صراع بين الطائرة والقطار

أسرع الشياطين إلى حيث تقف الطائرة في نهاية الحديقة، كانت إضاءة خافتة تصدر من داخلها، وكان هناك اثنان فقط يجلسان فيها.

في هدوء اقترب «أحمد» وقال في بساطة: مرحبًا بكما، تفضَّلا إلى القصر، فلن تقلع الطائرة الليلة.

نظرا إليه في هدوء، ورد أحدهما: مرحبًا، لا بأس.

نزلا معًا. وفي لحظة، كان «مصباح» و«باسم» قد انقضَّا عليهما، ثم أوثقاهما.

قال «أحمد»: أسرعا إلى الطائرة.

وعندما كان «مصباح» و«باسم» و«ليز» يدخلون الطائرة، كان «أحمد» يرسل رسالة إلى «قيس» و«ريما»: «انتهى الموقف. أبلِغا الشرطة، واحْضُرا إلى محطة لندن، ومعكما السيد «جونار»» … ثم قفز إلى الطائرة.

كان «مصباح» قد جلس إلى عجلة القيادة، فأدار المحرك بسرعة … لحظات ثم انطلقت الطائرة. وعندما استوت في الفضاء، قال «أحمد»: إن أمام القطار نصف ساعة، حتى يصل إلى محطة لندن؛ ولهذا، يجب أن نلحق به قبل أن يحدث أي شيء.

سأل «باسم»: هل تتوقع حدوث شيء.

أحمد: نعم، من الممكن أن يغادر «ويللي» القطار قبل أن يدخل المحطة، ويُفلت في النهاية من أيدينا. إن «ويللي» هو الذي سوف يكشف «جونار» لينتهي الموقف تمامًا.

صمَت الجميع. كانوا ينظرون إلى الحقول الممتدة أسفلهم والتي لم تكن تظهر إلا بقع منها، في الأماكن التي يوجد بها فلاحون، حيث تتناثر بقع الضوء، فتظهر الخضرة. كان القطار الذي استقله «ويللي» آخر قطار يغادر «هارتش» وهو قطار ذو ثلاث عربات، ويصل إلى محطة لندن، في الثالثة صباحًا … كان «أحمد» يبحث عن القطار فوق القضبان الحديدية الممتدة، والتي لم تكن تظهر، فهي لن تظهر إلا بظهور القطار.

فجأة رأى «أحمد» ضوءًا يتحرك على الأرض، فقال: إن القطار قد ظهر، حاول أن تقترب منه.

حلَّقت الطائرة على ارتفاعٍ أقل، فبدأ القطار يظهر بأضوائه اللامعة التي كانت تتسرب من النوافذ، هذا بجوار ضوئه الرئيسي الأمامي.

سألت «ليز»: ماذا ستفعل؟

أجاب «أحمد»: سوف أنزل فوق القطار.

ظهر الفزع على وجه «ليز»، وهتفت: كيف؟

ابتسم «أحمد» قائلًا: سوف ترين.

هبطت الطائرة أكثر حتى أصبحت فوق القطار تمامًا.

غادر «أحمد» مكانه، ثم فتح نافذة الطائرة وربط حبلًا في أحد مقاعدها، وقال: «باسم»، أغلِق النافذة خلفي بسرعة.

انزلق «أحمد» على الحبل الذي تدلَّى، وكانت الرياح عاصفة، بتأثير اندفاع الطائرة، حتى إنه كان يتأرجح بشدة، ولا يستطيع الوصول إلى سقف القطار. هبط «مصباح» بالطائرة أكثر، حتى اقتربت تمامًا من ظهر القطار. وعندما أخذ «أحمد» يتحرك بالحبل، ليسقط فوقه، دفعه الهواء بشدة، فطار في الهواء، لكنه ظلَّ متشبثًا في الحبل. كان الشياطين يرونه جيدًا، فحاول «مصباح» مرة أخرى، وكان القطار قد ابتعد قليلًا، لكن مصباح هبط هذه المرة قريبًا من السقف، حتى كاد جسم الطائرة يلامس ظهر القطار، في نفس اللحظة كان «أحمد» يقفز في الهواء وهو يحاول أن يُقدِّر المسافة تمامًا حتى لا يسقط على الأرض، وفي لحظة … كان يسقط فوق العربة الثانية … كان اندفاع الهواء شديدًا، ولكنه استلقى على السقف في الوقت الذي صعِدَت فيه الطائرة محلقة في اتجاه لندن.

ظل «أحمد» راقدًا في مكانه دقائق … فقد كان سقوطه عنيفًا، وعندما استعاد قوته، زحف حتى نهاية العربة، ثم نزل في هدوء، بين العربة الثانية والثالثة، وأخذ يعالج موقفه بحذر، حتى لا يسقط بين العجلات. لكن فجأة، انزلقت قدمه فسقط كما فكَّر، غير أنه أسرع، فأمسك بالفاصل الحديدي بين العربتين. ثم جذب نفسه بقوة، حتى عاد إلى موقفه الأول … وفي هدوء تسلَّل إلى داخل العربة الثالثة ووقف ينظر حوله. كان عدد الركاب قليلًا، فأخذ مكانه في أحد المقاعد فترة، فقد أحسَّ أنه في حاجة إلى الراحة، بعد هذه المغامرة الصعبة، فوق القطار، وبين عجلاته.

مرَّت دقائق، كان يشعر خلالها بأنه يستعيد نشاطه، وعندما أحسَّ أنه الآن قادر على مواصلة العمل، غادر مقعده وانصرف، تسللت عيناه تبحث عن «ويللي». انتهت العربة الثالثة. فانتقل إلى العربة الثانية، ألقى نظرة على العربة الطويلة. كان الركاب فيها أكثر قليلًا … نظر في ساعة يده، وقدَّر أن القطار سوف يدخل بعد قليل محطة لندن. قطع العربة في هدوء، حتى نهايتها. ومرة أخرى، لم يرَ «ويللي». فكر: هل تكون خدعة، ويكون «ويللي» قد استقلَّ سيارة. أو أنه يكون قد نزل في الطريق.

لم يكن أمامه سوى العربة الأولى، وهي التي تلي القاطرة مباشرة. وقف في بداية العربة الأولى، وألقى نظرة على الركاب … كان عددهم أقل من ركاب العربة الثالثة، وفجأة، رأى رجلًا يقوم من مكانه، ويتجه إلى المقعد الأمامي، ثم ينحني على أحد الجالسين في نفس الوقت الذي يضع يده على مكان المسدس … أيقن «أحمد» بسرعة أن شيئًا ما سوف يحدث … تقدم خطوتين إلى الأمام حتى يكون قريبًا، ويستطيع التصرف بسرعة. غادر الرجل مكانه، واتجه إلى القاطرة التي تجر القطار. اختفى الرجل من العربة. فقد خرج من بابها الأمامي عندئذ تقدَّم «أحمد» حتى أصبح أمام المقعد الذي تحدَّث إليه الرجل. وقعت عينه على «ويللي»، الذي كان يستعد لمغادرة المقعد. تجاوزه بسرعة، وخرج من الباب الأمامي، لكن فجأة سمع «أحمد» صوت فرملة القطار، وبدأت سرعته تقل، ثم عرف أن الرجل الذي خرج هو أحد أفراد العصابة، وأنه كان حارسًا ﻟ «ويللي». فأسرع إلى القاطرة، وتعلَّق بسُلَّمها، ثم جرى إلى حيث تقع غرفة القيادة. ألقى نظرة حذِرة فرأى رجل العصابة يمسك مسدسًا ويهدد به السائق ومساعده. فكر بسرعة وضرب الرجل، ضربة قوية جعلته يترنَّح، وفي لمح البصر كان قد خطَف المسدس من يد رجل العصابة، ثم ضربه ضربةً أطاحت به من الباب المفتوح في نفس الوقت قال: ارفع السرعة.

رفع السائق السرعة، فعاد في قفزة واحدة إلى العربة الأولى حيث يجلس «ويللي». لكن الدهشة ملأت وجهه فلم يكن «ويللي» في مقعده. أسرع يقطع العربة إلى دورة المياه. حيث يمكن أن يختبئ «ويللي». لكنه وجدها مفتوحة. فكَّر بسرعة: هل يمكن أن يكون «ويللي» قد قفز من العربة لكنه في نفس الوقت أيقن أن ذلك يكون صعبًا، فسرعة القطار ليست قليلة إلى درجة أن يقفز منه أحد.

انتقل إلى العربة الثانية فلم يجد «ويللي». قال لنفسه: إذا لم يكن في العربة الثالثة، فإن المغامرة لا تكون قد حققت نتائجها كاملة.

أسرع إلى العربة الثالثة، لكنه أيضًا لم يرَ «ويللي». وقف لحظة يفكر … لكن شيئًا لفت نظره. لقد كانت نافذة دورة المياه مفتوحة، فأسرع إليها ونظر منها فعرف أين يمكن أن يوجد «ويللي» … إن هناك درجات صغيرة يمكن أن يصعد منها أي إنسان إلى سقف العربة.

قفز في رشاقة إلى هذه الدرجات، ثم في حركة لولبية، كان على السقف … لكن فجأة نزلت ضربة قوية فوق رأسه، جعلت الدنيا تدور في عينيه، إلا أنه كان أكثر ثباتًا، فقد استجمع قواه بسرعة، وقفز قفزة واسعة، جعلته يقف وسط سقف العربة. لقد كان هو و«ويللي» متواجهين … رأى «ويللي» يسحب مسدسه من جيبه، لكنه كان أسرع منه، فقد سحب مسدسه وأطلق طلقة، أطارت المسدس من يد «ويللي» الذي سقط بعدها على السقف، لكن سقوطه لم يكن نهائيًّا. فقبل أن يصل «أحمد» إليه، كان قد استعاد نفسه، وجرى مسرعًا فوق سقف العربة، ثم تجاوزه إلى سقف العربة الثانية.

كان «أحمد» يتحرك في هدوء، فهو يعرف أن «ويللي» سوف يقع في يده في النهاية فسرعة القطار لن تعطيَه فرصة لأن يتصرف أيَّ تصرُّف … تجاوز «ويللي» العربة الثانية، ثم في رشاقة قفز إلى سقف القاطرة، فأيقن «أحمد» أنه سوف يعود إلى تهديد سائق القطار. أسرع «أحمد» خلفه حتى قفز هو الآخر فوق سقف القاطرة، وفي بساطة كان ينزلق إلى داخل القاطرة، حيث رأى «ويللي» يحاول أن يجذب فرملة القطار ويشتبك مع السائق. في نفس الوقت تقدَّم وهو يُسدِّد لكمةً قوية إلى فكِّ «ويللي» جعلَته يستدير، فأمسك بذراعه ولواه في قسوة جعلت «ويللي» يئنُّ، ولا يستطيع أن يتخذ أيَّ موقفٍ.

قال «أحمد»: هل اقتربت المحطة؟

قال السائق: إننا ندخلها الآن.

ارتفعت صَفَّارة القطار، تعلن عن وصوله. وعندما وقف على الرصيف، دفع «أحمد» «ويللي»، أمامه فرأى الشياطين، ومعهم «ليز» والشرطة فتقدَّموا منه بسرعة.

فأقبلَ أحدهم إليه، وهو يمدُّ يده مصافحًا: لا أدري ماذا يمكن أن أقول … لقد أنقذت ابنتي، وأنقذت أشياءَ أخرى كان يمكن أن تحدث.

صافحه «أحمد» فقد عرَف أنه السيد «جونار» والد «ليز». وفي مشهد طريف، التقى «ويللي» و«لانج». نظرا إلى بعضهما في سخط … فقد وقع الاثنان معًا.

تحدث «أحمد» إلى رجال الشرطة، فقال القائد: لقد أرسلنا رجالنا للقبض على مجموعة القصر.

شكر قائد الشرطة الشياطين.

وقال السيد «جونار»: اسمحوا لي أن أدعوَكم لقضاء أيام في ضَيْعتي حتى أعبِّرَ لكم عن شكري، وحتى …

وقبل أن يُكمل كلامه قال «أحمد» مبتسمًا: إننا نشكرك على هذه الدعوة، غير أننا مرتبطون بأعمال أخرى.

خرج الجميع من المحطة، حيث استقلَّ الشياطين سيارة إلى فندق «النجوم السبعة». وعندما ضمتهم الحجرة، كانوا يشعرون بالرغبة في النوم، بعد الصراع الطويل الشاق. لكنهم قبل أن يَلجئوا إلى النوم، قالت «ريما»: إنني لم أسمع كل التفاصيل.

نظرت إلى «قيس» وقالت: أليس كذلك؟

ابتسم «أحمد» وقال: إن أمامنا مُتسعًا من الوقت لنقول كل التفاصيل في المقر السري، مع بقية الشياطين … غير أننا لا بد أن نرسل رسالة إلى رقم «صفر». ثم قام إلى جهاز الإرسال، وأرسل رسالة: «انتهت المغامرة.»

وجاءه الرد: «أتمنى لكم نومًا هادئًا.»

وفي لحظة كانوا جميعًا قد استغرقوا في النوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤