العملية القذرة!

ألجمَتِ المفاجأة «أحمد» … فلم يتمكن من التعليق … وأُغْلِقَتْ عليه الأبواب فلم يتمكَّن من الاتصال … فلا موجات تدخل ولا موجات تخرج …

أما الكمبيوتر … فلم يتمكَّن من إدارته … أما «إلهام» … فقد ضحكت وهي تقول له: إنَّ النفق كان فخًّا تدريبيًّا قبل الوقوع في الفخ الكبير.

ضحك «أحمد» وقال لها: معك حق … إنهم يتصرَّفون معنا بإنسانية وبرحمة …

إلهام: هذه القطة الصينية شديدة الذكاء … ولكن أين «عثمان»؟ كيف تركهم يخطفوننا في هذه الناقلة الضخمة.

أحمد: أنا لا أنتظر أحدًا ليُنقذني … وسأريكِ كيف سأُواجه هذه القطة الصينية الشرسة …

إلهام: هل ستُواجهها وأنت هنا؟

أحمد: بل سأخرج الآن من هنا.

إلهام: كيف؟

أحمد: أليست مقدمة السيارة في مواجهة باب الخروج؟

إلهام: نعم …

أحمد: إذن نحن لا نحتاج إلا إلى شجاعة …

إلهام: إن الناقلة تَسير بسرعة كبيرة.

أحمد: لن يضيرنا هذا في شيء.

إلهام: ماذا تنوي أن تفعل؟

أحمد: سأنطلق بالسيارة كالطلقة … وأغادر هذه المصيدة.

إلهام: ومن قال لك إنَّ الباب سيتحطم؟

أحمد: إن لم يتحطم من أول محاولة … سأُحاول مرة ثانية.

ولم تصدق «إلهام» أن «أحمد» لم يحسبها ميكانيكيًّا … فقالت له: أتعرف معنى ألا يتحطَّم الباب.

أحمد: نعم …

إلهام: سنَستقبِل رد فعل يساوي قوة الاصطدام ولكن عكسية … أي قد تقتلنا هذه المحاولة …

أحمد: ولكنها قد تنجح …

إلهام: حاول النزول من السيارة ودراسة الأمر.

لمعت عينا «أحمد» وتقلَّصت عضلات وجهه فقد أوحت له فكرة النزول من السيارة بفكرة عبقرية … فقال ﻟ «إلهام»: ما رأيك لو قامت السيارة وحدها بمهمة فتح الباب؟

فهمت «إلهام» ما يقصده «أحمد» فقالت له: تقصد أن تَنطلِق ونحن لسنا بها؟

أحمد: نعم …

إلهام: إنها فكرة خطيرة أيضًا … فأنا أخاف من رد فعل الارتطام. فقد تعود السيارة إلى الخلف وتصدمنا بقوة.

أحمد: نحن لا نملك إلا المحاولة.

إلهام: ما رأيك لو أطلقنا بعض الطلقات على الباب لنعرف مدى قوته. وسيحمينا زجاج السيارة من الطلقات المرتدة.

أحمد: لا مانع …

فحص «أحمد» تابلوه السيارة … وعرف مهمة كل زر بها … ثم أنزل الزجاج الجانبي وأخرج يده بالمسدس وأطلق عدة أعيرة أحدثت جلبة وطنينًا يصم الآذان … ولم يحدث شيء … ودون أن يدري وجد نفسه يدوس الفرامل بقوة … ويعطي السيارة أكثر ما فيها من قوة … ثم يرفع قدمه عن الفرامل لتنطلق السيارة كالصاروخ … فتُحطِّم الباب وتطير في الهواء … ثم تسقط مُرتطمة بالأرض … و«إلهام» غير مصدِّقة لما جرى.

كان «أحمد» يسير عكس اتجاه السيارة الناقلة … فدار حول نفسه نصف دورة … وانطلق بأقصى سرعة ليسبقها … وعندما أصبح أمامها … أخذ يقطع عليها الطريق يمينًا ويسارًا … وقائدها غير عابئ بما يجري …

وفجأةً اختل توازنه … فانحرف يمينًا ليَصطدم بالرصيف … ثم محاولًا حفظ توازنه عاد لأقصى اليسار … فاصطدمت الناقلة العملاقة بالرصيف … وصعدت عليه عجلاتها الأمامية … وسارت لعدة أمتار قبل أن تنقلب على ظهرها كالسلحفاة.

حتى الآن لم يظهر «عثمان» … فأين هو؟

قال «أحمد»: يرد على سؤال «إلهام»: سنعود إلى «مدينة العلوم» مرةً أخرى … فالقطة الصينية ما زالت هناك ومعها الباقون من أعوانها.

إلهام: إنهم سيكونون الآن أكثر شراسة بعدما حدث لناقلتِهم ورجالهم.

أحمد: أنا لا أخاف.

إلهام: وأنا لا أخيفك … ولكني أُنبِّهك أننا لا نعرف الآن شيئًا عن «عثمان» ولا عن «فهد».

أحمد: سأقوم بالاتصال ﺑ «عثمان».

وبالفعل قام بالاتصال به … غير أنه وجد تليفونه مغلقًا … فاتصل به عبر ساعته … فلم يتلقَّ ردًّا … فقام بالاتصال ﺑ «ريما» في فرقة المعاونة الإلكترونية … وطلب منها أن تحاول الاتصال ﺑ «عثمان» أو ﺑ «فهد» … وكان قد اقترب من «مدينة العلوم» … فأعدَّ نفسه لبدء معركة حقيقية مع القطة الصينية الشرسة.

وعلى مشارف المدينة … رأى شابًّا في طول «عثمان» يَرتدي ملابس شبيهة لملابسه ملقى على وجهه في الطريق … فامتلَكه القلق … ودفع به لمغادرة السيارة دون حذر … فأشهرت «إلهام» مسدسها لتحمي ظهره … غير أنها لم تجد ما يقلقها … فقد اقترب «أحمد» من الشاب الذي يظنُّ أنه «عثمان» من كتفَيه … وما كاد يرفع يديه حتى ضربه في بطنه ضربة قاتلة … ثم عاجله بضربة أخرى بمشط قدمه فأطاح به بعيدًا.

وشعرت «إلهام» أنها مُقدِّمة للاستيلاء على «الهامر» … فقالت ﻟ «أحمد»: عد أنت إلى «الهامر» ودعه لي …

نظر الشاب إلى «إلهام» في دهشة … غير أنها لم تُطِل … فقد أفاقته «إلهام» بضربة في جبهته بمشط قدمها … فترنح وكاد يسقط … فعاجله «أحمد» بركلة في ظهره فاعتدل واقفًا … وعن بُعدٍ رأى من يقترب من السيارة «الهامر». فعاد إليها مسرعًا. ووصل إلى بابها المفتوح في الوقت الذي وصل فيه رجلٌ قصير القامة رشيق ذو ملامح صينية … لوَّح ﻟ «أحمد» بعصا قصيرة … غليظة … فتفاداها مرةً ثانية وثالثة … ثم صرخ فيه بقوة أفقدتْه تركيزه … ثم أرسل قدمه صاروخًا إلى بطنه. فوصلت محملة بفقدان الاتزان … ثم الوعي.

وحين عاد إلى السيارة وجد «إلهام» تجلس خلف عجلة القيادة … فقال لها: هل أنا مُختطَف؟

إلهام: هذا إذا سمحت.

دار «أحمد» حول السيارة … ثم فتح الباب الآخر وجلس بجوارها … ثم أغلق الباب بعنف … فقالت «إلهام» له: لماذا كل هذا العنف؟ ألا تُغلق الباب بهدوء.

فتح «أحمد» باب السيارة بهدوء … فسقط الرجل الأسمر مغشيًّا عليه … فعرفت أنه عرقل الباب ليصطاد «أحمد» فأغلقه عليه بهذه القوة.

انطلقت «إلهام» تَسبر أغوار المدينة الخالية … تبحث عن «عثمان» … وعن القطة الصينية … فرأت عن بُعدٍ السيارة «الهامر» التي كان يركبها «عثمان» و«فهد» واقفة في وسط الطريق مفتحة الأبواب … فهل تعرَّضا لغزوٍ أم أنهما يتعقبان أحدًا الآن؟

كان الطريق الوحيد لمعرفة إجابة هذه الأسئلة … هو النزول ودخول البناية القريبة من السيارة … ولكن مَن الذي سيقرر هذا؟

قالت «إلهام»: لا حلَّ لنا إلا هذا.

وقال «أحمد»: سأقُوم أنا بهذه المهمة …

وعندما استدار «أحمد» ليفتح الباب … رأى قريبًا من موقعِه فيلَّا يُحيطها سور من الحجر الجيري … تبدو منه مجموعة من الأشجار كثيفة الخضرة … وقد تمَّ تهذيبها قريبًا … فعرف أنها مأهولة … فغادر السيارة … ونظر يمينًا ويسارًا ثم انطلق يجري برشاقة وخفة … حتى بلغ السور … فتسلَّقه في مهارة … وما إن استوى فوقه … حتى قام بفحص المكان حوله … قبل أن يقفز داخل حديقة الفيلَّا … ثم جلس لثوانٍ يطمئن لخلوِّ المكان … ثم انطلق من بابه حتى مرق شعاع ليزر أزرق بجوار وجهه فعاد أدراجه … وقرَّر فحص المكان مرةً ثانية … فهو لا يعرف إن كان شعاع الليزر هذا انطلق بأمر إلكتروني أم إن هناك من يُراقب الفيلَّا؟

في هذه اللحظة تلقى اتصالًا من «إلهام» تقول له: أين أنت؟

أحمد: أنا بجوار باب الفيلَّا ولا أستطيع الدخول …

إلهام: لماذا؟

أحمد: هناك مدفع ليزر يَحمي الباب … لكني لا أعرف هل يُطلَق آليًّا … أم أن هناك من يحمله ويراني الآن؟

إلهام: مدَّ له فرع شجرة …

أحمد: لم تعد هذه الأشياء تخدع الآلات … لقد أصبحت الآلات تَمتلِك قدرة تفوق قدراتنا.

إلهام: ونحن صانعوها.

أحمد: لم يَعُد يهمُّ … المهم من يمتلك المهارة …

إلهام: بالطبع نحن …

أحمد: نحن يُصيبنا الإرهاق … وهي لا تكل …

صرخت «إلهام» قائلة: احذر يا «أحمد» …

انبطح «أحمد» أرضًا … فمرَق شُعاع ليزر أزرق آخر فوق رأسه … واختفى بين الأشجار دقائق واشتعل حريق هائل في الحديقة … وارتفع صراخ آلات الإنذار … ووجدها «أحمد» فرصة ليضَع قنبلة إلكترونية على قفل الباب الكهربي … ثم ضغط زر التشغيل … ولم تمض دقائق إلا وكان الباب قد انفتح … فدفعه ودخل وأغلقَه خلفه …

وقتها شعرت «إلهام» أنها سجينة هذه السيارة … فغادرتها وجرت تستطلع أمر الحريق …

وكأنَّ عناية الله هي التي أخرجتها من السيارة … فقد انفجرت وأحدثت دويًّا هائلًا وتحولت إلى كتلة من اللهب.

والتفتت «إلهام» تنظر لها وهي غير مُصدِّقة … فما مصيرها لو كانت لم تُغادرها.

ولم يخرجها من كل ذلك إلا ما أثار شدة دهشتها؛ فقد رأت كائنات آلية في حجم غسالة الملابس الكهربية … تخرج من الباب الخلفي لمبنى الفيلا … وتَقترِب من موقع الحريق … وتُطلق غازات بيضاء من خراطيم تخرُج من هيكلها …

لقد تمكَّنت هذه الآلات من إطفاء الحريق في وقتٍ قياسي … ثم استدارت تفحص مبنى الفيلا من الخارج … ولم تُفق «إلهام» من دهشتها إلا عندما شعرت بماسورة بندقية تلتصق بظهرها … ولم تستطع بالطبع الالتفاف للخلف … وطاوعت دفع ماسورة البندقية لها … وهي لا تعرف من الذي يمسكها … وسارت حتى دخلت مبنى الفيلا … وهناك … تمَّ وضعها في غرفة خالية من الأثاث … وإغلاق الباب عليها … وكان أحد الرجال الآليين يَقف بالباب يحرسه.

وعبر ساعتها قامت بالاتصال ﺑ «أحمد» الذي جاوبها مباشرة قائلًا: أين أنت يا «إلهام»؟

إلهام: أنا في إحدى غرف الفيلا …

أحمد: مَن الذي قبض عليك؟

إلهام: لقد تركت نفسي لأحد الآليين … وأين أنت؟

أحمد: أنا في إحدى غرف الطابق العلوي … وقد حصلتُ على الكثير من أسرار الروبوتات المجهرية.

إلهام: كيف؟

أحمد: إن القطة الصينية تُعدُّ غزوًا جرثوميًّا على ظهر هذه الروبوتات.

إلهام: هل ما زالت عميلة للمافيا؟

أحمد: لم تعد عميلة … لقد أصبحت من الأعضاء المهمِّين جدًّا …

إلهام: وما هدفُهم من نشر هذه الفيروسات؟

أحمد: إنهم ينوون نشر أمراض … لا يملك غيرهم أدوية علاجها.

إلهام: وهذه الأدوية غالية الثمن.

أحمد: بالطبع … وهذا طريق سهل لحصد أموال الشعوب.

إلهام: يا لها مِن عصابات قذرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤