الفصل الخامس

(حدوثه نهارًا في سراي الملك.)

الجزء الأول

(بوَّاب – حرس)
بوَّاب (لنفسه) : خدمة الملوك متعبة وعديمة الراحة، ولا سيَّما متى كان الملك مكدرَ الخاطر مثل ملكنا في هذين اليومين. من قبل الصباح يحضر إلى هذا الإيوان، وألتزم أن أكون حاضِرًا مُتأهِّبًا لخدمة بابه، وإذا تخلَّى اللهُ عني، ولم أكن هنا قبل تشريفه غضب عليَّ وربما أمر بشنقي، فالله يقطع رزقي هذا ويصله بأحسن. (يفتكر) كم من الذين يشتهون الحصول على وظيفتي وأنا لم تَعُدْ تعجبني! سبحان الله.
لا يرتضي الإنسان
بما حواه الآن
وليس يقنع
بل هو يطمع
بنيل أعلى الشان١

الجزء الثاني

(بوَّاب – لبنى – حرس)
بوَّاب : خير إن شاء الله يا لبنى، ما هذا العدو؟
لبنى : شيء مهم جِدًّا، أين جلالة الملك؟
بوَّاب : لم يزل ما حضر.
لبنى (تجلس على الكرسي) : أنتظره إلى أن يحضر فأخبره ما أعلمني الوزير (تفتكر).
بوَّاب : ربما يغضب عليَّ الملك إذا رآكِ هنا، فإن شئتِ …
لبنى : لا لا، لا تفتكر، فلا يغضب عليك بسببي، فإني قابلة حرمه، وفي أي وقت كان أقابله وأخاطبه بكل حرية، لا تفتكر.
بوَّاب : صحيح ولكن …
لبنى : دعني بالحال، ففكري في غاية الاشتغال (تفتكر).
بوَّاب : لعنة الله عليكِ ما أقرب غضبكِ … العمى … كأنها بارود إنكليزي.
لبنى (لنفسها) :
عسى إن بُحْتُ بالأسرار إعلامًا
يكافيني مجازاةً وإحسانَا٢
بوَّاب (لنفسه) : آه يا لعينة، كيف تستعمل الحرية التامة كأنها في بيتها؟
لبنى (لنفسها) : ولكن لا، ربما يغضب شديدًا كما حذَّرَنِي الوزير، وربما أيضًا يُسَرُّ بذلك، ولكن لا … نعم … لا … نعم.
بوَّاب (لنفسه) : تُخاطب ذاتها مثل المجانين.
لبنى : لا … نعم … لا …
لقد بلبلت بالي بالذي كانَا
وعقلي من جراه بات حيرانَا٣
بوَّاب : ست، ست، اسكتي اسكتي، ها هو الملك واصل (لبنى تقف على ناحية).

الجزء الثالث

(لبنى – ملك – بوَّاب – حرس)

(يدخل الملك وعلى وجهه لوائح الغضب.)

ملك (لنفسه) :
لله ما هذي الأحوال
جرَّت شديد القهر إليَّا
زاد اضطرابي والبلبال
واشتدَّت الأوهام عليَّا٤

(يجلس.)

آه كم شغلت فكري هذه الورقة! وإلى الآن لم يأتني الوزير عنها بخبر. أيها الملك الجليل، ابحث ودقِّق لتعلم حقيقة حال مولودك، وخذ في ذلك رأي الوزير. (يقف) رأي الوزير، رأي الوزير، والوزير أنكر معرفة ذلك، آه آه! (يجلس.)
بوَّاب : أنظرتِ كيف أنه غضبان؟
لبنى : أنت لا يعنيك.

(الملك ينظر فيرى لبنى.)

ملك : ما حاجتك يا لبنى بالقدوم باكِرًا؟ أشيء مهم؟
لبنى : آه يا مولاي، إن لي ابنًا …
ملك : لكِ ابن؟ أنا لم أعهدكِ ذات بعل.
لبنى : ابن أختي المرحومة، وقد طرحه ابن جلالتكم في السجن مع أنه هو الذي يعولني.
ملك : ولماذا؟
لبنى : لأنه لم يُرِدْ أن يتنازل عن حبِّ ابنةٍ يحبها وقد ربَّيتُها في بيتي؛ لكونها … لكونها يتيمة.
ملك : أتعنين أسما وسليمًا؟
لبنى : نعم. أسما. أسما وسليم (بذاتها): آه ربي، أريد ولا أريد أن أكشف الأمر.
ملك : ما بالكِ يا لبنى؟ تكلَّمي، بماذا تتحدَّثين؟
لبنى : لا شيء يا مولاي.
ملك : أراكِ مرتبكة.
لبنى : نعم … لا … لا شيء.
ملك : كيف لا شيء؟ تكلَّمي.
لبنى : إن ارتباكي يا مولاي هو من خوفي، فإني أتشكَّى الآن على ابن جلالتكم، واجترائي هذا هو سبب خوفي وارتباكي.
ملك : كأنك تشكِّين بعدالتي؟
لبنى : حاشا لله يا مولاي، إنما يصعب على عبدتك رفعُ تشكٍّ لجلالتك على ابنك ووحيدك، وقد حاولتُ كتم ذلك، غير أن تصرُّفاتِهِ لم تسمح لي، فبُحت بشكواي عليه؛ لأنه ظلمني وظلم أسما وسليمًا ظُلمًا شديدًا، وطرحهما بالسجن بغير ذنب، وتهدَّدني بالقتل إن لم أساعده على تحصيل مرامه.

(يغضب الملك كثيرًا.)

ملك (لنفسه) :
يا رب ما هذي الأحوال
قد عظم المصاب لديَّا٥
ومن جرا هذي الأعمال
زدت عنا وكرهتُ بنيَّا
لبنى (لنفسها) : مسكين الملك، كم يتحمَّل من ذاك اللعين إسكندر.
ملك (لنفسه) : آه منك يا إسكندر كم تُكدِّرني، تعلم يقينًا بأن أصعب شيء لديَّ هو الظلم، وأنت تخرق شرفي بظلمك في الرعية، فلا أعادك الله لي سالمًا يا ظلوم؛ لأني ما عُدْتُ أريد أن أعرفك لي ابنًا.
لبنى (لنفسها، تظهر أنها ارتبكت) : يا رب، ربِّ، كيف العمل؟ هل أخبره؟
ملك (لنفسه) : نعم نعم، ولئن رجعتَ سالمًا فلستُ أقبلك بمنزلتك الأولى، فخيرٌ لك ألَّا ترجع، آه، ما أقبح الظلم!
لبنى (لنفسها) : يا ربي، ضاع رُشدي.
ملك (لنفسه) : أنا أكره الظلم والظالمين، وأنت تتخذه دستور أعمالك يا شقي، فمن يُعرِّفك بعد هذا بابني، نعم نعم لست بابني، نعم نعم لست بابني، نعم نعم لست بابني.
لبنى (لنفسها) : لم أَعُدْ أطيق الكتمان. (إلى الملك) نعم أيها الملك العالي الشأن، لقد نطقتَ بالحق، فإسكندر ليس بابنك، وأنا عندي علمٌ بالقضية.
ملك : كيف؟ كيف؟ ماذا تقولين؟
لبنى : نعم، إسكندر ليس بابنك، وأنا أخبر جلالتك بما كان، فقط أسألك الأمان (وتركع أمام الملك طالبة الأمان).
ملك : إسكندر ليس بابني، فإذن … الورقة … الوزير … لكِ الأمان يا لبنى، فقولي لي كيف كان هذا؟ عجِّلي بالإخبار فقد شغلتِ مني الأفكار.
لبنى (تنهض) : اعلم يا مولاي بالاختصار …

الجزء الرابع

(ملك – لبنى – بوَّاب – حرس – وزير)
وزير : عاش الملك، قد أُمسك اللصوص الذين طالما أقلقوا المملكة ومنعوا الناس الراحة، وهم الآن خارج الباب بانتظار أوامركم.
ملك : عليَّ بهم جميعًا في الحال (الوزير يشير إلى أحد الحراس بأن يذهب لإحضار اللصوص).
وزير (لِلُبْنى سِرًّا) : كيف الأحوال؟
لبنى (للوزير سِرًّا) : لا تَسَلْ.
ملك : ومن هو الذي أمسكهم وتسلَّط عليهم؟
وزير : مقدام عساكرك الهمام يا ملك الزمان.
ملك : وهل عددهم كثير؟
وزير : إنِّي لم أرَهُمْ يا مولاي، بل أخبرني بأمرهم أحدُ الموظفين، وقد سمعتُ ضجَّتَهم العظيمة فأسرعتُ لأبشِّر جلالتكم.

الجزء الخامس

(ملك – وزير – لبنى – حرس – بوَّاب – أسما – مقدام العساكر – عساكر – إسكندر – سليم – مقدام اللصوص – لصوص (جميعهم بالقيود))
وزير (متعجِّبًا) : ما هذا، ماذا أرى؟
لبنى (متعجبة) : ما هذا، ماذا أرى؟
ملك (متعجِّبًا) : ما هذا، ماذا أرى؟
مقدام : أيها الملك الرفيع الشأن، إننا توجَّهنا في الليل الماضي …
ملك : قبلًا، هذا مَن يكون؟ (مشيرًا إلى مقدام اللصوص.)
مقدام : أنا مقدام اللصوص.
ملك : مقدام اللصوص. هل من زمان تتعاطى هذه الصنعة الشريفة؟
مقدام : من خمس وعشرين سنة.
ملك : وما الذي ألجأكَ إليها؟
مقدام : ألجأني إليها عدمُ وجود طريقة أتعيَّش بها، فاضطررتُ إلى ذلك طمعًا بمعاشي، فصار لي خمس وعشرون سنة أتعاطى هذه المهنة حتى ليلة البارحة، فوجدتُ أوَّلًا عند باب مغارتي هذا القرنان الجبان (مشيرًا إلى إسكندر).
إسكندر : ويلك يا شقي، تقول عني قرنان في حضرة أبي؟
لبنى : لا، لا، لم يعد أباك، فقد ظهر الخفا.
وزير : ظهر الخفا! (يجثو على أقدام الملك.)
الأمان يا ملك الزمان، سامحني يا مولاي على هذا الكتمان، فإن إسكندر هو ابني.
لبنى : لا لا، ولا هو ابنك أيها الوزير، فأنت أيضًا غير عالم بحقيقة الحال.
ملك : دعاه قبلًا يُتِمُّ حديثه.
مقدام : وبعد أن أسرتُهُ بالمبارزة لقيتُ هذا البطل العظيم (مشيرًا إلى سليم) الذي استطال عليَّ وأسرني، وإذا باللصوص جماعتي هجموا عليه وأمسكوه، وحينئذٍ وفدَتِ العساكر وقبضوا على الجميع.
مقدام عسكر : نعم أيها الملك الجليل، ووجدنا داخل المغارة هذه الصبية مغشيًّا عليها (مشيرًا إلى أسماء)، وقد نقلنا كلَّ ما يوجد هنالك من أموال وغيره وأتينا به.
ملك : تكلمي الآن يا لبنى واكشفي الأسرار.
وزير : الأمان يا ملك … (يجثو على أقدام الملك.)
ملك : دعها تتكلم.
وزير : أمرك يا مولاي لا يُراجَع، إنما أسترحم الأمان وأنا أشرح لعظمتك ما كان.
ملك : لا بأس، أخبر، ولكن إياكَ والتحريف.
وزير (يقف) : اعلم أيها الملك أنه بعد أن توليتَ الملك بسنة واحدة ولدتْ جلالةُ الملكة المرحومة بنتًا، إنما من طمعها بأن تحصل على زيادة محبة والتفات من جلالتك رغبتْ في أن يكون مولودها ذكرًا، كون ولادة الذكور تسرُّ الملوك أكثر من ولادة الإناث. فحالًا أرسلتْ لُبْنى إليَّ تخابرني بهذا الخصوص، وبقدرٍ ربانيٍّ في ذلك النهار ذاته ولدت امرأتي المرحومة ذكرًا، فاستنسبت أن أجعل ولدي عوض بنتها؛ لكي أُرضيَ الملكة وأُسرَّ جلالتكم، فأعطيتُ لبنى غلامي وأفهمتُها أن تشيع خبرًا بأن امرأتي ولدَتْ بنتًا، وأن البنت ماتَتْ، وأن جلالة الملكة ولدَتْ ذكرًا، وهكذا كان.
لبنى : أي نعم أيها الملك الجليل، هذا ما يعرفه الوزير. أما حقيقة الحال فهي أنني أخذتُ الابنة إلى بيتي وربَّيْتُها، أما ابن الوزير فعوض أن آخذَهُ توًّا إلى الملكة مررتُ على بيتنا، وأخبرتُ أختي المرحومة بالخبر، وكانت أختي في تلك الأيام ولدت ولدًا ذكرًا، فطلبَتْ إليَّ أَخْذَ ابنها عوض ابن الوزير، فتمَّمْتُ طلبها وأبقيتُ ابن الوزير عندنا في البيت، وأتيتُ بابن أختي إلى الملكة، وهذا الذي صار، فإن إسكندر الذي كان ابنك أيها الملك هو حقيقة ابن أختي، وهذه هي ابنتك (تشير إلى أسما).
ملك : تعالَيْ يا بنتي وعانقي أباكِ، فقد مال قلبي إليكِ من أول يوم نظرتكِ به (يتعانقان). أحضروا لها في الحال تاجًا مُرصَّعًا وحُلَّةً ملوكية (يذهب مقدام العساكر ثمَّ يرجع بتاج وبرفير).
لبنى : أما سليم، فهو ابن الوزير، ولا علم لأحدٍ بشيءٍ من هذه الأسرار.
وزير : اكشف يا سليم عن ذراعك اليمين لأتحقَّق الأحوال. (سليم يكشف عن ذراعه فتظهر المِعْضَدَة) أي نعم، هذه هي المعضدة، هذه هي بذاتها، فأنت ابني، فهلمَّ وعانقني (يتعانقان).
لبنى (لإسكندر) : وأنت ابن أختي، وأنا خالتك، فبادِر وعانِقني (تتقدَّم إليه فيرفسها).
إسكندر : ابعدي عني لعنة الله عليك ما أنحسكِ!
لبنى : ترفسني؟ هذا أكبر دليل على أنك لست من دم ملوكي.
ملك (للجميع) : قد انشرح صدري بهذه الحوادث، فاسمعوا الآن، أنت يا إسكندر نظرًا لسوء تصرُّفاتك وظلمك قد جازاك الله بجعلك عبرة لغيرك، وقد كنتَ مستحقًّا النفي، وما هو أعظم من ذلك أيضًا، ولكن أكتفي بأن أجعل قصاصَك طردَك من أمامي. فاخلعوا عنه زينتَهُ الملوكيةَ وليذهب بسلام (إسكندر يقف على ناحيةٍ حيرانَ بعد أن يخلعوا عنه زينته). وأنت يا لبنى، تستحقِّينَ أيضًا أعظمَ قصاص نظرًا لما بدا منكِ في هذا العمل الفظيع بترككِ وحيدتي عندكِ في الذلِّ ستة عشر عامًا ولم تخشي غضبي.
سليم : أسترحمك يا مولاي لهذه المسكينة، فإنها لم تفعل ذلك إلا انقيادًا لإرادة الملكة المرحومة، فاعفُ عنها فإنك خير من عفا.
ملك : لا بأس، أما أنت يا وزير …
وزير : منك الأمان يا مولاي، فإني لم أتجرَّأ على هذا العمل إلا طمعًا بأني أُرضي خاطركم وأشرح صدر الملكة المرحومة، فقدَّمْتُ ابني وعُفْتُ لذَّتي مؤمِّلًا أن ذلك يرضيكم.
ملك : وأنت أيضًا لك العفو، فإن فِعْلَ ابنك يُنسيني ذنبك لكتمانك عني هذه الأمور، لا سيَّما بعد أن أطلعتُك على الورقة المعلومة، فدُم كما أنت، وأنتم أيها الجيوش، وجبتْ عليَّ مكافأتُكم بأكثر مما تستحقُّون، ومكافأة ذلك السجَّان النبيه الذي خلَّصَ وحيدتي أسما من الموت بإبداله السم بما يشبهه، فبشِّروه، وأمَّا اللصوص …
أسما : أرجوك يا أبتِ أن تعفوَ عنهم، فلولاهم لَلَبثتُ كما كنت، فقد جعلَتِ الحوادثُ كَشْفَ أمري على يدهم، فأنعِمْ بالعفو عنهم إكرامًا لي.
ملك : أحسنتِ، فإني أعفو عنهم أيضًا. (لمقدام العساكر) فألبسوهم إذًا لباس العسكرية وأدخلوهم في سلكها، فإنهم ماهرون.
سليم : وأنا يا مولاي، أسترحمك لإسكندر، فاقبل شفاعتي به واغفر له ذنوبه الماضية.
ملك : وإكرامًا لخاطرك إنِّي أعفو كل العفو، لا بل أقلِّده أيضًا أحسن الوظائف في بلاطي الملوكي.
أما أنت يا ولدي، وأنتِ يا وحيدتي، فإني أتمِّم مرغوبَكما وأزوِّجكما في هذا اليوم، وإليكما أفوِّض أمر ولاية عهدي ووراثة الملك من بعدي، فعيشا بسلام.

واحذروا جميعًا من الظلم الوخيم، فإن عاقبته بئس العاقبة، والمثال أمامكم فاعتبروا (مشيرًا عن إسكندر).
إسكندر : آه قد عرفتُ الآن جسامة خطئي، فقبَّح الله الظلم وكل ظالم.
ملك : ولكي يكون هذا النهار شامِلًا كل الرعية بالأفراح، فافتح أيها الوزير خزائن الأموال، واغمر الجميع بالأنعام وأزِلْ عنهم الأتراح.
١  قد: سقى زمان البان.
٢  قد: ألا يا من بسيف اللحظ جارحني.
٣  قد: ألا يا من بسيف اللحظ جارحني.
٤  قد: يا حلو بالتيه والألحاظ.
٥  قد: يا حلو بالتيه والألحاظ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤