بدلًا عنها بعد أن أنار قصره العامر بالكهرباء، وفي هذه الدُّور أيضًا غرف لكتَمة الأسرار والكَتَبة وموظفي الخاصة.

أما الدَّور الأعلى فيُقسم إلى قسمين، أحدهما للحرم وإقامة عظمته، حفظه الله، والثاني لندمائه وخاصَّة حاشيته، وفيه صاعة كبرى لجلوس عظمته في مجالس الخصوصية، تحيط بها غرفٌ عديدة لنزول أولئك الأخصَّاء، وفي وسط الغرف سطح متَّسِع جِدًّا مُنار بالكهرباء بمصابيح ضخمة حتى لتحسب الليل نهارًا بقوَّة نورها، وتُضاء في ليالي الصيف حيث يسمر عظمته، حفظه الله، في تلك السطوح.

وفي هذا القسم صاعة واسعة جِدًّا بناها عظمة السردار أرفع سنة ١٩١٢، وهي تسع مئات من النفوس، وفي صدرها مرسح، وقد بُنيَت هذه الصاعة للحفلات الخصوصية التي يقيمها عظمة مولانا في قصره العامر لأخصَّائه والمقرَّبين من عظمته الملوكية على نحو ما في قصور الملوك في أوروبا.

القصر الخزعلي العالي في الكمالية على شط العراق، دار الإمارة العامرة في المحمرة المحمية.
عليك سلام الله يا قصر خزعل
سلامُ مَشُوقٍ هائمٍ متململ
سلام محبٍّ قد وفَى بعهوده
لمولاك فخر العُرب مَجْلى التصوُّل
سلامٌ على عهدي بمغناك إنني
نزلت به باليُمن أرحب منزل
ولاقيت فيه فوق ما كنت راجيًا
فوا حبَّذا لو دمت فيه ودام لي
أتَذْكُرني يا قصر عبدًا لخزعل
وتذكر بِشْرِي معْ وفير تهلُّلي
وتذكر أيَّامًا بلغت المنى بها
برحبك في أهنى مقامٍ وأجمل
قصدتك بالآمال وهي كثيرة
فحقَّقها السردار تحقيق مفضل
وعدت وما لي غير أن يَحْيَى خزعلٌ
مدى الدهر في إقباله من مؤمَّل
مليكٌ علا فوق السِّمَاكَيْنِ جاهُهُ
وجاز الملوك الصيد في مجده العلي
ويا قصر أنت اليوم مجلى جلاله
إذا ما انجلى للجود في زهو محفل
ويا قصر أنت اليوم مَقْصِد كلِّ من
سعى للعلى من أروعٍ ومبجَّل
هنيئًا لك الإقبال يا كعبة الندى
ويا قِبلة العَلْيَا وملجا المؤمِّل
فلا زلت معمورًا تطاول أنجم الـ
ـسماء وللإقبال أفضل مؤئل
ولا زال مولاك المعزُّ مُسَوَّدًا
بجاه النبيِّ المصطفى خير مرسَل

أما رياش القصر فمما تعجز الأقلام عن وصفه، فهو من أثمن الرياش وأغلاها قيمة، وجميعها مستوردة من أوروبا من أحدث طراز وأجمل رواء على ما يليق بقصور الملوك.

ويُضاء هذا القصر العامر بالكهرباء بآلة مخصوصة استُحضِرَت من أوروبا سنة ١٩١١، واستُحضِرَت معها الثُّريَّات الفخمة والمصابيح الجميلة التي عُلِقَّت في سقوف وجدران الغرف، وهي من أجمل طراز، وهنالك المصابيح الكهربائية الكبرى التي أشرنا إلى بعضها في فسحة الدَّور العالي، وأُقيم عددٌ منها على أعلى القصر، فترسل أنوارها إلى مسافات بعيدة حتى لتكاد تُرى من البصرة نفسها وهي على بُعد أربع ساعات من القصر.

وتُحيط بالقصر الخزعلي العالي روضة غنَّاء فيها من كل فاكهة زوجان، وتجري من تحتها الأنهار، وفيها من أنواع الزهور ما يعبق نشر عبيره عند ازدهاره، وهي واسعة جدًّا تُقدَّر بخمسة فدادين على مقاس الأفدنة في مصر، وفي وسطها شادروان تتدفق منه المياه بهجةً للناظرين.

وأمام القصر الخزعلي من واجهة الشط ميدان واسع أُقيمَت فيه الخمائل على الطراز الأوروبي المعروف في الأزبكية بمصر، وبوسط هذه الخمائل الجميلة ساحة مفروشة بالحجر الصلد اعتاد عظمة مولانا أن يخرج إليها في صباح أيام الصيف لاستقبال رؤساء العشائر وخاصة المريدين قبل مسيره إلى ديوانيته في الفيلية.

ولهذا القصر العظيم مدخلان؛ أحدهما من الشط حيث يقصده القاصدون على الزوارق، وتُسمى بلغة العراق «البلايم»، وعند هذا المدخل ترسو يخوت عظمته، حفظه الله، وهي أربعة، أصغرها يُسمَّى «مظفري» على اسم ساكن الجنان مظفر الدين خان، شاه إيران الأسبق، والثاني وهو أكبر يُسمَّى «ناصري»، سُمِّي باسم ساكن الجنان ناصر الدين شاه، وكلاهما تعمَّرا على عهد ساكن الجنان الوالد الكثير المحامد الحاج جابر خان، والثالث وهو أوسع وأعظم ويُسمَّى «إيران»، وهذا تعمَّر على عهد أخي عظمة مولانا الشيخ ساكن الجنان الشيخ مزعل خان، والرابع وهو أعظمها سِعة وأكثرها فخامة ورياشًا ويُدعى «بهمشير» على اسم نهر بهمشير، وهذا عمَّره عظمة مولانا الشيخ في ترسانته. وهذه اليخوت مرصدة لخدمة عظمة مولانا الشيخ، يركبها في انتقاله إلى المحمرة أو البصرة أو في تجواله المستديم في داخلية إمارته العامرة في نهر قارون.

أما مدخل القصر الثاني فهو من طريق البَرِّ لدخول غلمانه ومواليه وخروجهم، وهم حرسه الخاص، ولهم بجوار قصره العامر دُور يسكنونها بين أشجار النخيل.

figure
أحد مناظر الخزعلية.

وبجوار هذا القصر دائرة المطبخ، حيث يطهو الطهاة الأطعمة لكلِّ من سكن الكمالية أو نزل فيها، فتُذبَح الذبائح الكثيرة فيه يوميًّا وتُطهى الأطعمة وتوزَّع على الناس بالكرم الخزعلي المشهور.

وفي الكمالية أيضًا الإسطبل العامر، وفيه من الخيول العربية الصافنات ما يقلُّ نظيره ويندُر وجود مثله في قصور الملوك. ولعظمته عناية خاصة بهذه الأصائل التي لها المقام الأرفع عند العرب لحاجتهم إليها في حروبهم ومغازيهم.

كورة الخزعلية

وفي سنة ١٣٢٦ للهجرة (١٩٠٨) اختطَّ وليُّ النعم عظمة مولانا الشيخ المُعظَّم، حفظه الله، كورة جميلة في نقطة متوسطة بين المحمرة والفيلية أطلق عليها اسم الجناب العالي «الخزعلية»، وكان تخطيطها على أجمل أسلوب هندسي صحِّي، وبُوشِر ببنائها على الطراز الحديث، ويُنتَظَر أن تُصبح من أعظم ضواحي المحمرة شأنًا، وأشاد بها عظمة مولانا الشيخ قصرًا فخمًا، وقدم رؤساء العشائر فأشادوا فيها القصور أيضًا، والعمران لا يزال قائمًا بها، وقد مُدَّ إلى هذه الكورة ترعة بطول ثمان كيلومترات على عرض عشرين مترًا بعمق ثمانية أمتار، ووصل أحد طرفيها بشط العراق الكبير والطرف الثاني بنهر قارون، وبها توفر الاستقاء للأهلين وإرواء مزارعهم ومواصلتهم مع المحمرة والفيلية بالبلايم.

ولهذه الكورة موقع صحي بديع يشرح الصدور ويُنعش النفوس بطلاقة هوائه وحسن مناظره، ولا يبعد أن تصبح مصيفًا لسكان المحمرة بعد قليل من الزمان.

ناصرية الأهواز

الأهواز كانت حاضرة عربستان على عهد الأكاسرة، وعظم شأنها على عهد الخلفاء العبَّاسيين، وأزهرت بالعلم والعلماء، وكان ما حولها رياضًا مزهرةً ومزارعَ خصبةً. ثمَّ عَدَت عليها عوادي كما عدت على سائر العراق فأصبحت خرابًا يبابًا، وظلَّت كذلك إلى أن استقلَّت عربستان وتولَّى أمرها المصلح العظيم ساكن الجنان نصرة الملك الحاج جابر خان، رحمه الله، فاهتمَّ بتعميرها وبنى فيها دارًا فخمة، وتبعه الناس فبنَوا فيها بعض الدُّور وأصبحت موردًا للقبائل العربية والعجمية النازلة حولها، يقصدونها لمشترى حوائجهم، فاتَّسعت بعض الاتِّساع وأُطلِقَ عليها اسم «ناصرية الأهواز» تيمُّنًا باسم ساكن الجنان ناصر الدين خان، شاه إيران الأسبق. ولما تشرَّفت إمارة عربستان بولاية عظمة مولانا السردار أرفع، روحي فداه، خصَّ هذه المدينة ببعض عنايته، فبنى فيها سوقًا وبعض الدُّور، وباشر بناء قصر فخم فيها لم يتم بعدُ، ومما ساعد على عمران هذا البلد وجود شركة الغاز الإنكليزية إذ كانت منابع الغاز على مسافة تسع ساعات منها، فاتَّخذتها الشركة مركزًا لها، وأقبل مهندسو الشركة ومستخدموها على سكناها، فاتَّسع نطاقها. وإذ كان معظم هؤلاء المستخدمين من نصارى الكلدان أوهبهم عظمة الشيخ المُعظَّم، حفظه الله، أرضًا بنوها كنيسة، فكانت أول كنيسة للنصارى في إمارة عربستان، وتم بناء هذه الكنيسة سنة ١٩١٢.

وأكثرُ أهالي الأهواز من الفرس لقربها من بلاد فارس، وفيها العرب والكلدان والصابئة، ويبلغ عددهم جميعًا نحو العشرة آلاف، ويوجد فيها قنصل لدولة إنكلترة المعظَّمة أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤