الفصل الثالث

(المنظر: مكتب تحرير «رسول الشعب» باب الدخول إلى يسار الجدار الخلفي. ويوجد إلى اليمين باب آخر ذو ألواح من الزجاج تبدو منه صناديق الطباعين. وهناك باب في الجدار الأيمن. وفي وسط الغرفة منضد كبير مغطى بالأوراق والجرائد والكتب. وفي مقدمة المرزح من اليسار نافذة أمامها مكتب وكرسي عالٍ، وهناك مُتَّكَآنِ (فوتيلان) على جانبي المنضد، وعدة كراسي مرصوصة إلى جانب الجدار، والغرفة ضئيلة النور لا تتوفر فيها أسباب الراحة، والأثاث فيها قديم والكراسي ملوثة وممزقة.

في غرفة المطبعة يرى الجماعون مشتغلين، وكذلك يرى طباع يشتغل على مطبعة يد … هوفستاد جالس يكتب. يأتي بيلنج من اليمين ومعه مسودة مقالة الدكتور ستوكمان.)

بيلنج : يجب أن أقول!
هوفستاد (وهو مشغول بالكتابة) : هل قرأتها؟
بيلنج (يضع المسودة على المكتب) : أجل، فعلًا.
هوفستاد : ألا ترى أن الدكتور يضربهم ضربات قوية؟
بيلنج : قوية؟ يا مغيث … إنها هاشمة. كل كلمة تقع كأنها … ماذا أقول، كأنها مطرقة.
هوفستاد : نعم. ولكن هؤلاء الناس ليسوا ممن ينثنون تحت أول ضربة.
بيلنج : هذا صحيح، ولهذا يجب أن نضربهم مرة بعد أخرى حتى ينهار بناء تلك الأرستقراطية حجرًا فوق حجر. لقد خيل إلي وأنا أقرأ هذه المقالة أن الثورة على الأبواب.
هوفستاد (يتلفت) : هش. صه. تكلم بحيث لا يسمعك أسلاكسن.
بيلنج (يخفض صوته) : أسلاكسن ذو قلب كقلب الدجاج جبان، ليس فيه من صفات الرجولة شيء. ولا بد لك هذه المرة أن تصر على تنفيذ رأيك. أليس كذلك؟ لا بد من نشر مقالة الدكتور.
هوفستاد : نعم وإذا لم يوافق العمدة عليها …؟
بيلنج : سيكون من وراء ذلك نصب كبير.
هوفستاد : آه، من حسن الحظ أننا نستطيع أن نستفيد من هذا الموقف مهما كانت النتائج. إذا لم يوافق العمدة على مشروع الدكتور أصبح صغار أرباب الحرف كلهم ضدًّا له، وكل أعضاء جمعية أصحاب الأملاك وأضرابهم. وإذا وافق على المشروع فإنه يستغضب الجمهور الأعظم من أصحاب الأسهم الكبار في الحمامات وهم إلى الآن أقوى أنصاره.
بيلنج : نعم، لأنهم سيضطرون بكل تأكيد أن يدفعوا من جيوبهم ثمن الإصلاح.
هوفستاد : هذا ما لا بد أن يحدث، فأنت ترى أن رابطتهم لا بد أن تنفصم بهذه الطريقة. وعليه فإننا نستطيع أن ننشر في كل عدد من الجريدة نبذة للدلالة على عدم كفاءة العمدة، مسألة بعد مسألة. ونبين للجمهور بأوضح عبارة ضرورة وضع كل وظائف المسئولية ومراقبة شئون البلدة برمتها في أيدي الأحرار.
بيلنج : هذا هو الحق! هذا هو، إني أرى الساعة آتية، الساعة آتية، نحن على حافة الثورة!

(يسمع دق على الباب.)

هوفستاد : هش، صه. (ينادي) ادخل! (يدخل الدكتور ستوكمان من باب الشارع، يذهب هوفستاد للقائه) آه، أهو أنت يا دكتور؟! خيرًا!
الدكتور : لك الآن أن تشرع في العمل وتنشرها يا سيد هوفستاد.
هوفستاد : وصلت المسألة إلى هذا إذن.
بيلنج : مرحى!
الدكتور : نعم. انشرها فعلًا، وصلت المسألة إلى هذا الحد … لا بد لهم الآن أن يأخذوا ما يستحقون. سيحدث في البلدة نضال يا مستر بيلنج.
بيلنج : آمل أن يكون قتالًا بالسكاكين. سنضع السكاكين على حلوقهم يا دكتور.
الدكتور : هذه المقالة فتح باب فقط. لقد أعددت في رأسي أربع مقالات أو خمسًا … أين أسلاكسن؟
بيلنج (ينادي داخل غرفة المطبعة) : أسلاكسن! تعال هنا دقيقة.
هوفستاد : أربع مقالات أو خمسًا. تقول؟ في نفس الموضوع؟
الدكتور : لا، يا عزيزي، لا، إنها بشأن موضوع يكاد يكون غير موضوعنا. ولكنها متفرعة جميعها على موضوع مياه الشرب والصرف؛ شيء يؤدي إلى شيء. أليس كذلك؟ الأمر أشبه شيء بهدم بيت قديم بالضبط.
بيلنج : حقًّا، حقًّا، لا تجد أنك انتهيت حتى تكون قد هدمت البيت القديم الدارس كله.
أسلاكسن (داخلًا) : هدم! عسى أن لا يكون قصدك هدم الحمامات يا دكتور.
هوفستاد : كلا، كلا، لا تخشى بأسًا.
الدكتور : لا، نحن نعني شيئًا غير هذا بتاتًا. ما رأيك في مقالتي يا مستر هوفستاد؟
هوفستاد : أرى أنها آية من الآيات.
الدكتور : أترى ذلك حقًّا؟ إني مسرور جدًّا، مسرور جدًّا.
هوفستاد : إنها واضحة المبنى والمعنى لا يحتاج الإنسان لفهم محمولها إلى سبق علم خاص وسيكون معك كل رجل مستنير.
أسلاكسن : وكل رجل حكيم، على ما أرجو.
بيلنج : الحكيم وغير الحكيم، جميع أهل البلدة تقريبًا.
أسلاكسن : في هذه الحالة نستطيع أن نجرؤ فنطبعها …
الدكتور : أظن ذلك.
هوفستاد : سننشرها في عدد الغد.
الدكتور : بالطبع. لا يصح أن نضيع يومًا واحدًا. إن الذي أردت أن أرجوك له يا مستر أسلاكسن هو أن تشرف على طبعها بنفسك.
أسلاكسن : بكل ارتياح.
الدكتور : احرص عليها كأنها كنز! لا يكن بها أغلاط مطبعية. كل كلمة فيها مهمة … سأرجع إليكم مرة أخرى بعد قليل … فعسى أن تستطيعوا تجهيز تجربة. لا أستطيع أن أعبر لك عن فرط شوقي إلى رؤيتها مطبوعة، وأن أراها تنفجر فوق رأس الجمهور.
بيلنج : تنفجر فوق رأس الجمهور. نعم كالبرق الخاطف.
الدكتور : وأن تقدم إلى محكمة المستنيرين من أهل بلدتي.
إنك لا تدري قدر ما قاسيت اليوم؛ لقد هددت أولًا بأمر ثم بآخر. حاولوا أن يسرقوا مني أبسط ما لي من الحقوق بصفة كوني إنسانًا.
بيلنج : ماذا؟! ما لك من الحقوق بصفة كونك إنسانًا.
الدكتور : لقد حاولوا أن يحطوا من كرامتي ويجعلوا مني رجلًا أخرق جبانًا ويحملوني على تقديم مصلحتي الشخصية على عقيدتي المقدسة.
بيلنج : هذا كثير جدًّا. أقسم إنه كثير جدًّا.
هوفستاد : لا تعجب لشيء يأتي من تلك الجهة.
الدكتور : لن يلقوا مني إلا الشر كله. ثق واطمئن. وسأجعل هذه الجريدة مرساة لي ألقي عليهم منها كل يوم مقالة بعد مقالة كالقذيفة المتقدة.
أسلاكسن : نعم ولكن …
بيلنج : مرحى! حرب. حرب!
الدكتور : سأضربهم حتى أهدمهم. سأهشمهم. سأكسر كل حصونهم أمام أعين جمهورنا الكريم. هذا ما سأفعله حقًّا.
أسلاكسن : نعم. ولكن بالاعتدال يا دكتور، سر في عملك بالاعتدال.
بيلنج : أبدًا، أبدًا. لا تبخل عليهم بالديناميت.
الدكتور : لأن المسألة كما تعلم لا تقتصر الآن على كونها مسألة مورد الماء والمصارف. لا، إن حياتنا الاجتماعية كلها محتاجة إلى التطهير والتنقية.
بيلنج : كلام ككلام المخلِّصين!
الدكتور : يجب طرد جميع الذين لا كفاءة لهم. فاهم؟ وذلك في أي مجال من مجالات حياتنا! لقد لاحت لعيني اليوم صور لا حد لها. نعم إنني لا أستطيع حتى الآن أن أتبينها جليًّا ولكنني سأتبينها في حينها. شبان أقوياء يحملون العلم. هؤلاء هم الذين ننشدهم اليوم يا إخواني. يجب أن يتولى زمام أمورنا رجال جدد.
بيلنج : مرحى، مرحى!
الدكتور : لسنا في حاجة إلا إلى أن يقف بعضنا إلى جانب بعض ليسهل كل عسير، سندفع الثورة كالسفينة التي تدلى إلى الماء مزدلفة. ألا ترى ذلك؟
هوفستاد : أما أنا فأعتقد أن لدينا الآن ما يدل على أن سلطة البلدة ستصبح في الأيدي الجديرة بها.
أسلاكسن : وإذا سرنا باعتدال فلا مخاطرة في شيء.
الدكتور : ومن ذا الذي يهتم بأمر المخاطرة أو غير المخاطرة؟ إن ما أنا فاعله أفعله باسم الحق ولأجل راحة ضميري.
هوفستاد : أنت رجل تستحق أن تنصر، يا دكتور.
أسلاكسن : نعم. لا شك في أن الدكتور صديق صادق للبلدة صديق حقيقي للمجتمع، هذا هو الواقع.
بيلنج : صدقني يا أسلاكسن الدكتور ستوكمان هو صديق الشعب.
أسلاكسن : يخيل إليَّ أن جمعية أرباب الأملاك ستستعمل هذا التعبير في وصف الدكتور عما قريب.
الدكتور (متأثرًا، يقبض على أيديهم) : أشكركم يا أصدقائي الأقوياء. إنه لينعشني أن أسمعكم تقولون هذا. لقد نعتني أخي نعتًا خلاف ما تذكرون. أما والله لأردن إليه هذا بربحه. يجب علي أن أنهض لأزور مريضًا وسأعود إليكم كما قلت. اعتن شديد الاعتناء بمسودة المقالة يا أسلاكسن. وإياك بحال من الأحوال أن تترك علامة من علامات التعجب وغير ذلك. زدها واحدة أو اثنتين إذا شئت. عظيم، عظيم! هه، إلى اللقاء! ومؤقتًا، إلى اللقاء إلى اللقاء.

(يذهبون لتوديعه إلى الباب وينحنون له.)

هوفستاد : قد يأتي من ورائه نفع كبير لنا.
أسلاكسن : نعم ما دام لا يتخطى مسألة الحمامات هذه، أما إذا تخطاها وأوغل في الميدان فإني لا أرى من المستصوب أن نتبعه.
هوفستاد (يهمهم) : هذا يتوقف على …
بيلنج : أنت هيابة يا أسلاكسن.
أسلاكسن : نعم. إذا كانت المسألة تمس رجال الإدارة المحليين فأنا هيابة يا مستر بيلنج. هذا درس تعلمته في مدرسة التجاريب. دعني أقول لك ذلك. أما المسائل السياسية العليا التي لها علاقة بالحكومة نفسها فجربني فيها ثم انظر هل أنا هيابة أم لا.
بيلنج : لا، لست هيابة. أسلم لك. ولكنك تناقض نفسك.
أسلاكسن : إني رجل ذو ضمير. وهذا هو الموضوع كله. إذا أنت طعنت رجال الحكومة فإنك لا تؤذي المجتمع أبدًا لأن هؤلاء الأشخاص لا يهتمون بالمطاعن بتاتًا بل يستمرون في طريقهم كما كانوا بغير ملكهم، أما رجال الإدارة البلدية المحليون فهم صنف آخر في طاقتك طردهم؛ ولكن ربما أتيت يومئذ بفريق جاهل يتولى زمام العمل فيحدث أضرارًا وينزل بأرباب الأملاك وغيرهم خسائر لا تعوض.
هوفستاد : ولكن ما قولك في تربية مواطنيك بالحكم الذاتي، ألا تعلق أهمية على هذا؟
أسلاكسن : إذا كانت للإنسان مصالح خاصة تستوجب الصيانة فإنه لا يستطيع أن يفكر في كل شيء، يا مستر هوفستاد!
هوفستاد : إني أرجو أن لا تكون لي مصالح خاصة تلزمني صيانتها.
بيلنج : مرحى، مرحى!
أسلاكسن (بابتسام) : هممم. (يشير إلى المكتب) لقد كان المستر ستنزجارد سلفًا لك على هذا المكتب في رياسة التحرير.
بيلنج (باصقًا) : ياه، ذلك المتلون المذبذب؟
هوفستاد : لست كدوارة الرياح ولن أكونها.
أسلاكسن : يجدر بالسياسي أن لا يقطع بشيء يا مستر هوفستاد. وأنت يا مستر بيلنج، أرى أنه قد حان الوقت الذي يجدر بك فيه أن تطوي من شراع سفينتك قطعة أو اثنتين ما دمت قد قدمت طلبًا لوظيفة سكرتير المحكمة الخالية.
بيلنج : أنا!
هوفستاد (لبيلنج) : أحقًّا يا بيلنج؟
بيلنج : نعم، صحيح. ولكن يجب أن تعلم أني إنما فعلت ذلك لأغيظ أولئك المتعصبين.
أسلاكسن : على كل حال. لا يهمني هذا. ولكن إذا اتهمني أحد بالجبن وبعدم الثبات على مبدئي فهذا ما أريد أن أقوله؛ إن ماضي السياسي كتاب مفتوح. لم أتغير بتاتًا، اللهم إلا لأصبح معتدلًا قليلًا. إن قلبي لا يزال مع الشعب. ولكني لا أنكر أن في فؤادي شيئًا من الميل إلى ولاة الأمر، الولاة المحليين أعني (يذهب إلى غرفة المطبعة).
بيلنج : ألا يجدر بنا أن نعمل على الخلاص منه يا هوفستاد؟
هوفستاد : أتعرف شخصًا سواه يقدم لنا المال اللازم لشراء الورق ودفع أجرة الطبع؟
بيلنج : من أعظم البلاء أننا لا نملك شيئًا من رأس المال للاشتغال به.
هوفستاد (جالسًا إلى مكتبه) : فعلًا، لو كان عندنا رأس مال، إذن …
بيلنج : ما رأيك في الالتجاء إلى الدكتور ستوكمان؟
هوفستاد (يقلب أوراقًا أمامه) : وما الفائدة؟ الرجل لا يملك شيئًا.
بيلنج : لا. ولكن وراءه رجلًا مليئًا — مورتن كيل العجوز — الذي يسمونه أليغر.
هوفستاد (يكتب) : أأنت متأكد أنه غني؟
بيلنج : يا إلهي! بالطبع غني، وسيكون جزء من ماله لعيلة ستوكمان، ومن المحتمل جدًّا أن يعمل شيئًا من أجل الأولاد على كل حال.
هوفستاد (يلتفت نصف التفات) : أأنت معتمد على هذا؟
بيلنج : معتمد! أنا لا أعتمد على شيء بالطبع.
هوفستاد : مرحى! وأنا أيضًا لا أعتمد على سكرتارية المحكمة لو كنت مثلك. إنك لن تحصل على هذه الوظيفة، أؤكد لك.
بيلنج : أتظن أني لست واثقًا من ذلك؟ إن جوهر قصدي هو أن لا أحصل عليها؛ قليل من هذا ينبه قوى الإنسان للقتال. فهو أشبه شيء بتعاطيك مقدارًا جديرًا من مرارة الغل. وإني أعتقد أن الواحد منا في مكان كهذا، حيث يندر أن يحدث شيء يحرك الإنسان، محتاج إلى مثل هذا المنبه القوي.
هوفستاد (يكتب) : صحيح، صحيح.
بيلنج : آه. سيكون لي نبأ عما قريب. والآن أنا ذاهب لكتابة نص الدعوة إلى جمعية أرباب الأملاك (يذهب داخلًا الغرفة الواقعة إلى اليميني).
هوفستاد (جالسًا إلى مكتبه يعض في طرف ريشته ويقول على مهل) : هممم! هو كذلك (تسمع دقة على الباب) تفضل (تدخل بترا من الباب الخارجي، ينهض هوفسستاد) ما هذا؟ أنت! هنا؟
بترا : أجل. أرجو معذرتي.
هوفستاد (ساحبًا كرسيًّا إلى الأمام) : ألا تجلسين؟
بترا : لا. لا بد لي من الذهاب على الفور؟ أشكرك.
هوفستاد : لعلك آتية في رسالة من الوالد؟
بترا : لا. لقد أتيت بملكي (تتناول كتابًا من جيبها) هذه هي الرواية الإنجليزية.
هوفستاد : لماذا تردينها إليَّ؟
بترا : لأني لا أنوي أن أترجمها.
هوفستاد : ولكنك وعدتني بذلك.
بترا : نعم. ولكني لم أكن قرأتها. ولا أظن أنك أيضًا قد قرأتها؟
هوفستاد : لا. أنت تعلمين أني لا أعرف الإنجليزية ولكن …
بترا : صحيح؛ ولهذا أردت أن أخبرك أنه يجدر بك أن تقدم شيئًا آخر، (تضع مجلد الرواية على المكتب) إنك لا تستطيع أن تنشر هذه الرواية في جريدة «رسول الشعب».
هوفستاد : ولماذا؟
بترا : لأنها تناقض كل آرائك.
هوفستاد : أوه، من هذه الوجهة!
بترا : إنك لم تفهم قصدي. إن محمول هذه الحكاية أن هناك قوة خارقة للطبيعة تتولى العناية بمن يسمونهم الناس الأخيار في هذه الدنيا وتجعل كل شيء في النهاية على هواهم. أما من يسمونهم الناس الأشرار فيلقون جزاء محتمًا.
هوفستاد : هذا ما يريده قراؤنا بعينه.
بترا : أوتنوي أن تكون أنت الواسطة في وصول هذا إليهم؟ أما أنا فإني لا أومن بشيء من هذا، أنت تعلم حق العلم أن الأمور لا تحدث كذلك في عالم الحقيقة.
هوفستاد : أنتِ على تمام الحق. ولكن المحرر لا يستطيع دائمًا أن يعمل على ما يشتهي. إنه مضطر أحيانًا إلى أن يحني رأسه للجمهور في المسائل التي لا تكون مهمة. الأمور السياسية هي أهم الأمور في الحياة في نظر الجرائد على كل حال. وإذا كنت أريد أن آخذ قرائي معي في السبيل المؤدية إلى الحرية والفلاح فالواجب أن لا أذعرهم. إذا وجد القراء قصة خلقية من هذا القبيل في أسفل الصحيفة كانوا أقرب إلى قراءة ما هو مطبوع فوقها. يشعرون أنهم إذ ذاك آمن موقفًا وأسلم مكانًا.
بترا : يا للعار! إنه لا يجمل بك أن تنصب أحبولة كهذه لقرائك. إنك لست عنكبوتًا!
هوفستاد (باسمًا) : شكرًا لك على حسن ظنك بي. لا، الواقع أن الفكرة لبيلنج لا لي.
بترا : فكرة بيلنج؟
هوفستاد : نعم. على كل حال لقد طرح هذه الفكرة هنا يومًا من الأيام، وهو الذي يشتهي أن تنشر هذه الرواية بالذات في جريدتنا، إني لا أعرف شيئًا عن موضوعها.
بترا : ولكن كيف يقدر بيلنج وهو من ذوي الأذهان الحرة والآراء الطليقة …؟
هوفستاد : أوه، بيلنج رجل كثير النواحي. إنه متقدم لوظيفة سكرتير المحكمة أيضًا. كذلك سمعت؟
بترا : لا أصدق هذا يا مستر هوفستاد. كيف يسمح لنفسه أن يفعل شيئًا كهذا؟!
هوفستاد : آه، هذا يجب أن يسأل عنه بيلنج نفسه!
بترا : ما كان يخطر لي عنه مثل ذلك.
هوفستاد (ينظر إليها متمعنًا) : أبدًا؟ أيدهشك الأمر جدًّا؟
بترا : نعم أو لعله ما كان يدهشني قط. أؤكد لك أني لا أدري تمامًا.
هوفستاد : نحن الصحفيين لا نساوي شيئًا كثيرًا يا مس ستوكمان.
بترا : أأنت تعني ذلك حقيقة؟
هوفستاد : أرى ذلك أحيانًا.
بترا : نعم، لعل ذلك إنما يكون في أمور الحياة العادية؛ أستطيع أن أفهم ذلك. أما الآن وقد تناولتَ مسألة ذات بال …
هوفستاد : مسألة أبيك، تقصدين؟
بترا : بعينها. يخيل إلي أنه يجب عليك أن تدرك أنك رجل تقوم بأكثر مما يقوم به الأكثرون.
هوفستاد : نعم، اليوم أشعر أنني شيء من هذا القبيل.
بترا : بديهي أن تشعر بذلك. أليس الواقع هذا؟ لقد اخترت لنفسك أجل مهمة؛ أن تمهد الطريق لسير الحق الذي لا يقدره الناس، وللأفكار الجديدة الجريئة التي لم تعتدها العقول. لعمري لو لم يكن إلا أنك تقف في العراء شجاعًا تنصر مبدأ رجل مظلوم …
هوفستاد : ولا سيما إذا كان هذا الرجل المظلوم (يهمهم) لست أعرف في الحقيقة كيف …
بترا : تقصد ولا سيما إذا كان هذا الرجل على مثل هذه الاستقامة والنزاهة.
هوفستاد (بزيادة في التلطف) : أردت أن أقول ولا سيما إذا كان هذا الرجل أباك.
بترا (تؤخذ على حين بغتة) : هذا؟
هوفستاد : نعم يا بترا، يا مس بترا.
بترا : أهذا هو السبب الأول المقدم عندك؟ وليس الموضوع نفسه، وليس ما فيه من الصدق، وليس ما يعي أبي من قلب كريم نبيل.
هوفستاد : بالطبع … مؤكد … هذا أيضًا.
بترا : شكرًا لك، لا. لقد فضحت نفسك؛ لن أثق بك بعد اليوم في شيء.
هوفستاد : أيمكن أن يسوءك العلم بأني من أجلك … بالأكثر …
بترا : إن الذي يغضبني منك أنك لم تكن شريفًا حيال أبي. لقد كنت تتحدث معه كأنما الحق والمصلحة العامة كانا يمليان عليك الحديث. لقد استغفلته واستغفلتني أيضًا. لست أنت الرجل الذي صورته لأعيينا. من أجل هذا لن أغفر لك ولن أعفو. محال.
هوفستاد : لا يحسن بك أن تكلميني بهذه الشدة يا مس بترا. ولا سيما الآن.
بترا : ولماذا لا يجمل الكلام الآن، بالذات؟!
هوفستاد : لأن أباك لا يستطيع أن يعمل عملًا بغير مساعدتي.
بترا (تنظر إليه من فرعه إلى قدمه) : أأنت من هذا الصنف من الناس؟! يا للعار!
هوفستاد : كلا، كلا. لست كذلك. لقد أخذت على حين فجأة، صدقيني.
بترا : إني أعرف أي شيء أصدق. سلام عليك.
أسلاكسن (يأتي من غرفة المطبعة مسرعًا وعليه سيما الدهشة) : ياللعنة يا هوفستاد (يرى بترا) أووو! هذا شيء محرج.
بترا : هذا هو الكتاب. أعطه لإنسان سواي (تذهب صوب الباب).
هوفستاد (يتبعها) : ولكن يا مس ستوكمان.
بترا : الوداع (تخرج).
أسلاكسن : اسمع يا مستر هوفستاد.
هوفستاد : طيب، طيب، ما وراءك؟
أسلاكسن : العمدة في غرفة المطبعة.
هوفستاد : العمدة! تقول؟
أسلاكسن : نعم، إنه يريد أن يتحادث معك. أتى من الباب الخلفي لم يرد أن يراه أحد. أتفهم؟
هوفستاد : ترى ماذا يريد؟ تمهل. سأذهب أنا بنفسي (يذهب إلى باب غرفة المطبعة. يفتحه وينحني ويدعو بيتر ستوكمان إلى الدخول) خذ بالك يا أسلاكسن. لا يدخل علينا أحد.
أسلاكسن : معلوم، معلوم (يخرج داخلًا غرفة المطبعة).
بيتر : لم تكن تنتظر أن تراني هنا يا مستر هوفستاد.
هوفستاد : أقر بذلك فعلًا.
بيتر (ينظر إلى ما حوله) : أنت مستكن هنا. محل لطيف جدًّا.
هوفستاد : أوه.
بيتر : وها أنا ذا قد أتيت بغير استئذان أستنفد وقتك!
هوفستاد : إني في خدمتك على كل حال يا حضرة العمدة. ولكن دعني أخفف عنك هذه، (يأخذ قبعة بيتر وعصاه ويضعهما على كرسي) ألا تتفضل بالجلوس؟
بيتر (يجلس بجوار المكتب) : شكرًا (يجلس هوفستاد) لقد حدث لي ما ضايقني اليوم مضايقة شديدة يا مستر هوفستاد.
هوفستاد : حقًّا؟ آه أظن أنه مع الأعمال الكثيرة التي تنظر فيها …
بيتر : إن المفتش الصحي الموكل بالحمامات هو سبب ما حصل اليوم.
هوفستاد : حقًّا؟ الدكتور!
بيتر : كتب للجنة الحمامات شبه تقرير في موضوع بعض عيوب زعم وجودها في الحمامات.
هوفستاد : كتب فعلًا؟
بيتر : نعم ألم يخبرك؟ أظن أنه قال لي …
هوفستاد : آه. نعم. أجل ذكر لي شيئًا بشأن …
أسلاكسن (آتيًا من غرفة المطبعة) : أوه، أريد المسودة.
هوفستاد (بغضب) : إحم، ها هي ذي على المكتب.
أسلاكسن (يأخذها) : حسن.
بيتر : تمهل قليلًا. هذا هو الشيء الذي كنت أتكلم فيه.
أسلاكسن : نعم هذه مقالة الدكتور يا حضرة العمدة.
هوفستاد : أوه، أهذا ما كنت تتكلم عنه؟
بيتر : نعم. هو بعينه. ما رأيك فيه؟
هوفستاد : أنا بالطبع رجل عادي، ولم أطلع على المقالة إلا مرورًا.
بيتر : ولكنك ستنشر المقالة.
هوفستاد : لا أستطيع بسهولة أن آبى على رجل فاضل …
أسلاكسن : ليست رياسة تحرير الجريدة من اختصاصي يا حضرة العمدة.
بيتر : مفهوم.
أسلاكسن : إني إنما أطبع ما يعطى إلي.
بيتر : معلوم.
أسلاكسن : وعليه فيجب علي … (يذهب نحو غرفة المطبعة).
بيتر : لا، بل تمهل قليلًا يا مستر أسلاكسن. أتسمح لي يا مستر هوفستاد؟
هوفستاد : كما تشاء يا حضرة العمدة.
بيتر : أنت يا مستر أسلاكسن رجل عاقل وبصير.
أسلاكسن : يزهيني أن ترى ذلك يا سيدي.
بيتر : وفضلًا عن ذلك فأنت رجل ذو سلطة عظيمة جدًّا.
أسلاكسن : وبخاصة بين صغار أهل الحرف يا سيدي.
بيتر : إن صغار دافعي الضرائب هم الغالبية هنا كما في كل مكان آخر.
أسلاكسن : هذا صحيح.
بيتر : ولا شك عندي في أنك أعرف الناس بميولهم. ألست كذلك؟
أسلاكسن : نعم كذلك. أظن أني أستطيع القول إني أعرف يا حضرة العمدة.
بيتر : أجل. وعليه فإنه إذ يوجد بين المواطنين الذين هم أقل ثروة من إخوانهم في البلدة روح تضحية محمودة كما أرى فإني …
أسلاكسن : كيف هذا؟
هوفستاد : روح تضحية؟
بيتر : هذا برهان عظيم على وجود شعور وطني عام. برهان يدعو إلى الزهو والتفاخر. بل أكاد أقول إني لم أكن أنتظره، بيد أنكم أعرف بالرأي العام مني.
أسلاكسن : ولكن يا حضرة العمدة …
بيتر : الواقع أن الأمر سيقتضي من البلدة تضحية ليست صغيرة.
هوفستاد : البلدة؟
أسلاكسن : إني لا أفهم. أهو موضوع الحمامات؟
بيتر : بالتقدير الإجمالي وجد أن التغييرات التي يقول الدكتور بضرورة إجرائها تقتضي حوالي عشرين ألف جنيه.
أسلاكسن : هذا مبلغ كبير، ولكن …
بيتر : سيكون من الضروري بالطبع أن نعقد سلفة بلدية.
هوفستاد (ناهضًا) : لست تعني بالطبع أن البلدة ستدفع …
أسلاكسن : أتقصد أن هذه السلفة لا بد أن تؤخذ من أموال البلدية؛ من جيوبنا الخالية نحن صغار أرباب الحرف؟
بيتر : يعني يا عزيزي مستر أسلاكسن، من أين إذن نحصل على المال؟
أسلاكسن : السادة الذين يملكون الحمامات يجب أن يقدموا المال اللازم.
بيتر : أصحاب الحمامات ليسوا على استعداد للقيام بنفقات أخرى.
أسلاكسن : أهذا صحيح لا شك فيه يا حضرة العمدة؟
بيتر : لقد ثبت لي أن الواقع كذلك. فإذا أرادت البلدة هذه الإصلاحات الواسعة فلا بد لها من دفع قيمتها.
أسلاكسن : ولكن … الله يلعن هذه الحكاية. أرجوك المعذرة. هذا موضوع آخر يا مستر هوفستاد.
هوفستاد : حقيقة.
بيتر : بل أنكى شيء في الأمر أننا سنضطر مع ذلك أن نقفل الحمامات مدة سنتين كاملتين.
هوفستاد : نقفلها؟ نقفلها بتاتًا؟
أسلاكسن : سنتين؟
بيتر : نعم. إن العمل اللازم يتطلب كل هذه المدة، على الأقل.
أسلاكسن : لعنت. إن كنا نستطيع أن نتحمل هذا يا حضرة العمدة، فعلى أي شيء نعيش إذن نحن أصحاب المنازل في هذه الأثناء.
بيتر : من سوء الحظ أن هذا سؤال يصعب الجواب عليه جدًّا يا مستر أسلاكسن. ولكن ماذا نعمل نحن؟ أتظن أننا سنملك أن نرى وجه سائح واحد في البلدة إذا أخذنا نذيع أن الماء عندنا ملوث، وأننا عائشون على بؤرة طاعون، وأن البلدة من أولها إلى آخرها …
أسلاكسن : مع أن الحكاية كلها وهم في وهم.
بيتر : مع منتهى حسن الظن لم أستطع أن أستنتج غير هذه النتيجة.
أسلاكسن : إذن فيجب أن أقول إنه ما كان يليق مطلقًا بالدكتور ستوكمان … أرجو منك العذرة يا حضرة العمدة.
بيتر : إن ما تقوله حق يؤسَفُ له يا مستر أسلاكسن. لقد كان أخي لسوء الحظ رجلًا عنيدًا دائمًا.
أسلاكسن : وبعد هذا تريد أن تنصره يا مستر هوفستاد!
هوفستاد : أيخطر في بالك لحظة أنني …؟
بيتر : لقد وضعت خلاصة مختصرة عن الحالة كما تلوح لعَيْنَيْ رجل عاقل. في هذه الخلاصة بينت كيف يمكن معالجة بعض ما يحتمل وجوده من العيوب من غير أن نوقع لجنة الحمامات في الإفلاس.
هوفستاد : أهي معك يا حضرة العمدة؟
بيتر (يعبث بجيبه) : نعم، أحضرتها معي عسى أن نرى …
أسلاكسن : يا إلهي، هذا هو.
بيتر : من؟ أخي؟
هوفستاد : أين؟ أين؟
أسلاكسن : آتٍ من خلال غرفة المطبعة.
بيتر : يا سوء الحظ! لا أريد أن أقابله هنا، ولا يزال عندي أشياء كثيرة أريد أن أحادثك في شأنها.
هوفستاد (مشيرًا إلى الباب الأيمن) : ادخل هنا مؤقتًا.
بيتر : ولكن؟
هوفستاد : لا تجد هناك غير بيلنج.
أسلاكسن : أسرع، أسرع يا حضرة العمدة. إنه على وشك الدخول.
بيتر : أجل، طيب، ولكن اخلصوا منه على عجل (يذهب خارجًا من الباب الأيمن وأسلاكسن يفتحه له ويقفله من ورائه).
هوفستاد : تظاهر بأنك مشغول بشيء يا أسلاكسن (يجلس ويكتب، ويأخذ أسلاكسن يعبث في كومة جرائد موضوعة فوق أحد الكراسي).
الدكتور (آتيًا من غرفة المطبعة) : ها أنا ذا قد عدت (يضع قبعته وعصاه).
هوفستاد (وهو يكتب) : بهذه العجلة يا دكتور؟! أسرع، نجز ما كنت تتكلم عنه يا أسلاكسن ليس. عندنا فراغ من الوقت اليوم.
الدكتور (لأسلاكسن) : فهمت أن تجربة مقالتي لم تعدَّ بعد.
أسلاكسن (بدون أن يلتفت) : لا يمكن أن تنتظرها الآن يا دكتور.
الدكتور : لا يمكن! لا يمكن! ولكني قلق كما تعلم. لن يهدأ بالي حتى أراها مطبوعة.
هوفستاد (يهمهم) : هممم، ستأخذ وقتًا طويلًا جدًّا. أليس كذلك يا أسلاكسن؟
أسلاكسن : نعم أكاد أقطع بذلك.
الدكتور : لا بأس يا أصدقائي الأعزاء. سأذهب الآن وأعود ثانية. لا يضيرني أن أعود مرتين إذا اقتضى الحال. مسألة بهذه الدرجة من الأهمية … مصلحة البلد في خطر، ليس هذا وقت التواري عن العمل والواجب. (يكون على وشك الذهاب ولكنه يقف ويعود) اسمع، هناك مسألة أخرى أريد أن أكلمك بشأنها.
هوفستاد : أرجوك المعذرة، ألا يمكن أن ترجئها إلى وقت آخر؟
الدكتور : لا تأخذ غير خمس كلمات. هي هذه فقط. عند ما تقرأ مقالتي غدًا ويعرف الناس أنني كنت أشتغل بهدوء طول مدة الشتاء لمصلحة البلدة …
هوفستاد : نعم ولكن يا دكتور …
الدكتور : إني أعرف ماذا تقصد أن تقول. أنت لا ترى أن عملي هذا كان أكثر مما يتطلبه واجبي، واجبي كوطني طبعًا لم يكن كذلك، إني أعرف هذا كما تعرفه أنت، ولكن إخواني في الوطنية … أنت تعرف ذلك. يا إلهي! فكر في كل تلك الأرواح التي تحسن الظن بي!
أسلاكسن : نعم. لقد كانوا حتى اليوم يحسنون بك الظن يا دكتور.
الدكتور : وهذا الذي من أجله أخشى أنهم … هذه هي المسألة، إذا بلغت مقالتي إليهم ولا سيما الطبقات الفقيرة منهم ورن في آذانهم رنين الدعوة إلى تولي مصالح البلدة بأيديهم من الآن فصاعدًا …
هوفستاد (ناهضًا) : إحم … دكتور، لا أخفي عنك أن …
الدكتور : آه، لقد عرفت أن في الجو شيئًا، ولكني لن أسمع عنه شيئًا، إذا كان في النية ترويج شيء من هذا القبيل.
هوفستاد : من قبيل ماذا؟
الدكتور : أي شيء؟ سواء كان مظاهرة تكريم لي أو دعوة أو اكتتابًا بشيء يقدم إلي، أو أي شيء آخر فلا بد لك أن تعدني وعد صدق وشرف أن توقفه. وأنت أيضًا يا مستر أسلاكسن، فاهم.
هوفستاد : عفوك يا دكتور فإنه يجب علينا أن نخبرك بحقيقة الحالة قريبًا أو بعيدًا …

(يوقفه عن الاسترسال في الكلام دخول مسز ستوكمان وهي تدخل من باب الشارع.)

كاترين (وقد رأت زوجها) : كما قدرت بالضبط.
هوفستاد (ذاهبًا نحوها) : وأنت أيضًا يا مسز ستوكمان.
الدكتور : أي شيء تريدين هنا ياكاترين؟
كاترين : أعتقد أنك تعرف لماذا أتيت هنا.
هوفستاد : ألا تجلسين؟ أو ربما كنت …
كاترين : شكرًا لك، لا، لا تنشغل بي. ولا يسؤك مجيئي لأخذ زوجي. إني أم لثلاثة كما تعرف.
الدكتور : كلام فارغ، نحن نعرف ذلك.
كاترين : لن يذكر لك اليوم أحد فضل التفكير في زوجتك وأولادك. لو كنت تهتم بنا لما ألقيت بنا اليوم جميعًا في الشقاء.
الدكتور : أجننت يا كاترين؟ أإذا كان الرجل ذا زوجة وأولاد لا يسمح له أن يجهر بالحق؟ ألا يسمح له أن يكون وطنيًّا ناشطًا في خدمة الوطن؟ ألا يسمح له أن يؤدي خدمة واجبة لوطنه؟
كاترين : إذا أردت الحق، لا يسمح له.
أسلاكسن : هذا على حد ما أقول؛ الاعتدال في كل شيء.
كاترين : وهذا الذي من أجله تسيء إلينا يا مستر هوفستاد إذ تغرر بزوجي، تخرجه من بيته وتجعل منه ألعوبة.
هوفستاد : أؤكد لك أني لا أغرر بأحد.
الدكتور : يجعل مني ألعوبة. أتظنين أني أنا ممن يغرر بهم؟
كاترين : أنت كذلك فعلًا. إني واثقة أن في دماغك عقلًا أكبر من كل من في البلد، ولكنك سهل الانخداع يا توماس، (إلى هوفستاد) أرجو أن تتذكر أنه يفصل من وظيفته في إدارة الحمامات إذا أنت نشرت له مقالته.
أسلاكسن : ماذا؟
هوفستاد : استمع لي يا دكتور.
الدكتور (ضاحكًا) : ها، ها. فلنر، فلنر. كلا، كلا. إنهم يحرصون على أن لا يفعلوا هذا؛ إن الأغلبية الساحقة في جانبي، تذكري ذلك!
كاترين : نعم. هذا أقبح ما في الأمر فعلًا، أن يكون في جانبك هذا الشيء الشنيع.
الدكتور : كلام فارغ. اذهبي إلى بيتك وانظري في شئونه ودعيني أرعى مصلحة المجتمع، كيف تخشين كل هذه الخشية، وأنا مطمئن وسعيد؟ (يتمشى ويفرك كفيه) تأكدي أن الحق والشعب أغلب وأكاد أرى ذوي العقول الكبيرة من أهل الطبقة الوسطى يمشون كالجيش المنتصر، (يقف بجانب الكرسي) وي! ما هذا الذي على الكرسي؟
أسلاكسن : يا إلهي!
هوفستاد (يتنحنح) : إحم.
الدكتور : هنا أعلى شارات المجد والسلطة. (يأخذ قبعة العمدة الرسمية بين أطراف أصابعه بلطف ويرفعها في الهواء).
كاترين : قبعة العمدة!
الدكتور : وهذي عصا الإدارة أيضًا. خبروني بحق كل عجيب في هذه الدنيا …
هوفستاد : أنت ترى …
الدكتور : أوه، إني فاهم. لقد أتى يحاول بالكلام أن يجعلكم في جانبه، ها، ها. أراه أخطأ في هذا، وعندما لمحتني عينه في غرفة المطبعة، (ينفجر ضاحكًا) لاذ بالفرار، أليس كذلك يا أسلاكسن؟
أسلاكسن (بسرعة) : نعم لاذ بالفرار يا دكتور.
الدكتور : لاذ بالفرار من غير عصاه، ليس بيتر بالرجل الذي يهرب ويترك بضاعته وراءه. ولكن خبروني ماذا فعلتم به؟ آه، هو هنا بالطبع، سترين الآن يا كاترين.
كاترين : توماس. بالله لا تفعل.
أسلاكسن : لا تتهور يا دكتور.

(يضع الدكتور قبعة العمدة ويأخذ عصاه في يده، يذهب بهذه الصورة إلى الباب يفتحه ويقف ويده إلى قبعته مسلمًا، يدخل بيتر ستوكمان محمر الوجه غضبًا يتبعه بيلنج.)

بيتر : ما معنى هذه الأعمال الجنونية؟
الدكتور : كن عند حد الاحترام يا سيد بيتر. إني صاحب أعلى سلطة في البلدة الآن. (يتمشى ذهابًا وجيئة).
كاترين (وهي تكاد تبكي) : حقًّا يا توماس.
بيتر (يسير وراءه في الغرفة) : أعطني قبعتي وعصاي.
الدكتور (بنفس اللهجة كما سبق) : إذا كنت حكمدار البلدة فأنا العمدة، أنا حاكم البلدة جميعها، افهم من فضلك.
بيتر : انزع عنك قبعتي. أقول لك. تذكر أنها من اللباس الرسمي.
الدكتور : هووو، أتظن أن الشعب المتنمر الذي استيقظ حديثًا يذعره قبعة رسمية، سيكون في البلدة ثورة في الغد، أقول لك، لقد ظننت أنك تستطيع أن تفصلني ولكن أنا الذي سأفصلك، أفصلك من كل وظائفك. أتظن أنني لا أستطيع، أصغ إليَّ؛ إن ورائي قوى اجتماعية قاهرة، هوفستاد وبيلنج سيطلقان الرعد من جريدتهما، وأسلاكسن ينزل الميدان على رأس جميع أفراد جمعية الملاك.
أسلاكسن : إني لا أفعل ذلك يا دكتور.
الدكتور : بل إنك لفاعل.
بيتر : هل لي أن أسأل مستر هوفستاد إذن أفي نيته أن يكون له يد في هذا التهييج؟
هوفستاد : لا يا حضرة العمدة.
أسلاكسن : لا، ليس مستر هوفستاد أحمق حتى يعمل على خراب جريدته ونفسه من أجل شكوى موهومة.
الدكتور (متلفتًا فيما حوله) : ما معنى كل هذا؟
هوفستاد : لقد عرضت موضوعك في أنوار كاذبة يا دكتور، ولذلك لا يسعني أن أكون معك.
بيلنج : وبعد ما تفضل به الآن حضرة العمدة من البيان لا أراني …
الدكتور : أنوار كاذبة؟ دع هذا الجانب من الموضوع لي. ما عليك إلا أن تنشر المقال، إني قادر تمام القدرة على الدفاع عنه.
هوفستاد : إني لا أنشره. أنا لا أستطيع ولا أريد بل ولا أجرؤ أن أنشره.
الدكتور : لا تجرؤ؟ ما هذا الهراء؟ أنت رئيس التحرير ورئيس التحرير هو المتصرف في الجريدة.
أسلاكسن : لا يا دكتور إن الذي يتولى الجريدة ويتصرف فيها هم المشتركون.
بيتر : نعم لحسن الحظ.
أسلاكسن : إنه هو الرأي العام، الجمهور المستنير، أصحاب المنازل ومن على شاكلتهم من الناس. إنهم هم الذين يتولون الإشراف على الجرائد.
الدكتور (برباطة جأش) : وكل هذه القوى والعوامل ضدي؟
أسلاكسن : نعم ضدك وأرى نشر مقالتك مؤديًا حتمًا إلى خراب المجتمع.
الدكتور : صحيح!
بيتر : قبعتي وعصاي من فضلك. (ينزع الدكتور القبعة ويضعها على المكتب مع العصا، فيأخذها بيتر ستوكمان) لقد ماتت سلطتك كعمدة قبل أوانها.
الدكتور : نحن لم نصل إلى النهاية بعد. (إلى هوفستاد) إذن فإنه من المستحيل عليك بتاتًا أن تنشر مقالتي في جريدة «رسول الشعب».
هوفستاد : مستحيل بتاتًا؛ رعاية لعائلتك أيضًا.
كاترين : لا تشغل نفسك بأمر عائلة الدكتور. شكرًا لك يا مستر هوفستاد.
بيتر (يخرج ورقة من جيبه) : إذا نشرت هذا كان كافيًا في إفادة الجمهور بالواقع. إنه بلاغ رسمي. أتسمح؟
هوفستاد (آخذًا الورقة) : فعلًا، سأنشرها بكل تأكيد.
الدكتور : أما مقالتي فلا … أتظن أنك تستطيع إخماد صوتي وخنق الحق، ستجد أن الأمر ليس من السهولة بالدرجة التي تظن. مستر أسلاكسن، من فضلك خد مسودة مقالتي من فورك واطبعها على شكل رسالة على حسابي. أريد أربعمائة نسخة منها بل خمسمائة نسخة.
أسلاكسن : لو عرضت عليَّ وزنها ذهبًا، ما أعرت مطبعتي لطبع شيء من هذا القبيل، ولن تجد أحدًا في البلدة يطبعها لك.
الدكتور : إذن فأعدها إليَّ.
هوفستاد (يعطيه المقالة) : ها هي ذي.
الدكتور (آخذًا قبعته وعصاه) : سينشر أمرها على الجمهور على كل حال. سأتلوها بنفسي على جمع حاشد من أهل البلد، ويسمع إخواني المواطنون إذ ذاك صوت الحق.
بيتر : لن تجد في البلدة هيئة عامة تسمح لك باستعمال دارها لمثل هذا الغرض.
أسلاكسن : ولا واحدة، إني واثق من ذلك.
بيلنج : لا، ملعون أنا إن وجدت واحدة.
كاترين : ولكن هذا منتهى العار. لماذا ينقلب عليك كل واحد منهم هكذا؟
الدكتور (بغضب) : سأخبرك السبب. هو لأن كل رجل في هذه البلدة امرأة عجوز مثلك، كلهم لا يفكرون إلا في عيلاتهم أما المجتمع فلا.
كاترين (تضع ذراعه في ذراعها) : إذن فسأريهم أن … أن امرأة عجوزًا تقدر أن تكون رجلًا مرة؛ أنا سأكون في جانبك يا توماس.
الدكتور : مرحى لكاترين. كلام شجعان. سأعلن الحق للناس، وشرفي … إذا أنا لم أستطع أن أستأجر صالة فسأستأجر طبلة وأمشي أدق عليها في جميع أنحاء المدينة وأقرأها في جميع مفترقات الشوارع.
بيتر : لست من شدة الحمق والجنون بهذه الدرجة!
الدكتور : بل أنا كذلك.
أسلاكسن : لن تجد في المدينة رجلًا واحدًا يسير معك.
بيلنج : كلا، ملعون أنا إن وجدت رجلًا واحدًا.
كاترين : لا تقنط. سأكلف الأولاد المسير معك.
الدكتور : هذه فكرة سامية؟
كاترين : سيفرح مورتن بهذا. وسيعمل إيليف ما يعمل.
الدكتور : نعم، وبترا! وأنت أيضًا يا كاترين.
كاترين : لا، لا أفعل هذا، ولكني سأقف في النافذة أراقبكم. هذا ما سأفعل.
الدكتور (يضع ذراعه حولها ويقبلها) : شكرًا لك يا عزيزتي. الآن سنتصارع، أنا وأنتم أيها السادة. وسأرى هل يستطيع ثلة من الجبناء أن يكمموا وطنيًّا يريد أن يطهر الوطن!

(يخرج هو وزوجته من باب الشارع.)

بيتر (يهز رأسه بجد) : ها هو ذا قد جنن المرأة أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤