الفصل السابع

شَقِيقُ السَّاحِرِ الْإِفْرِيقِيِّ

(١) عَدُوٌّ جَدِيدٌ

وَكَانَ لِلسَّاحِرِ الْإِفْرِيقِيِّ شَقِيقٌ أَقَلُّ مِنْهُ بَرَاعَةً فِي السِّحْرِ، وَأَشَدُّ مِنْهُ دَهَاءً وَخُبْثًا، وَكَانَا يَلْتَقِيَانِ — فِي بَلَدِهِمَا بِإِفْرِيقِيَّةَ — مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ، ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ، وَيَذْهَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشَأْنِهِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى شَقِيقِهِ إِلَّا فِي الْعَامِ التَّالِي.

فَلَمَّا مَضَى الْعَامُ، ذَهَبَ شَقِيقُ السَّاحِرِ الْإِفْرِيقِيِّ إِلَى بَلَدِهِ، وَانْتَظَرَ أَخَاهُ طَوِيلًا؛ فَلَمْ يَحْضُرْ. فَعَجِبَ مِنْ غِيَابِهِ أَشَدَّ الْعَجَبِ، وَرَاحَ يَسْتَخْبِرُ الرَّمْلَ عَنْ مَكَانِ أَخِيهِ، فَلَمْ يَجِدْ لَهُ أَثَرًا بَيْنَ الْأَحْيَاءِ، فَاسْتَخْبَرَ الرَّمْلَ — ثَانِيَةً — عَنْ مَكَانِ أَخِيهِ بَيْنَ الْأَمْوَاتِ، فَرَآهُ قَدْ هَلَكَ، وَأَكَلَتِ النُّسُورُ لَحْمَهُ. فَرَاحَ يَسْتَخْبِرُ الرَّمْلَ — مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى — حَتَّى عَرَفَ كُلَّ شَيْءٍ.

فَبَنَى عَزْمَهُ عَلَى الِانْتِقَامِ لِأَخِيهِ مِنْ «عَلَاءِ الدِّينِ»، كَلَّفَهُ مَا كَلَّفَهُ مِنْ عَنَاءٍ وَأَهْوَالٍ وَأَخْطَارٍ.

(٢) «فَاطِمَةُ» الزَّاهِدَةُ

وَمَا زَالَ السَّاحِرُ يَجِدُّ فِي السَّيْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، حَتَّى وَصَلَ إِلَى الصِّينِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا «عَلَاءُ الدِّينِ»، حَيْثُ دَبَّرَ خُطَّةً خَبِيثَةً لِقَتْلِ عَدُوِّهِ، وَالْخَلَاصِ مِنْهُ. فَقَدْ سَمِعَ بَعْضَ النَّاسِ يَتَحَدَّثُونَ عَنِ امْرَأَةٍ صَالِحَةٍ تَقِيَّةٍ، اسْمُهَا «فَاطِمَةُ» الزَّاهِدَةُ. وَكَاَنُوا يَنْسُبُونَ لَهَا كَثِيرًا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَشْفِي الْمَرْضَى وَتُسْعِدُ الْمَنْحُوسِينَ. وَعَلِمَ أَنَّهَا تُقِيمُ فِي صَوْمَعَةٍ (مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ يَسْكُنُهُ الْمُتَعَبِّدُونَ) فِي آخِرِ الْمَدِينَةِ، حَيْثُ يَزُورُهَا طُلَّابُ الْحَاجَاتِ فِي يَوْمَيِ الِاثْنَيْنِ وَالْجُمُعَةِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ.

فَرَاقَبَ السَّاحِرُ عَوْدَتَهَا — ذَاتَ يَوْمٍ — وَصَبَرَ عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَ الْمَسَاءُ وَنَامَتْ؛ فَفَتَحَ الْبَابَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءٍ.

وَكَانَتْ «فَاطِمَةُ» الزَّاهِدَةُ تَنَامُ مُطْمَئِنَّةً، وَلَا تَخْشَى اللُّصُوصَ، لِعِلْمِهَا أَنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا فِي صَوْمَعَتِهَا الْحَقِيرَةِ مَا يُغْرِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ.

وَلَمَّا دَخَلَ السَّاحِرُ الْخَبِيثُ، رَآهَا نَائِمَةً عَلَى أَرِيكَةٍ (دِكَّةٍ) حَقِيرَةٍ مِنَ الْخَشَبِ، فِي حُجْرَةٍ مِنْ غَيْرِ سَقْفٍ. وَكَانَ الْقَمَرُ سَاطِعًا فِي تِلْكُمُ اللَّيْلَةِ؛ فَدَنَا مِنْهَا، وَاسْتَلَّ خِنْجَرَهُ (أَخْرَجَ سِكِّينَهُ)، ثُمَّ أَيْقَظَهَا مِنْ رُقَادِهَا.

figure

وَمَا انْتَبَهَتْ مِنْ نَوْمِهَا حَتَّى رَأَتْ رَجُلًا شَاهِرًا (رَافِعًا) خِنْجَرَهُ عَلَيْهَا، مُتَحَفِّزًا لِطَعْنِهَا بِهِ فِي قَلْبِهَا. فَامْتَلَأَتْ نَفْسُهَا رُعْبًا. فَقَالَ لَهَا السَّاحِرُ الْخَبِيثُ: «انْهَضِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَافْعَلِي كُلَّ مَا آمُرُكِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ. وَحَذَارِ (احْذَرِي) أَنْ تَصِيحِي أَوْ تُخَالِفِي لِي أَمْرًا، حَتَّى لَا تُعَرِّضِي نَفْسَكِ لِلْهَلَاكِ الْعَاجِلِ. فَإِذَا أَطَعْتِنِي فِي كُلِّ مَا آمُرُكِ بِهِ، فَلَنْ أَمَسَّكِ بِسُوءٍ.»

فَاطْمَأَنَّتْ قَلِيلًا، وَلَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنَ الْإِذْعَانِ (التَّسْلِيمِ وَالْخُضُوعِ) لَهُ، وَإِطَاعَةِ أَمْرِهِ. ثُمَّ سَأَلَتْهُ: «بِمَاذَا تَأْمُرُنِي، يَا سَيِّدِي؟»

فَقَالَ لَهَا: «أَعْطِينِي ثِيَابَكِ لِأَلْبَسَهَا، وَخُذِي ثِيَابِي بَدَلًا مِنْهَا.»

فَلَمْ تَتَرَدَّدْ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى طَلَبِهِ. فَقَالَ لَهَا — بَعْدَ أَنْ تَزَيَّا بِزِيِّهَا فَلَبِسَ ثِيَابَهَا، وَصَارَتْ هَيْئَتُهُ كَهَيْئَتِهَا: «أُرِيدُ مِنْكِ أَنْ تَبْذُلِي جُهْدَكِ فِي تَغْيِيرِ مَلَامِحِ وَجْهِي وَأَسَارِيرَهُ (خُطُوطِ جَبِينِي)، حَتَّى يُشْبِهَ وَجْهَكِ كُلَّ الشَّبَهِ. وَإِنِّي أُقْسِمُ لَكِ: إِنَّنِي لَنْ أَمَسَّكِ بِسُوءٍ إِذَا نَجَحْتِ فِي هَذَا الْمُهِمِّ.»

فَأَدْخَلَتْهُ حُجْرَتَهَا، وَأَضَاءَتْ مِصْبَاحَهَا، وَأَحْضَرَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَصْبَاغِ. وَمَا زَالَتْ تَبْذُلُ جُهْدَهَا، حَتَّى أَصْبَحَ السَّاحِرُ يُشْبِهُهَا كُلَّ الشَّبَهِ. ثُمَّ وَضَعَتْ فِي عُنُقِهِ سُبْحَتَهَا الطَّوِيلَةَ، وَأَعْطَتْهُ عَصَاهَا، وَقَدَّمَتْ لَهُ الْمِرْآةَ؛ فَرَأَى فِيهَا صُورَةً مُكَرَّرَةً لِـ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةِ. وَقَدْ حَسِبَتْ أَنَّهُ سَيَشْكُرُ لَهَا فِعْلَهَا، وَيَبَرُّ بِقَسَمِهِ لَهَا، وَلَكِنْ خَابَ ظَنُّهَا فِيهِ؛ فَقَدْ أَمْسَكَ رَقَبَتَهَا بِيَدَيْهِ، وَضَغَطَ عُنُقَهَا ضَغْطًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَرْحَمْ ضَعْفَهَا وَشَيْخُوخَتَهَا، وَلَمْ يَتْرُكْهَا إِلَّا جُثَّةً هَامِدَةً، ثُمَّ أَلْقَى بِجُثَّتِهَا فِي الْبِئْرِ، وَقَدْ آثَرَ (اخْتَارَ) السَّاحِرُ أَنْ يَخْنُقَهَا، وَلَمْ يَشَأْ قَتْلَهَا بِخِنْجَرِهِ، حَتَّى لَا يُلَوِّثَ مَلَابِسَهُ بِدَمِهَا.

وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ جَرِيمَتِهِ الشَّنْعَاءِ، نَامَ — فِي صَوْمَعَتِهَا — نَوْمًا عَمِيقًا إِلَى الصَّبَاحِ.

(٣) حِيلَةُ السَّاحِرِ

ثُمَّ خَرَجَ السَّاحِرُ الْمَاكِرُ مِنْ صَوْمَعَةِ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةِ، بَعْدَ أَنْ تَزَيَّا بِزِيِّهَا. وَمَا مَشَى فِي الطَّرِيقِ بِضْعَ خُطُوَاتٍ، حَتَّى أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، يَلْثَمُونَ (يُقَبِّلُونَ) يَدَهُ وَأَطْرَافَ ثَوْبِهِ، مُتَبَرِّكِينَ، وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةَ الْمِسْكِينَةَ الَّتِي قَتَلَهَا لَيْلَةَ أَمْسِ. وَمَا وَصَلَ إِلَى قَصْرِ «عَلَاءِ الدِّينِ» حَتَّى اشْتَدَّ زِحَامُ النَّاسِ حَوْلَهُ. وَكَانَتِ الْأَمِيرَةُ: «بَدْرُ الْبُدُورِ» تُطِلُّ مِنْ نَافِذَةِ قَصْرِهَا؛ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى جَوَارِيهَا، لِتَتَعَرَّفَ سَبَبَ ازْدِحَامِ الْجُمُوعِ الْمُحْتَشِدَةِ. فَلَمَّا عَادَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى سَيِّدَتِهَا، أَخْبَرَتْهَا أَنَّ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةَ هِي سَبَبُ الزِّحَامِ. وَكَانَتِ الْأَمِيرَةُ مُشْتَاقَةً جِدًّا إِلَى رُؤْيَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ؛ فَاسْتَدْعَتْهَا إِلَيْهَا. وَمَا إِنْ رَأَتِ السَّاحِرَ الْخَبِيثَ حَتَّى قَبَّلَتْ يَدَهُ — وَهِيَ تَحْسَبُهُ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةَ — وَطَلَبَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا اللهَ، وَأَنْ يُقِيمَ فِي قَصْرِهَا حَتَّى تَحُلَّ بِهِمْ بَرَكَتُهُ. فَتَظَاهَرَ بِالتَّرَدُّدِ؛ كَأَنَّمَا يَخْشَى أَنْ تَشْغَلَهُ مَظَاهِرُ الدُّنْيَا عَنِ الْعِبَادَةِ. فَلَمَّا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ، قَبِلَ رَجَاءَهَا، وَاخْتَارَ لِسُكْنَاهُ أَحْقَرَ حُجْرَةٍ فِي الْقَصْرِ. وَلَمَّا دَعَتْهُ إِلَى طَعَامِ الْغَدَاءِ، أَبَى — خَوْفًا مِنِ افْتِضَاحِ أَمْرِهِ إِذَا رُفَعَ عَنْ وَجْهِهِ النِّقَابُ (الْبُرْقُعُ) — وَقَالَ لَهَا: «إِنَّنِي امْرَأَةٌ زَاهِدَةٌ. وَلَيْسَ مِنْ عَادَتِي أَنْ آكُلَ مِنْ طَعَامِكُمُ الْفَاخِرِ. وَحَسْبِي قَلِيلٌ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الْفَاكِهَةِ، أَقْتَاتُ بِهِ فِي حُجْرَتِي، مُحْتَجِبَةً عَنِ النَّاسِ.»

فَلَمْ تُعَارِضْهُ الْأَمِيرَةُ، وَأَجَابَتْهُ إِلَى كُلِّ مَا أَرَادَ.

(٤) بَيْضَةُ «الرُّخِّ»

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي دَعَتِ الْأَمِيرَةُ: «بَدْرُ الْبُدُورِ» ضَيْفَهَا إِلَى رُؤْيَةِ حُجْرَتِهَا الْفَاخِرَةِ ذَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ نَافِذَةً. فَلَمَّا رَآهَا السَّاحِرُ أَظْهَرَ إِعْجَابَهُ الشَّدِيدَ بِجَمَالِهَا، وَحُسْنِ هَنْدَسَتِهَا، وَفَخَامَةِ أَثَاثِهَا. ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ يُعْوِزُ جَمَالَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ: إِذَا اسْتَطَعْتِ تَحْقِيقَهُ، أَصْبَحَتْ هَذِهِ الْحُجْرَةُ مِثَالَ الْكَمَالِ.»

فَسَأَلَتْهُ الْأَمِيرَةُ مُتَلَهِّفَةً: «وَمَاذَا يُعْوِزُهَا، أَيَّتُهَا الْأُمُّ الطَّاهِرَةُ؟»

فَقَالَ لَهَا: «يُعْوِزُهَا أَنْ تُعَلِّقِي — فِي وَسَطِهَا — بَيْضَةَ «رُخٍّ»؛ لِيَتِمَّ جَمَالُهَا، وَتُصْبِحَ أَبْدَعَ حُجْرَةٍ فِي الدُّنْيَا.»

فَقَالَتِ الْأَمِيرَةُ: «سَيَتِمُّ ذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ.»

(٥) غَضَبُ الْجِنِّيِّ

وَمَا رَأَتِ الْأَمِيرَةُ «عَلَاءَ الدِّينِ» حَتَّى طَلَبَتْ إِلَيْهِ أَنْ يُحْضِرَ لَهَا بَيْضَةَ «رُخٍّ»؛ لِيَتِمَّ بِهَا جَمَالُ حُجْرَتِهَا.

فَذَهَبَ «عَلَاءُ الدِّينِ» إِلَى حُجْرَةٍ أُخْرَى، وَأَخْرَجَ الْمِصْبَاحَ مِنْ صَدْرِهِ، وَفَرَكَهُ؛ فَحَضَرَ الْجِنِّيُّ.

وَمَا إِنْ أَمَرَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ» بِإِحْضَارِ بَيْضَةِ «الرُّخِّ» حَتَّى صَرَخَ الْجِنِّيُّ صَرْخَةً هَائِلَةً، كَادَ يُصْعَقُ «عَلَاءُ الدِّينِ» مِنْهَا.

ثُمَّ قَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ، وَهُوَ يَكَادُ يَتَمَيَّزُ (يَنْفَطِرُ وَيَنْشَقُّ) مِنَ الْغَيْظِ: «وَيْلٌ (شَرٌّ وَهَلَاكٌ) لَكَ — أَيُّهَا الشَّقِيُّ — أَهَذَا جَزَاءُ إِخْلَاصِي؟ أَلَمْ تَقْنَعْ بِكُلِّ مَا قَدَّمْتُهُ لَكَ مِنْ جَمِيلٍ؛ حَتَّى تَأْمُرَنِي بِإِحْضَارِ بَيْضَةِ مَوْلَايَ وَسَيِّدِي «الرُّخِّ»؟ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الْجِنَّ تَحْتَرِمُهُ، وَتُقَدِّسُهُ، وَتَدِينُ لَهُ بِالطَّاعَةِ؟ أَمَا — وَاللهِ — لَوْ عَرَفْتُ أَنَّكَ صَاحِبُ هَذَا الِاقْتِرَاحِ لَقَتَلْتُكَ، وَأَحْرَقْتُ قَصْرَكَ فِي الْحَالِ. وَلَكِنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّ شَقِيقَ السَّاحِرِ الْإِفْرِيقِيِّ الْخَبِيثَ هُوَ الَّذِي دَبَّرَ هَذِهِ الْمَكِيدَةَ الَّتِي أَرَادَ بِهَا هَلَاكَكَ.»

فَسَأَلَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ» مُتَلَطِّفًا: «وَمَنْ هُوَ شَقِيقُ السَّاحِرِ هَذَا؟»

فَقَصَّ عَلَيْهِ الْجِنِّيُّ قِصَّتَهُ. فَشَكَرَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ»، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ.

فَقَبِلَ الْجِنِّيُّ عُذْرَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى سَبِيلِهِ.

(٦) مَصْرَعُ السَّاحِرِ

وَبَعْدَ قَلِيلٍ تَظَاهَرَ «عَلَاءُ الدِّينِ» بِالْمَرَضِ. فَأَرْسَلَتِ الْأَمِيرَةُ: «بَدْرُ الْبُدُورِ» تَسْتَدْعِي «فَاطِمَةَ» الْمُزَيَّفَةَ (الْمُزَوَّرَةَ)؛ لِتَشْفِيَ زَوْجَهَا مِمَّا أَلَمَّ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ، وَقَدْ كَانَتْ قَصَّتْ عَلَى زَوْجِهَا مَا عَرَفَتْهُ مِنْ قِصَّتِهَا.

وَمَا إِنِ اقْتَرَبَ السَّاحِرُ مِنْ «عَلَاءِ الدِّينِ» وَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ مُتَظَاهِرًا بِالدُّعَاءِ لَهُ، حَتَّى لَمَحَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ» وَهُوَ يَسْتَلُّ خِنْجَرًا مَاضِيًا (سَرِيعَ الْقَطْعِ) مِنْ حِزَامِهِ.

فَاسْتَلَّ «عَلَاءُ الدِّينِ» خِنْجَرَهُ مِنْ حِزَامِهِ تَوًّا (فِي الْحَالِ) بِخِفَّةٍ نَادِرَةٍ، وَنَهَضَ مُسْرِعًا؛ فَأَلْقَى السَّاحِرَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَغْمَدَ الْخِنْجَرَ، (أَدْخَلَ السِّكِّينَ وَدَفَعَهَا) فِي قَلْبِهِ، فَقَتَلَهُ فَوْرًا (فِي الْوَقْتِ وَالسَّاعَةِ).

فَصَاحَتِ الْأَمِيرَةُ مُرْتَاعَةً: «يَا للهِ! كَيْفَ تَقْتُلُ «فَاطِمَةَ» الزَّاهِدَةَ؟»

فَابْتَسَمَ لَهَا «عَلَاءُ الدِّينِ»، وَأَطْلَعَهَا عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ.

فَحَمِدَتِ اللهَ عَلَى نَجَاتِهِمَا مِنْ شَرِّ هَذَا الْخَبِيثِ.

خَاتِمَةُ الْقِصَّةِ

وَصَفَا الزَّمَنُ «لِعَلَاءِ الدِّينِ» بَعْدَ أَنِ انْتَصَرَ عَلَى عَدُوَّيْهِ، وَخَلَصَ مِنْ شُرُورِهِمَا. وَلَمْ يَنْقَضِ عَلَى هَذَا الْحَادِثِ عَامَانِ حَتَّى مَاتَ الْإِمْبِرَاطُورُ؛ فَوَلِيَ الْأَمْرَ (تَسَلَّمَهُ) — مِنْ بَعْدِهِ — «عَلَاءُ الدِّينِ»، وَزَوْجُهُ: «بَدْرُ الْبُدُورِ»، وَحَكَمَا بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ.

وَقَدِ ابْتَسَمَ لَهُمَا الْحَظُّ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمَا الدُّنْيَا، وَأَحَبَّهُمَا النَّاسُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي عَهْدِهِمَا الْبِلَادُ وَارْتَقَتْ، وَاسْتَتَبَّ (اسْتَقَرَّ) فِيهَا الْأَمْنُ، وَعَمَّ الرَّخَاءُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤