مليون دولار …

لم تصل الأسلحة حتى المساء … وأحس الشياطين بقلق … ولكن لم يكن أمامهم ما يفعلونه إلا الانتظار.

وعندما أشرفت الساعة على الثامنة كانوا يأخذون طريقهم إلى السيرك في وسط المدينة ويسمى حي «فاليتا» الذي كان مزدحمًا بالسواح من كل مكان …

وكان السيرك منصوبًا في طرف الحي … وقد أضيء بالأنوار الصاخبة، ووقف قزم يلبس حلة حمراء فاقعة اللون يدعو الناس إلى قضاء سهرة ممتعة مع ألعاب السيرك … وكان الإقبال شديدًا على دخول السيرك.

ولفت أنظار الشياطين «بوستر» ضخم لرجل هندي أسود الشعر … حاد الملامح … طويل القامة … مفتول العضلات، يمسك بكل يد خنجرًا ضخمًا، ويضع بين أسنانه خنجرًا آخر وقد كتب تحته بالخط العريض:

««لال رام» أعظم رامٍ للخناجر في العالم.»

ومن هذا البوستر عرف الشياطين أنهم أمام عدو رهيب لا يستهان به …

ودخل الخمسة إلى خيمة السيرك مع الداخلين … وكانت الموسيقى تصدح بشدة … وبعض البهلوانات يقفزون في الساحة الواسعة داخل الخيمة … ورائحة حيوانات السيرك من أسود، ونمور، وفيلة، وكلاب تنتشر في الجو … وبدأ العرض بمقدم البرنامج يتحدث عن الألعاب التي سيقدمونها هذه الليلة.

شاهد الشياطين الألعاب التي قدمت باستمتاع شديد … حتى جاء موعد ظهور «لال رام» فدقت الموسيقى نغمًا صاخبًا، وأعلن المذيع:

والآن أعزائي المشاهدين.

يسر السيرك العالمي أن يقدم لكم أمهر رماة الخناجر في العالم … البطل الهندي «لال رام» الذي كان نبيلًا من أعظم نبلاء الهند، وتربى في قصر «أين» مع النمور والفهود والفيلة، وأحب اصطياد أخطر الحيوانات بالخنجر … وقد ترك بلاده لتقديم مهارته إلى العالم … وهو يقول: إن الخنجر هو أنبل الأسلحة …

وزاد صخب الموسيقى، وانفرجت الستائر القطيفة الحمراء عن الهندي المثير … كان يلبس سراولًا قصيرًا … ويضع على كتفَيه عباءة من القطيفة السوداء، ويربط معصميه بأربطة جلدية، وشعره الغزير بشريط من الحرير الأبيض … وفي قدميه حذاءً عاليًا «بوت» وتقدم مختالًا بطوله الفارع وملامحه الصخرية … وحول وسطه حزام به نحو ‎١٢‏ خنجرًا ضخمًا … وخلفه مركبة صغيرة مزركشة تجلس فيها فتاة حسناء في ملابس خفيفة، وخلفها دائرة من الخشب.

وتوقفت الموسيقى، وارتفع تصفيق المشاهدين، وانحنى «لال رام» يرد التحية، ثم فجأة مد يده إلى حزامه، والتقط خنجرًا وقذفه، فأصاب الدائرة الخشبية خلف الفتاة بجوار رأسها مباشرة …

وساد صمت عميق، وأطلق «لال رام» خمسة خناجر أخرى أصابت جميع الدائرة حول رأس الفتاة التي جلست بثبات عجيب دون أن يبدو عليها الرعب من الخناجر المخيفة التي كانت تتراشق حولها …

وتوقف «لال رام» ودقت الطبول بنغم هندي ثم قال المذيع: والآن سيداتي سادتي … إن السيرك يقدم مليون دولار لشخص يرشح نفسه هدفًا لخناجر «لال رام» إذا أصيب بأية إصابة … المطلوب منه فقط أن يجلس هادئًا وألا يتحرك من مكانه … وإلا؛ فإن السيرك يخلي مسئوليته عنه …

وساد صمت عميق، ونظر الشياطين بعضهم إلى بعض، وتم تفاهم سريع؛ فقامت «إلهام» ورفعت يدها …

صاح المذيع: إن هناك آنسة مستعدة للتجربة.

ودقت الموسيقى، ثم قال المذيع: تقدمي من فضلك إلى وسط الحلبة.

وسارت «إلهام» بخطًى ثابتة إلى وسط الحلبة، ومد «لال رام» يده، ثم قال في مكبر الصوت: إنني أقدم حياتي فداءً لهذه الآنسة الشجاعة.

وبسرعة ظهرت مركبة صغيرة عليها قرص من الخشب يدور بسرعة، وأشار «لال رام» إلى المركبة وقال: أرجو من الآنسة أن تقف أمام الدائرة المتحركة.

نفذت «إلهام» تعليمات «لال» وأخذت العجلة تدور؛ وتأكد «لال» أن «إلهام» تقف في المكان الصحيح … ثم مد يده إلى صندوق وفتحه وأخرج مجموعة أخرى من الخناجر … دون مقدمات أخذ يقذف الخناجر كأنه يطلقها من مدفع رشاش …

كانت «إلهام» في منتهى الثبات … وأخذت الخناجر ترسم حولها دائرة من النصال اللامعة … دون أن يبدو على وجهها أي أثر للانفعال.

وانتهى «لال» من إطلاق خناجره دون أن يصيب الفتاة … وارتفع تصفيق الجماهير … وتقدم «لال» من «إلهام» ثم قدمها إلى الجمهور قائلًا: تحية لأشجع فتاة في العالم …

وصفق الجمهور طويلًا ﻟ «إلهام» وتحدث معها «لال» حديثًا هامسًا … ثم خلع قلادة كان يرتديها على صدره وألبسها ﻟ «إلهام» وسط تصفيق الجماهير …

عادت «إلهام» إلى مقعدها، وقال «أحمد» على الفور: إنني أنصحك أن تتركي مهنة المغامرة، وتنضمي إلى مهنته حيث الشهرة وتصفيق الجماهير.

ردت «إلهام»: هذا ما أفكر فيه.

زبيدة: لقد خشيت عليك كثيرًا من الإصابة.

ضحكت «إلهام» قائلة: كنتم ستقبضون مليون دولار!

عثمان: إنه بارع حقًّا.

إلهام: لقد عرض عليَّ العمل معه.

التفت إليها الشياطين فقالت: لقد طلب مني بإلحاح أن أعمل معه مقابل ثلاثة آلاف دولار في الشهر. ‎

زبيدة: وهل قبلت؟

إلهام: طبعًا.

بدت الدهشة على وجوه الشياطين … وقالت «إلهام»: سأقدم استقالتي من اليوم.

زبيدة: دعك من هذا المزاح الثقيل.

أحمد: إن استقالتك يجب أن تعرض على رقم «صفر».

إلهام: عليك أنت أن تعرضها … المهم … هل أنت موافق؟

أحمد: طبعًا، وكيف أقف في وجه مستقبلك؟ إن عملنا عمل شاق وسريٌّ … وأمامك عمل سهل وعلني فكيف لا أوافق؟

زبيدة: إنكما في غاية من ثقل الدم … كيف تتركنا «إلهام»؟

أحمد: إن هذا أفضل للجميع.

وأدركت «زبيدة» ما يقصده «أحمد» … إن وجود «إلهام» بجوار «لال» سوف يهيئ لهم فرصة لا مثيل لها لمعرفة أسرار العصابة.

وفهم «عثمان» نفس الشيء، ولكنه قال: لا بد من الحذر الشديد.

إلهام: طبعًا.

أحمد: وموافقة رقم «صفر» أيضًا!

إلهام: أظننا لسنا في حاجة إلى موافقة … فهذا جزء من عملنا.

أحمد: لا بد أن أعرض عليه الفكرة، فسوف تتعرضين لمخاطرة مخيفة.

إلهام: ليس هذا مهمًّا … المهم أننا سوف نحصل على معلومات طازجة من العصابة … وكيف تعمل؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤