مفهوم العذرية

أغلب الناس يجهلون الكثير عن ذلك الشيء الذي اسمه غشاء البكارة، ويَعتقدُون أن كل بنت لا بد وأن يَحتوي جسدها على هذا الغشاء، وأنَّ هذا الغشاء لا بدَّ وأن يُفَضَّ في اللقاء الأول بين الفتاة والرجل، وأن نتيجة هذا الفض لا بد وأن يكون دمًا أحمر تراه العين فوق الملاءة، فهل هذا صحيح؟ والإجابة على هذا السؤال هي: لا.

إنَّ غشاء البكارة ليس نوعًا واحدًا وإنما عدة أنواع: النوع الشائع ويُوجَد في حوالي ٧٥٪ من البنات، وهو غشاء رقيق غير مطاط يسدُّ مدخل المَهبل وفي مُنتصفِه فتحة دائرية صغيرة يمر منها الحيض كل شهر، وهي فتحة ضيقة تسمح بمرور طرف الإصبع، وهذا الغشاء حين يتمزَّق (لأسباب مختلفة ومنها الاتصال الجنسي بالرجل) تسقط منه بعض قطرات دم وقد تشعر الفتاة بألم خفيف أو لا تشعر بأيِّ ألم على الإطلاق، وهذا يتوقف على حجم عضو التناسُل عند الرجل وعلى الطريقة التي يُفَضُّ بها الغشاء.

أما بقية البنات (٢٥٪ تقريبًا) فقد خُلِقْنَ بأغشية مُختلفة لا يسيل منها عند الاتصال الجنسي بالرجل قطرة دم واحدة، أحد أنواع هذه الأغشية هو النوع المطاط الذي يَسمح بمرور عضو الرجل دون ألم ودون دم، (حالة العروس السابقة)، وهناك الغشاء ذو الفتحة المُتعرِّجة، حيث لا تكون الفتحة دائرية ومنتظمة وإنما متعرِّجة؛ وبالتالي يُصبح محيطها أكثر اتساعًا من الفتحة الدائرية بحيث يحدث الاتِّصال الجنسي دون تمزق خاصة إذا كان عضو التناسل عند الرجل أصغر قليلًا من المعتاد.

وهناك أيضًا الغشاء ذو الفتحات الصغيرة المُتعدِّدة «كالغربال» الذي يتمزق بسهولة بلا ألم أو دم، ومن المعروف طبيًّا أن نسبة قليلة من البنات يُولدن بغير غشاء على الإطلاق، كما أنه في بعض الحالات النادرة أيضًا تُولد البنت بغشاء سميك مسدود يحتاج إلى مشرط الطبيب عند البلوغ ليخرج منه دم الحيض.

ومن الناحية الطبِّية فإنَّ غشاء البكارة ليس له أهمية فسيولوجية أو بيولوجية مثله مثل الزائدة الدودية، وليس هناك من ضرر على صحة الفتاة وُجِدَ الغشاء أم لم يوجد، وما إذا كانت فتحته دائرية، متعرِّجة، أو منتظمة، كل ما يهم الطب أن تكون هناك فتحة تسمح بمرور الحيض.

ومن المعروف أنَّ أعضاء الجسم الإنساني تناسُلية أو غير تناسُلية تختلف في أحجامها، وليس هناك جسم مماثل للجسم الآخر تمامًا كالبصمات، فلكلٍّ منا جسمه وبصمتُه وتكوينه الخاص به، وكذلك تختلف الأعضاء التناسلية للرجال والنساء، وكما يتفاوَت حجم عضو التناسل من رجل إلى رجل، كذلك ليس هناك مقياس ثابت موحَّد لفتحة غشاء البكارة في جميع البنات، ولكن ما أتعس تلك الفتاة التي تتزوَّج بالصدفة رجلًا يقلُّ محيط عضو تناسلِه عن محيط فتحة غشائها ملِّيمترًا أو بضعة ملِّيمترات.

•••

فتاة ريفية في السادسة عشرة تقريبًا جاءت إلى عيادتي مع زوجها، كانت شاحبة الوجه نحيلة يُخيَّل لمن يَنظر إليها أنها طفلة في الثانية عشرة؛ فجسمها أصغر من المعتاد، وتصوَّرت أن سوء التغذية هو سبب ضمور جسمها، أما اصفرار لونها الشديد فجعلني أشك في أن هناك تسممًا في الدم، وحينما خلعت ملابسها الريفية الواسعة لاحظت كبر بطنِها، وقال زوجها إنه تزوَّجها منذ عام واحد وإنها حامل في الشهر الخامس أو السادس.

وسألتها السؤال التقليدي: منذ متى انقطع عنكِ الحيض؟

فردَّت قائلة إنها لم ترَ في حياتها دم الحيض.

وقال زوجها: إنها لا تزال صغيرة السن ولم تبلغ الرشد بعد، وربما يكون الحمل هو السبب في عدم ظهور الحيض.

وبفحص الفتاة اتَّضح لي عدم وجود أيِّ جنين في بطنها في الشهر السادس أو الخامس، وإنما هناك ورم غامض الملامح، وبالطبع لجأت إلى فحص الرحم عن طريق المهبل وهنا ظهرت لي حقيقة دهشت لها، فقد كان المهبل مسدودًا تمامًا بغشاء سميك مطَّاط انضغط تحت إصبعي بمرونة شديدة، وكاد طرف إصبعي يصلُ إلى عنق الرحم لا يفصله عنه إلا سمك الغشاء.

وسألت الزوج عما يَذكره عن ليلة الزفاف.

وبسرعة قال الزوج: ليلة الزفاف اتَّصلت بزوجتي ولم يكن هناك دم، لكني لم أشك في الأمر لأنها كانت لا تزال طفلة صغيرة ولم تبلغ الرشد.

وقلت للزوج إن زوجته لا تزال عذراء وإنها وُلِدَت بغشاء بكارة سميك مسدود، وإن هذا الورم في بطنها هو دم الحيض الذي تكوَّم شهرًا وراء شهر ولم يجد منفذًا إلى الخارج.

وبالمشرط فتحت الغشاء فاندفع الدم القديم المتراكم إلى الخارج، ونهضت الفتاة من فوق المنضدة وكأنما تفتح عينَيها لأول مرة بعد مرض مزمن أو تسمُّم طويل الأمد.

وقد قرأت مرةً عن حادثة قتلٍ تُشبه هذه الحالة؛ فقد عثر البوليس على جثة فتاة حامل، واعتقد جميع الناس أنها قُتِلَت دفاعًا عن الشرف، ولكن الطبيب الشرعي شرَّح الجثة وأعلن أن كبر بطن الفتاة لم يكن بسبب الحمل، وإنما هو دم الحيض المُتجمِّع شهرًا وراء شهر بسبب غشاء البكارة السميك المسدود.

•••

وكم من حوادث أليمة قرأنا عنها في الصحف والمجلات، ولعلَّ أحدث قصة قرأتها في المجلة الطبية العراقية الصادرة في ٢١ كانون الثاني سنة ١٩٧٢م بلسان طبيب شرعي عراقي معروف اسمه الدكتور وصفي محمد علي، بالحرف الواحد:

«أتذكَّر وقفةً لي أمام المحكمة الكُبرى ببغداد استُشرتُ خلالها عن تصرف أحد الأطباء الرسميِّين وإبداء الرأي فيما إذا كان يتفق والسلوك المهني الصحيح، وقد طُلب إليه فحص بنت بُغيةَ التأكُّد من أنها مُزالة البكارة قديمًا أو حديثًا أو أنها لا زالت بكرًا، والسبب الذي ألجأ الحاكم إلى طلب الفحص هو أنَّ زوجها أخبر أهلها ليلة زفافها بأنه يشكُّ في عفاف البنت بحجة عدم حصول أي نزيف دموي أثر الجماع، وفحص الطبيب البنت وخرج فسأله أهلها عن النتيجة وألحُّوا عليه فقال لهم: إنَّ البنت ثيِّب (ليست بكرًا) ومن مدة قديمة، فوقع الخبر عليهم كالصاعقة، واشتدَّت ثورة الغضب عند ابن عمها فقتَلَها بعد يوم واحد، بالرغم من أنها — كما أخبر المحقِّق — أكَّدت له بأن ما ذكره الطبيب لا يتفق مع الواقع، وأن بشَرًا لم يمسَّها، وقد شكَّل الحاكم لجنة لفحص الجثة، وقدمت اللجنة تقريرها بأن غشاء البكارة كان غير مُمزَّق وهو من النوع المطاطي، وهكذا اتضح خطأ تشخيص الطبيب.»

وفي نفس هذا المقال كتب الدكتور وصفي محمد علي أن الغشاء المطاطي ليس نادرًا في العراق كما يتَّضح من الوقائع التي قام بفحصها خلال سنين طويلة؛ فقد ظهر أن نِسبةَ وجوده لآخر إحصاء هي ١١٫٢٠٪ كما يتضح من الجدول الآتي:

النوع العدد النسبة المئوية
متوسط ١٢٦٥ ٤١٫٣٢
سميك ٩٥٩ ٣١٫٣٢
رقيق ٤٩٥ ١٦٫١٦
مطاطي ٣٤٣ ١١٫٢٠
المجموع الكلي ٣٠٦٢ ١٠٠٫٠٠٠

عدد ونوع الأغشية البكارية — تبعًا لطبيعة نسجها — المفحوصة في معهد الطب العدلي (الطب الشرعي) — بغداد خلال سنة ١٩٤٠–١٩٧٠م.

ومن الحقائق الطبية المعروفة كما سبق أن ذكرت أن غشاء البكارة له فتحة صغيرة قد تضيق وقد تتَّسع وقد تتعرَّج وقد تنتظم، وأنه في معظم الفتيات يتمزَّق عند أول لقاء بالرجل، وينتج عن هذا التمزُّق ألم بسيط وبضع قطرات دم، وهذه الحقيقة — بطبيعة الحال — تثبت لنا أن هذا الغشاء رقيق؛ لأنه لو كان سَميكًا ومتينًا لما كان من السهل أن يُمزَّقَ على هذا النحو، ولصَاحَبَ عملية التمزُّق آلامٌ أشد ونزيف أكثر.

وهناك حالات نادرة حين يكون الغشاء سميكًا على غير المعتاد وتُصبح عملية فضه في ليلة الزفاف مؤلِمة للفتاة، وقد تحتاج إلى طبيب، وينتج عن تمزق الغشاء نزيف وليس مجرد بضع قطرات دم.

وهناك حالات نادرة أيضًا حين يكون الغشاء رقيقًا جدًّا أرقَّ من المعتاد فإذا به يتمزَّق عند البنت أثناء استخدامها لفوطة الحيض.

أما الشائع والمعتاد فهو ذلك الغشاء الذي يتمزَّق في أول لقاء بالرجل، ولا يصحب ذلك إلا ألم طفيف وقطرات قليلة من الدم، ولكن هذا الغشاء قد يتمزَّق لأسباب أخرى ولا ينتج عن تمزُّقه إلا ألم طفيف وبضع قطرات دم.

•••

فتاة في الثامنة عشرة جاءتني مع والدها، والقصة أنها فتاة رياضية تُمارس ركوب الخيل والدراجات، قرأ والدها صدفة في إحدى المجلات أن بعض الرياضات مثل ركوب الدراجات أو ركوب الخيل أو القفز من مكان مُرتفع قد يتسبَّب في تمزيق غشاء البكارة عند الفتاة، ومنذ ذلك الحين وهو قلق وقد منع ابنته من ممارسة رياضتها، ولكنه يريد أن يطمئن على سلامة غشائها قبل أن يزوجها لابن خالتها.

وسألتُ الفتاة عن الرياضة التي كانت تزاولها وعما إذا كانت تذكر حادثة معينة أصابتها بشيء من الألم أو أي قطرات من الدم، لكن الفتاة أجابت بأنها لم تتعرَّض لأي حادث، وأن أباها مُبالِغ في قلقه وأنه حرَمها من رياضتها التي تحبها كما تحب الحياة، وقالت بشيء من الأسى: «إذا كان الزواج معناه ألا أمارس الرياضة فأنا لا أريد أن أتزوَّج وأفضِّل الرياضة على الزواج.»

وكنتُ مقتنعة تمامًا بحق الفتاة في الرياضة، ونصحتُ الأب بأن يكفَّ عن قلقه وأن يترك فتاته تمارس رياضتها، لكنه لم يقتنع وألحَّ عليَّ أن أفحصها ليطمئن.

وفحصتُ الفتاة، واتضح لي أن الغشاء من النوع المُعتاد ذي الفتحة المنتظمة الدائرية ولكن في أحد جانبيه شق صغير طوله ملِّيمتران أو ثلاثة، وقد نتج هذا الشق من تمزُّقٍ جانبيٍّ بالغشاء أثناء الحركة الرياضية العنيفة، وشرحتُ الأمر للأب فزاد قلقه واضطرابُه وسألني عما إذا كان التمزق الصغير قد أفقد ابنته عذريتها وأنه لن يكون هناك «دم» ليلة زفافها، وقلت للأب الحقيقة وهي أن مثل هذا التمزق قد زاد — بطبيعة الحال — مِن اتِّساع فتحة الغشاء، وأنه قد لا يكون هناك «دم» ليلة الزفاف خاصة إذا تصادف أن تزوَّجَت رجلًا له عضوُ تناسل أصغر من المعتاد.

وهنا بلغ بالأب القلق حدًّا كبيرًا فارتجف وهو يتساءل في حيرة: وما العمل يا دكتورة؟

وقلت: لا شيء، عليك فقط أن تشرح الأمر للرجل الذي سيتقدَّم للزواج من ابنتك.

وقال الأب في حزن شديد: هذه أكبر كارثة ألمَّت بي.

وقلت: ما الكارثة؟! هل فقدَتِ ابنتك ذراعها أو ساقها أو عينًا من عينيها؟!

وقال الأب: لو فقَدَتْ عينًا لكان ذلك أخف، ولكن أن تَفقد أعزَّ ما تملك …

وهوَّنتُ الأمر على الأب وقلت له: إنَّ أعزَّ ما تملكه ابنته ليس هذا الغشاء الذي تمزَّق دون أن تشعر وهي تمارس رياضتها، وإنَّ أعز ما تَملكُه ابنته هو أعز ما يملكه أي إنسان وهو إرادته الحرة وصدقه مع نفسه ومشاركته في صنع حياة أفضل له وللمجتمع.

لكنه قال: ومَنْ سيُصدق أنها الرياضة يا دكتورة؟ ما من أحد إلا وسيشك في أخلاقها وشرفها.

وردَّت الابنة في غضب: أنا واثقة مِن نفسي ولا تُهمني أيُّ شكوك، والرجل الذي سيشكُّ في شرفي لن أقبله!

وأعجبتْني الفتاة لثقتِها في نفسها، لكنَّ الأب كان قد أصبح على وشك الانهيار، وطلب مني أن أُوقِّع شهادة طبية تُثبِت أن التمزُّق الذي حدث في الغشاء كان بسبب الرياضة وليس شيئًا آخر، وأعطيتُه الشهادة لأهدئه فأمسكها بين يديه بعناية وحرص كأنه يمسك حياته ذاتها، وأخذ ابنته في يده وانصرف.

•••

فتاة في العشرين من عمرها جاءتني مع أمها ناظرة إحدى المدارس الابتدائية، طلبت منِّي الأم أن أفحص ابنتها وأُطمئنَها على سلامة غشائها، وسألت الأم عن السبب الذي جعلها تشكُّ في سلامة غشاء ابنتها، وقالت الأم إنها اكتشفت أن ابنتها تعودت كل صباح حين تغتسل أن تمد أصابعها إلى الغشاء لتقيس فتحته، وإنها تخشى أن تكون ابنتها بهذا الفعل قد أصابت غشاءها بسوء دون أن تدري.

وبسؤال الفتاة قالت إن أمها كانت تُحذِّرها دائمًا من القفز أو نط الحبل خشية أن يتمزق غشاء بكارتها، لكن الفتاة كانت تحب «نط الحبل» وكانت تمارسه في المدرسة، لكن كلام أمها كان قد ترسَّب في نفسها وجعلها تعيش في خوف دائم على غشائها، وفي يوم وهي تغتسل بلغ بها القلق مداه فمدَّت يدها لتطمئنَّ إلى وجود الغشاء، وحينما عثرت بطرف إصبعها على الفتحة الصغيرة فزعت وظنت أن الغشاء تمزَّق، لكن إحدى صديقاتها قالت لها: إن لكلِّ غشاء فتحة صغيرة تسمح بمرور الحيض، ومن هنا بدأت الفتاة تقيس هذه الفتحة لتطمئنَّ على أنها فتحة ضيقة لا تتسع يومًا بعد يوم بعد نط الحبل.

وفحصتُ الفتاة واتَّضح ما أكَّد كلامها؛ فالغشاء سليم ولكن فتحته كانت قد اتسعت ليس بسبب نط الحبل ولكن تكرار وضع الإصبع في الفتحة جعل محيطها يَرتخي بعض الشيء فاتسعت الفتحة. وكثيرًا ما يحدث هذا الاتساع في فتحة الغشاء في الفتيات اللاتي يمارسن العادة السرية بكثرة في فترة المراهَقة.

وقالت الأم في ذعر: هل سيُؤثر ذلك على عذريتها؟

وقلت للأم الحقيقة؛ وهي أن ابنتها حين تتزوج قد لا تكون هناك قطرات دم اللقاء الأول مع الرجل.

وكادَت تُصاب الأم بانهيار عصبي، لكني هدأتها وأعطيتُها شهادة طبية تُبرئ ابنتها من المسئولية، وكانت الابنة بريئة فعلًا، أما المذنب الحقيقي فهو الأم بتربيتها الخاطئة لابنتها وبث الذعر والقلق في نفسها على الغشاء، بل لعلَّ الأم أيضًا بريئة بسبب جهلها بالتربية السليمة، وأن المذنب الحقيقي هو المجتمع الذي جعل مقياس الشرف ودليله غشاءً رقيقًا معرَّضًا لكل ما يُمكن أن يتعرَّض له غشاء رقيق في الجسم من إصابات وارتخاء ورضوض وخدش وتمزق، ويُمكننا أن نتصوَّر الضرر النفسي البالغ الذي تُصاب به الفتيات في مجتمعنا حين يدركن أن في نهاية مهبلهنَّ غشاءً رقيقًا هو أعز ما يَملكن، وعليه يتوقَّف مستقبلهنَّ وشرفهن وحياتهن، وأن عليهن المحافظة عليه بكل الوسائل وإن اقتضى ذلك أن تكفَّ الفتاة عن الحركة والرياضة، وأن تمشيَ وساقاها ملتصقتان، وأن يتراكم الشحم فوق جسدها الكسول البطيء، وأن يتراكم الوهم في نفسها، وأن تَعيش في قلقٍ دائم على غشائها، وأن تفقد كل مقوِّمات النفس القوية والجسم الصحِّي القوي فلا تكاد تصلح بعد ذلك إلا لحياة باهتة باردة راكدة تعيشها في كنف زوج أثبتت له شرفها ليلة الزفاف ببضع قطرات دم، وتُحاول كل ليلة أن تثبت له هذا الشرف بجهلها وتجاهُلها أي حركة أو أي مُتعة تَشِي بخبرتها بذلك الذي يطلق عليه اسم الجنس.

•••

عرفنا الآن بعض معلومات عن ذلك الغشاء الذي يجهله كثيرون منَّا، وعرفنا أن عدم حدوث قطرات الدم ليلة الزفاف ليس معناه أنَّ هذه الفتاة مارست الجنس من قبل، وإذا أضفنا إلى نِسبة الخمسة والعشرين في المائة من البنات اللائي يُولدن غير عذراوات بمفهوم العُذرية السائد الخمسة في المائة من البنات اللائي يفقدن هذه العُذرية بسبب حادث غير جنسي أدركنا أن حوالي ثلاثين في المائة من الفتيات يُظْلَمْنَ ظلمًا بينًا ليلة الزفاف، وكيف يقبل المجتمع أن يُدين هؤلاء الفتيات وأن يُوقع عليهن عقوبات وهن بريئات لا يَدرين شيئًا عن الذنب الذي يُعاقَبْنَ من أجله.

ولكن المجتمع يقول: إنه لا بدَّ وأن يكون هناك دليل مادي على شرف البنت، وإنه إذا كانت الأقلية تُظْلَم من وجهة النظر الطبية فإن الأغلبية من البنات (حوالي ٧٠٪) يُمكن الحكم على شرفهنَّ بوجود هذا الغشاء، وإلا فكيف يُمكن الحكم على شرف البنت؟!

وللرد على هذا السؤال أسُوق نموذجًا من بعض الحالات التي كانت تتردَّد على عيادتي.

جاءتني حاملًا في الشهر الخامس، وحينما هممت بأن أفحصها عن طريق المهبل هبَّت مذعورة وأفهمتني أنها لا تزال عذراء، وقصَّت عليَّ قصتها، إنها طالبة بالجامعة، ولها زميل يحبُّها وهي تبادله شعوره لكنَّهما لم يُفكِّرا في الزواج؛ لأنه فاشل في دراسته ولا تعرف مستقبله بعد، لكنهما كانا يلتقيان ومن حين إلى حين يُمارسان الاتصال الجنسي السطحي، دون أن يُصاب غشاء البكارة بسوء، وفعلًا ظل غشاء البكارة سليمًا، لكن أحد الحيوانات المنوية استطاع في مرة من مرات الاتصال السطحي أن ينفذ من خلال فتحة غشاء البكارة، وأن يَسبح صاعدًا إلى الرحم، وحملت الفتاة جنينًا في أحشائها رغم بقائها عذراء.

وطلبت مني الفتاة أن أُخلِّصها من الجنين عن طريق فتح بطنِها حتى تحتفظ بعذريتها، فاعتذرت عن إجراء مثل هذه العمَلية وانصرَفتِ الفتاة، لكنِّي التقيت بها بعد بضع سنوات وعرفت أنها ذهبت إلى طبيب آخر وأخرج لها الجنين من بطنها، وأنها تزوَّجت مهندسًا ناجحًا وأنجبت طفلين.

وتخيَّلت يومها هذا المهندس الناجح في ليلة زفافه وهو يقوم بالإجراءات والخبرات التقليدية للتأكُّد من عذرية فتاته ويُسعدُه كل السعادة أن يجد غشاءها سليمًا، ولا يكاد يهمه أن يرى شقًّا طويلًا في بطنها، بل لا يُهمُّه أن يجد شقًّا بأيِّ طول في قلبها أو كبدها أو مخها، ولكن أن يجد في غشاء بكارتها شقًّا وإن كان طوله لا يزيد عن ملِّيمتر فهذه هي الطامة الكبرى.

ولا أظنُّ أن المجتمع يجهل أن هناك من الوسائل الصناعية ما يُعيد إلى الفتاة عذريتها التي فقدتْها لأي سبب، وأن الدم الذي يظهر ليلة الزفاف ليس دائمًا دم العروس، وإنما قد يكون دم دجاجة وُضِعَ في كيس، أو دم الحيض ذاته حين تُزَف العروس وهي حائض ليظهر دم الحيض على أنه دمُ العذرية، وغير ذلك من الحيل التي تُجيدها الدايات والنساء من ذوي الخبرة بالرجال والحياة.

وكم من القصص والحالات شهدتُها بعيني حينما كنتُ طبيبة بالريف، فلا تزال تقاليد الزفاف الغريبة سائدة في بعض قُرانا، حين تأتي «الداية» وتُمسك العروس من ساقيها كما تُمْسَك الدجاجة قبل الذبح، وتمدُّ إصبعها ذا الظفر الطويل المدبَّب كالسكِّين (غالبًا ما تُطيل الداية ظفر إصبعها من أجل هذه المناسبة) وبهذا الإصبع تفض الداية غشاء بكارة العروس وتجفِّف الدم الذي يسيل في «بشكير» أبيض يختطفه منها أبو العروس ويَرفعه عاليًا ليراه كل الناس ويشهدوا بأعينهم على شرفه وشرف ابنته.

وقد حضرتُ بنفسي بعض هذه الأفراح، وبلغ بي الاستطلاع مداه في بعض الأحيان فجلست بجوار الداية لأشهد بدقة ما تفعله، في إحدى المرات مدَّت الداية إصبعها بعنف داخل مهبل العروس وحينما لم تسقط إلا قطرات قليلة خدشت بظفرها المدبب جدار المهبل فسال الدم غزيرًا كالنزيف وغرق البشكير بالدم وارتفعَت الزغاريد ودقات الطبول، وقلتُ للداية بصوت مُنخفِض إنها أحدثت جرحًا في المهبل، لكنَّها همست في أذني: إنَّ ذلك ضروري ليكون الدم كثيرًا؛ فالناس يَحكُمون على شرف العروسة بمقدار ما يسقط على البشكير من دم.

وقالت الداية المجرِّبة: حينما كنت أفضُّ الغشاء فقط تسقط قطرات قليلة من الدم لا يراها بوضوح عجائز الفلاحين ذوي الألسنة الطويلة؛ ولهذا تدرَّبت على أن أخدش بظفري الطويل جدار المهبل ليُحدث ذلك النزيف، وقد أصبحت لي سمعة طيبة في البلد، وكلُّ الأسر تحرص على أن أقوم أنا (دون الدايات الأخريات) بفضِّ أغشية البكارة في الأفراح.

ومُعظَم الأطباء الذين عملوا بالريف صادفوا كثيرًا من الحوادث الأليمة بسبب هذه العادة المصرية الغريبة في فضِّ غشاء البكارة بالإصبع، وفي بعض الأحيان يكون إصبع الزوج، وضرره في هذه الحالات أشد بشاعة؛ لأنه إصبع غشيم غليظ لم يَعرف إلا قبضة الفأس، فإذا بهذا الإصبع يندفع بغلظته وجهله الأعمى في مهبل الفتاة الصغيرة، يُمزِّق الأنسجة الرقيقة ويغوص في اللحم والأعصاب مُحدِثًا تهتُّكات قد لا تُشْفَى مدى العمر، ولن أنسى تلك العروس التي حملوها إليَّ في مُنتصَف ليلة زفافها تنزف من مهبلها نزيفًا شديدًا وحينما فحصتُها اتَّضح لي أن هناك ثقبًا كبيرًا في المثانة بسبب إصبع الزوج الطويل الغليظ الذي نفذ من جدار المهبل ووصل حتى جدار المثانة فثقبَه ثقبًا كبيرًا، وهناك كثير من الحالات والحوادث المشابهة التي يصادفها معظم الأطباء في الريف.

ولا يتَّسع هذا الكتاب إلى أن أسرد الحالات التي مرَّت بي سواء داخل عيادتي أو خارجها، والتي تُثبت للمجتمع أن وجود غشاء البكارة أو أن سقوط الدم ليس دليلًا على شيء.

وحينما تتضح هذه الحقائق لبعض الناس يتساءلون في ذعر: ولكن كيف نحكم إذن على شرف البنت؟ ولكن ما هو مفهوم الشرف لدى هؤلاء؟ هل الشرف هو مجرَّد أن يحافظ الإنسان على أعضائه التناسلية؟ هل البنت الشريفة هي تلك التي تحافظ على سلامة غشائها ولا تحافظ على سلامة تفكيرها وصدقها وقدراتها على العمل والإنتاج في الحياة؟ هل البنت التي تكذب تصبح شريفة لمجرَّد أنها وُلِدَت بغشاء بكارة؟ هل من المُمكن أن يكون الشرف صفة تشريحية يولد بها الإنسان أو لا يولد؟ وإذا كان غشاء البكارة هو دليل شرف البنت فما هو الدليل على شرف الرجل؟

ويقول بعض الناس: إنَّ شرف الرجل في غير حاجة إلى دليل، فهل معنى ذلك أنَّ كل الرجال في حكم المجتمع شرفاء؟ ويرد البعض قائلين: إنَّ شرف الرجل يَختلف عن شرف المرأة، «الرجل لا يَعيبُه إلا جيبه» مَثَل من الأمثلة الشعبية الشائعة في مجتمعنا، ومعنى ذلك أن الرجل شريف طالما هو يعمل ويكسب مالًا بصرف النظر عن علاقاته الجنسية بالنساء، بل إنَّ الرجل في مجتمعنا يفخر بتعدُّد علاقاته مع النساء ويَعتبِر ذلك نوعًا من الانتصار والفوز.

ومن هنا نُدرك أن للمجتمع مقياسَين للحكم على الشرف، وأنه فرَض العفة على النساء وحدهنَّ، ونتج عن ذلك تلك الظاهرة الاجتماعية الغريبة؛ وهي أن المرأة تتحاشى الرجل لتحافظ على شرفها، لكن الرجل يُطارد المرأة؛ لأنه يُريدها ولأن مطاردتها والاتصال بها لا يعيبه في شيء، ويظل الرجل يطارد الفتاة مستخدمًا في ذلك شتى الحيل؛ مرة الحب الجارف، ومرة الوعود بالزواج، ومرة التفاني في الإخلاص إلى الأبد … إلخ، وحينما تثق به الفتاة وتصدقه يقول عنها المجتمع إنها سقطت، وإذا غدر بها الرجل ولم يتزوَّجها يحكم عليها المجتمع بعدم الشرف، ويقضي عليها وعلى مستقبلها ومستقبل طفلها، أما الرجل فينطلق سعيدًا ناجحًا يُكرر تجاربه تحت سمع المجتمع وبصره.

•••

جاءتني إلى العيادة ذات يوم فتاة في السابعة عشرة تقريبًا، نحيلة شاحبة، أصابع يديها مُشقَّقة مُتورِّمة، أدركت على الفور أنها خادمة في بيت من بيوت الأسر المتوسِّطة، تغسل كل يوم تلالًا من الصحون المُلوَّثة بالسمن والدهن والطبيخ المسبك، كانت تبكي، وبارتجاج جسدها النحيل وهي تنشج لاحظت انتفاخ بطنها، وقصَّت عليَّ قصتها؛ جاءت مع أبيها من الريف إلى القاهرة لتعمل خادمة عند موظَّف كبير بوزارة العدل، قالت لي: إنه وكيل الوزارة أو شيئًا من هذا القبيل، وفي البيت الكبير ذي العدد الكثير كانت تعمل ليل نهار، تَغسل وتَمسح وتُساعد الطباخ في طهي الطعام وإعداد المائدة، كانت ترصُّ أطباق اللحم أمام أفراد الأسرة ولا يكاد يتبقى لها إلا الفتات، وأول كل شهر يأتي أبوها ويأخُذ راتبها ويذهب إلى القرية، ولا يترك لها شيئًا، كان الطباخ ينام في حُجرة فوق السطح، أما هي فكانت تنام على دكة خشبية في المطبخ، كانت راضية بحالها تعمل بلا كلل أو ملل لتُرضي سيدتها صاحبة البيت وتُرضي أباها في القرية، وكان كل شيء يمكن أن يسير على هذا الحال، لولا أن سيدتها تلقَّت نبأ وفاة أحد أقاربها فسافرت إلى الزقازيق بضعة أيام.

ومسحت الفتاة دموعها وهي تقول: لم أكن أتصوَّر أن سيدي البيه يُمكن أن يفعل هذا.

وسألتها: ماذا فعل؟

قالت: جاءني في الليل ولم أستطع أن أمنعه.

وقلت: ثم ماذا؟

قالت: لم أكن أعرف شيئًا وظننتُ أن شيئًا لم يحدث، وحينما عادت سيدتي خِفْتُ أن أقول لها شيئًا، ومرَّتِ الأيام وأحسست أن بطني تكبر وظننتُ أنها ليسَت إلا السمنة، لكن سيدتي لاحظت كبر بطني فسألتْني وهدَّدتني بالطرد فذكرتُ لها حادثة سيدي البيه، وكنت أظن أنها ستعاقبه هو لكنها عاقبتني أنا وطردتني من بيتها وهدَّدتني بأن تَفضحني لدى أبي إذا أنا ذكرتُ اسم سيدي البيه، وهربتُ من أبي؛ لأنه لو عرف سيقتُلني، ذهبتُ إلى طبيب ليُجهضني لكنه طرَدني من العيادة وقال: إن القانون يمنع الإجهاض، مع أنني سمعت من بعض الناس أنه يُجهض النساء نظير عشرين جنيهًا للعمَلية، ولكني لا أملك إلا سبعين قرشًا وفَّرتها من البقشيش الذي كنت آخذه من ضيوف سيدتي.

لا أظنُّ أن أحدًا يستطيع أن يتَّهم هذه الفتاة البائسة بأنها غير شريفة، ومع ذلك فإنها في نظر المجتمع فتاة حامل بغير زواج؛ أي فقدت شرفها؛ وبالتالي تستحق العقاب، وتُواجه هذه الفتاة التعسة المجتمع وحدها، وقد تنهي حياتها بيدها أو بيد أبيها أو من أثر محاولتها التخلُّص من الجنين، أو تعيش حياة ذليلة راكدة هي والموت سواء بسواء، أما سيدها البيه فيظل يعيش في المجتمع الواسع العريض يستمتع بحياته ونجاحه وشرفه المصون في ظل حماية المجتمع والقانون.

وأظنُّ أنه لا يخفى على أحد ما تتعرَّض له الأطفال البنات أحيانًا من حوادث اعتداء، وقد لا تكون البنت قد بلغت الثامنة من العمر بعد، وتفاجأ بذلك الشاب الطائش الذي يعتدي عليها، وقد يكون هذا الشاب خادمًا أو بوابًا، وقد يكون أحد أفراد أسرتها، ولا أعني بأحد أفراد أسرتها ابن العم أو ابن الخال فحسب، ولكنه قد يكون العم نفسه أو الخال نفسه، وفي بعض الأحيان يكون الأخ ذاته.

وقد تنسى الطفلة الصغيرة الحادث أو تذكره كالحلم المزعج وتُفَاجَأ حين تكبر وفي ليلة الزفاف أنها غير عذراء، وقد لا تنسى تمامًا ويظلُّ ذلك الحادث الأليم كامنًا في نفسها يُعذبها ويفتك بصحتها النفسية طوال حياتها، هذا إذا نجت من العقاب الذي يتربَّص بها حين تكبر، وقلما تنجو من العقاب في معظم الأحوال.

ومما يَزيد المأساة أن الرجل المُعتدي لا يبوح بالسر، ولا يعترف بفعلته لينقذ الفتاة، بل إنه أحيانًا ما يشترك في العقاب أو يُوقِّعه بنفسه على الفتاة من أجل حماية شرفِه أو شرف الأسرة.

وكم سمعنا أو قرأنا عن مثل هذه المآسي، لعلَّ أقربها تلك التي قرأناها في جريدة الأخبار بتاريخ ١٠ مايو ١٩٧٢م تحت عنوان: «أحب العم ابنة شقيقه فأرغمه أخوها على قتلها بالسم»، وتقول كاربن هورني الطبيبة النفسية العالَمية: إن الناس يظنون أن مثل هذه الحوادث نادرة، ولكن نظرًا لأنها تحدُث في سرِّية شديدة فلا أحد يعرفها مع أنها شائعة، وفي سن الثامنة يمكن أن تفقد البنت غشاءها بسهولة وتَنسى الحادث.

•••

أعتقد أننا في حاجة إلى أن نفهم جيدًا ماذا نَعني بكلمة الشرف، مَنْ هو الإنسان الشريف؟ وإذا كان الشرف هو الصدق مثلًا فإن الرجل الصادق يُصبح شريفًا، وكذلك المرأة الصادقة تصبح شريفة. إن المقاييس الأخلاقية التي يضعها المجتمع لا بد أن تسري على جميع أفراده بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الطبقة الاجتماعية، والمجتمع الذي يؤمن بالعفة في الجنس كقيمة خلقية فلا بد أن تسري هذه القيمة على جميع أفراد المجتمع، أما أن تسري على جنس دون الجنس الآخر أو على طبقة دون الطبقة الأخرى فهذا يدلُّ على أن هذه العفَّة ليست قيمة أخلاقية وإنما هي قانون فرضه النظام الاجتماعي القائم، وقد رأينا في المجتمعات الرأسمالية كيف كان الحكام الرأسماليُّون يفرضون على العمال والأجَراء قيمًا أخلاقية مُعيَّنة تضمن زهدهم في الحياة وقناعتهم بأجورهم الضئيلة وخضوعهم للقوانين الرأسمالية الجائرة وتطوعهم في الجندية للدفاع عن مصالح هؤلاء الحكام وأطماعهم الاستعمارية، هذا في الوقت الذي يستمتع فيه الحكام الرأسماليُّون بقيَم الجشع والنهم والربح المتزايد والإفراط في كل المتع التي حرَّموها على الطبقات الكادحة.

وإذا كان الرجال هم السادة في المجتمع دعوا النساء إلى الالتزام بقيَم الشرف والعفة ليضمنوا خضوعهن على حين يَنطلِق الرجال مُبيحين لأنفسهم الاستمتاع بكل ما حرَّموه على النساء.

ويُخفي المجتمع الدوافع الاقتصادية والاستغلالية من وراء هذه القيم ويسوق دوافع أخلاقية منها الشرف والفضيلة والعفة، وحينما نسأل المجتمع: لماذا يفرض العفة على المرأة وحدها؟ يرد المجتمع بأن هذا طبيعي؛ لأنَّ المرأة غير الرجل، وأن الطبيعة هي التي صنعت كل الفروق بين الرجل والمرأة وليس المجتمع، وحينما نسأل المجتمع: ما هي الفروق بين الرجل والمرأة؟ يصيح قائلًا: إنها فروق ضخمة جدًّا؛ أحدها أن المرأة هي التي تحمل ثمرة العلاقة الجنسية في رحمها جنينًا، ونسيَ المجتمع أن الحمل والولادة لم يُصبحا قيدًا على المرأة إلا بفعل المجتمع حين قرَّر أن الجنين الذي ينمو في أحشائها ويتغذَّى بدمها ولحمها ليس من حقِّها وإنما هو حق الرجل وحده، يمنحه اسمه فيُصبح طفلًا شرعيًّا ويعترف به المجتمع، أو لا يَمنحه اسمه فيحكم عليه المجتمع بالإعدام وهو لا زال وليدًا يَرضع.

إن المجتمع هو الذي قيَّد المرأة لأسباب من عنده، أما الطبيعة فهي بريئة، وحقائق العلم والطب التي سأُورد ذكرها فيما بعد تُؤكِّد أن الفروق الضخمة التي وُضِعَت بين الرجل والمرأة ليست من صنع الطبيعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤