الفصل الثالث

(يظهر في المرسح سجنان مظلمان، أسما في سجن وفي الثاني سليم.)

الجزء الأول

(أسما – سجَّان)

(في سجن أسما.)

أسما : اعمل هذا المعروف لوجه الله مع هذه الحزينة (تعطيه ورقة).
سجَّان : على رأسي. (لنفسه) مسكينة.
أسما : فما لي سوى هذا الدواء الذي كتبت عنه يشفي وجعي، وإنك تجده عند الصيدلي، فأرجوك أن تسرع به عسى تُخفِّف آلامي.
سجَّان : لا تفتكري، لا أغيب سوى ربع ساعة.

الجزء الثاني

(أسما)
أسما (لنفسها) : هذا هو الرأي الموافق لأستريح من عذابي، وهكذا أموت محافظةً على ودادِ مَنْ مات محافظًا على ودادي كما تعاهدنا، وهذه الطريقة طريقة السم هي أنسب ما يكون لاقتبال الموت وغصته، آه سليم.
ما لذَّتي في حياتي
وقد فقدْتُ نصيبي
فليس إلا مماتي
يجمعني بحبيبي
لذاك قد هان عندي
موتي وصار حميمي
عسى أفوز بقصدي
وألتقي بسليمي١

(وتنزوي بالسجن.)

الجزء الثالث

(سليم – سجَّان)

(سليم أمامه كأس ماء وبيده ورقة السم يعطيه إياها سجَّان.)

سليم : إنِّي أشكر فضلك على معروفك، فقد حمَّلْتُك ثقلة عظيمة حتى أحضرت لي هذا الدواء الذي أرجو منه شفاء آلامي.
سجَّان : ربنا يشفيك ولا يشقيك، فقد لا تخبر أحدًا بذلك، فإن عرف ابن الملك يقتلنا لا محالة لأنه أوصانا …
سليم : لا تفتكر، فعندي بئر عميقة لحفظ السر.
(لنفسه) يا لله، فلنشرب السم، فموتي خير لي من حياتي (يضم السم في الكأس) إذا كانت أسما ماتت حُبًّا بي فلا أموت أنا حُبًّا بها؟ بلا شك أموت، فموتي هو الواسطة الوحيدة لأجتمع بأسما، آه يا أسما.
ما لذَّتي في حياتي
وقد فقدت نصيبي
فليس إلَّا مماتي
يجمعني بحبيبي
لذاك قد هان عندي
موتي عسى أن أراها
والنفس إذا خاب قصدي
الموت أضحى مناها٢

(يهم أن يشرب السم فيسمع ضجة، فيضع الكأس على ناحية.)

الجزء الرابع

(سليم – سجَّان – إسكندر – حرس)
إسكندر : كيف ترى ذاتك أيها العنيد في هذا السجن؟ (سليم يقف.)
سليم : الحمد لله بأنظارك يا مولاي بكل خير.
إسكندر : بأنظاري يا شقي؟ بل بأنظار عنادك الذميم.
سليم : بل بأنظار ظلمك الوخيم.
إسكندر : آه تعيس، أنظرتَ الآن إلى أين أوصلكَ الجهلُ والعناد؟ فكم نصحتُ لك في ترك أسما ولم تقبل، فلو سلوتها لأغنيتُك إلى الأبد.
سليم :
كيف أسلو؟ حاشا وديني وربي
لستُ أسلو قَطْعًا مليكةَ قلبي
ها أنا حاضرٌ وأقبل سجني
وعذابي والموتَ لا تركَ حبِّي
فإذا متُّ متُّ فيها غرامًا
وإذا عشتُ عشتُ مَعْهَا بقربِ
إسكندر : وماذا يفيدك حبُّها الآن يا غبي وقد ذبحتها كيدًا بعنادكما؟
سليم : آه وا حسرتاه! هذا ما يزيدني بها تمسُّكًا. فإذا كانت هي قبلت الموت محافظة على ودادي، فهل يسوغ لي أن أخونَها وأنكثَ عهدي؟ لا، لا، حاشا لله، موتي ألف مرة ولا ارتكاب هذا العار.
إسكندر : تحمَّل إذن ما تستحقُّ من العذاب، فالجهل قد أعمى بصرك.
سليم : إن حياتي الآن بين يديكَ يا مولاي، فَمُرْ بقطعها جزاء عنادي. نعم، نعم، اقتلني واجعلني عِبْرةً لغيري.
إسكندر : لا لا، حياتك تهمُّني، فلأجعلنَّك هدفًا لسهام انتقامي، فاحتمل غضبي، وهذه الزاوية مقامك فجاورها وتحمَّل من الآلام ما يُريك عاقبة عنادك ومخالفتك أوامري (سليم ينزوي وإسكندر يذهب).

الجزء الخامس

(سجَّان – أسما – سجَّان – إسكندر)

(سجن أسما.)

سجَّان (بيده كأس ماء وورقة السم) : ماذا عسى تريد أن تفعل هذه الصبية بالسم، وقد غشَّتْنِي وقالت إنه دواء، فيلزم أن أعرف ما هو مقصودها منه، أين هي؟ (يناديها) أسما أسما …
أسما : ها أنا. آه انزويت هنا وخضت في بحار الأفكار حتى نسيتُ ذاتي.
سجَّان : قد أتيتكِ بالدواء وها هو.
أسما : أشكر فضلك.
سجَّان : أسأل الله أن يمنَّ عليكِ بالشفاء عن قريب.
أسما (لنفسها) :
فلنشرب السم حالًا
كشرب كأس المُدامِ

(تضع السم في الكأس.)

ففيه أرتاح بالًا
وفيه بُرْءُ السقام
وفيه نيلُ المرامِ٣
أي نعم، طاب الموت، طاب الموت، فالوداع الوداع أيتها الحياة الثمينة (تهمُّ أن تشرب الكأس، فيدخل إسكندر بضجَّة، فتضع الكأس على ناحية).

الجزء السادس

(أسما – سجَّان – إسكندر – حرس)

(أسما تقف.)

إسكندر : أخبريني، هل سُرِرتِ بهذا المقام يا عنيدة؟
أسما : إنني أشكر الله في كل حال.
إسكندر : تشكرين الله … وهل لم تزالي على عنادكِ؟
أسما : ما زال في صدري نَفَس.
إسكندر :
دعي الجهل واصغي لنصحي كفاكِ
عنادًا فلا خيرَ في ذا العنادْ
أجيبي سؤالي وإلا فرغمًا
أنال المراد وأشفي الفؤادْ
أسما :
لقد عشتُ لكن بحبِّ سليمٍ
وإن متُّ فيه فذاك المرادْ
إسكندر :
دعي عنكِ حبَّ سليمٍ فقد
غضبتُ عليه فصار رمادْ
غمدتُ حساميَ في عُنْقِهِ
وصيَّرْتُهُ عِبْرةً للعبادْ
أسما :
جزاكَ بما تستحقُّ إلهي
فظلمُكَ فاقَ الحدود وزادْ
إسكندر :
إذا دمتِ في مثل ذا الِاجْتراءِ
تنالي كما نال بل بازديادْ
أسما :
تهدَّدْتَ بالموت من تشتهيه
فجُدْ لي بموتٍ فأنت جوادْ
جزى الله سيفَكَ خيرًا إذا
بِقَطْعِ حياتي التعيسةِ جادْ
إسكندر :
اقْصُرِي الطغيانْ
إن صبري بانْ
واحذري غضبي
بعد ذا العِصْيانْ
اقضي بالصوابْ
واسمعي ذا الخطابْ
تِّممي طلبي
تغنمي الإحسانْ٤
أسما : إن غضبكَ لا يُخيفني، فافعل ما تشاء (بغضب ونفور).
إسكندر : ألمثلي يُقال هذا؟
أسما : نعم يُقال لمن يستحقُّه.
إسكندر : ألهذا الحدِّ الجَسَارة يا شقيَّة؟
أسما : نعم، واستعدَّ أيضًا لأكثر.
إسكندر : ويلكِ يا أسما، كفاكِ جنونًا.
أسما : لو تكفُّ ظلمكَ لَكَفَفْتُ.
إسكندر : آه يا قبيحة على هذه الوقاحة.
أسما : عِظَم وقاحتي ليس بشيءٍ أمام عظم ظلمكَ وجوركَ يا ظالم.
إسكندر (بغضب) : خسئْتِ من فاجرة، فلأقتلنَّ … (يسلُّ سيفه ويهجم عليها ليقتلها، ولكنه يرتجع عن ذاته) آه من العشق وحالاته.
أسما : اضرب اضرب لا شُلَّتْ يداكَ، هاكَ عنقي فاضربه.
إسكندر : آه، لا يطاوعني فؤادي، فإني قتيل هواكِ.
أسما :
عارٌ إذا أغمدتَ سيفكَ قبل أن
تسقيه نهلًا مِنْ دمي وقتَ الظَّما
اضرِبْ فما لي مِنْ مُحامٍ في الورى
إن النصيرَ نأى وبانَ عن الحِمَى
إسكندر (لنفسه) :
غضبي يروم الإنتقامَ وإنما
عبثًا فقلبي بات فيها مُغْرَمَا
هذا وذاك تَخَاصَمَا والنصرُ قد
تبعَ الهوى وهوى إليه وسلَّما

(يغمد سيفه ويذهب بحيرة.)

الجزء السابع

(سليم – سجَّان – أسما – سجَّان)
سليم (لنفسه) : ما الفائدة من هذه الأفكار وهذا التردُّد؟ فلا يمكن أعيش بعد أسما (يأخذ بيده كأس السم)، آه يا أسما! (يبهتُ مُتأمِّلًا بالكأس.)
أسما (لنفسها) : آه لو قتلْتَني لكان أوفق لي من قتل ذاتي بيدي، وهذا أمر صعب للغاية، ولكن لا يمكنني أن أعيشَ بعد سليم. (تأخذ الكأس بيدها) آه يا سليم! (تبهت متأملةً بالكأس.)
هذا يسرُّكَ يا سليمْ
كي ألتقي بك عن قريبْ
وبحالتي ربِّي عليمْ
وهو السميعُ هو المجيبْ٥

(تشرب الكأس بكل خوف، ثمَّ تسقط على الأرض راجفة مضطربة.)

آه قريبًا يظلم النور في عيني، فالوداع الوداع؛ إذ قد دنا أوان الفراق.
سليم (لنفسه) :
حان الفِراقُ فودِّعي
يا نفسُ من قبل الرحيلْ
وإلى الحبيبة أسرعي
فهناك إرواءُ الغليلْ
لا أقدر أن أعيش بعد أسما، فليس إلا موتي يُنيلني لقاها.

(يهمُّ أن يشربَ الكأس فيسمع ضجَّة.)

سجَّان : أنت أنت يا شاب، استعِدَّ ها هو الملك مقبلٌ حسب عادته يتفقَّد السجون، فاستبشر الآن بالفرج القريب.

الجزء الثامن

(أسما (مطروحة) – سجَّان – سليم – سجَّان – ملك – حرس)

(في سجن سليم.)

ملك : وهذا الشاب، ما السبب في سَجْنِه؟
سجَّان : عاش الملك، ابن جلالتكم يا مولاي أمر بذلك.
ملك : والسبب؟
سجَّان : السبب … السبب كونه يهوى فتاةً هامَ في حبها ابنُ جلالتكم، ولم يقدر أن يحصل عليها، فقتلها وأمر بسجن هذا الشاب؛ كي يُضاعفَ عذابَه ثمَّ يقتله بعد ذلك (سليم يبكي).
ملك (لنفسه) : قتلها، والله لأعاقبنَّه شر عقاب على ظلمه. آه من تصرفاته الذميمة، فما هي بالحقيقة بتصرفات أولاد الملوك.
ملك : لا تبكِ، لا تحزنْ أيها الشاب، اذهب في سبيلك، فإنْ ظلمَكَ ابني فأنا أرحمك. (للسجَّان) أطلقوا سبيله.
سليم : جزاك الله خيرًا يا مولاي، ولكن ما الفائدة من تخلية سبيلي وابنك قد قتل مَنْ لأجلها وحدها أحيا وأعيش؟ فلم يَعُدْ لي سوى أن أهيم على وجهي في البَراري والقِفَار، وأموتَ موت من لا يُؤْثِرُ العار.
قد عشت لكن عيش أفضل صابرِ
فأموت لكن موت خير كريمِ
والله إنِّي لن أزال على الوفا
وإذا نكثتُ فما أنا بسليم

(ويذهب من السجن.)

الجزء التاسع

(ملك – حرس – سجَّان – أسما – سجَّان)
ملك : وأين هو إسكندر الآن؟ اذهبوا وائتوني به في الحال … لا لا، دعوه الآن لأُتمِّم زيارة السجون، ثمَّ أستدعيه إليَّ وأعاقبه بما يستحق (ويذهب الملك).

الجزء العاشر

(سجَّان (في سجن سليم) – أسما – سجَّان)
سجَّان (لنفسه) : حيث لم يَعُدْ أحدٌ هنا يُحافظ عليه، هلمَّ بنا نقفل الباب ونذهب، آه كم تفرح الرعية بملك عادل نظير مَلِكِنا، فمِنْ كل قلبي أطلب من الله أن يبقى مليكنا سالمًا ظافِرًا ويقهر أعاديَه (يقفلون السجن ويذهبون).

الجزء الحادي عشر

(أسما – سجَّان)
أسما (لنفسها) : كيف هذا؟ إلى الآن لم أشعر بألم، فكأني لم أشرب سُمًّا، آه ما هذا إلا لطول عذابي.
آهِ ما أحلى أويقاتٍ مَضَتْ
مَعْ شقيق الروح في حفظ الولا
كانَ طَرْفُ الدَّهرِ عنَّا غافِلًا
لَيْتَهُ ذاقَ الْعمى قَبْلًا ولا

الجزء الثاني عشر

(أسما – سجَّان – ملك – حرس)
ملك : أَمَا هي هذه البنت التي يهواها إسكندر؟
سجَّان : نعم يا مولاي.
ملك : كيف قالوا لي إنه قتلها؟
سجَّان : لم يقتلها يا مولاي، بل كان عزم على قتلها، وهي أيضًا من بُرْهَةٍ أرسلَتْني لأشتريَ لها سُمًّا.
أسما (لنفسها) :
أيها الظالم هَلَّا تختشي

(من غير أن تنظر الملك):

عَدْلَ مَنْ عَزَّ جلالًا وعَلَا
إن بالمرصادِ ربًّا عادِلًا
قَطُّ عَنَّا طَرْفُهُ ما غفلَا
سجَّان : وعبدكم … لما عرفتُ بأنه سم بدَّلتُه بما يشبهه، وهي لم تدرِ.
ملك : أحسنتَ ما فعلت.
(لنفسه) آه من فِعَال إسكندر.
ملك : يا أسما، إنِّي أطمنكِ يا بنتي، فسجَّانكِ بدَّل السمَّ بما يُشبهه فلا ترتعبي، وأبشركِ بأن حبيبكِ حي.
أسما : سليم حي، آه رُدَّت الروح إليَّ.
ملك : نعم هو حي، ولكن تحقُّقه بأنكِ قد ذبحتِ جعله يهيم في البراري والقِفار، فهدِّئي رُوعَكِ؛ فإني سأطلق سبيلكِ.
أسما : أطال الله عمركَ يا مولاي.
ملك : فاذهبي الآن إلى منزلكِ برفقة هذا السجَّان.
أسما : وما الفائدة يا مولاي وقد هام حبيبي في القِفار؟
ملك : لا بأس، اذهبي إلى البيت، ولا بدَّ أن يرجعَ سليم في أقرب الأوقات.
أسما : ما دام متأكِّدًا مقتلي فلن يرجعَ أبدًا، وسأهيم أنا أيضًا عسى أن تجمع بيننا الأقدار.
ملك : لا يا ابنتي، اذهبي إلى منزلكِ، وهذا السجَّان يرافقكِ وبعد قليل نتبصَّر بأمرك.
أسما : أمر مولاي الكريم
(لنفسها) لا بدَّ من الفرار، ولا يصعب عليَّ خداعُ السجَّان في الطريق، ومن هنا أسير على بركة الله مُفتِّشةً على من أحبَّتْه نفسي.
ملك : سر برفقتها حتى منزلها (أسما تذهب والسجَّان برفقتها).

الجزء الثالث عشر

(ملك – حرس – سجَّان)
ملك (لنفسه) : لا أدري ما الذي مال بي إلى هذه الصبية، وحرَّكَ بي نحوها المحبة والحنية، ألكونها مظلومة أم غير ذلك؟ لا أعلم.
ملك : ومن أين استدلَّت على السم؟
سجَّان : هي أرسلتني لآتيها به بقولها إنه علاج ينفعها، إنما الصيدلي حذَّرني منه بقوله إنه سم، ولما علمتُ بذلك سعيتُ بإبداله.
ملك : أحسنت، ولكن كان الواجب أن تعلمَها؛ حيث ربما فعل بها الخوف ما كانت تنتظر أن يفعل السم لتأكُّدها أن في الكأس سُمًّا، ومع ذلك فقد كان ما كان ولا بدَّ لي من الوقوف على أحوال هذه الصبية بالتفصيل، ثمَّ أسعى بإرجاع حبيبها وإصلاح أحوالهما مقابلةً لما قاسياه من ظلم إسكندر. آه يا إسكندر، كم تمرمرني بتصرُّفاتك التي لا تليق بابن ملك نظيرك. كيف هذا؟ أنا آمر بالعدل والإنصاف وأنت تظلم وتجور في الرعية! أنا أوصي بالحِلْمِ والرفق وأنت تخالفني بالبغي والتعدِّي! سعيد هو الملك الذي يتَّخذ العدلَ والحِلْمَ دستور أعماله، وسعيد بذلك شعبه. نعم نعم، إذا كان العدلُ أساسَ الممالك فبالحِلْم يتوطَّد. ما هذا الضجيج؟

(يُسمع ضجيج من الخارج.)

الجزء الرابع عشر

(ملك – حرس – سجَّان – إسكندر)

(يدخل السجَّان راكِضًا بكل خوف وينطرح على أقدام الملك، وإسكندر وراءه مُجرِّدًا سيفه كأنه يريد قتله، ويتوقَّف إذ يرى الملك وعلى وجهه لوائح الغضب والعبوسة.)

سجَّان : الأمان يا ملك الزمان.
إسكندر : موتك يا … (يرى أباه فيقف ويصمت.)
ملك : ارجع كفاكَ عُتوًّا.
ماذا جرى لك يا مسكين؟
سجَّان : آه يا مولاي، إن أسما لم تذهب إلى بيتها، بل خدعَتْنِي في الطريق، وقصدَتِ الفرار لتُفتِّش عن حبيبها، وكنتُ راجِعًا لأعرضَ ذلك لجلالتكم، وإذا بمولاي إسكندر يسألُني عنها، فأخبرتُهُ بإطلاقها من السجن بموجب الأمر الكريم، فغضب عليَّ وجرَّد سيفه يريد قتلي، فهربتُ والتجأتُ إلى حمايتكم، فأجِرْنِي أجارَكَ اللهُ حيث لا ذنب لي.
ملك : ويلكَ يا إسكندر، إلى متى هذا الجنون؟
إسكندر : أي جنون؟ كيف تُطلقون من أسرَتْنِي بهواها وتقولون جنون.
ملك : ويلك يا جَهول، وعلى مَنْ تعترض هذا الاعتراض؟ فأنا الذي أخلَيْتُ سبيلَهَا؛ إذ لا أريد أن أُجاريَكَ في ظلمِكَ.
إسكندر : فإذًا أنت تريد موتي؛ لأني بلا أشكٍّ أموت إذا لم أحصل عليها.
ملك : اعلم أيها الجاهل أنه أَحَبُّ إليَّ أن أعدمَكَ من أن أكون ظالِمًا.
إسكندر (متوقِّفًا) : آه آه، لا أقدر على فراقها (يهمُّ بأن يذهب).
ملك : ويلكَ ارتجع يا غبي.
كفاكَ عُتوًّا وارتجع عن ضلالةٍ
إسكندر :
أنا لم أجد لي للرجوع سبيلَا
إذا لم أنل أسما وأحظى بمقصدي
بإعدامِ مَنْ تهوى أبيتُ قتيلَا
ملك :
خُزِيتَ فرُحْ يا جاهِلًا حيثما تشا
فما أنتَ إبني لا ولستُ أباكا
أطعْتَ الهوى والمَيْل يا غِرُّ عاصيًا
مقالي وإرشادي فَسِرْ بهواكا٦
إسكندر :
نعم أهيمُ في القفارْ
مغادِرًا هذي الديارْ
لا بدَّ مِنْ أَنْ ألْتقِي
بها وذيَّاكَ الشَّقِي
إذ ذاكَ أَبْلُغُ الوَطَرْ
طِبْقَ المرادْ
إنِّي أَهيمُ في البراري هائمَا
ملك :
رُحْ يا ظلومُ لا رجعتَ سالِمَا
إسكندر (لنفسه) :
ومنهما أقفو الأثرْ
في كل نادْ
ملك :
ما عُدْتَ بعد ذا الخبر
ابني الوحيدا٧
١  قد: جمال حبي المفدى.
٢  قد: جمال حبي المفدى.
٣  قد: بدر جنح الغياهب.
٤  قد:
يا قوام البان
عنك صبري بان
٥  يا من حوى الخد الأسيل.
٦  قد: ومن عجبي أن الصوارم والقنا.
٧  قد: يا من لقلبي قد كوى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤