الفصل الأول

الهدف والمعنى

في القرن الماضي أغفلنا — نحن العاملين في عالم الأعمال — المعنى الأسمَى، والهدف الذي يتجاوز مجرد جني الأرباح. وذهب الناس — وبينهم الكثير منا — إلى العمل يوميًّا دون إحساس بإسهام جادٍّ يتجاوز الراتب الشهري، والإحساس بالمسئولية، وبذل جهدٍ مُضْنٍ في العمل لصالح صاحب عمل بعينه، أو لصالح مجموعة من حَمَلة الأسهم المجهولين المهتمين بالأرباح في المقام الأول، في الشركات الكبيرة والصغيرة. إن الخطى المتثاقلة، والاستنزاف الناتج عن الأعمال اليومية، بالإضافة إلى السلوك السيئ لكثير من المؤسسات، حوَّلوا مصطلح الأعمال إلى كلمة بذيئة.

ماذا عسانا إذًا أن نفعل الآن؟

إنها فرصة متاحة أمامنا لتوجيه مؤسساتنا، وفرقنا، ومشروعاتنا، تجاه معنًى أسمى، ولنكون جزءًا من الحركة التي تتطلب إسهامًا أكبر من عالم الأعمال، يفوق مجرد الأرباح، ولنكتشف الهدف الحقيقي، ونتشارك فيه.

(١) الهدف العظيم

إن كل مؤسسة تهدف إلى الازدهار في هذا القرن المختلف جذريًّا، لا بد أن تمتلك هدفًا واضحًا للغاية، يخلق معنًى يتجاوز إلى حد كبير النتائج المالية؛ هدفًا يحل التحديات ويتيح استغلال الفرص الكبيرة والمهمة الموجودة في المجتمع؛ هدفًا منطقيًّا حقًّا، هذا هو الهدف العظيم.

(١-١) لماذا الهدف العظيم مهم؟

الحقيقة ببساطة هي أن القاعدة المسلَّم بها في الوقت الحاضر تدفع بأن الهدف من الأعمال هو زيادة القيمة المضافة لحاملي الأسهم. هذه هي الحقيقة بوضوح وبساطة، وهذا هو ما حُفر في عقول كثير منا في كليات إدارة الأعمال وقاعات اجتماع مجالس الإدارة، ومن الصعب جدًّا على أيٍّ منَّا أن يَحِيد عن هذا الطريق.

وكما قال بيتر دراكر: «إن كل ما يُقاس يتحسن.» ففي مجال الأعمال كان هذا الهدف هو ما يقاس و«يتحسن»، ومن ثم أصبح هدف عالم الأعمال ينحصر على نحو أضيق وأكثر تحديدًا في زيادة ثروة حاملي الأسهم. وهو هدف مهم لقلة قليلة، لكنه غير مهم لباقي العالم. يا له من تحسُّن!

إلا أننا بتنا ندرك على نحو متزايد أن هذا الهدف ليس رائعًا كما يبدو، وكما قال الاقتصادي الملهم عمير حقي في تغريدة له على موقع تويتر: «إنَّ جعْل إثراء حمَلة الأسهم أساسَ الاقتصاد هو على الأرجح فكرة تساوي في سوئها صلصة تشيز ويز البرتقالية وشعر دونالد ترامب.»

لكن عندما نبتعد وننظر إلى الصورة الكبرى، سيتضح لنا جميعًا، نحن سكان العالم الغربي المتقدم، أننا في مكان أسوأ؛ فالجهود الجماعية لنموذج اقتصادي عالمي متكامل يقوم على النتائج، ويُقاس بالدولار، واليورو، والجنيه، قد منح أكثر الأمم تطورًا أعمالًا مزدهرة لكنها متقلبة إلى حد مروع، ومجتمعًا ثريًّا لكنه مثقل بالديون وغير سعيد. (بالمناسبة، تلك تحديات عظيمة الأهمية وتنطوي على فرص إيجابية هائلة لعالم الأعمال إذا تعاملنا معها على النحو الصحيح وبالنوايا الصحيحة.)

(٢) السياسيون والأشخاص العاديون أيضًا

عندما يبدأ سياسيون مثل الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون، في النظر بجدية إلى كيفية تضمين معايير السعادة في السياسة، يصبح لزامًا علينا — نحن رجال الأعمال — الانتباه، فهذا تغيير هائل في الهدف، ومحاولة لإعادة بث الأهمية والمعنى، والأهم من ذلك أن من يقودها هي الحكومة التي اعتدنا انتقادها بسبب الرجعية والتأخر عن الرَّكْب. أفيقوا يا رجال الأعمال التقدميين!

والناس أيضًا يتغيرون. وسواء سمَّيتهم عملاء أو مستهلكين أو مواطنين، فالتوجهات تتبدل، والتوقعات في حالة تغير؛ فكِّر فيما تتوقعه من إحدى الشركات، وما تطلبه، وما تقدمه لك في واقع الأمر. ما الذي سيكون مذهلًا إذا تمكَّنت من تقديمه؟

إن أمثالك من الأشخاص الذين لُبيت احتياجاتهم الأساسية جيدًا يسعون على نحو متزايد إلى خبرات، وخدمات، ومنتجات، ذات طبيعة أصيلة ومستدامة؛ أي نحو منتجات ذات مصدر. أنت ترغب في خدمة رائعة، ترغب في إنجاز الأساسيات على نحو ممتاز، ترغب في وسيلة للتفاعل الشخصي مع المؤسسة، وفي القدرة على فهمها والتحكم فيها عندما تحتاج إلى ذلك. كذلك تزداد مطالبتك بإسهام عالي المستوى يتجاوز كل ما سبق. انظر إلى زيادة مبيعات الأطعمة العضوية، وازدهار مصانع الجعة الصغيرة، والشركات المتخصصة في تصميم الدراجات المناسبة لأغراض معينة، والمقاومة التي تبديها البلدات والقرى الصغيرة إزاء المتاجر الضخمة، وحركة «شراء المنتجات المحلية»، والحانات التي تقدم الجعة والطعام، وعودة المنتجات اليدوية. وهذا لا يعني أن تبنِّي سياسة النطاق الصغير هو السبيل الأوحد، لكنه دليل قوي على تغير التوجهات والتوقعات.

في ساحة الأعمال شديدة التنافسية هذه، تحتاج المؤسسات بشدة إلى هدف أسمى، وإلى قصة ذات معنى، وإلى مهمة باعثة على الإلهام، وإلى قضية يدعمها الجميع، وإلى حركة ينتمون إليها.

(٣) لماذا سيحقق الهدف العظيم فارقًا؟

ما الجائزة إذًا؟ ما الحافز الذي يمكننا استخدامه لإغراء الآخرين؟ لماذا يجب أن يهتم زملاؤنا بعملية خلق الهدف؟

من الناحية العملية يساعد الهدف الواضح على تحقيق ما يلي:
  • جذب أفضل المواهب في قوة العمل والاحتفاظ بها (انظر الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين).

  • إفساح المجال لأعلى مستويات الارتباط (انظر أيضًا الفصل الثالث).

  • اكتساب العملاء والاحتفاظ بهم في ظل بيئة تتسم بالمنافسة القاسية، وفي ظل التهديد المستمر بإغراق الأسواق بالسلع الجديدة.

  • توفير كلٍّ من الوعي بالهدف والحافز للابتكار.

  • اكتساب ميزة تنافسية من مستثمرين في غاية التنوع (ومنشقين عن النظام التقليدي في أغلب الأحيان) من خلال وضع المؤسسة في سياق مهم حقًّا، ويسهم في المجتمع.

(٤) كيف يبدو الهدف العظيم؟

فكرة أن الهدف يصنع فارقًا حقيقيًّا في عالم الأعمال ليست فكرة جديدة. في مجموعة الأبحاث المتميزة التي أدت إلى تأليف كتاب «شركات أنشئت لتبقى» وكتاب «من جيد إلى عظيم» (أحد كتبي المفضلة)، رسَّخ جيم كولينز وجيري بوراس فكرة أن الشركات البعيدة النظر ينطوي جوهرها على هدف كبير جريء. «إن الهدف الكبير الجريء الحقيقي هو هدف واضح وجاذب يمثل مركزًا تتوحد حوله الجهود كافةً، ويعمل كمحفز واضح لروح الفريق.» لذا فإن فكرة وجود هدف كبير فكرة راسخة. وهي ليست فكرة جديدة أو ثورية.

بالطبع، يعلم معظم الرؤساء التنفيذيين ورواد الأعمال، أنهم مسئولون عن ضمان وجود رؤية ومهمة واضحة ودافعة لدى المؤسسة. ومعظم فرق الاتصالات الداخلية والأشخاص المسئولين عن العلامة التجارية، قد عملوا بجد واجتهاد؛ من أجل نقل هدف المؤسسة الأكبر إلى المستويات الأدنى، ونشروا الملصقات المعبرة عن القيم المرتبطة به، في ساحة الاستقبال بالمقر الرئيسي للشركة، وعلى جدران قاعة الاجتماعات.

إذن، ما المختلف في هذه الحركة الناشئة في شركات القرن الحادي والعشرين؟ كيف تختلف هذه الحركة عن هدفنا القديم التقليدي الذي اعتدنا عليه ووثقنا به في القرن الماضي؟ الاختلاف الوحيد في الوقت الحاضر هو كونه هدفًا «عظيمًا».

يمكننا وضع الإنسان على القمر، ويمكننا اختراع مصائد فئران أفضل، وبيع عدد هائل من الزجاجات البلاستيكية التي تحتوي على المياه المعدنية، لكن لكي نكون «مثيرين للاهتمام» في العالم المعاصر، يجب أن نحاول مواجهة مشاكل عصرنا العاجلة والصعبة والملحة.

يحتاج حمَلة الأسهم والموظفون والشركاء والمستهلكون المستنيرون، في القرن الحادي والعشرين، إلى هدف عظيم.

(٥) الهدف العظيم: قائمة مرجعية

إليكم طريقة التفكير في كيفية تصميم هدف يناسب مؤسستكم:
  • هل هدفنا يواجه مشكلة أساسية تسببها الشركات العاملة في المجال أو تؤدي إلى تفاقمها؟

  • هل هدفنا يؤدي إلى قرارات قادرة على إعاقة المكاسب المالية قصيرة المدى أو الحد منها لصالح تحقيق إنجازات طويلة المدى؟

  • هل هدفنا يدفع المجتمع نحو التطور؟

  • هل هدفنا يواجه أحد الانتهاكات الكبرى في هذا العالم؟

  • هل هدفنا يخل بالنظام السائد في سوق كاملة ويغيرها تغييرًا جذريًّا إيجابيًّا؟

  • هل هدفنا يجعل العالم مكانًا أفضل جذريًّا؟

هذه مهمتنا. هذه طريقتنا في تحسين عالم الأعمال. هذه هي الطريقة التي من خلالها يمكن لمجال الأعمال المساعدة في حل المشكلات الكبرى بزماننا.

(٦) ما هي الشركات التي تتزعم هذا الاتجاه؟

دعونا نلقِ نظرة على نماذج للشركات الرائدة كي نبرز الإمكانيات المتوقعة حقًّا لهذا الاتجاه.

(٦-١) باتاجونيا، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية

إحدى الشركات الرائعة هي شركة باتاجونيا، التي تنتج ملابس وأدوات للاستخدام في الرياضات الخلوية، ولها تاريخ مميز في إنتاج ملابس لمتسلقي الجبال. ربما قرأت كتاب «دع موظفي شركتي يتزلجون على الأمواج» الذي ألفه مؤسس باتاجونيا إيفون شوينار (أنصحك بقراءته إذا لم تكن قد قرأته بعد!) لدى هذه الشركة سجل طويل من الانحراف عن نهج باقي الشركات في مجال عملها، وتمتلك ضميرًا يتجاوز الالتزام بالمقتضيات الإدارية البيروقراطية للعمل. في عام ١٩٨٥، كانت شركة باتاجونيا واحدة من الشركتين المؤسستين لمبادرة «واحد في المائة من أجل الكوكب»، وهي حركة عالمية يشارك فيها ما يزيد عن ألف شركة، تتبرع بواحد في المائة من مبيعاتها لشبكة من المؤسسات البيئية في جميع أنحاء العالم.

وكان أحدث قراراتها، وربما أكثرها إلهامًا وإثارةً للدهشة، هو تكوين تحالف مع موقع إيباي؛ لتشجع على نحو فعال الملَّاك الحاليين لأدوات وملابس باتاجونيا، على بيع متعلقاتهم في متجر يحمل علامة تجارية داخل موقع إيباي، ويدعى «كومن ثريدز إينيشتيف». يبذل المتجر جهودًا فعالة لتشجيع العملاء المتوقعين على شراء بضائع باتاجونيا المستعملة. ولا يقتصر ذلك على موقع إيباي، بل تُروج المنتجات المعروضة للبيع ضمن متجر كومن ثريدز إينيشتيف في قسم «الملابس والأدوات المستعملة» في موقع شركة باتاجونيا على الإنترنت. إذا فكرنا في الأمر على نحو تقليدي، فإن هذا القرار يبدو «غبيًّا» على نحو واضح! فقد ترى أن هذا الأمر سوف يؤثر سلبًا على الأرباح قصيرة المدى، ويحدُّ من النمو، ولن يكون فعله صحيحًا في العموم.

لقد بذلت الشركات في القرن العشرين جهدًا هائلًا من أجل تشجيع أكبر قدر ممكن من المبيعات الجديدة. لكن شركة باتاجونيا رغبت في تقديم معالجة ملموسة لقضايا الاستدامة العالمية، يدفعها في ذلك هدفها الأسمى، وإحساسها الواضح بكيانها وبما تمثله من قيم. ولا يركز هذا الإجراء على أحد التحديات الكبرى التي يواجهها مجتمعنا فحسب، بل يلعب دورًا فاعلًا في قيادة الآخرين. ومؤخرًا قابلت أحد المنافسين الكبار لشركة باتاجونيا، وقال — مبتسمًا بإعجاب: إن هذه الخطوة «تغير اللعبة؛ تغير كل شيء.» رائع!

هذا هو التطبيق العملي للهدف العظيم. وكما قال شونيار في مقالة بمجلة «بيزنس ويك» عام ٢٠٠٦: «في كل مرة نفعل فيها الأمر الصائب ترتفع مبيعاتنا.» إنها الطريقة الذكية لإدارة الشركات؛ شركات القرن الحادي والعشرين.

***

بلغت إيرادات باتاجونيا ٢٦٠ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٠٥، وبلغ عدد موظفيها ١٢٥٠ موظفًا.

(٦-٢) نوما والمطبخ الشمالي الجديد، كوبنهاجن، الدنمارك

هل سمعت عن نوما من قبل؟ إذا كنت من عشاق الطعام فالإجابة ستكون نعم بالطبع. صُنف نوما كأفضل مطعم في العالم وفقًا لمجلة «رِستورانت» عامي ٢٠١٠ و٢٠١١. لا يقع مطعم نوما في مدينة نيويورك أو مقاطعة توسكانيا أو تلال كتالونيا أو باريس أو لندن أو طوكيو، بل يقع المطعم — الذي يشتهر بالأطباق والنكهات التي تحتفي بأفضل المحاصيل الشمالية/الاسكندنافية — في كوبنهاجن، العاصمة الفاتنة للدنمارك. عندما ننظر إلى قصة مطعم نوما نجدها تسرد أحداثًا مدهشة وملهمة، عن قدرة الهدف والمعنى على تحقيق إنجاز هائل، وفي الوقت نفسه خلق جيل كامل من شركات مماثلة، تتبني عقلية التغيير وتمكين تلك الشركات.

وكما يروي كلاوس ماير، الشريك في ملكية مطعم نوما، على موقعه الإلكتروني: «بعد أقل من ١٠ أشهر على افتتاح مطعم «نوما» في نوفمبر ٢٠٠٣، قمت مع رينيه ريدزيبي، كبير الطهاة والمدير والشريك في المطعم، بإطلاق مبادرة لتنظيم «منتدى المطبخ الشمالي»، وقبل يوم من انعقاد المنتدى في سبتمبر ٢٠٠٤، في ورشة استغرقت ١٨ ساعة، شكلت مجموعة من أفضل الطهاة في منطقتنا بيان المطبخ الشمالي الجديد. وهكذا ولدت حركة المطبخ الشمالي!»

إن هذا البيان مثال رائع على مجموعة من الأشخاص تجاوزوا مصالحهم الشخصية؛ من أجل وضع هدف عظيم ألهم حركة كاملة وفتح الطريق أمامها. إليكم البيان بالكامل:

بيان المطبخ الشمالي الجديد

نحن — الطهاة الشماليين — نرى أن الوقت قد حان لتأسيس مطبخ شمالي جديد، يضاهي معايير أفضل المطابخ في العالم، بموجب مذاقه الطيب وطبعه الخاص.

أهداف المطبخ الشمالي الجديد:

(١) أن نعبر عن قيم النقاء والنضارة والبساطة والأخلاقيات، التي نرغب في ربطها بمنطقتنا.

(٢) أن نعكس تغير الفصول في الوجبات التي نقدمها.

(٣) أن يعتمد طهينا على المكونات والمحاصيل، التي تتمتع بخصائص ممتازة؛ نظرًا لنموها في أراضينا ومناخنا واعتمادها على مياهنا.

(٤) أن نجمع بين الحاجة إلى المذاق الرائع، والمعرفة الحديثة بقواعد الصحة والسلامة.

(٥) أن نروِّج منتجات الشمال والمجموعة المتنوعة من البلدان الشمالية المنتجة لهذه المحاصيل، وأن نعرِّف الآخرين بثقافاتها الأساسية.

(٦) أن ندعم رعاية الحيوان، ونشجع على عملية إنتاج صحيحة في بحارنا، وفي أراضينا الزراعية، وفي البرِّيَّة.

(٧) أن نطور استخدامات جديدة متوقعة لمنتجات الطعام الشمالي التقليدية.

(٨) أن نجمع بين أفضل ما في تقاليد الطهي والطبخ الشمالية، والاتجاهات التي تبرز في الخارج.

(٩) أن نجمع بين الاكتفاء الذاتي المحلي، وتبادل المنتجات الإقليمية عالية الجودة.

(١٠) أن نعمل مع ممثلي المستهلكين، وغيرهم من محترفي الطهي، وصناعات الزراعة، وصيد الأسماك، والأغذية، والتجزئة والجملة، والباحثين، والمعلمين، والسياسيين، والسلطات في هذا المشروع، من أجل فائدة ونفع الناس كافة في البلدان الشمالية.

كما ترى بنفسك، فإن هذا البيان بسيط جدًّا، لكن إصداره واستخدامه وما ولَّده من معنى وطاقة، قد ألهم حركة بأكملها. إن حركة المطبخ الشمالي التي يصفها ماير تتخطى بكثير المطاعم الفاخرة التي يرتادها قلة قليلة، ففي عام ٢٠٠٥، تبنى مجلس الوزراء الشمالي وبرامج التنمية الوطنية الموسعة التابعة له — البيان، ويمكنك أن تجد مقالات عن حركة المطبخ الشمالي الجديد على الموقع الرسمي للدانمارك Denmark.dk ويشارك ماير بنفسه في برنامج غذائي طويل الأجل مع الحكومة والجامعات الدانماركية؛ من أجل تحسين الصحة الغذائية، بما فيها مشكلة السمنة في الأطفال.

وهكذا، خلق مطعم نوما سياقًا له معنًى أسمى ووضع نفسه فيه؛ فقد وضع إطارًا قادرًا على إثارة انتباه ومشاعر كل موظف متوقع، وكل شخص يتناول الغداء في هذا المطعم، وكل منتج ومورد للطعام.

هل كان تحقيق ذلك ممكنًا لو كان الدافع مجرد رغبة شخص واحد في العظَمة؟ لو كانت قصة المطعم لا تختلف عن القصة القديمة المعتادة، التي يكون بطلها طاهيًا شهيرًا يقدم محتوًى مبسطًا للجمهور عبر التليفزيون، ويسعي لأن يصبح من أصحاب الملايين؟ اسأل أي دنماركي عما حققه المطبخ الشمالي الجديد، وسيقول لك: لقد ساعد على استعادة الفخر بهويتنا الوطنية، وغيَّر توقعاتنا وعاداتنا المتعلقة بالأكل والطعام، ونشر ثقافة الدانمارك حول العالم. هذا ما يمكن تحقيقه من خلال قوة الهدف العظيم؛ تغيير يؤثر على ملايين على نحو أفضل.

***

حصل مطعم نوما على نجمتي ميشلان، وعلى تصنيف أفضل مطعم في العالم عامي ٢٠١٠ و٢٠١١، وفقًا لمجلة «رِستورانت».

(٦-٣) أنونيموس، شبكة الإنترنت، في كل مكان

أنونيموس منظمة مثيرة للاهتمام. وبدايةً، لست متأكدًا من أن في وسعنا تصنيفها أو فهمها كمنظمة، وبالتأكيد لا يمكن تصنيفها أو فهمها بوصفها عملًا تجاريًّا. تُعرف أنونيموس عادةً بأنها «تجمع حر لقراصنة الإنترنت والنشطاء» أو ما شابه ذلك. تعبر أنونيموس إلى حدٍّ كبير عن روح العصر، وهي في قلب حركة النشاط السياسي والاجتماعي الحالية (التي من بينها حركة «احتلوا» Occupy)؛ فهي مرتبطة بشبكة رقمية، وتتبع نظامًا لا مركزيًّا على ما يبدو، ولها شعار جذاب، وفوق ذلك يدفعها إحساس قوي للغاية بالقيم والعدالة، وتلك على الأرجح أهم السمات التي تجعلها مثيرة للإعجاب، وترتبط بموضوع هذا الكتاب. في هذا العالم شديد التغير نحتاج إلى النظر إلى الأطراف وإلى المغيرين الثوريين؛ كي نفهم كيف ستضطر جميع مؤسساتنا إلى التغير.
في وقت كتابة هذا الكتاب، قامت على الأرجح أنونيموس بما يلي:
  • اخترقت شبكة سوني بلاي ستيشن، ملحقة ضررًا هائلًا بسمعة الشركة ومؤثرة تأثيرًا بالغًا على سعر سهم شركة سوني.

  • اخترقت موقع الحكومة الإيرانية.

  • هددت أحد اتحادات تجارة المخدرات المكسيكية.

  • هددت حلف شمال الأطلسي (الناتو).

  • استولت على ٤٠ موقعًا يستغل الأطفال إباحيًّا، ونشرت أسماء ١٥٠٠ من الزوار المترددين على أحد أكبر هذه المواقع.

من السهل إذا فكرنا بعقلية تقليدية أن نعتبر أنونيموس كيانًا تافهًا، فأيٌّ ممن يتبع مدرسة الأعمال القديمة سيصف أعضاءها على الأرجح بأنهم «أطفال، قراصنة، مخربون لا عقل لهم، أشخاص يُضيعون وقتهم فيما لا طائل من ورائه. زُجُّوا بهم في السجن!» وهو رأي يغفل النقطة المحورية ها هنا في رأيي: إن أنونيموس تحقق نتائج ذات تأثير مدوٍّ، وينطوي جوهرها على إحساس بالهدف، وكما يقولون عن أنفسهم: «نحن ندافع عن حرية الإنترنت.»

وإذا أمعنا النظر، وجدنا أمورًا كثيرة يمكن أن تتعلمها الشركات التقليدية، من تلك الشبكة التطوعية، التي تضم نشطاء غير مرتبطين بعلاقة رسمية، ولا يتلقون أجرًا. ما تقدمه أنونيموس لرجل أعمال القرن الحادي والعشرين هو مثال قوي وغير متوقع على النتائج التي يمكن تحقيقها في العالم الواقعي، عندما يتوحد الناس خلف هدف عظيم مشترك. تحقق أنونيموس كل ذلك، في عالم توجد به أعداد هائلة من الشباب العاطل، وحيث تنتشر التكنولوجيا على نحو متزايد، وتُبَدِّل الوضع الراهن. وكما يقول بيل رودز المصرفي الشهير: «الوسائل التكنولوجية الحديثة تعني أن الأسواق تتغير بسرعة النانو ثانية.»

كيف — على وجه التحديد — تعبر أنونيموس عن هدفها، ونواياها، وقيمها؟ كيف كونت أنونيموس هذه الأمور في المقام الأول، أم إنها ظهرت فحسب وتطورت مع مرور الوقت؟ ما الذي تفعله أنونيموس، ويسمح لها بنقل هدفها على هذا القدر الكبير من الوضوح إلى العالم، من خلال الموارد التقليدية القليلة للغاية المتاحة لها؟ وكيف ستبدو مؤسستنا لو كانت أكثر شبهًا بأنونيموس؟

***

إحصائيات أنونيموس: مجهولة!

(٦-٤) جوجل، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية

ماذا عن مثال لشركة كبيرة، وعلامة تجارية بارزة؟ ماذا عن جوجل؛ تلك الشركة التي تقودها مجموعة من المبادئ الأساسية، الشركة التي ترفض تقديم توجيه قصير المدى لوول ستريت، بل تتبنى اتجاهًا آخر، تعبر عنه قائلة: «بدلًا من التفكير في طرق نحقق من خلالها مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل مع كل ربع سنة، فإننا نركز على خدمة المستخدمين، وتقديم أكثر المعلومات ملاءمة بأقصى سرعة ممكنة.» هذه هي الاستراتيجية التي قادت الشركة في الوقت الراهن، إلى العمل في مجال البحث عبر الإنترنت، وإعلانات الإنترنت، والهواتف الخلوية، ونشر الكتب، والاتصالات، وغيرها من الأنشطة المتعددة.

يوجد — ولطالما وُجد — هدف أسمى لعمل جوجل، وأرى أن هذا الهدف يعبر عنه شعارها: «تنظيم معلومات العالم وإتاحتها عالميًّا والإفادة بها». وعندما تُمعن النظر في كل ما تفعله هذه الشركة تقريبًا، ستجد الهدف واضحًا ومرئيًّا، ويربط أجزاء هذه الإمبراطورية التجارية بعضها ببعض.

إذا كنتُ مهندسًا في جوجل، فقد تثير حماسي فكرة إتاحة معلومات ليست متاحة بعدُ للأشخاص الذين قد يستفيدون منها. وإذا كنت مسوِّقًا في جوجل، فمن الممكن أن أستفيد من السمعة الحسنة الكبيرة و«المجانية» للشركة في المجتمع؛ لأن المنتجات والخدمات التي أحتاجها — لمواجهة مشكلات أساسية وتزويد مستخدمي تلك المنتجات والخدمات بقيمة كبيرة — متاحة (وغالبًا بلا تكلفة لأن شخصًا آخر يدفع، عادةً يكون المعلن)، وإذا كنت مديرًا في الإدارة العليا، يمكنني أن أثير حماس موظفيَّ عبر الإشارة إلى إسهامهم في هدف يتجاوز مجرد تقاضي راتب الشهر المقبل. يوجد معنى في هدف «تنظيم معلومات العالم»، وهذا المعنى بسيطٌ وواضح بما يكفي لاستخدامه في نطاق كامل من السيناريوهات، والأسواق المختلفة، والاحتياجات المتنوعة للمستخدمين.

ما الذي يجعل هدف جوجل جديرًا بالتوقف أمامه في سياق هذا الكتاب؟ في المقام الأول، لقد جعلت جوجل العالم أفضل لنا جميعًا، عبر إتاحة محرك بحث يربطنا بالمعلومات التي نرغب في إيجادها، وهذا وحده إسهام هائل في العالم لا يمكن قياسه. وكذلك بدَّلت جوجل نظام الإعلان على شبكة الإنترنت، وأحدثت ثورة فيه، من خلال تطوير نموذج لا يركز على النتائج فحسب، بل يكافئ التميز، ويسعى كذلك دائمًا إلى تقديم أفضل النتائج للمستخدم الباحث. ولا يمكن — على النحو التقليدي — أن تدفع لجوجل كي تتصدر نتائج محرك البحث (توجد صناعة منفصلة مختصة بذلك!) كفلت جوجل أيضًا روح الديمقراطية في إعلانات الإنترنت، من خلال تقديم منصة إعلانية و«باب خلفي» سمح في مرحلة مبكرة لأصحاب الشركات العائلية الصغيرة بترويج شركاتهم بسرعة وبسهولة في قوائم الترتيب، ومنافسة أكبر الشركات في الأسواق، بالاستعانة باستراتيجيات ذكية منفذة جيدًا. وأخيرًا، وكما تحدثنا في السابق، فقد قدمت جوجل نموذجًا يُقتدى به؛ حيث أوضحت أن في وسع إحدى الشركات تحقيق نتائج مالية هائلة، دون الرضوخ إلى طلبات محددة وقصيرة المدى من وول ستريت.

***

حققت جوجل إيرادات بلغت ٣٧٫٩ مليار دولار أمريكي، وأرباحًا بلغت ٩٫٧ مليارات دولار أمريكي في عام ٢٠١١ (غير مدققة)، وبلغ عدد موظفيها ٣٢ ألف موظف.

(٦-٥) أبل، كاليفورنيا، الولايات المتحدة

لن تندهش من ذكر شركة أبل وستيف جوبز في هذا الصدد (في حقيقة الأمر ينبغي إنشاء منظمة أشبه بجمعية خيرية، تستلزم أن يتبرع لها كل مستشار ومتحدث وكاتب ومدير شركة يذكر أبل باعتبارها نموذجًا على التفوق بأي شكل من الأشكال، فقد تحولت هذه الشركة إلى دراسة حالة شائعة الاستخدام!) ورغم ذلك، فكما كتب بين هاينمان في شبكة مدونات «هارفرد بيزنس ريفيو»، فإن إدارة جوبز لشركة أبل لم تهدف إلى تحقيق مصالح حملة الأسهم في المقام الأول، يقول هاينمان: «من وجهة نظري، لا يمكن التشكيك أيضًا في أن جوبز، لم يكن مركِّزًا على حملة الأسهم، أو على اتباع طرق مختصرة، أو اتخاذ إجراءات قصيرة الأجل، لزيادة القيمة المضافة لحملة الأسهم. لم تدفع شركة أبل أية أرباح للمساهمين منذ عام ١٩٩٥، ولم تستخدم الشركة الرافعة المالية، وتمتلك ٧٦ مليار دولار أمريكي نقدًا، ولم تفكر — ولو قليلًا — في إعادة شراء أسهمها. من الصعب الزعم بأن قرارات العمل الأساسية في الشركة كانت مدفوعة بخيارات الاكتتاب في الأسهم (على الرغم من توفر إمكانية تأريخ خيارات الاكتتاب في الأسهم بتاريخ سابق في الجانب المدين).» وما زالت شركة أبل حتى وقت تأليف هذا الكتاب، تتبادل الترتيب مع شركة إكسون يوميًّا، على تصنيف: الشركةِ عامةِ التداول، التي تمتلك أكبر رأس مال سوقي في العالم.

أما ما فعلته أبل فهو زيادة القيمة المضافة لحملة الأسهم إلى حدٍّ مدهش، كنتيجة ثانوية لهدف أسمى مختلف — يتمثل في إسعاد العملاء وشق طريق للنجاح عبر الابتكار — أو كما قال ستيف جوبز: «ترك أثر في العالم.»

قد تعتقد أن وجهة النظر تلك واضحة، وتلقى قبولًا واسع الانتشار، لكن تَبَنِّي الإدارة العليا للشركات العالمية مِثْلَ وجهة النظر هذه ما زال يعتبر خبرًا مثيرًا. وقد قال مؤخرًا نائب الرئيس التنفيذي لبنك إتش إس بي سي بالمملكة المتحدة جو جارنر: «أعتقد أن زيادة رضا العميل سوف تزيد الربحية.» أرى أنه محقٌّ، وأُثني عليه في قول ذلك. لكن هل هذا خبر جديد؟

في الشركات الحديثة، ما زلنا نشهد نموًّا هائلًا في عدد وتأثير رواد الأعمال الذين يتصرفون وفقًا لهدف كبير، وسنظل نشهد هذا النمو. وكما جاء على لسان دانا جرينبرج، وكيت ميكون سويت، وإتش جيمس ويلسون في كتابهم «القائد الريادي الجديد: تطوير قادة يشكلون الفرص الاجتماعية والاقتصادية»: «من خلال التفكير في الهدف من الناحية المجتمعية ومن الناحية التجارية على حدٍّ سواء، يمعن قادة ريادة الأعمال النظر في الافتراض الشائع، المتمثل في أن زيادة ثروة حملة الأسهم سوف تزيد من القيمة المقدمة للمجتمع ككل مع مرور الوقت.»

***

حققت أبل إيرادات بلغت ١٠٨ مليارات دولار أمريكي، وأرباحًا بلغت ٢٦ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١١، وبلغ عدد موظفيها ٦٠٤٠٠ موظف.

(٦-٦) جرامين، دكا، بنجلاديش

يقرض بنك جرامين ملايين الفقراء، أكثرهم من النساء. وشركة جرامين فون هي أكبر مزود لخدمة الهاتف المحمول في بنجلاديش، ولديها ما يزيد عن ٣٢ مليون مشترك حتى وقت كتابة هذا الكتاب. أما جرامين دانون، فهي مؤسسة اجتماعية قائمة على مشروع مشترك، يوفر الزبادي المغذي للأطفال في ريف بنجلاديش. هذه ثلاثة أمثلة فقط على الجهود الكثيرة التي تبذلها مؤسسة جرامين.

كانت جرامين منذ نشأتها مؤسسة تمارس أعمالًا ذات هدف حقيقي، ومطلعة على الواقع القاسي للعالم النامي، وتحقق المعنى والنتائج التي تغير تمامًا حياة الأشخاص الذين تتفاعل معهم. إنها قوة لا يمكن إيقافها. وعلى وجه التحديد، تسعى شركة جرامين إلى مواجهة المشاكل التالية الموجودة في المجتمع:
  • عدم امتلاك النساء للموارد المالية أو عدم سيطرتهن عليها.

  • عدم مرونة المجتمعات وتحقيقها للاكتفاء الذاتي.

  • عدم حصول المجتمعات على التغذية الصحية.

وقد أوضح محمد يونس — مؤسس مؤسسة جرامين العبقري، والحاصل على نوبل — للعالم كله ما يمكن تحقيقه عندما توجه المؤسسات المعنية بالأعمال اهتمامها للمشكلات المعقدة والبائسة في العالم النامي.

***

بلغ إجمالي أصول بنك جرامين ١٫٥ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١٠، وبلغ عدد موظفيه ٢٢١٤٩ موظفًا عام ٢٠١١.

(٧) كيف يمكن إيجاد الهدف العظيم؟

عمليًّا توجد ببساطة ثلاث خطوات على طريق توحيد مجموعة من الأشخاص في إحدى المؤسسات لدعم هدف مشترك، ألا وهي:
  • (١)

    إيجاد الهدف.

  • (٢)

    صياغة الهدف.

  • (٣)

    الانغماس في الهدف.

(٧-١) إيجاد الهدف

من الواضح أن الخطوة الأولى هي إيجاد هدف مناسب للمؤسسة وقدراتها، وقادر على إثارة حماس أفرادها وتحفيزهم، والاتفاق على ذلك الهدف. ويوجد طريقان لإيجاد هدف عظيم؛ هما:
  • الطريق الفردي: عادةً من خلال الشغف الشخصي أو وجهة النظر الشخصية للقائد.

  • الطريق الجماعي: من خلال الجهد المشترك.

على الصعيد الفردي، فإن الشخصيات الملهمة، مثل: محمد يونس مؤسس بنك جرامين، أو إيفون شوينار مؤسس باتاجونيا، يكتشفون صدفةً، أو تدفعهم بالفعل، قضية أو مهمة شخصية. كلنا لدينا شغف يتأجج داخلنا. قد نشعر أن من المستحيل تحديده، وقد يبدو ضبابيًّا للغاية، وبعيدًا عن معتقداتنا حول العمل وطريقته المفترضة. رغم ذلك، فإن أكثر الأشخاص سعادة ونجاحًا يفعلون عادةً أمرًا يحبونه؛ إنهم يحبون عملهم، ويتقاضون كذلك أجرًا على مزاولته.

يمكن أن يكون اكتشاف شغفك وهدفك الشخصي أمرًا يعادل في بساطته التفكير في الأمور التي تستمتع بها حقًّا، أو ما تريد تقديمه للمجتمع، أو ما يجعلك متحمسًا وفي غاية النشاط؛ تلوِّح بذراعيك بانفعال، وتضحك بصوت عالٍ؛ فالأمر متعلق باكتشاف الشغف الذي يتأجج داخلنا بالفعل.

(أ) التدريب

عالم التدريب يلائم هذا الأمر بشكل جيد جدًّا، وتوجد تمارين «تخيُّل» رائعة يمكن أن يعلمك المدرب المتمرس إياها. وفي الحقيقة، إن مساعدة أحد الأشخاص على إيجاد هدفه الأسمى هو ما يثير الحماسة والشغف في نفوس معظم المدربين؛ فهي عملية ممتعة وتثقيفية، وتساعد على الاسترخاء، ويمكن لنتائجها أن تغير حياة الشخص، وقد عملت بنفسي مع معهد تدريب المدربين، ووجدت أن مستوى مدربي المعهد ممتاز (وكذلك برامج تدريب المدربين).

  • «ما هو هدفك؟» (ريتشارد جيكوبز): هذا الكتاب ذو التصميم الرائع، يأخذك في جولة مكونة من سبعة أسئلة؛ كي «تعثر على إجابة هذا السؤال». وقد اكتشفت أن النسخة الصوتية من هذا الكتاب، كانت طريقة ممتازة للاطلاع على المحتوى، وممارسة التمارين البسيطة الممتعة التي يتضمنها. وما زلت أتذكر سماعي إياه أثناء رحلة بالقطار استغرقت ساعة واحدة من برايتون إلى لندن في وسط يوم عمل صاخب ومرهق، وتدويني لبعض الأفكار المفيدة حقًّا حول ما أريد تحقيقه في هذا العالم. أوصي بهذا الكتاب بشدة.

  • «القيادة: بوضوح وببساطة» (ستيف رادكليف): في هذا الكتاب الرائع سهل القراءة، الذي يتحدث عن القيادة، يقدم لك ستيف رادكليف طريقة عملية جدًّا لاكتشاف شغفك، واصطحاب الآخرين معك، في رحلة تعتمد على نموذج «المستقبل المنشود، وإشراك الآخرين، وتحقيق النتائج» الذي يقترحه. وكما هو الحال مع كتاب «ما هو هدفك؟» فإن هذا الكتاب يضم مجموعة محدودة من الأسئلة المفتوحة الرائعة في بساطتها؛ لتساعدك على الفهم، جنبًا إلى جنب مع أساليب عملية، تهدف لدفع فريق العمل الأكبر نحو أداء دوره.

(ب) في المجموعات

في المجموعات الأكبر حجمًا، قد يصبح تحدي العثور على هدف موحد أكثر صعوبة بمراحل، لكن النتيجة تكون أوضح تأثيرًا عندما تشمل مجموعة بأكملها، سواء أتمثلت هذه المجموعة في فريق، أم في شركة صغيرة، أم في أحد قطاعات الشركة، أم في مؤسسة كاملة.

أشعر مرة أخرى أن الهدف يقبع وراء الستار، في انتظار إعادة اكتشافه، ومشاركته مع الآخرين. ومهما كانت الظروف صعبة أو سيئة، فإن الفرق والمؤسسات تجمعها في الغالب قيم وأهداف ضمنية، قد تكون مشتركة بينها، لكنها مستترة في أغلب الأحيان.

وطريقتنا في إيجاد هدف عظيم، تتمثل في هذا الصدد في تنظيم ورش جماعية، مكونة من ثمانية إلى خمسة عشر فردًا، في مكان هادئ و«آمن» بما يكفي، بعيدًا عن المكاتب والمقاطعات المعتادة، وطرح بعض الأسئلة نفسها الموجودة في الكتابين المشار إليهما سابقًا، لكن في سياق جماعي.

في فريقي، عندما نعمل على تحسين خدمة عملائنا (أو بالمثل من أجل تطوير شركتنا) فإننا نستخدم في الغالب جدرانًا بيضاء وورقًا لاصقًا لكتابة الملاحظات، أو نلصق بطاقات فهرسة في مكان مرتفع كي يستطيع الجميع رؤيتها، ويكون مكتوبًا عليها رسائل تذكير تحفيزية على شاكلة ما يلي:
  • ما الذي نهتم به؟

  • لماذا نقوم بهذا العمل الذي نفعله؟

  • ما الأمور المهمة حقًّا؟

  • ما هو هدف مؤسستنا؟

  • ما الذي نرغب فيه من أجل مستقبل هذه المجموعة/الفريق؟

  • ما الأمر المهم حقًّا الذي يمكننا تقديمه للعالم؟

يمكن أن تستخدم الموجة الأولى من الإجابات كبداية لمناقشة جماعية حول ماهية الهدف المشترك المنشود.

لمزيد من المعلومات حول كيفية إجراء ذلك على نطاق موسع، لا سيما إذا كنت تعمل في مؤسسة كبيرة للغاية، توجد بعض المعلومات الرائعة حول تطور شركة دافيتا الأمريكية، الرائدة في خدمات رعاية الكلى، في القسم الخاص بالقراءات الإضافية في نهاية هذا الفصل.

(٧-٢) صياغة الهدف

بعد تحديد الهدف، فإن التصرف الضروري على مدار هذا القرن، هو بالتأكيد ربط ذلك الهدف بقضية ذات أهمية في العالم؛ فعلى سبيل المثال، أثناء عملي في الدنمارك، أخبرني أحد الأصدقاء عن قصة شركة دانماركية تُدعى جراوندفوس، وهي شركة لها تاريخ طويل في تصنيع مضخات ممتازة لأغراض متعددة، وتنتج حوالي ١٦ مليون وحدة ضخ سنويًّا. وأخبرني صديقي أن ما فعلته جراوندفوس في الآونة الأخيرة، للمساعدة في دعم وتوجيه مجال العمل ككل، كان إعادة صياغة إنتاجها الفعلي من المضخات ليتلاءم مع سياق عالمي، حيث لا يزال الحصول على مياه شرب نظيفة يمثل تحديًا كبيرًا لملايين من الناس في العالم النامي، وحيث تتزايد أهمية الاستدامة بشدة.

واليوم تصوغ جراوندفوس ما تفعله في السياق التالي: «جراوندفوس شركة عالمية رائدة في مجال توفير المضخات المتقدمة، وقد أرست اتجاهًا جديدًا في مجال تكنولوجيا المياه. تسهم الشركة في الاستدامة العالمية، من خلال تكنولوجيات رائدة تحسن جودة حياة الأفراد، وتهتم بالكوكب.»

إذن تتمثل الفرصة في هذا السياق، في ربط النشاط الذي تقدمه الشركة بإحدى القضايا بالغة الأهمية في القرن الحادي والعشرين.

عليك إيجاد إجابات لمثل هذا النوع من الأسئلة:
  • كيف يرتبط هدفك بقضايا وتحديات واحتياجات مهمة حقًّا، وذات أهمية في العالم؟

  • إلى أي مدى تبدو تلك القضايا واضحة وحاضرة في أذهان الموظفين؟

(٧-٣) الانغماس في الهدف

إن الانغماس في الهدف العظيم هو الجزء الممتع. إنه الجزء الذي سيزداد — بعد توضيحه — سهولة وإثارة مع مرور الأيام.

إنه يتحداك ويتحدى من حولك؛ من أجل إيجاد الرابط بين العمل والهدف.

يعني الانغماس في الهدف أيضًا مشاركته. إن هذا الجيل من الشركات الرائدة يرحب بمناصرة القضايا التي يؤمنون بها، وإقناع الآخرين بتبنيها. ويشاركون الآخرين بالمعرفة من خلال الندوات والمقالات والأحاديث، فينشرون قضيتهم ويناصرونها.

  • ما الذي تستطيع مؤسستك فعله لمناصرة تلك القضايا المهمة التي تحتاج إلى إصلاح في هذا العالم؟

  • كيف تستطيع مشاركة الهدف العظيم الذي تتبناه مؤسستك مع الآخرين؟

  • هل يمكنك تكوين شيء من قبيل حركة المطبخ الشمالي، أو مبادرة واحد في المائة من أجل الكوكب؟

  • مع من يجب أن تتعاون مؤسستك من أجل تحقيق ذلك؟

(٨) ملخص

لقد بدأنا بهذا الفصل لأنه النقطة التي ينطلق منها كل شيء. إن الانشغال بهدف عظيم يتجاوز كل شيء آخر بعده، ويؤثر عليه. إنه مفتاح المملكة، إنه مرشد الطريق، إنه الوصفة السرية! وبدون هدف شخصي ومؤسسي واضح يحظى بأهمية حقيقية — هدف عظيم — يكون كل ما سواه زخرفًا و«كماليات».

وعلى الرغم من أن التغيير قد يبدو مضنيًا ومستحيلًا، فإنه ليس كذلك على أرض الواقع. ابذل قصارى جهدك، وابدأ عما قريب، وسوف تدهش نفسك وتدهش الآخرين من حولك.

في هذا الفصل الذي يتحدث عن الهدف والمعنى استعرضنا «سبب» ضرورة تبني المؤسسة لهدف عظيم. في الفصل التالي المهم، الذي يتناول «الديمقراطية والتمكين»، سوف نلقي نظرة على عنصر أساسي يتمثل في «كيفية» تحقيق المؤسسة ذلك. هل هي مجرد شركة لا تختلف عن مثيلاتها، لكنها تمتلك الآن هدفًا أكثر أهمية؟ هل تتصرف مثل ملايين المؤسسات التقليدية في ممارساتها وصناعة القرار فيها، أم أنها تقدمية أيضًا ومبتكرة في طريقة إنجازها للعمل؟

(٩) قراءات إضافية

  • شاهد حديث كلاوس ماير في مؤتمر ريبيلد ٢١ عبر هذا الرابط http://bit.ly/cltrshk1 (٢٨ دقيقة من الشغف، والإثارة، والمتعة).
  • دراسات حالة عن دافيتا من مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» (تتطلب دفع رسوم بسيطة لقراءتها):
    • «كينت ثيري: عمدة دافيتا» (bit.ly/cltrshk2).
    • «كينت ثيري: تحديات القيادة في بناء وتطوير الشركات العظيمة» (bit.ly/cltrshk3).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤