موقعة العلوم!

لقد قام «أحمد» بالاتصال بفريق المعاونة الإلكترونية … وطلب منهم إجراء الاتصالات اللازمة لإتمام هذه العملية بنجاح … فقد أعدَّ خطة سريعة قام على أثرها بالاتفاق مع طبيب الإسعاف بعد أن أراه بطاقته الأمنية … على أن يتبادلوا ملابسهم هم الأربعة مع الأطباء … وينام الأطباء على النقالات وكأنَّهم هم ضحايا الحادث … وعندما ذهبوا إلى مستشفى قصر العيني … وأثناء إتمام الإجراءات كانوا قد غادروا المستشفى من الباب الخلفي … وكانت تنتظرهم هناك سيارة «جراند شيروكي» سوداء … ذات زجاج داكن … فركبُوها وانطلقوا … إلى أين؟ كان هذا سؤال «فهد» فقال «أحمد» يجيبه: إلى «مدينة العلوم» …

فهد: وما أدلَّة وجودهم هناك؟

أحمد: أنسيت أن المنظَّمة هي التي استدرجتهم إلى هناك؟

إلهام: ألم تلاحظوا أن هناك من كان يطمئنُّ على نتائج التحقيق.

عثمان: لم أر غير رجال البوليس وأطباء المستشفى.

فهم «أحمد» قصد «إلهام» فقال لها: تقصدين بهذه الأسئلة رجالهم أليس كذلك؟

إلهام: نعم … فإما أن أحد رجالهم هناك ليطمئنَّ لموتنا … أو أن لهم عميلًا في المستشفى.

ضغط «أحمد» بكلِّ قوته على فرامل السيارة وهو ممسك بكلتا يديه بعجلة القيادة وهو يقول: إذا كان لهم عين هناك حقًّا فسيَكتشفُون خطتنا.

ولم ينتظر «أحمد» طويلًا ليعرف الإجابة … فقد أتته على عجل … أربع سيارات «هامر» صدمته إحداهم من الخلف بعنف … فارتجَّت بقوة ورجت كل من بها …

فنظر إلى المرآة … فلم يرَ غير زجاج أسود لسيارة من الصعب التغلب عليها … فهي تقاوم كل أنواع التفجير … فقرَّر أن يُناورها … فقام بإدارة المحرِّك وسار أمتارًا قليلة إلى الأمام … ثم عاد إلى الخلف بسرعة كبيرة ثم دار دورة شبه كاملة حول نفسه … فأصبح في الطريق المضاد … وانطلق وسط ذهول من حوله واختلطت زمجرة فرامل سيارته … بزمجرة فرامل سياراتهم وهم يدورون بها للحاق بهم … غير أنه غاب عن عيونهم فجأة فطاش صوابه … فانطلقت سيارتان تبحثان عنه … وترجل ركاب السيارتين الأخريين … يُفتِّشان كل جراج يُلاقيانه وصدق حدسهم … فقد وجدوا «الجراند شيروكي» السوداء تقف في جراج في شارع جانبي … فأمطروها بوابل من الرصاص ففجروا عجلاتها وهشَّموا زجاجها وأمطروها من الداخل أيضًا بوابل من الرصاص ثمَّ أطلا بداخلها على حذر يستطلعون أمرًا ما بها فلم يجدوا أحدًا … فجنَّ جنونهم … وأخذوا يجرُون على غير هدى … يبحثون عمن كانوا بالسيارة … فقد أطلقوا أعيرتهم على كل السيارات الواقفة في الجراج. فانفجرت خزانات البنزين … وتوالت الانفجارات وتحوَّل المكان إلى كتلة من لهب وعندما عادوا ليستقلُّوا سيارتيهم … فلم يجدوهما … لقد اختفتا، وكما قال «أحمد» الذي كان يقود إحداهما ومعه «إلهام»: إنها هدية ثمينة …

أما «عثمان» الذي كان يقود الأخرى ومعه فيها «فهد» فقد قال: إنها غنيمة حرب …

وما إن أتمَّ جملته حتى أتاه اتصال من «أحمد» يقول له: هل ستذهب بالسيارتين إلى «مدينة العلوم»؟

وفي حماس قال له «عثمان»: نعم … سنُحاربهم بأسلحتهم … وهذا سيهزمهم معنويًّا … وهو أول طريق النصر لنا …

فعلق «أحمد» قائلًا: إلى اللقاء …

قالها وانطلق بأقصى ما في السيارة من سرعة … إنها فرصته الذهبية … فالشارع خالٍ من المارة … فاليوم إجازة رسمية … لم يكن معه في الطريق غير «عثمان» … الذي أطلق لعداد السرعة العنان … إنه سعيد بهذه السيارة … وقرَّر أن يُطالب قيادة المنظمة بضمِّها إلى أسطولهم وعندما صرح بهذا ﻟ «أحمد» عبر المحمول قال له: أتظنُّ أنك ستعود بها سليمة؟

لم يفهم «عثمان» ما يقصده «أحمد» بهذه الجملة … فقال له: إنها سيارة قوية وضد الصدمات … وضد الرصاص … وضد …

قاطعه «أحمد» قائلًا: إنها ضد كل شيء إلا شيئًا واحدًا …

سأله «عثمان» في قلق قائلًا: ما هو؟

أحمد: التفجير الذاتي …

وفي استفهام حائر قال «عثمان»: التفجير الذاتي؟

أحمد: نعم … فهذه السيارة مزوَّدة بأنظمة تفجير ذاتي إذا ما ركبها شخص آخر غير مالكها … وبالطبع لا تنفجر إلا بإذنه … أنسيت أنها سيارة عسكرية؟

عثمان: إنَّ جسمها يحتمل انفجار القنابل.

أحمد: لكن أجزاءها الداخلية لا تَحتمل وكذلك راكبوها.

عثمان: تقصد أن يحدث انفجار داخليًّا ونحن سجناء هيكلها الخارجي؟

أحمد: وتُصبح سيارة الموت …

عثمان: وكيف سيفعلون ذلك؟

أحمد: عبر أقمارهم الاصطناعية …

ضغط «عثمان» بكلِّ قوته على بدال الفرامل قائلًا: لا أحب الموت بهذه الطريقة …

كان «أحمد» قد ابتعد عنه كثيرًا … وعندما لم يجده خلفه … رجع بالسيارة إلى الخلف … إلى أن تجاوزه … ففتح الباب … وما كاد يُخرج قدمه … حتى سمع صفيرًا يخترق الهواء بجوار أذنه … فعاد مسرعًا إلى السيارة … وأغلق بابها … ثم سار راجعًا بها إلى الخلف … وظلَّ على هذا الحال حتى انكشف له الشارع كله …

وأدهشه أنه لم يجد أحدًا … فضغط على بدال الفرامل بقوة … وعلى بدال البنزين وفجأة رفع قدمه من على بدال الفرامل … وانطلقت السيارة كالصاروخ لتقطع الشارع من أوله لآخره في ثوانٍ.

ورأى «عثمان» السيارة تأتي خلفه كالطلقة الطائشة … فانطلق هو الآخر بسيارته محادثًا «أحمد» على تليفونه المحمول قائلًا: ماذا تفعل يا متهور؟

أحمد: لقد تعرَّضتُ لرصاص قناص.

عثمان: وكيف عرفوا أننا سنمر من هذا الطريق؟

أحمد: إنهم يرون السيارة بوضوح تام يا صديقي.

عثمان: عبر أقمارهم الصناعية؟

أحمد: طبعًا!

عثمان: تقصد أنهم يروننا الآن؟

أحمد: نعم …

عثمان: قد يُفجرون السيارة ونحن بها …

تدخل «فهد» قائلًا ﻟ «عثمان»: لا أعتقد أنهم سيُضحُّون بالسيارات … أولًا لأنهم دخلوا بها البلاد عبر منافذ جمركية … وإذا انفجرت … لم يتمكنوا من مغادرة البلاد دون تحقيق وسيتم القبض عليهم.

وكان «أحمد» يتابع ما يقوله «فهد» … فرد عليه قائلًا: ولكنَّهم قد يضحون بهؤلاء الرجال … ويقتلونهم داخل «مصر» إذا كان في تفجير السيارة مصلحة لهم …

صاح «عثمان» مُنزعجًا من «أحمد» ومما يقوله … وقال له: ماذا تُريد يا «أحمد»؟ قلت لك غادر السيارة لم تُوافِق … والآن تقول لي إنهم لا يَرتدعون … وأنهم لن يتورعوا عن تفجيرها إذا كان في هذا مصلحة لهم …

أحمد: سنغادر هاتين السيارتين يا «عثمان» … ولكن في الوقت المناسب.

وعلى مرمى بصره رأى لوحة كبيرة زرقاء اللون معلَّقة على عامود طويل … مكتوب عليها «مدينة العلوم» مرحبًا بالزائرين.

ابتسم «أحمد» وقال ﻟ «عثمان»: المعركة بدأت …

علقت «إلهام» قائلة: لقد بدأت بدخولنا أرضها.

علق «عثمان» ضاحكًا بقوله: سأُطلق عليها موقعة العلوم.

هَدَّأَ «أحمد» من سرعته … فقد رأى أن الطريق يُفضي إلى نفق … ورغم أنه لا يعرف الداعي لحفر نفق في هذا المكان المتسع إلا أنه لم يجد مفرًّا من عبوره … وبالفعل انزلق فيه بسيارته حتى استوى على قاعدته … وعندما أكمل سيره ليخرج منه. وجد الطريق مسدودًا … وعبثًا حاول الدوران والعودة … فالنفق ضيق ولا يسمح له بالدوران … فأسرع بالاتصال ﺑ «عثمان» وقال له: لا تنزل النفق … ولا تبتعد عنه فإنه فخ وقد وقعت فيه:

عثمان: لا أنزل النفق وقد فهمتها … ولكن لماذا لا أبتعد عنه؟

أحمد: لتحميني …

عثمان: ممَّن؟ لا أحد يعلم أنك في هذا النفق.

أحمد: ألم أقل لك إنهم يرون السيارة ولو سارت فوق المحيط؟

عثمان: أي إنهم لا يَرونك أنت؟

أحمد: نعم …

عثمان: إذن غادر السيارة أنت و«إلهام» وسأَحميكما أنا و«فهد» …

أعجبت الفكرة جدًّا «أحمد» فقال له: بهذا سيكون مِن حقك الاحتفاظ بالسيارة.

طار «عثمان» فَرَحًا وقال له: عندي لك فكرة أخرى …

قال «أحمد» ضاحكًا: لن يُمكنك الاحتفاظ بهذه السيارة أيضًا لأنهم سيُفجرونها …

وفي خيبة أمل قال «عثمان»: هذا يعني أنهم سيفجرون هذه أيضًا.

قال «أحمد» ليطمئنه: سنجرى بها بعض التعديلات فلا يتمكَّنون من إصدار الأوامر لا …

عثمان: دعنا من هذا الآن وغادر السيارة فورًا … ولكن في حذر … فهذا الهدوء مريب … وأشعر أنه يخبئ أشياء كثيرة خطيرة.

وبالفعل … فتح «أحمد» الباب في حذر … وأخرج ساقه … ثم خرج بنصفه الأيسر كله فلم يحدث شيء … فأكمل النزول … وأعطى الإذن ﻟ «إلهام» … فنزلت هي الأخرى شاهرة مسدسها … و«أحمد» يحميها بمسدسه … وخطوة بخطوة ابتعدا عن السيارة حتى التقيا … فأعطى كل منهما ظهره للآخر … وسارا شاهرين مسدسيهما «أحمد» يسير للأمام و«إلهام» تسير للخلف إلى أن خرجا من تحت سقف النفق فسمعا صفير عشرات الطلقات يحوم من حولهما … فعادا أدراجهما … واختفيا خلف السيارة … وأنصتوا في هدوء ليسمعوا رد فعل «عثمان» …

ومر الوقت بطيئًا ولم يسمعوا شيئًا … فأشار ﻟ «إلهام» التي عادت إلى السيارة مرة أخرى … وعاد هو بعدها … وما أن استقرا بداخلها وأغلقا بابها … قال لها: لماذا لم نرجع بها إلى الخلف؟

إلهام: لم يكن «عثمان» قد أتى ليحمي ظهرك.

أحمد: وها هو «عثمان» قد أتى.

إلهام: ماذا تقصد؟

أحمد: سأرجع بها إلى الخلف … ولن يتمكَّن أحد من اصطيادي.

إلهام: أخبر إذن «عثمان».

قام «أحمد» بالاتصال ﺑ «عثمان» وقال له: أين أنت؟

عثمان: أنا أدور حول النفق أبحث لك عن مخرج … وأبحث عن مصدر هذه الرصاصات …

أحمد: سأعود بظهري … وأخرج من النفق وعليك أن تحميني.

عثمان: سأعود فورًا لمدخل هذا الفخ …

أدار «أحمد» السيارة … وسحب عصا الفتيس … وتحرك إلى الخلف خارجًا من هذا المأزق … من هذا الظلام التام … إنه يشعر أنه تائه في الفضاء الخارجي … إنه لن يَنظر خلفه … فطريق الخروج مستقيم … بل سينظر إلى مفاتيح الكمبيوتر الذي لا يعرف كيف يُديرها … سار «أحمد» غير عابئ بما سيلاقيه عند خروجه … فالسيارة مصفحة … ولكن … ما هذا … لقد اصطدمت خلفية السيارة بحائط … ما هذا؟ غير معقول هناك باب يَرتفع لأعلى … إننا مُختطَفون …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤