قراءة في ملف المعلومات

عندما عاد الشياطين اﻟ «١٣» كلٌّ إلى غرفته، كان في انتظاره على مكتب الاطلاع ملفٌّ أسود اللون، وقد فُرِّغت عليه رموز الاسم ونوع العملية في أرقام وحروف بيضاء لا يمكن تقليدها. فهذه الملفات عادة تحوي معلوماتٍ ليست متاحةً إلَّا لعدد قليل جدًّا من الناس في هذا العالم.

استلقى «أحمد» على فراشه، وطلب كوبًا من عصير البرتقال، ثم أمسك بالملف، واستند إلى جانب الفراش الوثير وأخذ يقرأ: «ع. ق. ر.»

فهِمَ على الفور أن «ع» ترمز إلى عملية، و«ق» ترمز إلى «قارون»، و«ر» ترمز إلى يورانيوم، ومعناها مكتملة «عملية يورانيوم قارون»، مع تقديم اسم قارون في الشفرة …

وبعد مجموعة أخرى من الأرقام والأحرف الشفرية بدأ يقرأ:

منذ ثلاث سنوات أُسنِدت إلى شركة أجنبية عملية تحليل مياه بحيرة «قارون» باحتمال وجود عناصر ذات قيمةٍ اقتصاديةٍ هائلةٍ في مياه البحيرة … والمعروف أنَّ بحيرة قارون تمَّ حفرُها وإعدادها كمخزن للمياه أيام الفراعنة … وتبلغ مساحة البحيرة نحو ٥٠ ألف فدان، بعض أجزائها شديد العمق، وتزداد ملوحة البحيرة عامًا بعد عام نتيجةَ البخر، وتقوم الحكومة حاليًّا بمدِّ مصارف لتحلية المياه …

وقد قامت الشركة الأجنبية بعمليات التحليل على مراحلَ متعددة، وأثبتت فعلًا أنَّ مياه البحيرة تحوي كمياتٍ كبيرةً وذات قيمة اقتصادية عالية من عناصر البوتاسيوم والصوديوم والمغنسيوم، وغيرها، وكلها عناصر على درجة عالية من الأهمية، سواء بالنسبة للصناعات المدنية أو العسكرية.

وفي نهاية السنة الثالثة، لاحظ الخبراء المصريون والأجانب وجود الرمال السوداء في مناطق متعدِّدة من البحيرة، وهي الرمال التي تحمل عادةً عنصر اليورانيوم المُشع والذي تُصنع منه القنابل الذرِّية.

وقد اعتبرت هذه المعلومات على أكبر درجة من السرية، نظرًا لصراع الدول الكبرى حول هذا العنصر الخطير … وبدأت سلسلة من التجارب السِّرية في مصر وفي دول أخرى لاستخلاص عنصر اليورانيوم من الرمال السوداء … وفي الشهور الأخيرة من هذا العام ثبت أن اليورانيوم «ق» — نسبة إلى بحيرة قارون — من أفضل أنواع اليورانيوم في العالم، وقد تمَّ إعدادُ كمية منه تكفي لصنع قنبلة.

وضعت هذه الكمية في صندوق الرَّصاص مانع الإشعاع، ثم وُضِع الصندوق الأسود في صندوق أكبر من الحديد، ثم في صندوق ثالث من الخشب.

وضع الصندوق الخشبي ضمن مجموعة صناديق من الحديد كانت بها عيِّنات من عناصر أخرى، وتم نقْلُه من شاطئ البحيرة إلى سيارة مضت به إلى محطة سكة حديد «أبو كساه» ثم من هناك إلى «الفيوم»، ومنها إلى «القاهرة» … وكانت هناك رقابة بعيدة ولكن مشدَّدة على الصندوق، ولكن عندما تم فَتْحُه في «القاهرة»، وُجد أنَّ صُندوقَ اليورانيوم الأسود قد تمَّ استبدالُه بصندوقٍ آخرَ مماثل، ويحتوي على بعض قطع الحديد بدلًا من عيِّنات اليورانيوم، ولم نصل خلال الأسبوع الماضي كلِّه إلى تحديد المشتبه فيهم، وإن كان عدد الأشخاص الذين يعلمون السرَّ كله خمسة، ومن المؤكد أن الصندوق ما زال موجودًا داخل حدود منطقة قارون …

والآن إلى ملف الصور والمعلومات شبه الكاملة عن الأشخاص.

  • أولًا: البروفيسور «ج. كوب»، رئيس قسم الطبيعة النووية في إحدى جامعات الولايات المتحدة. له أبحاث متقدِّمة في استخلاص عنصر اليورانيوم، متزوج وله ثلاثة أولاد، سُمعته ممتازة، يعمل في مصر منذ سبعة أشهر، لم يُلاحَظ على سلوكه أيُّ شيءٍ مريب.

    ونظر «أحمد» إلى الصورة، كان البروفيسور «كوب» رجلًا ضخم الجسم، كبيرَ اللحية، باسمَ العينين، يبدو عليه الطيبة الشديدة …

  • ثانيًا: الدكتور «ل. باتريك»، أستاذ في الموادِّ المُشعة. شارك في صُنع عددٍ كبيرٍ من المفاعلات الذرية في العالم، تَنقَّل في عديد من العواصم العالمية، لم يتزوج، قضى في مصر عشرين شهرًا، يقضي إجازاته في الخارج، من هواة صيد السمك.

    نظر «أحمد» إلى صورة الدكتور «باتريك» … كان عكس البروفيسور «كوب»، فهو نحيف، طويل، لحيته منسقة، يضع في جانب فمه «بايب»، وفي أصبع يده اليمنى خاتم ضخم.

  • ثالثًا: الدكتور «س. مونتاجو»، أستاذ فَرنسي من الأساتذة العالميين في الموادِّ المُشعة خاصةً اليورانيوم. له أبحاث تطبيقية في مجال استخلاص اليورانيوم من الرمال السوداء، مشهور بخفة الدم، متزوِّج من سيدة سويسرية تقيم معه في «قارون». قضى في مصر سنةً وثلاثةَ أشهر، ولم يغادِرْها إلَّا مرَّةً واحدة.

    وكانت صورة الدكتور «مونتاجو» تُمثِّل شخصيةَ العالم الفَرنسي بقامته المتوسطة وشعره المقصوص والعوينات الطبية الخفيفة التي يضعها على عينيه، وقد بدا غارقًا في التفكير حتى إنه لم يلتفت إلى المصوِّر وهو يلتقط صورته.

  • رابعًا: دكتورة «هيلدا» من السويد. متخصصة في أبحاث الانشطار النووي، وعملت فترة طويلة مساعِدةً للبروفيسور «ج. كوب». في استخلاص الموادِّ المُشعة من الطبيعة. متزوِّجة ومات زوجها منذ ٤ سنوات، تعيش مع ابنها وابنتها في فيلَّا مجاورة للأوبرج، الابن ١٨ سنة والابنة ١٤ سنة، وهما يتردَّدان على مصر والخارج في فتراتٍ متباعدة.

    ونظر «أحمد» إلى صورة الدكتورة «هيلدا». كانت تتفجَّرُ صحةً وعافيةً وقد بدت على ملامحها الطيِّبة علاماتُ الذكاء، وكانت صورة كلٍّ من الابن والابنة تُشبه إلى حدٍّ بعيد صورةَ الأم.

  • خامسًا: المهندس «ن. كروسمان» هو المسئول عن الأجهزة والآلات العاملة في المشروع. متزوِّج، ولكنه يعيش وحيدًا في مصر، قليل الكلام والاختلاط بالآخرين. اشترك في الحرب العالمية الثانية، وفقد إحدى أذنيه وثلاث أصابع من قدمه اليمنى.

    كانت صورته عادية لم يستوقف «أحمد» شيء فيها.

ثم جاءت الملاحظات في الملف، وكان أهم هذه الملاحظات أن جميع العاملين في المشروع من المصريين موضع ثقة، وقد تمَّت عدةُ أبحاثٍ عليهم جميعًا أكَّدت ولاءهم واستبعاد قيامهم بأيِّ شيء يضرُّ بالوطن.

أخذ «أحمد» يتأمَّل الصُّوَر مرةً أخرى، بدا له بعض الوجوه ليس غريبًا عنه … وأخذ يُجهد ذاكرته في محاولة للبحث أين ومتى رأى هؤلاء، ولكن محاولته لم تؤدِّ إلى نتيجة، واستسلم للرُّقاد، فلم يستيقظ إلَّا على جرس خفيف عرَفَ أنَّه جرس التليفون الداخلي.

رفع السماعة وسمع صوت «إلهام» تقول له: ماذا تفعل؟

نظر إلى ساعته، ودهش لأنه نام أكثر من ساعة، فقال: لا شيء على الإطلاق!

إلهام: هل قرأت الملف؟

أحمد: نعم … ولم أجد فيه شيئًا يستحقُّ الذكر. هل هناك تعليمات جديدة؟

إلهام: ربما تتلقى التعليمات النهائية في المساء، على أن نكون جاهزين للسفر في الصباح إلى «القاهرة»، ما لم تكن هناك تطوُّراتٌ أخرى.

أحمد: كم واحدًا من الشياطين؟

إلهام: الشياطين اﻟ «١٣» جميعًا. يبدو أنَّ رقم «صفر» يريد أن يُثبت أننا يمكن أن ننجح فيما فشلت فيه بقية الأجهزة؛ لهذا يريد أن يُلقيَ بثقله كلِّه في الموضوع.

أحمد: سيكون شيئًا مُلفتًا للنظر وجود ١٣ شخصًا غريبًا في هذه المنطقة الصغيرة في «قارون».

إلهام: إنني لم أذهب إلى هناك من قبل.

أحمد: إنها منطقة ممتعة … ولكنها لا تُخفي ١٣ شخصًا مطلقًا؛ لهذا يجب أن نُقسِّم أنفسنا إلى مجموعاتٍ، على الأقل مجموعتان.

إلهام: إنك ستقود العملية بالطبع. وأعتقد أنَّ عليك أن تُفكِّرَ من الآن في أسلوب العمل.

ولاحظ «أحمد» النور الأحمر، وهو النور الثالث فوق باب غرفته، ومعناه أنَّ رقم «صفر» يريد الحديث إليه، فقال على الفور: سأضع السمَّاعة يا «إلهام». معذرة ولكن …

إلهام: فهمت.

وضعت «إلهام» السمَّاعة، وعلى الفور سمِعَ «أحمد» صوتَ رقم «صفر» العميق يقول له: سأعقد معك اجتماعًا خاصًّا بعد خمس دقائق في القاعة رقم ٩، هل أنت على استعداد؟

أحمد: بالطبع يا سيدي.

قام «أحمد» مُسرِعًا فغسل وجهه ودعكه ببعض ماء الكولونيا، وغيَّر قميصه، ثم انطلق في الممرَّات الساكنة إلى القاعة رقم ٩، وهي قاعة صغيرة للاجتماعات البالغة السِّرية.

دخل «أحمد» القاعة في الموعد بالضبط، وسمع رقمَ «صفر» يَتحدَّث إليه قائلًا: سأقول لك شيئًا لم أقُلْه في اجتماع الصباح … إن معلوماتِنا تُؤكِّد أن الذين استولَوا على صندوق اليورانيوم الأسود قد يغامرون بتفجيره في المنطقة، إذا لم يَتمكَّنوا من الهرب به من البلاد، وبالطبع ستكونون أنتم أولَ ضحايا التفجير هناك.

قال «أحمد» على الفور: إن الموت يا سيدي لا يُخيفنا … وحياتُنا أهونُ شيءٍ نقدِّمه في سبيل الوطن.

رقم «صفر»: إذن عليكم أن تبدءوا فورًا … والله معكم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤