جناب الحاج رئيس

شيخٌ جليلٌ مُهابٌ، شبَّ وشابَ في حِمى البيت الجاسبي الرفيع العماد، فأخلصَ لهم سِرًّا وجهرًا، وخدمَهم بكل ما أوتيَ من ذكاءٍ ودهاءٍ وفطنةٍ خدماتٍ مشكورةً محمودة، ولا يزال يوالي المسعى في سبيل صادق الخدمة بإخلاصٍ عزيز النظير، وعلمٍ وذكاء وحُسن تدبير وتفكير، فكان أصدق مشير وأفضل وزير، وهو محترم وقور، حسن السياسة، وافر الكياسة، ثابت الجنان، صحيح الإيمان، بايعَ عظمة مولانا الشيخ السردار أرفع على الإخلاص، فأخلص لعظمته سِرًّا وجهرًا، وصدَق في خدمته قولًا وفِكرًا، فلا تلْقاه إلا وهو مجاهد في اكتساب رضاء عظمته الملوكية في خدمة دولته العلية، وتوفير الراحة والرَّفاه لرعاياه، فتنطلق ألسنتهم بالدعاء لشخصه المحبوب المفدَّى بحبَّات القلوب، وتتحرك أفئدتهم بحبه، وكذلك فليكن الوزراء الأمناء والخَدَمة الصادقون.

وجناب الحاج رئيس هو الحاج محمد علي خان، من أبناء إيران، هبط المحمرة على عهد ساكن الجنان الحاج جابر خان، واشتغل في التجارة فنجح نجاحًا عظيمًا، واتَّصل وقتئذٍ بذلك الرجل العظيم، وفاز بالانتماء إلى سُدَّته الملوكية، رحمه الله، وأصبح من خاصته وأركان إمارته العليَّة.

وعندما استأثرت رحمة الله بالمرحوم الحاج جابر خان، وانتهت الإمارة إلى ثاني أنجاله ساكن الجنان المرحوم الشيخ مزعل خان؛ انتقلت ثقة الأب إلى ابنه، فاستدناه من مجلسه، وعلى عهده نال هذا الوزير الكبير من لدن الدولة العليَّة الإيرانية لقب «رئيس تجار عربستان»، وعُرِف بين القوم باسم الحاج رئيس ولا يزال معروفًا بهذا الاسم الكريم.

وعندما تشرَّفت إمارة عربستان برَجلها الأكبر وعميدها الأشهر صاحب العظمة السردار أرفع، تمسَّك عظمته، حفظه الله، بهذا الوزير الأمين الصادق، واعتمد على صداقته وإخلاصه، فكان عند ظنه بحضرته يُثني عليه الثناء الذي هو أهله.

مدينة كربلاء، وإلى يمين القارئ باب جامع سيِّدنا الحسين، عليه الصلاة والسلام، وإلى يساره الجامع.
يا كربلاء شهدتِ أفظعَ مشهدٍ
أدمى القلوب بفاجع البلواء
وجرى الدمُّ الذَّاكي بأرضكِ فهي طا
هرة مطهَّرة وذات شذاء
وضممت خير شبيبة الجنات مَوْ
لانا الحسين وسيِّد الشهداء
وبه غدوتِ مزار كلِّ موحِّدٍ
وإلى النبي وآله بولاء

وجناب الحاج رئيس لا يدَّخر وسعًا ولا يوفِّر تعبًا في سبيل خدمة مليكه المفضال، فتراه دائمًا أبدًا ناشِطًا إلى تلبية أوامر صاحب العظمة الملوكية، بهمَّة الشباب وحنكة الشيوخ، وفكرة من خبر الدهر، وذاق الحلو والمُر.

وقد سار جناب الحاج رئيس غيرَ مرةٍ إلى طهران بمهمَّات تتعلق بإمارة عربستان، فنجح فيها جميعًا نجاحًا باهِرًا، كما أن مواقفه السياسية الكثيرة تشهد له بالذكاء النادر، وتُحيي له أطيب المآثر، فلا عجب إذا كان موضع ثقة عظمة السردار أرفع، وفائزًا برضائه الأعلى.

وطالما سمعنا هذا الوزير الخطير يفاخر بانتمائه إلى عظمة السردار ويفتخر بخدمته؛ شأن الشكور المخلص.

وفي سنة ١٩١٤ سار حضرة الحاج رئيس بسياحةٍ كبرى قصد فيها الهند فمصر فأوروبا، ثمَّ عاد باليُمن والإقبال إلى المحمرة بطريق سوريا، وقد لاقى بسياحته هذه من الحفاوة والإكرام ما يليق بمخلص كبير لعظمة السردار أرفع، وكانت سياحته هذه ذات فوائد جمة.

وجناب الحاج رئيس متوسط القامة، نحيف الجسم، عصبي المزاج، قوي العزيمة، نيِّر الفكر، متوقد الذكاء، صريح اللهجة، لا يعرف الرياء ولا المداجاة، ومن طبعه الإخلاص للمخلصين لعرش مولانا ومولاه، والعمل على ما يحبه ويرضاه.

ولسعادة الحاج رئيس تجارة واسعة في عربستان، بل هو أعظم تاجر فيها، ويقوم بإدارتها نجله الذكي النشيط سعادة أبو الحسن خان مشير تجار عربستان المعروف باسم الحاج مشير. وهذا الشهم النبيل تربَّى على الإخلاص لعظمة السردار أرفع، وفاز برضاء عظمته، وبات موضع ثقته أيضًا. وجنابه من نوابغ شُبَّان العراق، ويُحسن اللغات العربية والفارسية والإنكليزية، وسافر غير مرة إلى الهند وأوروبا فأزادته أسفاره خبرةً ودراية، حفظ الله الرئيس والمشير، بحِمى عظمة مولانا وليِّ النعم السردار الخطير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤