العودة إلى سويسرا!

بناءً على طلب «أحمد»، تحدَّد موعد الاجتماع فجر اليوم التالي، ورغم ما تدرَّبوا عليه من قدرة على النوم وقت شعورهم بالحاجة إليه، أو حالَما تقتضي الظروف؛ لم يستطيعوا النوم في هذه الليلة؛ فقد كان ما يشغلهم كثيرًا، وما يعدُّون له أكثر.

وقبل ميعاد الاجتماع بنصف ساعة، عرفوا أن رقم «صفر» سوف يلتقي بهم عبر الشبكة، ولكن على خط خاص بالمنظمة لا يمكن اقتحامه. فعرَفوا أنه قد علم بعدم نومِهم، وأنه لا يريد أن يشُق عليهم. وبعد حمام دافئ، دبَّ النشاط في أوصالهم، مع رغبةٍ خفية في الاسترخاء؛ مما دفعهم للقيام ببعض التمرينات الرياضية المنشِّطة.

وفي الميعاد، كان الجميع أمام شاشات الكمبيوتر، وكانت الخطوط البيانية المتراصة قد ظهرت عليها، وصوت رقم «صفر» يُلقي عليهم تحية الصباح، ويسألهم عما يشغلهم إلى هذا الحد.

أحمد: «بيتر» في خطر.

رقم «صفر»: كيف عرفت؟!

أحمد: إنه استنتاج منطقي.

رقم «صفر»: سنعمل على حمايته.

أحمد: لن نستطيع.

رقم «صفر»: ماذا تقول؟!

إلهام: سيقتلونه بأجهزته الشخصية.

رقم «صفر»: مثل ماذا؟!

أحمد: جهاز الميني كمبيوتر، أو التليفون المحمول.

رقم «صفر»: وما الدافع لهذا التصور؟!

عثمان: عملية اقتحام محطات الأقمار الصناعية.

فطلب منهم رقم «صفر» الانتظار لدقائق لسماع رأي الخبراء.

وهنا طلب «أحمد» منه أن يعقد اجتماعًا بينهم وبين هؤلاء الخبراء؛ لتوضيح ما يفكِّرون فيه، ولكي تطمئن قلوبهم.

وبسرعة شديدة، أعدَّ الخبراء أنفسهم لاجتماع الشياطين، وكان النقاش ساخنًا، والأفكار جادة وعميقة. وكان الشياطين على مستوًى عالٍ من المعرفة وسعة الأفق.

خرج الجميع من هذا اللقاء، مقتنعين بآراء الشياطين، في أن جماعة «سايبرسبيس» — أو الفضاء الإلكتروني الخيالي هو الاسم الذي يُطلقه البعض أيضًا على شبكة الإنترنت — هم مقتحمو الأقمار الصناعية، وأن ذلك بهدف إحداث بعض التغير والإضافة في الشبكة، حتى يمكِّنهم من التحكم عن بُعد في إرسال ما يشاءون من موجات وإشارات ترصدها وتستقبلها المحطة.

وقد أشار «أحمد» في توضيحه لفكرته إلى دائرة اﻟ F.M التي تُدمج مع دائرة التليفون العادي، فيتمكن أي إنسان من التجسُّس على المكالمات التليفونية لنفس الجهاز على بُعد مائة مترٍ بواسطة جهاز الراديو العادي، وهي دائرة رخيصة تُباع بأسواق الإلكترونيات في كل مكان.

وقد كان رأي رقم «صفر» هو أن يحاربهم بنفس أسلحتهم.

ومن هنا نبع قرار رقم «صفر» بسفر تشكيل من جماعة الشياطين مرة أخرى إلى «سويسرا»، مع التغيير في القيادة، إلا أن «أحمد» أصر على السفر، فالعملية عمليته، وعليه أن ينتهي منها. أما «بيتر» فقد رأوا أن يدعوه في رحلة إلى «مصر» لتأمينه حتى ينتهي القبض على أعضاء هذه الجماعة.

إلا أن «أحمد» رأى أن «بيتر» هو الشمعة التي ستحوم حولها الفراشات — أي أعضاء الجماعة — وسيسهل مهمة القبض عليهم، وفي حالة وجوده معهم في «سويسرا»، سيرون أن الوجبة ستكون دسمة، مما يستلزم تواجدهم مجتمعين، وهي فرصة للتخلص منهم مرة واحدة.

أعجبت الفكرة رقم «صفر»، فطلب منه محاولة الحصول على «بيتر»، ودعوته إلى «سويسرا» وتحدد ميعاد السفر بناءً على هذا الاتفاق.

انتهى الاجتماع، ورضي «أحمد» عن كل ما تمَّ، ومعه باقي الشياطين فانصرف كلٌّ منهم إلى غرفته، ليحصل على ما شاء من ساعات النوم الجميل بعد هذا العناء الطويل، مع تمنيات العاملين في المقر لهم بأحلام سعيدة. ولكن … هل عندهم مكان للأحلام؟

إن عقولهم مليئة بالقضايا، وشُغلهم الشاغِل أمن الإنسان العربي وأحلامه، وحماية مصالحه. ولكن — وفي ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل، والتقنية الحديثة المتاحة لكل من معه ليدفع — أصبحت السيطرة على عالم الجريمة أمرًا غاية في الصعوبة؛ لأن التقدم العلمي أصبح خطيرًا إذا واكبته رِدَّة أخلاقية.

ظلت الأفكار تعمل في رأس «أحمد» حتى غلبه النوم.

عند غروب شمس ذلك اليوم المعتدل الحرارة من أيام ربيع مصر الدائم، استيقظ الشياطين، وعيونهم على كرة حمراء كجمرة النار … تطل عليهم من بين الهرم الأكبر وهرم «منقرع»، وكانت نوافذ غرفهم كلها تطل على هضبة الأهرام.

في قاعة الطعام تساءل «أحمد» إن كان الفراعنة قد عرفوا علوم الاتصال عن بُعد، وتكنولوجيا التجسُّس، والتوجيه بالأشعة تحت الحمراء كما في الصواريخ.

ردت «إلهام» قائلة: لقد عرفوا ما هو أعْقَد من ذلك.

أحمد: ولأنني حفيدهم؛ فقد توصَّلت إلى قرار لا رجعة فيه.

إلهام: بالنسبة لماذا؟

أحمد: عملية «شبكة الموت».

عثمان: وما هو؟

أحمد: السفر … وفورًا إلى «سويسرا».

علت الدهشة وجوه الشياطين، وقد حاولوا معرفة المزيد منه، إلا أنه أصرَّ على ألا يُفصح عن شيء إلا بعد إطلاع رقم «صفر» عليه.

أقلعت الطائرة من مطار القاهرة، في مساء اليوم التالي لاتخاذ «أحمد» قرار السفر، وهو بين ركابها … وبجواره تجلس «إلهام» غير مُصدقة لما يحدث. كذلك «عثمان» الذي كان يجلس خلفهما ومعه «فهد» … وكما اكتشف «أرشميدس» قانون الطفو فجأة، وخرج من حمَّامه يصرخ: وجدتها … وجدتها … فقد خرج «أحمد» من غرفة نومه متخذًا قرار السفر.

في مطار «زيورخ» كان في انتظارهم … أعضاء من نادي الأثرياء (إيجل كلوب) مما ضاعف من دهشتهم، فالمفروض أن رأسهم مطلوبة في «سويسرا» من مافيا تجارة السلاح، ومن جماعة «سايبرسبيس» بعد ما حدث في عملية «شبكة الموت»، تُرى ما السر إذن وراء إعلان خبر وصولهم إلى «سويسرا»؟ وما سبب حضور هؤلاء الرجال لاستقبالهم؟

ومن هم هؤلاء الرجال؟ هل هم من رجال المنظَّمة في «سويسرا»؟ أم أنهم من عصابات المافيا أو جماعة «سايبرسبيس»؟

وهل هم الآن مؤمَّنون حقًّا؟ أم أن عليهم وحدهم مواجهةَ كل الظروف المحيطة بهم؟ إنهم الآن في ملعب الخصم المجروح الذي يطلب الثأر؛ ولأنهم أيضًا يهدِّدون وجوده، لن يتورع عن عمل أي شيء للنيل منهم.

طال سير السيارة الشيروكي بهم بين جبال ووديان … فلم يُطِق «عثمان» صبرًا، فسأل قائد السيارة قائلًا: إلى أين نحن ذاهبون؟

السائق: إلى قرية «أنماس».

إلهام: وأين تقع هذه القرية؟!

السائق: قرب الحدود مع «فرنسا».

فنظر «فهد» إلى «أحمد» وقال متسائلًا: مستر «زايد»؟!

أحمد: لقد طلبت من مستر «كول» تليفونيًّا استئجار فيلَّا فخمة هناك.

كول: لقد كانت فكرة صائبة؛ فقرية «أنماس» رغم أنها صغيرة إلا أنها مكان جميل هادئ.

كانت «إلهام» تتابع ما يحدث بشغفٍ، ولكن في غيظ … فحتى الآن لم يكشف لهم «أحمد» عن سر هذا القرار؛ لذا كانت سعادتها كبيرة حينما أخبرهم السائق أنهم وصلوا، وتوقفت السيارة أمام باب حديدي كبير، غارق وسط غابة من الأشجار القصيرة، والكثيفة الخضراء؛ فأضاء السائق الأنوار الأمامية أكثر من مرة، فانفتح الباب تلقائيًّا فدلفت السيارة منه إلى ممرٍّ مرصوف تحيطه الخضرة، وفي آخر الممر توقَّفت أمام سلم عريض، فنزل الشياطين ومعهم مستر «كول» الذي هنأهم على سلامة الوصول … وطلب منهم وعدًا برؤيتهم صباح اليوم التالي، وتمنَّى لهم أحلامًا سعيدة. واستدارت السيارة عائدة به ومعه السائق.

وكانت الفيلَّا بسيطة التصميم من الداخل، واسعة الغُرَف، وثيرة الأثاث.

ولفت نظر «إلهام» أربعة مقاعد وثيرة تحيط بمائدة مستديرة صغيرة، وبحاسة الأنثى توجَّهت إلى المطبخ، فوجدت في ثلاجته ما لذَّ وطاب فأعدت لهم عشاء وشايًا ساخنًا.

وبعد الثناء على ما فعلَتْ، وتقديرها لحاجتهم الماسة للطعام، طلبت من «أحمد» تفسيرًا لما حدث. وقد كان كلامه منطقيًّا، وخطته بسيطة ومحكمة كالمخترعات الحديثة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤